تاريخ الاستلام 1/4/2023 تاريخ القبول 10/ 6/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
دور احمد داود اوغلو في السياسة الخارجية التركية
In Turkish foreign policy Ahmet Davutoğlu Role of
ا.م.د عماد رزيك عمر
م.م محمد نوار حسين عبد
جامعة الانبار/ كلية القانون والعلوم السياسية
Imad Rzayig omar
Mohammed Nawar Hasseien
Anbar university college of law and political science
المستخلص :
لقد شكل وصول حزب العدالة والتنمية في عام ٢٠٠٢ حالة جديدة في السياسة الخارجية التركية، حيث اعطى تحولاً جوهريا في طريقة تعاطي تركيا للقضايا التي تشكل محور اهتمامها، ويمكن ان نتلمس هذا التغيير من المكانة الكبيرة التي أنطوت على أهمية تركيا لاغلب القضايا بعد عام ٢٠٠٢ ، فهي اتجهت نحو سياسات برجماتية قائمة على أساس تصفير المشاكل وتعظيم المكاسب التي يمكن ان تتحصل عليها، لقد ساعد موقع تركيا واهميتها في إعطاء دور جديد لها وعلى ذلك فهي أيضا تدرك لمكامن القوة في سياستها الخارجية، ومن ابرز العوامل التي ساعدت هو وجود نخب سياسية مثل احمد داود اوغلو الذي شغل عدة مناصب والذي استطاع من خلال رؤيتةً التي تعرف بالعثمانية الجديدة ان يعزز من مكانة تركيا في اوربا واسيا وافريقيا وان يذهب بالسلوك السياسي التركي الى المشاركة والفعالية بشكل لم تعهد الية من قبل وقد أراد احمد داود اوغلو ان يستفيد من ميزات تركيا قدر الإمكان وان يبتعد عن العوامل التي من شأنها ان تضعف دور تركيا الإقليمي.
Abstract
The arrival of the Justice and Development Party in 2002 constituted a new case in Turkish foreign policy, as it gave a fundamental shift in the way Turkey deals with the issues that are the focus of its attention. It moved towards pragmatic policies based on zeroing problems and maximising the gains that can be obtained. Turkey’s position and importance helped in giving it a new role, and accordingly it is also aware of the strengths in its foreign policy, and one of the most important factors that helped is the presence of political elites such as Ahmed Daoud Davutoglu, who held several positions and who was able through his vision known as neo-Ottomanism to enhance Turkey’s position in Europe, Asia and Africa and to take Turkish political behavior to participation and effectiveness in a way that was not entrusted to him before. Ahmed Davutoglu wanted to take advantage of Turkey’s advantages as much as possible and that He stays away from the factors that would weaken Turkey’s regional role.
المقدمة.
لقد عانت تركيا في الفترة التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية من الفوضى السياسية، وتراجع الدور الخارجي حيث كانت مجرد دولة لا تستطيع ان تأخذ المكان الذي يتناسب مع أهميتها، ومع وصول الحزب في عام ٢٠٠٢ ومع رؤيتة الخاصة ومبادئة الليبرالية القائمة على تطبيق افكارة الإسلامية بالتوازي مع الليبرالية الاقتصادية واخذ ايدولوجية تسمى بالعثمانية الجديدة استطاعت ان تأخذ مكان متميز وهذا قد كان لها مع وجود نخب تكنوقراطية وابرزهم أستاذ العلاقات الدولية احمد داود اوغلو الذي اصبح وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء، لقد لخص احمد داود اوغلوا افكارة من خلال طروحاتة الخاصة والتي ضمنها في كتابة العمق الاستراتيجي والذي تحدث فية عن الإمكانيات الهائلة لدى تركيا والتي من الممكن ان تجعلها في مقدمة دول العالم، لكن تحتاج هذه المكانة الى تصفير المشاكل الخارجية يرافقها تطور في مجالات مختلفة اعتمد فيها على علاقاتها الخارجية المتميزة مع الدول الغربية، لقد سعت تركيا من خلال أفكار احمد داود اوغلوا الى الاستفادة من عضويتها في حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها الإيجابية مع الدول الغربية وفي ذات الوقت المكانة التاريخية التي تملكها مع محيطها في الشرق الأوسط لكسب المكانة التي ترغب بها فاصبحت دولة صناعية متميزة ولها مكانتها الخارجية.
أهمية البحث .
تنطلق أهمية البحث في الكشف عن ابراز الجانب والاثر الكبير للتغير حيث ان تركيا ليست هي ذاتها قبل العام ٢٠٠٢ ولقد برز ذلك من خلال وجود احمد داود اوغلو بوصفة تكنوقراط ساهم في تعزيز السياسة الخارجية التركية وتطويرها.
الإشكالية .
ما هي التغييرات التي أحدثها احمد داود اوغلو في السياسة الخارجية بوصفة شخص تكنوقراطي وهل أسهمت هذه التغييرات في تطوير السياسة الخارجية التركية.
الفرضية.
وفي اطار مشكلة الدراسة ان السياسة الخارجية التركية أصبحت اكثر استعانة بالتكنوقراط لتحقيق اهداف السياسة الخارجية حيث انتجت النخب التكنوقراطية مثل احمد داود اوغلو ومراكز البحوث تغييرات عديدة في السياسة الخارجية التركية.
المنهجية .
اعتمدت هذه الدراسة على منهج علمي متكامل يغطي جميع جوانب البحث وهي: تناسب جميع جوانب الدراسة ومن ابرزها المنهج التحليلي: لبيان أثر التكنوقراط على السياسات من خلال تحليل هذه السياسات التي تم تبنيها. والمساهمات النظرية التي تضمنها بالنسبة لاحمد داوود أوغلو. بينما اعتمدت على المنهج التاريخي لتغطية بعض متطلبات الدراسة.
اولا: السياسة الخارجية التركية بعد عام 2002
بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة عام 2002 احدث تحولا عميقا في السياسة المتبعة، اعتبر الحزب الاول الذي يحمل رؤية عميقة مرتكزا على مكانة تركيا وموقعها في الساحة الدولية والاقليمية[1]. وتم توجيه السياسة الخارجية التركية بعد تولي حزب العدالة والتنمية وفق المنظور (العثماني الجديد) الذي طرحة خبير السياسة الخارجية التركية ( احمد داود اوغلو) الذي كان له زمام المبادرة في تغير تلكم السياسة والتي لوحظت بصماته بوضوح على السياسة الخارجية التركية، حيث اتبعت تركيا سياسة خارجية نشطة ازاء محيطها الخارجي الاقليمي والدولي وقد استغل مهندس سياستها الخارجية اوغلو موقع تركيا في اقامة علاقات مع القوى الكبرى مستفيدا من تجارب الماضي. وسنتناول في هذا المبحث طروحات احمد داود اوغلو في السياسة الخارجية اولا، والتحولات التي شهدتها السياسة الخارجية التركية بعد عام 2002 ثانيا.
طروحات احمد داود اوغلو في السياسة الخارجية
قدم احمد داود اوغلو عدد من الطروحات النظرية التي انتقلت الى التطبيق فيما بعد، واعتبرت الأساس الذي ارتزكت عليه السياسة الخارجية التركية بعد عام 2002، ويمكن التطرق لاهم هذه الطروحات المفسرة للسياسة الخارجية التركية الجديدة.
سياسة تصفير المشاكل :
شهدت السياسة الخارجية التركية منذ حكم حزب العدالة والتنمية عام ٢٠٠٢ تحولات إستراتيجية أعادت تعريف، مبادئها الأساسية، وهدفت إلى صياغة دور جديد ومؤثر لتركيا في الإقليم والعالم، وقد تعززت هذه التحولات وفق سياسة حزب العدالة والتنمية التي لخّصها أحمد داود أوغلو بسياسة خفض المشاكل او تصفير المشاكل. فقد كان لمبدا تصفير المشاكل قيمة رمزية، لانه يدل على الانفصال عن عقلية السياسة الخارجية في الماضي التي كانت تقوم على افتراض ان تركيا محاطة بالاعداء، والذي اعتبرها اوغلو اكبر تحدي اما وضع سياسة تعزز دور تركيا الاقليمي[2]. وضع داود اوغلو حدًا لما يسميه «اغتراب» الدول المجاورة لتركيا. ووفق سياسة تصفير المشاكل فان تركيا لا تنتظر الاطراف الاخرى لتخطو اليها وانما تبادر بتقديم المقترحات والمشاريع الاقليمية والدولية في مجالات التنمية والتجارة والامن والنزاعات، وان هذا يرتبط بالبيئة النفسية لصانع القرار والسياسة الخارجية والمدركات الذهنية لدى دول الجوار فان تغيير البيئة النفسية والشعور بالثقة يزيد من احتمالات تحقيق التعاون ووضع القضايا على جدول الاولويات[3]. اعتبر ذلك أحد المكونات الأساسية لرؤية داود أوغلو هو جعل الصور السلبية والتحيزات، لا سيما تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، مسألة من الماضي، وتعزيز الثقة مع دول الجوار من خلال اجراء المفاوضات والمبادرة في تقديم الاقتراحات في حل القضايا العالقة مما يعزز الثقة مع الاطراف الاخرى بجدية تركيا بتجاوز هذه الازمات . لقد مكّن هذا التحول تركيا من تحرير السياسة الخارجية تمامًا من قيود الاعتبارات المحلية, وقد مهدت رؤية داود أوغلو الطريق لظهور خيال جديد، والذي يضع افتراضات مختلفة حول البلدان الإقليمية في أذهان صانعي السياسة[4]. من خلال تصفير المشاكل بين تركيا وجيرانها التي كانت تتصف علاقاتها بالمتدهورة قبل عام 2002، ويمكن مقارنة نتائج هذه السياسية من خلال العلاقة الوطيدة التي اتصفت فيها مع جيرانها بعد عام 2002، فبات هناك ترابط اقتصادي كبير بينها وبين البلدان المجاورة. وقد تحولت الاستراتيجيات التركية نحو تطبيق استراتيجية « تصفير المشكلات « التي سعت تركيا عبرها لحلّ مشكلاتها العديدة مع جيرانها في المحيط، وكذلك الاهتمام في تسوية النزاعات على مستوى الإقليم.فعلاقة تركيا مع جورجيا طرات عليها تطورات واصبحت نموذجا يحتذي به لبقية دول المنطقة، اما بلغاريا فقد عززت تركيا علاقتها معها بعد انضمامها الى الاتحاد الاوربي، كذلك فان العلاقات مع ايران في هذه المرحلة الحرجة شهدت تحسنا، اما فيما يخص العلاقات التركية الارمنية التي قطعت منذ عام 1993 شهدت انفراجا هي الاخرى تطبيقا لمبدا تصفير المشاكل, وقد تمكنت حكومة البلدين من التوصل الى اتفاق عام 2009 [5]. اما حيال الشرق الاوسط فقد تعاملت تركيا حيال هذه المنطقة وفق مبدا حسن الجوار الجغرافي من خلال توحيد التحديات, والتي اعتبرها اوغلو الحديقة الخلفية البرية القريبة من الجمهورية التركية[6].
وعلى الرغم من الاختلاف حول التسمية مبدا او سياسة او استيراتيجية الا انها تعتبر من القواعد التي اعادة صياغة دور تركيا الاقليمي.
العمق الاستيراتيجي :
لم تعد نظرية العمق الاستيراتيجي التي طرحها احمد داود اوغلو اطار نظري بقدر ما كانت تعني نظرية للتعامل مع المتغيرات والظروف الدولية بعد عام 2002. تحمل نظرية العمق الاستيراتيجي الى تبني طروحات قائمة على فكرة المجال الحيوي والعمق التاريخي الذي جمعهما احمد داود اوغلو تحت مسمى واحد اطلق علية العمق الاستيراتيجي[7]. حيث ادرك احمد داود اوغلو ان الدولة في العلاقات الخارجية تتحدد من خلال موقعها الجيو- استيراتيجي وعمقها التاريخي. في اشارة للعودة الى الارث العثماني القديم التي اطلق عليها البعض بالعثمانية الجديدة.
