تاريخ الاستلام 17/1/2023 تاريخ القبول 1/3/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
وتداعياته الداخلية
The American withdrawal from Afghanistan
and its internal repercussions
أ.م.د.نادية فاضل عباس فضلي
جامعة بغداد - مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
Ph.D.Assistant Professor: Nadia Fadil Abbas Fadle
University of Baghdad- Center For Strategic and International
المستخلص
عد عشرين عاماً من الاحتلال الأمريكي للأراضي الأفغانية جاء الانسحاب الأمريكي سريعاً ومفاجئاً ، وأصاب المجتمع الدولي بصدمة كبيرة لسرعة انسحاب القوات الأمريكية والعاملين في القواعد والمؤسسات الأفغانية العسكرية منهم والمدنيين في 31 /آب 2021،وجاء هذا الانسحاب بعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان في 29 شباط 2020 اتفاق الدوحة وذلك لإحلال السلام في أفغانستان، وكان الأعضاء المفاوضين في الحركة قد تعهدوا بمنع تنظيم القاعدة من التحرك في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، وهذا الاتفاق كان قد حظي بتأييد روسيا والصين وباكستان وبمباركة مجلس الأمن، من دون مراعاة مصلحة الشعب الأفغاني وما أفرزه هذا الانسحاب من تداعيات صعبة ومؤلمة لعموم الشعب الأفغاني وكان له انعكاسات خطيرة على الداخل الأفغاني.
Abstract
After twenty years of the US occupation of Afghan lands, the US withdrawal came quickly and suddenly, and the international community was greatly stunned by the speed of the withdrawal of US forces, workers in Afghan military bases and institutions, and civilians on August 31, 2021, and this withdrawal came after the United States of America and the Taliban signed on February 29 2020 Doha Agreement, in order to bring peace to Afghanistan, and the negotiating members of the movement had pledged to prevent al-Qaeda from moving in the areas controlled by the movement, and this agreement had received the support of Russia, China and Pakistan, and the blessing of the Security Council, without taking into account the interest of the Afghan people and what resulted from it This withdrawal had difficult and painful repercussions for the entire Afghan people and had serious repercussions on the Afghan interior.
المقدمة
منذ أحداث 11/ سبتمبر2001 وضرب البرجين في مركز التجارة العالمي في نيويورك بواسطة طائرات موجهة إلى اهم الأهداف في الولايات المتحدة الأمريكية وموقع وزارة الدفاع الأمريكي البنتاغون ، والعالم بشكل عام قد تغيرت أوضاعه، وخاصة بعد مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخصٍ وكانت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس «بوش الصغير» قد حمّلت تنظيم القاعدة مسؤولية ما حدث وذلك بوجود مجموعة إسلامية متشددة قامت بالتخطيط وتنفيذ الهجمات انطلاقاً من أفغانستان بقيادة زعيم القاعدة «أسامة بن لادن»، وظلت أفغانستان تحت الاحتلال الأمريكي لمدة عشرين عاماً، وكان قد سبق إعلان الانسحاب الأمريكي في العام 2021، الشروع بعملية السلام الأفغانية والتي تضمنت مقترحات ومفاوضات في محاولة لإنهاء الحرب المستمرة بين القوى المتصارعة وهذه المفاوضات في العام 2018 كانت بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية ووقعت الاتفاقية بعد مرحلة شاقة من المفاوضات بين الطرفين في الدوحة وبرعاية قطرية في 29 شباط 2020، والتي تضمنت انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية لمدة 14 شهراً فيما إذا التزمت حركة طالبان بشروط الاتفاقية، وبالفعل قام الرئيس الأمريكي «جو بايدن» في آيار من العام 2021 بسحب قطاعاته العسكرية من أفغانستان ، معّبراً عن رأيه بكونه غير نادمٍ على تنفيذ قرار الانسحاب، وأنّ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان هي العليا ،وتركزت حول منع الإرهاب من التمدد والتمكن، وأنّ الإدارات الأمريكية قد نجحت في قتل زعيم تنظيم القاعدة « أسامة بن لادن»، وكان لابد من الانسحاب بعد ذلك لان النفقات بلغت اكثر من تريليوني دولار خلال العشرين عاماً ،وجاء الانسحاب الكامل في 31 /آب 2021 لينهي حقبة من السنوات الصعبة تحت الإدارة الأمريكية ولتبدأ مرحلة جديدة من الصعوبة واليأس وانتهاكات جسيمة لا حصر لها بحق الشعب الأفغاني تحت سيطرة حركة طالبان المتشددة والتي اطلقت الولايات المتحدة الأمريكية لها العنان ضماناً للمصالح القومية الأمريكية على حساب شعب مقهور تضليله باسم الديمقراطية والحرية وفرضيتنا تنطلق من أن الاحتلال الأمريكي لأفغانستان طيلة 20 عامًا لم تجلب الديمقراطية والحرية ودولة الرفاه إلى المجتمع الأفغاني بل تداعيات هذا الانسحاب أثّرت بشكل سلبي وعميق في واقع حقوق الأنسان وحرية المرأة وعملها مع تزايد حدّة الصراعات المسلحة بين الفصائل الأفغانية.
أهمية البحث:
تظهر أهمية البحث في دراسة تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على الاوضاع الداخلية من حيث استخدام القوة من قبل حركة طالبان اتجاه المواطنين المدنيين العزل والاستغراق في انتهاكات جسيمة بحق النساء والأطفال ومصادرة الحريات بشكل كامل ومنع الفتيات من الذهاب للمدارس والجامعات لاستكمال تعليمهم، مع إخفاق أمريكي واضح في أفغانستان في جوانب الإعمار وعدم القدرة على بناء دولة قوية وفاعلة وتأسيس جيش وطني قادر على حماية أفغانستان من الأخطار الداخلية والخارجية.
إشكالية البحث:
ينطلق البحث من الإجابة على تساؤلات عدة :
1-ما أهمية اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان وانعكاسه على الداخل الأفغاني؟
2-ما الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل حركة طالبان وبعد الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان؟
3-ما مستقبل الشعب الأفغاني والتطورات الأوضاع الداخلية في ظل نظام طالبان؟
منهجية البحث:
كأيّ بحث علمي يلقي الضوء على الأوضاع الداخلية في أفغانستان يتم الاعتماد على منهج التحليل النظمي وكذلك المنهج الوصفي، وذلك لإبراز الدور الضعيف الذي قامت به الحكومات الأفغانية تحت قيادة الرئيس «أشرف غني» والذي غادر أفغانستان بعد التقدم السريع لمقاتلي حركة طالبان في مقابل فساد المؤسسة العسكرية الأفغانية.
المبحث الأول
مضامين اتفاق السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية
وحركة طالبان في 29 شباط 2020
قبل الحديث عن التطورات في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في العام 2021 ،نعرج عن حركة طالبان وماذا تعني ؟ كلمة طالبان تعني الطلاب ، فهذه الحركة قد أسست من مجموع طلاب المدارس الدينية في باكستان ،إذ قام الحزب الشعبي الديمقراطي الأفغاني بانقلابه في أفغانستان ثم غزاها الاتحاد السوفيتي في العام 1979 ،وتمّ تأسيس المدارس الاسلامية في باكستان قرب الحدود الأفغانية وفي العام 1980، كثر اللاجئون الأفغان لباكستان ،وكانت لهم صلات وثيقة بالمدارس الدينية في بيشاور وكويتا ،وتألفت الحركة من زعيم الحركة «الملا عمر» الذي فقد إحدى عينيه في المعارك ضد السوفييت ،والطلاب المتخرجين من المدارس الدينية في أفغانستان نفسها ،والطلاب الأفغان من اللاجئين لباكستان وايضاً الطلاب الباكستانيين أنفسهم وحصلت طالبان على تأييد الحكومة الباكستانية في عهد الرئيس «ضياء الحق» لدوافع عقائدية وسياسية ،وبعد هزيمة السوفييت في العام 1989 حظيت الحركة بتأييد قطاع كبير من الشعب الأفغاني ، وفي العام 1994 تحركت حركة طالبان واستولت على غزني وهرات وسقطت كابل واستتب الوضع للحركة في أيلول 1996، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المرحلة قد حافظت على علاقات هشة مع حركة طالبان الناشئة وعندما تفاقم الوضع آنذاك سلمت مسؤولية التفاهم مع الحركة لإسلام آباد حليفها التقليدي[1].
