تاريخ الاستلام 1/4/2023          تاريخ القبول 11/6/2023

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/mcka7e52

اثر الامراض العقلية على المسؤولية الجزائية

The impact of mental illness on criminal responsibility

م. د. سامي مدب محمد

م.م حسين احمد كمال الدين

كلية الهادي الجامعة/ قسم القانون

Sami madab muhamad

Husayn ahmad kamal aldiyn

Al-Hadi University College - Department of Law

المستخلص

يعد مخ الإنسان المركز المحرك لكل أعضاء الجسم، لذا عكف العلماء منذ بدء العلم على دراسة المخ وما يرتبط به من تأثيرات على السلوك والبحث في الاسرار الغامضة للأمراض العقلية المختلفة ومدى أثر هذه الامراض على الوعي والادراك.

وعلى هذا الأساس فقد اختلف فلاسفة القانون حول أثر هذه الامراض او الاضطرابات على الإرادة والسلوك و ترتب المسؤولية الجزائية على المريض العقلي الذي يرتكب الجريمة.

وقد سار معظم الفقه القانوني على اعتبار الادراك عنصر أساسي من عناصر المسؤولية الجزائية والتي يتم على أساسا إيقاع العقاب وعلى هذا سار المشرع العراقي فقد نصت المادة 60 من قانون العقوبات العراقي (لا يسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك او الإرادة لجنون او عاهة في العقل ...).

 Abstract

The human brain is the center that drives all body organs and controls all the bodys functions. Therefore, since the beginning of studying sciencescientists have sought to research and understand the brain and its associated effects on human behaviors. Also, they strived to explore the mysterious secrets of various mental diseases and whether these diseases make people lose consciousness and awareness.

In this regard, law philosophers have diverse opinions about the impact of mental diseases and disorders on human free will and behaviormoreover, the effect of that on penal responsibility for mentally ill criminals.

Most legal jurisprudence has considered awareness as an essential element of criminal responsibility based on the infliction of punishment. Accordingly, the Iraqi legislator proceeded. Mind...).

Research on this topic raises several concerns, such as

What is the standard in determining criminal responsibility? What is the possibility of linking mental disorders to criminal behavior? And what is the possibility of treating criminal behavior with medical drugs or certain brain surgeries?

المقدمة

يعد دماغ الإنسان من اعظم معجزات الخالق سبحانه تعالى ، فهو مركز كل الجسد وحركاته ، ويضم آلاف الأعصاب ، وكل منها خاص بجزء محدد من أجزاء جسم الإنسان، الدماغ البشري سرًا حير العلماء لفترة طويلة ، حيث يتميز هذا الجزء من الجسم ، الذي يقع داخل جمجمة محصنة ، بقدرات هائلة تمكنه من أداء اعمال كثيرة، اذ يصف بعض الأمراض العضوية التي قد تصيب دماغ الإنسان وقدرته على اتخاذ قرارات ثاقبة وفهم عواقبها من خلال التدمير الدائم أو المؤقت للوظائف المتقدمة للدماغ ، لذلك قد يختفي ويضعه في المرحلة التي قربته من الجنون.

فسواء كان طرفًا في القضية أو شاهدًا، فلا معنى له أو يذكر أقوالًا وأفعالًا تتعلق بالقضايا الجنائية وسيساعد التشخيص الصحيح للأمراض العصبية التي قد تكون موجودة قبل وقوع جريمة خطيرة ولم يكن المريض على علم بها في الحكم على التقييم الصحيح للقضية الجنائية والتأكد من تطبيق العقوبة  التي تستحقها أم لا، فقد يكون من الصعب تشخيص بعض الأمراض العضوية للجهاز العصبي، وخاصة الحالات العابرة لفقدان الوعي أو الوعي، مثل النوبات، والتي لن تسبب تقلصات عضلية للمريض. كنوبات صرع المخ المخفية سريريًا.

من المعلوم وجوب توفر الأدلة والقرائن الكافية في حال وجود شبهة جنائية تدل على تعمد الشخص القيام بعمل جنائي يستوجب العقوبة، وقد يكون إثبات ذلك صعباً في حالات الإصابة بالأمراض النفسية أو أمراض الجهاز العصبي، ومن اجل ذلك لابد من توظيف تقانة التصوير المغناطيسي للوقوف على الخلل الدماغي.

1- اهداف البحث :

أ- الوصول الى تجريم السلوك الاجرامي بكل الوسائل الطبية والقانونية . 

ب- تأكيد ارتباط الامراض النفسية او العضوية بالسلوك الاجرامي للافرادمن خلال تقانة التصوير المغناطيسي.

ج- ربط المسؤولية الجزائية بالسلامة العقلية .

2-مشكلة البحث:

ما هو المعيار في تحديد المسؤولية الجنائية، وما إمكانية ربط الاضطرابات العقلية والعضوية  بالسلوك الاجرامي، وما إمكانية معالجة السلوك الاجرامي بعقاقير طبية او عمليات جراحية معينة للدماغ باستخدام تقانة التصوير وهل هناك أجزاء فى المخ مسؤولة بالفعل عن الجرائم التى يقوم بها الشخص؟.

3- منهجية البحث:

اتبعنا في هذا البحث المنهج الوصفي التحليلي للبحث في هذا المضمار بغية الوصول الى نتائج توظف في معالجة العاهات العقلية واثرها على الارادة  طبيا وقانونيا .

