تاريخ الاستلام 1/4/2023 تاريخ القبول 11/6/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
DOI 10.61279/zf3sez24
جريمة التحريض على نشر
عدوى فايروس كورونا
The crime of incitement to spread coronavirus infection
د. يوسف أبو خمرة
جامعة بابل / كلية القانون
Dr. Youssef Abu Khamra
University of Babylon / College of Law
المستخلص
منذ بداية المجتمعات الأولى والأمراض والأوبئة تظهر بين الحين والأخر ويتساقط الكثير من ضحاياها بسرعة كبيرة وهذا الانتشار دائما ما يسبب رعب بين المواطنين ويوقف الحياة العملية لهم لذلك تحاول الدول دائما تجنب هذه الأوبئة ووضع الحلول المناسبة لتسيير الحياة العامة.
وعلى الرغم من خطورة فايروس كورونا قد يظهر البعض ممن يستخفون بالمرض فيدعون الآخرين الى الاختلاط وعدم الالتزام بالوقاية والتعليمات الصحية وهذا السلوك يشكل جريمة تحريض على نشر عدوى جائحة كورونا، اذا تمت الاستجابة اليه.
وللموضوع أهمية بالغة كونه يتصل مباشرة بحياة الناس، فهو موضوع حيوي وعلى الرغم من ذلك يجهل الكثير من المواطنين النصوص العقابية المرتبطة بموضوع التحريض على نشر العدوى والاوبئة وقد يكون مرجع ذلك إلى عدم وجود قانون خاص لتنظيم احكام هذا الموضوع رغم اشتمال قانون العقوبات العراقي على بعض النصوص المتعلقة به إضافة الى قانون الصحة العامة، فكان من الضروري البحث في التنظيم هذا الموضوع بالإضافة الى ضرورة تحديد الجزاء المناسب.
وقد جرَّم المشرع كل فعل متعمد من شأنه أن ينشر مرضًا خطيرًا يضر بحياة الأفراد، لذلك فإن هذه الجريمة من الجرائم الخطيرة ، فهي لا تستدعي وقوع ضرر ، بل فعلته يرجح أن تسبب ضرراً. إذا وقع الضرر ونشأ عن ذلك الفعل دون قصد الموت أو العجز الدائم يعاقب الجاني بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي الى الموت أو جريمة الالعاهة المستديمة بحسب الأحوال، بشرط أن لا يقصد الفعل الموت أو الأذى، لأنه في هذه الحالة تسري أحكام القتل العمد أو الإيذاء العمد حسب الأحوال.
وبالمثل، فإن جريمة التسبب خطأ في انتشار مرض خطير منصوص عليها في المادة 369 من قانون العقوبات، وهنا يطلب المشرع حدوث النتيجة المتمثلة في انتشار المرض.
Abstract
Since the beginning of the first societies, diseases and epidemics appear from time to time, and many of their victims fall very quickly, and this spread always causes terror among citizens and stops their working life. Therefore, states always try to avoid these epidemics and develop appropriate solutions for the conduct of public life.
Despite the seriousness of the Corona virus, some may appear who underestimate the disease and invite others to mix and not adhere to prevention and health instructions, and this behavior constitutes a crime of incitement to spread the infection of the Corona pandemic, if it is responded to.
The subject is of great importance as it is directly related to people’s lives, as it is a vital subject. Despite this, many citizens are ignorant of the punitive texts related to the subject of incitement to spread infection and epidemics. This may be due to the absence of a special law to regulate the provisions of this subject, despite the inclusion of some texts in the Iraqi Penal Code. In addition to the Public Health Law, it was necessary to research the regulation of this subject in addition to the need to determine the appropriate penalty.
The legislator has criminalized every intentional act that may spread a dangerous disease that harms the lives of individuals, so this crime is a serious crime, as it does not necessitate the occurrence of harm, rather his act is likely to cause harm. If the damage occurred and that act resulted without the intent of death or permanent disability, the offender shall be punished with the penalty prescribed for the crime of beating leading to death or the crime of permanent disability, as the case may be, provided that the act does not intend death or harm, because in this case the provisions of premeditated murder or intentional harm apply according to the circumstances. Adverbs.
Similarly, the crime of accidentally causing the spread of a dangerous disease is stipulated in Article 369 of the Penal Code, and here the legislator requires the occurrence of the consequence represented in the spread of the disease.
