تاريخ الاستلام 1/3/2023 تاريخ القبول 11/6/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
مسؤولية الطبيب الجزائية
عن اخطاء الجراحات التجميلية
في قانون العقوبات العراقي
Surgeons’ Criminal Accountability
for plastic surgery mistakes in Iraqi penal code
م.م كمال سامي كامل الزبيدي
كلية الآمال الجامعة / قسم القانون
م.م حيان ابراهيم حيدر الخياط
كلية النسور الجامعة / قسم القانون
Kamal Sami Kamel al-Zubaidi
Department of law, al-Amaal University College
Hayan Ibrahim Hayder Al-Khayyat
Department of Law, al-Nisour University College
hayanalkhiat@gmail.com
المستخلص
ازداد الاهتمام بالجراحات التجميلية في العقدين المنصرمين، اذ شهدت مراكز التجميل وعيادات الاطباء اقبالاً كبيراً من أجل زراعة الشعر او شفط الدهون او تضخيم أو تصغير أحد أجزاء الجسم وغيرها من العمليات التحسينية وليس العلاجية. ومرد ذلك الى انتشار برامج الواقع ومواقع التواصل الاجتماعي التي رسخت افكار محددة عن الجمال وادت الى شعور متابعيها بعدم الرضا عن اجسادهم واشكالهم. ومع زيادة الطلب على هذه العمليات بتنا نشاهد باستمرار اخبار تتعلق بوفاة او اعاقة العديد من الاشخاص ومنهم المشاهير بسبب خضوعهم لجراحات تجميلية. وهذا يطرح اشكالية المسؤولية الجزائية لطبيب التجميل، فهل يوجد نص خاص ينظم هذه الجراحات والمسؤولية المترتبة عنها؟ ام انها تخصع للقواعد العامة؟ وهو ما سنحاول الاجابة عنه في هذا البحث.
Abstract
Interest in plastic surgeries has increased in the last two decades, as plastic surgery centers and doctors’ clinics have witnessed a great turnout for hair transplantation, liposuction, enlarging or reducing a part of the body, and other ameliorative rather than curative 9surgeries. This is due to the spread of reality shows and social networking sites, which have established specific concepts about beauty and made their followers feel dissatisfied with their bodies and shapes. With the increase in the demand for such operations, we are constantly witnessing news about the death or disability of many people, including celebrities, due to some plastic surgeries. This raises the problem of the criminal responsibility of the plastic surgeon. Is there a special text regulating such surgeries and the accountability arising from them? Or is they are governed by the general rules only? This is what this research paper is seeking to answer.
المقدمة
لقد اجريت الجراحات التجميلية منذ آلاف السنين، ففي عام 600 قبل الميلاد قام الجراح الهندي سوشراتا بممارسة تقنيات اعادة تشكيل انف المرضى وهي تقنية تجميلية تسمى عملية تجميل الانف، كما ان الرومان القدماء اجروا عمليات لازالة الندبات. وفي التاريخ الحديث كان اول شخص يعترف بالخضوع لجراحة تجميلية هو بحار البحرية البريطانية والتر يو الذي فقد جفنيه في موقعة جوتلاند في الحرب العالمية الاولى فقام الجراح هارلود جيليس الذي يعد الان ابو الجراحات التجميلية بعملية ترقيع جلد لاصلاح هذا التلف.[1]
ومع زيادة الطلب على هذه العمليات بتنا نشاهد باستمرار اخبار تتعلق بوفاة او اعاقة العديد من الاشخاص ومنهم المشاهير بسبب خضوعهم لجراحات تجميلية. وهذا يطرح اشكالية المسؤولية الجزائية لطبيب التجميل، فهل يوجد نص خاص ينظم هذه الجراحات والمسؤولية المترتبة عنها؟ ام انها تخصع للقواعد العامة؟ وهو ما سنحاول الاجابة عنه في هذا البحث.