المبحث الاول

دور الأمراض العقلية في السلوك الاجرامي للفرد

لا يمكن للفرد أن يعيش بمفرده من العالم ، وعليه أن يتعاون مع الآخرين ويتعايش معهم ، ولكن هذا التعايش والتعاون في تحمل أعباء الحياة يحتاج إلى قواعد تتحكم في هذا التعايش ، وبالتالي هذه الأفعال يجب أن تكون السلوكيات فيها طبيعية ضمن الوضع الطبيعي للفرد ، أي أنها صادرة عن شخصية سليمة تتمتع بصحة نفسية سليمة ، وسلوكها صحيح وليس معيبًا بمرض أو إعاقة أو اضطراب عقلي[1],ولأن موضوع الاضطرابات النفسية من الموضوعات المهمة التي تحرك السلوك الإجرامي إذا تأثر الفرد به ، يجب أن نلقي الضوء على هذه الأمراض سواء كانت نفسية أو عقلية او عضوية ، وهذا ما سنتناوله على الوجه الآتي:  

المطلب الاول: الامراض النفسية والعضوية

على الرغم من أن العديد من الدراسات قد تناولت هذا المجال إلا أن العلاقة بين الاضطرابات النفسية والعقلية لا تزال تتطور ، وهذه العلاقة بين هذه الأنواع من الاضطرابات وأثرها على الجريمة ،إذ أنها تؤثر على الفرد وتدفعه لارتكاب الجريمة ، مما يؤثر على شخصيته ، ونفسيته ، وبالتالي قد يؤدي إلى عدم السيطرة على نفسه مما يدفعه ان يرتكب سلوكًا إجراميًا نتيجة ضغط الاضطرابات المحيطة به بجميع أشكالها[2].

الفرع الاول: الامراض النفسية

أن جوانب السلوك الشاذ متسع بشكل كبير ومتنوع  فبعضها شديدة وقليلة، مثل حالة الجنون , بينما الامراض الاخرى تكون شبه شائعة ولابد من الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها

وسنتناولها على الوجه الآتي:

الامراض النفسية (العصابية) عند إصابة شخص بأحدهما يصدر منه سلوك يتعارض مع السلوك السليم ، وإذا تغلب هذا الاضطراب على الجانب العاطفي وبالتالي ينتج عنه الهوس والقلق والاكتئاب والهستيريا[3] وهي على سبيل المثال وليس الحصر:

أ- الهوس: من بين أعراضه التحريض وفرط النشاط والشعور بالقوة والذكاء غير العادي. أكثر أنواع الجرائم التي يتم ارتكابها شيوعًا هي الضرب والإعاقة والاعتداء على الأشخاص وممتلكاتهم.

ب- القلق والاكتئاب : ومن أعراضه الحزن واليأس من الحياة, معظم أنواع الجرائم التي ترتكب بسببه هي جرائم انتحارية ، وعادة ما يقتل المقربين منه ومن يحبهم ، وكذلك جرائم الاعتداء الجنسي[4].

ت-  الفصام: أكثر الأعراض تعقيدًا ومعظمها تتعلق بالشخصية والسلوك ، فبعضها عرضة لارتكاب جميع أنواع الجرائم والانتهاكات[5].

الامراض العقلية الذهانية: تعبر عن جانب من جوانب السلوك يتعارض مع السلوك الطبيعي ، وبما أن الاضطراب لا يحقق الرضا والقبول للإنسان ، إذا كان مصدر هذا الاضطراب في التفكير يسمى مرضًا نفسيًا مثل الفصام والهوس والبارانويا ، وهذه الامراض لها دور كبير في انحراف السلوك ويؤدي إلى ارتكاب الجريمة[6]، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

     أ- الصرع والذهان: لا توجد أنواع محددة من الجرائم بالنسبة لهم ، فعندما تزداد درجة العدوان معهم تزداد حالات الاعتداء والضرب والإعاقة والقتل, في حالات نادرة ، وتظهر أفعال وكلمات لدى مرضى الصرع لا ينوي المريض فعلها أو قولها ، وتصدر منه بسبب نشاط زائد في كهرباء الدّماغ يؤدي إلى تحفيز بعض أجزائه، وينتج عنها افعال غير طبيعية أو يفقد المريض بسببها الوعي أو الإدراك لاحقاًولكن يعاني المريض من تغيرات سلوكية فقط مع فقدان الادراك دون فقدان الوعي [7].

عند الاشتباه في إصابة شخص مرتبط بقضية جنائية بالصرع ، يجب أخذ تاريخ طبي مفصل وإجراء الفحوصات اللازمة للتشخيص مثل مخطط كهربية الدماغ والتصوير بالرنين المغناطيسي ، وينبغي استشارة أطباء الأعصاب لفحصهم،  من المعروف أن الأدوية والمسكرات تسبب نوبات صرع عند أو بعد استخدامها ، بسبب تأثيرها التحفيزي على مستقبلات العصب المركزي أو من خلال إتلاف الخلايا العصبية[8].

ب- الخرف: يعد فقدان الذاكرة التدريجي أحد أعراض الخرف ، وهنا يجب التمييز بين النسيان وفقدان الذاكرة لأن النسيان قد يحدث للأشخاص العاديين، أما الخرف ، فإن أعراضه تتمثل في صعوبة التفكير والحكم واللغة ومهارات التفكير، يعاني الأشخاص المصابون بالخرف من مشاكل سلوكية وتقلبات مزاجية، ويبدأ الخرف عادة بالتدريج  حتى يصبح اكثر وضوحا  مع تقدمه[9].

الفرع الثاني: الامراض العضوية وعلاقتها بالامراض النفسية

من الثابت علميًا أن المرض الذي يصيب أحد أعضاء الجسم يؤثر في الغالب ، بدرجة او بأخرى ، على الأداء الوظيفي لبقية الأعضاء ، بسبب التكامل فيما بينها في التكوين والأداء ثم تنعكس آثار الخلل أو المرض على الجوانب النفسية للمريض ، مما يجعله أكثر حساسية وعاطفية, يرى المتخصصون في علم الإجرام ارتباطًا وثيقًا بين وظائف بعض الأعضاء الداخلية ، وخاصة الغدد ، وبين السلوك الإجرامي، وقد كان للطب الحديث المرتبط بعلم الغدد «Endocrinologie» الفضل في كشف الكثير من المظاهر الوظيفية للأعضاء[10].