المقدمة
منذ بداية المجتمعات الأولى والأمراض والأوبئة تظهر بين الحين والأخر ويتساقط الكثير من ضحاياها بسرعة كبيرة وهذا الانتشار دائما ما يسبب رعب بين المواطنين ويوقف الحياة العملية لهم لذلك تحاول الدول دائما تجنب هذه الأوبئة ووضع الحلول المناسبة لتسيير الحياة العامة.
وقد انتشرت مؤخرا جائحة كورونا في العالم بأسره حاصدة ارواح الألف البشر وتكمن خطورة هذا المرض بكونه فايروس سريع الانتشار والتفشي، ولعدم وجود علاج له الحد الآن فان اهم اجراء طبي له حاليا هو عزل المصاب عن غير المصاب في المجتمع الكف اذاه عن المحيطين به ومحاولة انقاذ المصاب نفسه.
وعلى الرغم من خطورة جائحة كورونا قد يظهر البعض ممن يدعون الى التجمعات وعدم الالتزام بالتعليمات الصحية وهذا السلوك يشكل جريمة تحريض على نشر عدوى جائحة كورونا، اذا تمت الاستجابة اليه.
اهمية البحث
للموضوع أهمية بالغة كونه يتصل مباشرة بحياة الناس، فهو موضوع حيوي وعلى الرغم من ذلك يجهل الكثير من المواطنين النصوص العقابية المرتبطة بموضوع التحريض على نشر العدوى والاوبئة وقد يكون مرجع ذلك إلى عدم وجود قانون خاص لتنظيم احكام هذا الموضوع رغم اشتمال قانون العقوبات العراقي على بعض النصوص المتعلقة به إضافة الى قانون الصحة العامة، فكان من الضروري البحث في التنظيم هذا الموضوع بالإضافة الى ضرورة تحديد الجزاء المناسب.
اهداف البحث
من أهداف البحث التعرف على لمحة بسيطة على جريمة التحريض عدوى جائحة كورونا، وتحديد الطبيعة القانونية لهذا التحريض في القانون العراقي، مع الاشارة الى العقوبات المفروضة على هذا التحريض والتكييف القانوني لها.
منهج البحث
سنبحث هذا الموضوع وفق منهج تحليلي وصفي، من خلال استعراض النصوص القانونية وتحليلها وتفكيك مفرداتها، مع بيان آراء الفقهاء في التحريض على الجريمة عموما وتطبيق هذه الآراء على جريمة التحريض على نشر عدوى فايروس كورونا.
مبحث تمهيدي
المطلب الأول: تعريف التحريض[1]
التحريض هو خلق فكرة الجريمة وخلق العزم على ارتكابها في ذهن مرتكب الجريمة وباي طريقة كانت، فما يقوم به المحرض هو دافع معنوي للجاني اي انها تهيئة نفسية وذهنية لارتكاب الجريمة، فعمل المحرض هو عمل فكري اكثر من كونه عمل مادي وبذلك فعمله هو عمل تحضيري اي يسبق ارتكاب الجريمة وليس عمل تنفيذي.[2]
ويعرف بعض فقهاء القانون الجنائي مفهوم التحريض: هو إبداء الدافع والتحفيز على ارتكاب سلوك اجرامي معين ويكون هذا التحفيز او التصميم بقصد دفعه للقيام بالجريمة، أو مجرد محاولة خلق العزيمة فيه.[3]
وعلى هذا الأساس يعد محرض كل من شجع، أو دفع أو حاول تشجيع اي شخص وبأية وسيلة كانت، على ارتكاب السلوك الاجرامي.
ويقوم التحريض على عنصرين: الأول هو العنصر المادي وهو أن يقوم مرتكب جريمة التحريض بالإتصال بشخص أو أشخاص آخرين، ويحاول التأثير على عقولهم لكي يرتكبوا جريمة معينة، ولا يكفي إرسال المتهم خطابا لشخص آخر يحرضه فيه على إرتكاب جريمة، بل يجب إثبات أنه كانت هناك مناقشات في هذا الصدد، أي أنه كانت لدى الشخص الأخر الفرصة للموافقة، أو الرفض، ويعتبر الجزء المادي من الجريمة قد تحقق سواء اقتنع الشخص الآخر ووافق على ارتكاب الجريمة، أم لم يوافق.
