تاريخ الاستلام 20/5/2023 تاريخ القبول 19/6/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
مستقبل السلفية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر
The future of Salafism in contemporary
Islamic political thought
أ.م.د. نوره كطاف هيدان
الجامعة العراقية/ كلية القانون والعلوم السياسية
Assistant Professor Dr. Noora Gataf Heydan
Iraqi University/College of Law and Political Science
المستخلص
إن وصول السلفيين للمشهد السياسي أثار أسئلة كبيرة، ليس فقط على مسار التحولات الفكرية داخل التيار السلفي، وإنما على صعيد المشهد السياسي الجديد والعلاقة بين الفاعليين الإسلاميين من إخوان ووسط وسلفيين، وما بين التيارات السياسية الأخرى أبرزهم العلمانيين إذ اثار صعود السلفيين ومشاركتهم في المشهد السياسي قلقاً كبيراً لديهم، حيث وجد السلفيون أنفسهم أمام واقع جديد مغاير تماماً للمرحلة السابقة فأمامهم مفترق طرق حقيقي؛ إما أن يبقوا على عزوفهم السابق عن السياسة ويقبلوا بأن يكونوا على هامش التحولات التاريخية الجديدة، أو يتماهوا مع موقفهم السابق للعمل السياسي ويعيدوا النظر في طروحاتهم ويحاولوا التوفيق بين المتغيرات الجديدة والايديولوجيا السابقة على الثورة كما فعل سلفيو مصر، ليكونوا الإلهام الذي يمكن أن تتركه التجربة السلفية الحزبية والبرلمانية على أشقائهم السلفيين في انحاء أخرى من العالم العربي سواء التي شهدت ثورات مثل مصر وليبيا وتونس واليمن، أم لم تشهد مثل الأردن والمغرب والخليج.
Abstract
The rise of the Salafists in the political scene imposed great questions, not only on the path of intellectual transformations within the movement, but also on the level of the new political scene and the relationship between the different Islamic players, including the Brotherhood, the center and the Salafis, and the relationship with other political currents such as secularism, which raised the rise of the Salafists and their involvement in the political scene of great concern. It has, as the Salafis found themselves facing a new reality that is completely different from the previous stage. They have a real crossroads ahead of them. Either they maintain their previous aversion to politics and accept to be on the sidelines of new historical transformations, or they turn against their previous position on political action, reconsider their proposals and try to reconcile the changes. The new and pre-revolutionary ideology, as the Salafis of Egypt did, to be the inspiration that the partisan and parliamentary Salafi experience can leave on their Salafist brothers in other parts of the Arab world, whether revolutions such as Egypt, Libya, Tunisia and Yemen have taken place, or not such as Jordan, Morocco and the Gulf.
المقدمة
عند ارتباط أحداث الحاضر بأحداث ومجريات الماضي، سوف تؤثر بدورها على رسم خريطة المستقبل، وبالتالي سوف يرتبط الماضي بالحاضر والمستقبل بجدلية تاريخية مضطردة، وما جرى بالنسبة للسلفية والسلفيين هو صورة لهذه الجدلية التاريخية.
إذ شهدت الساحة الإسلامية ظهوراً مُكثفاً للتيار السلفي الذي ترعرع بفعل عوامل عدة؛ أسهمت في إثراء هذا الفكر بعد أن وجدت البيئة المناسبة لتثبيت سلطته وأيديولوجيته القائمة على إقصاء العقل المفضي إلى رفض التأويل، والجمود على ظواهر النصوص، كما أخذ يشكل الرقم الصعب في ساحة الصراع مع الحكومات والأنظمة على الصعيد الإسلامي، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي وما صاحبها من تطورات كبيرة أبرزها انخراط الحركات السلفية في الحقل السياسي وتأسيس أحزاب سياسية سلفية مما اثار قلقاً كبيراً لدى التيارات السياسية الأخرى.
إشكالية البحث:
يطرح قراءة مستقبل الحركات السلفية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر تساؤلاً رئيسياً: هل بإمكان الحركات السلفية تطوير خطابها الأيديولوجي والفكري لتصبح أكثر براغماتية وواقعية وتدخل ضمن ماكينة اللعبة السياسية بتأسيس أحزاب سياسية، وتعلن التزامها بقواعد اللعبة الديمقراطية من قبول تداول السلطة والتعددية السياسية أم أنها ستؤدي بالنتيجة إلى ربيع إسلامي يختطف الربيع الديمقراطي؟
ومن السؤال الرئيسي تبرز أسئلة فرعية:
ما المقصود بالسلفية وكيف نشأت وتطورت تاريخياً؟
ما هي الأسس الفكرية للسلفية؟
ما هي أبرز السيناريوهات المستقبلية للحركات السلفية ضمن العملية السياسية؟
فرضية البحث:
ينطلق البحث من فرضية مفادها:» إن إتاحة الفرصة السياسية للسلفيين للانخراط في اللعبة الديمقراطية والاندماج في المشهد السياسي كفيل بتطوير خطاب الحركات الإسلامية وافكارها بدلاً من انعزالها خارج اللعبة السياسية، وبقاء افكارها نافذة على شريحة اجتماعية واسعة، من دون أن تشهد هذه الأفكار عملية تطوير وغربلة في الواقع»؛ بعبارة أخرى كلما اتسعت مساحة المشاركة السياسية للحركات السلفية ودخلت في حوارات وسجالات ومناقشات مع اللاعبين الاخرين، كلما عزز ذلك من قوة التيار الأكثر اعتدالاً وانفتاحاً وضيّق الخناق على التيار المتشدد وانحساره تدريجياً، والعكس صحيح.
منهجية البحث:
من الطبيعي إن كل بحث أكاديمي يتطلب استخدام مناهج بحثية معينة تقتضيها فرضية البحث؛ لذلك اعتمد البحث على المنهج التاريخي لتحديد جذور السلفية ومتابعة البعد التاريخي لها، وكذلك المنهج التحليلي من اجل التركيز على الأطر الفكرية السياسية الخاصة بالسلفية، كذلك اعتمد البحث على المنهج الاستشرافي لمعرفة سيناريوهات مستقبلية للتيار السلفي.
المبحث الأول
النشأة والتطور الفكري للتيار السلفي
تتعدد استخدامات مفهوم السلفية؛ إذ يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات لها على الأقل: الأول؛ هو السلفية كمفهوم، وغالباً ما يمثل أحد الاتجاهات أو المذاهب الدينية للإسلام، والثاني: السلفية كحركة ومنهج، ويقصد به الحركات التي نشطت خلال القرن التاسع عشر كالوهابية والسنوسية والتي تم تأسيسها بوازع عقائدي وقد استخدمت الدين للوصول إلى السلطة، والمستوى الثالث، هو السلفية كتيار فكري، وتعني إعادة تقديم فكر السلف الصالح، والتمسك به ودعوة الناس إلى ذلك، ويكون محور النشاط هو تنقية الإسلام مما لحق به من البدع والخرافات وأنواع الشرك المختلفة على نحو يؤدي إلى تصحيح العقيدة لتصبح كعقيدة السلف الصالح[1].
يُعرف التفكير السلفي لدى منظريه بأنه ما كان عليه الصحابة الكرام، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممّن شُهِدَ لهم بالإمامة، وعُرِفَ عِظَمُ شأنهم في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفاً عن سلف، من دون من رُمِيَ ببدعة، أو شُهر بلقب غير مرضٍ، مثل الخوارج، والقدرية، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة، ونحو هؤلاء، بعبارة أخرى؛ هي السير على منهج السلف من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة في العقيدة والفهم والسلوك، ويجب على المسلم سلوك هذا المنهج[2].
يستند الفكر السلفي على ميراث تاريخي قديم، فهو ليس فكر جديد في المجتمع الإسلامي؛ لأن المفاهيم التي طرحها للإصلاح تأسيساً على الدعوة للعودة إلى القرآن الكريم والسنة والسلف الصالح، لها جذورها التاريخية العميقة في التجربة الإسلامية، فهناك من يرى بأن الصرامة والتشدد في العودة إلى مبادئ الإسلام، يمكن تلمسها في أطروحات (الخوارج)؛ الذين رأوا أن فهمهم للقرآن والسنة هو الفهم الصحيح، وبالتالي رفضوا تفسيرات الأمويين للقرآن والسنة لتسويغ سلطانهم المادي، وأصبحت التفسيرات التي أعطاها الخوارج للقرآن والسنة، بعد أن رفضتها أغلبية المسلمين، الأساس لمجتمع منفصل بقواعده الفكرية عن المجتمع القائم، بينما دراسات عديدة ترى بأن السلفية قد تبلورت في خضم الجدل الذي ثار في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة بين (احمد بن حنبل 780م- 855 م) الذي كان يدعو إلى العودة كلياً إلى النصوص وأتباع السلف الصالح وبين الاتجاهات العقلانية التي كانت تُمثلها (المعتزلة) آنذاك، حول ما عُرِفَ بـ (محنة خلق القرآن)([3]*)؛ إذ رفض ابن حنبل مقولات المُعتزلة حول خلق القرآن، وإن ما يقولونه لم يقُل به سلف الأمة؛ أي الأجيال الأولى من الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين، وإن ما جاء به المُعتزلة هو بُدعة مُستحدثة، داعياً إلى فهم نصوص القرآن والسنة كما كانت تُفهم في عصر الرسالة، ورافضاً التأويلات التي أُعطيت لها، من هنا سُميَّ أتباع احمد بن حنبل بـ(أهل الحديث)؛ الذين أعلوا من قيمة النص، في حين لُقِّبَ أتباع المُعتزلة بــ(أهل الرأي)[4].
وعقب سقوط بغداد على يد التتار عام 656هـ، ظهرت نزعة سلفية ثانية، تمثلت بإسهامات ابن تيمية (1263م- 1328م) الذي كان حنبلياً في الرد على الفرق الأخرى، محمّلاً إياها سبب سقوط الدولة الإسلامية، موجهاً انتقاده إلى الفرق الكبرى، كالشيعة والمعتزلة والخوارج، والاشاعرة والماتريدية، وأعلن المعارضة والرفض للمسارات الدينية والشعبية التي لا يرى لها أي سند أو تسويغ في القرآن والسنة، على حد قوله، وإن بعضها يعكس العادات والممارسات السابقة للإسلام، أو الممارسات المحلية للدين، كتقديس القبور وتقديم النذور لها[5]، إلا أن منهج الدفاع عن المذهب السلفي ومضمونه اختلف وتطور أكثر مقارنةً مع احمد بن حنبل، فبدأ حينذاك يتبلور وعي بوجود تيار سلفي يشير إلى وجود مدرسة عقدية مُعينة، وتطور أكثر مع مجيء (محمد بن عبد الوهاب) في مطلع القرن الثامن عشر وتحديداً (1703م- 1792م)؛ الذي استأنف الدعوة السلفية بعد أن حادت نجد عن الدين الإسلامي وتعاليمه؛ إذ انتشر الجهل والشرك في نفوس الناس، فكانت مرتكزات دعوته تقوم على الدعوة إلى التوحيد والعودة للأصول ولو بالقوة[6]، ويُعد كتاب (التوحيد) لمحمد بن عبد الوهاب بمثابة المرجع الأساسي لدى اغلب دعاة السلفية؛ سواء الذين جاءوا من بعده، أو حتى المتأخرين منهم، فالفكر السلفي في نظرهم ليست قضية واحدة من قضايا الإسلام، كما أنها ليست دعوة إصلاحية اجتماعية ولا دعوة سياسية حزبية، وإنما باختصار هي دعوة الإسلام، وطريق إلى فهمه والعمل به[7].
ومع نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ظهر ما يُسمى بالسلفية الإصلاحية، التي تأثرت بالسلفية الوهابية، وبخاصةً فيما يتعلق بالدعوة إلى العودة إلى القرآن والسنة، ورفض مظاهر البدع والشرك، إلا أنها كانت أكثر تطوراً، وبخاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى فتح باب الاجتهاد ورفض التعصب المذهبي، ابرز مفكريها؛ جمال الدين الأفغاني (1838م-1897م)، محمد عبده (1849م-1905)، وظهر فيما بعد، ما يسمى بالسلفية الوطنية؛ التي جاءت كرد فعل على الاستعمار الغربي للدول الإسلامية، أهم روادها عبد الحميد بن باديس (1889م- 1940)، علال الفاسي (1910-1974)، الشيخ أبو شعيب الدكالي (1878م- 1937)، وغيرهم، فاشتركت السلفية الوطنية مع السلفية الإصلاحية في الدعوة الإصلاحية، لكنها في الوقت نفسه رفعت لواء التحرر من الاستعمار كقضية أساسية[8].
وبناءً على ما تقدم نلاحظ بأن هنالك جماعات كثيرة ظهرت في تاريخ الإمبراطوريات والدول الإسلامية، حملت لواء الإصلاح الديني أو السياسي، بهدف إنقاذ الدين أو الأمة من الواقع الذي تعيشه، فالحركات السلفية لم تولد من فراغ، فقد كانت بذرتها موجودة على الدوام، ولو نظرنا للعالم العربي الإسلامي، سوف نجد إن الدين أُستخدم مراراً كعامل استقطاب وجذب للجماهير، أو لمقاومة طغيان السلطات، أو للتصدي لعمليات الغزو والاحتلال، وعند الحديث عن الخطاب السلفي والممثل الشرعي لها، وخاصةً عند تعريف الواقع السياسي والموقف من العمل السياسي، فلا يوجد شكل موحد للسلفية، بل فسيفساء سلفية بين توجهات وتيارات متعددة، متنوعة ومتباينة في كثير من الأحيان، تصل إلى حد التناقض في اتجاهاتها، وكل اتجاه يدَّعي أنه الممثل الشرعي للسلفية، وينفي عن باقي الاتجاهات الأخرى صفة الانتماء للمنهج السلفي، من جهة أخرى، هناك حالة من التداخل بين مختلف التيارات السلفية، والتي تتفق في قضايا وتختلف في أخرى، مما يصعب وضع حدود عمودية تميز كل تيار، ويرجع السبب في ذلك إلى غياب مراجع إيديولوجية رسمية، فهي لا تنتظم في أحزاب سياسية محلية أو عالمية كالإخوان المسلمين، ورغم ذلك يصنّفها عموماً الباحثون في شؤون الحركات الإسلامية إلى أربعة اتجاهات: التقليدية، الجامية، الحركية، التكفيرية:
أولاً: السلفية التقليدية: تلقب بالتقليدية لكون منهجها مرتبط بمنهج محمد بن عبد الوهاب، كما تُلقب بالعلمية لاهتمامها بالجانب التعليمي والدعوي والعقائدي، وتبتعد عن الخوض في السياسة أو تأسيس الأحزاب السياسية وممارسة النشاطات السياسية المعارضة، ومثّلت هيئة كبار العلماء في السعودية، بقيادة كلٌ من عبد العزيز بن باز ومحمد بن عيثمين، المظلة الفكرية لهذا الاتجاه، خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وقد تولى الشيخان ومؤسستهما (هيئة كبار العلماء) بتأمين الجانب الشرعي للدولة، ونزع الشرعية عن كل من يحاول الخروج عليها أو منازعة آل سعود السلطة والحكم[9].
