تاريخ الاستلام 1/2/2023                تاريخ القبول 20/3/2023

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/nzbgcp39

    

التحالفات السياسية في العراق

ومشكلة تشكيل الحكومة

Political alliances in Iraq

and the problem of forming a government

أ.م.د. أسعد طارش عبد الرضا

مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية

Asaad Tarish Abdul Reda

Director of the center for strategic and international studies

المستخلص

شهد العراق منذ العام 2003 تغيرا سياسياً كبيراً تمثل بتغيير النظام السياسي من نظام سياسي يرتكن إلى الحزب الواحد إلى نظام سياسي تعددي قائم على التعددية الحزبية، وشهد منذ تلك الحقبة أحزاباً سياسية لها ايديولوجيات مختلفة، منها الدينية والقومية بتفرعاتها كافة. التحالفات السياسية في العراق كانت ولا تزال هي المحور الذي تقوم عليه أي عملية سياسية في البلاد منذ أول انتخابات أجريت في البلاد عقب انتهاء النظام البائد. لكن أهمية هذه التحالفات ازدادت في الآونة الأخيرة – قبيل تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني- مع الانسداد السياسي غير المسبوق، وتمسك كل طرف من الأطراف المتحالفة مع بعضها بموقفه، وسط تساؤلات عن مصير العملية السياسية في العراق في ضوء استمرار هذه التحالفات، أو حتى تفككها في حال عدم التوصل لنتيجة تزيل الوضع المتأزم. وإذا سلمنا بان الأصل في الديمقراطية التوافقية التي اعتمدها العراق، والتمثيل النسبي في نظامه الانتخابي يشكل حكومة مكونة من ائتلافات تكون أكثر قدرة على صنع السياسات بشكل يتسم بالثبات والوسطية. وأن السياسات التي يدعمها توافق واسع تنفذ بنجاح وتثبت في طريقها أكثر من السياسات التي تفرضها حكومة أغلبية ضد رغبات قطاعات مهمة من المجتمع.

Abstract

Since 2003, Iraq has witnessed a major political change represented by changing the political system from a political system that relies on one party to a pluralistic political system based on multi-partisanship. Political alliances in Iraq have been and still are the axis upon which any political process in the country is based, since the first elections held in the country after the end of the former regimeHowever, the importance of these alliances has increased recently - prior to the formation of Al-Sudanis government - with the unprecedented political impasse, and each of the allied parties clinging to each others position, amid questions about the fate of the political process in Iraq in light of the continuation of these alliances, or even their disintegration in the event Failure to reach a conclusion removes the crisis situationAnd if we accept that the principle of consensual democracy adopted by Iraq, and proportional representation in its electoral systemis a government composed of coalitions that are more capable of making policies in a manner that is stable and moderate. and that policies backed by broad consensus are more successfully implemented and proven to be more effective than policies imposed by “decisive” government against the wishes of significant sectors of society.

المقدمة:

شهد العراق منذ العام 2003 تغيرا سياسياً كبيراً تمثل بتغيير النظام السياسي من نظام سياسي يرتكن إلى الحزب الواحد إلى نظام سياسي تعددي قائم على التعددية الحزبية، وشهد منذ تلك الحقبة أحزاباً سياسية لها ايديولوجيات مختلفة، منها الدينية والقومية بتفرعاتها كافة.

التحالفات السياسية في العراق كانت ولا تزال هي المحور الذي تقوم عليه أي عملية سياسية في البلاد منذ أول انتخابات أجريت في البلاد عقب انتهاء النظام البائد. لكن أهمية هذه التحالفات ازدادت في الآونة الأخيرة – قبيل تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني- مع الانسداد السياسي غير المسبوق، وتمسك كل طرف من الأطراف المتحالفة مع بعضها بموقفه، وسط تساؤلات عن مصير العملية السياسية في العراق في ضوء استمرار هذه التحالفات، أو حتى تفككها في حال عدم التوصل لنتيجة تزيل الوضع المتأزم.

وإذا سلمنا بان الأصل في الديمقراطية التوافقية التي اعتمدها العراق، والتمثيل النسبي في نظامه الانتخابي يشكل حكومة مكونة من ائتلافات تكون أكثر قدرة على صنع السياسات بشكل يتسم بالثبات والوسطية. وأن السياسات التي يدعمها توافق واسع تنفذ بنجاح وتثبت في طريقها أكثر من السياسات التي تفرضها حكومة أغلبية ضد رغبات قطاعات مهمة من المجتمع.

لكن في العراق واجهت مسألة تطبيق الديمقراطية العديد من التحديات من بينها تشكيل الحكومة وهو ما سنحاول توضيحه في هذا البحث.

إشكالية البحث

تتعلق إشكالية البحث في سؤال رئيس هو «هل استطاعت العملية السياسية في العراق أن تجسد مثل هذا الأصل من خلال الائتلافات التي عرفها العراق منذ أول انتخابات تشريعية، أم أنه تعثر في تحقيق ذلك» ؟

فرضية البحث

ننطلق في بحثنا هذا من فرضية مفادها» أنه على الرغم من أهمية التحالفات السياسية في تشكيل الحكومات المتعاقبة في العراق منذ العام 2003، إلا انها لم تقدم نموذجا يتسم بالاستقرار والديمومة في تعاقبها». 

منهجية البحث

اعتمدنا في بحثنا على المنهج الوصفي التحليلي وهو عبارة عن وصف وتحليل دقيق وتفصيلي لظاهرة معينة أو موضوع محدّد فضلا عن الاستعانة بمنهج دراسة الحالة يلقى اهتماماً وإقبالاً متزايدين من الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وبالرغم من ذلك فإنه يواجه تحديات في مدى قدرتها على التعميم والاستدلال.

