تاريخ الاستلام 1/3/2023         تاريخ القبول 28/3/2023

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI /10.61279/jk7zz877

اثر الشعبوية في النظام السياسي الأمريكي

The impact of Populism on the American political system

م.م. أسيل صالح مهدي

الجامعة العراقية/ كلية القانون والعلوم السياسية

Assistant teacher Aseel.s.mahdi

College of law and political science/ Al-iraqia University

المستخلص:

تمثل الشعبوية احد المفاهيم الجدلية التي ليس لها بناء مفاهيمي محدد فهي تختلف بحسب الزمان والمكان فمنهم من عدها أيديولوجية وآخرين وصفوها بتيار سياسي لكنها بالإجمال هي فعل تعبوي قائم على أساس الفعل ورد الفعل مع وجود قائد كارزمي وفئة مهمشة، وتعد احد الظواهر التي لازمت المجتمعات البشرية منذ القدم وتمثلت بظهور الديماغوجيين ومع التطور في المجتمعات والأنظمة السياسية ظهرت الشعبوية المعاصرة التي جسدها العديد من القادة السياسين إلا أن ابرزهم الرئيس دونالد ترامب حيث جاء اعتلائه السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية تزامنا مع أزمات وتراكمات سياسية واقتصادية وثقافية عديدة أصابت العمق الأمريكي مستخدما خطابات لاذعة تعكس نوايا وأفعال شعبوية غير مسبوقة أساسها  دعم المسيحيين المحافظين البيض مع التأكيد على القومية واجتذاب القطاعات الأقل حظاً وهذا ماانعكس على النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الدولي برمته.

في هذه الدراسة تستكشف ماهية الشعبوية وعلاقتها بالديمقراطية الليبرالية فضلا عن نشأتها وسياقها التاريخي في الولايات المتحدة الأمريكية مع إيضاح طبيعة النظام السياسي الحزبي الأمريكي والذي يعاني من أزمات داخلية بينية ولدت تنامي للتيار الشعبوي الذي بدوره زاد من الاستقطاب والتشرذم داخل الأحزاب السياسية الأمريكية هذه الجدلية بين التأثير والتأثر لا شك في أنها تلقي بظلالها على شرعية النظام الانتخابي والديمقراطية الليبرالية.

Abstract

Populism represents one of the controversial concepts that does not have a specific conceptual structure, as it differs according to time and place. There are those who consider it an ideology and others describe it as a political current, but in general it is an act of mobilization based on action and reaction with the presence of a charismatic leader and a marginalized group, and it is one of the phenomena that have accompanied human societies since The past was represented by the emergence of demagogues and with the development of societies and political systems, contemporary populism emerged, which was embodied by many political leaders, but the most prominent of them is President Donald Trump, as his accession to power in the United States of America coincided with many political, economic and cultural crises and accumulations that affected the American depth, using harsh speeches that reflect intentions and actions Unprecedented populism, based on support for white conservative Christians, with an emphasis on nationalism and attracting the less fortunate sectors, and this was reflected in the political system in the United States of America and the entire international system.

In this study, we explore what populism is and its relationship to liberal democracy, as well as its origin and historical context in the United States of Americawhile clarifying the nature of the American partisan political systemwhich suffers from internal crises that generated a growth of the populist current, which in turn increased polarization and fragmentation within American political parties. This dialectic between influence and vulnerability there is no doubt that it overshadows the legitimacy of the electoral system and liberal democracy.

المقدمة

يكاد يكون مصطلح الشعبوية من أكثر المصطلحات السياسية غموضا لأنه يفتقر إلى بنية تعريفية واضحة لهذا تعددت الرؤى بشأنه وظهرت جدلية في ماهيته. فالشعبوية ظهرت بعدة اشكال على مدى الحقب التاريخية فهي ليست حكرا على حزب أو طرف أو مجموعة محددة فقد تظهر عند اليمين كما عند اليسار وعند الشعب كما النخب ولاتقتصر على نظام سياسي بعينه فقد تظهر في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية والاشتراكية، كما في الأنظمة الاستبدادية. لهذا السبب من الصعب إيجاد مفهوم محدد للشعبوية بين المفكرين الذين درسوا الظاهرة.

أن ازدياد تنامي هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل واسع في الدول الغربية أصبحت تشكل خطراً كبيرا على النظام السياسي الديمقراطي وقيم الديمقراطية الليبرالية، وفي الولايات المتحدة ظهر الخطر بشكل أكبر على اعتبار أن الشعبوية كظاهرة بشكل عام بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وتصاعدت في ظل وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض.

أولا: أهمية الدراسة:

تكمن أهمية الدراسة في أنها تقدم رؤية شاملة للشعبوية كأحد أشكال السياسة المعاصرة التي تنامت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في المجتمعات الغربية ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية ماولدت تداعيات سواء على النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية أو المجتمع الأمريكي برمته.

إشكالية الدراسة:

نحاول في هذه الدراسة أن نطرح الإشكالية الآتية:

هل هناك علاقة بين الشعبوية والنظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وماهي طبيعة هذه العلاقة؟ ومن هذه الإشكالية تندرج عدد من الأسئلة الفرعية 

ماهي الشعبوية؟ وهل هي حديثة النشأة أم أنها موجودة منذ القدم؟

ما هي العلاقة بين الشعبوية والديمقراطية الليبرالية؟

 ماهو السياق التاريخي لنشأة الشعبوية وتطورها في الولايات المتحدة؟  وماهي انعكاساتها على النظام السياسي الأمريكي؟

فرضية الدراسة

تنطلق الفرضية:

إن هناك علاقة وطيدة بين الشعبوية والنظام السياسي الأمريكي، وطبيعة هذه العلاقة قائمة أساس التأثير والتأثر معا. فالانقسامات في النظام السياسي الأمريكي-منذ تأسيسه- هي التي غذت الشعبوية وأدت إلى تناميها، وبالمقابل فأن وجود التيار الشعبوي في الولايات المتحدة الأمريكية وتناميه هو الذي أدى إلى زيادة الاستقطاب والانقسام في النظام السياسي الأمريكي ما انعكس سلبا على بنية النظام السياسي الأمريكي القائم على الديمقراطية الليبرالية.

منهج الدراسة

في هذه الدراسة تمَّ الاعتماد على المنهج التحليلي بعد أن لمسنا أهميته في فهم وتحليل عوامل صعود وتنامي الشعبوية في الولايات المتحدة الامريكية فضلا عن تداعياتها على الديمقراطية الأمريكية بالشكل الذي يعكس لنا واقع النظام السياسي الأمريكي.

1: الشعبوية والديمقراطية إطار مفاهيمي

1-1: مفهوم الشعبوية والسياق التاريخي لنشأتها

قبل التعرف على الشعبوية كمفهوم محدد ودقيق له ابعاده وانعكاساته لابد من فهم السياق التاريخي الذي نشأت منه كون ذلك يشكل الركيزة التي أدت إلى ظهور الشعبوية بشكلها الحالي حيث مرت الشعبوية بمنعطفات عدة واولها مايعرف بالـ «الديماغوجية» ، فقد ظهرت الشعبوية عبر التاريخ من خلال التجارب السياسية وتحذيرات الفلاسفة في بعض الديمقراطيات القديمة وصولا الى الحديثة منها وتجلت بشكل واضح في «الديمقراطية الديماغوجية» وهي وفقاُ لأرسطو ديمقراطية «تتجاوز فيها القرارات الجمعية القانون، والفصيل الشعبي يأخذ نصيبه الأعلى في الحكومة كجائزة انتصار ويحرضهم زعيم الشعب الديماغوجي على السعي وراء هذا الاستبداد من خلال الخطاب المفرط، واللعب على رغبات الناس ومخاوفهم». أما في جمهورية أفلاطون فقد عد الشعب بأنهم -»الغوغاء المطيعون» – وقد «وضعوا رجلًا كزعيم خاص بهم ... وجعلوه ينمو عظيماً». حيث تأخذ «الجماهير» ممتلكات «الأثرياء» وهم «أعداء الشعب لإعادة توزيعها فيما بينهم». ولهذا فلم يكن كلام الفلاسفة الأثينيون عن الشعبوية مجرد تنظير لمثل هذه السيناريوهات: فقد عاشت مدينتهم من خلالهم –أي الديماغوجيين-في عهود القرن الخامس قبل الميلاد.[1]  وفيما بعد ظهرت «الشعبوية الكلاسيكية» وعلى الرغم من أنها اختلفت وفقًا للزمان والمكان، إلا أنها اجمالا اتخذت مسارا تحدد في أربع مراحل أساسية: في المرحلة الأولى تشعر الجماهير وكأنها ضحايا لا حول لهم ولا قوة تُركت عاجزة أمام هجوم «الآخر» القمعي وهنا بداية الأزمة. وفي المرحلة الثانية غالبا ماتكون بعد أزمة يأتي زعيم شعبي يعرّف هذا «الآخر» على أنه «عدو عنيد شخص لا يهتم برفاهية الشعب» والذي تحرك أفعاله الأنانية والجشع. وفي المرحلة الثالثة، يقترح القائد حلاً: يجب على الناس استخدام ميزتهم العددية للسيطرة على الدولة. أما في المرحلة الرابعة، تُستخدم تلك القوة لاستعادة ما هو حق للشعب من العدو، دون اعتبار لموافقة العدو أو حقوقه. وقد تم اتباع هذا المخطط الأساسي من قبل الأنظمة عبر التاريخ -من الديماغوجية للديمقراطيين اليونانيين القدماء وصولا إلى الأشكال الحديثة للشيوعية والفاشية والاشتراكية. اما العدو فيمكن أن يكون اقتصاديًا (مثل الرأسماليين أو الأرستقراطيين)، أو عنصريا (كما كان اليهود للنازيين)، أو دينيا (كما هو الحال مع الطوائف الدينية في عدد من البلدان)، أو أجنبيا (فكر في شجب هوغو شافيز لأمريكا). وتختلف ظروف كل حالة اختلافًا كبيرا لكن النمط يظل كما هو: تسعى «الضحية» إلى هزيمة «المنتصر» وأخذ ما هو حق لها وفعل بالآخر ما يُزعم أنه قد تم فعله به. بعدها يتم فسح حكم الشعب الطريق إلى حكم طاغية.[2]

هذا وتنحدر (الشعبوية) في الأصل من الكلمة اليونانية(populus) أي الشعب ونظراً لكونها مشتقة من كلمة الشعب فقد أصبحت وفقاً لقاموس (لاروس) بمعنى العضوية في الأحزاب ذات الاطروحات الاشتراكية أي تلك الحركات السياسية التي ظهرت في أواسط القرن (19) وتحديدا في روسيا القيصرية[3] وفي الحقيقة تعددت مفاهيم الشعبوية واختلفت في مضامينها وفقا لتعدد الافكار والرؤى، فمنها مـا يرى ان الـشـعبـوية هي (أيـديـولوجـيا) ومـنهـا مـا يراهـا (حركـة سـياسـية) وهناك مـا يؤيـد مـقولـة (إنـها نـتيـجـة منـطـقيـة للـتـحولات الاجـتـماعـية والبنيويـة للحداثة) كما نجد الرأي الذي شـدد على ان (اختلاف السيـاقات الوطنية التي تجـعل الشعوبية تـعنى شـيئـا مـختـلفـا في كل بـلد عـلى حدة)[4]

اذن الـشـعـبـوية (كمصطلح ) لا يعـبـر عن وحـدة مفـاهـيمـيـة ما أو أنه اسم يشمل تيارات غير مرتبطة فيما بينها ولهذا ظهر التناقض والاختلاف في توصيفها وظهرت عدة نماذج تفسر هذه الظاهرة  منهم من يقسرها « عن انها عبارة عن حركة تعبئة يقوم بها أفراد وجماعات ضد السلطة الحاكمة احتجاجاً على أوضاع اقتصادية اجتماعية معينة» وهنا يتم رصد الشعبوية كمصطلح له تاريخ ويرجعه إلى ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر مع ولادة الحركة المسماة «الناروديكيين» والتي جاءت من كلمة «نارودكس”Narodniks   أي (العودة إلى الشعب) “  التي تشكلت في روسيا من قبل فلاحي الريف الذين أعلنوا تمردهم على الحكم القيصري وعلى النظام الإقطاعي وقد أطلق على المنخرطين فيها مصطلح (الشعبويين). اما اخرون فقد حاولوا تفسيرها من خلال» رصد الرؤية المتبادلة لطرفين متصارعين على فكرة تمثيل «الشعب» فأصحاب هذا التفسير قصروا دراسة الشعبوية على الأزمات التي اندلعت في الدول المحكومة بأنظمة حكم ديمقراطية تمثيلية. فالشعبوية ضمن هذا المنظور تعد أحد عوارض الأزمة البنيوية في «الديمقراطية الليبرالية» وتتمثل هذه الأزمة بالتشكيك في جدارة تمثيل النخب المتحكمة في السلطة للشعب كما عرفت في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. أما وفقا ًلاخرين وخلافاً لما سبق فان الشعبوية تفهم على أنها «خطابات وحركات احتجاجية تظهر وتختفي بين فترة وأخرى وهي مرتبطة بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في المجتمعات بغض النظر عن نوع الحكم سواء كان ديمقراطي أو غير ديمقراطي» ويرى الباحثين الذين يتبنون هذا التفسير أن «الشعبوية لا تنتمي إلى الأيديولوجيا بل إلى السياسة وهي نمط تعبئة واحتجاج ضـد المعاناة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل أن تكون نظام حكم.” [5] 