وبالعودة الى فحوى العمق الاستيراتيجي التركي التي طرحها اوغلو فانه يتمثل بموقعها الجغرافي الاستراتيجي المتوسط بين اوربا واسيا وسيطرتها على مضائق اقليمية ودولية كمضيق البسفور والدرنديل الذين يربطان البحر الاسود بالبحر المتوسط، بالاضافة الى ينابيع الانهار( دجلة والفرات) التي تنبع من الأراضي التركية كما تعتبر تركيا من اغنى دول العالم بالموارد المائية مما يجعلها تستخدم هذه الموارد ورقة ضغط على الدول العربية التي لديها انهار مشتركه وجعلها ورقة رابحة للضغط على هذه الدول والحصول على تنازلات ممايزيد من الاهمية الاستيراتيجية للموقع الجغرافي التركي مما يدفعها الى ان تكون دولة مركزية[8].
ويرجع احمد داود اوغلو اهمية تركيا الى الموقع الجغرافي حيث يقول « جغرافية تركيا تجعل منها دولة مركزية تختلف عن بقية الدول الاخرى، فعلى سبيل المثال تعتبر المانيا دولة مركزية في اوربا لكنها بعيده عن اسيا وافريقيا، وروسيا دولة مركزية في اوربا لكنها تبتعد عن افريقيا، وايران دولة مركزية في اسيا لكن بعيده عن افريقيا واوربا، اما تركيا فهي تحتفظ بالموقع الأفضل كونها دولة اسيوية واوربية كما انها قريبة من افريقيا عبر شرق البحر المتوسط لذلك فهي دولة مركزية وليست دولة ممر تربط بين نقطتين ولا دولة هامشية تقع على تخوم العالم الاسلامي او الغرب «[9]. وان عملية اعادة التموضع التي تطرحها تنطوي على وضع تركيا في مشهد جغرافي اوسع تجعلها جزءا من مناطق جديدة، كما موضح غي الخارطة رقم (1).
خارطة رقم (1)خارطة توضح حدود تركيا مع جيرانها وعمقها الاستيراتيجي.
المصدر : شوقي ابو خليل، اطلس دول العالم الاسلامي ( جغرافي – تاريخي – اقتصادي )، ط2، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2003، ص42.
ويشير أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي، إلى تجنب النظر إلى الوضع الجيوسياسي كأداة استراتيجية تستخدم للدفاع عن الحدود والمحافظة على الوضع الراهن، إنما يتوجب رؤيته كأداة للانفتاح على العالم ضمن خطوات مرحلية، الغاية منها تحويل التأثير الإقليمي إلى تأثير دولي، يربط أوغلو هذا التأثير بأنه مرهون باستخدام العامل الجيوسياسي في العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية في إطار ديناميكي، ولهذا يدعو التحرك في ثلاث ساحات جيوسياسية الأولى هي المناطق القريبة، البلقان والشرق الأوسط والقوقاز، إذ تعتبر تركياً جزءاً لا يمكن فصله عن تلك المناطق لا من حيث التراكم التاريخي ولا من حيث الموقع الجغرافي، والثانية هي الأحواض البحرية القريبة، أما الثالثة فهي المناطق القارية القريبة[10].
اما العمق التاريخي يتمثل بالارث العثماني، حيث تتميز تركيا بخليط من العناصر البشرية المختلفة فان تمتع تركيا بهذه المميزات تجعلها تلعب دورا في العلاقات الدولية[11]. فالثقافة السياسية التركية تختلف عن الثقافة السياسية في المجتمعات الاوربية وامريكيا، فالمجتمعات الاخيرة تمتلك ثقافة سياسية اقل تنوعا واكثر استقرارا، فهي مفيدة على النحو القصير، ولكنها تضيق الفرصة من الحصول على البدائل في وقت الازمات التي تواجها المجتمعات على المدى البعيد[12]. فهذه النظرية تتمثل باستحضار الموروث التاريخي من خلال الميراث العثماني والاعتماد عليه كبنية للانتقال من الهامش الى المجال الحيوي والمحوري[13]. لقد ادرك اوغلو المازق الجيو ستراتيجي وادرك مكانة الميراث الثقافي وكيفية استغلالها في معالجة الهوية الممزقة[14]. تستند نظرية العمق الاستيراتيجي لاوغلو الى عدد من الاسس منها التوفيق بين الحريات والامن من خلال توفير الأمن للمواطنين وهذا الامن يجب ان لا يكون على حساب الحريات وتقييدها وانما تبقى للممارسات الديمقراطية حيز ووجود دون تهميش، بالإضافة إلى تصفير المشاكل مع دول الجوار واقامة علاقات متينة معهم، في هذا الصدد فان احمد داود اوغلو اراد اخراج تركيا من دولة هشة هامشية الى بلد مركزي وله دور فاعل في جميع القضايا الاقليمية والدولية[15].
ووفقا لذلك فان اوغلو أعاد صياغة الأمن القومي وفق عملية دمج من خلالها عوامل جديدة في عملية صنع السياسة الخارجية. كما يشير كيريشي، وفقًا لصانعي السياسة الأتراك، فإن التطور السياسي، والقدرات الاقتصادية، والقوى الاجتماعية الديناميكية، والقدرة على التوفيق بين الإسلام والديمقراطية في الداخل هي الصفات التي تتمتع بها تركيا وان إمكانية تطويرها تدفع بتنفيذ سياسات مؤثرة في المناطق المجاورة وفي المناطق الجغرافية البعيدة مثل إفريقيا وآسيا[16].
اعتمدت هذه النظرية على التصالح مع ارث تركيا الإسلامي والعثماني داخليا وخارجيا : داخليا، تمثل باعادة تعريف للمواطنة الجديدة والتخفيف من حدة التوتر والقطيعة باعتبارها دولة إسلامية، أما خارجيا، فيتمثل بتوسيع ارث تركيا من خلال احتضان الإرث العثماني[17]. تقوم نظرية اوغلو للعمق الاستيراتيجي على عدد من المبادئ اهمها[18]:
حل الخلافات بين الدول سلما لما لذلك من انعكاسات ايجابية على الامن الداخلي التركي.
التزام تركيا بالسياسة الاستباقية لحل الخلافات في المنطقة من اجل عدم تحويلها الى صراعات دولية.
اعتبار تركيا دولة مركزية لها تاثير في اكثر من منطقة في الشرق الاوسط ولابد من المشاركة في الاحداث التي تعصف في المنطقة.
الفاعلية الاقتصادية بين تركيا ودول المنطقة.
الاستفادة من التقارب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي واعتبارها محفزات لتطور ونمو الدولة[19].
اعتمدت هذه المبادئ على القوة الناعمة في السياسة الخارجية من خلال الجهود الدبلوماسية وابرام العديد من الاتفاقيات الثنائية بين تركيا ودول المنطقة.
كما يميل اغلب الكتاب لانتقاد نظريته واعتبار سياسته هي سياسة عثمانية، لانها تحدث في الاراضي العثمانية السابقة[20]. وانه يحن الى استعادة الماضي في الحاضر من خلال استدعاء تجربة الامبروطورية العثمانية في رسم السياسة الخارجية التركية، لذلك جرى الحديث عن العثمانية الجديدة تلك التسمية التي يرفضها اوغلو نفسه مشددا على انه استمرار في بعض نظريته للسياسة الخارجية التركية التي دشنها الرئيس الراحل تورغت اوزيل[21]. الا ان العثمانية بالأمس تختلف عن العثمانية الجديدة التي تاطرت في نظرية العمق الاستيراتيجي، فالعثمانية القديمة تكمن العداء للامبروطورية البريطانية في حين ان العثمانية الجديدة تقوم على تحالف الانجلو امريكي مما يمثل انقلابا على العثمانية القديمة[22]. الا انهما يشتركان جميعا، بالنظر الى الارث الثقافي للحضارة العثمانية، وجيوسيا ترتكز الى المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية ودينيا الى الاسلام السني، تشترك هذه الابعاد بجذورها التاريخية للامبروطورية العثمانية، لذلك فالعمق الاستيراتيجي هو استدعاء للتاريخ العثماني الاسلامي.
نظرية التحول الحضاري
تعد هذه النظرية من أهم النظريات التي صاغها «أحمد داوود أوغلو»، والتي شرحها في كتابه الموسوم بالعالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية. حيث طرح فيه أفكاره حول مستقبل العلاقات الدولية، كما برهن على أن ما يجري في العالم منذ سقوط الإتحاد السوفياتي ليس صداما للحضارات كما يقول هنتنغتون، ولا عن نهاية التاريخ وإنما هو تعبير عن تحول حضاري واسع المدى. ويرى داود أوغلو أن” نظرية نهاية التاريخ” لفوكوياما تحاول أن تقطع الطريق على البدائل الحضارية الأخرى التي تتبلور في مناطق مختلفة من العالم، كما ادت الى غض الطرف عن التوترات الاثنية والنزاعات غير العقلانية في المجتمعات الغربية[23]. وبموجب هذا التحول يتراجع تدريجيا المركز الحضاري الأمريكي امام صعود محاور أخرى ما تزال في طور التشكل، وتحاول القارة الأوروبية العجوز استرداده هذا المركز مرة أخرى من خلال الإتحاد الأوروبي, كما تحاول اسيا المركز الباسيفيكي بناء هذا المحور بقيادة الصين والهند واليابان، كما يحاول العالم الإسلامي من خلال حركات الإحياء الإسلامي أن يبني محورًا حضاريًا جديدًا أيضا مرتكزًا على تماسك رؤيته للعالم، وفي القلب منه تركيا وإيران وباكستان ومصر[24]. وشرح في هذه النظرية العقبات التي تعترض سبيل نهضة المحور الحضاري الإسلامي فنبه منذ منتصف التسعينات الى ان المحور الحضاري الأمريكي سيسعى للاحتفاظ بتفوقه بشتى الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية، بما في ذلك أن يتلاعب بالأسس الداخلية للمراكز الحضارية البديلة له.[25] وتعتبر هذه النظرية من أهم النظريات التي تعتمد عليها السياسة الخارجية التركية الجديدة، والتي تتصالح من خلالها تركيا مع ماضيها وحضارتها الإسلامية، وتعود إلى الارتباط بالدول العربية والإسلامية والمماثلة لها دينيا وثقافيا، حيث اعتبر «أوغلو» من خلال هذه النظرية أن الخلفية التاريخية والموقع الجغرافي لتركيا يجعلان سياستها الخارجية مهمة للعالم أجمع من خلال هذا التنوع تستطيع تركيا ان تكتسب قوة تمكنها من تجاوز القطبية الثقافية اذا تبنت مراجعة حضارية شاملة.[26]
وحسب نظرية التحول الحضاري التي طرحها احمد داود اوغلو ان تركيا ستتمكن من بناء سياسة خارجية فعالة في المنطقة والعالم اذا تمكنت من استغلال ذلك التنوع الحضاري لصالحها.
دور احمد داود اوغلو في السياسة الخارجية التركية بعد عام 2002.
بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في عام 2002 شهدت السياسة الخارجية التركية تحولات جديدا استندت على نظرية العمق الاستيراتيجي التي صاغها « احمد داود اوغلو» الذي كان له الدور البارز في السياسة الخارجية التركية.
