تاريخ الاستلام 1/12/2022 تاريخ القبول 10/3/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
مقتضى العقد
Terms of the contract
م. عباس فاضل عباس
الجامعة العراقية - كلية القانون والعلوم السياسية
أ. د. علي فوزي ابراهيم الموسوي
جامعة بغداد - كلية القانون
teacher Abbas Fadel Abbas
Iraqi University - College of Law and Political Science
Ali Fawzi Ibrahim al-Mousawi
College of Law-University of Baghdad
dr.alifouzi@colaw.uobaghdad.edu.iq
المستخلص
فكرة مقتضى العقد من المسائل التي تشغل جانباً مهماً من الخلاف لدى الفقه القانوني, اذ لا تتفق كلمة الفقهاء حول المقصود بهذه الكلمة. وفكرة مقتضى العقد قد تعني الالتزام الأساسي الناشيء عن العقد, او هي بحسب تعبير الفقهاء المسلين تعني حكم العقد, وهم يقصدون بذلك الأثر الرئيسي للعقد. ولو شئنا لقلنا انها تعني جوهر العقد, الا ان العقد قد يشمل فضلاَ عن الأثر الرئيسي النابع عن طبيعة العقد, التزامات اخرى كانت نتيجة الشروط المدرجة في العقد. وعلى هذا الأساس فإن فكرة مقتضى العقد ليس لها معنى متفق عليه عليه, وهذا البحث هو محاولة لبيان مفهوم مقتضى العقد من خلال بيان الموقف القانوني للقوانين موضوع المقارنة .
Abstract
The idea of the contract requirement is one of the issues that occupy an important aspect of the dispute in legal jurisprudence. As the word jurists do not agree on what is meant by this word. The idea ofthe contract requirement may mean the basic obligation arising from the contract. Or, according to the expression of the Muslim jurists, By this they mean the main obligation in the contract. If we wanted, we would say that it means the essence of the contract, However, the contract may include, in addition to the main obligation arising from the nature of the contract, There are other obligations as a result of the terms agreed upon in the contract. On this basis, the idea of the contract requirement does not have an agreed upon meaning. This research is an attempt to study the concept of the contract requirement by studying the legal position of the laws being compared.
المقدمة
أولاً – عرض عام لفكرة البحث :
العقد في القانون العراقي هو ارتباط الايجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الاخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه. الا ان العقد يشتمل على العديد من الالتزامات, وهذه الالتزامات ليست جميعها بنفس الأهمية, فهناك التزامات أساسية او جوهرية كما هناك التزامات ثانوية. وهذه الالتزامات قد يكون مصدرها طبيعة العقد, مما يعني انها موجودة بحكم العقد دون حاجة لإضافة شرط في العقد, كما ان هناك التزامات أساسها الشروط المقترنة بالعقد. وحول هذين الأمرين اخلتف الفقه بشأن معنى مقتضى العقد, فهناك من يرى ان مقتضى العقد يعني حكم العقد الأساسي فحسب, في حين يرى آخرون انه يشمل جميع الالتزامات الناشئة عن العقد بما في ذلك الشروط المقترنة به .
ثانياً – أهمية فكرة البحث :
مسألة مدى أهمية العقد ليست أمراً محل خلاف, غير ان العقد يحتوى في مضمونه على مسائل جوهرية وأخرى ثانوية, كما ان العقد يشتمل على حكمه الأساسي فضلاً عما يشترطه طرفا العقد فيه, ولا شك ان مقتضى العقد يمثل مسألة بغاية الدقة في بحث الالتزامات التي تقع على طرفي العقد, فتأتي أهميتة البحث من أهمية المسائل يتناولها.
ثالثاً – مشكلة البحث :
المشكلة الأساسية في البحث هو ان فكرة مقتضى العقد ليست محل اتفاق بين الشراح قديماً وحديثاً. كما ان هذه المسألة من المسائل التي لم يتناولها المشرع ولم يحسم الجدل بشأنها, الأمر الذي يضعنا امام اجتهادات فقهية كثيرة, فضلاً عن ذلك فإن القانون الانكليزي موضوع المقارنة لا يعرف فكرة مقتضى العقد بالشكل نعرفه في قانوننا, وانما الفكرة في ونكلترا تتمثل بالشروط المقترنة بالعقد .
رابعا – منهجية البحث :
نتناول دراسة الموضوع من خلال منهجين, أولهما المنهج المقارن, إذ سنعمد الى المقارنة بين نظامين قانونيين, هما القانون العراقي والمصري بوصفهما مزيجاً من النظام اللاتيني والشريعة الاسلامية. والنظام الانكلوسكسوني متمثلاً بالقانون الانكليزي. أما فيما يتعلق بالمنهج الثاني فهو المنهج التطبيقي, وذلك من خلال رصد الموقف القضائي في كل من القوانين موضوع المقارنة.
المبحث الاول
مقتضى العقد وفق القانون العراقي والمصري
دراسة هذا المبحث تقتضي تقسيمه على مطلبين,
المطلب الاول – العقد من حيث أصله العام :
أصل العقد نقيض الحل، ثم استعمل في أنواع العقود من البيوعات وغيرها، ثم استعمل في التصميم والاعتقاد الجازم[1]. وقالوا للرجل إذا لم يكن عنده غناء: فلان لا يعقد الحبل, أي أنه يعجز عن هذا على هوانه [2]. وعليه فان العقد في لغة العرب يعني الربط أو الإحكام والإبرام بين أطراف الشيء، سواء أكان ربطا حسيا أم معنويا، من جانب واحد، أم من جانبين. وهذا المعنى اللغوي داخل في المعنى الاصطلاحي الفقهي لكلمة العقد. فالعقد اصطلاحا هو ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعًا[3]. وللعقد عند الفقهاء معنيان: عام وخاص. فالمعنى العام هو الأقرب إلى المعنى اللغوي وهو الشائع عند فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فهو: كل ما عزم المرء على فعله، سواء صدر بإرادة منفردة كالوقف والإبراء والطلاق واليمين، أو احتاج إلى إرادتين في إنشائه كالبيع والإيجار والتوكيل والرهن، أي أن هذا المعنى يتناول الالتزام مطلقا، سواء من شخص واحد أو من شخصين. فالعقد بالمعنى العام ينظم جميع الالتزامات الشرعية، وهو بهذا المعنى يرادف كلمة الالتزام. وأما المعنى الخاص للعقد فهو: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله. أو بعبارة أخرى: تعلق كلام أحد العاقدين بالآخر شرعا على وجه يظهر أثره في المحل. وهذا التعريف هو الغالب الشائع في عبارات الفقهاء[4]. وقد عرف المشرع العراقي العقد في المادة 73 من القانون المدني العراقي بأنه : ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الاخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه[5]. اما المشرع المصري فلم يعرف العقد وانما بين كيفية انعقاد العقد في المادة 89 بقوله : يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معيّنة لانعقاد العقد [6]. وهذا خلاف ما عليه المشرع العراقي, فهو يكثر من التعريفات, ولعل سبب ذلك هو مجاراته للفقه الاسلامي, اذ المعروف ان المشرع العراقي قطع شوطا أبعد من المشرع المصري في الأخذ عن هذا الفقه الاسلامي العريق. ولا شك ان الفقهاء المسلمون يمتازون بضبط المفاهيم وحصرها في نطاقها الفني الدقيق.
المطلب الثاني: مفهوم مقتضى العقد :
موضوع مقتضى العقد من المواضيع التي أثارت خلافاً في الفقه حول معناها وتحديد مدلولها, لذا من الأفضل التطرق لمعناها اللغوي اولاً ثم بيان معناها الاصطلاحي ومعرفة اقوال الفقهاء بشأنها ثانياً.
اولا: المعنى اللغوي لمقتضى العقد :
يقال اقتضى الدين أي طلبه[7]. وكلمة مُقتضَى وجمعها مُقتضيات هي اسم مفعول من اقتضى. واقتضى الحالُ ذلك: استلزمه، استدعاه واستوجبه, ويقال ما تقتضيه الظروف كما يقال بمقتَضى التعليمات: اي وفقاً لها, ويقال ايضا افعل ما يقتضيه كَرَمُك, أي ما يطالبُكَ به . والاقتضاء : هو طلب الشارع مطلقًا، سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك، وسواء أكان على وجه الجزم أم غير الجزم[8]. والقضاء: الحكم, والجمع الأقضية. وتأتي كلمة قضى بمعنى حكم, ومنه قوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [9]. وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء تقول: قضى دينه. ومنه قوله تعالى: { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [10]. وقوله تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر}[11]. أي أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك [12]. وتأتي اقتضى بمعنى : طلب شيئا من أحد، وتطلبه منه. واقتضى: بمعنى أراد، وشاء، وابتغى، وتوخى فيما يظهر[13]. والجامع بين كل هذه المعاني هو ان المقتضى احكام الأمر واتقانه, والمتقتضى لغة هو المطلوب والمستلزم والماخوذ والمدلول عليه وهو المستدعى وهو المستوجب . والعقود ليست مقصودة لذلتها وانما لما تحققه لأصحابها من غايات, ولما كان اطراف العقد ليسوا متساوين من حيث الضعف والقوة, فإن الشارع جعل ما يترتب على العقد من آثار من اعماله هو لا من اعمال العاقدين, ذلك ليتحقق العدل فلا يظلم الطرف القوي الطرف الضعيف, وكلام الفقهاء المسلمين عن مقتضى العقد وما يدور حوله ينطلق من هذا المعنى[14].