المطلب الأول
مفهوم الجراحة التجميلية
التعاريف التي قيلت بشأن الجراحة التجميلية عديدة، كذلك الآراء مختلفة حول مدى مشروعية هذه الجراحة، والمتتبع للحركة الفقهية والتشريعية سوف يلمس تغير وجهة نظر القانون لهذه الجراحة بمرور الزمن. ولذا سنبحث مفهوم الجراحة التجميلية على فرعين نخصص الاول لتعريف الجراحة التجميلية اما الثاني نخصصه لمشروعية الجراحة التجميلية.
الفرع الأول: تعريف الجراحة التجميلية
يعرف التجميل بأنه التصرف في البدن بما يؤول الى البهاء والحسن في مظهره الخارجي. اما الجراحة فهي اجراء طبي يعتمد على شق الجلد وخياطته للقيام بأغراض متعددة كإصلاح العاهات وغيرها. وجراحة التجميل بمجالها الواسع هي جراحة لعلاج الامراض، ويعني بذلك تعويض فقدان الانسجة واصلاح التشوهات التي تنشأ اما بسبب عيب خلقي او حادث او بعد استئصال الاورام. وقد عرف البعض الجراحات التجميلية بأنها مجموعة العمليات المتعلقة بالشكل والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية، او مكتسبة في ظاهر الجسم البشري، تؤثر في القيمة الشخصية او الاجتماعية للفرد[2]. كذلك تعرف بأنها عمليات جراحية يراد منها اما علاج عيوب خلقية او عيوب حادثة من جراء حروب او حرائق تتسبب في ايلام اصحابها بدنيا او نفسيا اما لتحسين شيء في الخلقة بحثا عن جوانب من الجمال مما هو موجود[3]. وعندما تكون التشوهات شديدة وتؤثر على وظيفة العضو المصاب، فان دور جراحة التجميل واضح ولا يختلف عليه، ولكن عندما تكون التشوهات بسيطة، وغير مؤثرة على وظيفة العضو، فان دور جراحة التجميل يكون نسبياً، وتسمى في هذه الحالة بجراحات الجمال[4]. واخيرا فالجراحات التجميلية ليست كباقي انواع الجراحة التي يقصد من ورائها علاج العله، بل غايتها اصلاح تشويه يخدش الذوق او يثر الألم وعدم الرضا داخل نفوس الخاضعين لهذه الجراحة.
الفرع الثاني: مدى مشروعية عمليات جراحة التجميل
ان المساس بجسم الانسان محظور قانوناً وهذه هي القاعدة العامة، والاستثناء هو جواز هذا المساس وذلك عند توافر ظروف وشروط معينة، فقوانين ممارسة مهنة الطب اباحت للطبيب المجاز علميا، ان يقوم باجراء التدخل الجراحي على شخص المريض، وذلك بقصد علاجه، متبعا في ذلك القواعد والاصول العلمية والفنية في الطب، وكل هذا لخليصه من الآمه او التخفيف منها او حتى بالوقاية من الامراض او الكشف عن اسبابها. وفي المجال القانوني ظهرت عدة اتجاهات بشأن الجراحة التجميلية، فالاتجاه الأول رافض لهذه العمليات ويبررون رفضهم بالقول ان القواعد العامة في الطب تقتضي ان يكون التدخل الجراحي مقصودا لتحقيق غرض علاجي، كتخليص المريض من مرض او علة او ألم، وللفقية الفرنسي غارسون رأي بهذا الصدد اذ يقول «ان الطبيب الذي يتعامل مع عضو سليم من اعضاء الجسم بحجة التجميل خرج عن حدود المهنة التي تبيحها له شهادة الطب»[5]. اما الاتجاه الثاني فهو الموقف المؤيد والموسع لاجراء عمليات التجميل، ويرى انصار هذا الاتجاه ان عمليات الجراحة التجميلية تجدد الشباب وتعالج حالات التشوه وايضا وسيلة لجلب السعادة والسرور للمريض. ويرفضون الاخذ بمعيار التمييز بين العيوب الجوهرية والبسيطة لغرض اجراء الجراحة التجميلية، وذلك لعدم خضوع هذا المعيار لضابط معين حسب قولهم، فما يعتبره شخص عيباً بسيطاً قد لا يعد كذلك بالنسية لشخص آخر، بالتالي فأن اجراء الجراحة التجميلية برضا الشخص وحسب اصول وقواعد مهنة الطب، لا يوجب قيام المسؤولية الجزائية حتى وان حصلت بعض الاضرار الثانونية[6]. واخيراً الاتجاة الثالث هو الموقف الوسطي لعمليات جراحة التجميل، حيث يؤيد انصار هذا الاتجاه اجراء الجراحات التجميلية، لكن مع التحفظ الشديد على بعض الحالات، فهم يفرقون بين الحالات المرضية التي تتطلب تدخل جراحي تجميلي لضرورة قصوى، على سبيل المثال حالات التشوه سواء كانت ولادية ام جراء حادث معين، ففي هذه الحالات تصبح الحياة عبئاً ثقيلاً على كاهل هذا الشخص، لاسميا عندما يرافق هذا التشوه السخرية او الحرمان من الحصول على وظيفة او الزواج. ويرى انصار هذا الاتجاه ايضاً ان حالات التشوه في بعض الحالات تنزل منزلة العلة المرضية بالتالي تصبح عمليات الجراحة التجميلية بمقام الجراحات الطبية العادية[7]3 اما في حالات الجراحة التجميلية التي الغرض منها اصلاح ما افسده الدهر من جمال، او حالة عدم الرضا عن جزء معين في الجسد، يرفض انصار هذا الاتجاه تدخل الطبيب اذ يجدون ان تدخله لا مبرر له[8]، سيما وان تعرض سلامة الشخص للخطر بقصد ازالة قبح واقع او محتمل لا يتناسب وما قد يناله الشخص من فائدة، وفي هذه الحالة يجب ان يكون الطبيب في موقع المسؤولية عن الضرر الذي ينشأ حتى وان حصل على موافقة الشخص مسبقاً.
المطلب الثاني
طبيعة المسؤولية الجزائية لطبيب التجميل
ان المسؤولية الجزائية هي التزام الشخص بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر اركان الجريمة وبالتالي يترتب عليها عقوبة او تدبير احترازي والذي ينزله القانون بالمسؤول عن الجريمة[9] ان المسؤولية الجزائية لطبيب التجميل تنهض في صورتين، اما بصفة عمدية في حالة توافر القصد الجرمي، او بصفة غير عمدية وذلك في حالة الخطأ غير العمدي. وسنتطرق الى الصورة الاولى بشكل موجز في الفرع الاول ثم نتوسع في بيان الصورة الثانية وهي الخطأ غير العمدي لكونها موضوع بحثنا بالاساس.
الفرع الأول: المسؤولية العمدية لطبيب التجميل
تعد المسؤولية العمدية الصورة الاولى للمسؤولية الجزائية اذا اتحد عنصري العلم والارادة في النشاط الاجرامي مع العلم وارادة النتيجة فأن الركن المعنوي هنا يتمثل في القصد الجرمي. اي ان طبيب التجميل اذا توافرت لديه كافة المعلومات بماهية فعله مع ارادة هذا الفعل، وكذلك العلم بالنتيجة التي ستقع نتيجة لهذا الفعل مع ارادة هذه النتيجة فانه يكون مسؤولاً عن جريمة عمدية.
وقد ظهرت نظرية تسمى بانتفاء القصد الجنائي وهي من النظريات التقليدية التي تمسك بها بعض الفقهاء الفرنسيين والالمان لتحديد النتائج المترتبة على الاعمال الطبية وحصرها في مجال جرائم الخطأ غير العمدي بناءً وتأسيساً على الفرض القائل بان قصد الطبيب هو علاج المريض ووصوله الى مرحلة الشفاء وليس الاضرار به سواء عن طريق الموت او الايذاء.