كانت إحدى نتائج ذلك ظهور مجال بحثي آخر في علم الإجرام ، والذي أصبح يُعرف باسم «علم وظائف الأعضاء الإجرامي» ، والذي يركز بشكل أساسي على البحث عن خصائص ووظائف فسيولوجية معينة مناسبة للكشف عن مظاهر التكوين البيولوجي للشخص الإجرامي، قد تتضرر بعض أعضاء الجسم أو تضعف ، مما يؤدي إلى اضطرابات وظيفية في أجهزة الجسم ، والتي سيكون لها قريبًا تأثير على التكوين العقلي والنفسي والعصبي وكذلك على الغدد,كما يقرر علماء الطب الغدد نوعان˸ غدد قنوية وغدد صماء، فالأولى بها قنوات تنقلُ عن طريقها إفرازات معينة إلى داخل الجسم (كالغدد اللعابية) والى خارجه (كالغدد الدمعية والعرقية)[11].

أما الثانية، وهي الغدد الصماء، فتجمع موادها الأولية من الدم مباشرة، لتحولها إلى هرمونات تعيدها إلى الدم الذي يقوم بتوزيعها بدوره على الجسم ومن أمثلتها الغدتان النخامية والدرقية والغدد التناسلية ,ولوظائف الغدد تأثير مباشر في أداء أجهزة الجسم لوظائفها المختلفة، وبصفة خاصة الجهاز العصبي، وتحديدا ما يرتبط برد الفعل الذي يحدثه الجسم في مواجهة المؤثرات الخارجية، بما في ذلك السلوك الإنساني عامة، والإجرامي بصفة خاصة.

ولذلك، فأي خلل وظيفي يشوب هذه الغدد، يكون له تأثير مباشر في سير أجهزة الجسم والخلل الغددي نوعان أصلي ومكتسب, فالأصل  منه يولد به الفرد، ويكون له تأثير كبير في طباع الفرد وحالته النفسية فمثلاً زيادة إفراز الغدة الدرقية يؤدي إلى التوتر العصبي والانفعال السريعالذي ينعكس على السلوك الجرمي له، بينما قلة إفرازها يؤدي إلى الخمول الذهني[12].

أما الخلل العرضي أو المكتسب فيؤثر على الشخص السليم في فترات عمرية معينة تتميز أحيانًا بنشاط الإفرازات الغدية وفي أوقات أخرى بخمولها على سبيل المثال ، إفرازات الغدد التناسلية، فتكون نشطة في مرحلة المراهقة ويقل هذا النشاط في الشيخوخة,الأمر نفسه ينطبق على الإفرازات الغدية للمرأة أثناء الحيض, أكدت الدراسات أن المرأة تصبح أكثر حساسية وعاطفية خلال هذه الفترة، إن العلاقة بين اختلال وظائف الغدد وخاصة الغدد الصماء والسلوك الإجرامي مبنية على أدلة علمية، وقد كان Nicola Pende  وDi Tullio  من أوائل العلماء الذين نبهوا لهذه الحقيقة، ليؤكدها العلم الحديث بعد التطور الذي عرفته العلوم الطبية في العصر الحديث,واليوم ، يعلق الأمل على تطوير الأساليب الطبية لعلاج مثل هذه الاختلالات التي لها تأثير كبير على السلوك بشكل عام[13].

تنقسم الأمراض العضوية إلى عدة أقسام ، لكننا نتعامل مع الأمراض العضوية التي تؤثر سلباً على إرادة  وسلوك الشخص نتيجة تأثيرها على الحالة النفسية للمريض ، وهذا يؤدي إلى عدم السيطرة على نفسه ، ويرتكب سلوكيات إجرامية، وسنتناول هذه على سبيل المثال لاعلى سبيل الحصر وعلى الوجه الآتي:

داء السكري وانخفاض السكر في الدم واثره على ارادة الانسان:

ومثال ذلك الحالات التي قد يتعرض لها مرضى السكري أثناء هبوط مستوى السكر في الدم، بسبب عدم تناول الوجبات بانتظام مع أخذ علاج الأنسولين أو الأدوية الخاصة بداء السكري فينقص مستوى السكر في الدم، مما يؤدي إلى نقصه كذلك في الدماغ، وتعد الخلايا العصبية شديدة الاعتماد على السكر كمصدر للطاقة.

ولا تقوم باستخدام الدهون أو البروتينات كسائر خلايا الجسم لإنتاج الطاقة، لذلك تظهر علامات نقص السكر بصورة سريعة على الجهاز العصبي، وينتج عنها تصرفات وأفعال لا تصدر عن الإنسان الطبيعي في الأحوال المعتادة، ‏وتعرف أعراض انخفاض السكر في الدم بزيادة في التعرق، وخفقان في القلب، وعصبية زائدة، وضعف التركيز أو الهذيان، والغالب أن المريض يعاني من عدم انتظام في مستوى السكر خلال الفترة الماضية، وقد يكون بدأ في استخدام دواء جديد أو كان صائماً خلال نوبة هبوط مستوى السكر، وفي الحالات  الشديدة قد تنتهي بحدوث تشنجات أو فقدان كامل الوعي والدخول في غيبوبة.

إصابات الرأس ما بعد الحوادث وعلاقتها بفقدان الارادة

بعد التعافي من إصابات الرأس ، قد يعاني المرضى من حالات نفسية مثل الاكتئاب الشديد أو نوبات من الغضب المفرط أو نوبات من سوء التقدير والحكم، ‏ تعود هذه الأعراض النفسية إلى إصابة في الفص الجبهي للدماغ أو شبكته التي تربطه بباقي أجزاء الدماغ ، وترتبط الأعراض النفسية لبعض المصابين بحوادث إصابة في الرأس بعوامل ما قبل الإصابة بحيث تكون أساسًا سبب الحادث الذي تعرض له ، مثل سمات الشخصية العدوانية أو وجود أمراض نفسية مزمنة أو تعاطي سابق للمسكرات أو المخدرات.

