تاريخ الاستلام20/9/2022 تاريخ القبول 24/11/2202
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International For more information, please review the rights and license
حقوق المدنيين في ظل الاحتلال الحربي
دراسة في ضوء القانون الدولي الإنساني
Civilian Rights under Military Occupation,
a studying according to the rules of International Law
د. عبدالرزاق أحمد رغيف الشمَّري
كلية السلام الجامعة - قسم القانون
Dr. Abdulrazzaq Ahmed Ragheef Al- Shamary
Al- Salam University College - Department of Law
abdulrazaq.a.ragheaf@alsalam.edu.iq
المُستخلص
تتجسَّد أهمية البحث في بيان ماهية الاحتلال الحربي في قواعد القانون الدولي العام وأحكامه ، بعدِّهِ مرحلة من أهمّ مراحل الحرب وأخطرها ، واستجلاء مفهوم الاحتلال والمراحل التاريخية التي مرَّ بها في إطار العلاقات الدولية ، وبيان الطبيعة القانونية للاحتلال ، وتمييزهُ عمَّا يشتبه به من الحالات الأخرى ، وهو ما يتطلَّب التعريف بالاحتلال والعناصر المُميّزة لهُ ، والوظائف المُلقاة على عاتق القوّات المُحتلة ، كذلك يُبيّن البحث القواعد المُنظِّمة لعمل قوّات الاحتلال ، والتي تستند إلى اتفاقيات لاهاي (1899-1907) واتفاقيات جنيف لعام 1949 والمُعاهدات الدولية ذات الصِلة ، والقرارات الأُممية المُتمثِّلة بقرارات مجلس الأمن المُنظّمة لوضع قوات الاحتلال (حالة العراق مثالاً) ، وكذلك قواعد العُرف الدولي والمبادئ العامَّة للقانون الدولي ، وتحليل حقوق المدنيين من الأفراد العُزَّل الواقعين تحت سيطرة القوات المحتلة ، والمُتمثلة بالحقوق الشخصية والحقوق المالية ، وحقوق المدنيين المُعتقلين من قوات الاحتلال ، ويخلُص البحث إلى أنَّ النصوص المُنظّمة لحالة الاحتلال وُضعت في وقت كان الاحتلال حالة مؤقتة ، وغالباً ما تنتهي بمعاهدة سلام بين دولة الاحتلال والدولة المُحتلة ، في حين أنَّ هذا الأمر تغيَّرَ كثيراً ، وهو ما يستدعي وضع صياغة جديدة لقواعد قانون الاحتلال ، ولا سيَّما فيما يتعلق بفرض التزامات على قوات الاحتلال تُجاه البلد المُحتل ، وهو ما يتطلَّب جهوداً دولية مُضنية للقيام بمهمة شاقَّة وعسيرة ، وأُمنية ليست سهلة المنال ، تتمثَّل بإعادة دراسة اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين المُلحقين بها.
Abstract
The importance of the research shows the nature of the military occupation in the rules and provisions of public international law. It is considered the most important and most dangerous stage of the war. The concept of occupation and the historical stages it passed through are clarified within the framework of international relations. Clarifying the legal nature of the occupation, and distinguishing it from other suspected case . This requires defining the occupation and its distinguishing elements, and the functions entrusted to the occupying forces.
This requires defining the occupation and its distinguishing elements, and the functions entrusted to the occupying forces. The research also shows the rules that regulating the work of the occupying forces, which are based on the Hague Conventions (1899-1907) and the Geneva Conventions of 1949, the relevant international treaties, and the United Nations resolutions represented by Security Council resolutions regulating the status of the occupying forces for example (the Iraqi case).
As well as the rules of international custom, the general principles of international law, and analysis of the rights of civilians that unarmed individuals under control of the occupying forces, which are represented by the personal and financial rights, as well as the rights of civilians arrested by the occupation forces.
The research concludes that the regulating texts of the state of occupation were developed at a time when the occupation was a temporary state. It often ends with a peace treaty among the forces of occupying country that occupied it. While this matter has changed a lot, which calls for a new formulation of the rules of the law of occupation forces, especially imposing obligations on the occupying forces towards the occupied country. As well as the rules of international custom and the general principles of international law. The civilians right from unarmed individuals analyses under the control of the occupying forces , which are personal and financial rights, and the rights of civilians was arrested by the occupation forces.
The research concludes that the texts regulating the state of occupation were drawn up at a time when the occupation was a temporary state that often ended with a peace treaty among the forces of the occupying country that occupied country.
While this matter has changed a lot, which leads to a new formulation for the rules of the occupation law of, especially with regard to imposing obligations on the occupying forces towards the occupied country. This requires to strong international efforts to carry out an arduous and difficult task, and a wishing isn’t easy to achieve, which is to re-examine the Geneva Conventions of 1949 and the two protocols attached to them.
المقدمة
أولاً - موضوع البحث وأهميتهُ :
يُعدُّ الاحتلال عملاً غير مشروع وفقاً لقواعد القانون الدولي ، بالرغم من المُبررات التي تُحاول قوى الاحتلال تسويقها عند قيامها بفعل عدواني على دولةٍ أخرى ، لذلك فإنَّ الاحتلال هو أمرٌ واقعي بالأساس وليس عملاً قانونياً ، وبتطور قواعد القانون الدولي وتشابك المصالح والعلاقات الدولية ، صارَ لِزاماً وضع تنظيم قانوني لفعل الاحتلال ، لأجل تفادي آثارِه الجسيمة والمُدمرة على البلد المُحتلّ ولو بحدٍّ أدنى ، وفعلاً وُضعت العديد من الاتفاقيات الدولية ، والتي تضمَّنت الكثير من المبادئ والقواعد المُلزمة لدولة الاحتلال ، والتي غالباً ما تتعرَّض للانتهاك الجسيم من القوّات المُحتلة ، خصوصاً إذا ما تعارضت مع نفوذها ومصالحها.
وتنبع أهمية البحث من دراسة القواعد المُنظّمة لعمل قوّات الاحتلال ، ومدى توفيرها الحماية القانونية اللازمة للمدنيين الأبرياء ، تلك القواعد التي تجد أساسها في القانون الدولي العام عامةً والقانون الدولي الإنساني خاصةً ، ولا يذهبنَّ الظنّ إلى أنَّ دراسة تلك القواعد تعني شرعيَّة الاحتلال ، كلا فالاحتلال عملٌ عدواني وغير مشروع في جميع الأحوال ، والاحتلال يبقى احتلالاً مهما حاولت الدولة المُحتلة من إسباغ الوصف الذي يُلائمها ، ومهما نالَ من اعتراف من الجماعة الدولية ، ولكنَّ قواعد الاحتلال إنَّما شُرّعت لحماية حقوق المدنيين (موضوع البحث) وحفظ نفوسهم وأموالهم ومُمتلكاتهم وكرامتهم الإنسانيَّة ، حينما يكونون تحت السيطرة الفعلية للقوات المُحتلة.
ثانياً- مُشكلة البحث:
يُحاول الباحث تقديم رؤية قانونية وتحليل دقيق لواقعة الاحتلال ، وذلك ببيان ماهية الاحتلال ومراحلهُ التاريخية ، والقواعد والمبادئ التي تحكم عمل قوات الاحتلال ومهامها ووظائفها، وواجبها في الحفاظ على حقوق المدنيين الشخصية والمالية ، خصوصاً وأنَّ مفهوم الاحتلال تطورَ تطوُّراً كثيراً ، بسبب قِدَم القواعد التي تحكُمُهُ ، فقد مرَّ على قواعد لاهاي 1907 أكثر من مئة عام ، وكذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي مرَّ عليها أكثر من سبعين عاماً ، والتي استندت إلى تجارب الحرب العالمية الثانية وما خلَّفتهُ من ويلات ومآسي ومُعاناة للمدنيين بسبب الحرب والاحتلال ، أما في العصر الحاضر فكانَ لتطور الآلة العسكرية الهائلة ، وظهور التقنيات الحديثة في وسائل الحرب وأساليب القتال ، التي لها القدرة الفائقة على التدمير وإلحاق الأذى الكبير والمُعاناة الجسيمة للمدنيين ، كلُّ ذلك أوجبَ تنظيم القواعد الخاصَّة بعمل قوات الاحتلال. وفي موضوع احتلال العراق وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة يُحاول الباحث معالجة الإشكاليات الآتية ، هل إنَّ مجلس الأمن يملك صلاحية إضفاء الشرعية على وضع غير مشروع أصلاً ؟ وينتهك بذلك القواعد الآمرة للقانون الدولي العام ؟ ، وهل يملك مجلس الأمن سلطة تخولهُ إنشاء نظام للاحتلال يتجاوز فيه قانون النزاعات المسلحة؟ .
ثالثاً – منهجيَّةُ البحث:
من لوازم البحث العلمي ، صياغتهُ على وفق مناهج علمية متعددة ، فكان المنهج التحليلي في مقدمة المناهج المُعتمدة ، وسنعتمد عليه في تحليلنا للقواعد القانونية الخاصة بتنظيم الاحتلال ، ولا سيَّما اتفاقيات لاهاي وجنيف وقرارات مجلس الأمن المُتعلقة بالعراق ، وكان المنهج التاريخي حاضراً لمواكبة نشأة ومراحل الاحتلال عبر التاريخ ، كما إنَّ المنهج المُقارن لمْ يكُن بعيداّ عن الدراسة ، وذلك بمقارنة حقوق المدنيين في الاتفاقيات الدولية ، والمعاهدات ذات الطابع الإقليمي والقوانين الوطنية ، خصوصاً المتعلقة منها بحقوق الإنسان.
المبحث الأول
التعريف بالاحتلال والقواعد المُنظّمة لهُ في القانون الدولي
تحظى القواعد القانونية للاحتلال الحربي ، بأهمية بالغة في القانون الدولي ، لأنَّها تُنظّم العلاقة بين قوّات الاحتلال وسُلطات البلد المُحتلّ من جهة ، وبينها وبين السكان المدنيين من جهةٍ أخرى.