اذ شكل تعين اوغلو وزيرا للخارجية من قبل رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في عام 2009. دورا بارزا في السياسة الخارجية التركية، حيث كان اوغلو شريكا وثيقا لاردوغان ومستشاره الرئيسي في السياسة الخارجية منذ عام 2003, يعرف داود اوغلو بانه المهندس الفكري للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية وكان له دور مؤثر في عدد من التطورات في السياسة الخارجية, اذ غير اوغلو خطاب السياسة الخارجية التركية جاعلا لها توجيهات ديناميكية متعددة الابعاد، قد وضع اسلوب جديد للسياسة الخارجية التركية، والتي اثار الجدل حولها من قبل النقاد حول ما اذا كانت سياسته مناسبة للسياسة الخارجية التركية ام لا، وبعد مرور سبع سنوات تحول التساؤل عن إمكانية استمرارها[27]. ولقد برهنت رؤية احمد داود اوغلو نجاحها على الارض واكتسبت شرعية في تركيا وخارجها، وكان لتعين داود اوغلو وزيرا للخارجية تاثيرا في خارج تركيا ليس في الجوار التركي فحسب، وانما في المنظمات التي تضطلع تركيا فيها[28]. وضع اوغلو اطار نظري للسياسة الخارجية يتسم بالحركة والجاذبية مما ادى الى التبدل في توجيهات السياسة الخارجية، وفي نطاق الاهتمامات الثقافية والاقتصادية، من خلال تبني القوة الناعمة والمدعومة بالنفوذ الجيو سياسي والثقافي والتاريخي[29].
وضع احمد داود اوغلو عدد من المرتكزات الاساسية التي صاغ من خلالها السياسة الخارجة التركية وتتمثل هذه الاسس بالاتي :
سياسة خارجية متعددة الابعاد او ما يعرف بالمقاربة المدمجة (المتكاملة ):
اعتمد هذا المبدا من قبل احمد داود اوغلو بعد صراع مع العلمانية التي تؤكد على الهوية الغربية وحدها، والهوية الاسلامية التي تعتبر الهوية التركية متعددة بحكم الحضارة والهوية والتاريخ والموقع الجغرافي الاستيراتيجي الذي يقع على تقاطع طرق القوى والمناطق الحيوية في العالم يحتم على تركيا ان تبني سياسات متعددة الابعاد[30].تظهر هذه الروابط وفق لاوغلو عناصر لقوة الدولة بالاضافة الى امكانيات القوة المادية، حيث يعتبرها اوغلو حالة فريدة فمن حيث الهوية فهي ملتقى طرق الهوية الاوربية، وهويات الشرق اوسطية, واسيا الوسطى والقوقاز من خلال الاستفادة من هذه الهويات تسمح لتركيا من التقارب مع العالم [31]. تبنت تركيا سياسة جديدة بعد تولي حزب العدالة والتنمية للتعامل بشكل متوازن مع جميع الدول انطلاقا من تطبيق رؤية احمد داود اوغلو للتعامل على مسافة وحدة من جميع الدول. يقوم هذا المبدا على ان العلاقات مع اللاعبين ليس احدهم بديل للاخر، وانما هذه العلاقات احدهم مكملة للاخر ففي الوقت الذي تسعى فيه تركيا الى اقامة علاقة مع العرب وايران وتصفير المشاكل مع دول الجوار والانفتاح على الجميع فانها تقيم علاقة موازنة مع (اسرائل) وامريكيا[32]. والبقاء على مسافة واحدة من جميع الدول، لتحقيق الطموح التركي من ان تصبح دولة رائدة في المنطقة وذات مكانه في الجوار الاقليمي. وعلى الرغم من الانفتاح والتقارب مع الدول العربية والاسلامية الا ان تركيا لم تحيد عن علاقتها مع (اسرائيل)، ففي عام 2005 زار وزير الخارجية التركي عبدالله غول اسرائيل حظيت هذه الزيارة باهمية بالغة باعتباره اول شخصية رفيعة المستوى تزور (اسرائيل) منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، كما تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين, مما ادى الى زيادة نسبة التبادل التجاري بين البلدين حيث وصل نسبة التبادل التجاري الى (2.8) مليار دولار في عام 2007، واعتبرت (اسرائيل) من اهم الشركاء التجاريين بالنسبة لتركيا[33]. الا ان هذه الشراكة تعرضت الى صدمة بعد احداث غزة عام 2008، بعد الاعتداء (الاسرائيلي) على غزة ومحاولة تركيا من كسر الحصار المفروض على غزة، مما ادى الى اعتداء (اسرائيل) على سفينة مرمره التركية، اثار ذلك حفيظة تركيا ومطالبتها (لاسرائيل) بتعويض ضحايا طاقم السفينة والاعتذار الرسمي[34]. واعتبرت تركيا هذه الاعمال بمثابة اعتداء صارخ وعدم احترام لتركيا التي قامت بدور الوسيط بين (اسرائيل) وفلسطين، كما قام مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية احمد داود اوغلو بجولة واسعة على تطوير موقف عربي تركي من الحرب (الاسرائيلية) على غزة [35]. كانت هناك عوامل ادت بالمحصلة الى توسع هوة التقارب بين تركيا و(اسرائيل) تتمثل بالاتي[36]:
اغتيال عبد العزيز الرنتيسي واحمد ياسين زعيم حركة حماس، على اثرها اتهم اردوغان رئيس الوزراء (الاسرائيلي) انذاك شارون بنسف عملية السلام وان ما يقومون به هو ارهاب دولة، مما ادى الى تدهور العلاقات بين البلدين وألغيت العديد من الصفقات التجارية والأمنية والاستخباراتية.
التقارب التركي السوري بعد عام 2000.
الاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003، بعد معارضة تركيا للعمل العسكري اتجاه العراق، لكن (اسرائيل) كانت من اكثر المطالبين والمساندين للعمل العسكري اتجاه العراق لتدمير القوة العراقية التي كانت تعتبرها خطرا على الامن (الاسرائيلي).
وعلى الرغم من حالات التوتر والترشيق الاعلامي بين الطرفين الا ان التطور في العلاقات الاقتصادية لايزال يسير في اتجاه التطور وذلك لان السياسة الخارجية التركية تميزت بفك الارتباط بين الجانب السياسي والاقتصادي لجهة ان التوترات السياسية لم تنعكس على مستوى التطور الاقتصادي بين البلدين[37]. ان ما سارت علية السياسة الخارجية التركية بعد عام 2002، اتجاه (اسرائيل) استمرارا لتطبيق سياسة اوغلو من خلال الانفتاح على العالم وتحقيق توازن في سياستها الخارجية مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية ووضع المصلحة القومية التركية فوق جميع الاعتبارات والاختلافات الأيدلوجية وحتى الدينية. وفي ضوء تطبيق سياسة اوغلو متعددة الابعاد والانفتاح على العالم، فقد شهدت العلاقات التركية مع كل من الصين و روسيا تطورا ملحوضا, اذ شهدت العلاقات التركية الصينية تطورا بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة وخاصة بعد الازمة المالية عام 2008، اما روسيا، شهدت علاقتها مع تركيا تحسنا وبدا ذلك واضحا من خلال الزيارات المتبادلة بين البلدين على مستوى رفيع وتوقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية منها اتفاقية خاصة بالتعاون العسكري، واتفاقية منع الحوادث البحرية خارج البحر الاقليمي، ومذكرة تفاهم بين الاكاديمية الدبلوماسية في وزارة الخارجية الروسية ومركز الابحاث الاستيراتيجية في وزارة الخارجية[38]. فخلق اوغلو تعاون مع روسيا عوضا عن علاقات الصراع السابقة حتى وصفت الفترة منذ عام 2009 الى 2013 بالفترة الذهبية للسياسة الخارجية التركية[39].
ونتيجة للظروف التي مرت بها تركيا ادرك داود اوغلو من غير المنطقي الاستمرار في تبني سياسة البعد الواحد، مما ادى الى تبني سياسة متعددة الابعاد التي ساهمت في المشاركة في حل المشكلات وارساء السلام.
2. التوازن السليم بين الحرية والامن:
اكد داود اوغلو في هذا الصدد على الدولة ان تحقق الحرية لمواطنيها، في الوقت نفسه تسعى الى تحقيق الامن للمجتمع ولا يكون هذا الامن المتحقق على حساب حرية المواطن[40]. فان الانظمة التي توفر الامن لشعوبها على حساب الحرية فان هذه الانظمة تتحول الى انظمة سلطوية دكتاتورية، كما يجب ان لا نضحي بالامن في سبيل الحرية لانها يؤدي الى الاضراب والتدهور، وانما يجب ان يكون هناك توازن استيراتيجي بين الحرية والامن، وحسب داود اوغلو ان تركيا نجحت في ذلك فبالرغم ما تعرضت له تركيا من خلال عملياتها ضد الحملات الارهابية الا انها بقت تحتفظ بالحريات لشعبها[41].
3. تصفير المشاكل :
سعت تركيا الى اعادة النظر مع دول الجوار واعطاء سمعة جيدة عن تركيا مما يمتع السياسة التركية القدرة على المناورة. من خلال حل المشاكل العالقة بين تركيا وجيرانها واخراج تركيا من صورة البلد المحاط في المشاكل والدخول في علاقات جيدة مع الجميع[42]. اذ سعت تركيا الى تطوير علاقتها مع سوريا للوصول الى دول الجوار العربي تعد العلاقات التركية – السورية من اكثر العلاقات توترا مع دول الجوار. مرت العلاقات التركية – السورية بعدد من المراحل، بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى اثارت مشكلة القومية العربية المشاعر ضد الاتراك، بالاضافة الى مشكلة لواء الاسكندرية وازمة المياه التي استخدمتها تركيا ورقة رابحة للضغط على دول الجوار وتركيا من ضمنها، وفي الستينات من قرن العشرين بدات تركيا تعيد سياستها الى الجوار العربي بعد وقوف حلفائها الاوربيين مع اليونان في قضية قبرص وتم تصويت تركيا لصالح العرب في صراعهم مع اسرائيل عام 1967 وتمكن البلدين من حل بعض المشاكل العالقة بينهم في السبعينات من قرن العشرين[43].الا ان هذه العلاقة اعادت الى التوتر الشديد بين البلدين بعدما هددت تركيا بغزو سوريا عسكريا في عام 1998، بعد احتضان سوريا للزعيم الكردي « عبدالله اوجلان»[44]. لتعود العلاقة بين البلدين بعد تدهور دام لسنوات بعد عام 2002 بعد اتباع تركيا سياسة تصفير المشاكل مع الدول المجاورة وتعزيز التعاون، ثم عرض على الرئيس السوري بشار الاسد حل المشاكل بالحوار، فاخذت العلاقات بين البلدين بالتطور بعدما قامت الدولتين بتاسيس مجلس رفيع المستوى للتعاون الاستيراتيجي في عام 2009، يتكون هذا المجلس من رئيسي حكومتي البلدين والوزراء الاساسيين في الحكومة يجتمع هذا المجلس مرتين في العام، وان ابرز انجازات هذا المجلس الغاء تاشيرت الدخول امام مواطنين البلدين اضافة الى توقيع العديد من مذكرات التعاون بين البلدين[45]. وتمكن البلدين من حل بعض المشاكل العالقة بينهم فبالرغم من ان مشكلة المياه التي كانت قائمة بين تركيا وسوريا وتضرر سوريا من المشاريع التركية على نهر الفرات الا انهم اتبعوا استيراتيجية عدم تحويل هذا الخلاف الى مشكلة بين البلدين، بالاضافة الى حل المشكلة المتعلقة بلواء الاسكندرية ذات الاهمية لدى سوريا الذي خرج من دائرة المشاكل التركية السورية وتم التوقيع على اتفاقية تجارية اشارة الى الحدود بين تركيا وسوريا والتي وضعت لواء الاسكندرية ضمن الاراضي التركية[46].
وهكذا انتقلت العلاقات التركية – السورية من بناء اسس ومجالات للتعامل الشامل الى البعد الاستيراتيجي والرؤية الواسعة لمستقبل البلدين، وقد انعكس ذلك على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.