المحور الأول

التحالفات السياسية وتشكيل الحكومات

نحاول من خلال هذا المحور تسليط الضوء على ماهيّة التحالفات السياسية، والحكومة والحكومة الائتلافية وأسباب الأخذ بها.

أولا: التحالفات السياسية

التحالف السياسي هو التحالف الذي تشترطه الوقائع والمهام الفعلية في اللحظة التاريخية المحددة.[1] غالباً فان التحالفات السياسية تكون نتاج طبيعي لطبيعة النظام الانتخابي السائد في الدولة ففي الدولة التي تعتمد على نظام التمثيل النسبي كنظام انتخابي، لم يحصل أي من الأحزاب السياسية أو التحالفات التي تم تشكيلها قبل الانتخابات على أغلبية مقاعد البرلمان، فلا بد أن تخضع عملية تشكيل الحكومة إلى المساومات بين مختلف الأحزاب السياسية بعد الانتخابات. وتتفاوض الأحزاب السياسية التي لم تنخرط بتحالفات تسبق الانتخابات لتشكيل ائتلافات تضمن تشكيل حكومة تتمتع بدعم وتأييد غالبية أعضاء البرلمان. وخلال تلك المفاوضات تتباحث الأحزاب حول الحقائب الوزارية، وتوزيعها والبرنامج السياسي العام للحكومة.[2]

ولا يمكن التنبؤ دائماً بكيفية تأثير نتائج الانتخابات وتوزيع المقاعد المنتخبة في البرلمان الجديد على تشكيل الحكومة القادمة. فأية أحزاب سياسية تصبو لتشكيل الحكومة، وما هي التحالفات التي يمكنهم تحقيقها مع الأحزاب الأخرى والمرشحين المستقلين، وما هو مدى نجاحهم في عملية التفاوض في سبيل ذلك تعتبر جميعها عناصر تؤثر في تحديد شكل الحكومة الجديدة.[3]

وعليه لا يمكن التنبؤ دائماً بكيفية تأثير نتائج الانتخابات وتوزيع المقاعد المنتخبة في البرلمان الجديد على تشكيل الحكومة القادمة. فأية أحزاب سياسية تصبو لتشكيل الحكومة، وما هي التحالفات التي يمكنهم تحقيقها مع الأحزاب الأخرى والمرشحين المستقلين، وما هو مدى نجاحهم في عملية التفاوض في سبيل ذلك تعتبر جميعها عناصر تؤثر في تحديد شكل الحكومة الجديدة.

وهنا تظهر إمكانات تشكيل حكومة ائتلافية إذا[4]:

تقلصت المسافة أو الفارق الأيديولوجي بين الأحزاب السياسية، كلما ازدادت احتمالات اشتراكهم في تشكيل حكومة ائتلافية سوية. ففي هذه الحالة ستكون تلك الأحزاب أكثر قدرة على الاتفاق على السياسات، وستزداد احتمالات تأييد ناخبيهم لذلك الائتلاف.

يمتلك الحزب السياسي الذي يحتل موقعاً مركزياً في الفضاء السياسي قدرةً أكبر من غيره من الأحزاب على تشكيل ائتلاف حكومي مع عدد أكبر من الأحزاب. فهو الحزب الذي يمتلك أفضل موقع للمساومة من غيره، حيث أنه يمتلك خيارات أوسع وبدائل أكثر لتشكيل الائتلافات مع غيره من الأحزاب، وبذلك فهو المرشح الأكبر للمشاركة في الحكومة الجديدة.

إذا الفارق الأيديولوجي بين الأحزاب السياسية الواقعة على أحد طرفي المعادلة السياسية فسيكون من الصعب عليها تشكيل حكومة ائتلافية فيما بينها. وهو ما يعني تزايد احتمالات تشكيل حكومة أقلية كلما اتسعت الهوة الأيديولوجية بين الأحزاب المعارضة لها.

ثانياً: الحكومة والحكومة الائتلافية أسباب الأخذ بها

الحكومة:

أخذ مفهوم الحكومة طبقاً للمعيار العضوي ثلاثة مفاهيم وهي: الحكومة بمعنى الوزارة، والحكومة بمعنى السلطة التنفيذية، والحكومة بمعنى مجموع السلطات الدستورية.[5]

يُقصد بلفظ الحكومة الوزارة وهو المعنى الضيق للحكومة، ويشملُ رئيس الوزراء والوزراء، وهذا هو المعنى الشائع في البلدان التي تأخذ بالنظام البرلماني، فيقال إن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان وهو مفهوم لا يتردد إلا في النظام البرلماني الذي يوجد فيه مجلس للوزراء. أما الحكومة بمعنى السلطة التنفيذية هو أكثر اتساعاً على اعتبار أن هذه الأخيرة تجسد وتمثل الدولة والسلطة السياسية أمام الأفراد، وهي تضم رئيس الدولة سواء كان ملكاً أو رئيساً للجمهورية من جهة، وهيئة الوزراء التي تشملُ رئيس الوزراء ونوابه، والوزراء ونوابهم من جهة أخرى، وينصرفُ هذا المعنى إلى غاية موظفي الإدارات العامة. ويكون مفهوم الحكومة أوسع عندما يقصد بها مجموع السلطات الدستورية في الدولة، فتشمل بذلك السلطة التشريعية التي تسنُ القوانين، والسلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذ هذه القوانين، مع صلاحياتها في إدارة المرافق العامة، والسلطة القضائية التي تختصُ بالفصلِ في المنازعات بين الأفراد، وبين الإدارة والأفراد.[6]