أما الركن الثاني من جريمة التحريض فهو الركن المعنوي ، إذ يجب أن يكون لدى المحرض النية والعزم على استقطاب من حرضه على فعل غير مشروع ، وعلى المحرض أن يكون مدركًا لمعنى أقواله. والتعبيرات ومدى تأثيرها على الشخص الذي يتم مخاطبتها.
وهناك شروط أخرى يجب أن تتوافر لكي يعتبر التحريض جريمة في نظر القانون لابد من ارتكاب الجريمة التي قام الفاعل بالتحريض عليها كما يجب أن يكون التحريض جديا ومؤثرا ومن شانه تحقيق غايته.
وللتحريض انواع وصور فقد يكون مباشرة أو غير مباشر لكن اثبات التحريض غير المباشر يكاد يكون مستحيلا، لأن الإتهام سوف يفشل في إيجاد الرابطة السببية بين المتهم، والجريمة التي ارتكبها، أو حاول إرتكابها، الشخص الذي تم تحريضه. وهناك ايضا التحريض العام أي يمكن أن يوجه التحريض الى جماعة غير محدودة من الناس وان يكون تحريضأ علنيا كان يعلن شخص أنه سيعطي من يتقدم سلاحا لكي يستعمله لقتل أعداء له في الدين أو السياسة أو في المنافسة التجارية. أما التحريض الخاص او الفردي فهو قيام الفاعل بتحريض شخص معين على ارتكاب جريمة ما.
وأوضح قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في مادته 48-50 أنواع المشاركة في الجريمة ومنها التحريض على ارتكاب الجريمة والاتفاق والمساعدة. كما نصت المادة 48 / الفقرة الأولى على ما يلي: يعد شريكا في الجريمة: من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض.
ومتى وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض يعاقب المحرض على النتيجة الجرمية التي حصلت، وهو اتجاه تبناه قانون العقوبات العراقي في المادة 48/1 وقد اعتبرت محكمة التمييز العراقية أن قيام المتهمين بقتل المجني عليه عمدة وسرقة سيارته بشكل فعلا ينطبق واحكام المادة 406 / 1 / أ / ح من قانون العقوبات بدلالة المادة 47 منه وقررت تصدیق قرار الغاء التهمة والافراج عن المتهم الثالث لعدم ثبوت تهمة التحريض على ارتكاب الجريمة حيث لم يتأيد لمحكمة الموضوع تحريض المتهم المفرج عن (ز) للمتهمين كل من ع.م - ع.ز.خ عن اقتراف الفعل سواء بالقول او باعدادهم بالسلاح.[4]
المطلب الثاني: طبيعة التحريض على الجريمة
التحريض على انتشار الإصابة بوباء كورونا هو صورة من صور المساهمة في القانون الجنائي، فالمحرض هو شريك (مساهم تبعي) ابتكر فكرة الجريمة لمرتكبها الأصلي، وهذا يعني أن هناك جريمة واحدة وتعدد الفاعلين ، ويذهب بعض الفقهاء الى القول بإن وحدة الجريمة تتحقق بوحدتها المادية والمعنوية.[5]
فالوحدة المادية للجريمة تعني احتفاظ الركن المادي للجريمة بوحدتها المادية ويتطلب ذلك وحدة النتيجة وتعلقها بالعلاقة السببية بكل الأفعال التي ارتُكبت لتحقق النتيجة الجرمية وان كانت متفاوتة في أهميتها مادامت جميع هذه الافعال كانت ضرورية لأحداث النتيجة الجرمية وبالصورة التي تمت، كان يحرض (أ) كل من (ب و ج) على قتل (د) فيمسكه (ب) ويطعنه (ج) طعنة قاتلة فالنتيجة هنا واضحة وهي أزهاق روح المجني عليه (د) وهي مرتطبة بالأفعال التي قام بها الجناة الثلاثة.[6]
أما الوحدة المعنوية للجريمة فيعني أن الركن المعنوي للجريمة هو توافر رابطة معنوية بين المشتركين في الجريمة يفترض وجود اتفاق مسبق على ارتكابها أو اتفاق بينهم على ذلك ، سواء كان ذلك قبل تنفيذ الجريمة أو معاصراً لها.[7]
والمساهمة التبعية أو المساهم التبعي (الشريك) إذا جاز التعبير (هو الذي يساهم في ارتكاب الجريمة بفعل له علاقة بفعل إجرامي خلال تنفيذ الفعل المادي للجريمة)[8]، بتعبير أدق ، المساهمة التبعية هي إحدى الأفعال المكونة للجريمة ، سواء كانت فعلًا يمهد الطريق أو يسهل للفاعل الأصلي ارتكاب السلوك الاجرامي دون أن يقع هذا الفعل (أي فعل الشريك) في نطاق من الركن المادي للجريمة (وهو أمر لا يعتبر في كثير من الأحيان غير قانوني في حد ذاته ، ولكنه يستمد عدم شرعيته من الفعل الإجرامي الذي يرتكبه الجاني)[9]
المبحث الأول
اركان التحريض على نشر العدوى
المطلب الأول: الركن الشرعي للتحريض
نعني بالركن الشرعي هو وصف او تكييف يضيفه القانون على السلوك الاجرامي، بمعنى وضع نصوص قانونية تجرم انتشار الأمراض المعدية (بما في ذلك فيروس كورونا) وانطباق السلوك الإجرامي على انتقال وانتشار الأمراض المعدية على أساس قانوني، أي نص جنائي.