فمن الناحية الاجتماعية اعتبر احمد داود اوغلو ان الحدود بين البلدين هي حدود مصطنعة, مما ادى الى الغائها امام مواطنين البلدين ادى الى زيادة الزيارات والتواصل الاجتماعي بين البلدين، وفي اطار تعزيز العلاقات الاجتماعية الثنائية بين البلدين وسهولة الاتصال تم انشاء خط سكة حديد يربط بين مقاطعة مرسين جنوب تركيا ومدينة حلب الغربية من الحدود التركية، مما ادى الى تعميق العلاقات بين البلدين حيث اعتبر اوغلو ان المواطن التركي في غازي عنتاب يجد نفسه اقرب الى المواطن السوري في حلب من المواطن التركي في اسطنبول[47]. اما من الناحية العسكرية زاد التعاون العسكري بين البلدين في عام 2009 اجريت مناورات عسكرية على الحدود التركية السورية العراقية، كما اجريت زيارات متبادلة لزيادة التعاون الاستخباراتي والامني ومكافحة الارهاب، وتمخض عن ذلك توقيع اتفاقية ( اضنة ) للتعاون العسكري بين البلدين في عام 2009، الذي نتج عنه مناورات بين البلدين وهو امتداد للاتفاق ( اضنة )1998[48]. ومن الناحية الاقتصادية عملت تركيا على توسيع علاقاتها التجارية مع دول كانت علاقتها فيها سابقا محدودة، ترتب على ذلك ارتفاع حصة التجارة بين تركيا ودول الشرق الاوسط من 6% في عام 2002 تمثل 309 مليار دولار الى 16 % في عام 2010 تمثل 23.6 مليار دولار [49]. في عام 2004 تم توقيق اتفاق في دمشق لاقامة منطقة تجارية حرة بين البلدين من اجل زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، التي تضمنت على تشجيع الاستثمارات بين البلدين والغاء الرسوم الكمركية والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2007، وتم على غرار هذه الاتفاقية توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الدول العربية منها مصر وفلسطين[50]. ادى الى زيادة نسبة التجارة بين تركيا والدول المجاورة لها بعد عام 2002، وخاصة فيما يتعلق في الطاقة نتيجة التطور والازدهار الذي حصل في عهد جزب العدالة والتنمية مما زاد من استهلاكها للبترول الذي تفتقر اليه تركيا، مما دفع تركيا الى الحصول عليه من دول الجوار[51].
اما العلاقات التركية العراقية فقد سعت تركيا الى تعزيز العلاقات الاستيراتيجية مع العراق ليكون لها البوابة اتجاه المنطقة العربية. بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002 تضاعف الاهتمام والتدخل في شؤون العراق, حيث اتجهت السياسة الخارجية التركية نحو المناطق الرمادية الشرق اوسطية وعدم ترك الفرصة لاي لاعب اخر ينوب عنها لتحقيق مصالحها العليا في المنطقة تتمثل بالمصالح الاقتصادية والسياسية والامنية[52]. بالاضافة الى الروابط التاريخية والثقافية والحضارية المشتركة بين البلدين التي انعكست على العلاقة بين الطرفين[53]. كانت اول سياسة تركيا بعد تولي حزب العدالة والتنمية اتجاه العراق هو رفضها المشاركة بالحرب الامريكية اتجاه العراق عام 2003 ورفضها استخدام قواعدها في العملية العسكرية اتجاه العراق، بسبب سيطرة حزب العدالة والتنمية ذات الجذور الاسلامية على السلطة, والضغط الشعبي الداخلي بعدم المشاركة في الحروب، وبعد الاحتلال الامريكي للعراق اولت السياسة التركية اهمية اتجاه العراق لعدت اعتبارات منها[54]:
ان اقامة علاقات جيدة ومستقرة مع بغداد سيسهم من ايجاد حل بالتعاون للمشكلة الكردية الممتدة على الحدود التركية العراقية التي تهدد الامن التركي.
تسعى تركيا الى الاستفادة من النفط العراقي من تعزيز خطوط النفط الممتدة من القوقاز وقزوين وروسيا وايران وصولا الى اوربا وجعل العراق المصدر الاساسي لهذه الخطوط.
بعد الانسحاب الامريكي من العراق، وحملة الاعمار التي شهدها العراق تسعى تركيا الى ان يكون لها جزء من الاستثمارات في العراق وتشغيل الشركات التركية لتعزيز الاقتصاد التركي.
وجدت تركيا نفسها معنية بالوضع الامني في العراق بعد الانسحاب الامريكي لاعتبارات امنية.
تقوم السياسة الخارجية التركية اتجاه العراق على امرين هما الامن الجيوسياسي والامن الاقتصادي اعتبرت ذلك ثوابت اتبعتها بعد غزو العراق وتتمثل هذه الثوابت بالاتي[55]:
وحدة العراق: يتمثل بالامن الجيوسياسي تعتبر تركيا ان الحفاظ على وحدة العراق والحفاظ على الاستقرار الامني داخل العراق ثابت من ثوابت الامن القومي التركي لان ما سيؤول اليه الوضع داخل العراق سيسهم بفاعلية في صياغة شكل المنطقة وتوازناتها الاقليمية، وان حدوث تقسيمات في العراق سيفتح المجال امام تقسيمات اخرى وخاصة ان تركيا تعاني من مشاكل الاكراد. ادركت تركيا اهمية اقامة علاقة متينة مع العراق، لدرء الاخطار عنها اولا، واحتواء مصادر الخطر ثانيا، وان يكون لها دورا فاعلا في رسم المشهد العراقي ومنع اقامة الدولة الكردية وحماية امنها القومي[56].
الامن الاقتصادي: تمثل بارتفاع حجم التجارة مابين العراق وتركيا منذ عام 2003، ويعتبر العراق منذ عام 2011 ثاني اكبر مستورد للصادرات التركية بعد المانيا، كما زادت نسبة استثمار الشركات التركية في العراق خاصة في مرحلة بناء العراق، كما استفادت تركيا من الاحتياط النفطي العراقي واستثمرت شركة النفط التركية (تباو) 6 مليار في بئرين للنفط وبئرين للغاز في العراق.
امتازت العلاقة التركية العراقية بالتطور بعد عام 2005 بعد توقيع اتفاقية (المجلس الاعلى للتعاون الاستيراتيجي ) حيث ادركت السياسة التركية ان تطوير العلاقات بين البلدين يمكن لتركيا من الاستفادة من المجال الحيوي للعراق في تطوير علاقاتها الاقتصادي.
حيث يرى داوود أوغلو أن مبدأ «صفر مشاكل» طبق بنجاح مع الجيران في الأعوام السّبعة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية، وأن علاقات تركيا مع جيرانها أصبحت تتبع مسارًا أكثر تعاوناً، فهناك اعتماد اقتصاديّ متبادل ينمو بين تركيا وجيرانها.[57] حيث حقّقت تركيا تقدماً دبلوماسيَا كبيرًا مع أرمينيا التي تبقى العلاقة معها في كل الأحوال الأكثر إشكالية في سياسة تركيا الإقليمية، ووصمت العلاقات التركية الأمريكية إلى نقطة تستطيع تحقيق تعاون ثنائي، والعمل من أجل الاستقرار العالميّ، وانجازات تركيا في علاقاتها الإقليمية دفعت صُناع القرار إلى أخذ هذا المبدأ خطوةً أبعد، سعيًا وراء تعاون كامل مع جيرانها، منذ منتصف 2009، حيث أسّست تركيا لقاءاتِ لجان استراتيجية على مستوى عال مع العراق، وسوريا، واليونان، كما أن هناك لقاءاتِ حكومية مشتركة تناقش في تفاصيل القضايا الثنائية السياسيةِ، والاقتصادية، والأمنيةِ، كذلك هناك إعداد لتأسيس آلياتٍ مماثلة مع بلغاريا، وأذربيجان، وأوكرانيا، ودول أخرى مجاورة، وقد ألغت تركيا تأشيرات الدخول مع سوريا، وطاجكستان، وألبانيا، والأردن، وليبيا، وروسيا وغيرها، كما زادت تجارة تركيا مع جيرانها والمناطق المجاورة زيادة كبيرة في الأعوام الماضية.[58] عملت سياسة تصفير المشاكل الى تقليل الاعتبارات الامنية تجاه المنطقة التي كانت قائمة قبل تولي حزب العدالة والتنمية على الامن وتجنب التدخل في المنطقة التي اعتبرتها مستنقعا للأخطار الامنية وخاصة الدول العربية، وفي هذا الاطار صاغة تركيا سياسة خارجية قائمة على تصفير المشاكل وتوسيع التعاون الاقتصادي من خلال اتفاقية التجارة الحرة مع الدول العربية، مما احدث تحولا في السياسة الخارجية التركية والتحول من المفاهيم التقليدية القائمة على الامن والتهديد واستبدالها بمفاهيم ليبرالية قائمة على التنمية والشراكة والتعاون الاستيراتيجي[59]. حيث استهدفت الدبلوماسية التركية الى تصفير المشاكل مع جيران تركيا ثم انتقلت للمرحلة الثانية التي رسمها داود اوغلو والتي اطلق عليها اقصى تعاون.
اما فيما يتعلق في العلاقات التركية مع ارمينيا فقد شهدت تلك العلاقات تطورا ايضا، واستمرار الجهود الرامية الى حل المشاكل العالقة بينهم، ففي عام 2009 وقع وزير الخارجية التركية احمد داود اوغلو ووزير الخارجية الارميني ( ادوار نالبنديان ) بروتاوكولين لتسوية الخلافات بين البلدين، عد هذا الاتفاق هو الاول بين البلدين منذ اتفاقية قارص عام 1921 التي كانت تركيا وارمينيا طرفا فيها المتعلقة بترسيم الحدود، وفي ضوء تطبيع العلاقات بين البلدين اتفق الطرفات على الاعتراف بالحدود المرسومة بين البلدين وتبادل التمثيل الدبلوماسي وفتح الحدود امام التجارة التركية، كما وقع عدد من المثقفين الاتراك اعتذارا لجمهورية الارمن عن الكارثة الكبرى التي حلت في عام 1915[60].
اما فيما يتعلق بالعلاقات مع اليونان، بدات المفاوضات بين البلدين للمرة الاولى بعد تولي حزب العدالة والتنمية عام 2002، من اجل ارساء عملية السلام وتصفير مشاكل تركيا مع جوارها من خلال استخدام الادوات الدبلوماسية واستمرت تلك الاجتماعات بمشاركة وفود تقنية برعاية وزارتي الخارجية في البلدين[61]. ان سياسة احمد دداود اوغلو المتعلقة بتصفير المشاكل مع دول الجوار ساهمت في فتح الحوارات مع اليونان التي كان يسودها القطيعة طيلة السنوات السابقة. صاغ اوغلو السياسة الخارجية بعد توطيد الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني في الداخل من خلال اتباع سياسة الابعاد المتعددة مع دول الجوار بعد صياغة سياسة اللامشكلة معها[62].وان تركيا استطاعت ان تحول العلاقات من حدود المواجهة الى التعاون مع كافة جيرانها وبما يؤهل تركيا في التفاعلات السياسة الاقليمية والدولية[63].