الحكومة الائتلافية

الحكومة الائتلافية هي «حكومة مشكلة من حزبين سياسيين أو أكثر تدفعهم لذلك مصلحة سياسية أو رؤية فكرية متقاربة، وربما يكون التحالف نتاج وضعية أملاها سياق سياسي مع اختلاف الشركاء جذريا في المرجعية الفكرية. وفي الحالة الأخيرة يخضع تشكيل الحكومة عادة لمفاوضات عسيرة تُقدم خلالها تنازلات قد تكون كبيرة. والهدف عادة من تشكيل الحكومة الائتلافية هو ضمان أغلبية برلمانية مساندة لهذه الحكومة، تمكنها من تنفيذ برنامجها السياسي الذي يتطلب دائما تمرير القوانين داخل البرلمان بأغلبية مريحة.[7]

والواقع أن الحكومات الائتلافية ميزة خاصة بالنظام البرلماني دون الرئاسي وشبه الرئاسي، ومرد ذلك إلى حتمية توفر الحكومة على أغلبية برلمانية، عكس النظام الرئاسي وشبه الرئاسي الذي يُركز في يد الرئيس صلاحيات واسعة تُمكنه من إنجاز الجزء الأهم من برنامجه السياسي دون حاجة حيوية إلى أغلبية برلمانية واسعة.[8] وحقيقة أن الحكومات الائتلافية لا تتمتع بالسيطرة الكاملة لا يعني أنها لا تتمتع بالسيطرة على الاطلاق. عندما يسير الاقتصاد بشكلٍ جيد – عندما يزيد النمو الاقتصادي ويقل التضخم والبطالة وعجز الميزانية- تعلن الحكومة وبشكل روتيني عن مسؤوليتها عن تحقيق هذا الوضع. ومن المعروف أن الناخبين يكافئون الجهات الحكومية في أوقات الازدهار الاقتصادي ويعاقبونها عندما تسوء الحالة الاقتصادية.[9]

أسباب تشكيل حكومة ائتلافية

يتفق المختصون في العلوم السياسية على ارتباط الحكومة الائتلافية بعدم الاستقرار السياسي، وليس المقصود هنا الاضطرابات الناتجة عن صراع مسلح أو نحوه، وإنما التدافع السياسي الشديد الذي يُثمر في كثير من الأحيان تشتت النزعة الغالبة للرأي العام، بحيث لا يمكن لأي حزب تشكيل حكومة منفردا.[10]

ذلك أن ديموقراطية حكم الأغلبية ليست خياراً واقعياً لمعظم البلدان العربية. فمعظم الأنظمة تخشى بشدة أن تُمنى بهزيمة كاملة في أي انتخابات حقيقية استناداً إلى مبدأ الحكم المطلق للغالبية. والمجتمعات منقسمة بحدة، الأمر الذي لا يضمن للخاسرين ألا يتعرضوا إلى اضطهاد حقيقي على يد الرابحين. وخطر العنف السياسي، إذا ما أقصيت مجموعة أو هُمّشت، هو خطر حقيقي. وبالتالي، من الصعب واقعياً ان يتقدّم العالم العربي في المشاركة السياسية سوى نحو شكل من أشكال الحكم الائتلافي الذي يشمل مجموعة واسعة من الأحزاب والمجموعات، في إطار حكومة جامعة من شأنها زيادة حس الأمن والمشاركة لدى الجميع.[11]

تُعتبر الديمقراطيات التحالفية (consociational democracies) الناجحة نادرة، ويعود ذلك من دون شك إلى أن الظروف التي تجعلها ناجحة هي نادرة بدورها. أما الانتقادات التي توجه إلى (الديمقراطيات) التحالفية كحلّ للمجتمعات المنقسمة فهي [12]:

إن الظروف السائدة والمساعدة (ولربما الضرورية) لنجاحها في عدد من البلدان المنقسمة تُعتبر ضعيفة جداً.

إن الترتيبات التحالفية تُضعف إلى حدٍ كبير الدور الهام للمعارضة في الأنظمة الديمقراطية.

يخشى بعض المنتقدين بأن الفيتوات المتبادلة والحاجة إلى الاجماع قد تؤديان إلى حالات كثيرة من الطرق المسدودة، أو الشلل (في الحياة السياسية).

المحور الثاني

طبيعة التحالفات السياسية في العراق

وانعكاساتها على تداول السلطة وتشكيل الحكومة

في هذا المحور سنعمل على التعرف على تحديد طبيعة التحالفات السياسية في العراق منذ تحول العراق إلى نظام سياسي تعددي، وما أفرزه من واقع سياسي جديد، وانعكاس ذلك على مسألتي التداول السلمي للسلطة، وتشكيل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003.

أولاً: طبيعة التحالفات السياسية في العراق

عادة ما تتشكل التحالفات عبر طريقين، الأول يكون قبل خوض الانتخابات، والثاني يكون بعد اعلان النتائج ومعرفة الوزن الانتخابي للمرشحين عبر قوائمهم الفائزة. فعلى مدار ستة انتخابات (2005 ـ 2010.2006. 2014 ـ 2018. 2021)[13] نلحظ ان التحالفات السياسية في العراق قامت على ثلاثية تكاد تكون متأزمة إلى حد ما بين الفرقاء السياسيين الثلاث (الشيعة، الكرد، السنة (، إلا أن هذه الثلاثية تتمتع كل واحدة منها بمجموعة من الخصائص يمكن ان نجملها بالآتي[14]:

إن (القوى السياسية الشيعية)[15] هي الأقوى تنظيماً وتتبع نهجاً واحداً في التعامل والتحالف والتخطيط، وهي تحصد غالبية الأصوات، ولولا عرف المحاصصة من الممكن ان يشكلوا الحكومة بالتحالف مع أي تكتل سياسي.

 تحتل القوى السياسية الكردية المرتبة الثانية من حيث التنظيم والترتيب والبراعة في كسب الامتيازات والاستفادة من اغلب الظروف الداخلية والخارجية، وقد امتاز تحالفها مع القوى السياسية الشيعية بالصلابة والقوة، رغم وجود الكثير من الخلافات.