وعندما تكون هناك نوبات اكتئاب شديدة لم يتم اكتشافها أو علاجها ، فقد يتعدى المريض المصاب بإصابة قديمة في الرأس على نفسه ويحاول الانتحار ، وفي حالة نوبات الغضب المفرطة قد يتعدى لفظيًا أو سلوكيًا على الآخرين أو يسيء تقدير المواقف.

المطلب الثاني: مدى الصلة بين الامراض والسلوك الاجرامي

نفى العلماء ، في البداية ، أي علاقة بين المرض النفسي والظاهرة الإجرامية ، وأرجع بعضهم ذلك إلى عدم وجود أجهزة دقيقة قادرة على اكتشاف هذا المرض وتحديد آثاره ، لكن الأمر تغير فيما بعد ، بفضل التقدم العلمي حيث أظهر البحث الذي أجراه العالمان «دي توليو» و «فيرفاك» وجود علاقة بين المرض العضوي والسلوك الإجرامي[14].

الفرع الاول: الصلة بين المرض وقدرة التحكم بالارادة

من البحث الذي أجراه دي توليو والذي يخص ألف مجرم ، خلص إلى أن أكثر من 20٪ منهم مصابون بامراض عضوية ونفسية .

وحاول بعض الباحثين التشكيك في هذه النتيجة بناء على حقيقة أنها أجريت منذ فترة طويلة للمحكوم عليهم، مما يمكن معها القول أن سبب إصابتهم به تعود لسوء التغذية، وقسوة الحياة داخل السجون.

بل وانتشار العدوى داخلها وهو ما يفيد إصابتهم به عند دخولهم المؤسسة العقابية غير أن الدراسة التي قام بها فيرفاك، فندت هذا الشك، حيث انتهى في دراسته التي خصت ثلاثة عشروستمائة وألف (13600) سجين، أن 10% منهم انحدروا من اسر مصابة بالمرض[15]، وهذا المرض يضعف قدرة الإنسان على التحكم في سلوكه، ويصاحبه اضطراب نفسي يجعله شديد الحساسية ، وسريع الانفعال ، وسهل الانجذاب إلى أعمال العنف بشكل قد يصل إلى حد الجريمة[16].

ومن الأمراض الجنسية كذلك، ما يصيب الجهاز العصبي باضطرابات تضعف القدرة على كبح جماح الغرائز والدوافع، ما قد يَسْهُلُ معه الاقدام على اقتراف الجرائم.

خاصة عندما يكون لدى المريض استعداد إجرامي سابق،  ومن الأمراض ايضا، ما يصيب الإمكانات العقلية، كالالتهابات التي تصيب أغشية المخ بسبب الحمى، حيث تحدث الأخيرة اضطرابات في القدرات العقلية، كاضطراب الذاكرة، عدم القدرة على الإدراك والتفكير الكاملين.

ان الشخص الذي يعاني من ضعف الذاكرة ويكون طرفًا في قضية جنائية ، في هذه الحالة قد يكون من الصعب عليه تذكر الأحداث أو تسلسلها أو ربطها ببعضها البعض، كما قد يُطلب منه الشهادة في قضية جنائية ، وعند وجود اضطراب في الذاكرة لم يتم تشخيصه من قبل ، تكون النتائج مبنية على معلومات خاطئة أو مضللة يقدمها المريض لفريق التحقيق أو القضاء.

من بين أنواع أمراض ضعف الذاكرة ضمور الفص الجبهي والفص الجانبي للدماغ، فمن الممكن أن يكون مريض الزهايمر[17]، ‏والذي يختلف عن بقية أمراض الذاكرة بضمور ‏محدد في منطقة الفص الأمامي والجانبي للدماغ، ‏‏وينتج عنه أعراض سلوكية عدوانية أو شكوك مرضية أو خوف مفرط أو صدور تصرفات غير سوية[18]

الفرع الثاني: صلة المرض بالوعي البشري

الوعي هو الإحساس أو الإدراك للوجود الداخلي أو الخارجي ، وتعد خصائص نظام «الوعي البشري» من أهم الموضوعات في علم الأعصاب ، ومن خلال افتراضاته يمكن الحكم على درجة وعي الإنسان واختياره السلوك , والسلوك عنصر مهم في القانون الجنائي ، وهناك علاقة وثيقة بين الوعي البشري والمسؤولية عن أفعاله ، ويمكن لعلم الأعصاب أن يؤكد أو ينفي هذا «الوعي»، هذا علم يقيم الحالة الجنائية للأفراد على وجه التحديد ، وقد تم طرح موضوع المسؤولية الجنائية لأن هذا العلم قدم دليلًا على الذنب أو البراءة ، ومن الآن فصاعدًا ، أصبح علم الأعصاب مهمًا في مجال البحث الجنائي ، من خلال الاستخدام من أدوات ومفاهيم علم الأعصاب.

حول الوعي البشري ودرجة وعي السلوك أظهرت الأبحاث المتميزة التي أجراها علماء الأعصاب أنها تؤدي إلى تطورات مهمة في الطب الشرعي، وهذا يقودنا للبحث عن أهم تقنيات البحث في الحالة الذهنية، «يستخدم العلماء طرقاً متطورة للتصوير، يطلق عليها تقانة مسوح الدماغ brain scans، وتبدو أهمية هذه المسوح في أنها تقدم الدليل الجنائي إضافة إلى الأدلة العصبية الأخرى في مواد الإسناد الجنائي لتقرير مسؤولية الشخص من عدمها، ففي ضوء نتيجة مسوح الدماغ تتضح الحالة الذهنية للمتهم من ناحية، أو مصداقية الشاهد من عدمها من ناحية أخرى.