وقانون الصحة العامة العراقي رقم 89 لسنة 1981 ، ومن خلال نص المادة 44 من القانون، عرف الأمراض المعدية بأنها أمراض ناتجة عن الإصابة بعامل معدي أو السموم الناتجة عنه ، والتي تنتج عن انتقال ذلك العامل من المصدر إلى المضيف بشكل مباشر أو غير مباشر. وكذلك نص المادة (3) فقرة (2) من نفس القانون والتي نصت على مكافحة الأمراض المعدية ومراقبتها ومنع تسربها من خارج الدولة إلى داخل البلاد والعكس أو من مكان إلى آخر فيها ، والحد من انتشارها في أرض العراق ومياهه وهوائه.
المطلب الثاني: الركن المادي للتحريض
الركن المادي لجريمة التحريض على نشر جائحة كورونا، هو نفس فعل التحريض المسبب للجريمة، ونعني هنا الماديات الجرمية، وقد عرف قانون العقوبات العراقي الركن المادي بانه: «سلوك اجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون او الامتناع عن فعل امر به القانون»[10].
والسلوك الإجرامي لجريمة التحريض على نشر فيروس كورونا هو فعل نشر ونقل الفايروس عمداً وبشكل مؤكد ، إما أن تكون النتيجة الضارة لتلك الجريمة موت إنسان أو عجز دائم ، وكذلك العلاقة التي يربط هذا السلوك وتلك النتيجة، وهذا ما كشفته المادة 368 من قانون العقوبات والعقوبة المقررة لهذا الفعل هي الحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات هذا اذا لم يتسبب بموت انسان، اما اذا تسبب بموت انسان فان العقوبة تتحول الى نفس عقوبة الضرب المفضي الى الموت.
أولا: سلوك التحريض
ويكون التحريض بإيجاد العزم على ارتكاب الجريمة في الجاني وحمله على ارتكابها بناء على ذلك ، ويؤدي بالتالي إلى نتيجتين إحداهما نفسية ، وهو ما يتجلى في قرار الجاني وتصميمه على ارتكاب الجريمة. والنتيجة الثانية مادية تظهر في اندفاعه وتصميمه على ارتكاب السلوك الاجرامي.