إن منحنى القوى السياسية السنية بدأ بالهبوط منذ فترة طويلة، إذا شهدت الساحة السياسية في محافظاتهم الكثير من العمليات العسكرية والتي القت بظلالها على الجو السياسي العام للناخب وضعف ثقته بالمرشح، ناهيك عن عدم وجود رؤية موحدة لأغلب قياداتها تجاه التحالفات ومع أي طرف سياسي آخر.

طالما لم يحصل أي من الأحزاب السياسية أو التحالفات التي تم تشكيلها قبل الانتخابات على أغلبية عظمى من مقاعد البرلمان، فلا بد أن تخضع عملية تشكيل الحكومة إلى المساومات بين مختلف الأحزاب السياسية بعد الانتخابات. وتتفاوض الأحزاب السياسية التي لم تنخرط بتحالفات تسبق الانتخابات لتشكيل ائتلافات تضمن تشكيل حكومة تتمتع بدعم وتأييد غالبية أعضاء البرلمان. وخلال تلك المفاوضات تتباحث الأحزاب حول الحقائب الوزارية، وتوزيعها والبرنامج السياسي العام للحكومة[16].

إن السير قدماً إلى الأمام في مجتمعات مُنقسمة على غرار لبنان والعراق (كما في سويسرا تاريخياً) ليس بالأمر السهل. فالتدخل الخارجي والصراعات الداخلية أثبطت التطور السويسري لسنوات طوال. لكن، وكما أظهرت التجربة السويسرية، فإن المشاركة الكاملة في الحكومة الائتلافية يجب أن تعزز الاستقرار ويجب أن تسمح أيضاً ببناء جيش وطني قوي وتعزيز الأمن الداخلي. العراق يحاول أن يعزز قواه الأمنية في المرحلة الحالية.

علاوة على ذلك، قد يكون توسيع المشاركة في الحكم أمراً ضرورياً في الكثير من الأنظمة في المنطقة. فمن خلال إدخال المجموعات والأحزاب إلى الحكومة، تستطيع الأنظمة الوصول الى تنفيس الاحتقانات، وبناء الاستقرار، والتفاوض حول السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وكسب دعم أكبر للسياسات والقرارات الحكومية. كما يمكن هذه المشاركة أن تكون شكلاً من أشكال المشاركة السياسية تستطيع الأنظمة التعايش معها، لأنها ليست مستعدة بعد في هذه المرحلة للتفكير بتطبيق الدمقرطة الكاملة.[17]

ولعل أبرز ما تميزت به التحالفات السياسية في العراق وعلى مدار عقدين من الزمن، الاتي:

يعاني العراق وفقا لقراءة معمقة لطبيعة هذه التحالفات السياسية إخفاقا في المنظومة الحزبية وعدم قدرتها في مأسسة تحالفاتها والتعاون لمواجهة التحديات في مجالات تشريع القوانين وسن اللوائح والأنظمة، واستيعابها فئات المجتمع المختلفة كالنساء والشباب والأقليات.

أن تقييم أداء الأحزاب السياسية العراقية وكيفية إدارتها للتحولات الكبرى في العراق خلال العقدين الأخيرين يؤشر اخفاقا واضحا تعكسه طبيعة هذه التحالفات التقليدية المشكلة والقوى المحركة للعملية الانتخابية، وتفككها بعد الانتخابات وعدم امتلاكها مقترب وطني يتضمن مراجعة لكيفية تشكيل الحكومات ومدى استقرارها وبيان اسباب تراجع الاحزاب عن تطبيق شعاراتها وبرامجها الانتخابية المعلنة ومواقفها تجاه توزيع الثروة والعلاقة بين المركز والاقليم والعلاقات الخارجية والملفات الاقتصادية والخدمية قبل وبعد الانتخابات.[18]

هشاشة التحالفات: جميع التحالفات بلا استثناء تتسم بالهشاشة والجهوزية للتفكك فهي ليست حول المبادئ، كما أن علاقة المرشح نفسه بقاعدته الانتخابية هي الأخرى هشة طارئة تفتقر إلى التواصل الطويل.[19] فضلا عن أن ظاهرة تشكيل التحالفات قبل الدخول في الانتخابات تعكس أزمة النظام السياسي، فالعملية السياسية في العراق لم تستطع على مدى خمسة عشر عاماً أن تصنع واقعاً يسمح بظهور بضعة أحزاب بقيادات لها رؤى متميزة قادرة على فرض نفسها.

غياب برامج كثير من الأحزاب تحمل طبيعة حزبية متميزة بل ستكون مجرد خطوط عامة مشتركة لدى جميع المتنافسين مما يفقد العملية الانتخابية فحواها ليصبح التصويت ليس على البرامج السياسية، بل على مدى مقبولية هذا المرشح أو ذاك في ضوء ما استطاع بأدائه، كفاءة أو نزاهة، من نيل ثقة الناخب وهما صفتان طالما شهدنا ضعف حضورهما في الوسط السياسي العراقي.[20]

ثانياً: انعكاس طبيعة التحالفات السياسية على التداول السلمي للسلطة وتشكيل الحكومات

تُعد عمليات الانتقال السياسي السلس للسلطة وتداولها موضوعاً مهماً، ففي الديمقراطية الصحيحة يتخلى المرشحون الذين يخسرون في الانتخابات عن السلطة بلياقة ورضا وبصورة سلمية. ومن خلال قيامهم بذلك، يستطيع المرشحون الخاسرون أن يخرجوا دون المسّ بكرامتهم، ويساهمون من خلال ذلك على تقوية التقاليد والممارسات والعادات الديمقراطية في دولتهم. وبالمثل، يساعد المرشحون الفائزون من خلال التواصل مع خصومهم السياسيين وإظهار الاحترام لهم، في ردم هوة الاختلافات والتخفيف من احتمالات نشوء نزاع يمكن أن يقوّض الديمقراطية والتنمية.