5. تطوير اسلوب دبلوماسي جديد:
التي عملت تركيا نحوها بعد تولي حزب العدالة والتنمية بعد عام 2002, وتهدف هذه الخطوة الى اتخاذ خطوات قبل بروز الازمة وتصاعدها بشكل خطير من خلال تطبيق الدبلوماسية المتناغمة للتعامل مع جميع القضايا واحتضان القمم والمؤتمرات, وتاكيد وجود عضوية تركيا في المنظمات الدولية والاسلامية والمساهمة في حل المشاكل التي تخص المنطقة مع ضمان وجود دور تركي في الازمات وهذا ما أكده اوغلو لابد لتركيا من ان تكون في الميدان سواء في الازمات التي تحدث في الاتحاد الاوربي او الشرق الاوسط او القوقاز[64]. وقد تجسد ذلك في اول اجتماع لدول الجوار الجغرافي في شباط عام 2003، لتسير بعدها سلسلة الاجتماعات الدورية التي انتقلت من خلالها تركيا من الوسيط الى الساعي لحل المشاكل و وتجسدت هذه القوة الناعمة التركية من خلال قيام تركيا بالوساطة بين باكستان واسرائيل، وبين حماس والسلطة الفلسطينية[65]. وفي العراق نجد مثال لذلك عندما حدث انقسامات وتوترات ما بين السنة والشيعة لعبت تركيا دورا بارزا بالسعي الى سد هذه الفجوة من خلال تعاملها بشكل متوازن بين الطرفين[66].وفق هذا المبدا اعادة تركيا صياغة سياسة خارجية مكنتها من اعادة تعريف دورها على الساحة الاقليمية والدولية واخراجها من الحلقة الضيقة الهامشية الى دولة مركزية لها ثقلها في المنطقة، حيث كان ينظر الى تركيا باعتبارها جسر بين جهات عدة والاكتفاء بالمرور من فوقها[67] ادى هذا الاسلوب الى زيادة الاداء الدبلوماسي التركي الفعال، من خلال رسم استيراتيجية جديدة تجاه العالم لتتحول من دولة هامشية الى دولة مركزية.
6. الانفتاح على العالم :
الانتقال من سياسة السكون الى الانفتاح على العالم والحركة الدائمة مع كل بلدان العالم، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين الدول العربية وتركيا وزيادة الاستثمارات التركية في دول المنطقة [68]. وحسب داود اوغلو ان تركيا كان امامها ثلاث عقبات تتمثل في الارهاب، وعدم الاستقرار السياسي، والازمات الاقتصادية، ولكن من خلال اتباع سياسة خارجية مرنه تم تجاوز هذه العقبات[69]. بالاضافة الى الاهتمام بالمنظمات غير حكومية والمنظمات المدنية الاخرى وتجنيدها ودعمها لتنشيط السياسة الخارجية، واعتبار المنظمات غير الحكومية والمدنية جزء من رؤية السياسة الخارجية الجديدة، والاستفادة من مراكز الفكر والمثقفون والجماعات الفاعلة الاخرى في عملية صنع السياسة الخارجية[70]. حيث ادركت تركيا اهمية المنظمات الاقليمية في تعزيز الاستقرار فأصبحت عضوا مراقبا في جامعة الدول العربية, ومشاركتها في اتحاد من اجل المتوسط ومشاركتها في منظمة المؤتمر الاسلامي[71]. ان دور هذه المؤسسات تمثل جزء من فكرة الاداء الشامل على عكس ما كان في الماضي التي لم يكن لهذه المؤسسات دور فاعل في السياسة الخارجية.والشكل رقم (1) يوضح لنا مرتكزات السياسة الخارجية التركية كما جسدها اوغلو.
شكل رقم (1)
يوضح مرتكزات السياسة الخارجية التركية كما جسدها احمد داود اوغلو
المصدر : المخطط من تصميم الباحث بالاعتماد على مصادر متعددة
ساهمت هذه المبادئ التي صاغها اوغلو في اعادة صياغة السياسة الخارجية التركية الجديدة بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة صياغه واعيه تمكنت من اعادة الدور التركي في المنطقة، وتكثيف علاقتها مع الدول العربية وفق ما اسماه احمد داود اوغلو بالقوة الناعمة في السياسة الخارجية[72]. كما ادت هذا المبادى في تحقيق نتائج ايجابية ساهمت في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في حقبة حزب العدالة والتنمة اكثر من اي وقت مضى. ادى الى زيادة نسبة التجارة بين تركيا والدول المجاورة لها بعد عام 2002، وخاصة فيما يتعلق في الطاقة نتيجة التطور والازدهار الذي حصل في عهد جزب العدالة والتنمية مما زاد من استهلاكها للبترول الذي تفتقر اليه تركيا، مما دفع تركيا الى الحصول علية من دول الجوار[73]. والشكل رقم (2) يوضح توزيع واردات تركيا من البترول حسب الدول المنتجة لسنة 2015.
شكل رقم (2)
يوضح توزيع واردات تركيا من البترول حسب الدول المنتجة لسنة 2015
المصدر : المخطط من تصميم الباحث بالاعتماد على مصادر متعددة
لقد تبنى رؤية اوغلو من قبل النخبة الخارجية والامنية في تركيا ومن قبل السياسين في السلطة، لقد كان اردوغان مثالا على خطاب داود اوغلو حول العمق الاستيراتيجي عندما قال ان اسطنبول ليست فقط مركزا تجمع بين الحضارات وتوليفها[74].
يتمتع احمد داود اوغلو بخلفية اكاديمية قوية في الفلسفة والعلوم السياسية فهو موهوب في بناء خطاب متطور للسياسة الخارجية في مواجهة المشاكل على الارض، فقد واجهته مهمة صعبة تمكن من خلال رصيده الفكري والعلمي من مواجهة التحديات التي واجهة تركيا، ونقل تركيا من الهامش الى المركز مستغلا ما تمتلكه تركيا( موقع استيراتيجي وارث ثقافي وتاريخي ) وتوظيفه في خدمة السياسة الخارجية التركية[75]. ان الخبرة التي يمتلكها داود اوغلو ومعرفته في الشؤون الدولية النابعة من دراسته الاكاديمية وتخصصه في مجال العمل المناط به، استطاع ان يحول الجانب النظري من هذه الخبرة الى الجانب العملي ( التطبيقي ) مما ادى الى حدوث نتائج قيمة من خلال التطورات الايجابية التي اتسمت فيها السياسة الخارجية التركية بعد تحقيق الاهداف التي كانت تسعى اليها تركيا بالاضافة الى اعطاء تركيا مكانة اقليمية متميزة[76]. كما استطاع احمد داود اوغلو الى تكيف تركيا مع الوضع الاقليمي بعد نهاية الحرب الباردة وترسيخ استقلالية القرار التركي لتصبح تركيا لاعبا مستقلا في الشرق الاوسط، والانخراط في موجة الاستثمارات التي شهدتها المنطقة.
ثانيا
التغيير والاستمرارية في السياسة الخارجية التركية :
مرت السياسة الخارجية التركية بعدد من المراحل اتسمت بالتغيير البطيء، إلا ان وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة عام 2002 قدم مراجعات اكاديمية وسياسية للسياسة الخارجية اتسمت بالاستمرارية وثبات التوجهات، إلا ان هذه الثوابت لم تستمر بعد عام 2012 فان السياسات التي اتبعتها تركيا بعد أحداث ( الربيع العربي ) لا تنطبق مع السياسات التي كانت تتغنى فيها السياسة الخارجية التركية في بداية تولي حزب العدالة والتنمية السلطة نتيجة ما آلت إليه الأحداث الإقليمية والدولية, بالمقابل سعت تركيا للعودة بعد أحداث ( الربيع العربي ) إلى سياسة احمد داود اوغلو لإعادة دورها الإقليمي في المنطقة وان اختلفت ادوات تنفيذ تلك السياسة. وهذا ما سنتطرق له في هذا المبحث من خلال توضيح اولا التغيير الذي طرا على السياسة الخارجية التركية، لنبين ثانيا الاستمرارية في السياسة الخارجية التركية.
التغيير في السياسة الخارجية التركية
نتيجة للتطورات التي حدثت بعد احداث ( الربيع العربي ) اصبح التغيير في السياسة الخارجية امر لا مفر منه مما يستوجب التكيف مع هذا التغيير, من جهة اخرى ونتيجتا لهذه الاحداث فان السلوك السياسي بدا تدريجيا يتحول من طبيعته التعاونية الى سلوك فيه الكثير من التوتر والتدخل في الشؤون الداخلية للدول[77].
إن اندلاع ثورات الربيع العربي كانت بمثابة الحدث الكبير الذي أربك إلى حد ما السياسة التركية ووضعها في موقف محرج. تعددت التفسيرات بشان الاختلاف في ادوات السياسة التركية هناك من يراها على أنها ارتباك للسياسة التركية وانحيازها لإطراف دون أخرى، وهناك من يراها تغلب المصالح الاقتصادية والتخلي عن رؤيتها للعمق الاستيراتيجي بتدخلها في الشؤون الداخلية للدول[78]. بغض النظر عن التفسيرات السابقة فقد أثرت التطورات التي حدثت في المنطقة على السياسة الخارجية التركية لتعيد بناء رؤية استيراتيجية تتواءم مع الظروف والمتغيرات الراهنة. إلا إن لا يمكن تجاهل التدخل التركي في الثورات العربية فاذا عدنا الى سياسة تركيا تجاه القضايا العربية في ثمانينات القرن الماضي لاحظنا حجم التغيير في السياسة التركية. يرى بعض المفكرين الاتراك الى ان السياسة التركية تجاه الوطن العربي تستند الى عدد من المبادئ وهي[79]:
عدم التدخل في السياسات الداخلية لبلدان الشرق الاوسط.
الابتعاد عن الصراعات التي تحدث داخل هذه البلدان من اجل السيطرة على السلطة.
الحفاظ على العلاقات مع الدول العربية، وتطوير علاقاتها الاقتصادية معها.
الا ان هذه المبادئ تم اختراقها بعد إحداث الربيع العربي، فمبدأ عدم التدخل في السياسات الداخلية قد اخترق من قبل تركيا اذ انتقلت السياسة التركية من عدم التدخل إلى دعم الثورات التي تهدف للسيطرة على السلطة.
ان تعامل تركيا مع الثورات العربية استند على بعض الامور تتمثل بالاتي[80]:
تحولت تركيا من دولة لحل المنازعات الى طرف فيها.
انتقلت تركيا من القوة الناعمة الى القوة الصلبة التي تهدد الجميع.
اتبعت السياسة الخارجية التركية سياسة مركبة اتجاه الثورات العربية فترى كل بلد له حالته المستقلة. حيث اعتمدت الحكومة التركية على ثلاث مبادئ للتعاطي مع الثورات العربية وتشمل[81]:
التاكيد على احقية الشعوب في بلدان الثورة بالحرية والديمقراطية، وهذا ما اكده اوغلو من خلال كلمته في المنتدى الذي اقيم في الدوحة في 12 اذار 2011، الذي ناقش التحولات في المنطقة العربية، حيث اكد ان المنطقة تشهد تسونامي سياسي، لابد من تضافر الجهود لتجاوز هذه المرحلة وتفادي تبعاتها الخطيرة بعد ان عانت شعوب هذه البلدان من تسلط انظمة بلدانهم.
رفض اي تدخل عسكري غربي في بلدان الثورة.
الحفاظ على البنية التحتية في بلدان الثورة، وتقديم المساعدات لها.
ان تاكيد تركيا على هذه المبادئ في تعاملها مع الثورات العربية باعتبارها لاعبا كبيرا في المنطقة ومن حقها التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان. وهذه المبادئ تعتبر مسالة اخلاقية في الدبلوماسية والسياسة الخارجية من وجهة نظر الحكومة التركية. ولتعزيز وجودها اقليميا باعتبارها دولة مركزية في المنطقة، بدات بالتدخل في البلدان العربية التي اندلعت فيها الثورات بعد عام 2011 ويعتبر ذلك استمرارا لتطبيق نظرية العمق الاستيراتيجي التي طرحها اوغلو.
استبدلت تركيا سياستها في الشرق الاوسط، التي عارضت عسكرة المنطقة خلال حكومات حزب العدالة والتنمية، باجندة جديدة قائمة على الحلول العسكرية، بعد تصاعد الازمة واتهام حزب العدالة والتنمية نظام الاسد بتنفيذه مذبحة بحق المعارضة، فانهارت العلاقات الثنائية التي كانت جيدة في يوم من الايام.