وبعد أحداث 11/ أيلول 2001 وضرب برجي التجارة العالمية وموقع البنتاغون قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه التهم الى تنظيم القاعدة القابع في أفغانستان وتحت رعاية إمارة طالبان الأولى، قامت الولايات المتحدة الأمريكية في تشرين الاول من العام 2001 بغزو أفغانستان وعدت أول جولة عسكرية في الحرب على الإرهاب وذلك بمشاركة القوات الأمريكية والبريطانية وقوات التحالف الأفغاني الشمالي والتي كانت عبارة عن مجموعة من القوات الأفغانية المختلفة والمعارضة لحكومة طالبان الإسلامية في المرحلة الأولى من الاحتلال وانضمت إلى قوات التحالف كل من كندا والمانيا وايطاليا واسبانيا ونيوزيلندا وفرنسا وباكستان وبولندا وكوريا الجنوبية، وقد حظيت الولايات المتحدة الأمريكية بتأييد شبه مطلق في إعلانها الحرب على الإرهاب[2].
وانصبت الاستراتيجية الأمريكية في الحرب على الإرهاب، انه من الممكن هزيمة الإرهابيين من خلال استهداف بعض القيادات والافراد في الجانب الاول، وعليه من المفترض قتل كبار الزعماء ومساعديهم كي يتوقف الإرهاب العالمي حسب وجهة نظرهم، وبالفعل ركّز المجتمع الاستخباري الأمريكي على مطاردة القيادات والزعامات المتشددة والقضاء عليهم دون فهم الديناميكية الاستراتيجية للأعداء[3]، ومثلت الحرب الأمريكية على أفغانستان للإطاحة بحركة طالبان أمراً جديداً في تاريخ الحروب وأطلق المحللون عن اسم تصنيفي على العمليات مصطلح النموذج الأفغاني فقد طلب الرئيس «جورج بوش الابن» من مجلس الأمن القومي إعداد خطة لإزالة نظام طالبان[4].
بالمقابل أفغانستان لها دلالة رمزية في فكر الجماعات المسلحة الجهادية، بما تحمله من ذكريات الجهاد الأفغاني ضد قوات الاحتلال السوفيتي وعليه تمّ تشكيل إمارة طالبان الإسلامية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وظهر نجم طالبان وأكثر أعضائها من عرقية البشتون في أفغانستان وتحديداً في العام1994 وتطورت هذه الحركة من خلال تواجد المدارس الدينية والتي تنتهج النهج الديني المحافظ ان لم نقل المتشدد ، وبالتقاء الأفكار مع زعيم القاعدة «أسامة بن لادن» الذي قاد حركة المقاومة أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان، وتمت مبايعته زعيماً لتنظيم القاعدة، وفيما بعد ظهر تنظيم داعش الإرهابي (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في العام 2014 وذلك بعد وفاة الملا عمر زعيم حركة طالبان ، وبدأ التنافس على الزعامة بين تنظيم داعش مع حركة طالبان والقاعدة، فقد تطلع التنظيم( داعش الإرهابي) لاستغلال الفراغ في حركة طالبان بعد وفاة زعيمة «الملا عمر» في العام 2013 مما أدى إلى انقسام قياداته، وفي بادئ الأمر نفت قيادات حركة طالبان وفاة زعيمها وأخطرت الحركة الى انتخاب الملا «اختر محمد منصور» زعيماً لطالبان مع ارتفاع سقف التنافس السياسي والمسلح بين داعش الإرهابي من جهة وطالبان والقاعدة من جهة أخرى ومن يقود العالم الإسلامي سواء في صورة خلافة او إمارة[5]، ولابد من الإشارة إلى القاعدة تنتمي للمذهب السلفي الجهادي ، في حين طالبان تتبع المدرسة الديبونية التابعة للمذهب الحنفي ، فضلاً عن التباين بين ايديولوجيات الجماعات الجهادية وتوجهاتها إلا أنّ جميعها تشترك في السعي للوصول الى مرحلة التمكين التي يتبعها السيطرة على مقاليد الأمور[6].
كانت طالبان قد استخدمت أساليباً مبتكرة وجديدة في مواجهة قوات التحالف وذلك بعد اربعة سنوات من الاحتلال الأمريكي وتحديداً منذ العام 2005 ، فقد استغلت الحركة وجود قطاعات كبيرة من الشعب تدعم الحركة فضلاً عن استغلالها للجغرافيا والتركيبة العرقية والدينية ،فقد اختلفت أساليب القتال في الجبال الوعرة الشمالية «لقندهار» و»زابل» عن قتالهم في الوديان الخصبة والمزروعة بشكل كثيف على طول نهر هلمند وضواحي قندهار الجنوبية وبدأت بالتحشيد بالقرب من المناطق السكانية والاعتماد على الهجمات الانتحارية على قوات التحالف مما أدى إلى تكبدهم خسائر فادحة[7].
ولابد للإشارة إلى مذكرات «هيلاري كلينتون» وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بشرحها لسياسة الرئيس «باراك أوباما» وكيف أنّ زيادة عدد القوات كانت تحقق للولايات المتحدة أهدافها بسرعة ، ولكن كان يوجد هدف للانتهاء من الحرب خاصة في ظل وجود قناة اتصال سرية مع طالبان منذ ذلك الوقت، بمعنى وجود عمل عسكري صاحبه عمل دبلوماسي لإنهاء الحرب في أفغانستان منذ العام 2010 ، واعترفت «هيلاري» بانّها تدرك هي من فتحت باب التفاوض مع طالبان[8].
كما أجبر الوضع في أفغانستان في العام 2012 ،مع تصاعد مديات العنف بين جميع أطراف النزاع إدراكهم أنّ هذه الحرب لا يمكن كسبها بالاشتباك المسلح وهذه الحرب لاتصل إلى نهايتها ما لم تبدأ المفاوضات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأفغانستان ، ولكي تنجح المفاوضات لابد من إعادة الثقة المعدومة بين الطرفين، فهناك شكوك وعدم ثقة من قبل الجانب الأمريكي وحلف الشمال الأطلسي بحركة طالبان بعد التزامها بالاتفاقات ، بالمقابل طالبت الحركة بتعزيز اجراءات الثقة منها إطلاق كبار قادة طالبان القابعين بسجون قاعدة باغرام ومعتقل غواتنامو[9].
