تاريخ الاستلام: 1 حزيران 2022 تاريخ القبول: 1 أيلول 2022
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
أثر تدابير العفو على
المسؤولية الجنائية الفردية
في اطار القانون الدولي الجنائي
The Effect of Amnesty Measures on the
Individual Criminal Responsibility in international criminal law
ا.م.د جميل حسين ضامن
الجامعة العراقية - كلية القانون والعلوم السياسية
Prof. Assistant Dr. Jameel Hussein Dhamen
Al-Iraqia University - Faculty of Law and Political Science
karmai4444@gmail.com
المستخلص
يعد العفو بنوعيه العام والخاص تنازلاً من الهيئة الاجتماعية عن كل أو بعض حقوقهما المترتبة على الجريمة ويعد العفو العام عملية قانونية مفاجئة ذات تأثير جذري يصدر بقانون عن طريق السلطة التشريعية لإزالة الصفة الجرمية عن فعل هو في حد ذاته جريمة معاقب عليها فيصبح كأنه لم يجرم أصلاً فيصبح تنازلاً يمحو الجريمة ويزيل أثرها الجنائي. ويهدف العفو الى تجريد الافعال من طابعها الاجرامي ومحو كل عقوبة صدرت بصددها
وغالباً ما ترتبط قوانين العفو العام بالمصالحة الوطنية التي تلجأ إليها الدول وتهدف إلى وضع حد نهائي لأية متابعة قضائية عن الجرائم التي تشملها ويترتب على قوانين العفو العام حظر الملاحقة الجنائية وفي بعض الأحيان الملاحقة المدنية ضد أشخاص معينين أو فئات معينة من الأشخاص، فيما يتعلق بسلوك إجرامي محدد ارتكب قبل اعتماد قرار العفو وإبطال أي مسؤولية قانونية سبق إثباتها بأثر رجعي وغالباً ما تهدف قرارات العفو إلى تشجيع المقاتلين على الاستسلام وتسليم أسلحتهم وبناء الثقة بين الفصائل المتحاربة وتسهيل عقد اتفاقيات السلام وإطلاق سراح السجناء السياسيين وتشجيع المنفيين والمبعدين على العودة إلى ديارهم.
مع ملاحظة إن هناك نوعين من العفو هما: (العفو العام) و (العفو الخاص) وأن هناك فروقات جوهرية بينهما وأن هناك آثاراً قانونية مهمة تترتب عليهما.
وفي إطار القانون الدولي كان العفو محل اهتمام الفقهاء والمختصين لا سيما وأن بعض الصكوك الدولية نصت على تشجيع تدابير العفو كوسيلة لدعم البناء وتظافر الجهود لتجاوز الآثار المدمرة للحروب كما أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت تميل إلى تضييق نطاق العفو وعدم شموله وانطباقه على الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني.
Abstract
The general and special types of amnesty are considered as a waiver by the social body of all or some of their rights resulting from the crime, and the general amnesty is a sudden legal process with a radical effect issued by law through the legislative authority to remove the criminal character of an act that in itself is a punishable crime, so it becomes as if it was not criminalized, and becomes a waiver that erases the crime and removes its criminal effect.
General amnesty laws are often linked to the national reconciliation that states resort to and aim to put an end to any judicial prosecution for the crimes they cover. Amnesty laws prohibit criminal prosecution and sometimes civil prosecution against specific persons or groups of persons, in relation to criminal conduct specifically committed prior to the adoption of the amnesty decision and retroactively voiding any previously established legal liability. Amnesty decisions are often aimed at encouraging combatants to surrender their arms, building confidence between warring factions, facilitating peace agreements, releasing political prisoners, and encouraging exiles and deportees to return to their homes.
Noting that there are two types of amnesty: (general amnesty) and (special amnesty), and that there are fundamental differences between them and that there are important legal implications for them.
Within the framework of international law, amnesty has been the focus of jurists and specialists, especially since some international instruments stipulate the encouragement of amnesty measures as a means to support construction and concerted efforts to overcome the destructive effects of wars. Also, the International Committee of the Red Cross tended to narrow the scope of amnesty and not include it and apply it to people who commit violations of grave international humanitarian law.