ثانياً: السلفية الحركية (السرورية): ظهرت هذه السلفية في ثمانينيات القرن العشرين مقاربات في رحم السلفية التقليدية تزاوج بين الايمان بالعقائد والمواقف المعرفية والفكرية للسلفية التقليدية والاخوان، إذ تنطلق من العقائد السلفية في الأحكام الشرعية والمناهج العلمية الدينية، لكنها تختلف معها في الموقف من الحكام وفي التعامل مع الشأن السياسي، اذ ترفض المقاربات الجديدة رفض السلفيين عن العمل السياسي والحزبي بذريعة (طاعة ولي الامر)، أو إن هذه المؤسسات بدع ومحدثات غربية ليست إسلامية.
إذ إن احد ابرز وجوه التيارات السلفية الحركية هو السلفية السرورية نسبةً إلى محمد بن سرور بن نايف بن زين العابدين الذي كان عضواً في جماعة أخوان المسلمين في سوريا، لكنه غادرها إلى السعودية في نهاية الستينيات، ثم إلى الكويت، ليستقر الأمر به في لندن بعد التضييق الممارس عليه، والسرورية تسمية يطلقها خصوم التيار على من يتبنى هذا التيار، فالسرورية كدعوة تميزت بالجمع بين التصورات القطبية (نسبةً إلى سيد قطب)، حول الحاكمية والجاهلية، وبين الأسس العقدية والفقهية والمنهجية للسلفية الوهابية في التعاطي مع الأصول ومصادر التشريع [10].
ثالثاً: السلفية الجامية: سميت نسبةً إلى محمد أمان الجامي، الذي جاء من الحبشة ودرس في السعودية واستقر فيها منذ سبعينيات القرن العشرين مدرّساً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والمسجد النبوي، ويطلق عليها أيضاً بالسلفية المدخلية نسبةً إلى ابرز تلاميذه ربيع بن هادي المدخلي، اشتهرت الجامية بالتعصب للسلفية واتخاذ مواقف متشددة من الجماعات الإسلامية الأخرى، والتأكيد على طاعة أولياء الأمور في الدول العربية، ورفض المعارضة والخروج وتشكيل الأحزاب السياسية بوصفها بدعاً ليست من الدين، وعلى الرغم من أن ناصر الدين الالباني أقرب إلى خط ابن باز وابن عيثمين في عدم التدخل في السياسة، بل عبارته الشهيرة هي (من السياسة ترك السياسة)، إلا إن مدرسته وتلاميذه في الأردن يقتربون من الاتجاه الجامي والمدخلي في العلاقة مع الحكومة والموقف من الإسلاميين الاخرين، وأصبح له تلاميذ، ووجدت مدرسته امتداداً لها في كثير من الدول العربية الأخرى[11].
رابعاً: السلفية التكفيرية: تقف السلفية التكفيرية على الطرف النقيض من باقي السلفيات الأخرى، حيث تُصنف نفسها بأنها حركة إسلامية لإحياء الدعوة السلفية الصحيحة التي أصابها الانحراف عن مقاصدها نتيجة استغلالها من قبل السلطات الحاكمة[12].
إن السلفية التكفيرية قد تجاوزت وتباعدت، في منظورها السياسي بالخصوص، عن السلفية الحنبلية؛ التي تمثل احد أهم روافدها، وتمثل كذلك الأساس الفلسفي لمنطق الفرقة الناجية، في تاريخ الفرق الإسلامية، لكنها رغم ذلك تُعدَّ في مجملها سياسة انقيادية أو محافظة، تتمسك بمبدأ الطاعة لأولي الأمر وتنفر من الخروج والثورة باعتبارهما فتنة، ولا ترى جهاد الأعداء إلا بإذن الحاكم أو الخليفة، وهو ما تعبر عنه بالخصوص السلفية السعودية، وبخاصة في مدرستها الجامية نسبةً للشيخ الراحل محمد أمان الله الجامي، والسلفية الألبانية المعاصرة التي تنسب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني[13].
أصبحت السلفية التكفيرية تمثل لاعباً أساسياً في حقل العلاقات الدولية؛ وشكلت حدثاً تاريخياً في مجمل العلاقات الوطنية والإقليمية والدولية برفضها العملية الديمقراطية، والمشاركة السياسية، والوصول إلى السلطة بالطرق السلمية، ولا ترضى بديلاً عن خيار الجهاد والقتال في تحقيق أهدافها، إذ إن ما يميزها عن غيرها من السلفيات، ليس إعلانها جاهلية المجتمعات المعاصرة كلها، أو تكفير النظم التي لا تحكم بما انزل الله، بل إعلانها الصريح بأن الجهاد المسلح سبيل أوحد للتغيير، لذلك هي ترفض أي طريق آخر لإقامة نظام الخلافة الإسلامية، وهذا ما حصل فعلاً نتيجةً لهذا الرفض، فالسلفية لم تبقَ على التوجه الأول نفسه الذي انطلقت منه؛ خرجت منها حركات وجماعات مسلحة تمارس العنف والتطرف شغلت حيزاً كبيراً من الاهتمام الإعلامي والأكاديمي خلال العقود الأخيرة لاسيما بعد ظهور التيار التكفيري فيها، ونتيجة ما ينسب للسلفية والسلفيين من جماعات وأحداث تقوم بها جماعات العنف والتطرف والتي وصفت إعلامياً بـ(السلفية التكفيرية)[14]، أصبحت هذه الجماعات التكفيرية هي التي تتصدر عناوين الأخبار وتحتكر اسم السلفية، برغم عدائها الشديد للسلفية والسلفيين، مما قولب معنى السلفية عند العامة في هذه الجماعات التكفيرية، وهي كمدرسة فكرية تتميز بالاختلاف والتنوع عن المدارس السلفية الأخرى، ليس في المبادئ الدينية النظرية، وإنما في الجانب العملي التطبيقي، وفي إشكالية شرعية الأنظمة الحاكمة، وعلاقتها مع الدول الاستعمارية وسياستها الخارجية، وقد جاءت تسمية (السلفية التكفيرية) في مدة متأخرة؛ وذلك لتمييزها عن غيرها من السلفيات السائدة في العالم العربي والإسلامي، والاختلاف الرئيس مع سلفية التيار الرئيس هو إن السلفية التكفيرية مهتمة بشكل رئيس بتحليل الواقع وتغيير ذلك الواقع، حيث تركز على تحليل الواقع السياسي، وابتكار استراتيجيات وممارسات من اجل الكيفية التي تُغير بها الواقع، وتطبيقها على الحالات المختلفة والظروف المختلفة، وفي المقابل كذلك عقيدتها محولة إلى كونها موجهة توجيهاً كاملاً إلى الجهاد[15].
إن رفض الواقع السياسي والرغبة في تغييره بما يتناسب مع الشريعة، من منظور ووجهة نظر الحركات السلفية، كان الباعث الأقوى وراء انطلاقة هذه الحركات وطرحها مشروعها في تسييس الإسلام، وتستند الجماعات السلفية على الأسس التاريخية التالية: (القرآن الكريم، السنّة النبوية، كتب التفسير والفقه، المنسوبة لأبن حنبل، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب النجدي، وابن كثير في تفسيره)[16]، فقد قدمت الحركات السلفية نفسها كبديل مغاير تماماً لا يبدأ من اللحظة التاريخية ويصعد ولكن يلغي كل هذا التراكم التاريخي؛ لأنه يتوق لنموذج مثالي تحقق في العصر الذهبي للإسلام، ورغم اختلاف ظروف الحركات السلفية في كل بلد، فقد كان لفورة الثروة النفطية في السبعينيات ونجاح الثورة الإيرانية اثر واضح في تقوية الجماعات السلفية والتي استغلت جيداً ظروف الفراغ السياسي والفكري واليأس الجماهيري والمعاناة الاقتصادية، والاغتراب والتبعية بأشكالها المختلفة [17].
تتفق أغلبية التيارات السلفية على أن الانتساب للسلف يكون بالأخذ بالمنهجية السلفية في فهم النصوص دون التصريح بالانتساب، والمقصود بهذا الانتماء هو التمسك بمنهج وفكر أصحاب القرون المفضَّلة من الصحابة والتابعين المشهود لهم بالخيرية في النصوص الشرعية؛ إذ يستند السلفيون لمفهوم الخيرية لحديث عمران بن حصين أن النبي (ص) قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»[18].
يكمن النموذج المثالي الذي ينبغي أن يُقتدى به وأن يُسبغ عليه صورة القداسة هم السلف في أفضل العصور؛ أي القرون الثلاثة من عمر الأمة الإسلامية، والأصلح بالاقتداء بعد الرسول (ص) هم الصحابة، حتى ولو أدى ذلك إلى خيانة التاريخ؛ فالسلف الصالح اختلفوا وتصارعوا وتساجلوا، وتوزعوا في اتجاهات ومواقف متعددة، وهم ليسوا كتلة واحدة كما قد توحي عبارة السلف الصالح لذلك يرفض السلفيون الخوض في الملفات التاريخية الشائكة، فخلافات الصحابة لا يصح الخوض فيها، بل ينبغي الوقوف عند فضائلهم فقط، وهذا يؤدي إلى تنزيه الرجال وتبييض التاريخ، وطمس بعض الوقائع والقفز فوق الأحداث، مما يؤسس لمنهج انتقائي، يدعم الصورة المثالية للمرحلة التأسيسية كما يرغب هؤلاء، وليس كما هي بالفعل، كحالة جدل تاريخي ينبغي الوعي بها واكتساب الخبرة منها[19].
يتضح مما سبق إن كلمة السلفية لم يكن لها مدلول اصطلاحي محدد، أو ذات معنى واحد عند الجميع، بل تطورت من خلال الحقب المتلاحقة، فالسلفية عند الأتباع تعني إتباع السلف الصالح من الصحابة، وعند أتباع الأتباع، تعني إتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ثم تطور المصطلح، فأخذ يشمل أئمة الحديث، وفي مقدمتهم أحمد بن حنبل، ثم أُضيف إلى أحمد بن حنبل لاحقاً ابن تيمية الحراني، وأصبحا معاً من أبرز رجالات السلفية الوسيطة (الوهابية) والسلفية المعاصرة ويبدو إن أول من نظّر واستدل على التزام حرفية أقوال وأفعال أهل القرون الثلاثة-الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين-هو ابن تيمية الحراني، وحكم بتبديع كل قول أو فعل لم يُعرف عندهم، بينما أحمد بن حنبل على الرغم من روايته حديث القرون الثلاثة، إلا انه لم يذهب إلى ما ذهب إليه ابن تيمية، ولم يستدل بالحديث-القرون الثلاثة-على إلزام إتباع القرون الثلاثة، بل ورد الإلزام عنه في إتباع الصحابة فقط.
المبحث الثاني
الأسس الفكرية للسلفية
ترتكز السلفية على العودة إلى الإسلام بصفته نظاماً كاملاً يتضمن أنظمة فرعية سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية، وإن هذه الأنظمة قادرة على مواجهة متغيرات العصر بكل أنماطها وتفاعلاتها؛ لكونها أنموذج متكاملاً وأصيلاً للتطور الحضاري للمجتمع الإسلامي، إذ بدلالتها هذه تكون مطروحة بمثابة دعوة للتنظيم السياسي؛ لأنها تحاول أن تكون بديلاً حضارياً للنموذج الغربي الذي يتم استلهام بعض مكوناته النظامية كأداة لتحديث وتغيير الواقع الإسلامي، فعلى المستوى الذهني اتخذت هذه الدعوة شكل طرح كتابات نصوصية تراثية، وعلى المستوى السلوكي اتخذت شكل سلوك سياسي تمثل بانخراط الأفراد في مجموعات دينية ذات طابع سياسي ترفع شعار (العودة إلى الإسلام)، في محاولة العودة بالمجتمع لكي يتطابق مع واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي، كان قد تحقق في الماضي لتصبح النظرة للمجتمع انعكاساً لما كان قائماً وليس لما يجب أن يقوم عليه[20]، وبقدر ما يعلن الاتجاه السلفي تمسكه بالمبادئ الإسلامية، ودعوته للعودة للإسلام الصحيح، إلا إنه في نفس الوقت يعلن عن احتكاره لفهم الإسلام الصحيح الذي لا يدركه الشعب بسبب جهله وعدم قدرته على إدراك هذا الإسلام مما يجعل منه عقبة أمام تحقيق المبادئ والأسس التي يتمسك بها الاتجاه السلفي، وعليه سنتناول في هذا المبحث الأسس التي ارتكزت عليها السلفية.
أولاً: أولوية النص على العقل:
إن السلفية في ملامحها الأصلية دعوة تقوم على أولوية النص على العقل، وترجيح حجة النص على التأويل، وبذلك فهي تعني الرجوع إلى القرآن والسنة، وإلى المنهج الذي كان عليه السلف الصالح قبل ظهور الخلاف بين المسلمين، وتبتغي بهذا المنهج النصي محاربة البدع المُحدثة والتأويلات المستجدة والعقائد الباطلة، والتحري في الاجتهاد لمعرفة حكم الله من الكتاب والسنة مباشرةً [21].