ونتيجة لاستمرار الصراع في الداخل الأفغاني والكلف الهائلة التي تكبدتها القوات الأمريكية هناك بدأت إدارة الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب « بفتح قنوات حوار مع قيادات حركة طالبان في خريف العام 2018، فقد كتبت صحيفة «الواشنطن بوست» «أن ما يحدث من مفاوضات بين الإدارة الأمريكية وقيادات حركة طالبان هو نتيجة حتمية وهي المفاوضات التي تفوقت فيها طالبان فقد أثبت مفاوضو طالبان القادمون من الجبال أنهم أكثر كفاءة في التفاوض من دبلوماسي وسياسي أقوى دولة في العالم[10]. وبعده سلسلة من المفاوضات بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان وفق ما تم نشره في النص الرسمي الذي نشر في موقع وزارة الخارجية الأمريكية هو عبارة عن اتفاق ثنائي جمع بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية وتم التوصل إليه بعد سلسلة من المفاوضات الصعبة والتي استمرت لسنوات إذ تمّ التوقيع على الاتفاق في 29 شباط 2020 في الدوحة و برعاية قطرية وحضور دولي كبير، إذ تبدو خصوصية هذا الاتفاق لكونه وقع في 29 شباط وهو تاريخ لن يتكرر سوى مرة كل أربع سنوات وإنّما تكمن في الفرادة في منحه واشنطن وحلفائها في حلف شمال الأطلسي ما عجزوا عنه في الجانب العسكري والعملياتي، وهي فرصة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها للخروج من أفغانستان دون خسائر بشرية كبيرة خلال عام كامل، وذلك للمرة الأولى منذ دخول القوات الأمريكية للأراضي الأفغانية[11].
وقضى الاتفاق بتضمنه العديد من النقاط والبنود المهمة وهي[12]:
1-انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان خلال 14 شهراً.
2- تخفض الولايات المتحدة الأمريكية قواتها في أفغانستان إلى 8600 في غضون 135 يوماً بدءً من تاريخ توقيع الاتفاق.
3- تسحب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها والتحالف جميع قواتها من خمس قواعد عسكرية خلال 135 يوماً.
4-إزالة العقوبات الأمريكية على أفراد حركة طالبان بحلول آب 2020.
5-إطلاق سراح ما يصل الى 5000 سجيناً من طالبان وما يصل إلى ألف من سجناء الطرف الاخر بحلول 10 آذار 2020.
كما شملت البنود الأربعة ضمانات وآليات تنفيذية وذلك لمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي مجموعات أو أفراد لضرب أمن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها مع ضمانات وإعلان جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية كافة مع دخول حركة طالبان في مفاوضات داخلية مع باقي الأطراف الداخلية الأفغانية بحلول 10 آذار 2021 مع إقرار وقف لإطلاق النار الدائم والشامل ضمن اجندة الحوار والمفاوضات الأفغانية الداخلية[13].
وصف هذا الاتفاق بين ادارة «ترامب» الممثلة «بزلماي خليل زاد» الممثل الأمريكي الخاص للمصالحة في أفغانستان ومفاوض طالبان» الملا عبد الغني برادار» بالاتفاق التأريخي، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» عازمة على التخلص من الملف الأفغاني المكلف مالياً بشكل كبير، وبالفعل وبعد توقيع الاتفاق تسارعت وتيرة انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها العسكرية في» قندهار» و»هلمند» و»كابول الجنوبية» ووصفت سياسة «ترامب» بانّها سارعت على خطى سلفه الرئيس «بارك أوباما» في العام 2011 الذي قام بعملية سحب قواته من أفغانستان بعد ان قام قبلها بسنتين بتعزيز صفوف قواته ب30 الف رجل اضافي والرفع من الميزانية المخصصة للتدخل[14].
وعقب الاتفاق استمرت حركة طالبان في عدم اعترافها رسمياً بالحكومة الأفغانية أي حكومة «أشرف غني» بوصفها حكومة عميلة، وقد رفضت الحركة إجراء أيّ حوار مباشر مع المسؤولين الافغان والاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية شجعهم على ذلك وأضفى الشرعية على موقف الحركة، كما أن طالبان لم تنبذ تنظيم القاعدة بل إنها التزمت بشكل غامض بعدم السماح بإستخدام الأراضي الأفغانية من قبل أولئك الذين يهددون الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فقط، ولطالما كانت الشراكة بين القاعدة وحركة طالبان ضرورة استراتيجية وهذا ما يميز العلاقة القائمة على الولاء القوي والمتبادل بينهما، فتنظيم القاعدة أقسم بالولاء لزعيم حركة طالبان، والأخيرة ضحت بنظامها بدلاً من تسليم زعيم القاعدة «أسامة بن لادن» بعد أحداث 11 أيلول مع ارتباطهم بروابط روحية في المعارك مما يجعل الانفصال فيما بينهم صعباً جداً[15].
في ضوء ما طرح نرى أنّ اتفاق السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان في 29 شباط 2020،هو نهاية حقبة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان من العام 2001 ولحد الانسحاب في آب 2021، لقد وضح هذان العقدان الاستراتيجية الأمريكية المتخبطة اتجاه افغانستان والتي لم تعمل على نشر المبادئ الديمقراطية الأمريكية كما أرادت قبل توقف الزمن وجاء الانسحاب الامريكي على حساب الشعب الافغاني الذي بقي على مفترق الطريق هل يعود إلى حقبة إمارة طالبان والتراجع بكل ما تحقق حتى لو كان نسبياً ام يقاوم الوجود الجديد لحركة طالبان في ظل جيش هزيل لم يستطع الحفاظ على الدولة الأفغانية؟.
المبحث الثاني
تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
وهيمنة حركة طالبان على السلطة وتدهور الأوضاع الداخلية
بعد نهاية حقبة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» ومجئ الرئيس الديمقراطي «جو بايدن» أول شيء أعلن عن موقف إدارته في 14 /نيسان 2021من الاتفاق بين الإدارة الأمريكية السابقة وحركة طالبان الموقع في 29 شباط 2020، وقرر فوًرً البدء في انسحاب القوات الأمريكية والبالغة بنحو 2500 جندي وأكثر من 16000 متعاقد مدني وقوات حلف الناتو ما يقارب 7000 الف عنصر في الاول من آيار 2021،على ان يستكمل الانسحاب في 11 أيلول 2021 مع الاحتفاظ ببعض القوات لحماية البعثات الدبلوماسية وأهم شيء تأمين مطار العاصمة كابول[16] .
وكانت لدى «بايدن» أسبابه في الالتزام بالخروج من أفغانستان ويمكن إدراج هذه الأسباب بالنقاط الآتية[17].
1-معارضة دافعي الضرائب الأمريكان والناخبين استمرار البقاء في أفغانستان، وأعلن «بايدن « على أساس ذلك أنّه ((حان الآن إنهاء الحرب الأبدية)).
2-العودة إلى أفغانستان ينطوي على مخاطر بسقوط المزيد من الضحايا الأمريكان، وقال السفير الأمريكي السابق في أفغانستان «ريان كروكر» «أنّ حركة طالبان تعمل في ظل سيناريو مختلف تماماً اليوم إنًهم قوة قتالية أقوى بكثير لقد ألهمتهم انتصاراتهم زخماً قوياً وبقاء القوات الأمريكية وتكاليفها لن تكون ضئيلة وربما تكون أكبر بكثير مما يرغب الجمهور الأمريكي في دعمه».
3- المزيد من الوقت سيخلق نتائج غير محسوبة، فقد أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية26,2 ترليون دولار على الحرب في أفغانستان في محاولة لإعادة بناء الحكومة الأفغانية وتدريب جيشها وفقاً لمشروع تكاليف الحرب وأكّد «ايڤون دالدر» الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى حلف شمال الأطلسي من 2009 -2013 أنّه بعد 20 عاماً من الاستثمارات لا يزال من الصعب على الدولة الأفغانية الدفاع عن نفسها.
4- مهمة الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون واضحة في 4 نيسان 2021 أعلن «بايدن» عن خطط لسحب القوات الأمريكية قائلاً «إنّ البلاد حققت هدفها الرئيس المتمثل في ضمان أنّ أفغانستان ليست ملاذًا آمناً لأولئك الذين يريدون الحاق الاذى بالولايات المتحدة الأمريكية وحققنا الأهداف بمقتل «أسامة بن لادن» والقاعدة تدهورت في العراق وأفغانستان وقد حان الوقت لإنهاء الحرب إلى الأبد وبشكل مطلق.