ففي الديمقراطية الحقيقية يساعد حكم القانون، والمؤسسات السياسية الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني المستقل في تأمين الاحترام للنتائج الانتخابية. إذ تعزز هذه المؤسسات والقيم بدورها ثقة الناس بحكوماتهم وتظهر استعدادهم لدعم انتقال السلطة بصورة سلمية.

ويقصد بتداول السلطة وجود آليات لانتقال المنصب السياسي إلى آخر سواء كان شاغل المنصب رئيسا للجمهورية أو للوزراء في النظم الرئاسية والبرلمانية على الترتيب. وقد شاع هذا التعبير في الفقه الليبرالي الغربي على أساس النظر إلى التداول السلمي للسلطة باعتباره أحد معايير وجود نظام ديمقراطي على النمط الغربي.» وتتم العملية وفق آلية انتخابية حرة ونزيهة وفعالة تحت إشراف قضائي كامل ومستقل بوجود شفافية تحد من الفساد والإفساد والتضليل واستغلال النفوذ العام في العملية الانتخابية، حتى ترتقي» الانتخابات « إلى معنى الانتخابات وليس مجرد الاقتراع والتصويت الذي لا يعبر عن قناعة « [21]

ويرتبط بذلك الحديث عن وجود آليتين رئيسيتين لانتقال السلطة من شخص أومن مجموعة أو من حزب إلى آخر أو لأخرى وهما الانتخابات أي الانتقال السلمي وفقا لإرادة الناخبين، والعنف أي إجبار شاغل أو شاغلي المنصب السياسي على ترك موقعه رغما عنه باستخدام صورة من صور الإجبار أو الإكراه.

-   ولاريب أن وجود انتخابات دورية حرة ونزيهة يعتبر أمرا جوهريا لتحقيق التداول السلمي للسلطة بالمعنى الغربي. ومرة أخرى يعتبر إجراء هذا النوع من الانتخابات الدورية إحدى سمات النظم الديمقراطية الغربية لأنها – أي الانتخابات – الوسيلة الوحيدة لتحقيق التداول الدوري للسلطة بعد مرور عدد من السنوات، الأمر الذي يسمح للناخبين بمحاسبة الرئيس أو رئيس الوزراء او الحزب أو الائتلاف الحزبي الذي وصل إلى السلطة في الانتخابات السابقة.

-  ويرتبط بالتداول السلمي للسلطة أيضا وجود تعدد حزبي حقيقي يسمح بتنافس فعلي بين عدد من الأحزاب ذات التوجهات المتباينة كي تنتقل السلطة من حزب إلى آخر أو من زعيم أحد الأحزاب إلى زعيم حزب آخر، الأمر الذي يعني أن التداول السلمي للسلطة قد لا يستقيم في ظل وجود حزب وحيد وان كان من الممكن حدوث نوع من التداول بين زعماء الحزب أو زعماء الاتجاهات المختلفة داخله.[22]

تقوم الديمقراطية على التجاوب الحر بين الدولة والجماعة. وتتذرع الجماعة بضمانات دستورية تساعدها على الحؤول دون هدر الحكومة لحرية هذا التجاوب. وأهم هذه الضمانات المبدأ الدستوري، الذي يسمح بتنظيم تنازع الآراء والمذاهب تنظيماً حراً. وهذا هو مبدأ الحرية الديمقراطية ضد الحكومة. ويتبع هذا مبدأ حرية الرأي، التي يُعبر عنها الانتخاب. وهذه الحرية وهذا الانتخاب يقرران اختيار الحكومة، ويحددان الوجهة العامة للسياسة الحكومية. وهذه هي الحرية الديمقراطية في إقامة الحكومة وإسقاطها. وهاتان حريتان يمتاز بهما النظام الديمقراطي دون سواه. والحريات الاخرى التي تتوفر فيه مشتقة من هاتين الحريتين الأساسيتين.[23]

ملايين الناس يصنعون السياسة في البلدان الديمقراطية، وفي الختام تبقى القرارات فردية أي بيد الماسكين في السلطة، ويكون ذلك من خلال التنازلات المتبادلة. إنها العلامة الفارقة للديمقراطية، والائتلافات تبرز هذا الأمر بشكل واضح، ولهذا السبب لا يجوز أن نتخذ تجاهها موقف الانتقاد فقط، وإنما أن نقوم بتقدير وتقييم أدائها.[24]

البلدان التي نظام الحكم لديها برلماني، وفقا للدستور، يكون وجود المعارضة مقبولا ورسميا في تلك البلدان، وفي مثل هذه البلدان يتم تشكيل فريق من النواب لا يدعمون الحكومة، ولكنهم ملتزمون بالدستور الذي يحكم البلاد، ويكون الدستور محور إجماعهم الوطني. ووفقا للشروط التي في الدستور، المعارضة تقوم بمراقبة محادثات المجلس التشريعي وتقيم أعمال الحكومة، كما تضع الرأي العام في سياق أحداث ووقائع البلاد والعالم.[25]

وبمراجعة لكيفية تشكيل الحكومات العراقية لنظام ما بعد 2003 يتضح جلياً انها لم تتشكل، وفقاً للنص الدستوري، كنتاج مباشر وسلس لنتائج الانتخابات. بدلاً من ذلك، كان تشكيل جميع الحكومات نتيجة توافقات بين الزعماء السياسيين والدينيين المؤثرين (ولكن غير المنتخبين)، فضلاً عن التدخلات الخارجية الرئيسية. ورغم أن الدستور قد أشار الى أن التداول السلمي للسلطة يكون عبر الوسائل الديموقراطية (مادة 6)، فإن معظم الحكومات التي تشكلت بعد 2003 أشابت طرق تشكيلها إشكالات دستورية. وهي متوقعة خلال مرحلة انتقالية صعبة لم يستقر خلالها الوضع الامني والسياسي كثيراً. ولكن استمرار عدم اليقين وغياب الوضوح في تشكيل الحكومات واختيار رؤسائها لن يساعد على استقرار النظام السياسي.[26] ينظر الجدول

الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة

موعد الانتخابات

منح الثقة للحكومة

رئيس الوزراء

30 كانون الثاني/ يناير2005

3 أيار/ مايو 2005

إبراهيم الجعفري/ حكومة انتقالية

تخلى إبراهيم الجعفري عن ترشحه للمنصب

20 أيار / مايو 2006

نوري المالكي/ تشكيل أول حكومة منتخبة

7 آذار/ مارس2010، وكان مقرر عقدها في 21 كانون الثاني / يناير 2010.

21 كانون الأول/ ديسمبر 2010

نوري المالكي

30 نيسان / ابريل 2014

8 أيلول / سبتمبر 2014

حيدر العبادي

12 أيار/ مايو 2018، وكان مقررا لها أن تجري في أيلول/ سبتمبر 2017 ولكنها تأخرت لمدة ستة أشهر بسبب الحرب ضد داعش الإرهابي.

7 أيار/ مايو 2020، منح مجلس النواب الثقة لحكومة الكاظمي بعد خمسة أشهر من الشغور الذي غطته حكومة تصريف الأعمال.

25 تشرين الأول/ أكتوبر 2018

عادل عبد المهدي

10تشرين الأول / أكتوبر 2021

27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022

محمد شياع السوداني

الجدول من اعداد الباحث: بالاعتماد على:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%

الملاحظ من الجدول أن تشكيل الحكومة وتسمية رئيس مجلس الوزراء تعد من المشكلات التي عانى منها العراق، لأنه وكما موضح من الجدول أعلاه ان تشكيل الحكومة معقد إلى درجة يصعب معها الحديث عن ترسيخ مبدأ تداول السلطة بانسيابية. لاحظ الفرق بين موعد اجراء الانتخابات، وتسمية رئيس الوزراء.

أدى تداخل سلطة اتخاذ القرار وتعارض السلطة بين الوزارات أو الأجهزة الحكومية المختلفة إلى ظهور أزمات في كثير من الأحيان، ومن الأمثلة على ذلك: التقاطعات المتكررة بين وزارة المالية والوزارات الأخرى، وبين وزارتي النفط والكهرباء، وبين الوزارات والجهات الأمنية المختلفة التي قد تصل لصدامات او تقترب من مواجهات في بعض الاحيان. يتولى مجلس الوزراء، وفقاً لمهامه الدستورية، إعداد مشروع الموازنة العامة والحسابات الختامية وخطط التنمية. تحاول وزارة المالية عادة إقناع (أو فرض) الخطوط العامة للإنفاق المخطط للعام القادم قبل نهاية شهر تشرين الأول/ اكتوبر من كل عام، ليتم التصويت عليه في مجلس الوزراء. ثم يتم ارساله لمجلس النواب لإقراره قبل نهاية العام. منذ سنوات عديدة، وبسبب ضعف التوافقات الحزبية، تأخرت عملية اقرار الموازنة لشهور عديدة، او تغيرت مسوداتها (المقترحة من الحكومة) بشكل كبير داخل مجلس النواب، بطريقة مخالفة لتوجهات الانفاق الحكومي والتزاماتها، أو قد يتعذر اصدارها لتلك السنة، مما يربك الاوضاع الاقتصادية والمالية ويؤثر على الاستقرار الأمني والاجتماعي.[27]

إن السلطة التنفيذية، في كل دولة من الدول، هي نوع من الحكومة النيابية التي تمارس السلطة التي تمارس السلطة المباشرة ويكون نوابها على اتصال بالشعب، والنائب هو الذي يمثل في عيون الشعب منافع الحكومة ورهبتها ومكانتها، وإليه تتجه بصورة أساسية آمال الإفراد ومخاوفهم؛ ولذلك فما لم تكن السلطات التي من مهمتها مراقبة السلطة التنفيذية وتقييدها مدعومة بشعور البلاد ومؤيدة برأي عام فعّال، فإن السلطة التنفيذية تستطيع دائماً، بفضل الوسائل المتوفرة لديها، إبعاد نفوذ تلك السلطات المراقبة عنها أو إكراهها على الخضوع والاستسلام لها، دون أن يساورها أدنى شك بأن عملها سيحصلُ على التأييد العام. والمؤسسات النيابية تعتمد بالضرورة، لأجل دوامها، على استعداد الشعب للدفاع عنها والقتال في سبيلها في حالة وقوع خطر عليها. أما إذا كان الشعب لا يرى فضيلة في تلك المؤسسات وقيمة لوجودها فإنها لا تستطيع، في الغالب توطيد كيانها، وحتى لو استطاعت، في مثل تلك الحالة، المحافظة على كيانها، فمما لا شك فيه أنها ستغلب حالما يستطيع رئيس الحكومة أو أي زعيم لحزب أن يجمع بيديه قوة كافية للقيام بانقلاب والحصول على السلطة المطلقة.[28]