ويمكننا أن ندرج بعض التعريفات الخاصة بالشعبوية:

تعرف الشعبوية وفقا لمؤسسة الأبحاث فريدوم هاوس على أنها «أمة وحدة» تقف بالضد من «النخب الفاسدة والأعداء الخارجيين»، وللقائد الكاريزمي سلطة التعبير عن إرادة هذه الأمة. كما أن القائد الشعبوي غير ليبرالي في الأساس ويرفض تنوع الهوية وتعدد الآراء داخل المجتمع كما يتصف بنبذ المبادئ الأساسية للتفكير الدستوري الحديث كون الديمقراطية تتطلب قيود على إرادة الأغلبية كما انه يراقب قرارات السلطة التنفيذية.”[6] فالشعبوية هنا هي مرادف لمناهضة النخبوية ويمكن وصف أي احتجاج ضد النخب السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية بأنه شعبوي.[7] وضمن هذا السياق يرى  يان فيرنر مولر «إن الشعبوية لا تقتصر فقط على معاداة النخبة بل تتعداها إلى معاداة التعدد فالادعاء بأنهم أي (الشعبويون) يمثلون الشعب الحقيقي عبر ترديد جملة «نحن»، ونحن فقط تنتهي مباشرة إلى تمييز أخلاقي بين الخطأ والصواب، وليس يمين ويسار، فلا يمكن أن تكون هناك شعبوية من دون استقطاب أخلاقي». ويرجع صعود هذه الظاهرة وقادتها من السياسيين نتيجة فقدان المجتمع الثقة بالأحزاب السياسية والتقليدية.[8]

كما يصف المؤرخ مايكل كازين الشعبوية في كتابه عن الشعبوية الأمريكية (الإقناع الشعبوي) بأنها: “ لغة يتصور المتحدثون بها الناس العاديين كتجمع نبيل لا تحده طبقة ضيقة ينظرون إلى خصومهم من النخبة على أنهم يخدمون مصالحهم الشخصية وغير ديمقراطيين وتسعى لتعبئة الأول ضد الأخير». وهناك من يعد الشعبوية على انها «قالب متعدد الأشكال فهي أيديولوجية مرنة أي ان لها نظرة عالمية لكنها ضعيفة المركز مما يعني أنها تتناول جزءاً فقط من الأجندة السياسية – فهي ليس لديها رأي حول أفضل نظام اقتصادي أو سياسي». وهنا أيضا تكون نظرة الشعبوية بانها تقسم المجتمع إلى مجموعتين منفصلتين -الشعب والنخبة -بحجة أن السياسة يجب أن تكون تعبيراً عن الإرادة العامة للشعب ولكن هذه «الأيديولوجية « تحتاج إلى أيديولوجية أخرى إرشادية -عادة ما تكون بعض أشكال القومية-على اليمين وبعض أشكال الاشتراكية على اليسار. ومع غياب سردية أيديولوجية قوية قادرة على تعبئة الجماهير (كما كانت المحافظة والليبرالية والاشتراكية) فإن نجاح الشعبوية يعتمد إلى حد كبير على أسلوب الاتصال من القادة.[9]

ومما تقدم يتبين لنا أن مايجمع معظم دعاة الشعبوية هو مقاربتهم التبسيطية في استعمالهم لمفردة (الشعب) وادعاؤهم انهم صوت وضمير الشعب مع احتكارهم لتمثيله من دون مراعاة مفاهيم التفويض والتعاقد الاجتماعي فضلا عن تركيزهم على خطاب عاطفي لايستند بالضرورة إلى أسس موضوعية دقيقة فيكون الخطاب مبسط عاطفيا ويميل إلى إثارة الحماس والهاب المشاعر ليتماشى مع المزاج المجتمعي السائد دون الأخذ بنظر الاعتبار اذا كان يجدي نفعا في إيجاد حلول جدية للمشاكل الواقعية، وهنا يتجسد جوهر الشعبوية في ذلك التلاعب بالعقول والمشاعر الذي يقوم به السياسي تجاه الشعب أو أكثريته بهدف تحقيق مجموعة مصالح خاصة في الدرجة الأساس، فالشعبوية تشير إلى استعمال راي الشعب واستغلاله من قبل أحزاب وشخصيات سياسية معينة ممن يدعون كونهم المتحدثين باسم الشعب بينما هم يعبرون عن مصالح الطبقات التي يمثلونها( الطبقات الاجتماعية العليا).  وتتمثل المقومات الأساسية للشعبوية على المزايا الكاريزمية لقائدها أو شعبيته وتمجيد مختلف صفات الشعب الذي تتوجه الشعبوية اليه كما انها تعمل على تمجيد الأمة والهوية القومية لتصل إلى معاداة الأجانب والمهاجرين وتنادي على فضائل الهوية القومية والاستقلالية الاقتصادية والسياسات الحمائية وحتى النقاوة الأثنية أي رفض كل ماهو غريب.[10] ويمكن القول إن أهم ما في الـشـعبـويـة هو عـداؤها لـلـتعـددية وزعـمـها أنـها هي وحــدهـا التي تــمـثل الـشــعب بـصـورة حـقــيـقـيـة حـيث يـصـور الشعبويون منافسيهم حين يخوضون الانتخابات على أنهم نخبة فـاسدة. لكن حين وصولهم إلى الحـكم يرفـضـون الاعـتراف بـشـرعـية المـعارضـة التي تواجـههم ولـذلك تـتحـول الشـعـبويـة في تـقسـيمـها الشـعب عـلى هـذا النـحـو إلى شـكل من أشكـال سـيـاسات الـهـوية مـن هـــنــــا يأتي مــــصــــدر خـــطــــورتــــهــــا الـــكــــامــــنــــة في فــــكـــرة الديمقراطية.[11]

اذن فالشعبوية هي مفهوم مثير للجدل يصعب تحديده ليس فقط بسبب الفروق الدقيقة في مجالات النظرية السياسية ولكن أيضاً بسبب تنوع الخبرات الإقليمية والوطنية والتاريخية والثقافية التي توصف بأنها شعبوية سواء في أمريكا اللاتينية، الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وبهذا تشتمل الشعبوية على: ممارسات سياسية متعددة تغذيها اتجاهات أيديولوجية مختلفة (القومية والاشتراكية والليبرالية)؛ وعدد قليل من القادة الكاريزماتيين الذين يعبرون عن أسلوبهم السياسي الخاص؛ هذا فضلا عن أنظمة معقدة من التحالفات بين الطبقات تبررها الخطابات المناهضة للنخبة.[12]

1-2: الشعبوية والديمقراطية الليبرالية تقارب ام تقاطع

كما هو معروف ان المفهوم المعاصر للديمقراطية يشير إلى «حكم الأغلبية الذي يعبر عنه بالانتخابات الحرة والنزيهة» لكن مبدأ الأغلبية وحده -من وجهة نظر البعض- ليس كافيا للتعبير عن الديمقراطية بمفهومها الحديث بينما تشير «الليبرالية» إلى «حماية حريات الأفراد وحماية مجالهم الخاص بما في ذلك الملكية الخاصة وقيمتها الرئيسة الحرية وما يشتق منها من قيم» وبحسب المفكر العربي عزمي بشارة فإن اللقاء بين الديمقراطية والليبرالية والرباط الذي تم بينها لم يكن قديما فتاريخيا لم تكن الديمقراطية ليبرالية ولا الليبرالية كانت ديمقراطية كون الديمقراطية تركز على المشاركة الشعبية الواسعة وصنع القرار عبر التمثيل النيابي والانتخاب لتصبح المساواة هي الهدف الأسمى لمسيرتها، بينما ظلت الليبرالية حتى القرن التاسع عشر تيارا فكري اقتصادي وسياسي ونخبوي اهتم بالحفاظ على القيم الضابطة والموجهة لعلاقات الدولة والفرد والمجتمع. فلم يتم اللقاء والربط بينها إلا بعد أزمة ما بين الحربين في ٍ أوروبا وما أفرزته من عزلة للفكر الليبرالي وصعود للنزعات الجماهرية الوطنية المتطرفة بقيادة زعماء ديماغوجيين فصار يطلق لفظ الديمقراطية الليبرالية على «النظام الذي يحمي حقوق الأفراد والأقليات، ويضمن حرية مواطنيه وفقا لدستور تحميه حكومة مقيدة وملتزمة بحكم القانون».[13] ويمكننا القول ان الديمقراطيــة الليبرالية قامــت فلسفيا علــى افتراضين أساسيين: الأول هو السعي إلى تعظيم المنافــع الفردية وهذا يعني أن الديمقراطية الليبرالية توفر للإنسان قدرا من حرية الاختيار اكبر مما يتيحه أي مجتمع غير ليبرالي أي انها تعظم استفادته من النظام الذي يعيش في كنفه حيث لكل فرد قدر متساوي من الحقوق في التمتع بحرية الاختيار وهذا وفق أفكار المدرسة النفعية، اما الافتراض الثاني هو السعي إلى تعظيم القدرات الفردية  أي قدرة الانسان على تنمية مواهبه فهنا التركيز ليس على أساس الانسان المستهلك للمنافع بل الانسان الفاعل الذي يسعى لتحقيق اهداف اجتماعية واخلاقية سامية[14] ومن هنا جاء التناقض بين الافتراضين أي بين تعظيم المنافع الفردية من ناحية وتعظيم القدرات الفردية من ناحية أخرى وبرزت مشكلة هذا التناقض في بنية فكر الديمقراطية الليبرالية كما ظهر تناقض بنيوي اخر هو بين الفكرة الليبرالية التي تستند الى مبدا الحرية الفردية والديمقراطية التي تنهض على مبدأ السيادة الشعبية مما أدى بالنتيجة الى طغيان الجانب الليبرالي على الجانب الديمقراطي.[15] إن ما يغذي التناقض الدائم في بنية الديمقراطية الليبرالية بحسب الفيلسوف البولندي ليزيك كولاكوفسكي هو «استناد الديمقراطية إلى مبدأ السيادة الشعبية، واعتماد الليبرالية على مبدأ الحرية الفردية، ما يجعل الديمقراطية الليبرالية باستمرار تعمل في اتجاهين نقيضين تسعى أحيانا إلى ضمان السيادة المطلقة للشعب، ولكن تعمل دائما على الحد من سلطة الحكم اليومي للأغلبية، حتى لا تنتهك حقوق الأفراد والأقليات». ان الافتراق ناتج بين الديمقراطية كطريقة للحكم وإدارة الخلافات ، وبين الليبرالية كعقيدة اقتصادية وطريقة تنافسية لإدارة الدولة ضمن مجموعة صغيرة من النخبة، وكنتيجة لذلك والحاجة إلى إنقاذ الديمقراطية من الوقوع في براثن الخطاب (الشعبوي) كما عكسته أوروبا في أزمة ما بين الحربين جاء اللقاء بين الديمقراطية والليبرالية.[16] 