وقد تعرضت هذه النظرية الى العديد من الانتقادات كان اهمها ان هذه النظرية تخلط بين القصد الجرمي وبين الباعث على ارتكاب الجريمة، حيث ان كلاً من الباعث على ارتكاب الجريمة والقصد الجرمي وان كانا يمثلان حالة ذهنية لمرتكب الجريمة الا انهما يختلفان عن بعضهما اذ ان عدم وجود القصد الجرمي في الجرائم العمدية ينفي الجريمة جملة وتفصيلاً بيد ان عدم وجود الباعث او وجوده لا ينفي وقوع الجريمة العمدية، فالهدف من ارتكاب الجريمة يختلف عن وجود العلم والارادة بالفعل والنتيجة.[10] ومثال على ذلك ان القانون يجرم ويعاقب قيام الطبيب بقتل المجنى عليه شفقة او ما يسمى بالقتل الرحيم، اذ ان مجرد توافر ركني الجريمة وهما المادي والمعنوي يكفي لتحققها دون الحاجة للبحث في الباعث الذي دفع الطبيب لارتكابها.
وقد حسم المشرع العراقي النقاش في هذا المجال بان عرف القصد الجرمي «هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً إلى نتيجة الجريمة التي وقعت او أية نتيجة جرمية أخرى».[11] كما انه لم يعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة كقاعدة عامة واخذ بها في حال وجود نص قانوني.[12]
الفرع الثاني: المسؤولية غير العمدية لطبيب التجميل
نصل الى مدار بحثنا وهو مسؤولية طبيب التجميل عن الاخطاء الطبية التي تقع منه حين قيامه بعمليات الجراحة التجميلة، حيث ان هذا الطبيب يختلف التزامه عن التزام باقي الاطباء الذين يمارسون اعمالهم للمحافظة على سلامة جسد الانسان وصحته بشكل عام، فطبيب التجميل يمارس اعمالاً قد تكون غير علاجية بل تحسينية او بالوصف الدقيق تجميلية.
ومهما يكن من امر فاننا سنعرض لجرائم الخطأ غير العمدي ثم نبحث عن انطباقها على الاخطاء التي تقع من الطبيب في الجراحات التجميلة، بهدف الوصول الى اجابة عن سؤال هل تخضع عمليات الجراحة التجميلية التي يجريها طبيب التجميل للاحكام العامة في قانون العقوبات العراقي ام ان هنالك احكام خاصة؟
يعد الخطأ غير العمدي هو الصورة الثانية للركن المعنوي للجريمة وهو يشير الى عدم اتخاذ الحيطة والحذر اللازمين من قبل مرتكب الجريمة اذ ان الفاعل لديه اردة تحقق الفعل مع عدم وجود ارداة لتحقيق النتيجة.[13] وقد بين المشرع العراقي ان الجريمة غير العمدية هي التي تقع فيها النتيجة الاجرامية «بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ إهمالاً او رعونة او عدم انتباه او عدم احتياط او عدم مراعاة القوانين والأنظمة والاوامر».[14] وسوف نبين صور الخطأ غير العمدي والتي هي خمسة صور حددها المشرع العراقي على سبيل الحصر وكما يأتي:
1- الاهمال: وهو اغفال الجاني عن القيام بما يتطلبه واجب الحيطة والحذر لتفادي حدوث نتائج اجرامية، ويعتبر الاهمال عن الخطأ متى ما نشأ عنه موقف سلبي يتخذه الجاني حيال ما ينبغي ان يتخذ من احتياطات يقتضيها الحذر ومن شأنها ان تحول دون وقوع الضرر. ومثالها الشخص الذي يهمل في تنظيف او اصلاح المداخن او الافران او المعامل التي تستعمل النار فيها، او من تسبب بأهماله في تسريب الغازات او الابخرة او الادخنة او المياة القذرة وغير ذلك من المواد التي من شأنها ايذاء الناس او مضايقتهم او تلوثهم[15]. ومثال آخر على موضوعنا وهو ترك الطبيب لضمادة داخل جسم المريض اثناء الجراحة التجميلية او عدم متابعته بعد العملية.