ان الانتفاضات العربية وخاصة السورية غيرت الساحة الجيبولتكية ووضعت امام السياسة التركية تحديات، اضطربت من خلالها العلاقة مع دول الجوار مرة أخرى على الرغم من العلاقة الجيدة التي كانت تتمتع بها في السابق مع جيرانها، فعدم الاستقرار ومطالبة الشعوب بالديمقراطية وحقوق الانسان جعلت تركيا من غير الممكن الاستمرار في سياسة تصفير المشاكل مع الأنظمة الاستبدادية[82]
ان ما تقوم به تركيا هو لتعزيز دورها الاقليمي في المنطقة بعد انشغال دول المنطقة في أوضاعها الداخلية لملئ الفراغ الإقليمي المتزايد. وبعدما حققت تركيا الاستقرار الداخلي نتيجة للنمو الاقتصادي عملت على توظيف قوتها الناعمة في السياسة الخارجية الا ان الآثار الايجابية للقوة الناعمة لم تستمر على نفس الوتيرة، كما ان الانجازات في السياسة الخارجية لم تستمر على وتيرة واحدة فان الانتفاضات العربية شكلت تحديا واضحا للسياسة الخارجية التركية وتراجع قوتها الناعمة واستعمالها القوة الصلبة[83]. هناك عوامل فرضت على تركيا تغيير في اساليب سياستها الخارجية منها عوامل اقليمية متمثلة بتزايد وتيرة الارهاب العابر للحدود ( داعش) بالاضافة الى الضعف الامني الحاصل في سوريا والعراق ومطالبة الاكراد بحقوقهم، ومخاوف تركيا من حصول الاكراد على الاستقلال وهذا الامر لا ترتضيه تركيا بتاتا[84]. كل ذلك دفع تركيا الى التفكير في اللجوء الى القوة الصلبة بسبب تراجع دورها من خلال اعتمادها على القوة الناعمة في بيئة مضطربة. مما دفعها الى انشاء القواعد العسكرية وارسال قوات عسكرية الى قطر بعد توقيع اتفاقية بين الطرفين وعلى ضوئها ارسلت القوات الى قطر في عام 2017 بعد الازمة الخليجية، يعتبر هذا الاسلوب انجازا اقليميا لتركيا من خلال تعزيز نفوذها الناعم بالقوة الصلبة من خلال تعزيز العلاقات الاستيراتيجية بينها وبين الدولة المضيفة[85].ولم تقتصر القواعد العسكرية على قطر وانما شملت العراق والبوسنة والهرسك والصومال والبانيا وافغانستان واذربيجان، وقد ادت تلك القواعد وظائف استيراتيجية يعود الفضل في ذلك الى الاستثمارات الدفاعية والجهود الدبلوماسية التركية[86]. وان هذا التغيير اتجاه دول المنطقة تعكس طموحات تركيا الاقليمية في الانتشار خارج البلاد.
لم يتوقف استخدام القوة الصلبة على الاعتماد على انشاء القواعد العسكرية، وابرام الاتفاقيات الدفاعية وانما تم استخدام المباشر للقوة العسكرية. فبعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011 استخدمت تركيا القوات العسكرية بعد موافقة البرلمان استخدام القوات العسكرية في شمال سوريا، فاطلقت اول عملية في عام 2016 تحمل اسم (درع الفرات ) بالتنسيق مع التحالف الدولي لدعم الجيش الحر لإنهاء تنظيم (داعش) في شمال سوريا ومنع حزب العمال الكردستاني من الوصول الى الكنتونات الكردية بين عفرين وكوباني, ثم اتبعتها بعملية اخرى في عام 2018 تحت اسم (غصن الزيتون) ضد حزب العمال الكردستاني وامتداده (وحدات حماية الشعب)[87]. وعملية نبع السلام على الحدود السورية عام 2019 والتي حددت تركيا اهدافها من العملية تتمثل
بتطهير منطقة شرق الفرات من وحدات الشعب و(داعش) الارهابي والقضاء على الممر الإرهابي الممتد على الحدود التركية بالاضافة الى انشاء قواعد عسكرية في شمال العراق[88].
فقد شهدت العلاقات التركية العربية طابعا مغايرا عما كانت علية قبل الانتفاضات العربية، فتركيا التي كانت تعمل وسيطا لحل المشكلات في المنطقة أصبحت متورطة في المشاكل بعد الانتفاضة السورية كالدعم العسكري للمعارضة السورية واستضافتها لمؤتمرات المعارضة وحركة الإخوان المسلمين السوريين على أراضيها, من خلال تاييد تركيا لثورات ( الربيع العربي ) أصبحت في علاقة مضادة مع الاطراف الاخرى[89].كما ادت ثورات ( الربيع العربي ) الى تاثير سياسة تصفير المشاكل التي اصابتها التفكك والانهيار، فان هذه الثورات أعاقة مسار سياسة تصفير المشاكل، بعد تحول تركيا الى طرف في الصراعات بين الدول العربية والاقليمية فساد التوتر مع عدد كبير من دول المنطقة كتدهور العلاقات بين النظام السوري والتركي والعلاقات مع مصر بعد انهاء المجلس العسكري حكم محمد مرسي الحليف لتركيا، نتيجة موقف تركيا من مجريات الإحداث في المنطقة جعلتها في دائرة شبه مغلقة في علاقاتها السيئة مع سوريا ومصر والسعودية وروسيا بعد اسقاط طائرة السيخوي الروسية عام 2015، وامتدت الى الدول الخليجية بعدما اتهمت تركيا السعودية بالاطاحة بنظام الاخوان المسلمين في مصر، اما في العراق فقد غرست الصراع مع حزب العمال الكردستاني الا انها عززت علاقتها مع الاحزاب الكردية لتبدي علاقتها التجارية معها[90]. ومع قتل سياسة تصفير المشاكل وتحويلها الى تعميق للمشاكل، فان السياسة التركية دخلت مرحلة جديدة أشبه بالانقلاب على سياستها الخارجية السابقة لتعود محاطة في الأعداء. إلا إن طبيعة التوتر الذي أصاب العلاقات التركية مع جيرانها وخاصة السورية منها يعود الى التغير في مجريات الأحداث ومخاوف تركيا على أمنها القومي للتعامل مع المخاطر الامنية الناجمة عن التحولات الديناميكية[91]. خشية من تفاقم الوضع في دول المنطقة وحدوث فوضى تنسحب الى البلدان التي ترتبط فيها تركيا. وعلى الرغم من تعارض في ادوات السياسة الخارجية التركية الا انها توظف في عناية لخدمة مصالحها الاقتصادية والامنية لتركيا ودورها الاقليمي في المنطقة. فهذه السياسات وضعت حد لنهاية تصفير المشاكل مع دول الجوار الا ان سياسة تصفير المشاكل تم وضعها في ظروف كانت تعاني منها تركيا من ازمات عدة اهمها الازمة الاقتصادية الا ان هذه السياسية لا يمكن استمرارها في ظروف طارئة وخاصة ان تركيا طرح نفسها كدولة مركزية. اذ اتسمت السياسة الخارجية التركية بالتغيير في المرحلة التي اعقبت احمد داود اوغلو. وجدول رقم (1) يوضح التغيير النسبي التي شهدته السياسة الخارجة التركية في الفترة اللاحقة لاحمد داود اوغلو.
جدول (رقم1)
يوضح السياسة الخارجية في عهد داود اوغلو والسياسة الخارجية التركية في المرحلة اللاحقة لاحمد داود اوغلو.
السياسة الخارجية في عهد احمد داود اوغلو (2002- 2015) |
السياسة الخارجية بعد احمد داود اوغلو (2015- الان) |
نزعة استباقية / تفاعلات اقليمية عالمية |
نزعة استباقية / ارتباطات انتقائية |
دولة محورية مع ارتكاز قوي على الاتحاد الأوربي |
دولة محورية دون ارتكاز قوي |
قوة ناعمة |
قوة صلبة |
تعددية الإطراف |
تحالفات استيراتيجية |
المثالية / الواقعية الحضارية |
الأخلاق / واقعية تقليدية |
نشاط عام |
تحديد للأولويات |
دولة تجارية / مساعدات انسانية |
دولة انسانية |
قطب طاقوي |
قطب طاقوي |
E. Fuat Keuman, “A New Turkish Foreign Policy: Towards Proactive “Moral Realism”, Insight Turkey, (Vol. 19، No. 1، 2017), p.57. Available at : https://bit.ly/2m7SLL6.
مثلت السياسة الخارجية التركية بعد احمد داو اوغلو بخروجها عن المألوف السابق، اذ زاد الميل الى استخدام القوة الصلبة في التعامل مع القضايا العربية [92].
إن هذه الانتفاضات العربية أعادت إحياء الأدوار الأمنية لتركيا التي تم تجاوزها في بداية تولي حزب العدالة والتنمية من خلال تركيزهم على القوة الناعمة والنهج الدبلوماسي، الا ان هذا النهج الذي كان يوصف بالمثالي لم يتسق مع سياسة القوة والتوسع وتحقيق المصلحة بكل الوسائل وهذا ما ظهر بعد ( الربيع العربي ) فقد أصبحت تركيا تميل لاستخدام القوة الصلبة في سياستها من خلال العمليات العسكرية ودعم الناتو في توجيه ضربات عسكرية لإسقاط نظام الأسد، فقد شكل الاعتماد على الانتشار الخارجي للقوات العسكرية والعمليات العسكرية في المنطقة الركيزة الأساسية في التحول باتجاه الركون الى القوة الصلبة كأداة من أدوات السياسة الخارجية التركية في المنطقة العربية، إلا ان ذلك لا يحل دون بقاء القوة الناعمة لاسيما فيما يتعلق في المساعدات الإنسانية[93]. فقد شهدت تلك السياسة التركية انتقادات لعدم واقعيتها اقليميا وعدم استخدامها وسائل تتوافق مع تلك التصورات التي روجتها عن نفسها[94].
لم يقتصر التغيير الذي طرا على السياسة الخارجية التركية بالمحيط الاقليمي, بل تغيرت السياسة الخارجية التركية اتجاه الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي وحتى حلف الناتو الذي تنتمي لعضويته، مما زاد من الضغوط الخارجية على تركيا، من جهة ثانية ونتيجة انخراط تركيا في القضايا والملفات الإقليمية، بما فيها النزاعات المسلحة، ولا سيمـا في كل من سوريا والـعراق وليبيا والقوقاز، الذي كان لهذا الانخراط تكلفة اقتصادية فادحة انعكس ذلك على الاوضاع الداخلية وتراجع قيمة الليرة التركية، بالإضافة الى سياسة اردوغان الاقتصادية المتمثلة بخفض سعر الفائدة لغرض زيادة الحركة الاقتصادية في البلاد وتشجيع المستثمرين وهو بذلك يعارض الاكاديميين وحتى السياسيين المعارضين الذين يعتبرون تخفيض الفائدة لها نتائج ايجابية قريبة اما النتائج المستقبلية تعرض البلد الى ازمة اقتصادية، مما اثارت الانتقادات ضد اردوغان[95].
ان احداث (الربيع العربي ) عام 2011، واستقالة احمد داود اوغلو في عام 2016، عرض السياسة الخارجية التركية الى اختبار صعب في التعامل مع الاحداث التي شهدتها المنطقة فقد تعاملت مع تلك التطورات بطريقة لم تعتاد علية السياسة الخارجية التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002، كان لهذا التغيير اثاره السلبية على الجمهورية التركية وخاصة من الناحية الامنية والاقتصادية.
ومثل التغيير الاخر الذي طرا على السياسة التركية استخدام مصطلح الوطن الازرق Blue Homeland للإشارة إلى حصص تركيا البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط, على هذا النحو، قال أردوغان في عام 2019: «إنني أقر أننا مستعدون لحماية كل مساحة من وطننا الأزرق البالغ مساحته 462 ألف متر مربع بتصميم كبير والقيام بكل واجب يؤدي الى حفظ هذه المساحة «[96]. اذ يمثل هذا الخطاب اشارة واضحة الى لغة التهديد باستخدام القوة فكان ذلك الواقع يمثل تغييرًا جذريًا في رؤية تركيا الجيوستراتيجية.