5- تركيز وتأكيد الرئيس «بايدن» على التحديات المحلية والداخلية في الداخل الأمريكي والملفات الاستراتيجية الأخرى والخطيرة وعلى رأسها الصين، بمعنى التوجه إلى البيت الداخلي مع تعزيز القدرة التنافسية الأمريكية خاصة مع الصين ومحاربة الوباء «كورونا» كوفيد 19 وعليه ومع بدء القوات الأمريكية بالانسحاب في 1/ آيار 2021 بدأت قوات طالبان تتقدم بسرعة كبيرة نحو الولايات والمقاطعات الأفغانية وتشن هجمات قوية ضد حكومة أفغانستان وحلفائها وما أنْ حلّ 15 /آب 2021 حتى سيطرت الحركة على كامل البلاد ومقاليد السلطة في «كابل» وفرار الرئيس «أشرف غني» من أفغانستان، وبدأت حركة طالبان تواجه تحديات داخلية والسياسية والاقتصادية والأمنية، والخارجية المتمثلة بأزمة الاعتراف الدولي بالحركة، وأمام الوضع الداخلي السيء بدأت الفوضى تعم أرجاء البلاد خاصة بتدفق الآف المواطنين الأفغان والأجانب نحو مطار كابل الدولي وذلك للمغادرة نحو أمريكا والغرب هرباً من الأوضاع المأساوية وخوفاً على مصير عوائلهم في دولة أصبحت تحت حكم طالبان وقبضتها ، وخاصة تخوف المتعاونين مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة[18].
فضلاً عن الكلف المادية التي تكبدتها الإدارات الأمريكية نتيجة لاحتلالها أفغانستان ،فقك كانت الخسائر البشرية كبيرة، إذ بلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قضوا هناك ما يتجاوز2500 ،كما قتل ما يقارب 4000 متعاقداً مدنياً امريكياً ،كما أودت الحرب بحياة أكثر من 69 ألف شرطي عسكري افغاني و47 الف مدني ، فضلاً عن 51 ألف مقاتل من المعارضة [19].
لقد أصبحت الأوضاع الداخلية في أفغانستان مقلقة، إذ لم يترك الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ومشاهد أبناء الشعب الأفغاني الذين تشبثوا بعجلات الطائرة الأمريكية في مطار كابول ثم أخذوا يسقطون بشكل مأساوي بشكل لا يقبل الشك صوراً لتراجع الثقة بالدور الأمريكي في الداخل الأفغاني وعلى عموم دول العالم، اذ كان اهم ما ارتبط بنموذج الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق هو انه كان أنموذجاً للاحتلال والحكم لإعادة بناء الدولة وفقاً للقيم الديمقراطية الأمريكية، فلم تنتهِ علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الدول عند حدّ حرب أمريكية لإسقاط النظام بمناصرة قوى اجتماعية أو مجموعات قبلية أو عرقية أو طائفية وإنّما أعقب الاحتلال إسقاط النظم السياسية عملية تفكيك داخلية شاملة بهدف إعادة البناء الوطني الجديد وبإشراف أمريكي[20].
كما أنفق الأمريكان نفقات ومصروفات باهضة مع تشييد نموذج للحكم المفترض ديمقراطياً جرى الاستثمار فيه لسنوات طويلة عبر وضع دستور وطني جديد وبناء نظام حكم قائم على المحاصصة الطائفية والقبلية وجلب حكم موالين لها مثل «حامد كرزاي «الذي تولى منصب رئيس الجمهورية في العام 2001 وتبعه «أشرف غني» من العام 2014 إلى 2021 الذي سار على نهج سلفه ، وإنّ العملية الأمريكية لم تكن سوى غطاءات مصطنعة وغير حقيقية على واقع المجتمعات والتي لم تتغير بولاءاتها الاجتماعية والقبلية وهي الولاءات التي اختفت لعقدين من الزمن وعادت عندما توافرت الظروف لها وفشل الرهان الأمريكي على التغيير الاجتماعي القسري وفشلت عملية بناء جيش وطني حديث على غرار الجيش الامريكي بعدما أنفقت أمريكا ما يزيد على 80 مليار دولار أمريكي على الجيش الأفغاني[21] .
وقد أكدّ الصحفي «كريج ويتلوك» بصحيفة «الواشنطن بوست» بصدد ما حدث في أفغانستان وبعد خروج القوات الأمريكية من الواضح لدي الآن بعد الرجوع للكثير من المصادر الغربية أنّ من خاضوا الحرب في أفغانستان لم يكن لديهم علم عن طبيعة الشعب الأفغاني واستحالة تغيره فوقياً، وطبيعة تمسك الشعب الأفغاني بدينه وتقاليده ،وطبيعة الدولة في أفغانستان والخطأ في محاولة التعامل معها كدولة قومية مركزية يمكن تسيرها عن طريق التوافق مع الحكومة المركزية وإغفال العامل القبلي في إدارة الأمور والطبيعة الريفية الغالبة على الشعب الأفغاني في مقابل الأقلية التي تعيش في المدن وتاريخ أفغانستان كمقبرة الأمبراطوريات كما قال «جو بايدن»[22]. ويمكن إجمال تداعيات الانسحاب الأمريكي على الأوضاع الداخلية في أفغانستان[23].
1ـ تدهور الأوضاع الأمنية: منذ بداية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في 1/ آيار 2021 أسرعت حركة طالبان إلى فرض سيطرتها على المقاطعات الأفغانية، وقامت الحركة بتنفيذ تفجيرات قرب مدرسة للبنات في كابل اسفر عنه مقتل عددٍ من الطالبات الأمر الذي وضح ضعف القوات الأفغانية الأمنية والعسكرية في الدفاع الدولة وتحقيق أمنها، وأنذر هذا الموضوع بوجود فراغ أمني وحرب أهلية في ظل ما يعانيه الجيش الأفغاني من انقسامات مذهبية وعرقية وضعف مؤسسات الدولة وتشرذمها.
2ـ تدهور الأوضاع الاقتصادية: أدّى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الى تردي الأوضاع الاقتصادية، فهناك العديد من الثروات المعدنية غير المستغلة وقد تمّ إعطاء حق التنقيب عن هذه الثروات لعدد من الشركات كالشركات الصينية فضلاً عن وجود مشروعات استثمارية تشرف عليها شركات أوروبية في مجالات البنية التحتية والطاقة، ونتيجة للوضع الحالي في أفغانستان هذا ما يعرقل عمل هذه الشركات ويؤثر على حجم هذه الاستثمارات مما يجعل هذه الشركات تعيد حساباتها فضلاً عن ما شهدته البنوك من حركة سحب للاموال والودائع كما ان الاقتصاد الأفغاني يعتمد على حجم المساعدات والتي تقدر بنسبة 22% من الدخل القومي الإجمالي وفي ظل عدم اعتراف المجتمع الدولي بالحكومة الجديدة مما يصعب الإفراج عن الاحتياط النقدي للبنك المركزي الأفغاني وهذه تحديات اقتصادية يتعين على الحكومة الجديدة مواجهتها لتحسين الاقتصاد الأفغاني.