وفي الحقيقة أن العلاقة بين (الشعبوية والديمقراطية) هي علاقة معقدة فمن خلال تبسيط الإطار النظري يمكننا القول إن العلماء منقسمون بين أولئك الذين يجادلون بأن الشعوبية كشكل من أشكال الاستبداد تشكل تهديداً (تقوض) الديمقراطية، وأولئك الذين يرونها وعداً بالتجديد الديمقراطي وجلب فاعلين جدد وسياسات جديدة في النظام السياسي[17] ومن هذه الاراء  فحسب (لاكلاو وموف) تمثل الشعبوية خياراً لـ(لديمقراطية الراديكالية) عندما يعيد «كثيرون” الذين يعارضون «القليل» تعريف المنافسة السياسية من خلال استراتيجية على -حدود الليبرالية - بعبارة أخرى «من العناصر الأساسية للشعبوية هي وضع الناس في معركة أخلاقية ضد النخب، فهي غالباً ما تفيد الديمقراطية من خلال إعادة السياسة الديمقراطية إلى جذورها المعيارية في رغبات واحتياجات المواطنين العاديين وتحدي على أسس المساواة والعدالة  النخبة السياسية والاقتصادية و الهيمنة الثقافية.[18]

كما ترى ناديا اوربيانتي ايضا أن «الشعبوية ملازمة للديمقراطية وهي كشكل راديكالي من العمل الديمقراطي في أوقات الصراع الاجتماعي والإكراه الاقتصادي قد تكون نتائجه محفوفة بالمخاطر على الديمقراطية» وبالتالي فإن العلاقة بين الشعبوية والديمقراطية هي قضية خلاف وليس[19]

أما الشعبوية وفقاً لوجهة نظر فديريكو فينشلشتاين فهي ليست فاشية ولا شكلاً من أشكال الديمقراطية ولكنها شكل استبدادي للديمقراطية نشأ من حطام الفاشية في الأرجنتين ما بعد الحرب. على هذا النحو لعبت الشعبوية دورها الديمقراطي. ولكن باعتمادها على زعيم كاريزمي ومع ميولها القمعية فإنها تشكل أيضًا خطرًا عالميا. ويحذر أيضا فينشلشتاين من أن الشعبوية «التي ولدت في هوامش أمريكا اللاتينية انتقلت إلى العاصمة الامريكية واشنطن» ويقول انها «تهدد الآن مستقبل عصرنا الديمقراطي».[20]

وإشـارة إلى مولـر الذي يجد الشـعبوية تقـدم للنـاس قيمـا أخلاقية سياســية مــن خــال الربــط بــن السياســة والأخلاق وتهــدد بذلــك الأسس الديمقراطيــة الليبرالية  خصوصــا مــن حيــث مســألة التمثيــل فالشــعبوية تفــرض أن النــاس موحــدون ومتطابقــون، وتنكــر التعددية بهــذا المعنى، ممــا يجعــل الممارسة والخطــاب والقيــم الشـعبوية في توتـر دائـم مـع خطـاب المؤسسات الليبرالية  الديمقراطيــة[21] وعلــى عكــس ماتقدم يجــد لاكالو أن الشــعبوية ليســت بالــضرورة ظاهــرة مهــددة للنظــام الديمقراطــي، وإنمــا هــي أداة خطابية، بوصفهــا آليــة غيــر معيارية، ويحلــل إرنسـتو لاكالو وشـانتال مـوف الشـعبوية كخطـاب ومنطـق سـياسي في صراع نظـام النخبـة ضـد الشـعب.[22]

ويمكن القول أن عدم قـدرة الـديمقـراطـيـة عـلـى الإجـابـة عن سـؤال «الـتـمـثـيـلـيـة الـشـعــبـيـة المـبـاشــرة» هـو امر جوهري يـسـتـغـله الخطاب الشعبوى هذا فضلا عن تـطورات وسياقات ســيـاسـيــة وتـاريــخـيـة مــعـيـنــة جـعــلت مـبــدأ الـتـمــثـيــلـيـة يــتـعـرض للإضعاف وهذا ناتج عن أزمـة الديمقراطية داخل الأحزاب حيث إن الشـعبـويـة تنـتشـر بـشكل أكـبر أو أسـرع في الـدول التي يـكون فــيــهــا الــنــظــام الحزبي في حــالــة ضــعف كـمــا يــقــوض ضــعف الديمقراطية داخل الأحزاب مبدأ التمثيلية وهو ما يعطى الانطباع للـفئـات الشـعبـية بـأن النـظـام الديمـقراطى كـكل لم يعـد يمثل إرادة الـشـعب خـاصـة في تـلك الـدول التي تـتـحـول فـيـهـا الأحـزاب إلى كـيانات فـئويـة أو تلجـأ للتـحالـفات فيـما بيـنها أو تبـتعد بـخطـابها السياسي عن الجماهـير.[23]

ومما تقدم نجد إن من أحد اهم الثغرات التي اتخذتها الشعبوية مدخلا لخطابها الشعبوي ضد الديمقراطية هي عدم قدرة الاخيرة على تطبيق » حكم الشعب»[24]. وفي حين يرى معارضوا الشعبوية ان في الديمقراطية الليبرالية فان المرجعية والسلطة العليا في الدولة ترتكز الى القانون حيث يتم التأكيد على أهمية العمل النيابي والحقوق الفردية والتوازن بين القوى والمصالح، اما الشعبوية فإنها ترى أن السلطة العليا والمرجعية فيها ليست للقانون بل للشعب وهنا يتم التأكيد على الاستقلال العام والإرادة العامة والمشتركة للناس بدلا من الاستقلال الخاص والفردي.[25]

ويشير ابتس ورومنز إلى أن الديمقراطية توفر منفذا لإظهار الغضب والاستياء الشعبوي لفئات معينة من الناس ستكون قادرة على صد التهديدات الشعبوية وبالمقابل عندما يتولى السلطة قائد أو حزب شعبوي فانه سيتعمدون إلى معارضة الديمقراطية وتجاهل المعارضين والبرلمان والدستور بحجة تقف امام إرادة الشعب مما يؤدي الى تجاوز الاليات الرقابية التي ارساها النظام القانوني والنيابي.[26]

وبهذا نجد ان  المعارضين لأجندة الديمقراطية الليبرالية السائدة حول الاندماج الاقتصادي والسياسي  وكذلك معارضة الهجرة في أوروبا وأمريكا اصبحوا يشكلون قاعدة دعم كبيرة بما يكفي لجعل المشروع الاستراتيجي الشعبوي الطامح للوصول إلى الحكم مشروعا قابلا للتنفيذ.[27]

كما جادل نوربرتوبوبيو وبيير روزانفالون بشكل مقنع بإن الشعبوية تفسد الديمقراطية وتدمرها لأنها تقلب بشكل جذري المؤسسات التمثيلية (لا سيما الانتخابات والتعددية الحزبية) وتحول السلطة في الاتجاه المعارض للحكم فالزعماء القادة يرفضون المنتخبين سياسياً. ولايقرون بشرعيتهم الانتخابية باسم وحدة أعمق بين القادة والشعب. إنها تعارض الشرعية الأيديولوجية مقابل الشرعية الدستورية والإجرائية وعلى الرغم من النية الديمقراطية لعكس مخاوف المواطنين العاديين، فإن التعبئة الشعبوية لا تفي بما تعد به فمتى مايعلن الزعيم الشعبوي أنه الممثل الحقيقي لإرادة الشعب خارج نطاق التفويض الانتخابي، فهو يطرح القوة التدميرية للحكم ويثير التساؤل ليس فقط عن الأداء السيئ أو الفاسد لمؤسسات الدولة ولكن السياسة الانتخابية نفسها وطابعها الدعوي. من وجهة النظر هذه تعتبر الشعبوية «وسيلة للنخب الجديدة للوصول إلى لسلطة بسرعة دون انتظار زيادة الشعبية للمرشحين عبر السباق الانتخابي» حيث يلعب عامة الناس دوراً في كونهم مجرد أداة للدعم. وبهذا فإن حصول النخبة على سلطة قوية هو المنطق الخفي لخطاب الجماهير على الرغم من جاذبية الشعبويين لعامة الناس بصفتهم البطل الحقيقي للسياسة[28] وبهذا نستنتج ان «البعد الشعبوي» «ليس ديمقراطياً ولا معادياً للديمقراطية” اي يمكن أن يكون متوافقاً مع الديمقراطية بقدر ما تعمل على جعل تأكد من أن حقوق الأغلبية لا يتم «تجاهلها» ومع ذلك  إذا كان بإمكان الشعبوية أن تلعب دوراً ديمقراطياً من خلال تعبئة الأغلبية المستبعدة لانتقاد الأشكال الموجودة للتمثيل السياسي والمطالبة بمزيد من المشاركة وأشكال تمثيل أفضل فقد يكون لها آثار سلبية على الديمقراطية لأن انتقادها يترجم إلى أشكال مشاركة جماعية .

2: الشعبوية وأزمة النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية

2-1: السياق التاريخي للشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية

الشعبوية الأمريكية بأشكالها وتعبيراتها السياسية المختلفة، جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الولايات المتحدة. فإن الصراع بين «النخبة القوية» والمؤسسة و «الشعب» قد استمر عبر التاريخ الأمريكي منذ السنوات الأولى للجمهورية، عبر الطيف السياسي الكامل يحدد جون جوديس جذور الشعبوية الأمريكية في الثورة الأمريكية ونضال أندرو جاكسون ضد بنك الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.[29]

ويتميز النظام الحزبي الأمريكي بالثنائية حيث يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية حزبان رئيسيان يتعاقبان على الحكم ولكل منهما وجهات نظر مختلفة عن الآخر حيال تفسيرهم للقضايا الأساسية. ويعود الانقسام الحزبي الثنائي إلى بداية تأسيس الدولة فالحزب الأول هو (الديمقراطي) الذي تأسس عام 1828 والثاني هو الحزب (الجمهوري) الذي تأسس عام 1854والى جانب هذين الحزبين توجد ثلاثة أحزاب أقل شهرة هي حزب الاستقلال الذي تأسس عام 1971، وحزب الخضر الذي تأسس عام 1991، وحزب الدستور الذي تأسس عام 2002. كما أفرزت التعددية الحزبية في أميركا مايقارب 32 حزباً[30] وفقا لاليكس دي توكفيل في كتابه (الديمقراطية في أمريكا) فان بعد انتهاء حرب الاستقلال تم وضع المرتكزات الأساسية للحكومة الامريكية الجديدة فوفقا له بان الأمة الأمريكية كانت مقسمة بين رأيين احدهما يهدف إلى الحد من قوة الشعب أما الآخر يهدف إلى مدها وتوسيعها إلى ابعد حد، فالحزب الذي اتجه إلى الحد من قوة الشعب عرف» بالفدرالي» أما الآخر الذي يدعو إلى الحرية عرف «بالجمهوري»، وتعد النوازع الديمقراطية أو الأرستقراطية هي وراء كل حزب من الأحزاب  كما يرى انه يوجد انقسام بين أمم متنافسة فالشمال الأمريكي يريد إيجاد نظام لحماية التجارة كون يمثل البلاد الصناعية في حين أن الجنوب تدعو إلى حرية التجارة لأنها بلاد زراعية فلهذا النظام الذي يعود بالنفع على أحداها سيضر الأخرى، وحتى عندما تتوحد الأمة ضمن لواء الحزب الغالب ويتم حكمها ضمن مبدأ واحد شامل فمع وجود هذا الاتفاق الظاهري لكن الآراء لاتزال تعاني من اختلافات عميقة ومعارضة حقيقية. [31]

وبهذا يمكننا القول أن الولايات المتحدة الأمريكية عرفت التيارات الشعبوية منذ تأسيسها في نهايات القرن الثامن عشر لكنها بدأت في الظهور بصور منظمة على شكل حركة يمينية في بدايات القرن التاسع عشر وتم بناء أول تحالف سياسي دائم في أمريكا على خلفية حركة شعبوية تمرد من قبل المزارعين ضد ما اعتبروه قيادة سياسية نخبوية مكرسة للتجارة الحضرية والمصالح المصرفية. وضرائب جديدة تم فرضها لتمويل شبه الحرب مع فرنسا في دعم فعلي للشريك التجاري لأمريكا بريطانيا العظمى.[32] ففي انتخابات عام 1800 قام (توماس جيفرسون، وجيمس ماديسون) -الذين كانا يدعوان إلى منح الولايات مزيداً من السلطة والاستقلالية-بتجميع الجنوبيين والناخبين الريفيين في ولايات وسط المحيط الأطلسي في محاولة لهزيمة الفدراليين الحاكمين برئاسة (جون آدامز وألكسندر هاملتون) -الذين دعا إلى الجمع بين المركزية والفدرالية-حيث اتهم جيفرسون خصومهم الفيدراليين بأنهم ملكيون عازمون على الإطاحة بالحكومة الجمهورية واستبدالها بنظام قائم على النموذج البريطاني (ويعمل لصالح الأغنياء). لقد قدم الجمهوريون المثال الأول للحركة الشعبوية الأمريكية الفريدة فهم من صوروا الشعب الأمريكي على أنه نزيه ومجتهد ومصمم على استعادة أمريكا من النخب الذين يحاولون سلبهم حرياتهم. وذهب السرد إلى أن العدالة والحكومة الجمهورية لن يتم استعادتهما إلا عندما يستولي الشعب على الحكومة باسمه عن طريق الفوز في الانتخابات.[33]