ثانيا: المعنى الاصطلاحي لمقتضى العقد :
ان الالتزامات التي ينشئها العقد بعضها التزامات جوهرية, وهي تلك الالتزامات التي لا يتصور وجود العقد بدونها, كنقل الملكية ودفع الثمن بالنسبة لعقد البيع, ويطلق فقهاء الشريعة الاسلامية على هذه الالتزامات الجوهرية مقتضى العقد, فمقتضى عقد البيع عندهم تملك المشتري للعين المبيعة وتملك البائع للثمن وهكذا, وهناك الى جانب هذه الالتزامات الجوهرية التي ينشئها العقد التزامات ثانوية, وهي التزامات قد توجد وقد لا توجد, مثال ذلك التزام البائع بالعيوب الخفية في عقد البيع, والتزام المؤجر بإصلاح العين المؤجرة وصيانتها خلال فترة الايجار[15]. وبنفس المعنى لكن بتعبير آخر يرى البعض ان مقتضى العقد: هو الأحكام الأساسية التي قررها الشرع لكل عقد، سواء بالنص عليها مباشرة أو باستنباط المجتهدين، بقصد تحقيق التوازن في الحقوق بين العاقدين[16]. ويقول الشيخ الحسيني المراغي : ومجمل المقال: أن مقتضى العقد هو ذاته، بمعنى: أن ماهيته لا تتحقق إلا بذلك، كالتمليك في العقود المملكة للعين أو المنفعة أو الانتفاع، فإن فواته موجب لانتفاء العقد، فإن هذه أمور لو انتفت لم يكن العقد على ما شرع في الأصل[17].
وقد تواترت كلمة الفقهاء على ان معنى مقتضى العقد هو ما رتبه الشارع عليه من أحكام, غير ان الخلاف يدور حول أي تلك الأحكام المترتبة على العقد هي مقتضاه ؟ هل الحكم الأصلي للعقد هو مقتضى العقد ؟ ام تلك الاحكام النابعة عن العرف والشروط المقترنة بالعقد ؟ . يرى بعض الفقهاء ان مقتضى العقد هو الحكم الأصلي للعقد, فعقد البيع رتب عليه الشارع ملك المبيع بقبضه، فإذا اشترط المشتري قبض المبيع والبائع قبض الثمن، كان ذلك الشرط مقتضى العقد فيصح. وكذلك إذا اشترى شيئاً بشرط أن يرده إذا وجد فيه عيباً فإن ذلك الشرط صحيح، لأن الشارع قد رتب على العقد المنفعة بالمبيع، والعيب ينافي ذلك فهو شرط يقتضيه العقد[18]. وهذا الكلام يبين مدى العلاقة بين مقتضىى العقد والشروط المقترنة بالعقد, فهو لا يقتصر على تناول حكم العقد الأصلي وانما يشمل كل شرط يدرج بالعقد ولا ينافي مقتضاه, بمعنى نه يتناول احكام العقد الاصلية والتبعية.
ومقتضى العقد عند الفقهاء المسلمين القدامى يوافق ما يعرف لديهم بحكم العقد, وهم يقصدون به الأثر والغرض الاصلي من العقد, وهذا الأثر يختلف من عقد لآخر, ففي عقد البيع فإن الحكم الأصلي هو الملك, وفي عقد الشركة هو الربح [19]. وفي هذا يقول ابن عابدين في معرض حديثه عن حكم عقد البيع : (وحكمه ثبوت الملك). ومعنى قوله : وحكمه ثبوت الملك, أي في البدلين لكل منهما في بدل، وهذا حكمه الأصلي، والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن، وثبوت الشفعة لو عقاراً … الخ[20].
ان موضوع العقد المراد به غايته النوعية, اي المقصد الأصلي الذي شرع العقد لأجله, وهذا الموضوع واحد ثابت غير مختلف في كل افراد النوع الواحد من العقود, وانما يختلف باختلاف نوع العقد, فالموضوع في كل عقد بيع انما هو نقل ملكية المبيع الى المشتري بعوض, وفي كل هبة انما هو تمليك العين الموهوبة مجاناً بلا عوض, وفي كل عقد اجارة انما هو تمليك منافع المأجور بعوض, وفي كل عقد اعارة انما هو تمليك المنافع بلا عوض وهكذا. فموضوع العقد من حيث المآل يتفق مع ما يسمية الفقهاء (حكم العقد) اي الأثر الذي يترتب عليه, فالموضوع والغاية النوعية والحكم هي مفاهيم متقاربة جداً من حيث المآل, وانما تختلف التسمية باختلاف وجهة النظر اليها, فموضوع عقد البيع وهو نقل الملكية بعوض اذا نظرنا اليه من جهة العاقدين المتابعين كان غاية لهما يسعيان الى تحقيقها بهذا النوع الموصل اليها من العقود, واذا نظرنا اليه من جهة حكم الشارع كان هو الحكم والأثر الذي يقره التشريع كنتيجة للعقد بعد وقوعه[21].
نلاحظ ان الرأي الاخير يقول ان حكم العقد وأثره النوعي كلامها بمعنى واحد, اي هما مقتضى العقد, ولو رجعنا الى كلام الفقهاء القدامى لوجدنا انهم يقصدون بحكم العقد مقتضاه, اي انهم يقصدون به حكم العقد الأصلي, وهذا القول يتطابق مع ما قلناه بشأن جوهر العقد, الا وهو الالتزام الاساسي (الجوهري) النابع من طبيعة العقد, وهو يتفق مع جوهر العقد عند هذا الحد, لولا ان مقتضى العقد قد يتسع احياناً ليشمل جميع احكام العقد, سواء منها النابعة من طبيعة العقد او تلك الاثار الناشئة عن الشروط المقترنة بالعقد .
وعلى هذا الاساس هناك من يفرق بين حكم العقد الاصلي (مقتضاه) وبين حقوق العقد, فيرى البعض ان حقوق العقد: هي الأعمال والالتزامات التي لا بد منها للحصول على حكمه, أو على الغاية والغرض منه، مثل تسليم المبيع، وقبض الثمن، والرد بالعيب أو بسبب خيار الشرط أو الرؤية، وضمان رد الثمن، إذ استحق المبيع مثلاً . وحقوق البيع التابعة للحكم: هي كل تابع للمبيع من الحقوق التي لا بد له منه, ولا يقصد إلا لأجله, كالطريق والشرب للأرض، وهي التي تسمى بالمرافق، والقاعدة فيها أو الأصل: أن كل ما كان من الدار متصلا بها يدخل في بيعها تبعا بلا ذكر[22]، وما لم يكن فلا يدخل بلا ذكر إلا ما جرى العرف أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فيدخل المفتاح استحساناً للعرف بعدم منعه بخلاف القفل ومفتاحه والسلم غير المتصل بالبناء، وأما الدرج (السلم) في بنايات الطبقات فتدخل عرفا [23].
فحكم العقد هي المطالبات والالتزامات التي تنشأ من العقد لتثبيت حكمه وتأكيده وتقويته, فحقوق البيع من جانب البائع هي المطالبة بالثمن, وحبس المبيع الى ان يستوفيه, ومن جانب المشتري هي المطالبة بقبض المبيع والمطالبة بضمان والاستحقاق والعيب ومالى الى ذلك [24]. وحقوق العقد يراد بها الاحكام التبعية التي تدخل في العقد, وهي مستلزمات العقد التي اشارت لها المادة 150 من القانون المدني العراقي : ( ولا يقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول ايضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام ).
ولعل هذا الخلاف الفقهي بشأن تحديد مفهوم مقتضى العقد هو ان من يدرس هذا العنوان لا يكاد يجد لمفهوم مقتضى العقد دراسة مستقلة تتناول موضوع الدراسة وحده, وانما يرد الحديث عن مقتضى العقد في سياق الحديث عن مواضيع اخرى تتصل به من قريب او بعيد. ومن الدراسات القليلة او النادرة التي تناولت مقتضى العقد بذاته, هي دراسة حديثة اجملت ما سبق وان تطرقنا له بالقول :
يرى بعض من الفقهاء المسلمين ان المراد بمقتضى العقد, هو ما يثبت بمطلق العقد من أحكام. كشرط التملك او شرط تسليم المبيع او الثمن, لأن هذه الأحكام تعد ثابتة بمطلق العقد, ولا ضرورة الى اشتراطها فيه. فهذه الاحكام والشروط تعد من مقتضى العقد. وهناك من ربط بين مقتضى العقد والأثر الظاهر له وبعض الاثار العرفية والشرعية. ويراد بالأثر الظاهر هو الأثر الجوهري او الاساسي له, فان كان الشرط منافياً لمقتضى العقد, فانه منافياً ايضاً للأثر الظاهر له اي جوهره, كما لو اشترطت الزوجة على زوجها عدم الوطء في عقد النكاح, فهذا الشرط باطل. اما في ما يخص بعض الآثار العرفية للعقد, والتي لا تعد من ضمن الاثار الظاهرة, كما في حالة اشتراط البائع على المشتري عدم تصرفه في المبيع بالنسبة لبعض التصرفات التي تعد من آثار ملكه, فهنا الشرط رغم كونه مناقضاً لمقتضى العقد, الا انه لا مانع من صحته ما لم يكن بطلانه راجعاً الى سبب اخر[25].
وبالنسبة للآثار الشرعية التي أوجبها الشارع للعقود. ولغرض تحديد في ما اذا كان الشرط صحيحاً من عدمه في حالة كونه مناقضاً لهذه الاثار, فيلزم من أجل ذلك التفرقة بين نوعين منها, الاول يقرر حقوقا قابلة للاسقاط او التنازل عنها, فيعد في هذه الحالة الشرط المنافي لها صحيحاً, والثاني يقرر حقوقاً غير قابلة للاسقاط او التنازل عنها, فيعد الشرط المنافي له باطلاً [26].
وعلى ضوء ذلك يعرف مقتضى العقد بأنه : جميع الالتزامات الناتجة عن العقد, والتي يترتب على استبعادها, او استبعاد بعضها, عدم تحقيق اهداف العقد, او انتفاء الصفة المميزة فيه, ومن ثم اختلاف التكييف القانوني له [27]. فهذا التعريف يشمل جميع آثار العقد سواء كانت اثاراً أصلية ام تبعية, جوهرية ام ثانوية, نابعة من ذات العقد ام شروط اقترنت به.ِ
والذي نراه هو ان مقتضى العقد يعني جميع أحكام العقد أياً كان مصدرها, سواء اكانت طبيعة العقد ام القانون ام كانت نابعة عن الشروط المقترنة بالعقد, وهذا هو معنى نص الفقرة 2 من المادة 150 من القانون المدني العراقي اذ تقول : ( ولا يقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول ايضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام ) . ويؤكد ذلك ما تنص المادة 131 من القانون المدني العراقي : ( 1 - يجوز ان يقترن العقد بشرط يؤكد مقتضاه او يلائمه او يكون جارياً به العرف والعادة. 2– كما يجوز ان يقترن بشرط نفع لأحد العاقدين او للغير اذا لم يكن ممنوعاً قانوناً او مخالفاً للنظام العام او للآداب والا لغا الشرط وصح العقد ما لم يكن الشرط الدافع الى التعاقد فيبطل العقد ايضاً ).
اما فيما يتعلق بالقانون المدني المصري, فقد اورد الأحكام التي تقابل ما ورد في القانون العراقي بموجب نص المادة 147 والتي تنص في فقرتها الاولى على : ( العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون) . كذلك نص المادة 148 من نفس القانون وهذا هو نصها : ( 1 - يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقه تتفق مع ما يوجبه حسن النية. 2 - ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضا ما هو من مستلزماته، وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام ) .
والفقهاء في تقسيمهم للشروط المقترنة بالعقد اشترطوا في صحة الشرط ان يوافق مقتضى العقد, فضابط الشرط الصحيح هو أن يكون مما يقتضيه العقد أو يلائمه, أو ما ورد في الشرع دليل بجوازه، أو ما يجري عليه التعامل، ومن أمثلة ذلك اشتراط القبض في عقد البيع، أو اشتراط الرهن أو الكفالة بالثمن المؤجل مثلا. فهذا النوع وأمثاله من الشروط الصحيحة يمكن اشتراطه في العقد، ولا يضر في انعقاده ولا في صحته. أما الشرط الباطل أو الفاسد فهو: ما لا يقتضيه العقد، ولا يلائم مقتضاه أو ما يؤدي إلى غرر، أو اشتراط أمر لم يرد في الشرع أو نحوه. ومن هذا النوع ما يبطل العقد، كبيع حيوان على أنه حامل؛ لما فيه من غرر، وكالعقد المتضمن على الربا؛ لنهي الشارع عنه[28].
ذكرنا قبل قليل قول صاحب العناوين الفقهية : أن مقتضى العقد هو ذاته، بمعنى أن ماهيته لا تتحقق إلا بذلك، كالتمليك في العقود المملكة للعين. ثم يضيف فيما يتعلق بالشروط التي تنافي هذا المقتضى فيقول : وهذه الأمور لو شرط ما ينافيها بطل. ووجه ذلك: أن الشرط يتبع في الصحة للعقد، فإذا لم يترتب على العقد ما هو مقوم لماهيته فلا عقد حتى يرتبط به الشرط، فلا يكون حينئذ للشرط موقع. ويمكن إدراج الشرط المنافي لمقتضى العقد في عنوان (الشرط المخالف للكتاب والسنة) باعتبار أن الشرط المقتضي لتغير هيئة العقد, أو لعدم ترتب آثاره اللازمة عليه, يكون مخالفا لما دل من الأدلة على اعتبار ذلك كله من الكتاب والسنة [29].
وهذه الشروط المقترنة بالعقد تسمى عناصر العقد العرضية او الجعلية, وهي اشتراطات يشترطها المتعاقدان فوق العنلصر الأساسية, وتسمى عندئذ عناصر عرضية او اضافية, بسبب انها ليست داخلة في التكوين النموذجي للعقد, وانما هي تقحم على العقد اقحاماً, وعندئذ تصير بالنسبة للعقد الذي اضيفت اليه عناصر ثابتة فيه, تحكم كيانه وتطبعه بطابع خاص [30].
فاذا كان يصح اقتران الشرط بالعقد كما تقدم, فان مقتضى العقد قد يكون هو حكم العقد الاصلي, بمعنى انه الالتزام الاساسي الناشئ عن طبيعة العقد (جوهر العقد) . كما يمكن ان يشتمل مقتضى العقد على التزامات تبعیة لم تنصرف إلیھا ارادة المتعاقدین, وهي ليست احكاما اصلية يقتضيها العقد, ومع ذلك تلزمھما, لأنه بدونھا لا یتحقق الغرض من العقد, أو یتعذر على أحد الطرفین أو كلاھما تنفیذ التزامه, ویقصد بالالتزام التبعي هو كل التزام غیر أصلي یرمي إلى تحقیق الغرض العملي الذي یقصده المتعاقدان أو تتطلبه طبیعة العقد، أي ان ھذه الالتزامات تھدف إلى توفیر الآثار النافعة للعقد وتجعله ملائماً للظروف, وسبب اشتمال العقد على هذه الاثار او الالتزامات التبعية, هو أن العقد في كثیر من الأحوال لا یتضمن تنظیماً لكل جوانب العلاقة التعاقدیة, وھنا قد یغفل المتعاقدان عن تنظیم الأمور إما عمداً أو سھواً, إذا كانت آثارھا في مرحلة ما قبل التعاقد قد تؤخر أو تحول دون إبرام العقد, أو لأن العمل لم یجري على مواجھتھا لاستحالة توقع النتیجة التي تترتب على ما یستجد من ظروف, وعدم توقع كیفیة سیر الأحداث[31].
واذا كانت الشروط المقترنة بالعقد هي من مكونات مقتضى العقد كما ذكرنا, فان مدى حرية الاشتراط في العقد وترتيب اثار العقد بناء على هذه الشروط ليست مسالة متفق عليها بين الفقهاء. والمراد بالشروط المقترنة بالعقود: ما يذكر بين العاقدين، فيقيد أثر العقد أو يعلقه بأمر زائد على أصل العقد في المستقبل[32].
فقد اتفق الفقهاء على أن العقد المستكمل لأركانه وشرائطه يتمتع بالقوة الإلزامية, فكل عقد باشره الإنسان بإرادته الحرة ملزم له بنتائجه، ومقيد لإرادته؛ وذلك لقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [33]. واتفق الفقهاء أيضا على أن ترتيب آثار العقود هي في الأصل من عمل الشارع، لا من عمل المتعاقدين. فإرادة المتعاقدين هي التي تنشئ العقد، ولكن الشريعة هي التي ترتب ما لكل عقد من حكم وآثار، وهم يقولون بذلك: إن العقود أسباب «جعلية شرعية» لآثارها، ومعنى ذلك أن الرابطة بين العقد وآثاره باعتبار أن أحدهما مسبب والآخر, وهي رابطة جعلها الشارع بينهما، حتى لا يبغي بعض الناس على بعض بما يشترطون من شروط. فإرادة الإنسان مقصورة على إنشاء العقد فقط، وأما ما يترتب على العقد من آثار، فمتروك لتقدير الشرع. وتستمد إرادة العاقدين سلطانها من الشرع بالحدود التي حددها لكل عقد، فقد تكون حدود الشرع محققة لحاجة العاقدين، فلا يحتاجان إلى اشتراط شروط تنقص أو تزيد من آثار العقد المشروعة، فإن لم تحقق حاجة العاقدين وغرضهما احتاجا إلى اشتراط شروط تحقق الغرض المطلوب. فاذا كانت الأحكام التي حددها الشرع لتحقيق آثار العقد لم يكن المتعاقدين بحاجة الى ادراج شروط اخرى في العقد تعدل اثار العقد.