3- تدهور الأوضاع الاجتماعية: فضلاً عن خطاب الاعتدال الذي تتبناه حركة طالبان وتقديمها لوعود لطمأنة الشعب الأفغاني وذلك بمنح المزيد من الحريات للمرأة والسماح لها بالعمل خارج البيت ،ولكن بعد ارتداء الحجاب مع التأكيد على حقها في التعليم، ولكن الواقع أثبت غير ذلك فمع سيطرة الحركة امروا النساء بعدم مغادرة المنزل إلاّ مع محرم، فضلاً عن إزالة الصور من واجهة المحلات كما جاء تشكيل الحكومة الجديدة دون تمثيل المرأة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش قد أكّد بقوله “ إنّ أكثر من نصف الأفغان يعيشون مستويات شديدة الجوع وإنّ الحياة بالنسبة للأفغان باتت جحيماً متجمداً، في ظل غياب فرص الإنفراج مئات الالاف من الأفغان فروا إلى الدول المجاورة وخاصة إيران وباكستان فالكثير من الأفغان قاموا بمغادرة أفغانستان بسبب الأوضاع الاقتصادية وفي ظل حكم حركة طالبان واستمراره وبما تفرضه من قيود صارمة على عمل المرأة والخروج من المنزل والمخاوف من الانتقام مما زاد من رغبتهم في الهجرة [24].
وأوضح « ديڤيد مانسفيلد» الباحث في الهجرة الأفغانية قائلاً «سجلت زيادة هائلة في عدد الأشخاص الذين يغادرون أفغانستان متجهين الى باكستان ثم إيران» وأثارت هذه الهجرة مخاوف دول المنطقة والدول الأوروبية من تكرار سيناريو أزمة المهاجرين لعام 2015 وكانوا معظمهم من السوريين واللجوء إلى اوروبا والتخوف من ازدياد الأعداد والهجرة الى أوروبا بحلول الربيع من قبل المهاجرين الأفغان[25].
وقد وجهت انتقادات لإدارة الرئيس «جو بايدن» والفوضى التي رافقت الانسحاب الأمريكي، الا ان قرار «بايدن» بالانسحاب من أفغانستان جاء منسجماً مع الأكثرية الديمقراطية والجمهورية في الأوساط السياسية الأمريكية، فالأمريكان تعبوا من تمويل أطول حرب في تاريخ البلاد ولم يستطيعوا التوصل إلى حلّ مستدام ومشرف[26].
ورأى «بايدن» أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد حققت أهدافها بمكافحة التهديد الإرهابي وتجنب المزيد من الاعتداءات على الأمة الأمريكية، لكن الأسوء في تصريحاته حول الانسحاب أنّها جاءت دون الاكتراث بما يحدث في الداخل الأفغاني من وجوب تأمين مستقبل الأمن والاستقرار في أفغانستان وترك ذلك حسب قوله إلى قدرة القوات الأفغانية على حفظ الأمن معللاً ذلك أنّه يثق بقدرته الجيش الأفغاني[27].
وما يمكن ملاحظته أنّ حركة طالبان عندما تولت الحكم حدثت تطورات في الوضع الداخلي وهي كالآتي:[28].
1-مشاورات حركة طالبان لتشكيل حكومة جديدة: إذ بدأت حركة طالبان اجتماعات تشاورية من أجل تشكيل حكومة جديدة تكون أرضية لكل المكونات الأفغانية، كما أجرت مشاورات مع الرئيس الأفغاني الأسبق «حامد كرزاي» ورئيس مجلس المصالحة «عبد الله عبد الله»، والقيادي البارز في شبكة حقاني «أنس حقاني»، وعدد من المسؤولين في الحكومة السابقة وعدد من الاحزاب الأفغانية.
2- تشكيل جبهات مقاومة لحركة طالبان: إذ بدأت ظهور بوادر مقاومة في «وادي بنجشير» شمال شرقي أفغانستان، إذ تعهد «أحمد مسعود» نجل «أحمد شاه مسعود» الذي كان احد القادة الأساسيين لمقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في حقبة ثمانينات القرن الماضي، بالمقاومة والصمود بوجه حركة طالبان وقد خاطب «مسعود» الدول الغربية لمده بالأسلحة والمعدات لمواجهة حكم طالبان قائلاً« إنّ أفغانستان تحت حكم الحركة سوف تكون قاعدة للإرهاب الراديكالي وتكون خطراً على الديمقراطيات العالمية.
3- العقوبات الاقتصادية: بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قامت الإدارة الأمريكية بتجميد مليارات الدولارات من الاحتياطات الأفغانية، وذلك لمنع طالبان من الحصول على هذه الأموال وأكّد رئيس البنك المركزي الأفغاني «أجمل أحمدي» الذي فر خارج أفغانستان ان نحو 7 مليارات دولار من الاحتياطات محتجزة في البنك المركزي الأمريكي، وأكّد أيضاً «أنّ طالبان لا تزال على قوائم العقوبات الدولية فمن المتوقع أن تجمد هذه الأصول ولن تكون في متناول الحركة» كما اثبتت سنوات الحكم الامريكي لأفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية السريع من هناك، أن المؤسسة العسكرية والجيش الأفغاني غير قادرين على حماية الدولة الأفغانية ويمكن عزو سبب ضعف الجيش الأفغاني إلى النقاط الآتية:
1-مؤشرات الانهيار بين التقدم السريع لحركة طالبان في احتلال المدن الأفغانية الدور الضعيف للقوات الأمريكية في بناء جيش قوي قادر على حماية الدولة وفشلهم في تحويل الجيش الأفغاني إلى قوة قتالية ضاربة، اذ بينت ايام الانسحاب الامريكي من افغانستان استسلام جماعي لقوات الرئيس(أشرف غني) مع استيلاء طالبان على طائرات هليكوبتر ومعدات عسكرية أمنية بملايين الدولارات.
2- نقاط ضعف لقد بدأ انهيار الجيش الأفغاني قبل أشهر من الانسحاب فقط حاصرت طالبان وحدات من الجيش والشرطة والجنود الحكوميين الذين نفذت معهم الذخيرة والجوع الذي لازمهم، فقد استسلموا وسلموا أسلحتهم إلى حركة طالبان.
3- وجود استياء وتذمر: لقد أثبتت الوثائق عن الفساد في المؤسسة العسكرية الأفغانية، أنّ العدد الحقيقي للقوى البشرية للقوات الأفغانية أقل بكثير مما هو مسجل في الورق والسجلات، فقد عّبر العديد من القادة العسكريين عن شعورهم بالاستياء والتذمر لعدم وصول إمدادات الغذاء إليهم في إحدى خطوط المواجهة في» قندهار» كما كانوا يعانون من الإرهاق والضعف والتشتت.
4- تبديل الولاءات: الميليشيات المتحالفة عرقياً مع الحكومة الأفغانية والتي برزت كقوات قادرة على تعزيز قدرات الجيش فقد استسلمت مع تبديل الانتماءات والولاءات، فإذا سقطت ولاية شمال أفغانستان كان من المفروض أن تدافع عنها قوة كبيرة تحت قيادة «عبد الرشيد دستم» نائب الرئيس الأفغاني السابق ولم تدافع في الواقع ، فضلاً عن استسلام «محمد إسماعيل خان» زعيم حرب في مناطق غرب أفغانستان ، إذ لا توجد هوية وطنية قادرة على الدفاع عن التراب الافغاني وسيادته.
وفي مجال التقدم الميداني لمسلحي الحركة ، لم يكتفوا مع الانتشار في جميع أنحاء البلاد، لكن الحركة شنت هجوماً واسعاً على ثلاث ولايات وهي «لشكر قاه» «وقندهار» و»هرات « وشهدت تلك المناطق مواجهات عنيفة، نزح على أثرها الاف من المدنيين وأعلنت «طاجيكستان» فرار ما يزيد على 1000 الف جندي أفغاني عبر الحدود مع سيطرة الطالبان على المزيد من الأراضي شمالي أفغانستان[29].