إن التسليم بالنصوص هو احد الأسس الفكرية الاستراتيجية التي توجه مفهوم الإسلام بالنسبة للفكر السلفي، وينطلق هذا المفهوم من إلغاء العقل وتعطيل قراءته للنص، من هنا تظهر القطيعة بين البداهة والبرهان العقلي والتجريبي، وتعني البداهة في الخطاب السلفي أن يكون المرء مستسلماً لله، إذ إن التسليم للنصوص هو معيار الإيمان بالله وليس العقل والتجريب والبرهان، وإن المسلم المعاصر بحسب التفكير السلفي يرى أن فقد هذه البداهة وفقد الاستسلام، ففقد بالتالي الإسلام، فهو لم يعد الآن يسأل عن الدليل من الكتاب والسنة فقط حتى يقر بأن حكم الله أحسن، بل يطالبك بالبرهان عقلياً وتجريبياً، وعلى كل حكم بأنه أحسن، وكل شيء هو حكم الله، إن الخطاب السلفي هنا لا يدعو إلى تعطيل العقل فحسب، بل ويعرب عن الخوف منه أيضاً، فالمسلم لا يحق له مناقشة النصوص، بل الاستسلام لها، فيستنكرون إن المسلم الحالي يناقش وكأن له حق القبول والرفض، من هنا يفتون بتكفير أي نقاش وجدال للنصوص، بل يرون أن النقاش والجدال هما بداية الضلال، (فما ضل قومٍ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)، و (أن ابغض الرجال إلى الله الألد الخصم) [22]، فالنقاش والجدال ليسا صفة من لا يحبه الله وحسب، بل إنهما أيضاً ابغض الخلق إلى الله.
يتمسك الفكر السلفي بالقراءة الحرفية الظاهرية للنصوص الدينية التأسيسية، وهذه القراءة تقوم على وجه أحادي لفهم الإسلام، ومن ثم يصبح من الواجب الالتزام به؛ لأنه يعني الالتزام بالدين، وكل خروج عنه يعني خروج عن الدين، وانسلاخ عن ملة الإسلام، إن هذا الاعتقاد يستعيد أسئلة وإشكالات وأجوبة من سياقات علمية واجتماعية وتاريخية وسياسية لا صلة لها بواقع اليوم، ويحاول من خلالها قراءة حاضر مُغاير يختلف في ملامحه عن مختلف تلك الأسئلة والأجوبة، وبذلك تماهي هذه القراءة بين النص والفهم، بين المقروء والقراءة، بين الكلمة الإلهية المتعالية الخالدة، وبين الإدراك البشري المُتغير، ولذلك فهي تصف كل مُختلف في خانة الزيغ والضلال، وتنصّب نفسها في إصدار الحقيقة الإلهية[23].
إن معنى الإسلام في التفكير السلفي لا يكمن خارج عبارة النص، بل إن هذه الرؤية للتفكير السلفي يقيس مدى الإسلامية في العالم الإسلامي بقدر بعدها أو اقترابها من النص الذي يخضع في الواقع لتأويل خاص يدعي انه التأويل الإسلامي للإسلام، وبذلك يغدو الإسلام مجرد نص انحرف عنه العالم الإسلامي بتأثير التوسع الغربي، ويكمن الحل في أن يعود العالم الإسلامي إلى عبادة النص الذي انحرف عنه، ويفسر ذلك إن الخطاب السلفي يقدم الإسلام بوصفه نقيضاً للتاريخ وفوقه في آنٍ واحد، فهو لا يعترف بتاريخية الإسلام، التي سمحت بتعدد تفسيراته وتأويلاته، إنما ينطلق من قراءته الأحادية التي لا تعترف إلا بواحديتها، وتبتسر هذه القراءة الأحادية للنص القرآني المتعدد دلالياً والذي هو بطبيعته حمال أوجه إلى قراءة واحدة لا تعترف بغيرها، وتنكر في الآن نفسه سائر القراءات الأخرى، وبمعنى آخر فإن التفكير السلفي لا يقر بالتعددية القرائية للنص القرآني والتي تقود حتماً إلى إنتاج مفهوم متجدد للإسلام، فلا معنى للإسلام خارج السياق الاجتماعي- الثقافي المحدد الذي يستعيده، ويُعاد إنتاجه فيه[24].
وتمثل النصوص القرآنية والنبوية وبعض آثار السلف بالنسبة للحركات السلفية المعين شبه الوحيد لجلب الأفكار والخبرات التنظيمية والحركية، وهي تقوم بتفسير تلك النصوص القرآنية والنبوية بطريقة حرفية ظاهرية تستند على قاعدة عموم اللفظ وليس خصوص السبب الذي نزلت من اجله أو ذُكرت في سياقه تلك النصوص الكريمة، وتدفع تلك المنهجية تلك الحركات بصفة عامة إلى التورط في أحكام متسرعة بكفر الدول وجاهلية المجتمعات والأفراد، وفضلاً عن تلبس تلك الحركات في اسمائها ومصطلحاتها وتشكيلاتها التنظيمية، وسلوك أعضائها للموروث الإسلامي من حقبة النبوة والخلافة الراشدة التي تمثل المرجعية التاريخية الوحيدة لها، فهي تقوم بقراءة واقع مجتمعاتها المعاصرة عبر تجربة تلك الحقبة وتعيد تسمية فاعليته وتناقضاته وقواه بنفس المسميات التي كانت فيها، وبذلك فإن الهدف الرئيسي لتلك الحركات هو إعادة اسلمة المجتمعات والدول والأفراد، حيث إنهم جميعاً حسب رؤيتها خارجون عن الإسلام بصور مختلفة[25]، فقد شددت السلفية في تعاملها مع النص، وبالغت في التمسك به، إلى درجة التوجس في الرأي وإعمال الفكر، والقول بأن النصوص قد أحاطت بكل صغيرة وكبيرة، وعليه تمَّ توسيع مفهوم النص ليشمل الآثار، أي الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، وكذلك فتاوى الصحابة وأقوالهم، حتى ولو تعارضت، بل أن الأمر بلغ إلى الوقوف على ظواهر النصوص رفضاً للتأويل والقياس، وكل صيغ إعمال الفكر أو مناهج تفكيك اللغة[26].
هذه القراءة تضعنا أمام منهجية نصوصية صارمة، تُحيل العلاقة بالنص إلى علاقة تلقِ وأخذٍ جامدة، أكثر منها علاقة حيوية تتفاعل معه وتغوص في أعماقه، باحثةً عن دلالاته في ضوء تحديات الواقع المُعاش، المنهجية النصوصية تحوّل العودة إلى النص، عودة إلى فهم النص كما فهمه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، مما يؤدي إلى تقييد النصوص بتفسيرات وتأويلات أجيال القرون السابقة فثمة إشكالية كبيرة في تفسير النص الديني على المستوى الثقافي والفكري العام، وكذلك على مستوى المدارس الفقهية الإسلامية وعلماء الدين الإسلامي، وهناك آراء متباينة في اعتبار هذا النص مرجعا تٌقاس عليه الأمور الحياتية والسياسية المحلية والدولية، وبالتالي يصبح أساسا للحكم الديني، البعض يطالب بإبقاء النص كما هو، وتفسيره ضمن النطاق الزماني والمكاني الذي ظهر فيه، والبعض الآخر يراه نصا أزليا يصلح لكل زمان ومكان، وتطبيقه على أرض الواقع، بشكل حرفي، واجب شرعي، والفريق الميّال إلى التفسير اللغوي والتاريخي للنص الديني، يذهب في آرائه إلى أن هذا النص قد تأثر كثيرا بالمحيط الذي ظهر فيه، وبدا بالشكل المتلائم للجماعة التي يخاطبها، وبالتالي في أن تفسيره بشكل حرفي مقيّد ودون مراعاة الزمان والمكان والمحيط الاجتماعي والاقتصادي والقيّمي، هو قراءة خاطئة غير علمية، بل إيديولوجية وسياسية بالدرجة الأولى ترمي لتحقيق أهداف دنيوية بحتة، أما الآراء والتفاسير التي تريد تطبيق النص الديني تطبيقا حرفيا بعيدا عن المنطق ولا يتوافق مع الحس العقلي وطبيعة الحياة، لأن في تلك المرحلة كانت الظروف السائدة غير الظروف الحالية، وعليه، فطالما يظهر النص الإلهي مؤطراً بلغة باللغة البشرية لمخاطبة البشر، فهو سيخضع للدراسة والاحتكام العقلي من قبل البشر، وهذا لا يمنع من قداسة النص الديني هنا، فالنص القرآني هو النص الأقدس في اللغة العربية.
ثانياً: مفهوم الحاكمية
يشكل مفهوم الحاكمية أهم أطروحات المودودي الفكرية؛ إذ يعطي هذا المفهوم تصوراً مركزياً للعالم؛ لأنه يجعل من الله قمة الكون، فهو الذي خلقه ويحكمه ويسيطر عليه، إذ تقتضي عقيدة توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية الاعتراف بأن الحكم والملك والسلطة كلها لله وحده؛ لأن عقيدة التوحيد هي أساس النظام السياسي، ودعامة النظرية السياسية في الإسلام كما يطرحها المودودي[27]، إن فهم الحاكمية بالنسبة إليه تشير إلى أمرين، الأول، الحكم على الواقع المعاش بالجاهلية، والثاني السعي إلى تغييره وإقامة حكم بديل[28]، إذ ينبغي دراسة مسألة الحاكمية بمجالين فكريين، الأول المجال الفقهي، والثاني الفكري، ففي المجال الفقهي: تعني الحاكمية وجوب خضوع الإنسان لكل ما حكم الله تعالى فيه من الشؤون حكماً مُلزماً، ويشمل ذلك الأوامر والنواهي، فتكون الإباحة على هذا الأساس مجال حركة حرة للإنسان، لا يتعلق بها أمر ولا نهي، والإباحة هي الأصل في المعاملات (أي في شؤون الدنيا)، لكنها مُقيدة بالأحكام المُلزمة أمراً كانت أم نهياً، فمثال الأمر وجوب إقامة العدل والشورى، ومثال النهي تحريم الربا والزنى والقمار والجهالة في العقود واستغلال المال العام وغيرها، فهذه الأحكام لا يجوز للإنسان انتهاكها؛ لأنها أحكام رعية بلغتنا بالكتاب أو السنة أو بهما، ومناقضة هذه الأحكام في التصرفات معصية، فإن كانت على سبيل التشريع الدائم، فهي حكم بغير ما انزل الله، وهو من الكفر، لقوله تعالى ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُون))[29]*، وهنا ينبغي الانتباه إلى شروط تحقق الكفر؛ فقد يخالف الإنسان الحكم الشرعي جهلاً بالحكم الشرعي، كما في دقائق أحكام المعاملات فهذا يُعذر فيه الإنسان، وقد تكون المخالفة لعدم إمكانية العلم بالحكم، مثل المخالفة في العلوم الاجتماعية مثلاً وأنظمة الاقتصاد، فهي معارف مركبة ومعقدة ولا يتحقق العلم فيها إلا بتراكم ثقافة الأمة، لارتباط ذلك بمقارنة أنظمة معرفية واقتصادية واجتماعية متفاوتة، ومثل هذا الجهل لا تؤاخذ به الأمة ما دامت تبذل وسعها في طلب المعرفة، وهكذا نجد الحكم بما انزل الله في المجال الفقهي يتخذ منهجاً تحليلياً موضوعياً[30].
إن مفهوم الحاكمية أخذ طابع سجالي، غلبت عليه نزعة المواجهة، بما يترتب عليها من تضخيم مجال اليقين، وتقليص مجال الاجتهاد، وتوسيع مجال الاختلاف، وتضييق مجال التواصل والاتفاق، فالهدف السجالي مختلف عن الهدف التحليلي، ونجد أنموذجين تطبيقين لشرح هذا التحليل للفرق بين الفقهاء والمفكرين السجاليين؛ فالفقيه يقرأ التشريعات الغربية، ويحلل نقاط اتصالها وافتراقها مقارنةً بالتشريع الإسلامي بطريقة موضوعية، يصل مع الآخر ويقطع، يتفق ويختلف، وذلك عبر مقارنات دقيقة ومفصلة ومبرهنة، بينما المفكر السجالي يكون رافعاً سيف القطيعة، يوسع خنادقها، ويردم قنوات الاتصال واحدة بعد الأخرى، فما سوى الإسلام إلا جاهلية مطبقة، فتجد في مختلف المذاهب أن الأصل في العقود الإباحة، وإن الأصل في الشروط الإباحة، وإن المعاملات مبنية على الإباحة، من خلال ذلك نلاحظ أن إشكالية الحاكمية قد بدأت حين اتجه بعض المفكرين لعكس القاعدة؛ فعُدَّ أن الأصل في الواقع هو جاهليته، وبهذا خُلعت الشرعية عن كل ما يمكن التواصل معه مما هو على أصل الإباحة، ولاشك أن هذا المستوى الحاد لم يكن موجوداً بشكل منهجي إلا عند سيد قطب، لكن تلك المسحة (نزع الشرعية) تركت بظلالها على التفكير الإسلامي في جانب مهم من أدبياته، ولهذا جاءت جاهلية القرن العشرين، وتلاقت هذه النزعة مع نزعة تراثية لدى بعض المدارس والنفسيات، تلك التي تغلّب جانب (التوقيف)؛ أي طلب الدليل على المشروعية حتى في المُباحات، وهي نزعة لها حضورها في التراث، وربما كان من أكثر نماذجها حدة ووضوحاً ذلك الأثر الذي يعكس المناخ النفسي المؤيد لها، وهو أثرٌ قاله احد أئمة السلف، يقول فيه: (إن استطعت ألا تحُك رأسك إلا بأثر فافعل)[31].