يشار إلى أن قوانين العقوبات لا تتطلب أسلوبًا محددًا للتحريض ، بما في ذلك قانون العقوبات لدينا ، خلافًا للقانون الفرنسي ، الذي حدد هذه الطريقة من خلال تقديم الهدايا ، أو الوعود ، أو الترهيب ، أو الخداع ، أو التآمر ، أو الإرشاد ، أو استخدام هيمنة المحرض على الجاني.[11]
ويذهب الدكتور احمد فتحي سرور الى القول بان يعد حصر أساليب التحريض وإدراجها في القانون معيبًا ، حيث يعتبر من أعمال الفقه الجنائي ، حيث لا يمكن حصر أساليب التحريض على النحو الذي أشار إليه المشرع الفرنسي، وسار على حذو المشرع الفرنسي قانون العقوبات الأردني الذي اعتبر استفزاز الجاني ودفعه لارتكاب الجريمة من قبل الشريك يدخل في موضوع التحريض على ارتكاب الجريمة.[12]
ثانيا: النتيجة الجرمية وعلاقتها السببية بسلوك الشريك:
ولكي تتم المساهمة الإجرامية في شكلها القانوني ، يجب استكمال هذا العنصر بحدوث الجريمة التي حرض عليها أو وافق عليها أو ساعد على ارتكابها ، وأن تكون العلاقة السببية بين سلوك هذا الشخص مقررة للنتيجة الإجرامية [13] وهذه العلاقة السببية بين سلوك الشريك والنتيجة الجنائية متاحة «إذا أثبتت المحكمة أنه لولا سلوك الشريك لما ارتكبت الجريمة بالطريقة التي ارتكبت بها ، أو أنه بدون هذا السلوك لكان قد ارتكب ، ولكن بطريقة مختلفة عن الصورة التي ارتكب بها ، أو إذا كان لهذا السلوك دور في جعل للجريمة هذه الصورة التي ارتكبت بها»[14]
قد يحدث أن يمتنع الشريك عن الاستمرار في سلوكه الذي يمهد الطريق أو يسهل الجاني لتنفيذ الجريمة بإرادته واختياره لسبب ما مثل الندم أو الخوف من عواقب الفعل الإجرامي ، ولكن في هذه الحالة الجاني لا يبالي بهذا التردد من جانب الشريك وهو وحده يرتكب الجريمة.
وهنا لا تُستثنى مسؤولية الشريك من مشاركته في الجريمة ، ولكن يتم تحديد مسؤولية الشريك إذا كان قادرًا على منع تنفيذ الجريمة ، مثل استعادة السلاح أو الآلة لاستخدامها في الجريمة. ، أو تهديد الفاعل الأصلي بإبلاغ الجهات الأمنية في حال ارتكابه الفعل الإجرامي ، وبالتالي تكون العلاقة السببية بين سلوك الشريك والجاني قد انقطعت.[15]
ومن صور التحريض على نشر عدوى جائحة كورونا حيث تقدم محام بالنقض والدستورية العليا ببلاغ للمستشار النائب العام قید تحت رقم ۱۸۷۷۳ لسنة ۲۰۲۰ بلاغات النائب العام ضد (ب.ص) اتهمه فيه بالتحريض على نشر فيروس كورونا بين رجال الجيش والشرطة.
فقد قام المشكو منه بالظهور في فيديو عبر المواقع الالكترونية وهو يحرض كوادر الجماعة الإرهابية على نشر عدوى فيروس كورونا بين أفراد الجيش والشرطة ونقلها لهم بجميع الوسائل النقل العدوى لأكبر عدد منهم، بغرض إحداث أكبر عدد من الإصابات[16]
المطلب الثالث: الركن المعنوي للتحريض
الركن المعنوي وهو ما يعبر عنه بالقصد الجنائي ولكي يتوافر القصد الجرمي لدى الشريك لابد من علمه بماهية سلوكه ونتيجته الاجرامية، وبعبارة أخرى «أن يكون القصد مع الفاعل تحقيق النتيجة الجرمية»[17]
الركن المعنوي للتحريض على انتشار وباء كورونا ، ويتمثل في نية توجيه الجاني نحو الجريمة من قبل المحرض ، وبشكل عام يمكن القول إن النية الإجرامية في التحريض على انتشار وباء كورونا تتمثل في في توجيه الجاني لإرادته بقصد تحقيق واقعة إجرامية ، إما وفاة شخص أو مجموعة من الناس أو إصابتهم بالمرض مع العلم بحقيقته ، سواء قانونًا أو ماديًا.
المبحث الثاني
عقوبة المحرض على نشر العدوى
المطلب الأول: عقوبة التحريض كقاعدة عامة
وفقاً للمادة 49 من قانون العقوبات ، يعد شريكا بالجريمة وفقاً للمادة 48 ، من كان حاضراً أثناء ارتكابها ، ويعاقب بالعقوبة المقررة لها ، ما لم ينص القانون على غير ذلك. كما يعاقب الشريك بالعقوبة المنصوص عليها في القانون ، حتى لو لم يعاقب الفاعل لعدم وجود قصد إجرامي.