وتبقى قواعد قانون الاحتلال واجبة التطبيق ، بغضّ النظر عن عدم شرعية الاحتلال الحربي ، وسواء أكانَ الاحتلال نتيجةُ حربٍ مشروعة أم حرب عدوانية غير مشروعة ، أو كانَ الاحتلالُ سلميَّاً ، فالمُهم وجود قواعد قانونية تُنظم العلاقة بين قوّات الاحتلال والبلد المحتل.[1] لذا سنبيّن مفهوم الاحتلال وتعريفه وتمييزهُ عمَّا يشتبهُ بهِ من الحالات الأخرى ، ووظائف قوّات الاحتلال ، ضمن المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: مفهوم الاحتلال وعناصرهُ والتزامات القوات المُحتلة
مرَّ مفهوم الاحتلال الحربي بمراحل تاريخية قبل أن يتحوَّل إلى صورتهِ الحالية ، فحتى القرن التاسع عشر ، كانَ الغازي يعدّ نفسهُ المالك المُطلق للأرض التي يحتلّها[2] ، إلى أنْ ظهرت أوَّل مُحاولة لتقنين قانون الحرب ، بالتعليمات التي أعدَّها (فرنسيس ليبير)[3] لقواعد الحرب الأمريكية عام 1863 ، والتي تُعدّ من أولى القواعد القانونية التي وُضعت لتقييد سلوك القوّات المُحتلة ، لتوفير قدر أكبر من الحماية للسكان المدنيين في إقليم الأراضي المُحتلة ، في وقتٍ كان تسيطر فيه الأساليب الوحشية على ميدان الحرب ، لذلك فإنَّ البعض يعدّ ما جاء بهِ «فرنسيس ليبير» ذو أهمية قانونية كبيرة ، كونها أول مُحاولة لتقنين فرع من فروع القانون الدولي العام ، وذات تأثير واضح على كل المُحاولات التي بُذلت لوضع تقنينات لقواعد الحرب البرية ، بالرغم من كونها لا تعدو أنْ تكون تشريعاً وطنياً في داخل الولايات المُتحدة الأمريكية.[4]
وعلى إثر ذلك تمَّ تقديم القانون إلى مؤتمر بروكسل في عام 1874 ، لبلورتهِ في شكل اتفاقية دولية تُعنى بقوانين وأعراف الحرب ، بدعوة تقدَّمت بها حكومة روسيا القيصرية ، لكنَّ خلافاً نشبَ حول بعض نصوص القانون ، فكان فريق الدول القويَّة يرى بأنَّ على السكان المدنيين في إقليم الأرض المُحتلة الالتزام بالخضوع والطاعة المُطلقة لسلطة قوات الاحتلال ، فيما كان الفريق الآخر من الدول الصغيرة يرى عدم الاعتراف لسلطة دولة الاحتلال بالحقوق على الأراضي التي تحتلها ، ومن حقّ الشعوب مُقاومة الاحتلال حتى التحرير.[5]
ولغرض الإحاطة بمفهوم الاحتلال واستيعاب ما يتعلق بهِ ، لا بُدَّ لنا من تعريف الاحتلال وتمييزه عمَّا يشتبهُ بهِ من الحالات الأخرى ، وبيان عناصر صفة الاحتلال والوظائف التي يجب على القوات المُحتلة القيام بها ، وذلك ضمن الفروع الآتية :
الفرع الأول: تعريف الاحتلال وتمييزهُ عمّا يشتبهُ بهِ من الحالات الأخرى
الاحتلال هو وضعٌ ناتجٌ عن احتلال جيش دولةٍ ما لأراضي دولةٍ أخرى ، وما يستتبعُ ذلك من قيام ظروفٍ خاصَّة تزولُ فيها سُلطة الحكومة الشرعية للبلاد المُحتلة ، فتُصبح القوات المُحتلة هي المُهيمنة على إدارة البلد المُحتلّ ، وتقوم بدور السُلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان مصالحها الخاصَّة ، وخلق أوضاع تُمكِّنها من استغلال ثروات الأرض المُحتلة وفرض السياسات التي تُناسبها ، وتضطر أحياناً إلى احترام الحدّ الأدنى من الحقوق الوطنية للمدنيين من السكان البلد المُحتلّ.[6]
ويُعدّ الاحتلال الحربي حادثٌ مادي ذو نتائج قانونية أقرّتها اتفاقية لاهاي لعام 1907 ، ولغرض تعريف الاحتلال فلا بُدَّ من الرجوع إلى نصوص اتفاقية لاهاي ، حيث جاء في اللائحة المُتعلقة بقوانين الحرب البريّة المُلحقة بالاتفاقية الخاصَّة باحترام قوانين وأعراف الحرب البريَّة في لاهاي بتاريخ (18 أكتوبر 1907) ، تعريف حالة الاحتلال بأنَّها : «تُعدّ أرض الدولة مُحتلّة حيث تكون تحت السيطرة الفعلية لجيش العدوّ ، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يُمكن أنْ تُمارس فيها هذه السُلطة بعد قيامها».[7]
أمّا الفقه الدولي ، فقد وردت عِدّة تعريفات للاحتلال ، فقد عرّفَهُ الفقيه الألماني «أوبنهايم» بأنَّهُ :»ما يفوق الغزو من الاستيلاء على إقليم العدو بقصد الاستحواذ عليه بصفةٍ مؤقتة ، ويبينُ الفرق بين الغزو والاحتلال من واقعة إقامة المُحتل نوعاً من الإدارة ، الأمر الذي لا يقومُ بهِ الغازي»[8]
أمَّا الفقه العربي ، فقد وردتَ بشأن الاحتلال تعاريف عديدة ، فقد عرَّفهُ بعضهم بأنَّهُ : «تمكُّن قوات دولة مُحاربة من إقليم العدوّ والسيطرة عليه كلهُ أو بعضهُ بصفةٍ فعلية»[9] ، أو أنَّهُ : «قيام دولة بغزو دولة أخرى بقوتها المُحاربة والاستيلاء عليه بالقوّة ، ووضعه كلياً أو جزئياً تحت السيطرة الفعلية مؤقتاً»[10]، ويرى فقيهٌ آخر بأنَّ الاحتلال هو : «تمكُّن قوات دولة غازية من دخول إقليم دولةٍ أخرى والسيطرة عليه أو على بعضهِ بصفةٍ فعلية ، ويُعدّ هذا الاحتلال مرحلة تعقُب لجزء الدولة الغازية إلى استخدام القوّة المُسلَّحة ، وتبتدئ فترة الاحتلال بمُجرَّد اكتمال سيطرة الدولة الغازية ومُمارسة جيشها للسلطة الفعليّة فوقَ الإقليم المُحتل ، أو فوقَ الجُزء المُحتلّ منهُ ، والاحتلال مرحلة مؤقتة تنتهي بانسحاب القوّات الغازية بالتفاهم أو بالقوّة من الإقليم المُحتل ، وقدْ تنتهي بضم هذا الإقليم إلى دولة الاحتلال».[11]
وجديرٌ بالذكر بأنَّ اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949) لمْ تُعرّف الاحتلال ، ولكنَّها عالجت في القسم الثالث منها تنظيم حالة الاحتلال ، والخاص بأوضاع الأشخاص المحميين ومُعاملتهم.[12]
ولا بُدَّ من تمييز الاحتلال الحربي عن كل من الاحتلال السلمي والاحتلال القسري والغزو:
أولاً: تمييز الاحتلال الحربي عن الاحتلال السلمي والاحتلال القسري
يُعرَّف (الاحتلال السلمي) أو ما يُصطلح عليه أحيان ب(الاحتلال التعاهدي) بأنَّهُ :»احتلال بالقوّة العسكرية إقليم ما أثناء السلم» ، وهذا الاحتلال يُمكن أن يكون بموجب اتفاق ، كضمان لسداد قرض أو لضمان تنفيذ معاهدة ، وهو يختلف عن الاحتلال الحربي بأنَّ القانون الدولي العام ينظّمهُ في وقت السلم ، بعكس الاحتلال الحربي الذي يدخل في إطار القانون الدولي العام في وقت الحرب ، أمَّا (الاحتلال القسري) فيكون بدافع إجبار الخصم على تنفيذ التزاماته.[13]
ثانياً : تمييز الاحتلال الحربي عن الغزو
حينما تقوم قوات عسكرية مُسلّحة لدولةٍ ما باجتياح أو دخول إقليم ما عنوةً ، عندئذٍ نكون أمام واقعة غزو ، والذي يكون إمَّا برياً أو بحرياً أو جوياً ، أو عن طريق الفضاء الخارجي ، وقد يكون الغزو مرحلة تسبق مرحلة الاحتلال الحربي ، وعادةً ما يُجابَه الغزو بمُقاومة ، وقد يتحوّلَ الغزو إلى احتلال حربي ، عندما يتم إخضاع الإقليم والسيطرة الفعلية عليه وممارسة السُلطات الإدارية فيه ، لذلك نرى بعض الفقهاء يرى بأنَّ الفرق الجوهري بين الاحتلال الحربي والغزو ، هو أن الاحتلال يُقيم نوعاً من الإدارة على أراضي الإقليم المُحتل ، بينما الغازي لا يفعل ذلك ، ومن ثمَّ فليسَ أيَّة صلاحيات أو سُلُطات ، بعكس المُحتل الذي يخضع لقانون النزاعات المسلحة المُستندة للاتفاقيات الدولية.[14]