ولمفهوم الحاكمية أبعاد متعددة، فهو يتجلى سياسياً في رفض الحكم بغير ما أنزل الله، وتكفير الحاكمين والقوانين الوضعية، بينما يتجلى اجتماعياً في التصور الحاكمي للمجتمع الذي صارت تسكنه ما يسميه الجاهلية الجديدة، وتلتزم السلفية بالتقسيم النظري للتوحيد وهي: توحيد الألوهية، ويعني أن يصرف المسلم أنماطَ عبادته كلها لله عز وجل، وتوحيد الربوبية، أي الإيمان بأن لهذا الكون خالقاً، رازقاً، مُتصفاً بصفات الكمال، وتوحيد الأسماء والصفات، أي أن تثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه سبحانه، أو أثبته له رسوله (ص) من غير تشبيه، ولا تجسيم، ولا تأويل، ولا تعطيل، وهذه التقسيمات هي الشق النظري الذي تشترك فيه جميع المدارس السلفية بالخصوص، وهو تقسيم خاص بالمدرسة السلفية منذ عهد ابن تيمية في سياق رده العقلي والنقلي على مدارس الثيولوجيا الإسلامية[32].
ورغم إن مفهوم الحاكمية كما بلوره كلاً من المودودي وسيد قطب، يقوم على مغالطة كبيرة، عبر تتبع آيات الحاكمية، أي تلك التي جاءت على صيغة «إن الحكم إلا لله»، نجد أنها تتعلق أساساً بحكم الله للكون، وليس بحكمه للحكومات والدول والمحاكم..، وهو الحكم الذي أوكله للبشر[33]، كما نرى إن مفهوم الحاكمية لا يستبطن كل خصائص الألوهية ومعاني العبودية؛ لان الخضوع التشريعي والقانوني لا يكفي ما لم يكن خضوعاً مصحوباً بغاية المحبة وغاية الرضا والاستسلام، أي إن تحقيق الحاكمية القانونية والتشريعية، على المستويين السياسي والمؤسسي لا يحقق العبودية التامة ما لم يكن نابعاً من رضا وتسليم ذاتي لا عن مجرد خضوع وطاعة قهرية، فمفهوم الحاكمية كما تطرحه السلفية يرتكز على مبدأ إكراه الناس سياسياً بتحكيمهم للشريعة، لا إلى اختيار إيماني منهم، وهو يركز على الحاكم والإمام بتطبيقه الفوقي للشريعة دون أن ينظر لتطبيق الناس والعوام له، كما نراه مفهوماً صامتاً لا يلتفت إلى أمرين في غاية الخطورة والأهمية وهما بشرية مطبق الشريعة، أياً كان الحاكم، جواز الخطأ والخروج عليه، وجواز استغلال لرمزيتها متى تحقق كما كان متجسداً تاريخياً في كثير من أنظمة الخلافة التي عرفها التاريخ الإسلامي بطوله، وكذلك موقفه من تنوع المدارس الفقهية والفكرية الإسلامية فضلاً عن دعوى اكتفائه النظري ورفضه لأي إمكانية للتطوير التشريعي الإنساني بجوار التشريع الرباني الذي لاشك أتى مجملاً تاركاً للبشر مجالاً للحركة فيه[34].
ثالثاً: طبيعة الدولة
يركز التفكير السلفي على ضرورة إعلان دولة الخلافة، بحيث تشمل كل العالم الإسلامي، وتعتمد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للحكم والتشريع، وإدارة كافة مناحي حياة المواطنين وتحديد العلاقات مع بقية الأمم والدول، إذ تشكل مسألة إعادة الخلافة الإسلامية الشغل الشاغل لمعظم التيارات الفكرية التي يحتضنها الاتجاه السلفي، لهذا اتخذت إقامة الدولة الإسلامية هدفاً بارزاً من أهداف الحركات الدينية السلفية التي يرى مفكروها بأنه « لا يكفي لإقامة الإسلام أن يكون الحكام مسلمين، وإنما يجب أن يحتكموا بشرائع الإسلام، وأن يتخذوا القرآن دستوراً للحاكمين والمحكومين»[35]، وإن دولة الخلافة ما هي إلا امتداد لدولة النبي محمد (ص)، والذي سار بهدى الوحي لتوطيد الإسلام كدين ودولة، وبذلك لا يمكن القبول أبدا بأي رأي يدحض شرعية إقامة دولة الإسلام، وذلك لأن « تاريخ الإسلام ينبئنا أن الرسول سعى بكل ما استطاع من قوة وفكر، مؤيداً بهداية الوحي، إلى إقامة دولة الإسلام، ووطن لدعوته، خالص لأهله، ليس لأحد عليهم فيه سلطان، إلا سلطان الشريعة، ولهذا كان يعرض نفسه على القبائل ليؤمنوا به ويمنعوه ويحموا دعوته، حتى وفقّ الله الأنصار من الأوس والخزرج إلى الإيمان برسالته، ولم تكن الهجرة إلى المدينة إلا سعياً لإقامة المجتمع المسلم المتميز تشرف عليه دولة مسلمة متميزة» [36].
وتتخذ دعوة التفكير السلفي لتطبيق الشريعة الإسلامية طابعاً شمولياً؛ فهي لا تقتصر على تنظيم الأحوال الشخصية للأفراد، وإنما تشمل كذلك الأمور السياسية، إذ يرى مفكروه في الإسلام كلاً متكاملاً ترتبط فيه العقيدة بالشريعة، وبالتالي فلا مجال للتمييز بين الدين والسياسة، والدين والدولة، ويترتب على هذا الفهم ضرورة العمل لإقامة دولة إسلامية، فالإسلام من وجهة نظرهم مزج بين الدين والدولة، حتى لا يمكن التفريق بينهما، وأصبحت الدولة في الإسلام هي الدين، وأصبح الدين في الإسلام هو الدولة[37]
وبهذا سعت الحركات السلفية عبر أدواتها التنظيمية إلى وضع فكرها موضع التطبيق، فكان على هذا التنظيم، وقبل كل شيء أن يخرج الأمة من جاهليتها إلى الإسلام من جديد، كما صنع ذلك من قبل الصحابة بقيادة الرسول؛ لأن المجتمع ارتد إلى جاهلية ماثلت تلك التي أخرج الإسلام العرب من ظلماتها إلى النور[38]، وبارتداد المجتمع إلى الجاهلية انعدم وجود الأمة المسلمة، كما يقول سيد قطب: « فوجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون...، فالأمة ليست أرضاً كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوماً كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي»[39].
تسعى السلفية إلى احتكار التراث الإسلامي، من خلال النظرة الأحادية في التعامل معه، لتجييره لمشروعها السياسي؛ عبر خلق هوية إسلامية انعزالية، منكفئة على نفسها، وتجعل من الآخر عدواً دائماً لها، ولا ينصَّب مسعى تلك التيارات السلفية على اسلمة الدولة فحسب، بل تسعى أيضاً لأسلمة المجتمع سياسياً، من خلال فرض أنماط معينة للسلوك الاجتماعي، وطرق للمعيشة اليومية، من خلال أساليب القهر التقليدية في المجتمعات، ويتزامن هذان المشروعان من خلال استغلال الهوية الإسلامية لأغلبية الشعوب الإسلامية؛ كونها هوية حضارية ووجدانية أكثر من كونها هوية دينية سياسية، إذ أن الصراع على الهوية، صراع اجتماعي من اجل مشاريع سياسية مختلفة، صراع لا يتعلق بالماضي بقدر تعلقه بالحاضر، وبالمستقبل أيضاً[40].
شكَّلت الدعوة للعودة إلى الإسلام الصحيح بالشكل الذي كان عليه في عصر الإسلام الأول إحدى المقومات الأساسية لمفكري الاتجاه السلفي، ويرتكز هذا المقوم على مقوم آخر؛ هو الشريعة الإسلامية في التعامل مع كل مفاصل المجتمع، وقد شكل هذا المقوم مبدأً أساسياً وجوهرياً ومبرراً لقيام التيار السلفي، فقد استهدفت التيارات السلفية تطبيق الشريعة الإسلامية للعودة بالنظام الاجتماعي إلى طريق الإسلام الصحيح ليكون منسجماً مع الأنموذج الإسلامي في عهد الرسول والصحابة، بصفته المثل الأعلى الذي ينبغي العودة إليه[41]؛ لان عدم تطبيق الشريعة جعل المجتمع الإسلامي يخرج في نظر مفكري السلفية من خانة الإسلام؛ إذ لم يعد مجتمعاً إسلامياً، بناءً على هذا التصور أطلقت التيارات السلفية الإسلامية لفظ الجاهلية على مجتمع لا تسوده شريعة الله؛ لأن الجاهلية ليست صورة معينة محددة، كما يتصورها البعض من الناس الذين يرون أنها مرحلة تاريخية مضت من غير رجعة، إنما هي جوهر معين يمكن أن يتخذ صوراً شتى بحسب البيئة والظروف، والزمان والمكان، فتتشابه كلها في أنها جاهلية وإن اختلفت مظاهرها[42].
ان السلفيين بمختلف تياراتهم لم يستقبلون الدولة الحديثة مفاهيميا بوصفها كياناً شرعيّاً معتبراً ضمن منظومة المفاهيم والعقائد المقبولة لديهم، وذلك حتى لحظة ولادة ثورات الربيع العربي، حيث كانت أدبيات السلفيين قبل الثورات تنظر لصورة من الصور الكلاسيكية عن نموذج الحكم النبوي ونظم الخلافة الأربعة الأولى وبعض النظم السياسية التالية لها؛ كونها النماذج المرجو عودتها وتطبيقها، وظلت هذه التصورات قائمة في الأدبيات السلفية حتى لحظة الربيع العربي، حيث اضطرت التيارات السلفية حينها إلى إعادة التفكير في الدولة سياسياً واجتماعيا، وانتقلت من مساحة فكرية ترفض تماماً الممارسة السياسية الحديثة وفق القواعد الديمقراطية الغربية وممارسات الدولة الحديثة، حيث الأحزاب السياسية والانتخابات التشريعية والبرلمانات، إلى مساحة تنظر لمشروعية ذلك، إذ تمثل تحولات السلفيين الفكرية والمفاهيمية تجاه الدولة الحديثة، في هذه الحالة، نموذجاً معقداً ومركباً من العوامل والمحددات ومسارات التغير والتحول، فضلا عن التعقيد الذي يشوب تصنيفات الحالة السلفية ذاتها، وهذا ما سنتناوله في المبحث الأخير عبر الحديث عن السيناريوهات المستقبلية لصعود التيارات السلفية المشهد السياسي ومحاولة تطوير خطابها الفكري والايديولوجي.
المبحث الثالث
الرؤية المستقبلية للتيارات السلفية المعاصرة
من هنا ولغاية اليوم نعيش في عصر أهم صفاته وخصائصه التغيير في الميادين كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتقنية والثقافية، الداخلية منها والخارجية، وإن كل تغيير يصيب أي ميدان تكون له انعكاسات على باقي الميادين بفعل التشابك والتداخل الذي نعيشه في عالمنا المعاصر، وانطلاقاً من ذلك، تعد قضية المستقبل إحدى أولويات البحث العلمي ومكمّلة له؛ لأن التغيير سمة ملازمة لأي ظاهرة أو واقعة سياسية كانت أم اقتصادية، ومن خلال استعراض التيار السلفي منذ نشأته ومراحل تطوره، هذا بالإضافة إلى رصد وتحليل أبرز الأسس الفكرية التي يستند عليها، ومدى تأثير كل ذلك على رسم خطى السلفية، نستطيع القول إن هناك عدة سيناريوهات من الممكن تطبيقها تجاه التيارات السلفية.
يواجه العالم العربي والإسلامي تيارت متعددة من السلفية بدلاً من مواجهة تيار سلفي متجانس ذا وجهات نظر ومناهج موحدة، ولم تنبع السلفية من ثورات الربيع العربي الذي منح للسلفيين على اختلاف توجهاتهم فرصة للدخول الى العمل والمشاركة السياسية، ومما لا شك فيه فإن ثورات الربيع العربي أتاحت الفرصة للسلفيين ليصبحوا أكثر تأثيراً في المشهد العربي العام، وعلى الرغم من أن هناك بعض التحولات في النهج السلفي خاصةً فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، إلا أن مثل هذه التحولات دفعت أيضاً بالأسئلة والمخاوف بشأن الفكر السلفي، فالتحولات في النهج السلفي ليست موحّدة بين مختلف التيارات السلفية: فلم تشهد كل التيارات هذه التحولات بل كان هناك مستوى كبير من التباين في التحول بين التيارات السلفية في البلدان المختلفة، غير إن النهج السلفي المختلف قد تأثر بالظروف والتحولات السياسية والاجتماعية الفعلية التي حدثت في البلدان العربية، وإن مستقبل هذا النهج يعتمد على ظروف الاستقرار ونضوج المناخ السياسي العام في كل بلد، مع ضرورة لفت الانتباه إلى المتغيرات والتحولات الجديدة في التيارات السلفية في العالم العربي، وضرورة طرح أسئلة هامة حول الدور السياسي لهذه التيارات وانعكاساتها على الساحة العربية، إذ إن هذه التحولات تطرح تساؤلات هامة بشأن الحريات العامة وحقوق الانسان والحريات الفردية وغيرها من القضايا الجدلية والخلافية التي تظهر مع تزايد نفوذ التيارات السلفية في العالم العربي.
السيناريو الأول: سيناريو الانكفاء السياسي
يتجه التفكير السلفي في هذا السيناريو إلى المزيد من التقوقع والانغلاق على الذات والتعضيد من الخطاب المتشدد الرافض لأي توافقات، مهما كان البعض منها جديراً بالقبول، وذلك في حالة تقاعس الفاعل السلفي أولاً عن نقد الذات وفحص ما هو «ميت» في التراث، وأيضًا في حالة بقاء الأوضاع على ما هي عليه محلياً ودولياً، وبخصوص النقد الذاتي المطلوب من الحركة السلفية، فسيبقى ذلك مجرد وهم أو على الأقل مسألة غير مثمرة في حالة التعامل مع النصوص الدينية المؤسسة بالنسق نفسه الذهني التقليدي المغلق، الذي يهمش الفاعلية الإنسانية وقدرة العقل الإنساني على توليد معان متجددة من النصوص المقدسة، فتحرير الفهم من سلطة «التقليد» يستدعي فهم العلاقة التكاملية بين آيات التشريع (علوم دينية) وآيات الأنفس (علوم إنسانية) وآيات الآفاق (علوم كونية) في إطار منهجية معرفية مفارقة للجبرية اللاهوتية وللحتمية الوضعية.