ومن ثم جاء أبراهام لنكولن الذي يعد (رجل دولة موحد -وليس شعبوياً (ونظراً لأنه قاد الاتحاد خلال الحرب الأهلية وأنقذ التجربة الأمريكية وأنهى العبودية وفي الواقع لقد عارض بشدة حركة «لا تعرف شيئاً» الشعبوية التي سعت إلى الحد من الهجرة في أيامه. لكن مسيرة لينكولن المهنية توضح طبيعة وقوة بعض الأفكار الشعبوية الأمريكية الغريبة -الأفكار التي استوعبها خلال حربه التي استمرت20 عاماً مع الشعبويين الديمقراطيين. لقد أدار لينكولن حملاته في عامي 1858 و 1860 باستخدام تقنيات شعبوية متقنة فقد دافع عن الشعب الأبيض الأحرار في الشمال - المواطنون الشرفاء الذين يسعون لاستعادة أمريكا والحفاظ على مثُلها وتم تحديد خصوم الشعب على أنهم مالكو العبيد الجنوبيون والمتآمرون معهم الشماليون[34] وهيمن التحالف الذي أقامه لينكولن على السياسة الأمريكية على مدى الثلاثين عاماً إلى أن تسبب الكساد الاقتصادي - إلى جانب الهجرة والتصنيع على نطاق واسع في نهاية أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر فقد أدت هذه التغييرات إلى ظهور الحركات السياسية الأمريكية التي كانت أقرب إلى الشعبوية الكلاسيكية الحقيقية[35] ففي عام 1890 ظهر الحزب الشعبوي «الحركة الفلاحية الأمريكية» او مايعرف بحزب الشعب وكان حزبا ذا أجندة يسارية اشتراكية كما انبثقت من الثورة الأمريكية المتمثلة بسيادة الشعب إذ أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية يبدأ بعبارة (نحن الشعب).[36] فكان حزب الشعب وهو منظمة «شعبية»  لعبت الزراعة بشكل أساسي  بما في ذلك المزارعون  ومعظمهم من الجنوبيين  دوراً رئيسياً في السياسات الوطنية التي دفعت نحو تحقيق نتائج ديمقراطية. وكانت مطالب حزب الشعب وبالتحديد في انتخابات عام 1892 حيث أتيحت له الفرصة للمنافسة، موجهة كلها ضد الفساد والاحتكارات والرأسمالية القائمة على عدم التدخل ولصالح إضفاء المزيد من الديمقراطية على جميع طبقات المجتمع، في الواقع دعا حزب الشعب إلى استعادة الوضع الراهن الذي فقد بسبب الانتقال من بلد زراعي مع رأسمالية ما قبل الاحتكار إلى دولة صناعية في ذروة الإمبريالية وبتوسع خارج القارة لكنهم في الوقت نفسه أنذروا بمجتمع صناعي أكثر عدلا. فكان الشعبويون أول من طالب الحكومة بتنظيم بل وتأميم الصناعات التي كانت جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد، مثل السكك الحديدية. لقد أرادوا أن تقلل الحكومة من عدم المساواة الاقتصادية التي كانت الرأسمالية تخلقها عندما تتُرك لأجهزتها الخاصة و (أرادوا) أن تقلل من قوة الأعمال في تحديد نتيجة الانتخابات.[37] ان حزب الشعب يعد المثقفين صوت المواطنين الذين يعارضون النخب باسم الدستور كما تصدت لحركات التصنيع ورأسمالية الشركات وهي بذلك تختلف عن الناروديك في روسيا التي تمثل روية فكرية فهي صوت مثقفي المدن الذين تصوروا مجتمع مثالي من الفلاحين.[38]

وفي ثلاثينيات القرن الماضي في أعقاب الكساد العظيم عام 1929 تم أخذ أفكار حزب الشعب جزئياً من قبل الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت[39] فقد جاء الخطاب الشعبوى الأمريكي معتمدا على معارضة النفوذ المتزايد للنخبة السياسية والاقتصادية والثقافية، وشكلت تلك المعارضة بصورة كبيرة خطاب القوى المحافظة وجماعات اليمين المتطرف منذ عشرينيات القرن العشرين. ومثلت سياسات فرانكلين روزفلت ضد الشركات الكبرى ونخبة رأس المال والتي جاءت في إطار حركة الإصلاح والمراجعة للتعامل مع تبعات أزمة الكساد العظيم دافعا قويا كرد فعل على صعود ما اعتبره البعض شعبوية اليسار الذي تمثَّل في انتشار الاتحادات العمالية على نطاق واسع. وعرفت السياسة الأمريكية بزوغ نجوم محافظين متشددين شعبويين يمينيين من أبرزهم (جوزيف مكارثى) سيناتور ويسكونسن(1947ــ1957)[40] وقد جاؤا بسبب الزيادة الكبيرة في الهجرة بعد عام 1914 وبينما كانت الهوية الوطنية الأمريكية تعرف من خلال الأثنية وهذا ماولد حركات فكرية وسياسية مضادة.[41] أما خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي فكان حاكم ولاية ألاباما (جورج والآس) هو من جسد الشعبوية. فقد ضم الحزب الجمهوري تيارات فكرية متنوعة تبلورت بوضوح مع إقرار قوانين الحقوق المدنية التي منحت حقوقا مساوية للسود. وعلى رأس تلك التيارات يأتي المحافظون الاقتصاديون (فيما يتعلق بالضرائب وقطاع الأعمال) والمحافظون الاجتماعيون (ممن يؤيدون وبشدة شكل العائلة التقليدي) والمحافظون الجدد (ممن يدفعون لاستخدام القوة والحروب الخارجية)، وضم كذلك المعارضين لدور متضخم للحكومة الفيدرالية. وتاريخيا تبنى الحزب الجمهوري أفكارا وقيما تقليدية محافظة سواء الاجتماعي منها أو ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية.[42]

اما في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي فجسد الشعبوية المرشح الرئاسي الجمهوري السابق (بات بوكانان) كما أن ظهور اليمين الإسلامي المتطرف المتمثل بالحركات الراديكالية المتطرفة كان محفزاً ومغذياً بشكل كبير لبلورة وتطور الشعبوية فاللعب بورقة الإرهاب قد ايقظ اليمين المسيحي واليهودي مما غذى الخطاب الشعبوي الأمريكي المعاصر ضد اليمين الإسلامي المتطرف[43] فقد تطور الأمر إلى أن ظهرت شعبوية دينية من داخــل حركــة شــعبوية علمانية اكبر مثل (انجيليي الشاي ) وهم تيار نشأ من أول حركة شعبوية يمينية خلال القرن الحادي والعشرين وهي (حزب الشاي) الذي تمتع منذ بدايته بدعم قوي من( الإنجيليين). وكانت الآفاق السياسـية ِ لانجيليي الشـاي« واسـعة فالهدف هـو إعـادة أمريـكا إلى جذورهـا المسيحية اليهودية وهــو مــا يجعــل نشــاطهم السياسي يتوجــه نحــو إصلاح أوســع للمجتمــع، لا إلى تغيــرات ضئيلــة تعجــز عـن عكـس اتجـاه الانهيار الأمريكي.[44]

أن التاريخ الأمريكي يظُهر الشعبوية كخطاب سياسي وكحركة سياسية ينُظر إليها على أنها شكل قابل للتطبيق للتعبير الجماعي عن الاستياء من الأعداء المحليين لـ «الشعب»، فقد ادعى حزب الشعب في تحرير الأمة من «سلطة المال» باسم الملكية المباشرة ضد غير المباشرة والحركات الشعبية ضد السياسة المؤسسية. فعندما تتخذ السياسة أنماطاً غير مباشرة فإنها تخاطر بأن تصبح مناهضة للشعبية: وفي تاريخ الولايات المتحدة منذ بداية الجمهورية، كانت هي الرسالة الأساسية للإيديولوجية الشعبوية.[45]

2-2: عوامل تنامي الظاهرة الشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية

أن اهم الأسباب التي أدت إلى تنامي صعود الشعبوية في الولايات المتحدة هو التكريس الحاد للرأسمالية الغربية الذي نجم عنه ارتفاع مطرد في نسب الفقر والبطالة وعدم المساواة الناجم عن العولمة والأتمتة والتغير التكنولوجي تفاقم أعداد اللاجئين والمهاجرين لاسيما من العرب والمسلمين والذي بدوره فجر هواجس بشأن الهوية والخوف من التحولات الثقافية مع فشل النخب السياسية التقليدية في معالجة هذه الأزمات (المالية وأزمة المهاجرين)، وانقسام هذه النخب وفسادها وخطابها السياسي التقليدي، فضلا عن تنامي وسائل الاتصالات والتي من خلالها أصبح بمقدور التيارات اليمينية الترويج لأفكارها وشعاراتها بحرية وسهولة.[46] ومن هنا تبرز الانقسامات المجتمعية بين النخب، بين تلك التي ترحب بالعديد من هذه التغييرات وتستفيد منها، وبين أولئك الذين يشعرون بأن حياتهم أصبحت أكثر خطورة مع وجود ثقافات متعددة وتزايد الهجمات الإرهابية التي يستخدمها الديماغوجيون لتأجيج كراهية الأجانب والإسلام.[47] اذن هناك عدد من العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية التي ادت الى تنامي الظاهرة الشعبوية في الولايات المتحدة الامريكية ستتطرق اليها الدراسة بشيء من التفصيل.

اولا: العوامل السياسية:

بروز عدد من الأزمات والمشكلات السياسية أحد اهم مظاهرها الاستقطــاب الاجتماعي والسياسي الحاد مثل أزمــة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة حيث وقفت الدولة الفيدرالية الأمريكية جميع أنشطتها بسبب رفض الجمهوريين المصادقة على الميزانية الأمريكية لعام 2014 التي طرحها للنقاش الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما. وبالرغم من المفاوضات المكثفة بين الجمهوريين والديمقراطيين إلا أنهم لم يتوصلوا إلى أي حل يرضي الجانبين.[48] وترتب على هذه الأزمة إغــلاق المؤسسات الحكومية الفيدراليــة لمدة خمسة وثلاثين يوما وهــي أطول مدة تم فيها هــذا الإغلاق،  هذا فضلا عن محاولات رئيس الدولة التدخل في أعمال السلطة القضائية وتحديدا ّفي عمل المحقق الخاص بمتابعة قضية التدخل الروسي في الانتخابــات الرئاسية عام 2016 [49] ومن جاء الاستقطاب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أي بسبب الخلافات فيما يتعلق بالصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس مع سعي كلا الطرفين لتحدي الآخر على الرغم من أن الدستور الأميركي تضمن نصوصاً صريحة وواضحة بعمل السلطتين خوفا من تغلب أحداهما على الأخرى بفعل التجاذبات والتطورات الزمنية.[50] 

لقد ترافق صعود الشعبوية مع تراجع الثقة في الحكومة والمؤسسات السياسية وضعف استجابة المشرعين للتفضيلات السياسية المعلنة للجمهور وأيضا صعود الاستقطاب الأيديولوجي. وإذا أخذناها معاً يجب أن ينُظر إليها على أنها علامات تحذير من تراجع قوة الديمقراطية الأمريكية إن هذا التراجع  يعكس التصور بأن السياسة الديمقراطية لا تعمل في مصلحة الناس -أو على الأقل لا تستجيب لتفضيلاتهم. ففي عام 2016 تبين مشاركة الناخبين المنخفضة بين الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض في الافتقار إلى التمثيل العادل. فقد كانت هناك فجوة مقدارها 20 نقطة بين معدلات تسجيل الناخبين من ذوي الدخل المنخفض والأمريكيين ذوي الدخل المرتفع. هذه الثغرات لا تزال قائمة في التصويت، ففي عام 2012 صوت حوالي 47 في المائة فقط من أولئك الذين يحصلون على أقل من 10000 دولار بينما أدلى أكثر من 80 في المائة ممن حصلوا على أكثر من 150ألف دولار بأصواتهم. هذا فضلا عن ان الإنفاق السياسي في الانتخابات يكون أكثر تركيزاً بين أغنى قلة من الناس حيث لها القدرة على الضغط على المسؤولين المنتخبين وصناع القرار إذ تمثل منظمات وشركات الأعمال 72 في المائة من جميع نفقات جماعات الضغط، بينما شكلت منظمات العمل 1 في المائة فقط ما يساهم في تراجع الثقة في الحكومة.[51]