الاستمرارية في السياسة الخارجية التركية :
على الرغم من التغيير الذي طرا على السياسة الخارجية التركية بعد أحداث ( الربيع العربي ) وما رافق ذلك من تدهور الاوضاع في تلك البلدان، باتت الحكومة التركية في وضع أشبه بالعزلة والخصومة مع مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة الإقليمية والدولية. ونتيجة للتدهور الذي شهدته تركيا من الناحية الاقتصادية والسياسية، اتجهت تركيا للعودة الى السياسات التي طرحها احمد داود اوغلو والاستمرار في تطبيق مبادئ العمق الاستيراتيجي. فقد اتجهت الى تبنّي سياسة «تصفير المشاكل» مع كافة جيرانها، ومد جسور التعاون المتبادل والعلاقات الودّية مع مختلف خصومها على الساحة الإقليمية والدولية، وتسوية الخلافات والنزاعات المريرة التي انخرطت فيها أنقرة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. من خلال مساعي اردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش اوغلو الى التقارب وتسوية الخلافات مع الإمارات والسعودية والبحرين، والتطبيع مع «إسرائيل»، وإعادة العلاقات مع مصر وإنهاء الخلافات بين البلدَين[97].
والاستمرار في الجهود الدبلوماسية لتطبيع العلاقة مع ارمينيا من خلال قيام تركيا بتعيين ممثلا خاصا في ارمينيا في كانون الاول عام 2021 في المقابل قامت ارمينيا بتعيين ممثلا لها في تركيا، واتبع ذلك خطوات من قبل ارمينيا تمثلت برفع الحضر عن استيراد البضائع التركية الذي فرضته على تركيا بسب دعمها اذربيجان[98].
اما فيما يتعلق في العلاقات التركية اليونانية لايزال اللقاءات مستمرة بين البلدين لتسوية الخلاف القائم بينهم لتطبيع العلاقات الثنائية من جهة وتحقيق الحلم التركي بالانضمام الى الاتحاد الاوربي من جهة اخرى[99].
كما عادت تركيا على طرح نفسها وسيطا لمعالجة الازمات التي شهدتها المنطقة من خلال قيامها بالتهدئة بين اطراف الصراع في ليبيا، وتقديم مبادرة للوساطة بين أوكرانيـا وروسيا، وهذا ياتي ضمن مساعي حكومة اردوغان لاحياء سياسة تصفير المشاكل التي طبقها احمد داود اوغلو في العقد الاول من تولي حزب العدالة والتنمية[100].
اما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية اتجاه روسيا اتجهت السياسة الخارجية التركية الى زيادة عدد الاصدقاء وتقليص عدد الاعداء وعلى الرغم من وجود نقاط خلاف بين البلدين منها الدعم التركية للمعارضة السورية ضد نظام بشار الاسد، ورفض تركيا الانقلاب على حكومة محمد مرسي بينما رحبت روسيا بذلك، والدعم الروسي لقبرص للانضمام الى الاتحاد الاوربي، الا ان حكومة اردوغان اعادت الى التقارب مع روسيا في اطار زيادة عدد الاصدقاء وتحسين الوضع الاقتصادي التركي من خلال زيادة تصدير البضائع التركية الى روسيا بعد العقوبات المفروضة على تركيا تمثل ذلك بالزيارات المتبادلة بين البلدين وتكونت علاقة جيدة بين اردوغان وبوتين وتم توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين فيما يتعلق بتطوير التكنولوجيا ومصادر الطاقة وزيادة التبادل التجاري [101]. اتجهت تركيا الى شراء احتياجاتها من القوى غير الغربية, فقد استخدمت تركيا العلاقات مع روسيا والصين للتأكيد على أهميتها كوكيل مستقل, أحد الانتقادات الموجهة لتركيا هو أن علاقاتها المتنامية مع روسيا والصين تشير إلى إعادة توجيه تركيا تجاه القوى غير الغربية[102]. ورغم التوتُّر والبرود الذي يسود العلاقات بين أنقرة وواشنطن، فقد قرّرَ أردوغان وبايدن تشكيل آلية مشتركة لتعزيز العلاقات التركية الأميركية وتطويرها، وذلك خلال اجتماعهما على هامش قمة مجموعة الـ 20 أواخر عام 2021 [103]. ان سعي اردوغان الى اعادة احياء سياسة تصفير المشاكل التي طرحها اوغلو جاءت استجابة للتطورات الاقليمية والدولية والضغوطات الداخلية السياسية والاقتصادية.
اما فيما يتعلق بنظرية العمق الاستيراتيجي وتطبيق مبادئها استمرت تركيا في تطبيق مبادئ هذه النظرية وان تغيرت اساليب تطبيق تلك المبادئ من القوة الناعمة التي كانت قائمة على الأمن للجميع، والحوار السياسي، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، والوئام الثقافي هي اللبنات الأساسية لهذه الرؤية سابقا الى القوة الصلبة.
ان استقالة احمد داود أوغلو من منصب رئيس الوزراء في مايو 2016 افسحت المجال لاستخدام القوة الصلبة في السعي لتحقيق مصالح الأمن القومي - الدبلوماسية الحازمة والقوة العسكرية التي تمارس على أساس الحكم الذاتي الاستراتيجي، مع الاحتفاظ بطابعها «العثماني الجديد»[104].
الا ان ذلك لا يعتبر تراجعا عن الاستمرار في تنفيذ مبادئ العمق الاستيراتيجي التي طرحها احمد داود اوغلو وانما سارت في تطبيق مبادئ العمق لكن بادوات مختلفة فرضتها عليها البيئة الاقليمية والدولية.
وعلى الرغم من التغيير في اساليب تنفيذ العمق الاستيراتيجي الا ان تركيا لم تستغني عن القوة الناعمة في سياستها الخارجية واحلال القوة الصلبة محلها وانما قامت بممارسة القوة الناعمة حيث طرحت نفسها وسيطا لمعالجة الخلافات العربية الداخلية والحد من امتدادها حيث ابقت على الدبلوماسية الاستباقية من خلال قيامها بالدور الوسيط في العديد من قضايا المنطقة والذي يعتبرها داود اوغلو ضرورية من اجل لعب دور إقليمي في المنطقة.
نلاحظ مما سبق مايلي :
ان تركيا لا تزال تسير في اتجاه تطبيق مبادئ العمق الاستيراتيجي التي طرحها احمد داود اوغلو في بداية تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة من خلال ضمان وجودها كلاعب مهم في القضايا التي ترتبط معها تركيا جغرافيا وثقافيا وتاريخيا.
لا تزال تركيا تسير في اتجاه تحقيق التوازن في علاقاتها مع الشرق والغرب، وهي جزء من سياسة الابعاد المتعددة التي طرحها احمد داود اوغلو.
ان التغيير الذي اصاب السياسة الخارجية التركية تمثل باستخدامها للقوة الصلبة، الذي لم يكن واردا في السياسة الخارجية التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة القائم على تصفير المشاكل نتيجة للمتغيرات الدولية والاقليمية، ادى هذا التغيير الى اصابة سياسة تصفير المشاكل بالانكسار. الا ان استخدام القوة الصلبة لا يعني ابتعاد تركيا عن القوة الناعمة في السياسة الخارجية المدعومة بعلاقات التجارة والاستثمارات وتبادل التكنلوجيا واللقاءات العلمية والثقافية واجراء المفاوضات الدبلوماسية من اجل الوصول الى علاقات جيدة مع دول الجوار والمنطقة.
نتيجة للتدهور الاقتصادي، وحالة العزلة التي فرضتها احداث ( الربيع العربي ) على تركيا بسبب موقفها من تلك الثورات الى اعادة حكومة اردوغان الى رسم سياسة خارجية على غرار سياسة تصفير المشاكل التي طرحها اوغلو للخروج من العزلة التي شهدتها وانتشال اقتصادها المتدهور.
الخاتمة:
من هنا تستنتج الدراسة : ان احمد داود اوغلو لعب دورا في تشكيل هيكلية السياسة الخارجية التركية بوصفة مهندس للسياسة الخارجية ومستشار حزب العدالة والتنمية للشؤون الخارجية منذ عام 2002 ومن ثم وزير للخارجية وفقا للمتطلبات والمصالح الاستيراتيجية التركية، فقد شكل علامة فارقة في تاريخ السياسة الخارجية التركية. بعد دخول احمد داود اوغلو إلى الحكومة كانت تركيا تعاني من مشاكل عدة دمرت سياستها الخارجية وتراجع دورها شكل ذلك تحديا له ومكنه من حشد هيكليته المفهوماتية لاداء مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، تمكن من تحقيق الانفراج في العلاقات الدولية المتوترة بين تركيا ودول الجوار والمنطقة من خلال سياسته «صفر مشاكل» وتحقيق الانفتاح على دول شرق الاوسط من خلال العديد من الاتفاقيات المعقودة معها مما يدل على اقتراب نظريته للعمق الاستيراتيجي مع نظرية راتزل في التوسع نحو المناطق الحيوية لتوسيع القاعدة الأرضية للنمو بأدوات ناعمة. ان هذا الانفتاح ادى الى زيادة قوة تركيا واستقرارها و طرح نفسها مثالا رائدا في تطبيق الديمقراطية من خلال النموذج التي طبقته. كل هذه الأمور شهادة على انجازاته بوصفه رجل دولة لما يمتلكه من عقلية سياسية مؤثرة في السياسة الخارجية، تمكن من خلال تطبيق سياسته من نقل تركيا بشكل تدريجي للعب دور مؤثر, ونقلها من الهامش الى المركز ومن دولة عابرة الى دولة مركزية لها ثقلها ومكانتها في المنطقة.
[1] سطام حسين علوان ، توجهات السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية حيال العراق، مجلة دراسات دولية، العدد 25، جامعة بغداد، ص67.
[2] شعبان كرداش، من سياسة تصفير المشكلات الى قيادة التغيير – تفسير التحول في السياسة الاقليمية التركيا، مجلة رؤية تركية، العدد 3, مؤسسة (ستا ) للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اسطنبول, خريف2012, ص 36.
[3] عقيل سعيد محفوظ، السياسة الخارجية التركية : الاستمرارية – التغيير،، ط1, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, بيروت، 2012، ص174.
[4]Bülent Aras,op.cit.p6
[5] حامد محمد طه السويداني، مصدر سابق، ص453.
[6] علي فارس حميد، توظيف فكرة المجال الحيوي في الاداء الاستيراتيجي التركي بعد عام 2002 – دراسة في الاطر الفكرية لنظرية العمق الاستيراتيجي، مجلة قضايا سياسية، العدد42، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين, العراق، 2015، ص 234.
[7] جاسم محمد حاتم، دور القيادة السياسية في السياسة الخارجية – احمد داود اوغلو انموذجا, مجلة جيل للدراسات السياسية والعلاقات الدولية, المجلد 5، العدد 22, مركز جيل البحث العلمي بالجزائر- فرع لبنان, بيروت, 2019, ص42.
[8] شحادة محمد غريب، تحولات السياسة الخارجية التركية تجاه الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا والبحث العلمي، جامعة الخليل, فلسطين, 2018، ص35.
[9] حسين مصطفى احمد، قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير، المجلة السياسية والدولية، العدد 9، كلية العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية، العراق، 2008،ص5.
[10] أحمد داود أوغلو، العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية, مصدر سابق، ص ص143-144.
[11] شحادة محمد غريب، مصدر سابق، ص 34.
[12] سيار الجميل، العثمنة الجديدة – القطيعة في التاريخ الموازي بين العرب والاتراك،، ط1, المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات, بيروت، 2015, ص46.