وفي ضوء الطرح السابق نرى ان المجتمع الدولي قد فوجئ من تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في آب 2021،اذا كان للاتفاق الأمريكي مع حركة طالبان في 29 /شباط 2020 أثره الكبير عالمياً اذ كان من المتوقع أن تتم مراجعته في إدارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن « ،ولكن الذي حدث أنّ الإدارة الأمريكية سرّعت وقفزت على بنود الاتفاق من أجل السرعة في تنفيذ هذا الاتفاق، مما احدث تداعيات سياسية وأمنية خطيرة على الداخل الأفغاني، فالولايات المتحدة الأمريكية بالمطلق تبحث عن مصلحتها وأمنها القومي وما يؤيد هذا الطرح قول «بايدن» ان وجودنا في أفغانستان عاماً إضافياً يعني المزيد من القتال وتطول أمد وكلف الحرب وهذا ما لا تريده أمريكا، ولكن لم تعبأ الإدارة الأمريكية ،أنّ العبأ الاكبر لهذا الانسحاب وقع على كاهل الشعب الأفغاني فقط .
المبحث الثالث
مستقبل أفغانستان في ظل حكم حركة طالبان
شهدت أفغانستان بعد مدة من الانسحاب الأمريكي أحداثاّ سياسية داخلية يمكن إجمالها بما يأتي:
1-تشكيل الحكومة الأفغانية المؤقتة: في الثامن من أيلول 2021 أعلنت حركة طالبان عن تشكيلة الحكومة الأفغانية المؤقتة، والحكومة التي أعلنت برئاسة «محترم الحاج ملا حسن» و« عبد الغني برادار» نائباً لرئيس الحكومة و«محمد يعقوب مجاهد» وزيراً للدفاع بالوكالة، و«سراج الدين حقاني» وزيراً للداخلية و«أمير متقي» وزيراً للخارجية و«عبد الحق واثق» رئيساّ للاستخبارات الأفغانية، وأكّدت طالبان انه سيكون لها نقاشات وحوارات عدة معمقة مع مختلف القبائل والأطياف والنحل[30] .
وكانت حكومة تصريف الأعمال قد ضمت 33 شخصاً، وما يمكن ملاحظته على التشكيلة الحكومية هيمنة البشتون على المناصب الرئيسية في الحكومة الأفغانية الجديدة، في حين جاء تمثيل جماعات العرقية الأخرى محدوداً كما قامت طالبان بنقض تعهداتها الأولية التي أعلنت عن «الملا برادار» والذي أعلن((أنّ طالبان تسعى لتشكيل حكومة شاملة تمثل كافة اطياف الشعب الافغاني)) إذ لم يتم تمثيل أي من القوى السياسية الأخرى ، فلم يتحصل الرئيس السابق «حامد كرزاي» أو رئيس مجلس الأعلى للمصالحة الوطنية «عبد الله عبد الله» على أي منصب بالحكومة الجديدة، كذلك تم استبعاد « قلب الدين حكميتار» زعيم الحزب الإسلامي والمقرب من الاستخبارات التركية والباكستانية[31]
2- الاعتراف الدولي بحكومة طالبان: بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقف المشاركة البراغماتية ولم تتخذ قراراً بشأن الاعتراف بالحركة أو الحكومة المشكلة وهناك ثلاثة مواقف دولية بشأن الاعتراف بحكومة طالبان، فالولايات المتحدة الأمريكية تريد التعامل مع حركة طالبان بشروطها، أمّا الاتحاد الاوروبي فلا يريد الاعتراف بطالبان كحكومة شرعية على اعتبار أنّ طالبان لا تحترم المرأة وحقوق الإنسان عموماً، وروسيا والصين تريدان التعامل مع الحركة، لكن من دون الاعتراف بها بسبب قضايا أمنية، كما تحاول طالبان الحصول على مقعد في الأمم المتحدة بعد استقالة المندوب الدائم لافغانستان «غلام محمد اسحاق»، وحاولت طالبان تقديم مرشحها «سهيل شاهين» للحصول على المقعد لكن جهودها لحد الآن باءت بالفشل[32] .
3- الأقليات في أفغانستان: عندما وصلت حركة طالبان إلى السلطة أعلنت أنها ستحمي جميع الأقليات، لكن الوضع في الواقع أشار الى غير ذلك وتشير تقارير الهجرة إلى هروب الأفغان إلى الدول المجاورة مع تعرضهم الى أشد أنواع التنكيل، فلم توفر لهم الحركة الحماية من هجمات تنظيم داعش الإرهابي «ولاية خراسان»، أمّا» شبكة حقاني» والتي تشكل المرتكز الأساس لحركة طالبان وتدعم البشتون، لم تظهر أيّ اهتمام لإدماج الأقليات في الحكومة الأفغانية، كما تبين التوترات العرقية داخل حركة طالبان ذاتها، وفي الواقع يسعى الأوزبك لنيل الاستقلال الذاتي في المناطق ذات الغالبية الأوزبكية في أفغانستان، وواجهوا محاولات طالبان لنقل أعضاء الأوزبك من حركة أوزبكستان الإسلامية من الحدود الشمالية الغربية في أفغانستان إلى مناطق بعيدة عن الحدود الأوزبكية[33].
4- اضطهاد المرأة: كانت حقوق المرأة قد تحسنت في عهد الرئيس السابق «حامد كرزاي» إذ تمكنت من قيادة السيارة والانخراط في الأنشطة العامة والمجتمعية، ولكن منذ مجيء طالبان إلى السلطة تم تقييد حقوق المرأة والفتيات من المشاركة الكاملة في التعليم ومكان العمل، واكد «ماركوس بوتزيل» القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام لأفغانستان «لقد حان الوقت ليتمكن جميع الأفغان من العيش بسلام وإعادة بناء حياتهم بعد 20 عاماً من الصراع المسلح، لقد كشفت أرصادنا بالرغم من تحسن الوضع الأمني منذ 15/آب 2021 إلاّ أنّ شعب أفغانستان ولاسيما النساء والفتيات محرومون من التمتع بكامل حقوقهم الإنسانية» واكد ايضا «ان يتعلم النساء والفتيات ومشاركتهن في الحياة العامة امر اساسي لاي مجتمع حديث ان عزل النساء والفتيات في المنازل يحرم أفغانستان من الاستفادة من مساهمتهن الكبيرة التي يمكن تقديمها فالتعليم للجميع ليس حقاً أساسياً من حقوق الإنسان فحسب بل هو مفتاح تقدم الأمم وتطورها»[34].
ونددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان «ميشيل باشليه» بالتدهور السريع لحقوق المرأة الأفغانية وذلك في مناقشة في مجلس حقوق الإنسان في «جنيف «حول وضع النساء والفتيات في تلك البلاد، وقالت «باشليه» «منذ استيلاء طالبان على السلطة واجهت المرأة أكبر وأسرع تراجع في مجال التمتع بحقوقهن على مدى عقود وإنّ مستقبلهن سوف يتحول إلى أكثر قتامة في حال لم يتغير شيء بسرعة» وحددت «باشليه» معاناة النساء الأفغانيات تتلخص بالجوع والبطالة والعنف الأسري وتفرض قيود شديدة على تحركاتهن وخروجهم من المنزل ولا يحصلن على تعليم كافي ومجدي ، لقد تم وضع المرأة الأفغانية في مواجهة قاسية ومباشرة مع حركة طالبان[35].