فبالرغم من أن أصول الدعوة السلفية قبل ثورة يناير2011 في مصر، والتي كانت تعارض المشاركة السياسية وتعدّها مجرد «لعبة»، فإن أحد قيادات الدعوة السلفية المصري (ياسر برهامي) قد كتب بعد الثورة مقالاً قال فيه إن غرضهم من إنشاء حزب هو إصلاح ما يمكننا إصلاحه مع تحقيق العبودية لله وتقواه قدر الإمكان، أما الوسائل ودرجة المشاركة فإنها محل بحث، وكدعوة دينية بالأساس، اعتمدت الحركة السلفية في مصر في عملية تشكيل أدبياتها السياسية على تراث السياسة الشرعية لا سيما مؤلفات ابن تيمية، وقد أنشأت الدعوة السلفية الحزب من أجل تحقيق أهداف شرعية بحسب تعبيره، إذ لا بد أن تكون الأهداف السياسية ضمن الأهداف الشرعية، أي إنها حركة اجتماعية ذات هوية دينية تريد تحقيق أهدافها السياسية عن طريق المشاركة الانتخابية، فمن أهم أهدافهم الشرعية السياسية هو تحكيم الشريعة، بحسب تصريحاته، ومن ثم كان ضغطهم من أجل إدراج المادة(219) المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية، وذلك في أول دستور مصري بعد الثورة في عام 2012، وذلك في ظل حكم حركة الإخوان المسلمين، وبالرغم من الدفاع المستميت عن إدراج هذه المادة في الدستور تحت حكم الإخوان، فإنه من المثير للعجب إن الدعوة تخلت بسهولة عن ذلك المطلب في دستور الانقلاب العسكري بعد 2013 [43].
إذ إن البوصلة القائدة للتحرك السياسي للدعوة السلفية تتمركز حول مفهوم «أهل الشوكة» لدى السلفية، وذلك بناءً على أدبيات قادتها المعلنة وكذلك معطيات ومشاهدات وحوارات شخصية مع قادة الدعوة، والذين صرحوا بأنهم يستقوا بوصلتهم السياسية بناء على فكر «ابن تيمية» خاصة موقف أهل الشوكة، الذي ظل متداولاً في الأدبيات السلفية منذ عهد الإمام الجويني، وما ترتب عليه من قبول شرعية إمامة المتغلب، فبالرغم من التطور الاجتماعي والسياسي والقانوني لمفهوم الدولة في العصر الحديث، فإن قادة الدعوة السلفية لا يزالون يستندون إلى فكر علماء القرن الثامن الهجري مثل ابن تيمية في تنصيب الحاكم وعزله، فاجتهاد ابن تيمية والإمام الجويني وغيرهما هو اجتهاد في ظروف مغايرة للعصور الحالية، التي تطور فيها مفهوم الدولة وتعقدت وظائفها، إلا أن البنية الفكرية للحركة السلفية المعاصرة لا تزال تعتمد على النصوص عينها من ذلك الزمان البعيد، وهو ما انعكس بصورة كبيرة على أدبياتها السياسية، بالرغم مما خلفه ذلك من انقسام كبير داخل الدعوة السلفية في أعقاب قيام الجيش بالانقلاب على الرئيس مرسي وفض ميداني رابعة والنهضة بالقوة، غير أن أزمة تطور الفكر السياسي عند السلفيين تعد انعكاسا لأزمة أوسع لدى التيار الإسلامي بصورة عامة والتيار السلفي بصورة خاصة، حيث لا تزال أزمة الحداثة لدى التيار الإسلامي تمثل معضلة كبرى فيما يتعلق بمحاولة التوفيق بين التراث الفكري السياسي وبين عصرانية الدولة في عصر العولمة وسيطرة الغرب على النظام الدولي وتحكمه في النظام المالي والاقتصادي العالمي، بما يجعل أزمة التنظير السياسي لدى الإسلاميين هي أزمة مزمنة لا تقتصر فقط على التيار السلفي[44].
بيد أن التيار السلفي يعاني من مشكلة زائدة عن بقية الحركات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين؛ حيث إن التيار السلفي ظل رافضاً للأدبيات السياسية الغربية، ويرفض فكرة الديمقراطية وتداول السلطة، وآليات عزل الحاكم واختياره، وكذلك دور البرلمان في التشريع، بينما تجاوز الإخوان المسلمون تلك المرحلة؛ ربما هروباً منهم إلى الأمام باعتبار أنهم لم يجدوا حتى الآن بديلاً عصرياً مناسباً، ولا يزال بعض السلفيين ينظرون إلى المشاركة السياسية باعتبارها مثل أكل الميتة، كما أنهم يقللون من أهمية العلوم الإنسانية في مجال السياسة وغيرها؛ حيث أكد برهامي على أن السياسة والإدارة من العلوم الإنسانية التي اخترعها البشر بالممارسة، وليس بالشهادات والدراسات...، وهل تخرج الخلفاء الراشدون إلا في مدرسة النبوة التي قام التعليم فيها على الوحي المنزل كتابا وسنة ؟! ونحن لا نعني بذلك انعدام فائدة الدراسة وعدم أهميتها، ولكن نقول: إن علوم الكتاب والسنة في حقيقتها تحقق للعقل والقلب الإنساني أعلى مراتب الإدراك والبصيرة»، بالرغم من أن دعوة برهامي السلفية أنشأت حزباً وفق قانون الأحزاب المصري، وكان يمارس السياسة بناءً على الآلية الديمقراطية في حقبة ما بعد الثورة وما قبل الانقلاب، إلا أن تصريحاته قد تغيرت بعد انقلاب 2013، وقبيل انتخابات الرئاسة التي ترشح لها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2014، قائلاً إنه «لا يمكن أن نختار خيار المقاطعة لأنه يدخل البلاد في فوضى وتصبح البلد بدون رئيس، ولا يمكن أن نتبع أقوال الذين دخلوا في صراع صفري مع مؤسسات الدولة...، لا يمكن أن ننكر نبرة التدين الشخصي الشائعة في كلامه (السيسي) وحديثه وسلوكه الشخصي ونشأته في أسرته وتنشئته لأبنائه بعد ذلك وهذا جانب أساسي بالنسبة إلينا»[45].
ومما سبق يعكس قناعات القيادات السلفية في صياغة خياراتها السياسية، التي دارت بعيدا عن قواعد الدعوة السلفية التي انقسمت مرة ثانية، كما يبرز أيضاً كيفية إدارة عملية صنع القرار داخل الدعوة السلفية؛ حيث إن مجلس أمناء الدعوة السلفية ([46]*) كانوا هم المسؤولين عن عملية صنع القرار داخل الدعوة السلفية، قبل أن يتعرضوا لانقسام داخلي بسبب اختلاف وجهات النظر في التعامل مع الأحداث التي تلت الانقلاب، ومن ثم كانوا يعدون هؤلاء بمنزلة «أهل الحل والعقد» يتخذون القرارات المصيرية ويلزمون أبناء الدعوة السلفية بها، باعتبار أن العمل جماعي.
إن أبرز إشكاليات تطور الفكر السياسي السلفي هي في تعامله مع الدولة الحديثة، وعدم القدرة على تطوير نظرية سياسية إسلامية فاعلة حتى الآن، فإن معاناة الحركات السلفية ستكون أكبر من غيرها، بالنظر إلى اعتمادهم على التراث السياسي القديم، وكذلك صدامهم مع عدد من المفاهيم الحديثة للنظام السياسي، باعتباره نظاماً علمانياً مدنياً يساوي في الحقوق والواجبات بين المرأة والأقليات الدينية في الولايات العامة وغيرها، وهو ما سبب أزمات لدى الحركات السلفية مع وسائل الإعلام، كما يجنح النظام الحديث في بعض الدول العربية كذلك إلى تحييد الدين عن الشأن العام وحصره في الأحوال الشخصية؛ في حين يختار اجتهادات مختلفة من المذاهب الفقهية من أجل مواكبة العصر في قضايا الأموال والمعاملات الحديثة وغيرها، وصولًا حتى لمسائل حساسة مثل الميراث كالحالة التونسية، وهو ما يتطلب من الحركات السلفية أن تختار أحد طريقين: إما أن تتماشى مع ذلك النظام العلماني وتحاول التوافق معه أو إصلاحه جرى مع حركة النهضة التونسية، بما في ذلك من مخاطر الذوبان فيه وأن تفقد هويتها وأطروحاتها القائدة التي تتمحور حول تطبيق الشريعة وزيادة دور الدين في المجال العام وصولا إلى تطبيق الخلافة؛ أو أن تنسحب من العمل السياسي وتعمل هي مع الحركات الإسلامية الأخرى، على تطوير نظرية سياسية إسلامية وطرحها كبديل، مع صعوبة ذلك الاختيار بما ينطوي عليه من كثير من المشكلات الفكرية والإجرائية على حد سواء[47].
وبالنظر إلى التركيب شبه المتجانس للحركات السلفية عبر العالم الإسلامي، فيمكن النظر إليها كحركة اجتماعية عابرة للحدود، بالرغم من أنها غير منتظمة في إطار سياسي اجتماعي موحد، كما أنها تنتمي إلى الحركة الإسلامية الأوسع التي من ضمن أهدافها هو استعادة الخلافة بغض النظر عن الاختلاف حول طبيعتها كنظام سياسي متفق حول تعريفه، ما يجعلها مكونا مهما من مكونات جهود الحفاظ على الهوية والقيم في العالم العربي والإسلامي بصورة عامة، وكسر التبعية للغرب باعتبار أنه يمكن وصفها حركة يمينية محافظة على صعيد المشهد السياسي العربي، إلا أن حداثة عهد السلفية بالسياسة، بالإضافة إلى المشكلات البنيوية فيما يتعلق بالتوجهات السياسية للحركات الإسلامية بصورة عامة وأزمة تعايشها مع الحداثة، يجعلها ترتكب أخطاء سياسية فيما يتعلق بتقدير الموقف السياسي، وكذلك آلية اتخاذ وصنع القرار وسياسات تكوين النخب والتصعيد السياسي للمراكز العليا في الأحزاب، باعتبار إن المعايير الأساسية في الحركة السلفية هو التفوق في العلوم الشرعية من جهة، وكذلك الاعتماد على أهل الثقة من جهة أخرى، ما يجعلها تنتج أفكاراً سياسية غير مناسبة للعصر ومتعارضة أحياناً، وبراغماتية في أحيان أخرى، تنطلق هذه الأفكار من تحقيق المنفعة والحفاظ على الكيانات والمكتسبات حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ السياسية، إذ إن الانحناء للقوة بات جزءاً أصيلاً مكونا لهويتها السياسية بالنظر إلى سلوكها السياسي في حقبة ما بعد الثورة المصرية، وتصريحات قادتها المتعلقة بموازين القوة داخل المجتمع وتراجعها عن مطالبها السياسية أمام قوة القمع والاستبداد[48].
كما أن التيارات السلفية لا تزال تعاني من عيوب هيكلية متعلقة بالعجز عن الفصل ما بين الدعوي والحزبي؛ حيث إن التكوين الأساسي للدعوة السلفية بمصر، على سبيل المثال، يفرض على كوادرها الانخراط بقوة داخل العمل الدعوي مقارنة بالعمل السياسي، بالنظر إلى أن آلية صنع القرار السياسي هي عملية نخبوية بالأساس وتعتمد على مفهوم أهل الحل والعقد الذين يعقدون شورى داخل الأبواب المغلقة، ثم تصدر توجيهات سياسية فوقية للكوادر أو (القواعد حسب تسميتهم بتنفيذ تلك القرارات من أجل احترام العمل الجماعي بحسب تعبيرات قادتهم، وهو ما أدى في النهاية إلى سيطرة الشيوخ على كل من الحزب والدعوة على حد سواء وتهميش الكوادر السياسية وتعطيل عملية إفراز الكفاءات، وهو ما بدا واضحا في هوية من يصدر التوجيهات والتصريحات؛ حيث يقتصر ذلك على نخبة ضيقة داخل إدارة الدعوة السلفية، ووفق المعطيات السابقة فأن مفهوم أهل الشوكة باعتباره مفهوما حاكما على السلوك السياسي للقيادات في الدعوة السلفية، قد أدى إلى إرباك عملية اتخاذ القرار داخل الكيان الدعوي والسياسي، وأدى إلى التراجع كذلك عن أهم المطالب السياسية نظير الحفاظ على الدعوة والحزب والمكتسبات الأخرى، وهو ما يفرغ الحزب من مضمونه كحزب سياسي من أهم تعريفاته أنه يسعى للوصول إلى السلطة، حيث تعدَّ الدعوة السلفية في هذا الإطار مجرد جماعة ضغط تحقق مصالحها عن طريق عملية التفاوض السياسي مع الأنظمة السلطوية، ومن ثم التعايش معها في ظل ازدواجية كبيرة بين التشدد في الآراء الدينية في الوقت الذي تمارس فيه براغماتية كبيرة في الآراء السياسية من أجل الحفاظ على مصالحه ومكتسباته المادية[49].
وبناءً على هذا السيناريو فإن أغلب التنظيمات السلفية المتشددة دائما ما تكون بهذا المستوى فأنها لا تفتأ أن تبدأ حتى تنتهي وقد تولد ميتة؛ لأنها لا تؤمن بالآخر ولا تقبل بالانفتاح ولا تتقبل الرأي الآخر، وبالتالي فإن اغلبها وإن سطع نجمها لمدة محددة من الزمن إلا إنها سرعان ما تنكفئ على ذاتها، وتبدأ بالاندثار شيئا فشيئاً حتى تضمحل وتختفي من الوجود.
السيناريو الثاني: سيناريو الاستقطاب
إن مسار السلفية في المستقبل مرتبط بظروف «موضوعية» و»ذاتية» في الوقت نفسه، إذ لا يتعلق الأمر بمراجعات معينة من طرف واحد فقط، إننا بصدد الحديث عن تحول تاريخي وثقافي وبنيوي في المجتمعات ذات الغالبية من المسلمين، وفي العلاقات الدولية المبنية على علاقات الهيمنة، الأمر الذي قد لا يتحقق إذا استمرت الإحيائية واللاهوتية في توجيه الوعي الديني لمجتمعاتنا، فالحاجة ملحة اليوم إلى إعادة التفاعل مع النصوص المرجعية بوعي معارض ومفارق لأنظمة التفكير التقليدية.