2- الرعونة: ويقصد بها عدم التقدير او سوء المهارة او الجهل بما يتعين العلم به، وتندرج تحت هذه الصورة الاخطار المهنية التي تنم عن جهل الجاني بالمبادئ الاولية لمباشرة مهنته، اذ يتصرف الشخص دون ان يفكر او يدرك ما قد ينجم عن تصرفه من عواقب يرتب عليها القانون مسؤولية جزائية، كطبيب التجميل الذي يجري عملية جراحية تتطلب تخدير ويجريها دون الاستعانة بطبيب تخدير مختص، كذلك عامل البناء الذي يلقي حجراً من اعلى البناية غير متوقع ان يصيب احد الا انه يصيب احدهم. ومن مصاديق الرعونة ايضاً سوء التقدير بسبب نقص الخبرة او المهارة، وفي هذه الحالة يكون نشاط الجاني هو نشاط ايجابي.
3- عدم الانتباه: يشابه عدم الانتباه الاهمال اذ هو سلوك سلبي تنجم عنه نتائج اجرامية، ويعني عدم قيام الفاعل بما يتطلب القيام به لتفادي النتائج الضارة، كحائز الحيوان الخطر الذي لا يتخذ احتياطات كافية لحبسه ومنع اذاه عن الناس او ترك طفل بجوار ماء مغلي فيسقط عليه الماء ويموت. وفي هذه الصورة لا يتوقع الفاعل حدوث النتيجة الاجرامية وهو ما يسمى بالخطأ غير الواعي. ومثال ذلك الام التي تترك صغيرها بجانب موقد غازي دون رعايته فتشتعل فيه النار وتحرقه او ان يترك الاب ابنته في شرفة الشقة السكنية في الطابق العاشر فتسقط من جراء العبث بالحاجز البسيط.
4- عدم الاحتياط: في هذه الصورة غالباً ما يقوم الجاني بنشاط ايجابي، اذ هو يدرك ما قد يتمحض عن فعله من نتائج ضارة ولا يتخذ ما يلزم من الوسائل التي تحول دون تحقق هذه الآثار، وما يميز عدم الاحتياط عن عدم الانتباه هو ان عدم الاحتياط يتمثل في توقع الفاعل النتيجة وعدم اتخاذ ما يلزم للحيلولة دون وقوعها وهو ما يطلق عليه بالخطأ الواعي، في حين ان عدم الانتباه يكون بعدم توقع الفاعل نتيجته الاجرامية وهو ما يسمى بالخطأ غير الواعي. ومثال على عدم الاحتياط صاحب المصنع الذي يعلم بأن لديه جهاز في حالة سيئة ويتركه فينفجز الجهاز ويقتل احد العمال، او صاحب القارب الذي يحمل عدد من الركاب داخل القارب بشكل يفوق تحمل القارب فيغرق.
5- عدم اطاعة القوانين والانظمة والاوامر: تتمثل هذه الصورة في عدم امتثال الجاني واطاعته للقواعد القانونية التي تصدر وفقاً للاوضاع المقررة في القانون ويطلق عليها بالخطأ الخاص تمييزاً عن الخطأ العام الذي يطلق على صور الخطأ الاخرى، ومثال على هذه الصورة ايقاف سيارة بصورة مخالفة لقانون المرور او عدم اتباع تعليمات السكة الحديد فيما توجبه من اسبقية المرور للقطارات، او مخالفة العاملين في مراكز التجميل للقوانين والتعليمات الصادرة من الجهات المختصة كوزراة الصحة والنقابات الطبية. وما يلاحظ ان مجرد مخالفة القوانين والانظمة والاوامر غير كاف لتحقيق المسؤولية غير العمدية بل يتطلب فوق ذلك تحقق علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة، كما لو دهس سائق بدون رخصة قيادة شخصاً ومات وتبين بعد ذلك ان سبب الوفاة يرجع لخطأ المجنى عليه وحده، فهنا تنقطع العلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة ولا يسأل السائق سوى عن قيادة مركبة بدون رخصة[16].