ثانيا: العوامل الاقتصادية:

الشعبوية قائمة على معاداة المؤسسات السياسية والنخب القائمة عليها على أساس أن هذه المؤسسات تعبر عن مصالح الفئات العليا الأكثر ثراء ونفوذا في المجتمع التي اهدرت مصالح الأغلبية الفقيرة ولم توفر لها سبل التمثيل وحكمت عليها بالإقصاء والتهميش الاقتصادي فضلا عن السياسي والاجتماعي فالنخب الليبرالية باتت تمثل مصدر يهدد القيم الوطنية. فهي تجسد مصالح النخب الحاكمة صاحبة المال والنفوذ السياسي[52]

أن الصعوبات الاقتصادية هي مرتبطة بدعم الشعبويين الاستبداديين في بيانات الاقتراع. وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 هزمت هيلاري كلينتون دونالد ترامب بفارق 13 نقطة بين أولئك الذين يكسبون أقل من 30 ألف دولار سنوياً، وكان تقدم ترامب أقوى ما يكون بين أولئك الذين يكسبون ما بين 50 ألفاً و99999 دولاراً. وفي كتاب لويجيزي نغاليس الشهير عام 2012 «رأسمالية للشعب»، تشير إلى أن الجدارة والحراك الاقتصادي المرتبطين بالنموذج الاجتماعي والاقتصادي لأمريكا قد ضعفت في العقود الأخيرة حيث تفضل السياسات والمؤسسات بشكل متزايد المحسوبية والبحث عن الريع، مما أدى إلى شعور بأن النظام يتم تزويره من قبل النخبة الفاسدة ومن أجلها. لكن المظالم الاقتصادية أعمق من ذلك فتعمل التغييرات الهيكلية على تغيير أسواق العمل، اذ هناك عدد متزايد من الوظائف عرضة للاستعانة بألاتمتة وبمصادر خارجية لا سيما تلك التي تتطلب مؤهلات أقل، فمثلا «فاز ترامب على كلينتون في المقاطعات حيث المزيد من الوظائف معرضة لخطر التكنولوجيا أو العولمة». كما إن التباين الكبير في جودة التعليم المتاح لسكان المناطق المختلفة يضر بشكل كبير بالمجتمعات الملونة وأولئك الذين ولدوا في خلفيات منخفضة الدخل.[53] ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في زيادة عدم المساواة والانحراف في الميدان الاقتصادي، بما في ذلك العوامل المرتبطة بالملكية الفكرية والتنظيم المالي والترخيص المهني والسياسات الأخرى. ويتركز تهديد عدم اليقين الاقتصادي في المستويات المتوسطة من الدخل وتوزيع المهارات (يدوية أو معرفية روتينية) فهي التي تقع فريسة للعولمة والتقدم التكنولوجي. وهذا يتوافق مع أنماط التصويت التي لوحظت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016،[54]

كما ان الأزمة المالية القاسية التي وقعت في عام 2008 وكذلك نقمة الشعب الأمريكي على العولمة التي أدت لانتقال المؤسسات الصناعية الكبرى من منطقة حزام الصدأ في الشمال الأميركي إلى مناطق حزام الشمس بشمال المكسيك ودول جنوب شرق آسيا بحثا عن مزيد من الأرباح بسبب رخص الأيدي العاملة خارج نطاق الولايات المتحدة مما حرمهم من فرص العمل خاصة أن أغلب القاعدة العمالية الأميركية من البيض في شمال أميركا يضاف إلى ذلك كارثتي حربي أفغانستان والعراق وما ترتب عليهما من خسائر اقتصادية.[55]

ثالثا: العوامل الثقافية والعرقية:

أن الشعبوية هي أحد أشكال السياسات التي تتحايل وتؤكد على الفروق بين الهويات من أجل تحقيق مكاسب سياسية. فالشعبوية نوع من أنواع سياسات الهوية التي تدور دائما حول فكرة «نحن ضد الآخرين».[56]

لقد خلقت العولمة شروط لوجود كوني جديد يربط كل الكيانات القومية في مجتمع شبكي لا فكاك منه ولذلك فمثلما أدت العولمة إلى تأزم الهويات المحلية الصغرى كما أدت إلى تأزم الهويات القومية الكبرى وقد أشــار إيريك هوبسبــاوم إلــى أن الطابع غير المتوقع للتغيرات الكونية هو الذي دفع الناس نحو اللجوء إلى المشاعر التي تريحهم في النزعة القومية واللغوية والعرقية.[57]

وتتمثــل الشعبوية فــي الإيمــان بوحدة الأمة -الشــعب التي تستنــد إلى أســس دينية أو إثنيــة وأن هنــاك مصالــح عليــا واحــدة لتلك الأمة - الشــعب التي تتصــدى الشــعبوية للتعبير عنهــا  ووفقا لهــذه الفكرة لا ترتبط تلك المصالح العليا بتصويت الناخبين في الدولة، أو بالاتجاه الغالب للرأي العام فيها (وهذا ما تقوم عليه الديمقراطية الليبرالية)  بل إنها ذات صيرورة تاريخية دائمة وهي تعبير عن مصالح الأمة / الشــعب في الماضي والحاضر والمستقبل.  وبحكم أن الشــعبوية تعتمد على الأديان والإثنيات والأعراق في تعريفها للأمة- الشعب فإنها تشجع النزعات الوطنية والقومية المتطرفة وأدى ذلك إلى تصاعد وزن مسألة الهوية في الخطاب السياسي وازدياد صراع الهويات حتــى إن المفكر الأمريكــي «فرانسيس فوكايامــا» يرى أن «سياســات الهوية أصبحت أحد العوامل الحاكمة لتفاعلات الحياة السياسية في عدد كبير من النظم الديمقراطية، وأهم تحــد يواجهها، وأن باحثين آخرين وصفوا هذه الحالة من التشظي الهوياتي بتعبير «القبلية الجديدة»  وتتمثل خطورة صراعات الهويــة في أنها ذات طابــع صفــري game sum zero ،وأنه لا يمكن إخضاعها لمنهــج المساومة والحلول الوسط ومن ثــم فإنها تغذي مشاعر العداء وروح التعصب والشوفينية القومية والطائفية.[58]

فالدور الذي لعبته الهجرة المتدفقة عبــر العالم فــي إعطــاء دفعــة قويــة للمشاعــر الشعبوية وخصوصا موجات الهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية فقد شكل المهاجرون المختلفون في أعدادهم وأديانهم وأساليب حياتهم هويات مختلفة داخل الكثير من المجتمعات الغربية ومنها الأمريكية وقد قدرت الإحصاءات أن أعداد المهاجرين عبر العالم قد وصلت في منتصف عام 2019 إلى مايقارب 6.271 مليون مهاجر. وهي تشكل نسبــه 5.3 % من إجمالي سكان العالم.[59]

اما القاعدة العريضة من الشعب الأميركي فهي من البيض، التي تعتنق المذهب المسيحي البروتستانتي، تبلغ نسبتهم حاليا حوالي 70 بالمئة من مجمل تعداد شعب الولايات المتحدة، وهم في أغلبهم من أصول أوروبية، ويشعرون بالخطر من زحف السود الأميركيين، وزحف المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين من أصول لاتينية وآسيوية. جاء انتخاب ترامب كتعبير عن «ثورة أولئك البيض» كما كان محتوى خطابه السياسي أثناء الحملة الانتخابية متوافقا مع توجهات تلك القاعدة البيضاء التي وجدت فيه معبرا عن تذمرها وإحساسها بالخطر[60]

وضمن دراسة أجرتها ديانا سي موتز في جامعة بنسلفانيا بينت فيها من أن الخوف من فقدان المكانة كان عاملا مهما للناخبين البيض في قرارهم التصويت لصالح دونالد ترامب في عام 2016 ويمكن أن يؤدي فقدان المكانة بين المجموعات التي تعاني من التدهور الاقتصادي إلى زيادة الاستياء الثقافي والعرقي فيقلب السرديات الشعبوية الاستبدادية الإقصائية. لقد أصبحت الولايات المتحدة-مثل المجتمعات الغربية الأخرى -أكثر تنوعاً عرقياً بسبب مزيج من الهجرة والشيخوخة إذا استمرت الاتجاهات الحالية بحلول منتصف القرن سيصبح البيض أقلية في الولايات المتحدة. وتميل كل من حملة دونالد ترامب إلى استغلال المخاوف المتعلقة بهذا التغيير الديموغرافي. كما إن قاعدة ترامب الانتخابية – وكذلك قاعدة الحزب الجمهوري -ذات أغلبية ساحقة من البيض. وبهذا استفادت حملة ترامب من المخاوف بشأن الهجرة والعرق والإسلام، واتجهت إلى سياسات الهوية البيضاء مع نداءات عنصرية صريحة وفي مسح لمعهد أبحاث الدين العام للمحيط الأطلسي وجد 68 في المائة من ناخبي الطبقة العاملة البيض إن أسلوب الحياة الأمريكي بحاجة إلى الحماية من التأثير الأجنبي واتفق نصفهم تقريباً مع عبارة «لقد تغيرت الأمور كثيراً لدرجة أنني غالباً ما أشعر أنني غريب في بلدي». وصوت 79 في المائة من بين ناخبي الطبقة العاملة البيض الذين لديهم هذه المخاوف لصالح ترامب. ان إثارة نوبات كراهية الأجانب والتي كانت السمة المميزة لحملة ترامب واستحوذت على خيال قاعدته الانتخابية. علاوة على ذلك يمكن الوصول إلى العديد من الأمريكيين البيض الذين يتم إغوائهم بمناشدات النزعة القومية التي تثيرها مخاوفهم بشأن الاضطراب الاقتصادي والثقافي[61]

هذا فضلا عن الأسباب الأمنية وماشهدته الولايات المتحدة الامريكية والغرب بصور عامة من سلسة من الاعمال الإرهابية التي نفذها انتحاريون تابعون لتنظيم القاعدة ومن بعدها تنظيم داعش حيث إن أحد أسوا ردود الفعل التي أدت إليها أحداث 11 سبتمبر 2001 هو التحول في اتجاهات الرأي العام إزاء التصنيف العرقي والإثني كأحد أدوات تنفيذ القانون. فقبل أحداث 11 سبتمبر عد 80% من الشعب الأمريكي أن التصنيف العرقي خاطئ، فالمشرعون وإدارات الشرطة والرئيس طلبوا جمع معلومات عن الأنماط العرقية لعمليات التوقيف والتفتيش. وعقب أحداث 11 سبتمبر أظهرت استطلاعات الرأي أن 60% من الشعب الأمريكي يفضلون التصنيف الإثني طالما موجه نحو المسلمين ومن الأسباب الأخرى لذلك وجود قدر كبير من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة، كاحتمال حدوث مزيد من الهجمات الإرهابية[62],

لقد عززت وعود الرئيس دونالد ترامب الشعبوية في حملته الانتخابية وهذا ماادى إلى اعتلائه سدة الحكم أواخر العام 2016 حيث تبنى خطابا سياسيا يحاكي عواطف المواطنين من أجل كسب ولائهم فالأفكار التي عبر عنها ترامب خلال حملته الانتخابية مثل شعار «أميركا أوّلاً»، واستعادة المكانة الأميركية في العالم، والعداء للاتجاهات الليبرالية فضلا عن العداء للأجانب والمهاجرين تشير إلى توجهاته الشعبوية[63] كما ان القاعدة الشعبية العريضة لترامب أغلبها من البيض الإنجيليين الذين تفاقمت لديهم هواجس بشأن الهوية، كما يعاني الكثير منهم من وطأة الرأسمالية لاسيما في الولايات التي يغلب عليها الطابع الريفي. وقد أظهرت السياسات التي اتبعها ترامب التزاما جادا بشعبوية يمينية أمريكية جديدة وهذا ماتبين في سياسته فيما بعد سواء على الصعيد الداخلي أو السياسة الخارجية. أن رؤية العالم لدى دونالد ترامب، تتمثل بالقومية والشعبوية والانفرادية، والتمرد على القواعد والمؤسسات، وعدم الإيمان بالتحالفات، والإيمان بالقوة.[64] وقد اتخذ الرئيس ترامب عند توليه السلطة عددا من القرارات التنفيذية التي تعبر عن فلسفة حكم تدفع بأمريكا ومؤسساتها وقيمها نحو غايات اليمين المتطرف في بعديها الداخلي والخارجي.[65]