ومع ذلك فان الفقهاء ليسوا على اتفاق حول مدى سلطة العاقدين في تعديل آثار العقود عن طريق اشتراط العاقدين الشروط العقدية إما بالنقص من تلك الآثار، أو بإضافة التزامات على أحد العاقدين لا يستلزمها أصل العقد. وحرية الاشتراط تقوم على المبدأ المعروف بمبدأ سلطان الإرادة، علما بأن الشريعة والقانون متفقان على أن تقرير آثار العقود وأحكامها هو من إرادة الشارع لا من عمل العاقد، والفارق بينهما في مدى تفويض الشارع إلى العاقدين من السلطان على تعديل الأحكام التي قررها التشريع مبدئياً في كل عقد[34].
المبحث الثاني
موقف القانون الانكليزي
نتناول دراسة مقتضى العقد في القانون الانكليزي على غرار الخطة التي اتبعناها في دراسة مقتضى العقد في المبحث السابق, فنتناول العقد في القانون الانكليزي من حيث اصله العام, ثم نتناول بعد ذلك مفهوم مقتضى العقد.
المطلب الاول – تعريف العقد وفق القانون الانكليزي :
تعريف العقد في القانون الانكليزي يثير بعض الصعوبات, ومن أسباب تلك الصعوبات هو اختلاف النظام القانوني الانكليزي عن النظام القانوني في العراق ومصر وفرنسا. والعراقي والمصري كلاهما قوانين لاتينية, لكنهما مزجا بين القانون الفرنسي والشريعة الاسلامية, في حين ان النظام الانكليزي هو نظام من بيئة تختلف تماما عما هو معهود لدينا. ولأجل ان نتبين مدى اختلاف النظام اللاتيني عن النظام الانكلوسكسوني, فإن فكرة القانون العام التي تسود القانون الانكليزي, هي فكرة تختلف تماماً عما هو معروف لدينا. فالقانون العام الذي تعرفه قوانينا هو مجموعة القواعد القانونية التي تدخل الدولة طرفا فيها بوصفها شخصاً ذا سيادة. ويقابل فكرة القانون العام لدينا فكرة اخرى هي فكرة القانون الخاص, الذي يعني مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الافراد مع بعضهم البعض, او علاقة الافراد مع الدولة بوصفها شخصا عاديا [35].
في حين ان فكرة القانون العام Common law في القانون الانكليزي لها معنى مغايراً تماماً لما تقدم. فهذه الفكرة لا تأتي في سياق تقسيم القانون الى عام وخاص كما هو الحال عندنا. بل ان فكرة تقسيم القانون الى قسمين عام وخاص لا تكاد تجدها في القانون الانكليزي اصلا, وانما فكرة القانون العام في القانون الانكليزي تعني مجموعة الاحكام او السوابق القضائية الصادرة عن القضاء الانكليزي والتي استقرت حتى اصبحت عرفا . بل حتى القول بأن القانون الانكليزي يعتمد على العرف بالدرجة الأساس لا يراد به ذات المعنى للعرف لدينا, فاذا كان العرف لدينا يعني تلك القاعدة القانونية غير المكتوبة والتي درج الناس على اتباعها فترة من الزمن حتى ساد الاعتقاد بأنها ملزمة[36]. فان العرف لدى الانكليز لا يراد به القواعد التي اعتادها الناس, وانما يعني أحكام المحاكم نفسها التي استقرت حتى صارت عرفا, وهي ما يطلق عليها القانون العام الانكليزي والتي تعرف ب : Common law .
وعلى هذا الاساس فإن النظام القانوني الانكليزي يقوم على فكرة السوابق القضائية التي تُشكل القانون العام. يذكر أن النظم القانونية القائمة على السوابق القضائية تُعنى بإيجاد حلول للتطبيقات أكثر من عنايتها بوضع نظريات أو مبادئ عامة. وترتب على ذلك عدم وجود تعريف تشريعي للعقد في القانون الإنجليزي، فالفقه القانوني هو من أنبرى لوضع التعريفات, ومنها تعريف العقد في ضوء المناخ القانوني السائد في انكلترا[37]. فمسألة تعريف العقد في القانون الانكليزي لا نجدها على غرار ما هو معروف لدى المجتمع اللايتيني, اذ لما كان القانون العام لديهم هو السوابق القضائية التي يصدرها القضاء, فالقانون العام اذاً ليس بقانون تشريعي, وانما هو من هو صنع القاضي[38].
والعقد من حيث مفهومه العام لا يختلف كثيراً من مدرسة قانونية لاخرى, فيعرفه سبنسر بأنه : اتفاق واجب التنفيذ قانوناً, وهو ينشأ بين شخصين او اكثر, وبه تكتسب الحقوق لشخص او اكثر بأداء اعمال معينة, او الامتناع عن ادائها من جانب الطرف الاخر[39]. وبنفس المعنى المتقدم لكن بشكل اكثر تفصيلا قيل في تعريف العقد في الفقه الانكليزي : انه اتفاق ملزم قانونًا, وهو يحتوي على مجموعة من الالتزامات ينشأ عنها واجب أداء أو حق التعويض على الأضرار في حالة الخرق. ونكون بصدد عقد متى ما توافق العرض اي الايجاب مع القبول. ويأخذ العرض شكل بيان من احد الاطرف يعرب من خلاله عن استعداده للالتزام بمجموعة من البنود المقترحة. فاذا ما أبدى الطرف الاخر قبوله للعرض انعقد العقد[40].
ويقدم الفقه الانكليزي تعريفاً آخر للعقد فيقول : ان العقد في أبسط تعريف له هو وعد قابل للتنفيذ بموجب القانون, وقد يكون الوعد هو القيام بشيء ما, أو الامتناع عن القيام بشيء ما, ويتطلب إبرام العقد الموافقة المتبادلة لشخصين أو أكثر, أحدهما يقدم عادة عرضا, والآخر يقبل, وإذا فشل أحد الطرفين في الوفاء بالوعد, يحق للطرف الآخر الحصول على تعويض قانوني[41]. فالعقد يبدأ اولا بالايجاب او العرض من احد الاطراف, يتمثل باقتراح نهائي يعرض على الطرف الاخر, اما القبول فهو الموافقة المطلقة وغير المشروطة على جميع الشروط التي اشتمل عليها العرض[42].فاذا كان العقد يتكون من الايجاب والقبول, فغن الايجاب هو تعبير عن الرغبة في التعاقد, بشروط معينة بقصد أن تصبح ملزمة بمجرد قبولها من قبل الشخص الموجه إليه. اما القبول فهو الموافقة على جميع شروط الإيجاب بالقول او الفعل [43].
والمقصود بالعقد هو ما يرتب التزامات قانونية, فليس كل وعد يعد ملزما من الناحية القانونية. فلو ان أحد الأصدقاء وعدك بإحضار قرص مضغوط للاستماع إليه، ونسى احضاره هل يكون ذلك خرقا للعقد ؟ يجيب القضاء الانكليزي على ذلك بالنفي. لأن الوعد نفسه قد لا يحتوي على العناصر الأساسية التي تعد جزء من العقد . فالعقد هو اتفاق بين طرفين يفرض حقوقا والتزامات يمكن تنفيذها بموجب القانون [44].
والقانون الانكليزي لا يعبأ بالبحث عن نية الأطراف الداخلية، فهذه النية يمكن العثور عليها من خلال التعبير. فليست العبرة بالنية الحقيقية الكامنة في النفس, بل بالنية المعبر عنها أو الظاهرة. او على حد قولهم فإن أطراف العقد ملزمون باللغة المستخدمة بغض النظر عن نواياهم [45]. فقضية ما إذا كان الطرفان يعتزمان الدخول في علاقات ملزمة قانونًا هي مسألة يتعين تحديدها بموضوعية, وليس عن طريق الاستفسار عن حالاتهم الذهنية [46].
والعقود في القانون الانكليزي من حيث انعقادها اما عقودا شكلية او عقود بسيطة. ولكن العقود البسيطة لا تنعقد الا اذا كان هناك مقابل (صفقة) او كما يصطلح عليه بالاعتبار[47]. ويعبر الفقهاء الانكليز عن ذلك بقولهم ان الشخص الانكليزي لا يكون ملزما لأن تعهداً صدر منه, ولكن لانه قام بعقد صفقة. ولكن هذا لا ينفي دور الارادة نهائياً, اذ الامر الذي لا جدال فيه هو ان الفكرة الاساسية وراء جميع اشكال العقد انها تقوم على الرضاء, ذلك ان المتعاقد على خلاف فاعل الضرر يكون ملزما لأنه اتفق على ان يكون ملزما [48].