وقبل التطرق لمسؤولية طبيب التجميل الجزائية عن الاخطاء، يجب ان نتطرق بشكل موجز لمعيار الخطأ، او كيف يتحقق الاخلال بواجبات الحيطة والحذر؟ وبصدد ذلك يوجد معياران الاول شخصي: والذي يراد به قياس السلوك الذي صدر عن المتهم في ظروف معينة على اساس سلوكه المعتاد، فان كان هذا اقل حيطة وحذراً مما اعتاده في مثل هذه الظروف، نسب اليه الاخلال بواجباته، اما اذا طابق حذره في سلوكه الواقعي الحذر الذي ألف التزاماته، فلا وجه لان ينسب اليه هذا الاخلال. اما المعيار الثاني فهو موضوعي: وهو يقوم على اساس تصور شخص حريص في سلوكه متزن في تصرفاته لو وجد في الظروف نفسها التي كان فيها الجاني عند وقوع الحادث، فهل كان سيتصرف على النحو الذي تصرف فيه الجاني ام انه يسلك سلوكاً مغايراً؟ فاذا كان الجواب بالايجاب، بمعنى ان تصرف الشخص الحريص المتزن هو عين تصرف الجاني فعندئذ ينبغي القول بانتفاء خطأ هذا الاخير. وان كان الجواب بالنفي، بمعنى ان تصرف الشخص الحريص المتزن يختلف عن تصرف الجاني بحيث يتصف بحيطة وحذر اكثر فعندئذ يجب تقرير خطأ الجاني. والمعيار الموضوعي هو الاقرب الى الصحة الا انه لا يطبق بصورة مطلقة، وانما يتعين ان تراعى في تطبيقه الظروف التي صدر فيها التصرف، ويعني ذلك افتراض ان الشخص المعتاد قد احاطت به الظروف نفسها التي احاطت بالجاني حينما اتى تصرفه ثم التساؤل عما اذا كان قد التزم في ظروفه القدر من الحيطة والحذر الذي كان الشخص المعتاد يلتزمه في هذه الظروف[17].
وفي اطار المسؤولية الجزائية لطبيب التجميل عن الاخطاء في عمليات الجراحة التجميلية فاننا يجب ان نميز بين امرين مهمين، فهل يعد التزام الطبيب في مثل هذه العمليات هو تحقيق نتيجة ام ببذل عناية؟
ويذهب مؤيدوا التزام طبيب التجميل بتحقيق نتيجة الى ان هذه النتيجة هي المبرر الوحيد الذي اتاح للطبيب اجراء الجراحة التجميلية وذلك لعدم وجود مشكلة صحية بالاساس، وبالتالي فانه ملتزم بتحقيق هذه النتيجة وبخلافه يعد مسؤولاً جزائياً. كما الزموا الطبيب التجميلي بعدم اجراء العملية اذا ما تحقق لديه وجود مخاطر حقيقية تنبئ باحتمالية فشل العملية الجراحية.