يدرس علم الأعصاب عدة مفاهيم مثل كيفية تكوين الذكريات الزائفة ، وطبيعة الإدمان ، وكيف ينظم الدماغ السلوك ، لذلك تبدو النتائج مهمة عند الفصل في جرائم مثل اتهام القيادة تحت المؤثرات العقلية, من خلال تقنية مسح الدماغ ، يمكن للعلماء أن ينظروا عن كثب إلى الدماغ الحي، وتوصلوا إلى تمييز أنماط النشاط الدماغي، التي ترتبط بسلوكيات وطرق تفكير معينة، واستنتجوا من هذا قابلية ربط نشاط الدماغ بالحالات الذهنية، لتؤدي بالتالي دوراً رئيسياً في تقرير ما إذا كان لدى المتهم سيطرة على أفعاله.

ويعكس ذلك بلا شك التقرير بالمسؤولية الجنائية أو نفيها، فحيث يكون للمرء سيطرة على أفعاله أولاً، فإنه يصبح مؤهلاً لتحمل تبعات تصرفه فيساءل جنائياً ويستحق العقوبة، والعكس صحيح حينما لا يملك الشخص السيطرة على ما يفعلولابد من تسليط الضوء على مسوح الدماغ والدليل الجنائي، لان أهمية مسوح الدماغ في إفراز صور عدة تصف حالة دماغ الشخص.

وهو ما دعا بعض هيئات الدفاع عن المتهمين في بعض الأنظمة القضائية، كما في الولايات المتحدة، إلى التمسك أمام القضاء بقبول نتائج مسوح الدماغ كأدلة توضح ما إذا كان المتهم غير مذنب بسبب الجنون، أو أن شاهداً ما، يقول الحقيقة، بيد أن الأمر طبقاً للقانون الأمريكي يعد مسألة تقديرية للقضاة، ولا يزيد دور نتائج تلك المسوح عن مجرد قرينة تحتاج إلى دليل دامغ.

فمثلا دلت سوابق القضاء الأمريكي على عدم التعويل على نتائج مسوح الدماغ، بحجة أنَّ العلم لا يدعم استعمالها كأدلة لأي حالة سوى حالة إصابة الدماغ بالأذى العضوي.

هذا في الوقت الذي تمارس فيه هيئات الدفاع الضغط على القضاء لاستخدام مسوح الدماغ لإثبات أن لدى المتهمين في بعض الجرائم التي يتولون الدفاع فيها اضطراباً فكرياً أوعاطفة معينة كاختلال التقدير flawed judgment أو ضبط النزوات impulse control. لكنْ في الوقت الحاضر على الأقل، فإنَّ معظم القضاة والباحثين متفقون على أنَّ العلم ليس متطوراً بشكل كاف للسماح بتلك الاستعمالات.

المبحث الثاني

المسؤولية الجزائية واثر تقانة التصويرالمغناطيسي في كشفها

توفر تقنية التصوير هذه مثالاً على طريقة يمكن أن توفر معلومات علمية جيدة ، لكن القليل منها مقبول قانونيًا. هذه التقنية مفضلة من قبل الباحثين الذين يستكشفون أي جزء من الدماغ نشط أثناء الإجراءات المختلفة ، مثل القراءة أو التحدث أو أحلام اليقظة. ومع ذلك لابد من تسليط الضوء على هذه التقانة في تقرير او نفي المسؤولية الجنائية وعلى الوجه الآتي :

المطلب الاول: تقرير المسؤولية الجزائية او نفيها

إن هذه التقنية لا تقيس إطلاق خلايا الدماغ بشكل مباشر ، ولكنها تقيس تدفق الدم الذي يُعتقد أنه يتناسب إلى حد ما مع نشاط الخلايا العصبية[19]، بالإضافة إلى ذلك ، تحديد الإشارة الوهمية المرتبطة بنمط معين من نشاط الدماغ ، بشكل كبير عن بعضهم البعض

الفرع الاول: دور التقانة في تقريرالمسؤولية الجزائية او نفيها

أظهرت الأبحاث المتميزة التي أجراها علماء الأعصاب أنها تؤدي إلى تطورات مهمة في الطب الشرعي، وهذا يقودنا للبحث عن أهم تقنيات البحث في الحالة الذهنية، «يستخدم العلماء طرقاً متطورة للتصوير، يطلق عليها تقانة مسوح الدماغ brain scans، وتبدو أهمية هذه المسوح في أنها تقدم الدليل الجنائي إضافة إلى الأدلة العصبية الأخرى في مواد الإسناد الجنائي لتقرير مسؤولية الشخص من عدمها، ففي ضوء نتيجة مسوح الدماغ تتضح الحالة الذهنية للمتهم من ناحية، أو مصداقية الشاهد من عدمها من ناحية أخرى.

ويتعين على الباحثين عادةً إجراء عدة عمليات مسح ضوئي من عدد من الأشخاص الخاضعين للاختبار ، والذين يمكن أن تختلف أنماط أدمغتهم قد تبدو صورة التصوير بالرنين المغناطيسي لمتهم معين مختلفة بشكل كبير عن متوسط القيمة المقدمة إلى القضاء لمتهم آخر ولكنها تبقى ضمن الحدود الإحصائية لمجموعة البيانات التي تم حساب هذا المتوسط من خلالها.[20]

وتقرير المسؤولية الجزائية من خلال تقنية مسح الدماغ ، يمكن للعلماء أن ينظروا عن كثب إلى الدماغ الحي، وتوصلوا إلى تمييز أنماط النشاط الدماغي، التي ترتبط بسلوكيات وطرق تفكير معينة، واستنتجوا من هذا قابلية ربط نشاط الدماغ بالحالات الذهنية، لتؤدي بالتالي دوراً رئيسياً في تقرير ما إذا كان لدى المتهم سيطرة على أفعاله، ويعكس ذلك بلا شك التقرير بالمسؤولية الجنائية أو نفيها.