قلنا ان العقد في القانون الانكليزي يتسم بالشكلية. والواقع ان تاريخ المجتمعات الاوربية سواء كان القانون الروماني ام الانكليزي, كلها تتطلب الشكلية لابرام العقود, الا ان الشكلية الموجودة في القانون الانكليزي ليست كالشكلية الرمزية الموجودة في القانون الروماني, والتي قد تتمثل بمجموعة من الحركات المصحوبة بالاقوال والاشعار, وانما الشكلية في القانون الانكليزي تمتاز بنوع من البساطة مقارنة بالقانون الروماني[49]. واذ كانت العقود البسيطة يشترط فيها المقابل, فلا يشترط فيه ان يكون مساويا للقيمة, وانما كل ما يتطلبه القانون الانكليزي هو وجود هذه القيمة, مهما كانت ضئيلة, فمن الممكن ان تشتري ما قيمته الف باوند بباوند واحد. وقد قيل في المثل لديهم : ان حبة من القمح تكفي [50]. فالمقابل يجب أن يكون ذا قيمة للطرف الآخر, حتى ولو كان تافها, كقلم مقابل سيارة بورش اذا انصرفت له النية الجادة, فالمحاكم لا تهتم بالسعر الحقيقي أو تساوي الصفقة، وانما تترك الأمر لأطراف العقد على اساس حرية التعاقد. ففي قضية توماس ضد توماس (1842) Thomas v Thomas (1842) أراد الزوج أن يكون لزوجته، عند وفاته، الحق في العيش في المنزل الذي يملكه، فأبرم عقد ايجار سنوي مقابل جنيه واحد لكل عام. اعتبرت المحكمة هذا المبلغ كافيًا لصحة العقد، على الرغم من أنه من الواضح أنه لم يكن كافيا، لأنه كان أقل من القيمة السوقية [51].
المطلب الثاني : مفهوم مقتضى العقد :
من قواعد العقد الأساسية في القانون الانكليزي هو حرية اطراف العقد في تحديد بنود العقد, وعلى هذا الاساس فهم يقومون بتحديد مضمون العقد بكل حرية, وانه لا يدخل في وظيفة المحكمة من حيث الأصل العام اضافة بند في العقد, كما ليس من شأنها تعديل مضمون العقد, اذ القاضي لا يصنع العقد, بل من واجبه احترام طبيعة العقد والغرض من تنفيذه, وهذا ما يعرف في القانون الانكليزي بمبدأ قدسية العقد Sanctity of Contract [52].
لقد جرت العادة في القانون الانكليزي ان يقوم الطرفان اللذان يبرمان عقداً تجارياً بتوثيق فحوى الالتزامات او تدوينها في وثيقة شكلية مكتوبة, في حين يكفي مجرد الاتفاق الشفوي في الغالبية العظمى من العقود الاخرى, فضلا عن ذلك فإن القانون قد يسهم ايضاً في ادراج مزيد من البنود في العقد الانكليزي, اما عن طريق التشريع او العادات التجارية, وتؤدي المحاكم ايضاً دوراً في تضمين العقود بنوداً تعتقد بأنها ضرورية لمنح تلك العقود فاعلية تجارية, او عندما يسود الاعتقاد لديها بأن أحد البنود كان سيتم ادراجه او تضمينه في عقد ما لولا وقوع الاطراف المتعاقدة في اهمال او سهو بخصوص تضمين ذلك البند في العقد. ويعرف جانب من الفقه الانكليزي بنود العقد بأنها مجموعة بيانات او وعود او اشتراطات قد تكون صريحة او ضمنية, يجري ادراجها في العقد, وبدورها تحدد نطاق حقوق والتزامات الطرفين المتعاقدين, فضلا عن المعالجات (اي التعويضات) المتاحة في حال الاخلال بتلك البنود وفقا لأهمية اي بند من بنود العقد[53]. والبنود او الشروط التعاقدية في القانون الانكليزي هي التي تكون مقتضى العقد, ولما كانت البنود او الشروط التعاقدية تنقسم الى شروط صريحة واخرى غير صريحة, فسنتناول كلا النوعين من خلال النقطتين التاليتين :
اولا: الشروط الصريحة:
وهي قد تكون شروط مكتوبة او شفوية : متى كان محتوى الاتفاق محل نزاع, فانه يتعين على المحكمة بادئ ذي بدئ التحقق من العبارات الصادرة من المتعاقدين, سواء اكانت شفوية او مكتوبة. واذا تم العقد كليا باللفظ, فان محتوياته تعتبر من مسائل الواقع التي يتعين اثباتها, ويخضع ذلك عادة لتقدير القاضي, لأنه يجب ان يتحقق بشكل مضوعي عما عبر عنه الطرفان بالالفاظ [54].
ومن الاحكام الصادرة بشأن العقد الشفوي ما جاء بقضية سميث ضد هيوز (1870) - Smith v Hughes (1870) LR 6 QB 597 . اذ كان المدعي السيد سميث مزارعا بينما المدعى عليه السيد هيوز كان مدرباً لخيل السباق. اعطى سميث لهيوز عينة من الشوفان, ونتيجة لما رآه قرر شراء مقداراً من الشوفان. تم إرسال الشوفان إلى السيد هيوز, وعندما وصل الشوفان, قال إن الشوفان لم يكن مطابقاً لما هو متفق عليه, فهو كمدرب لخيل السباق يحتاج للشوفان القديم, فهذه النوعية هي التي كانت تناسب النظام الغذائي للخيول, اما الشوفان الذي تم إرساله إلى السيد هيوز فقد كان من الشوفان الأخضر. لذا رفض السيد هيوز الدفع, فقال السيد سميث بأن السيد هيوز قد خرق العقد لأنه لم يدفع الثمن, وكذلك رفض تسلم الشوفان في المستقبل. وكانت المشكلة في هذه الحالة تتمثل فيما إذا كان يمكن للسيد هيوز فسخ العقد لأن السيد سميث لم يسلم نوع الشوفان الذي كان يتوقعه. علما انه لم تجر مناقشة بين الطرفين بشأن تسليم الشوفان القديم. وقد كشف اختبار موضوعي للقضية أن الشخص المعقول يتوقع بيع الشوفان ذو النوعية الجيدة في عقد مماثل، حيث لم تكن هناك مناقشة صريحة للشوفان القديم. أعطته العينة الفرصة لفحص الشوفان[55]. ففي هذه القضية كان السؤال يتمثل فيما اذا كان محل عقد البيع قد وصف من جانب البائع بانه شوفان جيد Good oats. او شوفا قديم جيد Good old oats [56].
واذا تم العقد كليا بالكتابة فان التثبت مما كتب لا يشكل عادة أية صعوبة, فيخضع تفسير العقد تماماً للقاضي, وعلى هذا الافتراض جرى القضاء واستقر على ان يلتزم المتعاقدان بما ورد في اطار المحرر المكتوب الذي اختاراه ان يكون اداة تعبير لاتفاقهما, لذلك فانه لا يجوز لأي من المتعاقدين تقديم دليل اخر لكي يثبت ان نيته قد حرفت في المحرر, او ان اقعة جوهرية للتعاقد لم ترد به. فمن المسلم به كقاعدة قانونية انه لا يجوز قبول البينة الشفوية لكي تضيف او تعدل او تخالف المحرر الرسمي او الورقة المكتوبة, ومن ثم فقد حكم بأن البينة الشفوية لا تقبل كدليل لإثبات ان هناك شرطاً اتفق عليه شفوياً لم يرد له ذكر- سواء عن عمد او دون عمد في الورقة المكتوبة التي تكون عقداً صحيحا نافذا بين المتعاقدين[57].
ومن الاحكام المتعلقة بالشروط الصحيحة الواردة بعقد مكتوب ما جاء عن المحكمة العليا في كندا في قضية Hawrish v. Bank Of Montreal [1969] S. C. R. 515 . اذ وقع المستأنف وهو محام نيابة عن الشركة دون أن يقرأ سابقاً ضمانا للبنك المدعى عليه لمديونية ومسؤولية شركة تم تشكيلها لغرض شراء أصول شركة ثانية كان للمستأنف فيها مصلحة. كان الضمان على شكل البنك المعتاد, وذكر أنه كان من المقرر أن يكون ضماناً مستمراً وأن يغطي مديونية الشركة الحالية والمستقبلية بمبلغ 6,000 دولار. وبعد أن أصبحت الشركة معسرة, وكونها مدينة للبنك بمبلغ يزيد عن 6000 دولار. رفع البنك دعوى ضد الضامن مقابل كامل مبلغ ضمانه. وكان الدفاع هو أنه عندما وقع الكفيل على الضمان كان لدى الكفيل تأكيد شفوي من مساعد مدير الفرع, بأن الضمان هو تغطية المديونية الحالية فقط اي تغطية فتح اعتماد للمبلغ المذكور فحسب, وأنه سيتم إعفاؤه من ضمانه عندما يحصل البنك على ضمان مشترك من مديري الشركة, وقد تلقى البنك ضمانتين من هذا القبيل.