وبحسب التقدير الممنوح للقاضي وفي نطاق تحديد العقوبة المقررة للجريمة ، لا يجوز أن تكون عقوبة الشريك مساوية لعقوبة الفاعل الأصلي، وللمحكمة أن تحكم على الشريك بعقوبة أخف من عقوبة الفاعل الأصلي. كما يجوز له تطبيق الظروف القضائية المخففة على أحدهما دون الآخر حسب ظروف الجريمة وما يحيط بكل مساهم.[18]
وقد نصت المادة 53 من قانون العقوبات العراقي على أنه «يعاقب المساهم في الجريمة فاعلا أو شريكا بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلا ولو كانت غير التي قصد ارتكابها حتى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت في حين اشار قانون العقوبات المصري إلى نتيجة مقاربة لما ورد في النص العراقي حيث أوضحت المادة 43 منه بالقول «... من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها حتى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق او المساعدة التي حصلت» ويلاحظ أن النص العراقي يختلف عن النص المصري في كونه ينطبق على الشريك والفاعل في حين أن النص المصري ينطبق فقط على الشريك وان كان الراي في الفقه والقضاء المصري قد استقر على تطبيق المادة -43- ايضا على الفاعل اذا كان ارتكب فاعل اخر جريمة تعد نتيجة محتملة لمساهمتها.[19]
وفي حالة اختلاف نية أحد المشاركين في الجريمة عن نية الآخر ، في هذه الحالة يعاقب كل منهم حسب نيته أو كيف علم بها. وهذا ما نصت عليه المادة 54 من قانون العقوبات العراقي حيث نصت على انه «اذا اختلف قصد أحد المساهمين في الجريمة -فاعلا او شريكا -أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أو عن كيفية علم ذلك الغير بها، عوقب كل منهم بحسب قصده او كيفية علمه».
وكمثال على اختلاف القصد- اذا قصد الفاعل قتل المجني عليه مع سبق الإصرار وهو ظرف مشدد بينما اقتصر قصد الشريك والفاعل الآخر على القتل العمد لعدم وجود تصمیم سابق لديهما عوقب الفاعل الأصلي بعقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار وعوقب كل من الفاعل الأخر والشريك بعقوبة القتل العمد.
كذلك اذا حرض أ و ب على ضرب ج مع علمه انه مصاب بمرض يؤدي إلى موته في حالة ضربه، وكان ب يجهل ذلك عندما اقدم على ضربه عوقب أ المحرض بعقوبة القتل العمد وعوقب ب الفاعل بعقوبة الضرب المفضي الى الموت، وكمثال على اختلاف كيفية العلم بالجريمة اذا اخفي أ و ب أشياء متحصلة من جريمة سرقة وكان أ يعلم بأن تلك الأشياء متحصلة من سرقة بسيطة و ب يعلم انها متحصلة من جريمة سرقة مقترنة بظرف مشدد عوقب أ حسب كيفية علمه بجريمة اخفاء أشياء متحصلة من سرقة بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وعوقب ب حسب كيفية علمه بجريمة الأخفاء بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات (مادة 460 عقوبات).
ولم يرد نص مماثل للنص العراقي في القوانين العقابية للدول الأخرى المتقدمة مثل فرنسا ومصر والأردن وسوريا ولبنان وان كان يستحسن ایراد مثل هذا النص الذي أورده المشرع العراقي الا أن محاكم تلك الدول أخذت باحكام القواعد العامة التي وردت في النص العراقي[20].
المطلب الثاني: عقوبة التحريض على نشر فايروس كورونا
وقد تناول المشرع هذا الموضوع في قانون العقوبات ضمن الجرائم المضرة بالصحة العامة، فوفقا لنص المادة 368 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات ، كل من ارتكب عمداً فعلاً ينشر مرضاً خطيراً يضر بحياة الأفراد، إذا ترتب على الفعل موت شخص أو عجز دائم يعاقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت او جريمة العامة المستديمة حسب الأحوال.
وتزداد العقوبة حسب خطورة النتيجة التي أدت إلى الجريمة وحسب المصلحة التي تم الاعتداء عليها. إذا أدى التحريض إلى انتشار المرض فقط ، فإن الجريمة تكون جنحة ، أما إذا أدى هذا التحريض إلى موت شخص ، فإن العقوبة تزيد من جنحة إلى جناية.