أن سياسات ترامب هذه تستند الى شخصيته الشعبوية وفلسفته غير المقيدة بقواعد العمل المؤسساتي ولا برؤية استراتيجية بعيدة المدى فترامب كغيره من الشعبويين لا يؤمن بالعمل المؤسساتي ولا يريد الالتزام بقواعد وضوابط العمل السياسي مما ادخله في صراع مع القضاء والإعلام وحتى مع الكونغرس الذي يمتلك فيه الحزب الجمهوري الأغلبية. إن تداعيات سياسات ترامب على الوضع الداخلي زادت من حدة الانقسام المجتمعي داخل الولايات المتحدة وصراعه مع القضاء والإعلام مع اتهامه بمحاباة رجال الأعمال على حساب المواطن الأمريكي البسيط الذي كان سببا في وصوله للسلطة.[66]

3: تداعيات الشعبوبة على النظام السياسي الأمريكي

3-1: شعبوية ترامب وبنية النظام السياسي الأمريكي جدلية التأثير والتأثر

لقد اتخذ كل من الحزبين الرئيسين خطاً عاماً لسياساته فمثلا أيد الديموقراطيون تاريخياً قوة ومركزية الدولة الاتحادية فضلا عن الدفاع عن حقوق الأقليات ولكن ذلك لا يمنع وجود اختلافات في الاتّجاهات في صفوف الحزب نفسه، فمن الشائع جداً وجود اختلاف بين الديموقراطيين في الجنوب والديموقراطيين في شمال الولايات المتحدة. والأمر نفسه بالنسبة إلى الحزب الجمهوري ومن المعروف أن الأحزاب الأميركية أحزاب نخبة وليست أحزاب جماهير وهي تقوم بما في وسعها لتعبئة الرأي العام والحصول على أصوات الناخبين والتأثير في وعيهم السياسي لأن هدفها الأساس هو الوصول إلى السلطة وإيصال مرشحها إلى الرئاسة مع فريقه. كما يتأثر الحزبان بمحيطهما الاجتماعي فنلاحظ لكل ولاية من الولايات المنضوية في الولايات المتحدة ظروفها الاقتصادية والاجتماعية الخاصة التي تؤثر في سلوكية الحزب وأفكاره وتوجهاته وتطلعاته، حتى يمكن لنا القول بأن لكل ولاية حزبها الديموقراطي أو الجمهوري الخاص. كما تلعب الأحزاب الأميركية دوراً رسمياً في تعيين المرشحين للانتخابات تنظّمه القوانين الانتخابية فالترشيح للانتخابات الأميركية ليس حراً بشكلٍ عام، إذ أن الأحزاب المسجلة وحدها من يحق لها الترشيح.[67] وبهذا إن تعـدد الاتجاهات السياسـية والفكريـة فـي المجتمـع الأمريكي سـمة طبيعيـة ومعتـادة وهـي مكـون رئيـس مـن التقاليـد الديمقراطيـة التـي تسـمح بتـداول تلـك الاتجاهات فـي هيـكل السـلطة والإدارة عبـر آليـات انتخابـات معقـدة ومتعـددة المسـتويات سـواء داخـل الأحزاب كل علـى حـدة أو الانتخابات علـى المسـتوى الفيدرالـي. لكـن شهدت الانتخابات الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية فقـدان الطابـع السـلمي مع تجـذر المشـاعر العدائيـة بيـن مكونـات المجتمـع والمؤسسـة السياسـية وانتشـار اللغـة الحـادة فـي الحـوار العـام وتعبئـة وتجييـش المؤيديـن ضـد الآخر وهذا ماظهر ضمن فترة حكم الرئيس السابق «ترامـب والذي كان يمثل صعوده انتصارا للظاهرة الشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية.[68] وهذا الصعود لم يكن تلقائيا أو عفويا حيث كانت له ممهدات فبالعودة إلى عام 2008 الذي ارتبط بوصول أول رئيس –من عرق أسود- إلى البيت الأبيض وهو الرئيس الأسبق باراك أوباما من هنا بدأ يدق ناقوس الخطر للأغلبية البيضاء التي بدأت تستشعر التهديدات بفقدان سيطرتهم التاريخية على الحياة السياسة الأمريكية. وكان رد الفعل على ذلك متمثلا في الاتجاه إلى مايحفظ لهم حقوقهم وبهذا توجهوا إلى حركة حزب الشاي التي وصفت بـ(المحافظة والمتطرفة) حتى بمعايير الحزب الجمهوري حيث هاجم «حزب الشاي » الرئيس أوباما فضلا عن تبنى سياسات وخطابات تؤجج العنصرية والتعصب والإسلاموفوبيا.[69] وخلال انتخابات الكونغرس النصفية عام 2010 اعتمدت حركة «حزب الشاي» على خطاب شعبوى يمينى وأصبحت بوتقة تجتمع حولها القوى المتشددة والمحافظة من الحزب الجمهوري. ومن هنا جاء ترامب مستندا على عدائه وهجومه على المؤسسات والنخبة التقليدية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث أن علاقة ترامب بهذه الحركة الشعوبية ليست وليدة انتخابات 2016 وانما منذ عام 2011 ففي مقابلة له مع قناة فوكس الإخبارية  أبدى إعجابه بجماعة حزب الشاي وقال «أعتقد أن مناصري جماعة حزب الشاي يحبون بلدهم، وأنا أعكس وأؤيد الكثير مما تتبناه الحركة».[70]

أن صعود الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم تعد ظاهرة غير مسبوقة في النظام السياسي الأمريكي ولطالما أثارت الجدل حيث ان القرارات السياسية التي اتخذها أبان فترة حكمه وصفت من قبل البعض بـ( بهجمات واعتداءات على النظام الليبرالي) ففي الداخل الأمريكي قام بدعم الحكام السلطويين كما اعتدى على الديمقراطية وحقوق الإنسان أما على الصعيد العالمي فانه عبر تصريحاته اخذ يهدد النظام الليبرالي الدولي بدرجة لا يمكن الاستهانة بها. ومن هنا يعد انتخاب ترامب في 2016 مؤشرا على تناقضات اقتصادية وسياسية وهوياتية عميقة في داخل النظام الليبرالي.

ويعد فوز ترامب بمثابة تصويت (بسحب الثقة من النخب السياسية التقليدية) في الولايات المتحدة حيث تلاشت المزاعم من أن رئاسة ترامب جاءت مصادفة وهذا مااثبتته الانتخابات الرئاسية عام 2020 حيث حصل على أكثر من 46% من الأصوات. إن تضاؤل قوة النخب السياسية التقليدية لم يحدث فقط تحت تهديد من ساسة اليمين إنما أيضا من القوى السياسية اليسارية، التي لم تحظ تقليديا بنصيب يُذكر من القوة.[71]

وبهذا الصدد يمكننا القول إن اليسار الذي كان أصل الشعبوية في الولايات المتحدة حاول تغيير محتواها وجعلها خاصة لليمين حصرا اذ اخذ يقدم نفسه على انه المدافع الحقيقي عن الديمقراطية عبر خطاب وممارسات قريبة للشعبوية وهو ما تبين من موقف الديمقراطيين عند فوز ترامب بالانتخابات عام 2016 حيث ان المرشحة الخاسرة أمامه هيلاري كلينتون ادعت على أن الانتخابات قد «تمت سرقتها لصالح ترامب بواسطة روسيا « هذا فضلا عن الاحتجاجات واعمال العنف من قبل مؤيدي الديمقراطيين لرفضهم نتائج الانتخابات. كما حاول الديمقراطيون وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، تصوير أنفسهم كمدافعين عن الديمقراطية في مواجهة خطر الشعبوية اليمينية التي يمثلها ترامب وأنصاره ومحاولتهم الانتقام من سياساته متناسين حرية التعبير وسيادة القانون كما قاموا بتأييد حجب حساب الرئيس ترامب من مواقع التواصل الاجتماعي وإزالة تطبيقات رقمية بحجة الترويج للإرهاب  وأيضا مطالبهم بإقالة الرئيس ترامب ومحاكمته دون انتظار نتائج التحقيقات في واقعة اقتحام مؤيديه مبنى الكونغرس الأمريكي لرفضهم نتائج الانتخابات وهذا يتنافى مع روح الديمقراطية. لكن بالمقابل فان رفض ترامب لنتائج الانتخابات ايضا يعد خروج عن القواعد التي تحكم العملية الانتخابية في الولايات المتحدة كما رفض الانصياع لقرارات المحمكة العليا وحث مؤيديه على التظاهر والضغط على الكونغرس لعدم اعتماد نتيجة الانتخابات وهذا يمثل صميم الخطاب الشعبوي إن ما حدث في الولايات المتحدة منذ تولي ترامب الرئاسة لا يمت بصلة للممارسات الديمقراطية الحقيقية، وهو مؤشر على أن الولايات المتحدة باتت أمام حرب «شعبويات» من اليسار واليمين تٌستخدم فيها كل وسائل تدمير الديمقراطية كفكرة تحت مسمى الدفاع عن الحريات أو الأمن أو الوطن[72] 

لطالما كان لدى المؤسسين الأمريكيين نفس المخاوف التي حذر منها المراقبون منذ أفلاطون وأرسطو من أن الفشل في الديمقراطية هو ميلها إلى إنتاج ديماغوجيين أي قادة شعبيين يمكنهم إثارة الجماهير من خلال الخطابة النارية وثم استغلال الحماسة السياسية الناتجة للوصول إلى السلطة وتدمير الدولة.[73]

ويمكننا القول إن الشعبوية الأمريكية ماهي إلا انعكاس للعاطفة الأمريكية في تقرير المصير بما يقود بعض الأمريكيين إلى الرد بقوة على النخب المستبدة وأن الخطاب الشعبوي الأمريكي المعاصر الذي اعتمده الرئيس ترامب مستنداً بالدرجة الأساس على مفهوم الأمة المسيحية-فالجمهورية الأمريكية تأسست منذ بداياتها كدولة امة قامت على القومية البروتستانتية الأنجلو أمريكية التي كانت عرقية ودينية بقدر ماكنت سياسية-[74]، أذ يؤكد ميشيل غوليبرغ «في الولايات المتحدة الأمريكية ما كان لأي انتصارات الشعبوية أن تتحقق، لولا أيديولوجية الأمة المسيحية “اذن لا انفكاك ولا انفصال بين ماهو سياسي وماهو ديني في المنظومة الفكرية للشعبوية الأمريكية.[75]

3-2: تداعيات المد الشعبوي على النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية

يؤكد عدد من الباحثين أن الشعبوية تفرز مخاطر وانعكاسات تهدد الحاضر والمستقبل بالنظر إلى تداعياتها على الممارسة الديمقراطية وما يتصل بها من تشاركية ونقاشات عمومية وذلك عبر تكريس الرأي الأوحد، وتهميش وتغييب الكفاءات الحقيقية ورفض الآخر.[76] فالشعبويين لا يميلون إلى اقتراح حلول حقيقية للمشكلات التي تعاني منها المؤسسات الديمقراطية بقدر ما يميلون إلى اتخاذ الأقليات الضعيفة والشرائح الاجتماعية المهمشة كوسيلة لتحقيق مايصبون اليه. كما يتمثل تاثير الشعبوية على الديمقراطية وذلك عبر هجومها المباشر على قيم الشمول والتسامح والاحترام التي تشكل صميم حقوق الإنسان. كما أن بعض الشعبويين يقومون بانتهاك المحرمات التي تجسد هذه القيم. فالشعبويون يريدون استبدال الحكم الديموقراطي -أي الحكومات المنتخبة المقيدة بالحقوق وسلطة القانون-بإيديولوجية الأغلبية التي لا يقف بوجهها شيء، مستشهدين بتفسيرهم الخاص لرغبات الأغلبية، الذي يخدم مصالحهم.[77]

ويمكننا إجمال تداعيات الشعبوية في عهد الرئيس ترامب على النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية فيما يأتي:

ظهور الاستقطاب والتشرذم السياسي وتزايد حدة الخلافات الحزبية بين الحزبين على قضايا رئيسية وادى ذلك الى انتخاب شخص (خارجي غير حزبي) و شعوبياً سلطوياً مثل ترامب يتخذ القرارات بغض النظر عن الأعراف الديمقراطية مثل التسامح المتبادل جعلت السياسة في الولايات المتحدة أكثر استقطاباً. كما ان الإنفاق غير المحدود للحملة الانتخابية من «المصالح الخاصة الثرية» يفسر الانقسام السياسي الحزبي المتشدد وهذا مايعد تشويه للعملية السياسية، لذا فهي غير مستجيبة وغير خاضعة للمساءلة من قبل الأمريكيين العاديين الذين لا يرون أنفسهم ممثلين بشكل عادل على المستوى الفيدرالي.  هذا فضلا عن الخلاف الاستراتيجي في الكونجرس مدفوعاً باعتبارات انتخابية والانشغال المتزايد بشأن ولاء القاعدة الانتخابية هو عامل آخر وراء الاستقطاب الأمر الذي يحفز السياسيين على التخلي عن الفرص للتوصل إلى حلول وسط على أجزاء مهمة من التشريعات.