الفرع الثاني: عناصر صفة الاحتلال
من النتائج القانونية المُترتبة على الاحتلال الحربي هو أمران ، الأمر الأول إنَّ الاحتلال الحربي لا يؤدّي إلى نقل السيادة لسلطات الاحتلال ، لأنَّ السيادة تبقى كامنة في نفوس السكان المدنيين الذين يحقّ لهم رفض الاحتلال واللجوء إلى مقاومتهِ بجميع الأشكال ، وكل ما يُمكن أنْ يُسفر عنهُ الاحتلال بالنسبة إلى السيادة هو تجميد مُمارستها أو تعطيلها ، والأمر الثاني إنَّ الاحتلال يؤدّي إلى انتقال بعض الاختصاصات مؤقتاً من الإقليم المحتل إلى سلطات قوّات الاحتلال.[15]
من تعريف الاحتلال يتضح لنا وجوب توافر مجموعة من العناصر التي يتميَّز بها وضع الاحتلال الحربي ، ويُمكن إجمالها بالعناصر الآتية :
أولاً : وجود حالة الحرب أو النزاع المسلح القائم بين دولتين أو أكثر
من أجل أنْ تتمكَّن إحدى الدول من غزو أراضي دولة أخرى واحتلالها بشكلٍ كلي أو جزئي ، لا بُدَّ من وجود حالة الحرب والقتال والنزاع المسلَّح بينهما ، وهذا هو ما يُميّز حالة الاحتلال عن وجود بعض القواعد العسكرية الأجنبية على إقليم دولة أخرى في وقت السلم ، حيث إنَّ تواجد مثل هذه القوّات الأجنبية عادةً ما يقترن بوجود معاهدة لتنظيم الواجبات العسكرية لتلك القوّات ، والتي لا تتدخل في إدارة شؤون البلاد والسكان المدنيين.[16]
ثانياً : قيام حالة احتلال فعلية مؤقتة
ونعني بذلك أن تقوم قوّات مسلحة تابعة لدولة أجنبية باحتلال إقليم دولة أخرى ، وتضعُها تحت سيطرتها العسكرية ، لذلك فإنَّ الاحتلال الحربي لا يُعدُّ حالة قانونية ، وإنَّما هو واقعة مادية ناتجة عن وجود قوات مسلحة في إقليم الأراضي المحتلة بعد هزيمة القوات العسكرية للبلد المُحتل ، وشلّ قُدرتها على المُقاومة وإيقاف الغزو ، ولا تزول الشخصية القانونية عن الدولة بسبب وقوعها تحت الاحتلال ، لأنَّ الاحتلال كما أسلفنا هو حالة واقعية مادية وليست قانونية.[17]
ثالثاً : السيطرة الكاملة والمؤثرة للدولة المُحتلة
ونعني بذلك أنْ تفرض قوّات الدولة المحتلة سيطرتها الكاملة على أراضي الإقليم الذي قامت باحتلالهِ بعد إيقاف جيوب المقاومة ، وبعدها تُمارس سُلطاتها على أراضي الإقليم المُحتل مع بسط الأمن وحفظ النظام من خلال إدارة عسكرية مُستقرة ، ولا يًشترط على تكون قوّات الاحتلال مُنتشرة على كل الأراضي المحتلة ، بلْ يكفي أنْ تبسط سيطرتها على مُعظم الأراضي ، أمَّا الأراضي التي لا تستطيع قوّات الاحتلال السيطرة عليها بسبب مُقاومتها أو لأيّ سببٍ آخر ، فإنَّها تكون خارجة من نطاق حالة الاحتلال الفعلي.[18]
الفرع الثالث: التزامات قوّات الاحتلال في القانون الدولي الإنساني
بعد أنْ تبسط قوّات الاحتلال نفوذها على أراضي الدولة المُحتلّة ، وتحكم سيطرتها الكاملة على المقدرات العمرانية والبشرية ، يتوجَّب عليها القيام بالوظائف والمهام التي تقع على عاتقها وفقاً للاتفاقيات الدولية ذات الصِلة ، وتتجلّى تلك الوظائف والمهام في لائحة لاهاي المُتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البريّة المُلحقة بالاتفاقية الخاصَّة باحترام قوانين وأعراف الحرب البريَّة لعام (1907) ، والتي نصَّت على: ((إذا انتقلت سلطة القوّة الشرعية بصورةٍ فعلية إلى يد الاحتلال ، يتعيَّن على هذه الأخيرة قدر الإمكان تحقيق الأمن والنظام العام وضمانه ، مع احترام القوانين السارية في البلاد إلاّ في حالات الضرورة القصوى التي تحولُ دون ذلك))[19] ، وتأتي أهمية مهام ووظائف الاحتلال لتمييزها عن حالة الحرب ، حيث إنَّ القواعد التي تحكم كلاً منهما تختلف عن الأخرى ، ذلك أن الحرب تحكُمها قواعد قانون الحرب أو ما يُعرَف بقانون سير العمليات الحربية أو العدائية[20] ، أمَّا الاحتلال الحربي فهو حالة مؤقتة تعقب الحرب ، وتتسم من الناحية العسكرية بالهدوء النسبي ، وتحكُمُها القواعد القانونية الخاصَّة بالاحتلال الحربي.[21]
مِمّا تقدَّم يتضح لنا جليَّاً بأنَّ الاحتلال حالة واقعية فعلية ، لا تُكسِب الدولة المُحتلة السيادة على أراضي البلد المُحتلّ ، وتقع على عاتق قوّات الاحتلال وظائف يُمكن إيجازها بما يأتي :
يجب على قوّات الاحتلال أنْ تتعامل بشكل إنساني وحضاري مع السكان المدنيين ، وأنْ تضع في الحُسبان المصلحتين المتعارضتين ، وهما الضرورة العسكرية ومصلحة السكان.
يتوجَّب على قوّات الاحتلال ألاّ تُمارس سُلطاتها في خدمة مصالحها ومصالح رعاياها على حساب مصالح وموارد البلاد المُحتلة وسكانها المدنيين.
أنْ تضع قوَّات الاحتلال في أولوياتها استتباب الأمن والنظام ، وتوفير ما يحتاجهُ السكان المدنيين من الغذاء والدواء والسماح لجمعيات الإغاثة بالقيام بمهامها بهذا الشأن.
على دولة الاحتلال الحفاظ على المباني العامة والعقارات والمُمتلكات الخاصَّة والغابات والأملاك الزراعية ، وأن تقوم بدور مُدير الممتلكات والحفاظ على رأس المال الناتج منها ، وأن تعي جيداً المبادئ التي نصَّت عليها الاتفاقيات الدولية ، ومنها مبدأ حظر العقاب الجماعي والانتقام من أفراد المقاومة ، ومبدأ عدم إرغام السكان المدنيين على الطاعة أو الخدمة في صفوف قوَّات الاحتلال ، ومبدأ حظر التهجير القسري لهم ، واحترام الممتلكات الثقافية والأماكن الدينية والروحية ، ووفقاً للقواعد القانونية التي تحكم النزاعات المسلحة وبالأخصّ «مبدأ مارتنز».[22]
المطلب الثاني: القواعد القانونية المُنظّمة لعمل القوّات المُحتلة في القانون الدولي
كما أسلفنا بأنَّ دولة الاحتلال تتحمَّل العديد من الالتزامات ، ويقع على عاتقها جُملة من الوظائف والمهام ، وهُنا يثور السؤال الآتي : من أين تستمد القواعد القانونية المُنظّمة لعمل قوّات الاحتلال شرعيتها وسندها القانوني ؟
بعد أنْ كان الاحتلالُ سبباً للهيمنة والتوسع في الماضي ، أضحى في ظل النظرية الحديثة للقانون الدولي عملاً عدوانيَّاً غير مشروع ، وأصبحت الحرب مُحرَّمة دوليَّاً وتترتَّب المسؤولية الجنائية الدولية ضدّ مُرتكبيها ، مِمَّا يعني ضرورة احترام الأطراف المُتحاربة لقواعد الحرب وأعرافها ، كما جاء في اتفاقيات لاهاي عام (1899-1907)، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ، حيث تُعدّ الأخيرة نقلة نوعية في تطور قواعد القانون الدولي المُنظّمة لقواعد الاحتلال والحرب ، لذلك فإنَّ مصادر قانون الاحتلال والقواعد المنظمة لهُ تنقسم إلى ثلاثة أقسام ندرسها تباعاً ضمن الفروع الآتية :
الفرع الأول: الاتفاقيات الدولية
أسهمت الاتفاقيات الدولية إسهاماً كبيراً في نشأة قواعد الاحتلال ، ونعني بها اتفاقية لاهاي واللوائح المُلحقة بها لعام 1907 ، واتفاقيات جنيف لعام 1949 والبرتوكولان المُلحقان بها لعام 1977 ، وهو ما يُعرف بقانون لاهاي وقانون جنيف.