تناول المشرع العراقي عقوبة نشر فايروس كورونا ضمن الافعال التي تمس بالصحة العامة بقدر تعلق الأمر بانتشار الأوبئة المعدية، فقد جاء في المادة ٣٦٨ من قانون العقوبات العراقي على عقوبة كل من ينشر مرضا خطيرا عمدا والتي جاء فيها «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب عمدا فعلاً من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الافراد، فإذا نشأ عن الفعل موت انسان او إصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي الى الموت او جريمة العاهة المستديمة حسب الأحوال» وبناء على هذه المادة فان كل من حرض على القيام باي فعل من شانه نشر فايروس كورونا فيكون قد ارتكب فعلا يوجب العقاب بموجب هذه المادة وسبق ان قلنا بان الركن المادي للتحريض يتمثل بالدفع وخلق الفكرة لدى الآخرين للقيام باي فعل من شأنه نشر المرض الخطير ويدخل في ذلك الحث على التجمعات او البصق في اماكن عامة والسعال في وجه الأخرين او دفع الاخرين لعدم الالتزام بالاوامر والتدابير الصحية او كسر الحجر الصحي او من يقوم بالذهاب الى مدن موبؤة ومحظورة عمدا او القيام باي فعل اخر مخالف للقانون بقصد نشر المرض والاضرار بالمجتمع، والركن المعنوي هنا هو القصد الجرمي المتمثل بعنصري العلم والارادة بان يكون من يقوم بالتحريض على اي فعل من الافعال الخاصة بنشر المرض ويعلم ان فعله يؤدي الى نشر الفايروس ويتعمد ان لا يتخذ الاحتياطات الصحية اللازمة لمنع انتشار المرض قاصدا بذلك احداث النتيجة ومريدا لها فيسأل عما يحدثه فعله من نتيجة.
ووفقا للمادة 410 من قانون العقوبات فان عقوبة جريمة الضرب المفضي الى الموت هي السجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة وهذه العقوبة تطبق على التحريض على نشر العدوى اذا ادت الى موت انسان.
الخاتمة
بعد الانتهاء من البحث توصلنا إلى عدد من النتائج والمقترحات:
النتائج:
الدعوة إلى إقامة التجمعات وعدم الالتزام بطرق الوقاية والتعليمات الصحية وهذا السلوك يشكل جريمة تحريض على نشر عدوى جائحة كورونا، اذا اصيب احد بالمرض بناء على الاستجابة لهذه الدعوة.
التحريض على انتشار عدوى جائحة كورونا هو شكل من أشكال المساهمة التبعية ، فالمحرض شريك (مساهم تبعي) وهو الذي أوجد فكرة الجريمة لمرتكبها الأصلي.
نظم قانون العقوبات العراقي احكام نشر العدوى تحت عنوان (الجرائم المضرة بالصحة العامة) في المادتين 368-369.
حددت المادة (44) من قانون الصحة العامة العراقي رقم 89 لسنة 1981 الأمراض الانتقالية بأنها أمراض ناتجة عن الإصابة بمرض معدي أو السموم الناتجة عنه والتي تنتج عن انتقال هذا المرض من المصدر إلى المضيف بطريقة مباشرة او بطريقة غير مباشرة.
الركن المعنوي للتحريض على نشر جائحة كورونا، ويتمثل بقصد التوجيه للفاعل تجاه الجريمة من قبل المحرض.
بما أن الإصابة بفايروس كورونا هو نتيجة محتملة للتجمعات المقامة لأي سبب كان فضلا عن أنه مخالفة للتعليمات الصحية واساليب الوقاية فاي دعوة لهذه التجمعات اذا ما تسببت باصابات بالفايروس او موت الانسان بعد ذلك فيعد الداعي لها مرتكب الجريمة التحريض على الإصابة بالكورونا.
جريمة التحريض على نشر العدوى جنحة وعقوبتها الحبس وإذا ترتب عليها وفاة شخص أو عاهة مستديمة فتشدد إلى جناية وعقوبتها هي العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت أو العاهة المستديمة بحسب الأحوال.
المقترحات:
اصدار تشريعات خاصة بالأمراض الوبائية والتي منها جائحة كورونا- لتنظيم ومعالجة ما يتعلق هذا الموضوع وفق المتسجدات الاجتماعية والعلمية.