حدوث تغير في وسائل الاعلام التي بدورها غذت الاستقطاب السياسي. فمع ازدياد تنوع مصادر الأخبار المتاحة للأمريكيين إلى جانب انتشار المنافذ الأيديولوجية تغيرت وجهات نظر الجمهور في اتجاهات أكثر تطرفا.

خضع الحزبان أيضاً لتغييرات جوهرية بدءاً من إعادة الاصطفاف الجنوبي للحزب الجمهوري فالشعبوية قادت الحزب الجمهوري إلى أن يصبح راسخاً في كتل تصويت بيضاء أكثر محافظة بالإضافة إلى الهجرة التدريجية للأمريكيين الأفارقة واللاتينيين للحزب الديمقراطي أدى ذلك إلى انقسام سياسي شديد الحزبية وحكومة غير مستجيبة مما خلق أرضية خصبة للشعبوية الاستبدادية[78]

كما تسببت شعبوية ترامب في انقسام الحزب الجمهوري نفسه بسبب مواقفه المثيرة للجدل. ففي الحزب الجمهوري هناك مؤيدين ومعارضين لترامب.[79] هذا الشرخ الجمهوري – الجمهوري لم يظهر فقط بعد نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، فمنذ الانتخابات الرئاسية 2016 والنقاش محتدم داخل قيادات الجمهوريين حول ما إذا كان لدعم ترامب تداعيات متوسطة المدى على متانة الحزب وقوته، وفي حملته الانتخابية 2020 لم يتردد ترامب في الانتقاد العلني الصريح لبعض قادة الحزب ممن لم يُظهروا تأييدهم الكافي له، مصنفاً إياهم على أنهم جمهوريون بالاسم فقط. اذ أن غضب مناصريه لم ينصب في الدرجة الأولى على الديمقراطيين وإنما على المسؤولين الجمهوريين الذين لم ينساقوا وراء طرحه واعتُبروا «خائنين» في نظر مؤيديه.[80]

أدت الشعبوية في الولايات المتحدة الى ظهور معسكرين رئيسيين الاول المحافظون اليمينيون المتطرفون في عمق أمريكا أو الولايات الوسطى التي يعتمد اقتصادها أساسا على الصناعة والزراعة، والثاني الليبراليون التقدميون في الولايات الساحلية الشرقية والغربية مثل نيويورك ومساتشوستس وكاليفورنيا وواشنطن، التي تعتمد على صناعات الطيران والإلكترونيات والخدمات والأبحاث والتعليم العالي. وقد نعى العديد من الديمقراطيين والمستقلين «وفاة» الديمقراطية الأمريكية، وأعلنوا خشيتهم من حلول عهد جديد من الحكم الاستبدادي.[81]

تكمن خطورة اليمين الشعبوي فيما تضمره من تخف تحت غطاء الديمقراطية فاليمين يعد نفسه «ظلّ الديمقراطيّة الذي لا يُفارقها» وهو ما تحدث به «تيودور أدورنو» الفيلسوف وعالِم الاجتماع الألماني بقوله «لا أخاف عودة الفاشية في قناعٍ فاشي بل أخاف عودتها في قناع ديمقراطي». وهو ما نجده يحدث فعلياً في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا.[82]

ماحدث أثناء موجة الاحتقان التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية على إثر مقتل جورج فلويد أحد المواطنين السود على يد الشرطة الفدرالية تؤكد أن الخطاب الشعبوي أصبح أكثر أهمية مما كان عليه من قبل، بل أصبح مختلفًا في طبيعته بعد أن جعل المثالية الديمقراطية، وحرية التعبير تبدو فضفاضة قد تمكن لسلالة جديدة من القادة الشعبويين بعد ترامب أن تضع الولايات المتحدة الأمريكية على طريق الفاشية[83]

مهد خطاب ترامب وأنماط حكمه وسياساته إلى أفق جديد على الساحة السياسية فظهر مايعرف «بالإرهاب المحلي» والدليل على ذلك الصفقات التجارية تحظى بالأولوية على حقوق الإنسان والعدالة والحرية، وصرح ترامب علنا «أنه يمكن التغاضي عن حقوق الإنسان وحتى القتل إذا كان لدى الدكتاتوريين أموالا تجنيها أمريكا» فهي بذلك ايماءة فاشية ودعما صريحا لما أسماه ثيودور أدورنو المنظر في مدرسة فرانكفورت بـ «اللاعقلانية الاستبدادية» والجانب المظلم والمهدد لعلم النفس، والسياسة العنصريين والاستبداديين[84]

ان المسار المتصاعد لليمين المتطرف في الولايات المتحدة اتخذ بعدا جديدا حيث شكل فوز ترامب انجراف الولايات المتحدة نحو مسار غير مسبوق من التطرف فضلا عن خروجها عن مسار الديمقراطية الليبرالية التي كانت نتاج الفلسفة السياسية الأخلاقية التي نادى بها عصر الأنوار في أوروبا إلى طريق العزلة والعنصرية وكراهية الأجانب.[85]

اذن يمكن القول أن أزمة السياسة التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية اصبحت أزمة اللغة والذاكرة والوكالة وهو ما يؤكده السياق النصي الذي تحدث فيه ترامب مرارا في خطاباته عن «الأمريكية» و «أمريكا» و»الدولة» و «المتحدة» و «الولايات» وكذلك استخدامه لعديد العبارات مثل «ستصبح أمريكا قوية مرة أخرى»، « يجب أن نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» كلها تبرز استراتيجية تواصلية رسمت صورة قاتمة إلى حد ما للولايات المتحدة الأمريكية، وعصرا شعبويا أمريكيا.[86]

وعلى الرغم من فوز جوزيف بايدن في انتخابات 2021 لكن أكثر من 74 مليون أمريكي قدموا دعمهم للرئيس السابق ترامب وبزيادة 9 ملايين صوت مقارنة بانتخابات 2016 التي فاز بها ضد هيلاري كلينتون.اذ ترسخت أفكاره عند عدد كبير من المناصرين الذين يرون في الولايات المتحدة (محافظة ومسيحية) عبر الخطاب المناهض لغير المسيحيين البيض والرافضين لحقوق الأقليات.

لقد أكدت نتائج الانتخابات الامريكية 2021 بوجود انقسام في الاتجاهات النخبوية في الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه (الحزب الجمهوري) الذي يرى في وصول باراك أوباما ظاهرة تعبر عن خلل ويريد أن يعيد المجد للأمة البيضاء وفي المقابل (الحزب الديمقراطي) الذي يرى في التنوع البشري نعمة وبرفع علم المساواة في الحقوق وهذا مايشير الى وجود «شعبين في دولة واحدة».[87] كما تعد ظاهرة (ترامب) أحد مظاهر انقسام الأمة الأمريكية الحاد فضلا عن انقسامات حادة داخل الحزب الجمهوري نفسه.[88] حيث برز استقطاب في فترة حكمه مع بروز التحديات التي تواجه الهوية القومية الأمريكية للعلن وتجذر الأصولية لدى جزء كبير داخل المجتمع الأمريكي، مما أفرز عدوانية موجهة ضد كل ما يخالفهم من إثنيات وثقافات وديانات.[89]

أن ترامب اراد أن يثبت بدء عهد جديد في الولايات المتحدة والعالم، فقد اصدر قراراته من دون أن يستشير بقية المؤسسات ويفحص قانونية القرارات وهنا نذكر الفرنسي شارل مونتسكيو  في كتابه «روح القوانين» الصادر في عام 1748 الذي أرسى فيه نظرية الفصل بين السلطات ومن أهم مبادئها” السلطة تحد السلطة”، وقد برزت أهمية هذا المبدأ في الولايات المتحدة الأميركية في عهد ترامب حيث أن السلطة القضائية وقفت في وجه سيد البيت الأبيض لكي لا تخالف قراراته التنفيذية الدستور الأميركي ومنظومة قيمه التي تحرم التمييز على أساس الدين والجنسية. ان ترامب هدد وحدة موقف الغرب عبر ترحيبه بالبريكست وتأييده الضمني لإضعاف أو انفراط عقد الاتحاد الأوروبي كما لم يتردد ترامب عن التشكيك بحلف شمال الأطلسي دعامة الغرب العسكرية وبهذا طالبت الكثير من الأوساط الأوروبية بالحفاظ على الغرب كنموذج وقدوة لحقوق الإنسان والحرية والكرامة ودور الفرد.[90] وبذلك يشير صعود ترامب  إلى أزمة عميقة لا في الولايات المتحدة فقط بل في النظام الرأسمالي العالمي ونسق العلاقات الدولية[91]

وبالرغم من أن الشعبوية في ظل الديمقراطية الليبرالية الأمريكية قد تخفت وتضعف قوتها ألا أنها أصبحت راسخة في العقل الأمريكي المعاصر وهي نتيجة لاختلاف إيديولوجية الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والانقسام الحاد بين الحزبين الذي ولد بدوره الأيديولوجيا والخطاب الشعبويين .[92]

الخاتمة والاستنتاجات

الشعبوية ليست ظاهرة حديثة النشأة بل هي قديمة قدم البشرية وظهرت عبر الحقب التاريخية ولايوجد مفهوم محدد لها ومهما يكن من اختلاف بالمفاهيم فالشعبوية تعد نهج سياسي قائم على أساس الفعل والتعبئة ضد الآخر وهي تعد خطراً على النظام السياسي الديمقراطي وقيم الديمقراطية الليبرالية، وفي الولايات المتحدة الخطر أكبر على اعتبار أن الشعبوية كظاهرة أصبحت راسخة فيها ويمثل وصول الرئيس ترامب إلى السلطة التجسيد الفعلي لهذه الظاهرة وبالرغم من أن وصول الرئيس الديمقراطي جوزيف بايدن إلى سدة الحكم والذي يعده البعض هو انتكاسة للجمهوريين حيث ذلك من شأنه أن يضعف الشعبوية .لكن بكل للأحوال فان الشعوبية وحتى مع خسارة ترامب فلا يعني انها انحسرت وتراجعت بل ستبقى متجذرة في العقل الأمريكي. ومما تقدم نستنتج

الشعبوية غالبا ماتؤثر سلبا على الديمقراطية الليبرالية فعلى الرغم من أن الشعبوية تتماشى وتتناغم مع الديمقراطية لكنها في نفس الوقت تتعارض مع الليبيرالية فالليبرالية هي المعوق الأساس للشعبوية وبذلك يمكننا القول إن الشعوبية هي ضد الديمقراطية الليبرالية.

الشعبوية في أساسها إقصائية فهي ترفض التعددية الثقافية والاعتراف بحقوق الأقليات كما انها ذات خطاب عنصري متطرف يجاهر بالعداء للاجانب ويسوغ استخدام العنف ضدهم.

أن السبب الأساس لتنامي التيار الشعبوي في الولايات المتحدة الأمريكية وصعود الرئيس ترامب هو الانفراط مابين الديمقراطية والليبرالية ماسبب تداعيات داخلية فيها زعزعت تجربتها الديمقراطية.

الشعبوية تؤثر في النظام السياسي وتتأثر به فالانقسامات الداخلية والأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعاني منها الداخل الأمريكي مع وجود الانقسامات في النظام السياسي الذي يتعرض للاستقطاب فضلا ، فمثلما أثر هذا الأمر بشكل مباشر على تنامي وازدياد الشعبوية في حدتها، لكن في المقابل أن انتشار الشعبوية وتناميها في ظل مايعانيه الداخل الأمريكي من تناقضات زادت من حجم الانقسامات على الصعيدين السياسي والمجتمعي.

 

[1]Henry Olsen، Populism, American Style، National Affairs  journal , 2010, p4.