أولاً : اتفاقية لاهاي (قانون لاهاي)
بعد نجاح الفقه الدولي بالتفرقة بين الغزو والاحتلال الحربي ، ولا سيَّما جهود الفقيه (فرنسيس ليبير)[23]، صار لِزماً وضع قواعد قانونية تحكُم عمل قوّات الاحتلال ، وقد كانَ لمؤتمر لاهاي المُنعقد عام 1899 ، الفضل الكبير في تدوين قواعد الحرب وأعرافها عامَّةً ، وقواعد الاحتلال خاصَّةً ، حيث كانَ هدف المؤتمر الاعتراف بالحرب كحالة واقعية ، والابتعاد عن تصنيفها إلى حرب عادلة وأخرى غير عادلة ، وحرصَ المُؤتَمِرُون على ضرورة وضع قواعد تحكُم الاحتلال الحربي ، ويُمكن اعتبار اتفاقية لاهاي من أولى اللوائح المُنظّمة لوضع الاحتلال ، وتتصف بكونها قواعد قانونية دولية مُختلطة ، فهي قواعد اتفاقية مكتوبة بالنسبة للدول الأطراف الموقعة عليها ، كما أنَّها تُعدّ قواعد عُرفية للدول غير الأطراف فيها ، بمعنى إنَّ اتفاقيات قانون لاهاي مُلزمة لجميع الدول ، وهو ما استقرَّ عليه التعامُل الدولي وقرارات المحاكم الدولية.[24] وقد تضمَّنت اتفاقية لاهاي لعام 1907 قواعد الاحتلال الحربي في قسمها الثالث في المواد (42-56) ، وكذلك اتفاقية لاهاي لحماية المُمتلكات الثقافية في حالة النزاع المُسلَّح لعام 1954 في المواد (5-19) من اللائحة التنفيذية للاتفاقية والبروتوكول المُلحق بها.[25]
ثانياً : اتفاقيات جنيف (قانون جنيف)
إذا كانت اتفاقيات لاهاي تُعنى بوسائل القتال ، وقوانين الحرب وأعرافها ، فإنَّ اتفاقيات جنيف تهدف إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة ، سواء أكانوا من الجرحى أم المرضى أو الغرقى أو الأسرى والسكان المدنيين ، وقد قام هنري دونان[26] ومنذ عام 1863 بجهود كبيرة في هذا السبيل ، إلى أن تبلورت الفكرة بإنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، التي أخذت على عاتقها إعداد مشروع اتفاقية لحماية المدنيين في أثناء فترة النزاع المسلح ، وكنتيجة للحرب العالمية الثانية ، وما خلَّفتهُ من مآسي وويلات ودمار، أُقِرَّت الاتفاقية أعلاه مع ثلاث اتفاقيات أخرى تُعنى بحماية الجرحى والمرضى والغرقى وأسرى الحرب ، وقد تضمَّنت الحدّ الأدنى من الحماية لأطراف النزاع المسلح ، وتحظى اتفاقيات جنيف بأهمية بالغة في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني وتتمتَّع بصفة الإلزام العالمي ، كونها جاءت بمبادئ سامية تعترف بها الأمم المُتمدنة لحماية للمدنيين في فترة الاحتلال الحربي.[27]
ثالثاً: قرارات مجلس الأمن
يحظى مجلسُ الأمن بأهمية بالغة ، لمكانتهِ الحسَّاسة من بين مُختلف أجهزة الأمم المتحدة ، فهو الجهاز التنفيذي والأداة الفعّالة ، والمسؤول الأوّل عن حِفظ السّلم والأمن الدوليين ، ويقعُ على عاتقهِ قمعُ أعمال العدوان ، وإنزال العقوبات بالأعضاء المُخالفين ، لذلك فإنَّ قراراتهُ تُشكّل مصدراُ للحقوق والالتزامات لكلٍ من دولة الاحتلال والبلد المُحتل ، وسنسلّط الضوء على قرار مجلس الأمن المرقم (1483)[28] ، والذي أضفى الشرعية على واقعة احتلال العراق!![29] ، وبالرغم من إنَّ القرار أشارَ إشارةً واضحة إلى عدم انتقال السيادة إلى السلطة المحتلة ، لكنَّهُ اعترفَ لسلطة الاحتلال بحُكم العراق لحين تشكيل حكومة تمثّل الشعب العراقي ، والمُلاحظ بأنَّ القرار المذكور آنفاً قد منحَ صلاحيات إضافية لسلطة الاحتلال أكثر مَمَّا حدَّدهُ النظام القانوني الدولي للاحتلال الحربي ، مِمَّا يعني بأنَّ القرار أوقفَ بعضاً من نصوص لائحة لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة ، ومن تلك الصلاحيات ما يتعلَّق بإنشاء المؤسسات الوطنية والمحلية للحُكم ، وتشجيع بناء الاقتصاد وتعزيز الإصلاح القانوني والقضائي ، بينما نجد بأنَّ قانون الاحتلال الحربي يُحدّد التدخُّل بالقوانين ومؤسسات البلد المُحتل بأقلّ حدّ مُمكن ، وبالشروط التي قرَّرتها اتفاقيات لاهاي وجنيف المنُظّمة لوضع الاحتلال.[30]
ويرى الباحث إمكانية المُعالجة ورفع التناقض الحاصل بين قرار مجلس الأمن (1483) وبين ما ورد بشأن تنظيم حالة الاحتلال في لائحة لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، وذلك بالعودة لأحكام المادة (103) من ميثاق الأمم المتحدة ، والتي نصَّت على أنَّهُ : «إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة على وفق أحكام هذا الميثاق معَ أيّ التزام دولي آخر يرتبطونَ بهِ ، فالعِبرَةُ بالتزاماتهم المُترتبة على هذا الميثاق» ، وهُنا نجد المادة(103) من الميثاق تمنح قرارات مجلس الأمن الأولوية والإلزام القانوني ، وهو ما يعني بأن تنظيم حالة احتلال العراق تكون لقرار مجلس الأمن وليس لاتفاقيات لاهاي أو جنيف.[31]
الفرع الثاني: العُرف الدولي
يذهب الفقه الدولي في الرأي الراجح منهُ إلى أنَّ العُرف الدولي المُلزم هو : «مجموعة من القواعد القانونية التي تنشأ في المجتمع الدولي بسبب تكرار العمل بها من الدول لفترةٍ طويلةٍ من الزمن»[32].
لقد كانَ من ضرورات نشأة العُرف الدولي ، هو الحاجة المُلحّة لتنظيم موضوعات معينة بحاجة إلى التنظيم ، ولا سيَّما المتعلقة منها بالحرب ، حيث تواترَ استعمال بعض القواعد واتباعها من الدول لتُصبح فيما بعد عُرفاً دولياً مقبولاً ، ومنها أعراف الحرب وعاداتها ، المتعلقة بإدارة الحرب وسلوك أطراف النزاع المسلح ومُعاملة المدنيين ، والتي تأثَّرت كثيراً بعوامل عِدَّة ساعدت على نشأتها وازدهارها ، وهي مبدأ الفروسية ومبدأ الضرورة ومبدأ الإنسانية.[33] وفي عام 1874 عُقِدَ مؤتمر دولي تمخَّضَ عنهُ الإعلان العالمي الخاص بقوانين الحرب وأعرافها ، حيث أشارت ديباجتهُ إلى العُرف الدولي باعتبارهِ أحد مصادر القانون الدولي الإنساني ، وقد جاء فيها : ((إلى أن يتيسَّر إصدار تقنين أكثر اكتمالاً لقوانين الحرب ، فإنَّ الأطراف المُتعاقدة ترى من المناسب أن تُعلن أنَّهُ في الحالات التي لا تشملها اللوائح المُعتمدة ، يبقى السكان والمُحاربون تحت حماية وسُلطان ومبادئ القانون الدولي المُستمدة من العُرف المُستقر بين الدول المُتمدنة ، ومن مبادئ الإنسانية وبما يُمليه الضمير العام)).[34]
الفرع الثالث: مبادئ القانون الدولي الإنساني
تُعدّ المبادئ العامة للقانون المصدر الثالث من مصادر القانون الدولي الأصلية[35]، وبالرغم من اختلاف الفقهاء بشأنها اختلافاً كبيراً ، ولكن الرأي الراجح للفقه الدولي يعدَّها مصدراً مستقلاً للقانون الدولي عامةً والقانون الدولي الإنساني خاصةً.[36]
وقد تمَّ الإشارة إلى تلك المبادئ في (المادة 1 / 2) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 المُلحق باتفاقيات جنيف على النحو الآتي : « يظل المدنيون والمُقاتلون في الحالات التي لم ينص عليها هذا المُلحق أو أيّ اتفاق دولي آخر ، تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما استقرَّ بها العُرف ومبادئ الإنسانية وما يُمليه الضمير العام».
ويتم اللجوء للمبادئ الأساسية والعامة للقانون الدولي الإنساني بعدِّها أحد المصادر المُنظّمة لحالة الاحتلال ، ومن تلك المبادئ ، مبدأ المُعاملة الإنسانية ، ومبدأ التناسب ، ومبدأ التمييز بين المُقاتلين والمدنيين ، ومبدأ عدم التمييز ، ومبدأ التوازن بين الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية ، ومبدأ صيانة الحُرُمات ، ومبدأ التقييد في اختيار وسائل القتا وأساليبهُ.[37]
المبحث الثاني
حقوق المدنيين في أثناء مُدّة الاحتلال الحربي
يُعرَّف المدنيون بأنَّهم : «جميع الأشخاص من غير العسكريين ومن في حُكمهم والمُقيمين في الأراضي المحتلة والذين يتمتعون في أثناء الاحتلال بالحماية الواردة في لوائح جنيف واتفاقية جنيف الرابعة».[38]
ولمّا كانَ الاحتلال يؤدّي إلى انهيار السلطة الشرعية في البلد المُحتلّ ، ويُحدث فراغاً سياسياً وإدارياً فيه ، فإنَّ قانون الاحتلال يفرض على سلطات دولة الاحتلال فرض الأمن والنظام والحفاظ على الأرواح والمُمتلكات العامة والخاصَّة ، وحيث أنَّ السكان المدنيون في الأعمّ الأغلب يكونون عُرضةً لانتهاك حقوقهم ، فلا بُدَّ من تسليط الضوء على منظومة الحقوق التي يجب على سلطات دولة الاحتلال الحِفاظ عليها ، لذلك فإنَّنا سنُسلّط الضوء على أهمّ الحقوق في ظل الاحتلال الحربي ، وذلك ضمن المطلبين التاليين :
المطلب الأول: الحقوق الشخصية والحقوق ذات الطابع المالي
من الأمور التي أولاها القانون الدولي الإنساني أهميةً قصوى في فترة الاحتلال ، هي توفير الحماية اللازمة للمدنيين إعمالاً لمبدأ التفرقة بينهم وبين المُقاتلين ، وفي حال عدم التزام قوات الاحتلال بهذا المبدأ ، سنكون حتماً أمام انتهاكات جسيمة لحقوق المدنيين ، تستوجب المسؤولية الجزائية الدولية ، وسنُسلّط الضوء على الحقوق الشخصية والحقوق المالية ، وذلك في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: الحقوق الشخصية للمدنيين في ظل الاحتلال
يُمكن تعريف الحقوق الشخصية ، أو كما يُسمّيها بعضهم بالحقوق الفردية[39]، أو الحقوق المدنية[40]، أو الحقوق ذات الصِلة بسلامة الإنسان[41] ، بأنَّها «مجموعة الحقوق والحريات التي تُولَد مع الإنسان وتكون لصيقة بشخصيتهِ ، وتُعدّ من مكونات وجودهِ الأساسية «[42]، وتُعدّ هذه الفئة من أهم الحقوق المُقرَّرة للإنسان على الإطلاق ، ذلك لأنَّهُ لا معنى لحياة الإنسان من غير تمتعهِ بالحقوق الشخصية ، فلا يجوز التنازل عنها أو التصرُّف بها أو المساس بها[43]، وسنتناول الحقوق الشخصية على وفق الآتي:
أولاً: الحقُّ في الحياة :
هو من أولى الحقوق التي يتمتَّع بها الإنسان ، فلا يجوز حرمانهُ من حقّهِ في الحياة إلاّ طبقاً للقانون ، وبعد إتمام جميع الإجراءات والضمانات التي تنصّ عليها القوانين ، وحرصت على ذلك جميع المواثيق والإعلانات الدولية والإقليمية والتشريعات الداخلية للدول ، سواء في وقت السلم أو في زمن الحرب.[44] وفي إطار القانون الدولي الإنساني يُحرَّم على قوّات الاحتلال قتل المدنيين العُزَّل ، حيث أشارت اتفاقية لاهاي لعام (1907) إلى التزام دولة الاحتلال باحترام حق المدنيين في الحياة[45] ، كما أشارت إليه اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949) ، وأيّ انتهاك لهذا الحقّ تترتَّب عنهُ المسؤولية الجزائية الدولية بحقّ مُرتكبيها طبقاً لقواعد القانون الدولي الجزائي[46]، وتدخل جرائم القتل في مفهوم جرائم إبادة الجنس البشري والجرائم ضدّ الإنسانية إذا توافرت شروطها ، كما وردَ في نظام محكمتي نورمبرغ وطوكيو بأنَّ القتل هو جريمةٌ ضدّ الإنسانية وجريمة حرب ، كما نصَّ على تحريم القتل في نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لعام (1998) في المواد (7،8،9).[47]
ثانياً : الحقّ في عدم التعرُّض للتعذيب والمُعاملة غير الإنسانية:
إنَّ جريمة تعذيب الإنسان من أهم الجرائم وأخطرها[48] ، وهي جريمةٌ تُنافي الإنسانية وتُحرّمُها جميع المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية لمختلف الدول ، ومن ذلك ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948)[49]، كذلك ما وردَ في تجريم التعذيب في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام (1966)[50]، كما اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية الأمم المتحدة لمُناهضة التعذيب وغيرهُ من ضروب المُعاملة اللاإنسانية في ديسمبر (1984). والمقصود بجريمة التعذيب : أيّ عمل ينتج عنهُ ألم أو عذاب شديد جسدياً كانَ أم عقلياً يلحقُ عمداً بشخصٍ ما بقصد الحصول منهُ على معلومات أو اعتراف ، أو مُعاقبتهُ على عملٍ ارتكبهُ[51] ، وعلى صعيد النزاعات المسلحة يُعدّ التعذيب صورة من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية ، وقد نصَّت اتفاقية جنيف الرابعة على تحريم التعذيب الذي تُمارسهُ دولة الاحتلال بحقّ السكان المدنيين في البلد المُحتلّ.[52]
ثالثاً: الحق في توفير الغذاء والدواء والرعاية الصحيَّة :
مِمَّا أكَّدتهُ اتفاقية جنيف الرابعة ، هو عدم جواز استيلاء قوات الاحتلال على المواد الغذائية والطبية اللازمة للسكان المدنيين في البلد المُحتلّ لصالح قوّاتها العسكرية ، إلاّ إذا كانَ فائضاً عن حاجة السكان[53]، كما ألزمت الاتفاقية سُلُطات الاحتلال بتأمين المُستشفيات والمنشآت والمراكز الطبية والخدمية في الأراضي المُحتلة ، وأن تتخذ جميع الإجراءات للحيلولة دون انتشار الأوبئة والأمراض المُعدية بين السكان المدنيين[54]، وإلزام قوّات الاحتلال بتقديم العناية الطبية العاجلة للجرحى والمرضى ، وعدم جواز الاستيلاء على المُستشفيات إلاّ للضرورة وبصورة مؤقتة[55]، وعلى سلطات الاحتلال السماح بتلقي مُفردات الإغاثة الطبية والغذائية اللازمة لبقاء المدنيين على قيد الحياة.[56]
رابعاً: الحق في العبادة ومُمارسة الطقوس والشعائر الدينية:
الحرية الدينية مُكرَّسة في القانون الدولي لحقوق الإنسان ، سيَّما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي شدَّدَ على حرية المُعتقد والدّين في المادة (18) منهُ وهو نصّ لا يقبل التفسير والتأويل ، وقد اكتسبَ هذا النصّ قيمة قانونية إلزامية في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام (1966) في المادة (18) منهُ.[57]ويجب على قوّات الاحتلال احترام المُعتقدات والطقوس والمذاهب الدينية للسكان المدنيين دون أيّ تدخل من قوّات دولة الاحتلال ومن دون فرض أيّ قيود تتعلق بزمان أو مكان ممارسة تلك الطقوس والعادات والتقاليد.[58]
الفرع الثاني: الحقوق ذات الطابع المالي
من وظائف قوات دولة الاحتلال كما أسلفنا ، الحفاظ على الأموال والمُمتلكات العائدة للسكان المدنيين ، سواء أكانت هذه الأملاك عائدة لفرد أو لعدد من الأفراد ، وسنأتي على التزامات دولة الاحتلال في احترام الملكية الخاصَّة للمدنيين ، والالتزام بتعويض ما يصيبهم من أضرار جرَّاء الاعتداء عليها من أفراد دولة الاحتلال .
أولاً : احترام المُمتلكات الخاصَّة بالمدنيين:
يُعدّ حقّ الملكية الخاصَّة حقَّاً مصوناً ومُقدَّساً بعدّهِ مِعقلُ الحريات جميعاً[59]، بل إنَّ بعض الفقهاء اعتبرهُ حقَّاً طبعياً ، فالتملُّك حقٌّ فطري وُجِدَ لإشباع الحاجات اللازمة لِحِفظ كيان الإنسان ، فحقُّ الملكية وحياةُ الإنسان أمرانِ لا ينفصلان[60] ، ولقد كفلَ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الحقّ في الملكية الخاصَّة[61]، أمَّا قواعد الاحتلال الحربي ، فقد حرَّمت قواعد لاهاي مُصادرة وسلب الأموال الخاصَّة[62] ، ووسَّعت قواعد لائحة لاهاي من حمايتها لتشمل أموال الجمعيات الدينية والخيرية والتعليمية وعدم جواز نهبها أو سلبها أو مصادرتها[63]، أمَّا اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949) فقد عَدَّت سلب الممتلكات الخاصَّة جريمة حرب ، وأوجبت على سلطات الاحتلال حمايتها من النهب ومعاقبة كل شخص يعتدي على الأملاك الخاصَّة بالمدنيين.[64]
ثانياً: الالتزام بتعويض الأضرار التي تلحق بالممتلكات الخاصَّة:
في حال إخلال دولة الاحتلال بالتزاماتها الدولية ، وكانَ الإخلال من شأنهِ الإضرار بالمُمتلكات الخاصَّة بالسكان المدنيين في البلد المُحتلّ ، فإنَّ دولة الاحتلال مُلزمة بتعويض الأضرار ، استناداً إلى قواعد المسؤولية الدولية وقواعد لائحة لاهاي في المادة (53) ، باعتبار دولة الاحتلال قصَّرت بالقيام بواجباتها والتزاماتها الدولية.[65]
المطلب الثاني: حقوق المدنيين المُعتقلين لدى سلطة الاحتلال
مِمَّا لا شكَّ فيه بأنَّ وقوع أيّ بلدٍ ما تحت الاحتلال الحربي ، يُولّد حالة من مشاعر النقمة والسخط لدى السكان المدنيين تجاه قوّات الاحتلال ، وبذلك تجد هذه القوّات الذريعة للقيام بعمليات اعتقال عشوائي للأفراد المدنيين وإيداعهم في معسكرات اعتقال مُعدَّة خصيصاً لهذا الغرض ، والتي تفتقر في الأعمّ الأغلب إلى أبسط مقومات حقوق الإنسان ، وإذا كان قانون الاحتلال الحربي يسمح لدولة الاحتلال بالاعتقال أو فرض الإقامة الجبرية على الأشخاص الذين يضرُّونَ بأمنها ، إلاّ إنَّهُ لا يُجيز لها إرغام الأشخاص المدنيين الذين يتمتَّعونَ بالحماية ، على قَسَم الولاء لها ، أو إرغامهم على الخدمة في قوّاتها المسلحة[66] ، لذلك سنتناول جُملة من أهمّ الحقوق التي يجب أنْ يتمتَّع بها المدنيون المُعتقلون لدى سلطات الاحتلال ضمن الفروع الآتية :
الفرع الأول: حقّ التمتُّع بالأهلية المدنية
ابتداءً يجب الإشارة إلى أنَّ اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949) ، ألزمت سلطات الاحتلال بعدم اعتقال أيّ شخص إلاّ وفقاً لأحكام المواد (41 ، 42 ، 43 ،68 ، 78) من ذات الاتفاقية[67]، ومن أولى حقوق السكان المدنيين في أثناء اعتقالهم من قوّات الاحتلال ، هو حقَّهُم بالاحتفاظ بهويتهم المدنية بالقدر الذي تسمح بهِ حالة الاعتقال[68]، وقد اعتبر البعض بأنَّ هذا الحقّ هو الأساس الذي تنطلقُ منهُ باقي الحقوق الأخرى ، باعتبار أنَّ أهلية الشخص كما هو معروف لدى المُتخصّصين في القانون ، هي مناط اكتساب الحقوق وبدونها لا يستطيع الإنسان المُطالبة بالحقوق الأخرى[69]، كذلك وَرَدت الإشارة لهذا الحقّ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948)[70] ، وتمَّ التأكيد على الاعتراف بهِ في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام (1966)[71]، ومن ذلك يتضح لنا بأنَّ هناك فارق مهم بين المعتقل الذي يتمتع بالأهلية لمُمارسة الحقوق ، وبين السجين الذي يفقد أهلية مُمارسة التصرفات القانونية.[72]
الفرع الثاني: الحقّ في لمّ شمل المُعتقل والرعاية الصحية والغذائية
ابتداءً تلتزم دولة الاحتلال بإعالة الأشخاص الذين يعولهم المعتقلون ، إذا لم تكن لديهم وسيلة للعيش والكسب ، ولا يجوز تشغيل المعتقلين تشغيلاً قسريَّاً إجباريَّاً خارجاً عن إرادتهم[73]، كما وتلتزم دولة الاحتلال بتجميع المعتقلين على أساس وحدة اللغة والجنس والعادات ، وأن تقوم بلمّ شمل العائلة الواحدة من المعتقلين وبخاصة الوالدين وأطفالهم في مكانٍ واحد ، وللمعتقلين اصطحاب أطفالهم إنْ لمْ يكن لهم مُعيل[74] ، وتلتزم دولة الاحتلال بتوفير العناية الطبية والصحية اللازمة[75] ، وتوفير العلاج المجاني والغذاء المناسب والكافي من حيث الكمية والنوعية والقيمة الغذائية[76] ، ومن واجبات سلطة الاحتلال استيراد المواد الغذائية والطبية وغيرها من المواد الضرورية ، إذا كانت مصادر البلد المُحتلّ غير كافية لتلبية حاجة السكّان[77]، مع توفير عناية خاصَّة بالأطفال والنساء من الحوامل والرضع ، وأنْ تلتزم سلطة الاحتلال بتوفير الملابس المناسبة وما يتلاءم والظروف المناخية وتوزيعها توزيعاً مجانياً[78].