وبما أن السلفية تمثّل جزءاً هاماً من المجتمعات العربية والاسلامية لا يجب تجاهلها، أو رفضها، فالحركة السلفية هي جزء لا يتجزأ من التركيبة الفكرية والثقافية والسياسية في العالم العربي والإسلامي، وبالتالي ينبغي أن يتم معاملتها والتعامل معها باعتبارها عنصراً بُنيوياً للعقلية الاجتماعية والسياسية والدينية، وإن الخيار الوحيد، والامثل للعلاقة مع الحركات السلفية هو الحوار الموضوعي الدائم الذي يهدف إلى غرس التفاهم بشأن قواعد المعادلة السياسية التي تحكم جميع الأطراف، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، كما أن السلفيين، مثلهم مثل أي جماعة أخرى، عرضة للمشاركة السياسية، ويتأثرون بالمناخ السياسي من حولهم، وكونهم جزء من المجتمع العربي الاسلامي، فإنه ينبغي دمجهم في الحياة السياسية والاجتماعية، وبغير ذلك فإن أي نهج لاستعدائهم، وإبادتهم سوف يدفعهم للرد بتطرف أكبر، هذا الفكر المدمر لن يؤدي إلا إلى تفاقم وتعقيد الأوضاع، مما يؤدي إلى الضعف والخسارة لجميع الأطراف، بما في ذلك الدولة، اذ ينبغي أن يكون السلفيون جزءا من هذه التحولات الموجودة في المجتمعات العربية؛ بدلا من أن يكونوا تهديدا لها، وكذلك على السلفيين اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب قطع العلاقات مع الرأي العام والقوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الاستعداد للاستماع إلى وجهات النظر المختلفة ونبذ العنف[50].
السؤال الرئيسي الذي لا يزال يتعين الإجابة عليه هو كيفية الاتفاق على صيغة ومعادلة للوصول الى أفضل طريقة لإنهاء الخلافات السياسية بطريقة سلمية؟ وهي المعادلة التي ستجدها مختلف القوى السياسية داخل الساحة العربية، قابلة للتطبيق، بما في ذلك السلفيين، هذا السؤال على الرغم من أنه موجه إلى الحركة السلفية على وجه الخصوص، إلا أنه سؤال يطرح نفسه للفكر السياسي العربي بأكمله على مدى تقبله الأفكار السياسية لتداول السلطة، والتعددية، والديمقراطية، وغيرها.
فقد كان التيار السلفي بصورة عامة، مع استثناءات قليلة في العالمين العربي والإسلامي، رافضاً المشاركة السياسية والعمل الحزبي مركّزاً جهوده على العمل التعليمي والدعوي والتربوي، مع رفض الولوج إلى «اللعبة السياسية» بذرائع وأسباب متعددة ومختلفة، المرحلة الجديدة لم تكن بلا تكاليف، ففي مقابل المكاسب السياسية والظهور على العلن والبروز الإعلامي، والنفوذ الجديد في المجال العام، بصورة خاصة في دول الربيع العربي، فإن هذه الثورات وضعت السلفيين تحت الأضواء، وأصبحوا موضوعاً إعلامياً ساخناً، وتصاعد حجم الخصومة السياسية لهم في العالم العربي، والتخويف من مشروعاتهم الاجتماعية والثقافية، ومن أهدافهم السياسية من جهة، ومن جهة ثانية، خلقت الثورات الديمقراطية والتحولات لدى أغلب الاتجاهات السلفية مناظرات وخلافات داخلية كبيرة، حول مشروعية هذه التغيرات، فالقبول بالديمقراطية واللعبة السياسية وشروطها واستحقاقاتها والاختلافات الجوهرية بين طبيعة العمل الحزبي والدعوي، كل ذلك لم يكن موضع اتفاق وتوافق كامل في الأوساط السلفية العربية عموماً، إذ بقيت هنالك تيارات ترفض هذا التحول وتصر إما على رفض العمل السياسي جملة وتفصيلاً أو ولوج التغيير من غير البوابة الديمقراطية، مثل السلفيين الجهاديين[51].
كل ذلك انعكس على طبيعة الالتزام السلفي الجديد بالعملية الديمقراطية، إذ حاول السلفيون التمييز بين الأسس الفلسفية للديمقراطية وآلياتها معلنين التزامهم بالثانية لا الأولى، وقبولهم بصناديق الاقتراع وتداول السلطة، مع عدم التنازل عن هدفهم الأسمى «أسلمة الحياة العامة»، أو الدولة الإسلامية، مما أثار قلقاً وتشكيكاً من التيارات السياسية الأخرى فيما إذا كانت هذه التحولات السلفية تخدم المرحلة الانتقالية نحو تكريس نظم ديمقراطية تعددية في النظام السياسي العربي الجديد أم أنّها تشكّل تحديّاً أمامها؟ إذ يركزون على الفصل بين الجانب الفلسفي من الديمقراطية والاليات؛ بدعوى قبول الآليات ورفض الفلسفة الديمقراطية بوصفها تعبيراً عن الثقافة الغربية الليبرالية، وعليه فالسلفيون يقبلون بصندوق الاقتراع كـ (أداة) للوصول إلى السلطة وتداولها، وبالتعددية السياسية والحزبية، لكنهم لا يقبلون بالدولة المدنية أو العلمانية كـشرط لنجاح الممارسة الديمقراطية[52].
بالرغم من اختلاف وتباين مواقف السلفيين من الثورة المصرية (25 كانون الثاني 2011) إلاّ أن التيار السلفي العام اتجه غداة الثورة إلى العمل الحزبي والسياسي، وبرز الوزن الأكبر في الانتخابات لحزب النور، وتأسست أحزاب جديدة مثل الأصالة، وحزب البناء والتنمية، وحزب السلامة والبناء، لم يكن من الممكن القيام بهذه الاستدارة التاريخية نحو الانخراط في العمل السياسي والحزبي من دون القيام بمراجعات للموروث الفكري السلفي تجاه الديمقراطية والحزبية وتداول السلطة وجملة من شروط الدخول في اللعبة السياسية والالتزام بقواعدها العامة.
إلّا إن المراجعات السلفية لم تكن مكتملة، اذ تركت مساحة رمادية واسعة وتساؤلات كبيرة في مدى الالتزام السلفي بالديمقراطية والتعددية واحترام الحقوق الفردية والحريات العامة، وهواجس من مشروع «الأسلمة» الذي يصر عليه السلفيون؛ ذلك إن التنظير السلفي الجديد مع إعلانه القبول بالديمقراطية وتداول السلطة، أظهر مرونة في الحوار والتحالف مع القوى السياسية المختلفة، إلاّ إن الاتجاه السلفي العام رفض الإقرار بالدولة المدنية وأصر على هدف «إقامة الدولة الإسلامية»؛ لان السلفيون يقبلون بالديمقراطية بوصفها نظاماً انتقالياً وليس نهائياً فهم لا يتخلون عن حلمهم بإقامة الدولة الإسلامية لكنهم يفضلون الديمقراطية على النظام الديكتاتوري، من باب أخف الضررين، مستندين إلى حكم الأكثرية لنيل مشروعية في مشروعهم نحو أسلمة المجتمع، فالجمهور هو من يحدد خياراته، إذا كان يريد أن يحكم بالإسلام أم بغيره، فهو الحكم بين القوى والأحزاب السياسية[53].
هذه الأفكار وما ينبني عليها من نتائج ترسم لنا قراءة محددة هي الديمقراطية في الدين، وليس الدين في الديمقراطية؛ بمعنى إن السلفيين يريدون إدماج الديمقراطية في خطابهم الإسلامي أو توظيف آلياتها لتصبح جزءاً من أدوات ووسائل تحقيق مشروعهم السياسي (الدولة الإسلامية)، وليس العكس، بأن يندمجوا في اللعبة الديمقراطية ويصبحوا جزءاً منها بما يقتضيه ذلك من تطوير أفكارهم وتصوراتهم الدينية أو على الأقل لدور الدين في الحياة السياسية.
بعبارة أخرى أن يتم القبول بأن تكون العملية السياسية خارج إطار التجاذبات الطائفية والدينية، أو مكرّسة لصالح اتجاه ديني أو ضده، وتستند بالأساس لمبدأ احترام الحريات الدينية والقبول بالتعددية الاجتماعية والدينية والطائفية والسياسية... الخ، مما يمنح الجميع الحق في العمل والاختلاف والسلم الاجتماعي، كذلك محاولة فصل المجال العام ما بين السياسي والمدني، وعدم احتكار السلطة للمجال العام، وهذا يتيح للسلفيين وغيرهم الانفتاح على الجمعيات والعمل التطوعي والأهلي ويمنح التعددية فضاءً رحباً واسعاً، تستطيع من خلاله القوى والجماعات والجمعيات المختلفة التعبير عن نفسها ومصالحها وأفكارها، من دون أن يختنق الجميع في لعبة السلطة السياسية، ولا أن نختزل المجتمع في الصراع السياسي، فالمجال المدني يتسع للجميع ولتعددية كبيرة، إذ إن الفصل بين السياسي والمدني ينسجم أيضاً مع منطق الاختيار وعدم الاكراه، فهو يقوم على احترام الافراد واختياراتهم ما بين الذهاب بأي اتجاه اخر، وينسجم مع مبدأ (لا اكراه في الدين)، ويطلق العنان للتنافس والتعايش والتنوع داخل المجتمع[54].
وإن نجاح هذه المعادلة مشروط بحدوث تغيير داخل البنية العقائدية أو الدينية نفسها لدى الجماعات السلفية، أو بعبارة أخرى (دمقرطة الدين)، فيتقبل الاخر والتعددية النسبية والفردية ومبدأ الاختيار، ويتحول العمل الإسلامي إلى جزء من المجتمع المدني، وهو الشرط الذي يمثّل معضلة حقيقية؛ إذ إن المذهب السلفي تاريخياً في بنيته وتطوره تكوّر حول حماية النصوص وتحجيم دور العقل، وهو ما يعرقل عملية التطوير والتجديد ويحجّم المرونة المتاحة للسلفيين للتطور الأيديولوجي، ورغم صحة هذا الكلام ولكن التطور المطلوب يمكن أن يتم عبر الواقع والدفع بهذه الحركات والجماعات لتأخذ مساراً براغماتياً عقلانياً واقعياً، مع مرور الزمن إذا التزمت باحترام الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وحقوق الأقليات والافراد، فإن هذا ما يعني اللاعبين السياسيين الاخرين، ولها فيما بعد أن تطوّر نفسها داخلياً كما تشاء[55].
إن الفرضية التي نستند إليها في الدفع باتجاه إتاحة الفرصة السياسية للسلفيين للانخراط في اللعبة الديمقراطية والاندماج في المشهد السياسي تتمثل في أنه كلما اتسعت مساحة المشاركة السياسية للحركات السلفية ودخلت في حوارات ومناقشات وسجالات مع اللاعبين الاخرين كلما عزز ذلك من قوة التيار الأكثر اعتدالاً وانفتاحاً وضيّق الخناق على التيار المتشدد وانحساره تدريجياً، والعكس صحيح، إذ إن النهايات المنطقية لإعلان الإسلاميين الالتزام باللعبة الديمقراطية؛ أي القبول بقواعد التعددية السياسية وتداول السلطة والالتزام بالحريات العامة وحقوق الانسان، فإن النتيجة هي نهاية أيديولوجيا الدولة الإسلامية الني نظّر لها سيد قطب والمودودي وحسن البنا والعديد من المفكرين الإسلاميين خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
لأنه لو تصورنا بأن الخيار البديل يتمثل في قمع هذه الحركات السلفية وحرمانها من المشاركة السياسية بدعوى عدم إيمانها بالديمقراطية والدولة المدنية بوصفها شرطاً متلازماً مع اللعبة الديمقراطية، فلن نحتاج إلى تكهن النتائج أو التنبؤ بها، فالحصيلة ستكون إن هذه الحركات السلفية ستعود إلى معاقلها الدينية والمجتمعية ويزداد خطابها تشدداً تجاه القيم الديمقراطية بدلاً من أن تتطور، ولن تتمكن الدول من اقتلاع الجماعات السلفية عبر الحلول الأمنية أو الاقصاء والتهميش، فهذه الحلول مجربة منذ عقود، وكانت النتائج عكسية تماماً.
فبالرغم من الصعوبات التي واجهها حزب اتحاد الرشاد اليمني من حداثة تجربة الحكم بمخرجاتها ومدخلاتها، والموقف الدولي والإقليمي تجاههم ومسألة ربطهم بالإرهاب، باعتباره أول حزب سياسي ذي مرجعية سلفية يعلن تدشينه في اليمن في عام 2012، إلا إنه دشن بشكل رسمي خروج السلفية الحركية من بوتقة العمل الخيري إلى العمل السياسي، كما ساهم إلى حدٍ ما في تغيير بعض المسلمات التي كان ينظر لها من المحرمات التي لا يمكن الخوض فيها، كما فتح المجال لأحزاب وتيارات سلفية أخرى لمراجعة خياراتها ومسلماتها ونظرتها نحو السياسة والممارسة السياسية[56].