الدعوة إلى إقامة الندوات العلمية والأكاديمية لتوضيح الموقف القانوني لمن يكون مسؤولا عن نشر العدوى الوبائية وما يتعلق بهذا الموضوع من تفصيلات.
وضع ضمانات قانونية لحرمة المصابين بفايروس الكورونا والحفاظ على حياتهم الشخصية بعد اصابتهم.
تنظيم احكام خاصة بالتجارب العلمية على المصابين للتوصل الى علاجات مناسبة لهم أو استخلاصها منهم.
تنظيم صور جريمة التحريض على نشر العدوى وتحديد اركانها والعقوبات المقررة لهذه الصور وفق ما يتلائم مع المستجدات والتطورات المعاصرة.
[1] ينظر: جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، جذر مادة حرض
[2] جلال ثروت، نظم القسم العام في قانون العقوبات، دار العلوم للنشر، مصر، ۱۹۹۹، ص 345
[3] معمر خالد عبد الحميد سلامة الجبوري، السلوك اللاحق على إتمام الجريمة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، دار المنهل، ۲۰۱۳، ص 46.
[4] قرار الهيئة العامة رقم ۱۱۲/ هيئة عامة/ ۱۹۹۲ في ۱۹۹۲/۱۱/۳۰ منشور في مجلة الأحكام العدلية التي يصدرها المكتب الفني في محكمة التمييز العددان الثالث والرابع لسنة ۱۹۹۳.
[5]الدكتور محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، القاهرة، طبعة سنة ۱۹6۰، ص۱6
[6] ذهبت محكمة التمييز العراقية في قرار صادر من هيئتها العامة إلى القول: (....من حيث ان الثابت أن ارتكاب المتهمين الأربعة لجريمتي قتل المجني عليهما عمدا مع سبق الإصرار بالإتفاق والإشتراك بارتكابها تدل على شراسة في طبائع المدانين وإستهتارهم بالارواح البشرية فيكون فعلهم ينطبق واحكام المادة406 / 1 -أ عقوبات وبدلالة مواد الإشتراك 47 – 48 – 49 منه صحيحة وموافقا للقانون فقرر تصديقه) قرار الهيئة العامة المرقم ۸/ هيئة عامة/ ۱۹۹۱ وهذا يعني أن الأفعال الجرمية التي ارتكبها المتهمون والتي احدثت النتيجة الجرمية وهي القتل فاستحقوا عنها عقوبة الإعدام - الأستاذ ابراهيم المشاهدي في كتابة الموسوم (المختار في قضاء محكمة التمييز / القسم الجنائي، ج2، سنة ۱۹۷۷، ص ۷۹.
[7] د. علي راشد، القانون الجنائي، المدخل واصول النظري العامة، مصدر سابق، ص۳۹.
[8] د. عبد الوهاب حومد، الحقوق الجزائية العامة، طبعة خامسة، دمشق، ۱۹۵۹، ص۳۰۱.
[9] د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية...، مصدر سابق، ص۲۸۸.
[10] المادة 28 من قانون العقوبات العراقي
[11] نفس المنهج في القانون العقابي المصري بالنسبة لصور الاشتراك التي وردت فيه حيث لم يشترط طريقة معينة للتحريض وهو ما فعله المشرع العراقي، د. محمود محمود مصطفی، شرح قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة الثامنة، القاهرة، ۱۹۷۱، ص۳۲۷.
[12] د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، ج۱، القسم العام القاهرة، ص 6۳۲.
[13] د. علي راشد، القانون الجنائي، المدخل واصول النظري العامة، الطبعة الثانية، القاهرة، ۱۹۹۷، ص ۷۳
[14] د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية..، مصدر سابق، ص463.
[15] الدكتور رؤوف عبيد، السببية في القانون الجنائي، طبعة ثانية، القاهرة، ۱۹۷۲، ص۳۰۵
[16] خبر منشور في صحيفة الدستور المصرية على الرابط الالكتروني: https://www.dostor.org/3061684/
[17] د. علي راشد، القانون الجنائي، المدخل واصول النظرية العامة، المصدر السابق، ص474
[18] السعيد مصطفى السعيد، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات، طبعة4، القاهرة، ص۳۳۰
[19] د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية...، المصدر السابق، ص495.
[20] د. محمود محمود مصطفی، مصدر سابق، ص۱۰۸.