الفرع الثالث: الحقّ في ممارسة النشاطات البدنية والفكرية والثقافية
أوجبت اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949) على سلطة الاحتلال ، أنْ تُشجّع على ممارسة الأنشطة الذهنية والتعليمية والترفيهية والرياضية للمُعتقلين ، ومن دون إجبارهم على ممارسة أيٍّ منها ، ويجب على السلطة المحتلة توفير الأماكن المُناسبة لمُمارسة تلك النشاطات ، وبخصوص المحتجزين الذين يرومون إكمال دراستهم أو البدء بدراسة جديدة ، فعلى دولة الاحتلال تسهيل ذلك قدر الإمكان ، مع تخصيص مساحة مناسبة لممارسة الألعاب الرياضية في الهواء الطلق ، كذلك توفير مكتبات للمطالعة والتي من شأنها ديمومة الفكر والثقافة لدى الشخص المُعتقل.[79]
الفرع الرابع: حقّ الاحتفاظ بالأشياء والأموال وحقّ التواصل الخارجي
من الحقوق المُقرَّرة للأشخاص المعتقلين من دولة الاحتلال ، هو حق الاحتفاظ بالأشياء والأموال ، فقد يحصل احياناً بأنَّ الشخص المدني وأثناء اعتقالهِ ، يحمل معهُ أموالاً أو نقوداً أو مسكوكات أو صكوكاً أو صور خاصَّة ، فلا يجوز مصادرة تلك الأموال أو الأشياء الخاصّة بالمُعتقل طبقاً لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالمدنيين لعام (1949)[80] ، ويُمكن إيداع المبالغ النقدية في حساب خاص على أن تُسلَّم إليه بعد انتهاء فترة الاعتقال ، وبإمكان المعتقل الاحتفاظ بالأدوات ذات الاستعمال الشخصي ، أمَّا الأدوات التي تشعر دولة الاحتلال بأنَّها ذات ضرر عليها مثل الكاميرا أو آلات التصوير والتسجيل والهاتف النقال ، فبإمكان سلطة الاحتلال التحفُّظ عليها وإعادتها إلى الشخص المُعتقل بعد انتهاء فترة الاعتقال ، كما إنَّ من حقّ المعتقلين إرسال الأموال والإعانات إلى عوائلهم.[81]
أمّا حق المعتقل بالتواصل الخارجي مع ذويه ، فبمجرَّد اعتقاله أو في مُدَّة لا تزيد عن اسبوع واحد من إيداعه الاعتقال ، من حقّه أنْ يُرسل رسالة إلى ذويه يخبرهم باعتقاله وعنوانه وحالتهِ الصحية ، كما وتُلزم سلطة الاحتلال بالسماح للمعتقل باستلام وتسليم البرقيات والرسائل القادمة من وإلى ذويه ، على أن تُعفى جميع الطرود والرسائل والبرقيات من فرض الرسوم والكمارك والضرائب وغير ذلك[82].
الخاتمة
تعرَّفنا من بحثنا الموسوم «حقوق المدنيين في ظل الاحتلال الحربي» على ماهية الاحتلال ومفهومه وعناصره ووظائفه ، والقواعد القانونية الدولية المنظمة لهُ ، وقد خلُصنا إلى مجموعة من النتائج والتوصيات الآتية :
أولاً : النتائج
إنَّ قواعد الحرب وأعرافها ، التي تبلورت فيما بعد لتُصبح (قواعد الاحتلال) ، كانت نتيجة طبيعية لما عانتهُ البشرية من الحروب المُدمرة ، وما رافقها من ويلات ومآسي ، كان الخاسر الأكبر فيها هم السكان المدنيون ، مِمَّا دفع بفقهاء القانون الدولي إلى وضع القواعد القانونية الدولية لضبط سلوك الأطراف المتحاربة ، وبما يضمن احترام تلك القواعد وتوفير حد أدنى من الحماية للمدنيين تحت ظل الاحتلال ، فكانت اتفاقيات لاهاي (1899-1907) وصولاً إلى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والاتفاقيات ذات الصلة.
إنَّ دراسة قواعد قانون الاحتلال ، لا تعني بأيّ حالٍ من الأحوال شرعيتهُ ، فالاحتلال حالة واقعية غير مشروعة ، ولكن القانون الدولي يرتب عليها بعض الآثار القانونية.
الاحتلال حالة واقعية مادية مؤقتة يتوجب فيها على سلطة القوّات المُحتلة مراعاة قواعد الحرب التي نصّت عليها اتفاقيات لاهاي (1899-1907) المتعلقة بأعراف وعادات الحرب ووسائل وأساليب إدارة العمليات الحربية والعدائية ، وكذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 ، سيما الاتفاقية الرابعة منها ، والتي بيّنت بشكل مفصل قواعد الحماية الدولية للمدنيين ، والتزامات دولة الاحتلال باحترام تلك القواعد ، والاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان.
مِمّا لفت نظر الباحث ، إنَّ مجلس الأمن ولأوّل مرّة في تاريخهِ وبإجماع أعضائهِ ، يُضفي مشروعية على واقعة احتلال العراق في القرار(4761) في 22/أيار/2003 ، دون أنْ يدينها أو يستنكرها أو يُشير إلى انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني ، وذلك بإطلاقهِ تسمية (السلطة) على سلطات الاحتلال خلافاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949 . سيَّما وإنَّ مجلس الأمن لا يملك صلاحية إضفاء الشرعية على وضع غير مشروع أصلاً ، لأنَّهُ ينتهك بذلك القواعد الآمرة للقانون الدولي العام ، وكذلك فإنَّ مجلس الأمن لا يملك سلطة تخولهُ إنشاء نظام للاحتلال يتجاوز فيه قانون النزاعات المسلحة.
ثانياً : التوصيات
ندعو إلى مراجعة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وتطوير نصوصها والقواعد والأحكام الواردة فيها ، سيما وإنَّها جاءت بصيغة توفيقية راعت فيها مصالح ورغبات الدول الأطراف الحاضرة في الاجتماعات التي انبثقت عنها الاتفاقية.
يرى الباحث بأنَّ النصّ على حقوق المدنيين تحت الاحتلال في اتفاقية جنيف الرابعة ، يبقى غيرُ كافٍ ، ما لمْ يقترن بوسائل وآليات ترافقها جزاءات جنائية يتم توقيعها بحق منتهكي أحكام قانون الاحتلال ، مِمَّا يتطلب مراجعة الاتفاقية من هذه الناحية.
نصَّت اتفاقية جنيف الرابعة على القواعد القانونية الكفيلة بحماية المدنيين لدى قوّات الاحتلال ، دون أن تكون هناك وسائل رقابية لتنفيذ تلك الحقوق ، مما يتوجب تطوير نصوص الاتفاقية.
يجب على منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن اتخاذ موقف موحَّدٍ وعادلٍ وأكثر حزماً وصرامة تجاه حالة الاحتلال ، وعدم الوقوف عند الشجب والإدانة والاستنكار.
وجود حالة فراغ في قواعد قانون الحرب واتفاقيات لاهاي التي تنظم واقعة الاحتلال ، سيما في الفترة المحصورة بين نهاية العمليات العسكرية وبداية الاحتلال ، خصوصاً عندما تطول هذه الفترة ، الأمر الذي يستلزم وضع قواعد تُلزم سلطات الاحتلال بالحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ، وإلاّ تحمّلت المسؤولية الدولية عن التدمير والفوضى التي تحصل .
تكثيف الجهود الدولية وتظافرها لمُلاحقة مُنتهكي حقوق المدنيين في ظل الاحتلال ، ولا سيما القادة والرؤساء ، ورفع الحصانة عمّن يثبت تورطهُ في تلك الانتهاكات ، وخصوصاً قادة الولايات المتحدة الأمريكية وجنودها ، الذين مارسوا أبشع الجرائم بحقّ العراقيين من المدنيين الأبرياء ، إبّان الاحتلال الأمريكي غير المشروع للعراق عام 2003.
نتيجةً للأضرار البالغة والجسيمة التي لحِقت بالمدنيين العراقيين ، مِمَّن وقعوا في اعتقال قوّات الاحتلال الأمريكية ، فإني أقترح بأن يُطالب العراق عبرَ قنواتهِ الدبلوماسية ، وعبر منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، بإنشاء صندوق لتعويض المتضررين من جرّاء الاعتقال ، وتعويض ذوي الضحايا والمفقودين أثناء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، مع وضع قواعد قانونية محددة للتعويض.
[1] يُنظر :د. معتز فيصل العباسي ، التزامات الدولة المُحتلة اتجاه البلد المُحتل ، ط 1، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2009 ، ص23.
[2] يُنظر : د. عبد الوهاب الكيالي ، موسوعة السياسة ، مج 1 ، الطبعة الكاملة الأولى ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، لبنان ، 2015، ص83.
[3] فرنسيس ليبير ( 1798- 1872) الأستاذ في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد قام بإعداد مؤلَف باسم (قانون ليبير) ومراجعتهِ مع مجموعة من الضباط الأمريكيين وتمَّ التصديق عليه من الرئيس الأمريكي آنذاك (إبراهام لينكولن) في 24 نيسان 1864 إبّان الحرب الأهلية الأمريكية ، ويعتبر قانون ليبر الوثيقة الأولى التي تحدد الخطوط العريضة الشاملة للقواعد التي تنظم سير الحرب ، وقد تأثَّرت بهِ مُعظم القوانين التالية عليه التي تُعنى بتنظيم شؤون الحرب وإدارتها والتزامات المُقاتلين فيها.
[4] د. صلاح الدين عامر ، مقدمة لدراسة قانون النزاعات المُسلحة ، ط 1 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1976 ، ص 30-31 .
[5] يُنظر : د. محي الدين علي عشماوي ، الصفة الآمرة لقواعد الاحتلال الحربي ، المجلة المصرية للقانون الدولي ، مجلد 29 ، سنة 1973 ، ص183.
[6] يُنظر : د. عبد الوهاب الكيالي ، موسوعة السياسة ، مصدر سابق ، ص82.
[7] تُنظر المواد من (42-56) من اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصَّة باحترام قوانين وأعراف الحرب البريّة لعام 1907.
[8] يُنظر : د. معتز فيصل العباسي ، مصدر سابق ، ص 30.
[9] يُنظر : د. علي صادق أبو هيف ، القانون الدولي العام ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، مصر ، 1975، ص 862.
[10] د. إحسان هندي ، الطبيعة القانونية للاحتلال الحربي ، مجلة الفكر العسكري ، دمشق ، السنة الرابعة ، العدد الأول ، 1976 ، ص17.
[11] يُنظر : د. محمد المجذوب ، الوسيط في القانون الدولي العام ، ط 7، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2018 ، ص778.
[12] يُنظر المواد من(47-78) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والخاصَّة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب
[13] يُنظر : خالد الضيف شبلي ، الوضع الدستوري أثناء الاحتلال الحربي دراسة في ضوء الشرعية الدستورية والدولية ، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2016 ، ص 60.