لذلك يفترض بالسلفية الاتجاه إلى مراجعة أطروحاتها وبديهياتها ومسلماتها ومبادئها الكبرى، وقد لا يعني ذلك اضمحلالاً كلياً لها، غير أن هذه المراجعات قد تعني انصهار السلفية في بنية المجتمع على مستوى الشكل كما المضمون، وهذا يعني أنها لن تكون مجرد طارئ على هذا المجتمع، بل ستكون متغلغلة في أعماقه ومتشبعة بثقافته، وذلك يفترض مجهوداً ونقداً ذاتيين مهمين يكتسب من خلالهما العقل السلفي ملكة فهم الواقع بدل إدانته فحسب، غير أن هذا التحول يفترض أيضاً وقوع تحولات بنيوية على المستويين الوطني والعالمي، فعلى المستوى الوطني لا بد من توجّه «الدولة الوطنية» إلى تعميق الإصلاحات، من خلال تبيئة نفسها مع الواقع الاجتماعي والثقافي المحلي، وذلك بدل أن تكون هذه الدولة دولة هيمنة تعادي التبيئة وتقتل الهويات المحلية بمختلف أشكالها، على اعتبار أن وراء كل ظاهرة معنى أو معاني وجب التقاطها بشكل جيد، وهذا المنطق لا يتم من خلال مقاربة تكنوقراطية تجعل من السياسات العمومية معطى جاهزا بل وإسقاطياً، على العكس من ذلك فلا مناص من التعامل مع حاجيات المجتمع من منطلق تفهمي يجيب عن الحاجيات الحقيقية النابعة من انشغالات الناس وهمومهم، هذا بشكل عام، أما بشكل خاص، فبخصوص علاقة الدولة بالحقل الديني فيفترض أن تحجم الدولة من توغلها وتحكمها وتدخلها السلبي في الشأن الديني. إن سحب البساط من تحت أقدام من «تعتبرهم» الدولة نقيضًا لها لا يمكن أن يتم إلا بإعادة الاعتبار للمؤسسات الدينية التقليدية، والتي كانت تضطلع بأدوار تربوية وتعليمية وثقافية بل واقتصادية واجتماعية وسياسية، ولا يكفي ذلك فقط بل لا بد أن تكون هذه المؤسسات مستقلة استقلالاً تاما، كما ينبغي أن تشتغل في مناخ من الحرية الكاملة[57].
نحن نتحدث عن تحول بنيوي على مستوى الدولة أيضا وليس على مستوى الحركات السلفية فحسب، وهذا الأمر ليس سهلاً أبدا، إنها مسألة متعلقة بسؤال الإصلاح أو التجديد الذي يعطي للحداثة تعريفات أخرى غير التعريف الذي أنتج مفهوم الدولة في السياق الغربي في عصر النهضة والأنوار، وهذا يجرنا إلى الحديث عن السياق العالمي، إذ إنه من المفترض بناءً على هذا الأساس، وبالموازاة مع الدينامية الداخلية ومع تزايد رقعة «الهويات» المطالبة بحقها في الثروة المادية والرمزية المقسمة بشكل غير عادل عبر العالم، من المفترض أن تتراجع القوى المهيمنة عن منطق الاستغلال وتبدأ بالقبول التدريجي بعالم متعدد الأقطاب، أي عالم يقبل بثنائية العام والخاص، بالمشترك الإنساني والهوية المحلية، يعني ذلك تراجع هذه القوى عن التدخل المجحف في مختلف البلدان واحترام إرادتها الجماعية، نحن نتحدث عن حداثة إنسانية بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي حداثة تحترم وتعضد التعدد والاختلاف والتنوع.
السيناريو الثالث: سيناريو الفشل والفوضى
إن معظم التيارات السلفية في العالم العربي والإسلامي، أحجمت عن المشاركة في العملية السياسية، وركّزت على الأنشطة الدعوية لنشر أفكارها الدينية المحافظة، وانخرطت في العمل الخيري والاجتماعي الرامي إلى تغيير المجتمع من أسفل، لكن ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011 غيّرت ذلك، إذ أنشأ سلفيّو مصر أحزاباً عدّة بعد سقوط حسني مبارك، وكذلك فعل نظراؤهم التونسيون، وأنشأوا أحزاباً سلفية في تونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي على الرغم من وجود أحزاب سياسية قبل عهد بن علي وخلال حكمه وغالبيتها كانت تعمل من خارج تونس، وكذلك سلفيو الأردن ايضاً كانت توجد أحزاب دينية وسلفية فيها قبل اندلاع ثورات الربيع العربي واليمن، يُضفي حضور الأحزاب السلفية في المشهد السياسي قيمةً على عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد العربية. وعلى الرغم من أن هذه الأحزاب مُحافظة، إلا أنها توافق على العمل السياسي السلمي باعتباره وسيلة للتغيير، كما ترفض استخدام العنف، ما يسمح بدمج شريحة كبيرة من المجتمع في العملية السياسية، كما يضفي وجود الأحزاب السلفية قدراً من التنوّع على المشهد السياسي الإسلامي، فيصبح من الصعب على أي حزب إسلامي واحد أن يدّعي أنه يمثّل جميع المسلمين، إذ إن مشاركة التيارات السلفية في العمل السياسي جاء لسببين:[58]
أولهما، عدم إدراك التحديات الخارجية الرابضة لهم في الفعل السياسي، إذ إن التيارات السلفية تتحدث بعالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وهذا يتعارض مع العولمة التي تحاول الانتشار عالمياً، في كل مكان وزمان وتفرض قيمها واقعاً على المجتمعات، وعدم إدراك التحديات الداخلية المتمثلة في عدم جاهزية التيار السلفي للفعل السياسي بما تتطلبه من كوادر معلمة ومدربة وفاعليات رسمية (أحزاب) وغير رسمية (جماعات ضغط) ذات خبرة، أو مالآت الفعل السياسي مثل: ممارسة التشريع في المجلس النيابي، وإدارة الدولة في حال الوصول للحكم أو المشاركة فيه، والتعامل مع النظام الدولي ومتطلباته التي تزاحم سيادة الدول.
ثانيهما، اقتناص فرصة لتمكين فكرتهم، فقد كان الهدف من المشاركة السياسية أن يستعملوا أدوات الديمقراطية في فرض رؤيتهم واقعاً في حياة الناس.
إن اهمال التعاطي مع التحديات، بفعل نظرية العزلة، وخاصة التحديات الخارجية ظهر أثره في التغذية الاسترجاعية؛ إذ إن التيارات السلفية وحدات تعمل متجاورة ويحدث بينها تفاعل صراعي أو تعاوني، وتتواجد ضمن نظام تتفاعل صراعياً وتعاونياً مع البيئة المحيطة بها والخارجة عنها في هذا النظام وتتلقى دعماً، وتصدر قرارات يفهم منها سياساتها، والمفترض إنها بعد ذلك تُمارس تغذية استرجاعية؛ بمعنى إنها تعيد تقييم قراراتها، وتعدل فيها، ولكن لا يتضح أن ثمة جهة معنية بتقييم التجارب وتقويمها، وإنما يتحركون حسب المساحة المتاحة لهم لفرض رؤيتهم أو توسيع قاعدتهم الدعوية، إلا إن العزلة والانكفاء على التصفية والتربية أدت إلى أن اهملت التيارات السلفية المراجعات الفكرية التي تتجه للتجاوب مع المنافسين، بل ولم تتجاوب مع محاولات مد الجسور مع المنافسين في الساحة السلفية إلا بشكل محدود لا يرقى لمستوى الظاهرة، ولا يرقى لمستوى تغيير المسار، ومن يقبل منهم فكرة من أفكار الديمقراطية يؤكد على أنه وصل إليها من خلال استقراء الكتاب والسنة وسيرة الراشدين، ولم يعرف السلفيون بالتخصص في الفقه، وبالتالي لم يمارسوا التجديد الفقهي، ولم يقربوه وجل اهتمامهم بقضية التوحيد، واستئناف الحياة الإسلامية، ولذلك لا يبدو مُجدياً أن يُطالب السلفيون بإنتاج فقه جديد يلاحق متغيرات لا تتجمد ولا تعرف الثبات، فهم لا يتجهون إلى الدمج مع إفرازات الحضارة الغربية، وإنما يميلون إليها حال الضعف أو استثناءً، ومن سلبيات نظرية العزلة وتطوراتها (التصفية والتربية) بقاء الحالة السلفية في إطار الممانعة، يحافظون على ما في أيديهم، أو على فكرتهم دون أن يقدموا بديلاً، أو بالأحرى دون أن يروا أنهم في حاجة لتقديم بديل شامل يُطال جميع مناحي الحياة.[59]
وبالمحصلة إن أغلب التيارات السلفية عاجزة لأسباب بنيوية ومعرفية عن التكيف مع المنظومة الديمقراطية، وبالتالي عن انتاج هيكلية حزبية مرئية أو ملموسة، وعاجزة عن القيام بوظائف سياسية ومنها المشاركة الديمقراطية في الحياة السياسية والقبول بالتعددية بسبب تخندقها في الفخ الأيديولوجي، حيث إنها جميعاً على الرغم من بعض التباينات تهدف إلى انشاء دولة إسلامية، إذ أن سلفيّي مصر وتونس واجهوا الكثير من التحديات السياسية، فقد تراجعت أهمية الأحزاب السلفية على المستوى السياسي، بالتزامن مع تزايد شعبية التيارات التكفيرية التي ترفض الاعتراف بالآليات الديمقراطية كوسيلة ممكنة لتحقيق التغيير السياسي، وتسعى بدل ذلك إلى بناء دولة إسلامية من خلال الجهاد المسلّح، إذا ما أرادت الأحزاب السلفية أن تؤدّي دوراً سياسيّاً فاعلاً وأن تحافظ على مستوى معيّن من التأثير على العملية السياسية، تحتاج إلى استعادة ثقة الشباب الإسلامي، وإيجاد توازن صحيّ بين هياكلها السياسية والدينية، وتقديم رؤية سياسية أكثر شمولاً لدور الشريعة الإسلامية في الحكم[60].
تُعزى في مصر بعض المشاكل التي تواجه الأحزاب السلفية إلى الإخفاقات السياسية التي تكبّدتها جماعة الإخوان المسلمين، فجماعة الإخوان، التي تسنّمت السلطة في العام 2012، اتبعت نهجاً سلميّاً وتدريجيّاً في العمل السياسي، وشكّل فوز الرئيس الأسبق محمد مرسي، مرشّح جماعة الإخوان المسلمين، في الانتخابات الرئاسية في حزيران 2012 انتصاراً لمنهجها على السلفية التكفيرية، إلّا إن عزل مرسي على يد الجيش في تموز 2013 كان بمثابة ضربة لهذا النهج، ظنّ البعض إن فشل جماعة الإخوان في إدارة مؤسسات الدولة المصرية بشكلٍ فعّال، ثم استبعادها من الحياة السياسية، يمكن أن يصبّا في صالح حزب النور، المنافس الرئيس للإخوان على الساحة السياسية الإسلامية، لكن فشل الإخوان هو أكثر من مجرّد فشلٍ لَحِقَ بمنظمةٍ سياسية، بل إن فشل المشروع السياسي لجماعة الإخوان أدّى إلى فقدان الثقة في العمل السياسي السلمي كوسيلةٍ للتغيير، وفيما ترك بعضُ السلفيين العمل السياسي وعادوا إلى العمل الدعوي، اختار آخرون الانضمام إلى المجموعات السلفية التكفيرية لبناء دولة إسلامية بالقوة، فالإنجازات التي حقّقتها مجموعات، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة في سورية بشكلٍ خاص، صوَّرت استخدامَ القوة على أنه خيارٌ فعّال، حيث واجه حزب النور تحديات كبيرة من حركة السلفية التكفيرية، وبعد أن دعم هذا الحزب التدخّل العسكري ضدّ جماعة الإخوان المسلمين في تموز 2013، واجه انتقادات من قِبل بعض مؤيّديه الذين عدَّوا أنه قد تخلّى عن المشروع الإسلامي، وتصاعدت هذه التوترات في تشرين الأول 2015 مع اغتيال المرشّح البرلماني عن حزب النور في شمال سيناء من قبل مقاتلين سلفيين جهاديين.[61]
أما حزب جبهة الإصلاح التونسي فقد واجه تحديات مماثلة، فحزب النهضة الإسلامي، الذي فاز في أول انتخابات عُقدَت بعد انتفاضة تونس في تشرين الأول 2011، ترأس الحكومة التونسية، لكن الحزب ترك الحكم بعد أن تبوّأ المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الأول 2014، وعلى الرغم من أنّه لم يتمّ إقصاؤه عن الحكم بالقوة، كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلّا أن هناك شرائح من الشباب المنتمين إلى الحركة الاسلامية الذين يعدَّون أن حزب النهضة فشل هو الآخر في بناء دولة إسلامية، لقد خاب أمل الشباب القريبين من السلفية التكفيرية؛ فهم يتّهمون النهضة بخيانة المشروع الإسلامي، بعد فشله في الإشارة إلى الشريعة الإسلامية كمصدرٍ للتشريع في الدستور، إضافةً إلى ذلك، ما يثير غضب الشباب القريبين من السلفية التكفيرية..، هو إن النهضة سعى إلى المصالحة مع رموز النظام التونسي السابق، من خلال قبول المشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب نداء تونس الذي يضمّ عدداً من العلمانيين وأعضاء يُعرف عنهم أنهم قريبون من النظام السابق، واتهمت بعض الأصوات السلفية التكفيرية علناً حزب النهضة بأنه جُرم يدور في فلك الولايات المتحدة، وانحرف عن مسار المشروع الإسلامي ويسعى إلى إرضاء بلدان الغرب حتى على حساب الإسلام وأحكامه[62] .
وتأسيساً على ما سبق يمكن القول بأن سيناريو الفشل والفوضى هو الأكثر ترجيحاً؛ وذلك يعود للأسباب الآتية:
ردود الفعل الاجتماعية السلبية ضد التيارات السلفية الإسلامية بشكل عام نتيجةً لتدخلها بالحياة السياسية وصعودها الميدان السياسي، وما نتجَ عنه من صدامات دموية خاصةً في مرحلة ما بعد احداث ثورات الربيع العربي.
المتغيرات الجديدة للبيئة الإقليمية والدولية وما مثلته من تحفظ واسع تجاه التيارات السلفية الإسلامية وخصوصاً تجاه بعض الدول التي تدعمها.
تراجع أهمية الأحزاب السلفية التقليدية على المستوى السياسي، بالتزامن مع تزايد شعبية الحركات السلفية التكفيرية التي ترفض الاعتراف بالآليات الديمقراطية كوسيلة ممكنة لتحقيق التغيير السياسي، وتسعى بدل ذلك إلى بناء دولة إسلامية من خلال الجهاد المسلّح.