فشلت حجة المستأنف على أساس أن اتفاق الضمان الذي يسمح بتسريح المستأنف, يتعارض بوضوح مع شروط الضمان الذي ينص على أنه ضمان مستمر. فالمحكمة تهتم عادة بالنية الظاهرة التي دل عليها التعبير, حتى ولو خالفت النية الحقيقية الباطنة لاطراف العقد, وهذا الأمر يستدعي استبعاد التعبير الشفوي عن نية اطراف العقد, والحكم بناء على النية المعبر عنها بالدليل الكتابي[58].
ثانيا: الشروط الضمنية :
وتنقسم الى شروط ضمنية بالعرف, وشروط ضمنية بالقانون, وشروط ضمنية بواسطة المحكمة, وهي كالآتي :
1 – الشروط الضمنية بموجب العرف : Implied terms according to custom
من ذلك ما جاء بقضية هوتون ضد وارن - Hutton V Warren (1836)1M & W 466 . اذ كان هوتون مزارعاً مستأجراً للأراضي التي يملكها وارن. أعطى وارن هوتون إشعاراً بالاستقالة (انقضاء العقد) وأصر على أنه يواصل زراعة الأرض طوال فترة الإشعار. استمر هوتون في زراعة الأرض خلال العام الأخير من الإيجار, وانفق من ماله على شراء البذور والسماد وغيرها مما يتعلق بزراعة الاراض. عندما ترك هوتون المزرعة طلب من وارن دفع مبلغ معقول مقابل العمل والنفقات التي انفقها في المزرعة فرفض وارن الدفع.
ادعى هوتون أنه كان من المعتاد عند انتهاء عقود الإيجار الزراعية أن يدفع المالك للمزارع مبلغاً معقولاً مقابل تكلفة الحراثة والبذر والزراعة. وقال إنه انفق قدراً كبيراً من النفقات خلال السنة الأخيرة من الإيجار, وعند إنهاء عقد الإيجار منع من الاستفادة من المحاصيل الناشئة عن عمله، وبالتالي سعى إلى التعويض عن النفقات التي تكبدها بوصفه مستاجر خارجي. أجاب السيد وارن بأن عقد الإيجار الأصلي لا يحتوي على مثل هذا الالتزام, وإذا لم يتضمن عقد الإيجار عبارة المستأجر الخارجي, فلا يكون هناك التزام بالدفع. فطعن وارن في وجود أي عرف من هذا القبيل، وحتى لو كان هناك عرف فإنه لم يدرج في العقد, لأن عقد الإيجار كان صامتاً بشأن هذه المسألة.
وجدت المحكمة ان العرف موجود ضمناً في عقد الإيجار. ففي الحالات التي يكون فيها العقد التجاري صامتاً، يكون الدليل الخارجي على الممارسة والاستخدام العرفي مقبولا, ويمكن إدراجه في الاتفاق. ومن ثم فإن مدة الإيجار الضمنية هي أن يسترد هوتون مبلغاً عادلاً ومعقولاً للبذور والعمالة التي انفقها على الأرض[59]. فقضت محكمة الخزانة Court of Exchequer بأن عقد الايجار المبرم بين الطرفين يجب ان يفسر على ضوء ذلك العرف. وبين القاضي بارون بارك Baron Paeke سبب اخذه بالعرف مبينا ذلك بقوله : ( اضحى من المسلم به منذ زمن طويل انه في المعاملات التجارية يكون ايراد الدليل على العرف والعادة مقبولاً في الاثبات لكي يضيف احكاماً للعقود الكتابية في المسائل التي سكتت عنها ) [60].
2 – الشروط الضمنية بموجب القانون : implied terms by law
ففيما يتعلق بالشروط الضمنية بموجب القانون هناك القضية المعروفة ب : Helby v Matthews HL 30 May 1895 . اذ كان هناك اتفاق بين المدعي والمدعى عليه مفاده قيام المدعي وهو تاجر, بتأجير بيانو للمدعى عليه بأجرة شهرية, واذا اوفى الأجرة المستحقة لمدة 36 شهراً تنتقل الملكية له. ولكن كان يحق للمدعى عليه ان ينهي العقد في الوقت الذي يشاء. لم يكن المستأجر ملزماً بإجراء جميع المدفوعات وشراء البيانو. انتهى قرار مجلس اللورات ان المدعى عليه لما كان له ان ينهي عقد الايجار في اي وقت يشاء, فانه لا يكون ملزماً بشراء البيانو, وله حرية الاختيار بين الشراء او عدمه, لذلك لا يمكن تطبيق احكام المادة 9 من قانون المصانع ولا المادة 25 (2) من قانون بيع البضائع ولذلك لم تنتقل المليكة الى المدعى عليه [61]. قال اللورد هيرشيل: يقال إن جوهر الصفقة التي تدل عليها الاتفاق, فيجب أن ينظر إليها، وليس الى مجرد كلماتها, فييجب بطبيعة الحال التحقق من المضمون من خلال النظر في حقوق والتزامات الأطراف، لكي تستمد من النظر في الاتفاق برمته. لقد كان له الحق في استخدامه طالما أنه دفع للمدعي المبلغ المنصوص عليه في العقد، وكان ملزماً بإجراء هذه المدفوعات الشهرية طالما احتفظ بحيازة البيانو, فإذا استمر بالدفع في الأوقات المحددة لمدة ثلاث سنوات, كان البيانو ليصبح من ممتلكاته, لكنه قد يعيدها في أي وقت, وعند القيام بذلك, لن يكون مسؤولاً عن دفع أي دفعة أخرى تتجاوز المبلغ الشهري المستحق. أيها اللوردات: لا أستطيع أن أتفق مع رأي محكمة الاستئناف, فلا يمكن أن يقال أنه كان اتفاقا للبيع, اذ هو لم يوافق على الشراء بانقضاء الدفعات الشهرية (36 شهرا). وكل ما قام به هو جعل الدفع الشهري طالما احتفظ بالبيانو, وكان لديه خيار لا شك فيه لشرائه من خلال الاستمرار في المدفوعات المنصوص عليها لفترة كافية من الوقت. لو كان قد مارس هذا الخيار لكان قد أصبح البيانو ملكا له. لذا لا أستطيع أن أرى في ظل هذه الظروف كيف يمكن أن يقال إما أنه اشترى أو وافق على شراء البيانو. اذ لم تلزمه شروط العقد عند تنفيذه بالشراء، بل تركته حراً في ذلك ولم يحدث شيء بعد إبرام العقد لفرض الالتزام. وقال اللورد ماكناغتن: لم يكن العميل ملزما بالوفاء بالشروط التي تعهد بها الوكيل وحده, ولم يكن ملزما بالحفاظ على البيانو ليوم واحد أو ساعة واحدة [62].
3– الشروط التي تفترضها المحاكم : terms Implied by the courts
هناك بعض الشروط الضمنية تتوصل لها المحكمة خلال نظرها للدعوى حتى ولو لم ينص عليها القانون او لم يكن هناك عرف ينظمها, من ذلك مثلا قضية : Lister v Romford Ice & Cold Storage Co Ltd [1957] AC 555 - قانون المسؤولية التقصيرية – عقد الخدمة – المسؤولية غير المباشرة . اذ قام لستر باقامة الدعوى للمطالبة بالتعويض نتيجة اصابته بحادث سير, كون ابن المدعي Lister يعمل سائق شاحنة لدى الشركة. وكان المدعى عليه سائق شاحنة قد أخذ والده معه في الرحلة, وخلال ذلك عكس الابن الشاحنة، مما تسبب بإصابة الاب. رفع الأب الدعوى ضد الشركة للحصول على تعويض عن الإصابة الشخصية, فقامت الشركة باقامة الدعوى ضد السائق لانه خرق مصطلح ضمني في عقد خدمته مفاده, أن يراعي استتخدام مهارة معقولة أثناء القيادة. وكان من المهم للمحكمة في هذه الحالة، أن تحدد ما إذا كان السائق يدين لصاحب العمل بواجب استخدام المهارة والرعاية المعقولة أثناء عمله. وكان مطلوباً من المحكمة أيضا تحديد مقدار الضرر في حكمها. ورأت المحكمة أن السائق كان مطالباً بموجب التزام تعاقدي لأداء القيادة بمراعاة مهارة معقولة. وعلى هذا الأساس يحق للشركة استرداد التعويض عن الإخلال بالعقد, ولا يمكن للسائق الاعتماد على أي شرط ضمني في العقد قد يعفيه من مثل هذا الإجراء[63].