[14] يُنظر : خاد الضيف شبلي ، المصدر السابق ، ص64. جديرٌ بالذكر أنَّ الفقه الإسلامي يطلق مُصطلح الجهاد على الغزو ، وهو بذلك يختلف عن القانون الدولي العام . حيث يُعرف الجهاد في غير كتب الفقه بكتاب المغازي . للمزيد يُنظر : الموسوعة الفقهية ، ج 16 ، ط 6 ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الكويت ، 2012، ص 125.
[15] يُنظر : د. سموحي فوق العادة ، القانون الدولي العام ، دمشق ، 1960، ص892. كذلك يُنظر : د. محمد المجذوب ، مصدر سابق ، ص779.
[16] يُنظر : محمود سامي نعمة الجبوري ، الاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان ، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2015 ، ص 25.
[17] يُنظر : د. عصام العسلي ، الشرعية الدولية والاحتلال الحربي المؤقت الإسرائيلي للجولان والأراضي العربية الأخرى ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 1992 ، ص31.
[18] وهو ما أشارت إليه المادة (42) من لائحة لاهاي المُتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البريّة المُلحقة بالاتفاقية الخاصَّة باحترام قوانين وأعراف الحرب البريَّة في لاهاي بتاريخ (18 أكتوبر 1907) للمزيد يُنظر : د. إسماعيل عبدالرحمن محمد ، الحماية الجنائية للمدنيين في زمن النزاعات المُسلحة دراسة تحليلية تأصيلية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2000 ، ص522.
[19] المادة (43) من لائحة لاهاي المُتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البريّة لعام (1907)
[20] د. عزالدين فودة ، المركز القانوني للاحتلال الحربي ، المجلة المصرية للقانون الدولي ، الصادرة عن الجمعية المصرية للقانون الدولي ، المجلد 25 ، لسنة 1969 ، ص28. كذلك يُنظر : منظمة التحرير الفلسطينية ، الاحتلال الإسرائيلي والمُقاومة الفلسطينية في ضوء القانون الدولي العام ، مركز الأبحاث ، بيروت آب ، 1969 ، ص58.
[21] د. معتز فيصل العباسي ، مصدر سابق ، ص35.
[22] يُنظر : محمود سامي نعمة الجبوري ، مصدر سابق ، ص27. كذلك يُنظر : خالد الضيف شبلي : مصدر سابق ، ص72. مِمَّا تجدر الإشارةُ إليه أن قيصر روسيا ألكسندر الثاني قام في عام 1874 بتكليف فقيه القانون مارتنز بوضع تعليمات خاصة بالحرب ، والتي عكست المفهوم الإنساني ، إلى أن تبلورت وعُرِفت فيما بعد (بمبدأ مارتنز أو شرط مارتنز) ، وفحوى هذا المبدأ بأنْ يظل السكان المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها في الاتفاقيات ، تحت حماية وسلطان مبادئ قانون الشعوب كما استقر بها العُرف ومبادئ الإنسانية وما يُمليه الضمير العام ، وقد أخذت بهذا المبدأ ديباجة اتفاقية لاهاي لعام 1899 . للمزيد يُنظر : د. إسماعيل عبدالرحمن ، الأسس الدولية للقانون الدولي الإنساني ، ضمن كتاب القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني ، إعداد نخبة من المتخصصين والخبراء ، تقديم د. أحمد فتحي سرور ، ط 3 ، بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة ، 2006 ، ص35-39 . أيضا حول شرط مارتنز يُنظر : د. سما سلطان الشاوي ، استخدام سلاح اليورانيوم المُنضَّب والقانون الدولي ، ط 1 ، دار وائل للنشر ، عمَّان ، الأردن ، 2014 ، ص166.
[23] سبقت الإشارة إلى جهود الفقيه الأستاذ (فرنسيس ليبير) في تقنين قواعد الحرب في المبحث الأول من هذه الدراسة فليُراجع.
[24] وهذا ما أشارت إليه محكمة نورمبرغ ، حيث قرَّرت إلزامية اتفاقيات لاهاي واللوائح المُلحقة بها لإيطاليا وألمانيا بغضّ النظر عن اشتراكهما في التوقيع على الاتفاقية من عدمهِ . للمزيد يُنظر : د. محي الدين علي عشماوي ، حقوق المدنيين تحت الاحتلال الحربي مع دراسة خاصة لانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي العربية المُحتلة ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1972 ، ص195.
[25] يُنظر : د. معتز فيصل العباسي ، مصدر سابق ، ص73 . كذلك يُنظر : محمود سامي نعمة ، مصدر سابق ، ص59.
[26] هنري دونان (1828-1910) رجل أعمال سويسري ومؤسس اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، وكانَ قد أصيب بالهلع لرؤية آلاف الجنود يموتون بسبب ندرة الخدمات الطبية المقدمة لهم ، وذلك في أعقاب معركة “سولفرينو” في شمال إيطاليا في (24 حزيران 1859) بين الجيش الإيطالي والفرنسي من جهة والجيش النمساوي من جهةٍ أخرى ، والتي أسفرت عن (6000 قتيل و 40000 جريح) ، مما دفع (دونان) لتأليف كتاب بعنوان (تذكار سولفرينو) ، الذي نُشرَ في عام 1862 ، وصادف صدىً كبيراً في سويسرا وغيرها ، ومن الذين تأثَّروا بالكتاب المحامي السويسري (غوستاف موانييه 1826-1910) الذي كان يرأس جمعية في سويسرا للمنفعة العامة ، حيث قام مع هنري دونان بعقد أول اجتماع في (17 شباط 1863) وانبثقت عنه لجنة أطلقت على نفسها (اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى) كانت النواة الأولى فيما بعد إلى (اللجنة الدولية للصليب الأحمر) يُنظر : د. مرزوقي وسيلة ، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني دراسة تحليلية تقييمية على ضوء قواعد القانون الدولي الإنساني ، ط 1، دار الأيام للنشر والتوزيع ، عمّان ، الأردن ، 2019 ، ص202 . كذلك يُنظر : د. محمد عمر محمد عبدو ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ودورها في كفالة احترام القانون الدولي الإنساني ، ط 1 ، الشامل للنشر والتوزيع ، نابلس ، فلسطين ، 2016 ، ص 25
[27] د. زكريا حسين عزمي ، من نظرية الحرب إلى نظرية النزاع المسلح مع دراسة خاصة بحماية المدنيين في النزاع المسلح ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة ، 1978 ، ص125. ولمزيد من التفصيل حول أهمية قانون لاهاي وقانون جنيف يُنظر : د. صلاح الدين عامر ، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام ، مطبعة جامعة القاهرة ، 2007 ، ص 984-991. كذلك يُنظر : د. عبد علي محمد سوادي ، مبادئ القانون الدولي الإنساني ، شركة دبوق للطباعة ، بيروت ، لبنان ، 2008 ، ص17-19. وأيضاً : د. خالد مصطفى فهمي ، القانون الدولي الإنساني الأسس والمفاهيم والضحايا ، ط 1 ، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، 2011 ،ص 32.
[28] اتخذهُ مجلس الأمن بجلستهِ (4761) في 22/أيار/2003 ، بعد شهر ونيف من احتلال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للعراق.
[29] يرى البعض بأنَّ مجلس الأمن ، ولأوَّل مرة في تاريخهِ ، وبإجماع أعضائهِ ، يُضفي شرعية على واقعة احتلال ، من دون أنْ يُدينها أو يستنكرها أو يُشير إلى انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني ، وذلك بإطلاقهِ تسمية (السلطة) على سلطات الاحتلال مُخالفاً بذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 . للمزيد يُنظر: خالد جواد الجشعمي ، المعاهدات الدولية والسيادة الوطنية ، ط 1 ، منشورات زين الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2014 ، ص120. وهناك من يتساءل : هل يملك مجلس الأمن صلاحية إضفاء الشرعية على وضع غير مشروع أصلاً ، وينتهك القواعد الآمرة للقانون الدولي العام ؟ وهل يملك مجلس الأمن سلطة تخولهُ إنشاء نظام للاحتلال يتجاوز قانون النزاعات المسلحة ؟ للإجابة وبشكلٍ مُفصَّل . يُنظر: د. نزار العنبكي ، القانون الدولي الإنساني ، ط 1، دار وائل للنشر ، عمّان ، الأردن ، 2010 ، ص302-307.
[30] د. معتز فيصل العباسي ، مصدر سابق ، ص98.
[31] للمزيد حول علوية قرارات مجلس الأمن يُنظر : د. محمد عادل عسكر ، دستور القانون الدولي دراسة تطبيقية على القواعد الآمرة - ميثاق الأمم المتحدة - قواعد المسؤولية الدولية ، ط1 ، مركز الدراسات العربية للتوزيع ، 2019، ص 128.
[32] للمزيد حول العُرف الدولي يُنظر : د. محمد المجذوب ، القانون الدولي العام ، ط 6 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2007 ، ص141. كذلك يُنظر : أستاذنا الدكتور خليل حسين ، موسوعة القانون الدولي العام ، ج 1 ، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2012 ، ص38. د. محمود سامي جنينه ، القانون الدولي العام ، ط 2 ، مطبعة لجنة التأليف الترجمة والنشر ، 1938 ، ص42.
[33] للمزيد حول المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني ، يُنظر : د. إبراهيم بشير وإبراهيم عبد ربه إبراهيم ، المدخل لدراسة القانون الدولي الإنساني ، ط 1 ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2012 ، ص91.
[34] يُنظر : د. معتز فيصل العباسي ، مصدر سابق ، ص79. وكذلك : محمود سامي نعمة الجبوري ، مصدر سابق ، 63.
[35] المادة (38 – فقرة ج) من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية لعام 1945.
[36] يُنظر : د. عصام العطية ، القانون الدولي العام ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2019 ، ص 116. جديرٌ بالذكر إنَّ المبادئ العامة تجد تأصيلاً لها في قواعد القانون الدولي في الإسلام . لمزيد من التفصيل يُنظر :عباس علي العميد الزنجاني ، القانون الدولي في الإسلام ، ط 2 ، مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد ، 1429 ،ص400.
[37] يُنظر : د. علي زعلان نعمة و د. محمود خليل جعفر و د. حيدر كاظم عبد علي ، القانون الدولي الإنساني ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2018 . كذلك يُنظر : شارل روسو ، القانون الدولي العام ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1987 ، ص89.