ومن المعروف أن (الأحداث) يعانون من نقص شديد في النضج والمسؤولية, وأن هذه الفئة أكثر تأثراً بالتأثيرات السلبية ، ولا يتمتعون بالحرية الكاملة في إخراج أنفسهم من المواقف السيئة ، وأن شخصية الحدث أقل تشكلاً من شخصية الكبار .

ومن هنا أخضع القانون الأحداث لمعاملة جنائية خاصة ، بحيث لا تطبق عليهم عقوبة الإعدام أو السجن طويل الأمد ، وتطبق عليهم الإجراءات أو الإجراءات الإصلاحية حسب نوع الجريمة وخطورتها.

الفرع الثاني: توظيف تقانة التصوير المغناطيسي لتحديد السلوك الاجرامي

يتغير النشاط العصبي في دماغ الانسان عند قيامه بالانشطة المختلفة بدأ بالانشطة البسيطة مثل مد اليد وحمل فنجان من القهوة وصولا الى الانشطة الادراكية المعقدة  التي يمكن من خلالها تحديد السلوك الانساني .

ابتكر علماء الأعصاب في جامعة إيموري تصويرًا موترًا للانتشار (DTI) للتحقيق فيما إذا كان ميل الأحداث من خلال تحديد سلوكهم الذي لا يمكن دحضه للانخراط في سلوك محفوف بالمخاطر.

ناتج عن عدم النضج في أنظمتهم المعرفية التي تنظم الاستجابات العاطفية كما لا يعرف العلماء مدى التغيرات الطبيعية في الشكل التشريحي ونشاط الدماغ في السكان (أو في مجموعات فرعية منها).

بالتالي ، فإن إظهار مسح دماغ لمتهم معين دون بيانات من مجموعة مناسبة للمقارنة لايفضي للافصاح عن تحديد سلوك الشخص المجرم   لذلك لابد لنا من الوقوف على ذلك لان عدم تحديد السلوك من خلال هذه التقانة سيؤدي  بمن لديهم خلل في انشطة الدماغ من الانزلاق الى الاجرام .

الامر الآخر ربما تكشف لنا هذه التقانة بعض الجروح في مناطق معينة من المخ , حيث توصلت  بعض الدراسات  ان الجروح في مناطق متعددة من المخ  يمكن ان تسبب في سلوكيات اجرامية , كما افادت دراسات اخرى من خلال مسح المخ على اصابات مختلفة لم تقتصر على منطقة واحدة من المخ وتم مقارنة صور المخ من خلال اشعة تظهر انشطة المخ من خلال اداء واجبات معينة وكذلك انشطته خلال حالة السبات .

ناهيك عن ان الاصبات التي يتعرض لها الدماغ تؤثر على شبكة عصبية المخ  عند اتخاذ قرارات اخلاقية تعبيرية , وفحص باحثون , بمركز (BIDMC )الطبي بمدينة بوسطن الامريكية ادمغة 17 مصاب بجروح في المخ واظهرت النتائج ان اصحاب الاصابات لم يتجهو للسلوك الاجرامي الا بعد ان اصيبوا في المخ[21].

وفي هذا المقام لابد من الاشارة الى ان تطور هذه التقانة سيساهم بشكل كبير وفعال بتحديد سلوكيات الافراد المتهمون بارتكاب جرائم .

المطلب الثاني:تطبيق التصوير بالرنين المغناطيسي الانتشاري وأثره في المعاملة الجنائية

هذه التقنية تستخدم انتشار الماء في الحصول على تباين في صورة الرنين المغناطيسي قاموا بتطبيق تقنية (DTI) لفحص حزم المادة البيضاء التي تربط مناطق التحكم المختلفة في القشرة الدماغية لـ 91 مراهقًا ، وكانت النتيجة مفاجئة[22].

وفي هذا المقام سنتناول  هذه التطبيقات التصويرية لنشاط خلايا ادمغة بعض  الاحداث والكبار وعلى الوجه الآتي :

الفرع الاول: تطبيقات تصويرية

عند اخضاع عدد من الاحداث  الجانحين بينت التقانة التصويرية أن أولئك الذين انخرطوا في سلوكيات محفوفة بالمخاطر بدوا أكثر توكيدًا مما لدى الكبار مقارنة بأقرانهم الذين ابتعدوا عن السلوك الخطر ، مما يفتح الباب أمام إعادة النظر في تعريف المعاملة الجنائية للأحداث ، وبالنسبة لهم أن تكون مساوية للبالغين في مواد العقوبات الجنائية.

ومن بين القضايا المتعلقة بهذا المجال قضية أولريك ماينهوف ، الصحافية الألمانية التي عملت خلال الخمسينيات والستينيات والتي أسست حزب الجيش الأحمر عام 1968 المسؤول عن تفجير وسرقة عدة بنوك في ألمانيا الغريبة.

اللافت في هذه الشخصية هو ما حدث خلال محاكمتها ، حيث لم تسر المحاكمة بسلاسة ، ولم يصدر الحكم, تم العثور على مينهوف مشنوقة في زنزانتها ، ونتيجة لهذا الحادث ، خضعت ماينهوف لتشريح الجثة ، حتى وجد الأطباء أن هناك ورمًا حول جزء من دماغها يسمى اللوزة, يذكر أن ماينهوف خضعت لعملية سابقة عام 1962 لإزالة ورم في مكانه ولكن يبدو أن الورم عاد ليؤثر على سلوكها.