الخاتمة :
خلاصة ما يمكن يقال هو ان مقتضى العقد يعد الحكم الاصلي للعقد, وكثيراً ما يضرب المثال بذلك فيقال, ان مقتضى عقد البيع نقل الملكية, الا ان مقتضى العقد لا يقتصر على الحكم الاصلي النابع عن العقد والذي يسمى موضوع العقد احياناً, وانما من الممكن ان يشمل جميع الاحكام التي ينشئها العقد, بما فيها تلك الاحكام التي تترتب على العقد لا بحكم طبيعته, وانما لما يقتضيه االعرف, او تراه المحكمة أحياناً. فمقتضى العقد يراد به فضلاً عن الالتزام الجوهري الناشئ عن طبيعة العقد, تلك الأحكام التي لا تقتضيها طبيعة العقد, الا ان تحقيق الأثر الاصلي للعقد غير ممكن الا اذا تحققت الالتزامت تلك التبعية, وقد اجمل المشرع العراقي ذلك بقوله : ولا يقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول ايضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام. فمقتضى العقد ليس قاصراً على حكم العقد الأصلي, وانما يشمل كل ما يدخل في العقد من أحكام تبعية كالشروط المقترنة فيه.
[1] تاج العروس من جواهر القاموس للزَّبيدي - دار الهداية – بدون سنة طبع - ج 8 – ص 394 .
[2] لسان العرب لابن منظور - دار صادر – بيروت - الطبعة الثالثة - 1414 هـ - ج 3 – ص 296 وما بعدها.
[3] الجرجاني – التعريفات - دار الكتب العلمية بيروت -لبنان - الطبعة الأولى - 1403هـ -1983م.– ص 153. التعريفات الفقهية : محمد عميم الإحسان المجددي البركتي - دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى، 1424هـ - 2003م – ص 149 .
[4] وهبة الزحيلي – الفقه الاسلامي وأدلته - دار الفكر - سوريا – دمشق - الطبعة الرابعة – ج 4 – ص 2917 – 2918 . للمزيد انظر : محمد ابو زهرة – الملكية ونظرية العقد في الشريعة الاسلامية – القاهرة - دار الفكر العربي – 1996 - ص 173 – 175 . د. عباس حسني محمد – العقد في الفقه الاسلامي – شبكة الألوكة – الطبعة الاولى – 1413 ه – 1993 م - ص 21 وما بعدها.
[5] استعمل المشرع العراقي اصطلاح المقعود عليه, وهو مصطلح مقتبس من الفقه الاسلامي, وهو يعني المحل وفق تعبير القوانين الحديثة. واذا كان المحل هو المعقود عليه ولا خلاف في ذلك بين الفقه الاسلامي والقوانين الوضعية, فان الخلاف ثار بين الفقهاء حول مدى اعتبار المحل ركنا في العقد ام ركن في الالتزام. والراجح ان المحل ركن في الالتزام الا ان دراسة المحل بوصفه ركنا في العقد سببها ان المحل لا تظهر اهميته الا في العقد, كون محل التصرف القانوني تحدده الارادة بخلاف المصادر الاخرى اذ يحدده القانون. للتفصيل انظر : د. علي جمعة عبد – أ . د جليل حسن الساعدي – دراسة نقدية في محل العقد والالتزام – مجلة العلوم القانونية – كلية القانون – جامعة بغداد - عدد خاص لبحوث التدريسيين مع طلبة الدراسات العليا - الجزء الثالث/ المجلد / 36/ كانون الاول / 2021 – ص 3 .
[6] كان المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري يورد تعريفا للعد مفاده : ان العقد هو اتفاق بين شخصين او أكثر على انشاء رابطة قانونية او تعديلها او انهائها, الا ان هذا التعريف حذف من المشروع النهائي مجاراة للسياسة التشريعية التي تهدف الى تجنب الإكثار من التعريفات الفقهية. ويرى جانب من الفقه المصري ان العقد هو توافق ارادتين على احداث أثر قانوني سواء كان هذا الأثر هو انشاء التزام او نقله او تعديله او انهاؤه. انظر : السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – دار احياء لتراث العربي – بيروت – لبنان – ج 1 – ص 137. ج1 - ص 138. انظر ايضاً : السنهوري – الوجيز في شرح القانون المدني – القاهرة - دار النهضة العربية – 1966 - ص 26 – 28 .
[7] د. سعدي أبو حبيب - القاموس الفقهي لغة واصطلاحا - الناشر: دار الفكر. دمشق – سورية - الطبعة الثانية 1408 هـ = 1988 م – ص 305
[8] د . أحمد مختار عبد الحميد عمر - معجم اللغة العربية المعاصرة – المصدر السابق – ج 3 - ص 1829 – ِ1830 .
[9] سورة الإسراء - الآية 23 .
[10] سورى الإسراء - الآية 4 .
[11] سورة الحجر - الاآة 66 .
[12] مختار الصحاح – ص 255.
[13] تكملة المعاجم العربية : رينهارت بيتر آن دُوزِي - نقله إلى العربية وعلق عليه: جـ 1 - 8: محمَّد سَليم النعَيمي - جـ 9، 10: جمال الخياط - الناشر: وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية - الطبعة الأولى، من 1979 - 2000 م – ج 8 – ص 303.
[14] انظر : نزار داود توفيق البكار – مقتضى العقد وتطبيقاته في في عقود المعاوضات المالية – اطروحة دكتوراه في القضاء الشرعي – كلية الدراسات العليا في الجامعة الارادنية – ايار 2013 - ص 10 – 11 .
[15] انظر : حسن علي الذنون – المبسوط في شرح المسؤولية المدنية – الضرر - دار وائل للنشر – الطبعة الاولى – 2006 – ص 141.
[16] الفقه الاسلامي وادلته للزحيلي – المصدر السابق - ج 4 – ص 3053 .
[17] الحسيني المراغي - العناوين الفقهية - تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي - الطبعة: الأولى- سنة الطبع: ١٤١٨- ج ٢ – ص 289 – 290 .
[18] عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري - الفقه على المذاهب الأربعة – المصدر السايق - ج 2 – ص 205.
[19] نزار داود توفيق البكار – مقتضى العقد وتطبيقاته في عقود المعاوضة المالية – المصدر السابق - ص 23.
[20] رد المحتار على الدر المختار: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) الناشر: دار الفكر-بيروت - الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م – ج 4 – ص 506 .
[21] انظر : مصطفى احمد الزرقا - المدخل الفقهي العام – دار القلم – دمشق – الطبعة الثانية – 1425ه – 2004 م - ص 400 - 403 .
[22] تناولت المادة 537 من القانون المدني العراقي ما يدخل في البيع من غير ذكر فتقول : 1 - ما كان في حكم جزء من المبيع لا يقبل الانفكاك عنه نظراً الى الغرض من الشراء، فاذا بيعت بقرة حلوب لأجل اللبن دخل تبيعها الرضيع. 2– توابع المبيع المتصلة المستقرة، فإذا بيعت دار دخل البستان الواقع في حدودها والطرق الخاصة الموصلة الى الطريق العام وحقوق الارتفاق التي للدار، واذا بيعت عرصة دخلت الاشجار المغروسة على سبيل الاستقرار. 3– كل ما يجري العرف على انه من مشتملات المبيع.
[23] الفقه الاسلامي وادلته للزحيلي – المصدر السابق - ج 4 – ص 3008. ج 5 – ص 3368 – 3369 .
[24] للتفصيل اكثر انظر : نزار داود توفيق البكار – المصدر السابق – ص 27 .
[25] أجاز القانون المصري شرط المنع من التصرف صراحة اذا كان الشرط مشروعاً ويمتد لمدة معقولة. وفي ذلك تنص تنص المادة 823 – 1 – من القانون المدني المصري : إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يقضى بمنع التصرف فى مال، فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبيناً على باعث مشروع، ومقصوراً على مدة معقولة. ولم يورد المشرع العراقي حكماً مماثلاً وانما ترك الأمر للقواعد العامة, ومقتضى تلك القواعد هو ان كل شرط غير مخالف للنظام العام ولا ينافي مقتضى العقد يصح ادراجه في العقد. انظر المادة 131 من القانون المدني العراقي.
[26] ويضيف الباحث فيقول : اما الفقه الاسلامي المعاصر فهو لم يتفق على تعريف موحد لمقتضى العقد وانما هناك من ذهب الى القول بأنه الأحكام الأساسية التي قررها المشرع لكل عقد سواء بالنص عليها مباشرة او باستنباط المجتهدين بهدف تحقيق التوازن بين المتعاقدين. في حين ذهب البعض الى تعريف مقتضى العقد بمناسبة الحديث عن الشروط المقترنة بالعقد فيقول ان مقتضى العقد تارة يعني مضمونه الحقيقي او ما يتقوم به, وتارة اخرى يراد منه ما يعد من لوازمه وأحكامه. انظر : راسم عايد حسن الدعمي - مقتضى العقد – دراسة مقارنة – اطروحة دكتوراه – كلية القانون - جامعة كربلاء - 1443 ه – 2022 م - ص 14 – 16 .
[27] راسم عايد حسن الدعمي - مقتضى العقد – المصدر السابق - ص 23 .