وكانت 25 منظمة من منظمات المجتمع المدني الأفغانية قد دعت الممثلين الدائمين للدول الاعضاء والدول المراقبة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى مناقشة عاجلة ودعمها الدورة الخمسين للمجلس بشأن أزمة حقوق المرأة الحادة في أفغانستان، وأكّدت الرسالة ((منذ سيطرة طالبان في عام 2021 كان هناك تدهور هائل في الاعتراف بحقوق المرأة وحمايتها في أفغانستان وخاصة فيما يتعلق بالحق في عدم التمييز بين الجنسين والتعليم والعمل والمشاركة والصحة وفرضت «حركة طالبان» قيوداً ضخمة على حق النساء والفتيات في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع والتنقل حتى أصبحت أفغانستان الآن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر صراحة تعليم الفتيات))، وجاءت توجيهات أكثر صرامة من الحركة تفرض على النساء تغطية أنفسهن بالكامل في الاماكن العامة بما في ذلك وجوههن وعدم مغادرة المنزل إلاّ في حالات الضرورة، كما تعرضن المحتجات والناشطات إلى حملة لاقتحام المنازل وتهديدات والاختطاف والاختفاء القسري والاعتداء بالأجهزة الكهربائية وبخاخات المواد الكيميائية[36].
وفي الحادي عشر من نوفمبر 2022 أجرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشة وفقاً للبند الرابع والثلاثين من جدول اعمال الدورة 77 للجمعية العامة المعنون ((الحالة في أفغانستان)) والذي اختتم بالتصويت على مشروع قرار، عبر عن قلق بالغ ازاء انتهاك حقوق الانسان ولاسيما حقوق المرأة والفتيات وحظى بتأييد 116 دولة فيما امتنعت 10 دول عن التصويت ولم تعارض القرار أي دولة، ودعى القرار إلى الالتزام بحقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة والطفل والأشخاص المنتمين الى الأقليات وتعزيز مشاركة المرأة كاملة وعلى قدم المساواة في جميع جوانب المجتمع الأفغاني، وعبر هذا القرار عن قلق بالغ من الحالة الاقتصادية والإنسانية الرهيبة بما في ذلك المستويات المقلقة من انعدام الأمن الغذائي والحالة الأمنية في أفغانستان وخاصة التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية[37].
في ضوء التطورات السياسية الداخلية في أفغانستان ومستقبلها من المؤكد أنّ الحركة ما زالت تواجه تهديدات أمنية كبيرة كما أنّ لديها أقل قدر من المعدات والخبرات للتعامل مع هذه التحديات والتهديدات ومع هذا يشير الخبراء العسكريون الإقليميون إلى أنّ التهديدات لا تزال تشكل تهديداً وجودياً لنظام طالبان في «كابل»، وان المشكلة الأساسية ان طالبان لا تمتلك القدرة المالية اللازمة لتشكيل هيكل أمني حديث يهدف إلى الحفاظ على السلام الداخلي، ولحد الان وربما في المستقبل القريب قد استبعد امكانية التعاون الأمني مع طالبان الأفغانية، وتتخذ طالبان اليوم خطوات استباقية لتأمين نفسها واجتذاب معارضيها مفاجأة محاولة لإيجاد هيكل أمني من خلال إعلان العفو العام، إذ تواجه اليوم وتتحسب من وجود حركتين متمردتين الأولى في شرق البلاد والثانية في الجزء الشمالي من البلاد موجهة إلى زعزعه استقرار حكومة طالبان في «كابل»، ففي «شرق أفغانستان « يلاحظ نجاح طالبان في الحد من أنشطة تنظيم» داعش خراسان» في افغانستان، وفي» شمال افغانستان» تقوم طالبان بمحاربة بقايا الجيش السابق والشرطة وأجهزة الاستخبارات، فضلاً عن هذا من الممكن مستقبلاً ان يبدأ تنظيم داعش الإرهابي بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة وأن يغير من المعادلة[38].
لقد جاءت الخطوة الأمريكية بالانسحاب من أفغانستان لتقوض ركائز الحكومة الأفغانية ، ولتحرم الشعب الأفغاني من مساعدة المانحين ، ووقفت الولايات المتحدة الأمريكية موقف المتفرج وخاصة في من يحكم أفغانستان ولم تكلف الإدارة الأمريكية نفسها بوضع قيود على حركة طالبان التي باتت تسيطر على زمام الأمور ويبدو المشهد قاتماً لمستقبل أفغانستان[39]
وفي نهاية المطاف نرى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية عملت على المساعدة في إيجاد اقتصاد أفغاني منهار مع إنهاء المجتمع المدني وعادت أفغانستان إلى حكم العام 1996-2001 ،الذي يقييد حرية النساء والفتيات ومدى هامش عملهم ومساهمتهم اصبح شبه معدوم ،في ذات الوقت تجد الإدارة الأمريكية نفسها في مواجهة متابعة الاولويات في أفغانستان فمن الصعوبة حالياً تقوم بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني مع فرض قيود على حركة طالبان واستفادة الأخيرة من الأموال في تطوير قدراتها [40].
في ضوء الطرح السابق نرى أنّ الاتفاق الأمريكي - الطالباني كان محسوباً بالنسبة للأمريكان ومصلحة الامن القومي الامريكي ولم يكن محسوباً بالنسبة لمصلحة الشعب الأفغاني، وما سيؤول إليه الشعب الأفغاني من مصير مجهول في ظل فوضى سياسية وعسكرية واجتماعية وتكاتف التحديات الداخلية والخارجية متمثلة بالفقر والجوع والبطالة وتراجع هائل في حقوق الإنسان والفتيات والمرأة واضطهاد للاقليات وتأكل حقوقهم الإنسانية مع موقف المجتمع الدولي الخجول وغير الفعال رابطاً نفسه بعدم الاعتراف بشرعية طالبان في مقابل تعامل دولي خفي مع الحركة، في ظل البطئ في تفعيل العقوبات على الحركة نرى أنّ مستقبل البلاد على الصعيد الداخلي في حالة من التدهور والتراجع ، والقوى الدولية وإجراءاتها غير الحازمة إزاء حركة طالبان.
الخاتمة
في ضوء دراستنا السابقة نجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية بانسحابها من أفغانستان في آب 2021 تركت الشعب الأفغاني يواجه مصيراً مجهولاً بعد عشرين عاماً من الاحتلال ويمكن إدراج ما توصلت إليه الدراسة بالنقاط الآتية:
1-أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لأسباب تتعلق بقضايا مصيرية جديدة طرأت على الإستراتيجية الأمريكية لتحديات قوى كبرى للمصالح الأمريكية وفي مقدمتها الصين وروسيا، لاسيما في مجال الاقتصاد وأمن الطاقة، فضلاً عن انتشار الأوبئة العالمية مثل كوفيد 19 والتغيرات المناخية العنيفة التي تؤثر بشكل كبير على الداخل الأمريكي وتستنزف قدرتها المالية لمواجهة التحديات الداخلية ولم يعد الإرهاب الخطر الأوحد الذي تواجهه الإدارة كما كان قبل عشرين عاماً أو أكثر.
2- الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء للمصلحة الأمريكية أولاً من دون النظر إلى مصلحة الشعب الأفغاني الذي عانى وسيبقى يعاني مستقبلاً في ظل حكومة متشددة ووضع اقتصادي ضعيف وحقوق إنسان منتهكة، بدليل أنّ الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس «جو بايدن» انسحبت قبل التوصل إلى حل مرضي بين الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة «أشرف غني» وبين قادة حركة الطالبان بل إنّها لم ترع بشكل جدي أيّ حوار بين الطرفين وترك مستقبل أفغانستان للمجهول.
3- لقد فرض عودة طالبان الى الحكم في أفغانستان على المرأه الأفغانية منذ أول يوم لسيطرة الحركة على كامل الأراضي الأفغانية قيوداً كبيرة منها عدم مغادرة المنزل دون محرم ولبس النقاب المشدد وتم حرمانها من الذهاب للتعليم أو العمل وبهذا خالفت طالبان لوعودها للغرب بمنح المرأة الافغانية نوعاً من الحريات والحقوق التي منحها الإسلام حصراً للمرأة وهذا ما يخالف الشريعة السمحاء.