ماينهوف ويتمن يثيران أسئلة كثيرة، فالتطور الكبير الذي شهده مجال علم الأعصاب مكننا من تحديد بعض الأسباب التي قد أدت لمثل هذه الحوادث المؤلمة، مثل هكذا تطور يدفع بعلم الأعصاب اكثر وأكثر للتدخل مع الأنظمة الجنائية والقوانين[23].

الفرع الثاني: اصابة الدماغ تبرير للجريمة

وبنفس الوقت ينتج هذا التدخل اسئلة جديدة مثل: هل من الممكن تبرير الجرائم على أساس وجود أورام أو إصابات في الدماغ، كيف تختلف أدمغة القاصرين عن البالغين بقدرتها على اتخاذ القرارات، هل من الممكن أن يعدل علم الأعصاب على القوانين المطبقة، الدماغ يمكن أن «يفشل» لدى البالغ ويدمر اكتساب الإدراك الذاتي، والسيطرة على الدافع والاندفاع ومثال ذلك في قضية كانت بين عامي 1960 و1970 كان هناك قاتل يُدعى هينري لي لوكاس الذي اعترف حينما سُجن عام 1983 بأنه قتل المئات من الضحايا، كان من بينهم أفراد من عائلته ووالدته، وهو نفس القاتل الذى أجرى العلماء بحوثًا على دماغه ليكتشفوا علاقة وثيقة بين جرائمه البشعة[24].

وتركيبة دماغه، إذ كان يُعاني من تشوه في عدة مناطق من الدماغ من بينها الفص الجبهي ومنطقة ما تحت المهاد والجهاز الحوفي المسؤول عن أغلب المشاعر والعواطف مثل السعادة والخوف والغضب.

الحالة الأخرى الأكثر شهرة في مجال علم الأعصاب هي حالة تشارلز ويتمن (Charles whitman)، جندي البحرية والقناص اللامع، تمييز( ويتمن) بذكاءه العالي، وبقدرته على قنص الأشياء مما يجعله ينال العديد من الأوسمة، ولكن في عام ١٩٦٦، استخدم ويتمن قدرته هذه لايذاء الكثيرين في جامعة تكساس، إذ صعد ويتمن لأعلى البرج ومن ثم بدأ. بالقنص، حاصداً أرواح ١٦ شخصاً ومسبباً جرح كثيرين آخرين، ولم يكن ضحاياه من طلبة الجامعة فحسب، بل وقبل أن يصعد ليقوم بمهمته الانتحارية، عمد ويتمن لقتل أمه وزوجته تاركاً رسالة بجانب زوجته معبراً فيها عن حبه لها، طالباً للتشريح قبل أن يقتل كونه يشعر بوجود شيء في رأسه يدفعه للعنف، وقد تحقق ماطلبه ويتمن، إذا خضع للتشريح بعد أن قتل ليجد الأطباء ورماً حول اللوزة أيضاً.

الخاتمة

بعد ان انتهينا من بحثنا بفضل الله وتسديده، توصلنا الى عدد من الاستنتاجات والمقترحات، وعلى الوجه التالي:

اولا: الاستنتاجات:

العلاقة بين الاضطرابات النفسية والعقلية لا تزال تتطور ، وهذه العلاقة بين هذه الأنواع من الاضطرابات وأثرها على الجريمة ، حيث أنها تؤثر على الفرد وتدفعه لارتكاب الجريمة ، مما يؤثر على شخصيته ، ونفسيته ، وبالتالي قد يؤدي إلى عدم السيطرة على نفسه مما يدفعه ان يرتكب سلوكًا إجراميًا نتيجة ضغط الاضطرابات المحيطة به بجميع أشكالها.

من الثابت علميًا أن المرض الذي يصيب أحد أعضاء الجسم يؤثر في الغالب ، بدرجة أو بأخرى ، على الأداء الوظيفي لبقية الأعضاء ، بسبب التكامل فيما بينها في التكوين والأداء، ثم تنعكس آثار الخلل أو المرض على الجوانب النفسية للمريض ، مما يجعله أكثر حساسية وعاطفية.

هناك نوعان من الغدد غدد قنوية وغدد صماء، فالأولى بها قنوات تنقلُ عن طريقها إفرازات معينة إلى داخل الجسم (كالغدد اللعابية) والى خارجه (كالغدد الدمعية والعرقية) أما الثانية، وهي الغدد الصماء، فتجمع موادها الأولية من الدم مباشرةمما له اثر كبير على السلوك الاجتماعي للفرد.

الخلل العرضي أو المكتسب يؤثر على الشخص السليم في فترات عمرية معينة تتميز أحيانًا بنشاط الإفرازات الغدية وفي أوقات أخرى بخمولها على سبيل المثال ، إفرازات الغدد التناسلية، فتكون نشطة في مرحلة المراهقة ويقل هذا النشاط في الشيخوخة.

بعد التعافي من إصابات الرأس ، قد يعاني المرضى من حالات نفسية مثل الاكتئاب الشديد أو نوبات من الغضب المفرط أو نوبات من سوء التقدير والحكم وترتبط الأعراض النفسية لبعض المصابين بحوادث إصابة في الرأس بعوامل ما قبل الإصابة بحيث تكون أساسًا سبب الحادث الذي تعرض له ، مثل سمات الشخصية العدوانية أو وجود أمراض نفسية مزمنة أو تعاطي سابق للمسكرات أو المخدرات.

أكدت الدراسات أن الإفرازات الغدية للمرأة أثناء الحيض تجعلها أكثر حساسية وعاطفية خلال هذه الفترة، إن العلاقة بين اختلال وظائف الغدد وخاصة الغدد الصماء والسلوك الإجرامي مبنية على أدلة علمية، وقد كان Nicola Pende  وDi Tullio  من أوائل العلماء الذين نبهوا لهذه الحقيقة، ليؤكدها العلم الحديث بعد التطور الذي عرفته العلوم الطبية في العصر الحديث.