[2] ipidp5

[3] عبد الحميد العيد الموسوي، حسام الدين علي مجيد، الشعبوية في الشرق الأوسط ماهية الخطاب وخصائصه المقارنة، مجلة العلوم السياسية الجامعة المستنصرية، 2021، ص60-64.

[4] مروة محمد عبد المنعم بكر، الإعلام الجديد وصعود الأحزاب الشعبوية في أوروبا: دراسة حالة ألمانيا، مجلة السياسة الدولية، العدد٢٢٣، مجلد ٥٦، يناير 2021، ص58.

[5] سعيد عكاشة، صراع الشعبويات في الولايات المتحدة، مركـــــز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2021،

 https://acpss.ahram.org.eg/News/17052.aspx

   تاريخ الدخول 8/3/2023.

[6] Sarah Repucci, THE GLOBAL IMPLICATIONS OF POPULISM ON DEMOCRACY, UNIVERSITY OF WASHINGTON, THE HENRY M. JACKSON SCHOOL OF INTERNATIONAL STUDIES, 2018, p5.

[7] Charles Postel, American Populism, 1876-1896 ، Northern Illinoi University, Digital library , https://digital.lib.niu.edu/illinois/gildedage/populism Date of entry 8/3/2023

[8]محمد كريم الخاقاني، الظاهرة الشعبوية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، مركـــــز رواق بغــــــداد للسياسات العامــــة، ص2.

[9] Giovanna Campani, Sunamis Fabelo Concepció , Angel Rodriguez Soler , and Claudia Sánchez Savín , The Rise of Donald Trump Right-Wing Populism in the United StatesMiddle American Radicalism and Anti-Immigration Discourse,  Societies 2022, 12(6)، p.2

[10] عبد الحميد العيد الموسوي، حسام الدين علي مجيد، مصدر سبق ذكره، ص60-64.

[11]9 مروة محمد عبد المنعم بكر، مصدر سبق ذكره، ص59.

[12]Giovanna Campani, Sunamis Fabelo Concepció , Angel Rodriguez Soler , and Claudia Sánchez Savín , op. citp.2

[13] أبو بكر رزاق، الديمقراطية الليبرالية بين النخبوية والشعبوية: دراسة في أسباب صعود التيار الشعبوي في أميركا وتداعياته، مجلة سياسات عربية، العدد26، 2017، ص70.

[14]نفس المصدر، ص100-101

[15] نفس المصدر، ص102

[16] نفس المصدر، ص72-73.

[17]Giovanna Campani, Sunamis Fabelo Concepció , Angel Rodriguez Soler , and Claudia Sánchez Savín , op. citp.2

[18] ipid ,p.2

[19] Nadia Urbinati, THE POPULIST PHENOMENON, Presses de Sciences Po, 2013,  P145.

[20] Charles Poste، Populism as a Concept and the Challenge of U.S. History، open edition journals, institute des Amériques, 2019، p.3

[21] مريم فرح، الشعبوية وما بعد الحقيقة قراءة في ممارسات بنيامين نتنياهو أثناء جائحة كورونا. قضايا إسرائيلية، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، العدد 82، 2021، ص81.

[22] نفس المصدر، ص82.

[23] مروة محمد عبد المنعم بكر، مصدر سبق ذكره، ص58.

[24] هاني الظليفي، نظرة على صعود الشعبوية، مجلة اتجاهات سياسية، المركز الديمقراطي العربي. برلين – ألمانيا العدد الخامس، 2018، ص159.

[25] احمد موثقي، الشعبوية السياسية وظروفها التاريخية والاجتماعية، مركز البيدر للدراسات والتخطيط، 2019، ص15.

[26] نفس المصدر، ص16.

[27] هاني الظليفي، مصدر سبق ذكره، ص159.

[28]Nadia Urbinati, op.cit,  P153.

[29] للمزيد انظر بشير محمد النجاب، النظام الرئاسي – البرلماني وتطبيق النظام الأمريكي والبريطاني، المركز الديمقراطي العربي، 2018، النظام الرئاسي - البرلماني وتطبيق النظام الامريكي والبريطاني - المركز الديمقراطي العربي (democraticac.de)  تاريخ الدخول 8/3/2023.

[30] محمد سيف الدين، الأحزاب الأميركية: ثُنائية ضمن التعددية، 2016، الأحزاب الأميركية: ثُنائية ضمن التعددية الميادين (almayadeen.net)تاريخ الدخول 8/3/2023.

[31] للمزيد انظر: اليكس دي توكفيل، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة امين مرسي قنديل، محسن مهدي، القاهرة، عالم الكتب. ص155.

[32]Henry Olsen، op.cit, p7

[33] ipidp8.

[34]ipid, p10.

[35] ipidp11.

[36]حسين عدنان هادي، الشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية انحسار أم صعود مؤجل، مجلة حمورابي، مركز حمورابي للبحوث والدراسات، العدد36، 2020، ص119.

[37] صموئيل هنتنغتون، صموئيل هنتنغتون، من نحن، ترجمة حسام الدين خضور، ط1، دمشق- سوريا، دار الراي للنشر، 2015، ص69.

[38] علا عطية عيسى، الشعبوية وأسباب ظهورها، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الازمات والصراعات (الشرق الأوسط وافريقيا)، 2022، ص19.

[39]Giovanna Campani, Sunamis Fabelo Concepció , Angel Rodriguez Soler , and Claudia Sánchez Savín , op.citp.5

[40]محمد المنشاوي، ترامب نتاج شعبوية راسخة، 2019، ترامب نتاج شعبوية أمريكية راسخة - محمد المنشاوي - بوابة الشروق (shorouknews.com) تاريخ الدخول 3/8/2023.

[41] صموئيل هنتنغتون، مصدر سبق ذكره، ص69.

[42] محمد المنشاوي، مصدر سبق ذكره.

[43] حسين عدنان هادي، مصدر سبق ذكره، ص121.

[44] جوزيه بيدرو زوكيتي، الشعبوية والدين، ترجمة اسلام احمد، مركز نهوض للدراسات والبحوث،2022، ص3-4.

[45]Nadia Urbinati, op.cit,  P141.

[46]فاتن الدوسري، من بريكست إلى ترامب.. عقد الشعبوية الغربية القادم، 2021،  من بريكست إلى ترامب.. عقد الشعبوية الغربية القادم | الشرق (al-sharq.com)  تاريخ الدخول3/8/2023.

[47] ادريس لكريني، الشعبوية والأزمات، 2021،  «الشعبوية» والأزمات | إدريس لكريني | صحيفة الخليج (alkhaleej.ae)، تاريخ الدخول8/3/2022.

[48] ماذا يعني تعطيل الدولة الفيدرالية في الولايات المتحدة؟، فرانس 24، 2013 ،  وقت الدخول 8/3/2023.

 https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8

[49] علي الدين هلال، ازمة الأنظمة الفكرية الكبرى المعاصرة الديمقراطية الليبرالية والراسمالية والشعبوية، مجلة التفاهم، العدد 63، 2019 ص94.

[50] مكتب واشنطن، القضاء الأميركي يتدخل للفصل في خلاف دستوري بين أوباما والكونغرس، 2014،

 https://www.almayadeen.net/news/631858/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7

 تاريخ الدخول 8/3/2023.

[51]Dalibor Rohac, Liz Kennedy, and Vikram SinghDrivers of Authoritarian Populism in the United States, Center for American Progress, American enterprise for public policy research May 2018p4

[52]علي الدين هلال، مصدر سبق ذكره، ص121.

[53]Dalibor Rohac, Liz Kennedy, and Vikram Singh. Op.citp9

[54]ipid, p10

[55]رفعت السيد علي، ترامب والقوميون الجدد توجهات الطريق أمام تحولات العولمة ، مجلة الجديد، العدد27، نيسان 2017، ص73.

[56] أندريس فيالسكو، الاحتفاء بالهـوية الإنسانية ، التمويل والتنمية، يونيو 2020، ص22.

[57] احمد زايد، ما بين الهوية والشعبوية جدل الهبوط والصعود في قيم الانتماء في العالم المعاصر، مجلة التفاهم، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سلطنة عُمان، العدد69، 2020، ص205.

[58] علي الدين هلال، مصدر سبق ذكره، ص120

[59] احمد زايد، مصدر سبق ذكره، ص206

[60] رفعت السيد علي، مصدر سبق ذكره، ص73.

[61]Dalibor Rohac, Liz Kennedyand Vikram Singh. Op.cit, p13

[62] David Cole and James X.Dempsey, Terrorism and the Constitution: Sacrificing Civil Liberties in the Name of National Security ,  2006, p168.

[63]نفس المصدر.

[64] فاتن الدوسري، مصدر سبق ذكره.

[65] محمد الشرقاوي، رئاسة دونالد ترامب: اليمين المترنّح ونهاية الاستثناء الأمريكي، 2019،  رئاسة دونالد ترامب: اليمين المترنّح ونهاية الاستثناء الأمريكي - Awaser وقت الدخول 8/3/2023.

[66] محمد الشرقاوي: حصيلة مئة يوم: براغماتية ترامب في مواجهة كوابح داخلية وخارجية،

 2018https://studies.aljazeera.net/ar/reports

  تاريخ الدخول 8/3/2023.

[67]محمد سيف الدين، مصدر سبق ذكره.

[68] حسن أبو طالب، صراع الشعبوية والديمقراطية في الولايات المتحدة، مصر، مجلة افاق استراتيجية، مركز المعلومات ودعم القرار، العدد2، مارس 2021، ص68.

[69] يوسف أحمد، أثر التحولات في النظام الليبرالي الدولي على الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية، رواق عربي،2022،

https://rowaq.cihrs.org/views-the-impact-of-transformations-in-the-liberal-international-order-on-democracy-and-human-rights-in-the-arab-region/.

تاريخ الدخول 8/3/2023.

[70] محمد المنشاوي، مصدر سبق ذكره.

[71] يوسف أحمد، مصدر سيق ذكره.

[72] سعيد عكاشة، مصدر سبق ذكره.

[73]Henry Olsen، op.cit, p4

[74]صموئيل هنتنغتون، مصدر سبق ذكره، ص62.

[75] حسين عنان هادي، مصدر سبق ذكره، ص120.

[76] كينيث روث، مواجهة التحدي الشعبوي، هيومان رايت، 2017،

  https://www.hrw.org/ar/world-report/2018.

  تاريخ الدخول 8/3/2023.

[77] ادريس لكريني، مصدر سبق ذكره.

[78]Dalibor RohacLiz Kennedy, and Vikram Singh. Op.cit, p6-7

[79] Sarah Repucci, op.cit, p79.

[80]ستراتيجيكس، مستقبل»الترامبية «في البنية المحلية الأمريكية، 2021

https://strategiecs.com/ar/analyses/.

  تاريخ الدخول 8/3/2032.

[81] محمد الشرقاوي، رئاسة دونالد ترامب: اليمين المترنّح ونهاية الاستثناء الأمريكي، مصدر سبق ذكره.

[82] وليد گاصد الزيدي، تداعيات بروز الشعبويّة في الغرب، 2018،

https://arabthought.org/ar/researchcenter/.

 تاريخ الدخول3/8/2023.

[83] سامية بن يحيى، ترامب وفخ الخطاب الشعبوي، شيكة النبأ المعلوماتية، 2020، ص1/6.

[84] نفس المصدر، ص2/6.

[85] محمد الشرقاوي، محمد الشرقاوي، 14 قرارا اتخذها ترامب لصالح اسرائيل على حساب العرب والقضية الفسطينية ، 2020،

 https://al-sharq.com/article/10/11/2020/14 

وقت الدخول3/8/2023.

[86] سامية بن يحيى، مصدر سبق ذكره، ص3/6.

[87] حليم بوعمري، فاشية قادمة وبلاد بلا قوة ناعمة.. أثر ترامب على أمريكا لن ينتهي!،

 2021،https://arabicpost.net/opinions/2021

 تاريخ الدخول 8/3/2023.

[88] فاتن الدوسري، مصدر سبق ذكره.

[89] حليم بوعمري، مصدر سبق ذكره.

[90] خطار أبودياب، من المكارثية إلى الترامبية مخاطر الانقلاب على الجوانب الإيجابية من العولمة، مجلة الجديد، العدد27، نيسان 2017، ص65.

[91] جاد الكريم الجباعي، لحظة ترامب أم احتضار العولمة، مجلة الجديد، العدد27، نيسان 2017، ص52

[92]() Giovanna Campani, Sunamis Fabelo Concepció , Angel Rodriguez Soler , and Claudia Sánchez Savín , op.cit, p.3