4.المعنى الحقيقي لما حصل في أفغانستان هو العودة للوراء خاصة لعهد الإمارة الأولى لطالبان بين الاعوام 1996-2001 ،وكأن عشرون عاماً من الاحتلال الامريكي قد أعادت كل ما رافق من تلك المرحلة من عنف وصراع وانعدام تام للحريات ، مع اقتصاد مدمر بشكل شبه كامل اذاً ما الجدوى من سنوات الاحتلال الأمريكي ؟ وهو سؤال ودرس في ذات الوقت بأنّ السير وراء السياسة الأمريكية وترك مصالح الدول المضطهدة من قبل حكامها كالضمآن الذي يحسب الصحراء ماء .
5. أنّ المساعدات الأمريكية والاوروبية الى الشعب الأفغاني ستبقى في نطاق ضيق ومحدود ولا تتناسب مع عمق الأزمات التي يعيشها الشعب الأفغاني ،وحسب وجهة القيادات السياسية الأمريكية ان تجميد الأموال في البنوك الأمريكية والاوروبية هو في صالح الشعب الأفغاني ما لم تنصاع حركة طالبان للشروط الموضوعة من قبل الغرب للتعامل معها وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمرأة حصراُ التي انتهكت وتنتهك بشكل سافر ، والسؤال الذي يطرح نفسه هل الإدارة الأمريكية السابقة والحالية لا تعرف السلوكيات المتطرفة لهذه الحركة في حال اعتلائها السلطة ؟
[1] احسان حقي أفغانستان نشأتها وكفاحها ،دار الفكر ،دمشق ،2004 ،ص 249-254. وينظر
The Taliban ,radical Islam & Afghanistan,Third World Quarterly ,Carfax publishing,Vol23,No3,2002,p.579
[2] رغده البهي، امريكا في أفغانستان فعالية منقوصة في الحرب على الإرهاب، مجلة السياسة الدولية، مؤسسة الاهرام، العدد 226،اكتوبر 2021،ص 257.
[3] المصدر نفسه،ص258.
[4] ريتشارد اندريس وكريج ويلز وتوماس بريفيث الابن، الفوز مع الحلفاء :القيمة الاستراتيجية للنموذج الافغاني ،دراسات عالمية ،مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ،العدد 60،ابو ظبي ،2007،ص7 -9.
[5] عمرو منصور، استراتيجية داعش في أفغانستان بين الزعامة السياسية والدعم العسكري، مجلة السياسة الدولية، مؤسسة الاهرام، العدد 202،أكتوبر 2015، ص154-157.
[6] مروة حامد البدري واخرون ،نشأة وتطور الجماعات الجهادية في أفغانستان :حركة طالبان وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام نموذجاً، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية ،كلية التجارة وادارة الاعمال ،جامعة حلوان ،المجلد 34،العدد الاول ،مارس 2020،ص 61-62.
[7] كارتر مالكاسيان وجيري مييرلي ،تكتيكات الطالبان جنوب أفغانستان بين 2005-2008،ترجمة مركز الخطابي للدراسات ،2020،ص11-13.
[8] مذكرات هيلاري كلنتون :خيارات صعبة ،ترجمة مي سمير ،كنوز للنشر والتوزيع ،القاهرة ،2014،ص110-111.
[9] عبد القيوم مهند، مفاوضات ام جلسات محظورة في مجموعة مؤلفين ،معضلة أفغانستان طالبان والولايات المتحدة ،تحرير عبد العزيز الحيص، منتدى العلاقات العربية والدولية ،كتارا، قطر،2013،ص27-28.
[10] قرأوا كل كلمة بعناية: المفاوضات التي ادت الى الانسحاب الامريكي وكيف تفوقت بها طالبان على واشنطن
[11] معن الخضر، عام على اتفاق الدوحة 6 أسئلة تلخص مسار السلام في أفغانستان
[12] نور الدين قلاله، ابرز بنود إتفاق السلام الذي تم توقعه في الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان
وعبد الجبار ابو راس، نص اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة
[13] نور الدين قلاله، مصدر سبق ذكره
[14] ديان فيلمان، اتفاق السلام أمل الأفغان الهش
[15] فابريزيومينيتي، الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان لا يضمن السلام في أفغانستان
[16] ياسمين احمد اسماعيل صالح، التداعيات الدولية والإقليمية للانسحاب الامريكي من أفغانستان، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، مصر، العدد 14،أبريل 2022 ،ص464.
[17] مجموعة باحثين، اسباب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فريق مركز الاتحاد للابحاث والتطوير، غبيري، لبنان ،آب/2022،ص5-6.
[18] اتجاهات وتحديات وتطورات المؤسسية في المسالة الأفغانية، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الرياض، آب/2021،ص3.
[19] أسامة مته خيل ،أفغانستان في الماضي والحاضر ،معهد اللغة العربية والدراسات الاسلامية ،جامعة دار العلوم زاهدان ،ص68.
[20] أحمد عليبه واخرون، اللايقين: مستقبل أفغانستان بعد هيمنة طالبان، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ،آب 2021،ص6-8.
[21] المصدر نفسه، ص 8.
[22] عمرو دراج، ما بعد الهزيمة الأمريكية في أفغانستان المسارات المستقبلية للمنطقة العربية، تقارير سياسية، المعهد المصري للدراسات، أكتوبر 2021 ،ص9.
[23] ياسمين أحمد اسماعيل صالح، مصدر سبق ذكره،ص467-469.
[24] كريستينا غولد باوم، مأساة الأفغان مستمرة
[25] المصدر نفسه
[26] هشام ملحم، مضاعفات وتداعيات الانسحاب الأمريكي في أفغانستان، معهد دول الخليج العربي، واشنطن ،2021 ،ص6
[27] محمد السعيد ادريس، أفغانستان وتحديات ما بعد الانسحاب الأمريكي، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء جمهورية مصر العربية، آب 2021
[28] اتجاهات وتحديات وتطورات المؤسسية في المسالة الأفغانية، مصدر سبق ذكره،ص4-7
[29] شيماء فاروق، تداعيات الانسحاب الامريكي من أفغانستان محليا واقليمياً، المركز الديمقراطي العربي، برلين، آب/ 2021 ،ص6.
[30] طالبان تعلن تشكيل الحكومة الجديدة
[31] دلالات اول حكومة لتصريف اعمال في عهد طالبان
[32] حميد الله محمد شاه، ورقة تحليلية العلاقات الخارجية لحركة طالبان عام من العزلة، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة ،أيلول 2022،ص5-6.
[33] عام على حكم طالبان احكام القبضة داخلياً وانسداد الافق خارجياً
[34] أفغانستان تقرير اممي يؤكد انه تآكل حقوق المرأة كان احد ابرز جوانب إدارة طالبان منذ استيلائها على السلطة
[35] الامم المتحدة تدعو طالبان الى احترام حقوق المرأة في أفغانستان
https://www.alaraby.cco.uk/society
Afghanistan: Background& u.s policy in Brife.cogressional research service.2022,p.2
[36] زينب مكي، 25 منظمة تدعو لاجراء نقاش عاجل حول ازمة حقوق المرأة في أفغانستان
https://jusoorpost.com/ar/posts/6280
[37] أفغانستان الامم المتحدة تؤكد على ضرورة احترام حقوق الانسان وخاصة النساء
[38] صحيفة الشرق الاوسط، لندن، العدد 16034 بتاريخ 22/10/2022
[39] Jennifer Brick Murtazashvili ,The collapse of Afghanistan, The Johns Hopkins University Press. ,Volume33,Issue1, January2022,53.
[40]What’s happening in Afghanistan one year after the U.S. withdrawal?
Afghanistan:Background &u.s policy,op.cit,p,13.