[38] تنص المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على ما يلي : “الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين لا يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكلٍ كان ، في حالة قيام نزاع أو احتلال ، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه ، أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها”. للمزيد بُنظر : د. محي الدين علي عشماوي ، مصدر سابق ، ص317.
[39] د. نجاة جرجس جدعون ، حقوق الإنسان نص اجتهاد فقه – دراسة مُقارنة ، ط 1 ، منشورات زين الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2016 ، ص87.
[40] د. الشافعي محمد بشير ، قانون حقوق الإنسان مصادرهُ وتطبيقاتهُ الوطنية والدولية ، ط 6 ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 2009 ، ص107.
[41] د. محمد يوسف علوان و د. محمد خليل الموسى ، القانون الدولي لحقوق الإنسان ، الحقوق المحمية ، ج 2 ، ط 4 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمَّان ، الأردن ، 2014 ، ص148.
[42] د. علي يوسف الشكري ، حقوق الإنسان بين النصّ والتطبيق دراسة في الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية ، ط 1 ، دار صفاء للنشر والتوزيع ، عمَّان ، الأردن ، 2011 ، ص87 . كذلك يُنظر : د. لُمى عبدالباقي محمود العزاوي ، القيمة القانونية لقرارات مجلس الأمن الدولي في مجال حماية حقوق الإنسان ، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2009 ، ص 28.
[43] يُنظر : د. علي يوسف الشكري ، المصدر نفسه ، ص87
[44] د. سحر محمد نجيب ، التنظيم الدستوري لضمانات حقوق الإنسان وحرياتهِ ، دار الكتب القانونية ، القاهرة ، 2011 ، 53. كذلك يُنظر : د. غازي حسن صباريني ، الوجيز في حقوق الإنسان وحرياتهِ الأساسية ، ط 4 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمَّان ، الأردن ، 2015 ، ص 116.
[45] يُنظر المادة (46) اتفاقية لاهاي لعام (1907)
[46] د. إسماعيل عبدالرحمن محمد ، مصدر سابق ، ص553. والحقيقة التي لا مناصَ منها ، إنَّ الحُكم المُقرَّر في قانون الحرب غيرُ نافذٍ إلاّ على بعض الدول ، فهو مُجرَّد حُكم خُلُقي مثالي ، فالواقع يُشير بأنَّ جنود الاحتلال لا يُبقون على شيء مِمَّا يعثرونَ عليه مع القتلى ، بلْ ويتجاوز عدوانهم إلى الأحياء ، فيهجمون على المنازل والدور للسكان المدنيين ، وينهبون ما فيها ، ويهتكون الأعراض ويأخذون كل ما يُصادفون من مجوهراتٍ وحُلي وأموال . للمزيد حول مُقارنة سلوك قوات الاحتلال مع ما جاء في الإسلام يُنظر : د. وهبه الزحيلي ، موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المُعاصرة ، ج 7 ، آثار الحرب ، ط 3 ، دار الفكر ، دمشق ، 2012 ، ص444.
[47] تتعدَّد صور جرائم القتل التي ترتكبها دولة الاحتلال ضدّ السكان المدنيين ، ويُمكن ارتكابها بأسلوبين : قتل جماعي يُرتكب لإبادة مدينة أو قرية بأكملها ، وقتلٌ فردي . للمزيد يُنظر : د. سامح جابر البلتاجي ، حماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة الجريمة - آليات الحماية ، ط 1 ، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، 2005 ، ص12.
[48] د. علي محمد الدباس و علي عليان أبو زيد ، حقوق الإنسان وحرياته ودور شرعية الإجراءات الشرطية في تعزيزها ، ط 4 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمَّان ، الأردن ، 2017 ، ص226.
[49] المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948
[50] المادة السابعة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام (1966).
[51] قد يكون التعذيب الذي تقوم بهِ قوّات الاحتلال بحقّ السكان المدنيين بسبب مُقاومتهم للاحتلال ، علماً بأنَّ حقّ السكان بمقاومة الاحتلال هو حقٌّ مشروع بموجب قواعد القانون الدولي .للمزيد يُنظر : باسم محمد حمود الفهداوي ، الجرائم المرتكبة ضدّ المدنيين في النزاعات الدولية المسلحة ، ط 1 ، المكتب الجامعي الحديث ، الإسكندرية ، 2013 ، ص73.
[52] المادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1948)
[53] المادة (55) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
[54] المادة (56) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
[55] المواد (56 ،57) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
[56] المواد (59 ،61 ،62) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، كذلك يُنظر المادة (69 /1) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 المُلحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. للمزيد حول قواعد حماية السكان المدنيين وفقاً إلى بروتوكولي جنيف لعام 1977 يُنظر : بلقيس عبد الرضا ، الحماية الدولية للمدنيين خلال النزاعات المسلحة ، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2016 ، ص118.
[57] يُنظر : د. أحمد سليم سعيفان ، الحريات العامة وحقوق الإنسان دراسة تاريخية وفلسفية وسياسية وقانونية مُقارنة ، ج 2 ، ط 1، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2010 ، ص149-150.
[58] المادة (27 ،58) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 . وفي هذا السياق يرى بعض الفقهاء بأنَّ على رجال الدين عدم استخدام المنابر في دور العبادة لمناقشة المسائل السياسية ، أو التحريض على الثورة أو المقاومة بين الأهالي ، كما لا يجب أنْ تُعقد الاجتماعات السياسية تحت ستار الاجتماعات الدينية . يُنظر : جير هارد فان غلان ، القانون بين الأمم ، ج 3 ، ترجمة ايلي وريل ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، (د.ت) ، ص175.
[59] د. حمدي عطية مصطفى عامر ، حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي دراسة مقارنة ، ط1 ، مكتبة الوفاء القانونية ، الإسكندرية ، 2014 ، ص706.
[60] للمزيد يُنظر : د. إسماعيل إبراهيم البدوي ، الحريات العامة والحقوق الفردية في الشريعة الإسلامية والنظم الدستورية المُعاصرة ، ط 1 ، مكتبة الوفاء القانونية ، الإسكندرية ، 2016 ، ص356. جدير بالذكر أنَّ هنالك فرق بين حقّ الملكية وحرية التملُّك ، للمزيد يُنظر : د. جابر إبراهيم الراوي ، حقوق الإنسان وحرياتهِ الأساسية في القانون الدولي والشريعة الإسلامية ، ط 2 ، دار وائل للنشر ، عمَّان الأردن ، 2010 ، ص 197.
[61] المادة (17) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 .
[62] المواد (46 ،47) من قواعد لائحة لاهاي لأعراف الحرب لعام 1907.
[63] المادة (56) من قواعد لائحة لاهاي لأعراف الحرب لعام 1907.
[64] المادة (33/ 2) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 . لمزيد من التفصيل يُنظر : محمود سامي نعمة الجبوري ، مصدر سابق ، ص133.
[65] يُنظر د. سموحي فوق العادة ، مصدر سابق ، ص275. جدير بالذكر أنَّ المعاهدات التي أعقبت الحرب العالمية= =الأولى ألزمت ألمانيا وحلفائها بتعويض السكان المدنيين من دول الحلفاء ، والحكم برد جميع ممتلكاتهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم . ينظر : د. صلاح عبد البديع شلبي ، حقّ الاسترداد في القانون الدولي ، ط 1 ، دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي ، القاهرة ، 1983 ، ص230-235. . كذلك الحال بالنسبة لغزو العراق للكويت في آب عام 1990 ، وما ترتب بحق العراق من تعويضات الممتلكات العامة والخاصة بالسكان المدنيين ، حيث ألزمَ قرار مجلس الأمن (686) في 2/3/1991 العراق بتعويض الأضرار الناشئة عن احتلال الكويت ، وأكَّدَ القرار على أن يكون التزام العراق بالتعويض من ضمن شروط وقف إطلاق النار بين العراق وقوّات الحلفاء ، وقد أنشئ لهذا الغرض صندوق باسم (لجنة الأمم المتحدة لتعويضات حرب الخليج) لمزيد من التفصيل حول ذلك يُنظر: د. إبراهيم الدّراجي ، جريمة العدوان ومدى المسؤولية القانونية الدولية عنها ، ط 2 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2019 ، ص 809-834.
[66] يُنظر : د. محمد المجذوب ، الوجيز في القانون الدولي الإنساني ، ط 2 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2021 ، ص122.
[67] المادة (79) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949)
[68] المادة (80) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949)
[69] يُنظر : د. علي زعلان نعمة و د. محمود خليل جعفر و د. حيدر كاظم عبد علي ، مصدر سابق ، ص192.
[70] المادة (6) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948).
[71]المادة (16) العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام (1966)
[72] د. محي الدين علي عشماوي ، مصدر سابق ، ص 488.
[73] المادة (95) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
[74] المادة (82) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949)
[75]المادة (91 ، 92) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
[76]المادة (89) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام (1949)
[77] يُنظر : جير هارد فان غلان ، مصدر سابق ، ص187.
[78] المادة (90) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
[79] يُنظر : د. نعمان عطا الله الهيتي ، القانون الدولي الإنساني في حالات الحروب والنزاعات المسلحة ، دار مؤسسة رسلان ، دمشق ، 2015 ، ص84.
[80] المواد (97 ، 98) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
[81] د. نعمان عطا الله الهيتي ، المصدر السابق ، ص86.
[82] المواد (106- 116) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 . والمُلاحظ بأنَّ قوّات الاحتلال الأمريكية وحلفائها وأثناء احتلالها للعراق عام 2003 ، لم تلتزم بجميع ما ذُكر من المبادئ التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المدنيين أثناء الاعتقال ، فقد بلغ عدد المعتقلين لديها حتى منتصف عام 2004 ، حوال (6000) معتقل ، ولم يعرف ذويهم مصيرهم إلاّ من خلال المعتقلين الذين قامت بإطلاق سراحهم ، هذا فضلاً عن فقدان الكثير من العراقيين نتيجة عمليات الاحتلال ، فضلاً عن المعاملة القاسية وغير الإنسانية وغير الأخلاقية التي مارسها جنود الاحتلال الأمريكي مع المعتقلين في سجن (أبي غريب) ، وهو ما يُعدّ انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف وغيرها من المعاهدات والصكوك الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان . للمزيد يُنظر : د. وصال العزاوي ، انتهاكات حقوق الإنسان العراقي في سجن أبي غريب ، دار عمار ، عمان ، الأردن ، 2005 ، ص13. كذلك يُنظر : د. معتز فيصل العباسي ، مصدر سابق ، ص451.