كما ذكر مؤيدوا هذه النظرية بان هنالك حالتين تحددان طبيعة التزام الطبيب، وفي الحالة الاولى اذا كان هنالك تشوهات او اضرار جسدية او سبب نفسي ثبت بتقرير صادر عن طبيب نفسي يستدعي تدخل طبيب التجميل لاجراء جراحة تجميلية فان الطبيب في هذه الحالة ملزم بتحقيق غاية وليس ملزماً بتحقيق نتيجة، اما اذا كانت الجراحة التجميلية تستهدف تغيير شكل الانسان او احد اعضاء الجسم كاجراء تحسيني وتجميلي بحت فان الطبيب ملزم تحقيق النتيجة والا عد مسؤولاً جزائياً عن النتيجة.[18]
اما انصار الرأي الذي يقول بان التزام طبيب التجميل في الجراحات التجميلية هو بذل عناية من الاساس فقد كان معيار الخطأ الطبي لديهم غير مستقر على رأي واحد بل اختلفوا على ثلاث اراء فكان الاول هو المعيار الشخصي والذي ينظر الى شخص الطبيب وما يحيط به من ظروف، وواضح مدى الصعوبة التي قد يواجهها القاضي في تطبيق هذا المعيار اذ انه يتطلب دراسة ظروف الطبيب الشخصية وكل ما احاط به عند اجراء العملية. اما الرأي الثاني فقد تبنى فكرة الشخص المعتاد وهي نظرية موضوعية تسهل على القاضي الفصل في مسألة وجود الخطأ الطبي من عدمه حين يضع فعل الطبيب في ميزان الشخص المعتاد وهو طبيب اخر متزن وحذر، نفترض بانه قد قام باجراء العملية، فهل كان سيصل الى النتيجة ذاتها التي وصل اليها الطبيب الاول؟ والاجابة على هذا السؤال تحدد وجود الخطأ الطبي من عدمه؟
واخيراً يوجد لدينا انصار المعيار المختلط والذين ذهبوا الى ضرورة تقدير وجود الخطأ الطبي في الجراحات التجميلية او عدم وجوده وفقاً للمعيار الموضوعي مع الاخذ بعين الاعتبار وجود ظروف وملابسات عديدة تحيط بالطبيب الذي اجرى الجراحة التجميلية.[19]
وهذه هي النظريات التي اخذ بها الفقهاء في اطار التزام طبيب التجميل من حيث تحقيق النتيجة او بذل العناية، وهي مسائل لم تنظم بقانون خاص بل تركت الى الاحكام العامة في قانون العقوبات العراقي والتي يلتزم القاضي بمراعاتها عند الفصل في هكذا وقائع.
واخيراً تجدر الاشارة الى وجود تعليمات من وزارة الصحة العراقية تتعلق بانشاء مراكز التجميل، تعليمات رقم (5) لسنة 1999 وهي مراكز (غير جراحية) حيث اشترطت التعليمات في المادة (2) منها على ان يكون العاملون الممارسون لمهنة التجميل من خريجي المعهد الطبي الفني او المعاهد المماثلة له من ذوي المهن الصحية، ويعملون تحت اشراف طبيب اختصاص جلدية او تجميلية، وفي الحقيقة هذه التعليمات متواضعة جداً وما زال العمل بها قائم، اذ في ظل الوضع الراهن وما تشهده البلاد من انتشار كبير لمراكز التجميل الجراحية منها وغير الجراحية، نجد من الضرورة اصدار تعليمات جديدة هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب ان يتدخل المشرع العراقي لينظم ظاهرة انتشار عمليات الجراحة التجميلية وعدم الاكتفاء بالقواعد العامة المتعلقة بمهنة الطب عموماً.
الخاتمة
اولاً: الاستنتاجات:
يعد التزام طبيب التجميل في الجراحات التجميلية هو بذل عناية وليس تحقيق نتيجة الا ان هذه العناية لها شكل خاص وهي مشددة مقارنة بباقي التخصصات الطبية.
لم تنظم احكام المسؤولية الجزائية للطبيب التجميل بشكل تفصيلي وفقاً لقانون خاص بل ترك تنظيمها الى الاحكام العامة في قانون العقوبات.