وفضلاً عن الاعتبارات الآنفة الذكر، التي تشكلُ سبباً أول لفشل الحكومات النيابية، فإن هناك سبباً لآخر للفشل، وهذا السبب ناتج عن افتقار الشعب للإرادة والمقدرة على القيام بالواجب الواقع على عاتقه في ظل دستور نيابي، فإن الناخبين قلّ أن يستفيدوا من حق الانتخاب العام لغير غرض خدمة مصالحهم الخاصة أو مصلحة تتعلق بمنطقتهم أو منفعة شخص يعتمدون عليه وينتمون إليه. وفي حالة كهذه، فإن الفئة القليلة التي تتوصل إلى التحكم في الهيئة النيابية تتخذُ منها في أكثر الأحيان، وسيلة لتحقيق أغراضها ومصالحها فحسب. وإذا كانت السلطة التنفيذية ضعيفة، فإن البلاد تنصرف إلى المنازعات في سبيل المناصب، أما إذا كانت السلطة قوية، فإنها قد تحيل نفسها إلى قوة استبدادية عن طريق استرضاء الممثلين بثمن زهيد، أو عن سبيل إعطاء القادرين منهم على خلق المتاعب لها نصيباً من المنافع. ولذلك، فإن النتيجة الوحيدة التي تنجم عن النظام النيابي، في مثل الحالة الآنفة الذكر، هي أن تفرض على الشعب، بالإضافة إلى الأفراد الذين يتولون الحكم عملياً، هيئة نيابية لا تزيل أي ضرر أو سوء إدارة في إذا كان لأعضائها، أو لقسم منهم، مصلحة في استمرارهما. ولو توقف الشر عند هذا الحد، فإن الوضع يكون ذا فائدة من حيث إن المناقشات والنشر والدعايات ستتخذ مجالسها في التمثيل النيابي، وتكون من مظاهره الطبيعية الملازمة له حتى لو كان ذلك التمثيل اسمياً. [29]

وبهذا المعنى فإن تلك التحالفات لا تقوم على أساس مبدئي ولا حتى بناءً على أسباب سياسية. فهي تفتقر إلى أي برنامج سياسي تتمكن من خلاله الأحزاب من تنفيذ مشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.[30]

إن إهمال المصلحة العامة من قبل الساسة، وغياب العدالة الاجتماعية خلال الفترة الماضية يعد أمراً جلّيا أدركه الرأي العام، فكان أن بدأت دعوات عدة للإصلاح السياسي في العراق منذ عام 2011، بفعل مظاهر التفردّ بالسلطة والفساد والإثراء السريع غير المشروع وغيرها، وقد استمرت هذه الحملات المطالبة بالإصلاح، لكنها دوماًّ كانت تقابل بوعود ظلّت حبراً على ورق ومجرد تخدير لمطالب المتظاهرين.

إن مسار العملية السياسية وصل إلى طريق مسدود، وأثار حالة من الاحتقان الشعبي وعدم الرضى والذي يعّم الشارع (الشيعي والسني والكردي) على حد سواء، فيما الإنكار وعدم الاستيعاب أعراض تصيب السياسيين (الشيعة والسنة والكرد) معاً، يمكن أن تطيح بالتجربة الديموقراطية، فالطبقة السياسية الحالية لم تستثمر الفرص الكبيرة التي أتيحت لها لبناء العراق، وتعويض العراقيين عما مرّوا به من حروب وحرمان طيلة أكثر من خمسة عقود.[31]

رغم أن الدستور قد أشار في المادة (76)[32] الى أن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء، الا ان مراجعة بسيطة للحكومات السبعة التي تشكلت في العراق لم تتشكل بشكل انسيابي ومباشر وفقاً لنتائج الانتخابات، ومواعيدها المحددة دستورياً.

الخاتمة:

لم تكن التحالفات السياسية في العراق منذ أول انتخابات تشريعية شهدها العراق ممهدة لطريق تداول السلطة بطريقة سلسلة ، وغالباً شهدت تلك الانتقالات الكثير من التعقيدات، سيما ما يتعلق منها باختيار رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، على الرغم من النص الدستوري على ذلك، لأنها تحالفات غالباً كانت مبنية على أسس طائفية ومصلحية، ومثل الانتقال من تحالف إلى آخر لا لغرض مبدأي وإنما لأغراض مصلحية، ومنافسة على الاستئثار بالمناصب، ونظرة على طبيعة الأحزاب السياسية – ان لم يكن بعض منها ينطبق عليه صفة الحزب بالمعنى الاصطلاحي للكلمة – تؤكد حقيقة أن بعضاً منها « أحزاب مصلحية « ترنو إلى تحقيق مصالح ضيقة وغالبا شخصية. انعكس ذلك بشكلٍ كبير على تشكيل الحكومات المتعاقبة، ولم تكن أيا منها قد رافقت العملية الانتخابية، أو مخرج من مخرجاتها، وإنما كانت نتيجة لتوافقات حزبية مصلحية ضيقة. وهذا يعني أنها حرفت نتائج الانتخابات التي يفترض أن تكون الفيصل في خلق حكومة مستقرة تتسم بالرشادة والحوكمة، وقادرة على الإنجاز. هذا فضلا عما رافق هذا الشكل من التحالفات شيوع وسيادة مظاهر سلبية أثرت في مجمل العملية السياسية من قبيل ترسيخ المحاصصة الحزبية، والطائفية، وشيوع مظاهر الفساد المالي والإداري. وإذا أريد للحكومة في العراق ان تكون بعيدة عن السلبيات التي رافقت الحكومات المتعاقبة ان ندرك حقيقة أن الحكومات الائتلافية التي لا تتمتع بالسيطرة الكاملة لا يعني أنها لا تتمتع بالسيطرة على الاطلاق. عندما يسير الاقتصاد بشكلٍ جيد – عندما يزيد النمو الاقتصادي ويقل التضخم والبطالة وعجز الميزانية- تعلن الحكومة وبشكل روتيني عن مسؤوليتها عن تحقيق هذا الوضع السعيد. ومن المعروف أن الناخبين يكافئون الجهات الحكومية في أوقات الازدهار الاقتصادي ويعاقبونها عندما تسوء الحالة الاقتصادية.