ارتباط الإرهاب فكرةً وتنظيراً بكل ما هو سلفي وأصبحت قضية تجنيد الكثير من المقاتلين الذين يشاركون في العمليات الإرهابية من خلال البيئات السلفية وهو ما مثّل تحدياً كبيراً لاستمرار مثل هذه الحركات وانحسارها تدريجياً.
الخاتمة
شكلت ثورات الربيع العربي نقطة تحول في مسار التيارات السلفية تتمثل على السطح العام باقتحامها ميدان العمل السياسي والحزبي في بعض الدول، واستعدادها لاقتحامه في دول أخرى، وفي العمق تشكّل هذه الثورات تحولاً مهماً في البيئة الاجتماعية والسياسية التي تعمل في نطاقها هذه الحركات، مما اقتضى منها إعادة التفكير في مسلماتها الفكرية السابقة للثورات، وتحديداً حول أهمية العمل السياسي وأولويته.
على الطرف الاخر ثمة رهاب سياسي من الخطاب السلفي في كثير من الدول العربية، الذي لا يزال مُصرّاً على إقامة الدولة الإسلامية والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، مما يعني بالضرورة تقييداً للحريات الفردية والعامة، وهو ما يصطدم به السلفيون مباشرةً مع القوى السياسية الأخرى.
ومن هذه الهوة الفاصلة بين ما يطرحه السلفيون ومخاوف التيارات العلمانية من أن السلفيين قد مثلوا اليوم خطراً داهماً لمسار الأنظمة الجديدة في المنطقة في حقبة الثورات الديمقراطية، مما جعل التركيز من تلك التيارات على الالتزام بالدولة المدنية وبالعلمانية بوصفها شرطاً للديمقراطية قضيةً محورية في السجالات السياسية والإعلامية في العالم العربي.
وإذا كان هنالك ما يسوّغ القلق لدى التيارات الأخرى من الطرح السلفي، فإن مشاركة الحركات السلفية في اللعبة الديمقراطية ربما مثّل من زاوية مقابلة فرصة تاريخية لإعادة هيكلة العلاقة بين الدين والديمقراطية والعلمانية، وفق القاعدة التي تقول بأن الممارسة السياسية هي الكفيلة بتطوير خطاب الحركات السلفية وأفكارها، بدلاً من انعزالها خارج اللعبة السياسية، وبقاء أفكارها نافذة على شريحة اجتماعية واسعة، من دون أن تشهد هذه الأفكار عملية تطوير وغربلة في الواقع.
يمكن ملاحظة ذلك بوضوح في تجربة السلفيين المصريين؛ فهم كانوا يرفضون الديمقراطية قبل الانتخابات، ثم انقلبوا على ذلك وبدأوا يعلنون القبول جزئياً بها، وبالموافقة على قواعد اللعبة، وكانوا يرفضون مشاركة المرأة في الترشح لمقاعد النواب فعادوا وقبلوا بذلك وشاركوا، وكانوا ينتقدون ترشيح الليبراليين، ثم عادوا وأعلنوا تأييدهم لترشيح الليبراليين في الانتخابات الرئاسية، فهذا وإن دل على شيء فيدل على أن الممارسة الواقعية تفرض على السلفيين تطوير خطابهم وأفكارهم.
فالتيارات السلفية المعاصرة قد تمتعت بنوع من المرونة والتدرج، فتكيفت في سياقات متعددة سياسياً واجتماعياً، بشكل جعلها مستمرة وفاعلة في واقعها الاجتماعي والسياسي، قد توج هذا الأمر بانخراطهم في الحقل السياسي وتأسيس أحزاب سياسية، سواء كان في اليمن، أو في مصر أو تونس أو غيرها من البلدان التي شهدت هذا الحدث الثوري.
[1] هشام جعفر، السلفية الجديدة على الانترنت الإسلام اليوم أنموذج، في مجموعة باحثين، رماح الصحائف، ط1، مركز المسبار للدراسات والبحوث، د.م، 2010، ص 158.
[2] مروان شحادة، السلفية الألبانية قراءة نقدية، في مجموعة باحثين، رماح الصحائف (السلفية الألبانية وخصومها)، مصدر سابق، ص116.
[3] (*) وهو فكر انتشر في عهد الخليفة العباسي المأمون من قبل فرقة المعتزلة والتي تعدّ أن القرآن مخلوق وكلام الله= =مخلوق، واقتنع بهذا الرأي الخليفة المأمون وطالب بنشر هذا الفكر وعزل كلِّ قاضٍ لا يؤمن بهِ. وهو ما لقي معارضة واستهجان كثير من الفقهاء مثل الإمام أحمد بن حنبل والذي تحمل من أجل ذلك الكثير من التعذيب حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاء هذه المحنة وأفرج عنه. للمزيد ينظر: طارق محمد عبد المنشاوي، فتنة خلق القران بين القبول والرفض، كلية أصول الدين، القاهرة، د.ت.
[4] احمد زغلول شلاطة وآخرون، بين السلفية وإرهاب التكفير، أفكار في التفسير، ط1، سلسلة كتب المستقبل العربي (73)، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016، ص99.
[5] سعدي كريم سلمان، الحزبية والتعددية في الفكر السياسي الإسلامي الحديث، ط1، ابن النديم للنشر والتوزيع-دار الروافد الثقافية-ناشرون، الجزائر-بيروت، 2013، ص ص336-337.
[6] احمد زغلول شلاطة وآخرون، مصدر سابق، ص99.
[7] عبد الرحمن عبد الخالق، الأصول العلمية للدعوة السلفية، د.ن، الكويت، 1395 هـ، ص ص 11-12.
[8] للمزيد ينظر: بشير موسى نافع، عز الدين عبد المولى وآخرون، محررون، الظاهرة السلفية: التعددية التنظيمية والسياسات، الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2014.
[9] محمد أبو رمان، الصراع على السلفية قراءة في الأيديولوجيا والخلافات وخارطة الانتشار، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2016، ص21.
[10] عبد الغني عماد، السلفية: النشأة والخطاب والتيارات، منتدى الحوار لتجديد الفكر العربي،
http;//alhiwar2012.wordpress.com
[11] محمد أبو رمان، الصراع على السلفية، مصدر سابق، ص22.
[12] هاشم عبد الرزاق صالح الطائي، التيار الإسلامي في الخليج العربي: دراسة تاريخية، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي، 2010، ص 198.
[13] للمزيد ينظر: فهمي جدعان، السلفية حدودها وتحولاتها: مراجعة شاملة، مجلة عالم الفكر، العدد 26، ابريل 1998، ص73.
[14] السلفية العالمية، الحركات السلفية المعاصرة في عالم متغير، حرره: رول ميير، ترجمة: محمد محمود التوبة، ط1، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2014، ص45.
[15] المصدر نفسه، ص ص45- 46.
[16] جمال البدوي، السيف الأخضر، دراسة في الأصولية الإسلامية المعاصرة، ط1، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 2002، ص 14.
[17] حيدر إبراهيم علي، أزمة الإسلام السياسي: الجبهة الإسلامية القومية في السودان نموذجاً، ط4، إصدارات مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1999، ص 10.
[18] للمزيد ينظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج7، المكتبة السلفية، د.م، د.ت، كتاب فضائل الصحابة، ح 3650/3، البخاري، صحيح البخاري، ج3، تحقيق: أحمد محمد شاكر، (بيروت، دار إحياء التُراث العربي، د.ت)، ص151، كتاب الشهادات.
[19] عبد الغني عماد، السلفية وإشكالية الآخر بين المفاصلة والمفاضلة، في: مجموعة باحثين، السلفية-النشأة، المرتكزات، الهوية، ط1، معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، د.م، 2004، ص52-53.
[20] سعدي كريم سلمان، مصدر سابق، ص335-336.
[21] مصطفى الفيلالي، الصحوة الإسلامية الدينية: خصائصها، أطوارها، مستقبلها، مجموعة باحثين، الحركات الدينية الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987، ص356.
[22] سعيد الحوى، جند الله ثقافة وأخلاقاً، ط2، القاهرة، دار الطباعة الحديثة، 1977، ص106.
[23] أمل هندي كاطع، الخطاب الإسلامي المعاصر: واقع التطرف ودعوات التجديد، ص80.
[24] محمد جمال باروت، يثرب الجديدة، الحركات الإسلامية الراهنة، ط1، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت-لندن، 1994، ص ص 162-163.
[25] إبراهيم النجار وآخرون، دليل الحركات الإسلامية في العالم، ط3، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، العدد الأول، مارس 2006، ص19.
[26] صلاح الدين الجورشي، إشكاليات الفكر الإسلامي المُعاصر، (مالطا، مركز دراسات العالم الإسلامي، 1991)، ص 214.
[27] سعدي كريم سلمان، مصدر سابق، ص403.
[28] طارق البشري وآخرون، الإسلام والتطرف الديني، ط1، (القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2009)، ص128.
[29] سورة المائدة: الآية: 44.
[30] بدر الراشد، الحداثة والنص والإصلاح الديني، حوارات مع الشيخ عبد العزيز القاسم، تقديم رضوان السيد، ط1، (الدار البيضاء- بيروت، المركز الثقافي العربي، 2009)، ص ص 57- 58.
[31] المصدر السابق نفسه، ص ص59-60.
[32] هاني نسيرة، القاعدة والسلفية الجهادية، الروافد الفكرية وحدود المراجعات، كراسات استراتيجية، العدد(188)، السنة (18)، (القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2008)، ص ص 32-33.
[33] احمد الريسوني، الحركة الإسلامية المغربية: صعود أم أفول؟، منشورات ألوان مغربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2004، ص52.
[34] هاني نسيرة، القاعدة والسلفية الجهادية، مصدر سابق، ص ص 35-36.
[35] عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، ص 70.
[36] يوسف القرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام، دار الشروق، القاهرة، مصر، ط1، 1997، ص 16.
[37] عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، ط2، د.م، د.ن، 1967، ص68.
[38] محمد عمارة، الصحوة الإسلامية والتحدي الحضاري، دار المستقبل، القاهرة، 1985، ص90.
[39] سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، القاهرة، 1980، ص8.
[40] هادي محمود، التوظيف السياسي للفكر الديني (بحوث ومقالات)، ط1، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، اربيل، 2008، ص ص5-6.
[41] نبيل عبد الفتاح، المصحف والسيف، صراع الدين والدولة في مصر، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1984، ص53.
[42] محمد علي ضناوي، كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، ط1، دار الجهاد-دار الاعتصام، القاهرة، 1978، ص 90.
[43] إبراهيم اكزول، الأصول المعرفية للنموذج الحداثي والسلفية الحديثة، السلفية تحولاتها ومستقبلها، أوراق المؤتمر الدولي الذي عقده منتدى العلاقات العربية والدولية في مدينة إسطنبول، 30-31 أغسطس 2018، ص101.
[44] محمد سليمان الزواوي، إشكاليات تطور الفكر السياسي السلفي: مفهوم اهل الشوكة انموذجاً، السلفية تحولاتها ومستقبلها، أوراق المؤتمر الدولي الذي عقده منتدى العلاقات العربية والدولية في مدينة إسطنبول، 30-31 أغسطس 2018، ص 113-114.
[45] المصدر نفسه، ص114-115.
[46]( * يتكون مجلس أمناء الدعوة السلفية من ستة أشخاص، وهم: محمد عبد الفتاح أبو إدريس الرئيس العام، محمد إسماعيل المقدم، ياسر برهامي، أحمد فريد، أحمد حطيبة، سعيد عبد العظيم، للمزيد يُنظر: المصدر نفسه، ص 116.
[47] للمزيد ينظر: حمزة المؤدب، خروج النهضة المُرتبك من الإسلام السياسي، سلسلة دراسات حول الإسلام السياسي، مؤسسة كارنييغي للسلام الدولي، بيروت، أيلول 2019.
[48] للمزيد ينظر: نواف القديمي، «الإسلاميون وربيع الثورات: الممارسة المنتجة للأفكار، موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ابريل 2012، ص41.
[49] محمد سليمان الزواوي، إشكاليات تطور الفكر السياسي السلفي، مصدر سابق، ص121.
[50] محمد أبو رمان، السلفيون العرب في لحظة الثورات: التحدي والاستجابة، محمد سليمان أبو رمان واخرون، التحولات السلفية: الدلالات-التداعيات-الافاق، ط1، الأردن، مؤسسة فريدريش إيبرت، 2013، ص 9.
[51] نقلاً عن: محمد أبو رمان، السلفيون العرب في لحظة الثورات، مصدر سبق ذكره، ص 9.
[52] نقلاً عن: محمد أبو رمان، الصراع على السلفية: قراءة في الأيديولوجيا والخلافات وخارطة الانتشار، ط1، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016، ص176.
[53] المصدر نفسه، ص 176.
[54] ينظر بتصرف: محمد أبو رمان، الصراع على السلفية، مصدر سابق، ص 176-180
[55] نقلاً عن: المصدر السابق نفسه، ص179-180.
[56] محمد احمد الحميري، تحولات السلفية المعاصرة في اليمن: حزب اتحاد الرشاد مثالاً (1990-2018)، مؤتمر السلفية تحولاتها ومستقبلها، مصدر سابق، ص392-393.
[57] إبراهيم اكزول، الأصول المعرفية للنموذج الحداثي والسلفية الحديثة، مصدر سابق، ص100.
[58] محمد جلال القصاص، أثر المشاركة السياسية على الفكر السلفي في مصر، قراءة في المحددات والممارسة والاتجاهات، مفكرون للنشر والتوزيع، ط1، د.م، 2017، ص217-218.
[59] ينظر: المصدر السابق نفسه، ص218-219.
[60] جورج فهمي، مستقبل السلفية في مصر وتونس، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي:
https://carnegie-mec.org/2015/11/16/ar-pub-61954
[61] المصدر السابق نفسه.
[62] نقلاً عن: فتحي السعيد، التيار السلفي في تونس: التحولات، التحديات والافاق، محمد سليمان أبو رمان واخرون، مؤتمر التحولات السلفية: الدلالات-التداعيات-الافاق، مصدر سبق ذكره، ص25.