ثانياً: المقترحات:
تدخل المشرع العراقي ووضع نص يتضمن عدم جواز اجراء الجراحات التجميلية غير الضرورية او دون وجود مشكلة صحية حقيقية، مع ضرورة تشديد عقوبة طبيب التجميل نظراً لخطورة المجال الذي يعمل فيه ورواج العمليات التجميلية بشكل يكاد يصل الى الظاهرة الاجتماعية.
ضرورة اصدار تعليمات جديدة لمراكز وعيادات التجميل الجراحية منها وغير الجراحية، بما يتلائم من الواضع الراهن، وتكثيف الجهود من قبل لجان التفتيش المختصة لزيارة هذا المراكز، لرصد المخالفات.
ينبغي اضافة مادة الثقافة القانونية في كليات الطب لتثقيف الاطباء بالجوانب القانونية التي تتيح لهم معرفة حقوقهم وواجباتهم بالتفصيل.
[1] بول بارسونز، 1001 فكرة عن العلوم، المجموعة العربية للتدريب والنشر، القاهرة، 2018، ص 57.
[2] محمد فائق الجوهري، المسؤولية الطبية في قانون العقوبات، دار الجوهري للطبع والنشر، مصر، بلا سنة نشر، ص314.
[3] علي داود الجفال، المسائل الطبية المعاصرة وموقف الفقة الاسلامي منها، دار البشير، الاردن، 1990، ص177 وما بعدها.
[4] احمد جميل الشرقاوي، 7 وجوه للجمال: فلسفته واسراره، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2021، ص 122.
[5] زهير نريمان رضا، المسؤولية الجزائية للطبيب عن العمليات التجميلية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق - جامعة الشرق الاوسط، الاردن، 2020، ص76.
[6] منذر الفضل، المسؤولية الطبية في الجراحة التجميلية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الاردن، 1992، ص32.
[7] بو مدين سامية، الجراحة التجميلية والمسؤولية المدنية المترتبة عنها، رسالة ماجستير في القانون، جامعة مولود معمري، الجزائر، 2011، ص46.
[8] احمد محمود سعد، مسؤولية المستشفى الخاص عن اخطاء الطبيب ومساعديه، دار النهضة العربية، مصر، 2007، ص421.
[9] محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات – القسم العام – النظرية العامة للجريمة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1962، ص589 ومابعدها.
[10] محمد طه حسين، مسؤولية الطبيب عن خطأه جزائياً، مجلة كلية الاسلامية الجامعة، الجامعة الاسلامية/النجف، العدد (5)، 2008، ص 333.
[11] الفقرة (1) من المادة (33) من قانون العقوبات العراقي.
[12] المادة (38) من قانون العقوبات العراقي.
[13] حيان ابراهيم الخياط، الجرائم والعقوبات: نحو شرح جديد للمبادئ العامة في قانون العقوبات العراقي، المكتبة القانونية، بغداد، 2022، ص 90.
[14] المادة (35) من قانون العقوبات العراقي.
[15] الفقرة (ثالثاً) و(رابعاً) من المادة (497) من قانون العقوبات العراقي.
[16] سحر فؤاد مجيد، الجرائم المستحدثة: دراسة معمقة ومقارنة غي عدة جرائم، المركز العربي للدراسات والبحوث العلمية، القاهرة، 2019، ص38-41.
[17] محمود نجيب حسني، الخطأ غير العمدي في قانون العقوبات، مجلة المحاماة، تصدرها نقابة المحامين المصرية، العدد (6-7)، السنة (47)، 1964، ص511-512.
[18] نجوى نجم الدين جمال، مدى فاعلية النصوص الجزائية لالتزام الطبيب في العمليات التجميلية، مجلة جامعة تكريت للحقوق، السنة (7)، المجلد (7)، العدد (2)، الجزء (2)، 2022، ص 209 وص 210.
[19] فيصل اياد فرج الله و مهند اياد فرج الله، مسؤولية الطبيب الجزائية في عمليات التجميل، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، المجلد (1)، العدد (10)، 2011، ص (123 – 125).