[13] علي فارس، مصدر سابق، ص227.
[14] ادريس هاني، تركيا : انشودة العثمنة على ايقاع الهوية الممزقة، مجلة حمورابي للدراسات، العدد 3, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستيراتيجية،العراق، 2012, ص56.
[15] حامد محمد طه السويداني، مصدر سابق، ص 452.
[16]Bülent Aras,op.cit.p7.
[17] شحادة محمد غريب، مصدر سابق ، ص27.
[18] ضياء نور الدين حسن ابودية، مصدر سابق، ص48.
[19] احمد داود اوغلو، النموذج البديل – اثر تباين الرؤى المعرفية الاسلامية والغربية في النظرية السياسية، ترجمة : طلعت فاروق محمد،، ط1، الشبكة العربية للابحاث والنشر, بيروت، 2019، ص266.
[20]Bülent Aras,op.cit.p6.
[21] جلال ورغي، الحركة الاسلامية التركية – معالم التجربة وحدود المنوال في العالم العربي، ط1, مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2010، ص 72.
[22] علي فارس، مصدر سابق، ص 46.
[23] احمد داود اوغلو، العالم الاسلامي في مهب التحولات الحضارية ، ترجمة : ابراهيم البيومي، ط1، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2006، ص 23.
[24] نسرين ارجيلوس، مصدر سابق، ص 224.
[25] المصدر نفسه، ص 226.
[26](Burhan Koroglu، Turkeys position towards the popular Arab revolution، Afro-6 Middle East Center، April، 2011 p21.
[27] Bülent Aras,op.cit.,p 8.
[28] بولنت أراس، مصدر سابق ، ص45.
[29] علي فارس حميد. مصدر سابق، ص 227.
[30] خالد الحمد، الانفتاح التركي الجديد على الشرق الاوسط بين الطموح والتحديات، المركز الديمقراطي العربي مصر, 2020، ص3.
[31] Burak Bilgehan O ̈ zpeka* and Yelda Demirag ̆,Turkish foreign policy after the ‘Arab Spring’: from agenda- setter state to agenda-entrepreneur state, Vol. 20, No. 3,،Israel Affairs, 2014,p332.
[32] شحادة محمد غريب، مصدر سابق، ص
[33] اركان ابراهيم عدوان, تطور العلاقات التركية – الاسرائيلية في عهد حزب العدالة والتنمية 2002 -2013، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، 2014، العدد 48. ص 225.
[34] اركان ابراهيم عدوان, مصدر سابق, ص 230.
[35] صدام احمد سليمان الحجاحجة، مصدر سابق، ص96.
[36] اركان ابراهيم عدوان، مصدر سابق، ص225.
[37] أسماء حمايدية،، البعد الهوياتي في رسم توجهات السياسة الخارجية التركية حيال المنطقة العربية منذ 2002, رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق والعلوم السياسية, جامعة باتنة 1، الجزائر, 2020, ص 224.
[38] معمر فيصل خولي، العلاقات التركية – الروسية ( من ارث الماضي الى افاق المستقبل )، ط1، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2014، ص 2.
[39] حامد محمد طه السويداني، تراجع نظرية العمق الاستيراتيجي التركي بعد الربيع العربي 2011، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، ج 1، العدد 32, واسط، العراق, 2018، ص 455.
[40] عماد يوسف قدورة، مسالة التغيير في السياسة الخارجية التركية : المراجعات والاتجاهات، المركز العربي للابحاث ودراسات السياسات، الدوحة، 2015، ص 3.
[41] شحادة محمد غريب، مصدر سابق ، ص 28.
[42] عماد يوسف قدورة، مصدر سابق، ص 5.
[43] حامد محمد طه السويداني، العلاقات التركية السورية 1998-2011, مركز الدراسات الاقليمية، المجلد9,العدد 27, جامعة الموصل،العراق, 2012، ص4.
[44] شحاذه محمد غريب، مصدر سابق،ص58
[45] محمود خليل يوسف القدرة، مصدر سابق، ص
[46] محمد نور الدين ، مصدر سابق ، ص 65.
[47] المصدر نفسه ، ص121.
[48] حامد محمد طه السويداني، العلاقات التركية السورية 1998-2011,مصدر سابق، ص 125
[49] بتول هليل جبير الموسوي، مصدر سابق، ص85.
[50] شحادة محمد غريب، مصدر سابق ، ص60.
[51] ارزغور تفكجي، العلاقات التركية – الروسية معضلة ثنائية التعاون والازمات، مجلة رؤية تركية، العدد2 ، مركز (ساتا) للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، اسطنبول, 2018، ص12.
[52] جراهام اي فولد، الجمهورية التركية الجديدة : تركيا كدولة محورية في العالم الاسلامي، ط1، مركز الكاشف للمتابعة والدراسات الاستيراتيجية، 2009، ص3.
[53] افراح ناثر جاسم حمدون، العلاقات العراقية - التركية في ضوء اتفاقية التعاون الامني الاستيراتيجي، مركز الدراسات الاقليمية، المجلد 9، العدد 27, جامعة الموصل، العراق,2012، ص27.
[54] شحادة محمد غريب مصدر سابق ، ص63.
[55] دنيدني سهام، غدوشي أنيسة، التنافس التركي الايراني في منطقة الشرق الاوسط 2011-2015، رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري، الجزائر، 2015, ص44.
[56] حيدر علي حسين، تركيا في الاستيراتيجية العراقية، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 37، جامعة المستنصرية، العراق، 2012، ص53.
[57] أحمد داوود اوغلو, العمق الاستراتيجي : موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، مصدرسابق, ص43.
[58] المصدر نفسه، ص613.
[59] أسماء حمايدية، مصدر سابق، ص 187.
[60] محمد نور الدين، الاتفاق التركي الارميني : الدوافع والتوقعات، مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر 15 اكتوبر 2009، تاريخ المشاهدة 8/7/2022، متاح على الرابط :
https://studies.aljazeera.net/ar/article/297
[61]محمد عثمان، العلاقات التركية – اليونانية بين رواسب الماضي وحقائق الحاضر، وكالة الاناضول، تاريخ النشر 20/4/2021، تاريخ الزيارة 8/7/2022, متاح على الرابط :
https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A% %AA-
[62] بولنت اراس، مصدر سابق، ص 49.
[63] عارف محمد خلف، مصدر سابق، ص10.
[64] بولنت اراس، داود اوغلو والسياسة الخارجية التركية الجديدة ، ترجمة : طاهر بوساحية، موقع الجزيرة الاخباري، تاريخ النشر16 شباط،2009، تاريح الزيارة 6/1/2022, متاح على الرابط
https://www.setav.org/document/SETA_Policy_Brief_No_32_Bulent_Aras_Davutoglu_Era_in_Turkish_Foreign_Policy.pdf
[65] فراس محمد الياس، مصدر سابق، ص 18.
[66] كارو كامران حمه صديق، تحولات السياسة الخارجية التركية في الشرق الاوسط منذ العام 2003، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بيروت العربية, بيروت، 2016، ص78.
[67] فهد مزبان خزار، اتجاهات السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية وانعكاسها على العلاقات التركية - الخليجية، مجلة جامعة تكريت للعلوم السياسية، العدد 3( عدد خاص)، مؤتمر كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت، 2019، ص58.
[68] خالد الحمد، مصدر سابق، ص4.
[69] فهد مزبان خزار، مصدر سابق ، ص57.
[70] بولنت أراس، مصدر سابق، نت.
[71] فراس محمد الياس، مصدر سابق، ص 19.
[72] وليد دوزي، الدور الاقليمي التركي في منطقة الشرق الاوسط في عهد حزب العدالة والتنمية، مجلة الباحث للدراسات الاكاديمية، العدد9, جامعة باتنة1, الجزائر، 2016، ص 285.
[73] ارزغور تفكجي، مصدر سابق، ص12.
[74] بولنت أراس ، مصدر سابق، ص6.
[75]Bülent Aras,op.cit.,p5.
[76] جاسم محمد حاتم، مصدر سابق، ص44.
[77] اياد عبد الكريم مجيد،الموقف الاقليمي من التغيير في المنطقة العربية ( تركيا ) انموذجا، مجلة العلوم السياسية، العدد 46, جامعة بغداد، العراق، 2013, ص6.
[78] فهد مزبان خزار, مصدر سابق ، ص67.
[79] بتول هليل جبير الموسوي، مصدر سابق، ص80.
[80] فراس محمد الياس، مصدر سابق، ص182.
[81] لقمان عمر محمود النعيمي، تركيا والثورات العربية ( تونس، مصر، ليبا)، مجلة الدراسات الاقليمية، المجلد 11, العدد33، جامعة الموصل، العراق2014، ص12.
[82] أسماء حمايدية، مصدر سابق، ص189.
[83] المصدر نفسه، ص200.
[84] أسماء حمايدية، مصدر سابق, ص 202.
[85] جان كسب اوغلو، الموقف التركي المتمثل بإنشاء القواعد العسكرية المتقدمة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2017، ص13.
[86] فاتح موصلو، استيراتيجية القواعد العسكرية في العراق، رؤية تركية، العدد 4, مؤسسة (ستا ) للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, اسطنبول، خريف 2019، ص 35.
[87] سفيان مخنف، مصدر سابق، ص38.
[88] عمار قحف، سوريا بعد عملية نبع السلام التركية، رؤية تركية، العدد1، مؤسسة (ستا ) للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اسطنبول، شتاء2020, ص128.
[89]9 ايمان ايمن حسن الفخراني، مصدر سابق، ص18.
[90] فراس محمد الياس، مصدر سابق، ص 18.
[91] شعبان كرداش، مصدر سابق، ص48.
[92] نهرين جواد شرقي، مصدر سابق ، ص234.
[93] أسماء حمايدية، مصدر سابق، ص205.
[94] عمر علي محمد الزبيدي، مصدر سابق، ص133.
[95] سعيد الحاج، التبعات السياسية لسياسة اردوغان الاقتصادية، موقع الجزيرة، تاريخ النشر 26/11/2021، تاريخ الزيارة 5/7/2022، متاح على الرابط :
https://www.aljazeera.net/opinions/2021/11/26/
[96]Teresa, sanchez martinm. “From Strategic Depth to Blue Homeland and Beyond: Understanding Turkey’s Drift towards Greater Strategic Autonomy.” (2021), p 7.
[97]محمود سمير الرنتيسي، التقارب التركي المصري – ابعاده وامكانياته ومستقبله، مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر 10 مايو 2021, تاريح الزيارة 5/7/2022، متاح على الرابط :
https://studies.aljazeera.net/ar/article/4993
[98] مصطفى دافاجي، العلاقات التركية الارمينية من القطيعة الى التقارب والتطبيع، وكالة الاناضول، تاريخ النشر 11/1/2022، تاريخ الزيارة 27/6/2022، متاح على الرابط :
https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7
[99] زحل مرد اوزن ار، العلاقات التركية اليونانية في ظل الازمة الاوكرانية، وكالة الاناضول، تاريخ النشر 23/3/2022, تاريخ الزيارة 27/6/2022, متاح على الرابط :
https://www.aa.com.tr/ar/%25D8%25A7%25D9%25
[100]احمد ثروت، تصفير المشاكل – حكومة اردوغان تعود سيرتها الاولى، موقع نون بوست، تاريخ النشر 9/2/2022، تاريخ الزيارة 5/7/2022، متاح على الرابط :
https://www.noonpost.com/content/43184
[101] محمد سمير الرنتيسي، العلاقات التركية –الروسية : مستقبل التعاون الاقتصادي والخلاف السياسي، مركز الجزيرة للدراسات، 2014، ص5.
[102]Hakan Yapar، op.cit.p 12.
[103] احمد ثروت، مصدر سابق، انترنت.
[104]Hakan Yapar، op.cit.p 6.