[28] الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت - ج 30 – ص 238 – 239 . انظر ايضاً : سيد سابق - فقه السنة - دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان – الطبعة الثالثة - 1397 هـ - 1977 م – ج 3 – ص 97 – 100 . انظر ايضا : د. جليل حسن السعدي – د. محمد عبد الوهاب محمد – تهافت معوقات قاعدية العقد – مجلة جامعة الانبار للعلوم القانونية والسياسية – ص 292 – 318 . وانظر ايضا: د. جليل حسن الساعدي – د. منى نعيم جعاز – فكرة مضمون العقد واثر استحداثها على شروط صحة العقد – دراسة في القانون الفرنسي – مجلة بحوث الشرق الاوسط – السنة السابعة والاربعون – العدد الثاني والستون – ابريل 2021 – ص342 – 366 . د. حسين عبدالله الكلابي – مضمون العقد - دراسة مقارنة بين النظام القانوني الانكليزي والقانون المدني الفرنسي المعدل بموجب المرسوم التشريعي الصادر في 10 شباط 2016 – المجلة الاكاديمية للبحث القانوني – المجلد 17 – العدد1 – 2018.
[29] العناوين الفقهية – المصدر السابق - ج ٢ – ص 289 – 290 .
[30] د . عبد الحي حجازي - النظرية العامة للالتزام وفقا للقانون الكويتي - دراسة مقارنة - مطبوعات جامعة الكويت - كلية الحقوق - القانون الخاص - 1982 - ج1 - ص 442 .
[31] د . حازم سالم محمد الشوابكة - محددات مستلزمات العقد في القانون المدني البحريني - دراسة مقارنة – مملكة البحرین – ٢٠٢٠ – ص - ٣٩٨٩ - - ٣٩٩٠ .
[32] الموسوعة الفقهية الكويتية – المصدر السابق – ج 30 – ص 238.
[33] سورة المائدة – الآية 1 .
[34] الفقه الاسلامي وادلته للزحيلي – المصدر السابق - ج 4 – ص 3050 - 3051 .
[35] انظر : د. عبد المنعم فرج الصدة – اصول القانون – المصدر السابق – القسم الاول - نظرية القاعدة القانونية - ص 37 وما بعدها . د. حسن كيره – المدخل الى القانون – الناشر : منشاة المعارف – الاسكندرية - دون سنة طبع – القسم الاول – ص 56 وما بعدها. انظر ايضا : عبد الباقي البكري - زهير البشير - المدخل لدراسة القانون - العاتك لصناعه الكتاب _ القاهرة - بدون سنة طبع - ص 189 – 205 .
[36] انظر : د. سمير تناغو – النظرية العامة للقانون – المصدر السابق – ص 423 وما بعدها . د. محمد حسين منصور – المدخل الى القانون – القاعدة القانونية – منشورات الحلبي الحقوقية – الطبعة الاولى 2010 - ص 207 .
[37] د. حازم أكرم صلال الربيعي - أثر الارادة الباطنة في العقد - دراسة في القانونين العراقي والانجليزي – اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون – جامعة بغداد – 2017 - ص 20 . انظر ايضا : د. جليل حسن الساعدي - د. حازم اكرم الربيعي - أثر الارادة الباطنة في تفسير العقد – دراسة في القانون العراقي والانكليزي - مجلة كلية الحقوق - جامعة النهرين .
[38] وفكرة السوابق القضائية والقانون العام ليست قاصرة على النظام الانكليزي, فالولايات المتحدة الأمريكية متأثرة بهذا النظام, اذ لديهم مجموعة من القوانين غير المكتوبة تعرف بالسوابق القضائية التي وضعتها المحاكم. وأساس ذلك تقليد بريطاني انتشر في أمريكا الشمالية خلال الفترة الاستعمارية في القرن السابع عشر والثامن عشر. ويسود هذا النظام القانوني في عدد من الدول كأستراليا وكندا وهونغ كونغ والهند ونيوزيلندا والمملكة المتحدة .
See : “Common Law Is Case Law Made by Judges,” www.lawteacher.net, accessed July 31, 2022, https://www.lawteacher.net/free-law-essays/common-law/common-law-is-case-law-made-by-judges-law-essays.php. See also : Troy Segal, “Common Laws Are Unwritten Legal Precedents That Guide Court Decisions,” Investopedia, 2019, https://www.investopedia.com/terms/c/common-law.asp.
تاريخ الزيارة 5 – 3 – 2022.
[39] د. علي يوسف صاحب – مفهوم العقد في القانون الانكلو امريكي – دراسة مقارنة – مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية – العددان 1 -2 – المجلد الثالث – حزيران – كانون الاول 2010 - ص 330. للمزيد انظر : شيشر وفيفوت – قواعد الايجاب والقبول في القانونين الانكليزي والسوداني – ترجمة : هنري رياض وكرم شفيق – دار الثقافة – بيروت لبنان – 1967. شيشر – فيفوت – فيرمستون – السبب ونية التعاقد – ترجمة: هنري رياض – دار الجيل – بيروت 1976.
[40] Sidney Taylor, “CONTRACTING OUTSIDE the PARADIGM ALTERNATIVES to OFFER and ACCEPTANCE,” n.d.,p 8.
[41] Arthur Taylor, “Contract | Definition, History, & Facts,” in Encyclopædia Britannica, 2019, https://www.britannica.com/topic/contract-law.
تاريخ الزيارة 27 – 7 – 2022 .
See also: Dena Valente, “ENFORCING PROMISES Consideration and Intention in the Law of Contract” (,2010),p 8.
[42] Geoff Monahan, Essential Contract Law (Routledge-Cavendish, 2001), 30–37.
[43] Mary Charman, Contract Law, vol. (Cullompton: Willan, 2016), 60–61.
[44] Mary Charman, Contract Law (Cullompton: Willan, 2016), p3 -7.
[45] Grmn M1ajosr, “THEORIES of INTERPRETATION in the LAW of CONTRACTS” (, n.d.), p 377.
[46] A. G. Chloros, “The Intention to Create Legal Relations,” The Modern Law Review 23, no. 3 (May 1960): p 39.
[47] استاذنا الدكتور : جليل الساعدي - العنصر النفسي في العقد – دراسة في القانونين العراقي والانكليزي – بحث منشور في مجلة العلوم القانونية – كلية القانون – جامعة بغداد – المجلد السابع والعشرون – العدد الثاني –2012 – ص 74 – 75 .
See : Emily M Weitzenböck, “English Law of Contract: Consideration,” 2012,p3.
[48] شيشير – فيفوت - فيرمستون - أحكام العقد في القانون الانكليزي – ترجمة هنري رياض – دار الجيل - بيروت – شروى بوكشوب – الخرطوم - 1987 - ص 68 – 69 .
[49] د. أكرم فاضل سعيد – التطور التاريخي لفكرة المقابل في القانون الانكلوسكسوني – مجلة كلية الحقوق -جامعة النهرين – العدد : 1 – المجلد : 17 – 2015 – ص 176 .
[50] د. مجيد حميد العنبكي – مباديء العقد في القانون الانكليزي - كلية الحقوق - جامعة النهرين – 2001 – ص 27.
[51] Thomas v Thomas (1842) 2 QB 851; 114 ER 330. See : Mary Charman, Contract Law, vol. (Cullompton: Willan, 2016), 66–67.
[52] د. منى نعيم جعاز – مضمون العقد دراسة مقارنة مع القانونين الفرنسي والانجليزي – اطروحة دكتوراه مقدمة لكلية القانون جامعة بغداد – 2019 .– ص 133 .
[53] د. يونس صلاح الدين علي – بنود العقد في القانون الانكليزي – وانظر المصادر التي اشار لها - ص 70.
[54] شيشير – فيفوت - فيرمستون - أحكام العقد في القانون – المصدر السابق - ص 293 - 294 .
[55]“Smith v Hughes,” www.lawteacher.net, n.d., https://www.lawteacher.net/cases/smith-v-hughes.php.
تاريخ الزيارة – 26 – 8 – 2021
[56] شيشير – فيفوت – فيرمستون – المصدر السابق – ص 294 .
[57] شيشير – فيفوت – فيرمستون - المصدر السابق – ص 294 .
[58] Hawrish v. Bank of Montreal [1969] S.C.R. 515 .Date: 1969-01-28 . Supreme Court of Canada, “Supreme Court of Canada - SCC Case Information - Search,” scc-csc.lexum.com, January 1, 2001, https://scc-csc.lexum.com/scc-csc/scc-csc/en/item/2739/index.do.
تاريخ الزيارة – 26 – 9 – 2021
[59] “Hutton v Warren – 1836,” www.lawteacher.net, n.d., https://www.lawteacher.net/cases/hutton-v-warren.php.
تاريخ الزيارة – 26 – 8 – 2021 .
[60] شيشير – فيفوت – فيرمستون - المصدر السابق – ص 314 .
[61] شيشير – فيفوت – فيرمستون - المصدر السابق – 325 – 326 .
[62]admin, “Helby v Matthews: HL 30 May 1895,” swarb.co.uk, September 9, 2020, https://swarb.co.uk/helby-v-matthews-hl-30-may-1895/.
تاريخ الزيارة – 26 – 8 – 2021 .
[63]Lister v Romford Ice – 1957,” www.lawteacher.net, n.d., https://www.lawteacher.net/cases/lister-v-romford-ice.php.
تاريخ الزيارة – 26 – 8 – 2021