ثانيا: المقترحات:

قد يعاني المريض من تغيرات سلوكية مع فقدان الادراك دون فقدان الوعي ، عند الاشتباه في إصابة شخص مرتبط بقضية جنائية بالصرع ، يجب أخذ تاريخ طبي مفصل وإجراء الفحوصات اللازمة للتشخيص مثل مخطط كهربية الدماغ والتصوير بالرنين المغناطيسي.

ينبغي على المحكمة ان تأخذ بنظر الاعتبار ان الشخص الذي يعاني من ضعف الذاكرة ويكون طرفًا في قضية جنائية ، انه من الصعب عليه تذكر الأحداث أو تسلسلها أو ربطها ببعضها البعض، كما قد يُطلب منه الشهادة في قضية جنائية ، وعند وجود اضطراب في الذاكرة لم يتم تشخيصه من قبل ، تكون النتائج مبنية على معلومات خاطئة أو مضللة يقدمها المريض لفريق التحقيق أو القضاء.

نقترح ان تؤسس لجنة طبية في كل محكمة تبحث في شخصية المجرمين وتبحث في أنماط النشاط الدماغي لهم، والحالة الذهنية التي ادت الى هذا السلوك، وفيما إذا كان لدى المتهم سيطرة على أفعاله، لان ذلك يعكس بلا شك التقرير بالمسؤولية الجنائية أو نفيها، وهل هو مؤهل لتحمل تبعات تصرفه فيساءل جنائياً ويستحق العقوبة، والعكس صحيح.

 

[1] اسامة باحمد، سميرة بداوي، قراءة تحليلية سوسيولوجية الابعاد الاجتماعية والنفسية لظاهرة تعاطي المخدرات وعلاقتها بالفعل الاجرامي، مجلة مؤشر للدراسات الاحصائية، العدد 48، سنة 2020 .

[2] دردوس مكي، الموجز في علم الاجرام ط2، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2006، ص 107 .

[3] زيكيو مصطفى، عوامل السلوك الاجرامي، مجلة الحوار الثقافي، ج2، العدد1، سنة 2013.

[4] بشيرسعد  زغلول، دروس في علم الاجرام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، ص78 .

[5] علي كمال، النفس وانفعالاتها وامراضها وعلاجها، دار واسط، 1988، ص38 .

[6] علي ناصر حسين علم الجريمة، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، 2016، ص23 .

[7] نوفل علي عبدالله الصفو، التخلف العقلي واثره في المسؤولية الجنائية، كلية الحقوق الكويتية  مجلة  كلية القانون الكويت العالمية، العدد3، السنة التاسعة، 25 / 3 / 2022.

[8] مروة محمد، العلاقة بين بعض الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوك، رسالة ماجستير، كلية الاداب، جامعة عين شمس .2009، ص46 .

[9] رجب عبد الحميد، اسس علم النفس الجنائي، مكتبة سلسبيل، 2010، ص34 .

[10] د.أحمد ضياء الدين: الظاهرة الإجرامية بين الفهم والتحليل, مؤسسة الطوبجي, بدون سنة طبع, ص152.

[11] د.سعد حماد صالح: مبادئ علمي الإجرام والعقاب, دار النهضة العربية, القاهرة, 2008, ص150.

[12] د.علي عبد  القادر القهوجي, سامي عبد الكريم محمود: أصول علمي الإجرام والعقاب, منشورات الحلبي الحقوقية, 2008, ص49

[13] عبد الرحمن توفيق احمد: دروس علم الإجرام , دار وائل للنشر , عمان , 2006، ص171

[14] جمال ابراهيم الحيدري، علم الاجرام المعاصر، مكتبة السنهوري، بغداد، ط1، 2015، ص75

[15] الاجرام يرتبط بجينة وراثية، دراسة بحثية، الموقع الالكتروني  https://www.albayan.ae  تمت الزيارة في 4 / 8 / 2022.

[16] تاثير الجينات، مجلة الطب النفسي، العدد41، يناير، السويد، 2011، ، ص97-105

[17] فيصل بن عبدالرحمن السويدان، طب الأعصاب الجنائي نظرة عامة، تمت الزيارة بتاريخ 20/ 5 /2021

https://www.saudicsi.com

[18] اشار البروفيسور مسعود حسين، طبيب الاعصاب في جامعة اوكسفورد «ان يكون هناك العديد من الاسباب الاخرى التي قد تغير البوصلة الاخلاقية بعد ظهور المرض في الدماغ، الموقع الالكتروني

https://Arabic.rt.com

تمت الزيارة في 4 / 8 / 2022

[19] د.فتوح عبد الله الشاذلي: أساسيات علم الإجرام والعقاب, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2007, ص115. 

[20] د. رضا عبد الحكيم إسماعيل رضوان، علم الأعصاب الجنائي، بحث منشور على منصة التقدم العلمي الالكترونية على الرابط: تمت الزيارة في 28/ 1/ 2023:

https://taqadom.aspdkw.comعلم-الأعصاب-الجنائي

[21] اصابات المخ تحول الشخص الصالح لمجرم

cdn.ampproject.org

تم زيارة الموقع الالكتروني بتاريخ 26 /3 /2023        

[22] د. رضا عبد الحكيم إسماعيل رضوان، علم الأعصاب الجنائي، بحث منشور على منصة التقدم العلمي الالكترونية على الرابط: تمت الزيارة في 28/ 1/ 2023

https://taqadom.aspdkw.comعلم-الأعصاب-الجنائي

[23] العوامل النفسية وتأثيرها على السلوك الاجرامي, مجلة العلوم الانسانية, المجلد32-عدد 3ديسمبر2021,ص421 -436

[24] اولريكه ماري ماينهوف: مقال منشور على الموقع الالكتروني: ar.m.Wkibidia  تمت الزيارة بتاريخ 6/3/2023