 

[1] رسمية محمد، التحالفات السياسية وآفاق البديل الديمقراطي، الحوار المتمدن-العدد: 1850 - 2007 / 3 / 10

[2] الأحزاب السياسية والمرشحون، شبكة المعرفة الانتخابية، نقلا عن الرابط:

https://aceproject.org/ace-ar/topics/pc/pcd/pcd01

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5] نوارة تريعة وعزيزة شبري، الوجيز في القانون الدستوري: الحكومة- الديمقراطية، مطبعة دركي، حاسي مسعود، الجزائر، 2022، ص 10.

[6] المصدر نفسه، ص11.

[7] الحكومة الائتلافية، مفاهيم ومصطلحات، الجزيرة، نقلا عن الرابط:

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015/12/23/%d8%a7%d

[8] الحكومة الائتلافية، مفاهيم ومصطلحات، مصدر سبق ذكره.

[9] أرند ليبهارت، أنماط الديمقراطية، ترجمة: محمد عثمان خليفة عبد، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2015، ص 311.

[10] الحكومة الائتلافية، مفاهيم ومصطلحات، مصدر سبق ذكره.

[11] بول سالم، صيغة الحكومات الائتلافية في الدول العربية: دروس سويسرية، مركز مالكوم كير- كارنيغي، 2أيلول/ سبتمبر 2010.

[12] روبرت أ. دال، عن الديمقراطية، ترجمة: سعيد محمد الحسنية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 2014، ص 237.

[13] تم إضافة العام 2006 والعام 2021 من قبل الباحث وهو ما سيتم توضيحه في الجدول المرفق في الصفحات القادمة.

[14] أسعد عبد الوهاب عبد الكريم، العراق بعد الانتخابات البرلمانية 2018، في مثنى فائق مرعي ورؤى خليل سعيد(محرران)، بناء دولة العراق: تيارات متضاربة ورؤى مستقبلية، مؤسسة الرضوان الثقافية، بيروت، 2021، ص 161-162.

[15] بحسب المصادر يشكل الشيعة الغالبية العامة في العراق إجمالا، وتصل نسبتهم إلى حوالي 55 %من تعداد السكان إلا أنهم من الناحية التاريخية وُضِعوا على هامش الأحداث السياسية والعسكرية وعانوا طويلا من التمييز. يتواجد الشيعة بشكل أساسي في الجنوب والجنوب الشرقي من العراق لكنهم الآن يشكلون غالبية سكان بغداد. ويسكن الشيعة أيضا في مدينة “المدائن « أو المسماة بـ «شط العرب « وقد سكنوا الأراضي السبخة الواسعة عند ملتقى نهري دجلة والفرات قبل حملة القمع التي شنتها الحكومة عليهم في أعقاب حرب الخليج في عام 1991.

ينظر: ياش غاي ومارك لاتيمر ويحيى سيد، بناء الديمقراطية في العراق، المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، ص8.

file:///D:/%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D

[16] الأحزاب السياسية والمرشحون، مصدر سبق ذكره

[17] بول سالم، مصدر سبق ذكره.

[18] احمد عدنان الميالي، الانتخابات المبكرة في العراق: قراءة في واقع التحالفات والمشاركة السياسية، شبكة النبأ= =المعلوماتية، الخميس 23أيلول/ سبتمبر 2021.

[19] محمد عاكف جمال، فوضى التحالفات السياسية في العراق، جريدة البيان (الإماراتية)، 19 كانون الثاني/ يناير 2018.

[20] المصدر نفسه.

[21] علي خليفة الكواري، « نحو مفهوم جامع للديمقراطية في البلدان العربية « في، مجموعة باحثين، الدولة الوطنية المعاصرة: أزمة الاندماج والتفكيك، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2008، ص 112.

[22] ورد في: صفي الدين خربوش، تداول السلطة في الوطن العربي بين التشريعات والتطبيقات، في:

www.aljazeera.net/NR/exeres/BA8C7694_2EB3_4368_8C4C_93A78F68BA7Bhtm

[23] روبرت م.ماكيفر ، تكوين الدولة ، ط2 ، ترجمة : حسن صعب ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1984 ، ص 250 .

[24] جانيت شايان،

 https://www.deutschland.de/ar/topic/syast/arbt-fy-wahd

[25] التحالفات السياسية وأسسها التنظيمية، مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، أفغانستان- كابل،

https://csrskabul.com/ar/?p=2281

[26] نوفل أبو الشون الحسن، تغيير قواعد اللعبة: إصلاح النظام الحزبي في العراق، 16 حزيران/ يونيو2021 نقلا عن الرابط:

https://www.mei.edu/publications/tghyyr-qwad-allbt-aslah-alnzam-alhzby-fy-alraq

[27] نوفل أبو الشون الحسن، مصدر سبق ذكره.

[28] جون ستيوارت مِل، الحكومات البرلمانية، ترجمة: إميل الغوري، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، كانون الثاني/ يناير 2017، ص 106.

[29] جون ستيوارت مِل، مصدر سبق ذكره، ص 107.

[30] فاروق يوسف، التحالفات السياسية في العراق على الرصيف المقابل، جريدة النهار العربي (اللبنانية) 6/10/2022.

[31] علي جواد وتوت، مستقبل النظام السياسي في العراق: السيناريوهات الافتراضية، مركز رواق بغداد للسياسات العامة، بغداد، بدون تاريخ، ص10-11.

[32] تنص المادة (76) من الدستور على: أولاً يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. ثانياً يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية اعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف. ثالثاً يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند اخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند «ثانيا» من هذه المادة. رابعاً يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة. خامساً يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة.

ينظر: دستور العراق الصادر عام 2005، على الموقع:

 constituteproject.org، ص 22-23.