المقدمة
تكتسب تدابير العفو أهمية خاصة في حياة الشعوب لا سيما تلك التي تحدث فيها صراعات داخلية أو ظروف معينة ينتج عنها ازدياد في عدد مرتكبي المخالفات القانونية .
ويذكر انه من بين (203) نزاع مسلح وقع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام (2008) انتهى (126) منها بإصدار قوانين عفو وهو ما يبين نسبة استفادة المجرمين من الإفلات من العقاب بسبب هذا العمل السيادي إذ تبنت العديد من الأنظمة قرارات العفو في أعقاب النزاعات المسلحة لا سيما الداخلية منها بل أن هناك قوانين عديدة للعفو تم تشجيعها والتفاوض حولها بدعوة من الأمم المتحدة كأداة لإعادة السلم والأمن الدوليين[1].
وكذلك رحبت بعض الهيئات الإقليمية بمثل هذ العفو وعلى سبيل المثال (الاتحاد الأوربي ومنظمة حلف شمال الأطلسي فيما يتعلق (بجمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة) ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بخصوص (طاجيكستان)[2].
كما منحت دولاً عديدة العفو عن أشخاص شاركوا في نزاعات مسلحة غير دولية، إما باتفاقيات خاصة أو تشريعات خاصة أو بإجراءات أخرى ومن الجدير بالذكر أن مجلس الأمن قد شجع مثل هذا العفو على سبيل المثال فيما يتعلق بالكفاح ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا والنزاع في أنغولا وكرواتيا كما شجعت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تشجع مثل هذا العفو فيما يتعلق بالنزاعات في أفغانستان وكوسوفو، كما اعتمدت لجنة حقوق الإنسان قرارات بهذا الشأن فيما يتعلق بالبوسنة والهرسك والسودان[3].
اهمية البحث
تكتسب دراسة اثر تدابير العفو على المسؤولية الجنائية الفردية اهمية بالغة كون هذه التدابير غالباً ما تؤدي الى افلات اعداد كبيرة من مرتكبي الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي من العقاب وذلك عبر اقرار قوانين العفو التي غالباً ما يتم اقرارها في اعقاب النزاعات المسلحة وخصوصاً غير الدولية منها . ويترتب على ذلك هدراً لحقوق الضحايا الذين كان الاولى الانتصاف لهم من مرتكبي هذه الجرائم وغالباً تقدم الجهات التي تلجا الى اصدار قرارات العفو الى تقديم مبررات مختلفة لهذه التدابير.
اشكالية البحث
يهدف البحث الى توضيح الاشكالية المركزية المتمثلة ببيان اثر تدابير العفو على المسؤولية الجنائية الفردية والاجابة عن مجموعة من التساؤلات من خلال هذا البحث يأتي في مقدمتها
ـــ ما هو مفهوم العفو ومدى مشروعيته وماهي الاثار المترتبة عليه
ــــ مدى الاقرار بالعفو وما هو موقف الفقه
ـــــ بيان المسؤولية الجنائية الفردية واثر تدابير العفو عليها لاسيما تلك التي تتعلق بكبار المسؤولين والقادة من مرتكبي الجرائم الدولية
منهجية البحث
للإجابة على جملة التساؤلات سنعتمد ابتداءً على المنهج النسقي الذي يمكن من خلاله النظر الى الظواهر والاشياء كأنساق من خلال اتساقها وهو منهج نعتقد انه ملائم للدراسة كونه يهدف الى بناء نموذج من التفكير يتسم بالشمولية كما سيتم اتباع المنهج التحليلي والوصفي والتاريخي والذي يعتمد على اساس وصف الظاهرة محل الدراسة وجمع المعلومات عن مختلف جوانبها ودراسة بعض الوقائع والقرارات السابقة وابراز الآراء الفقهية والنصوص القانونية وتحليلها
المبحث الاول
مفهوم العفو والآثار المترتبة عليه
لبيان مفهوم العفو بشكل دقيق يجب ان نتعرف على ماهيته كونه يشكل عملية قانونية ذات تأثير جذري والتعرف على اغراضه لاسيما ثناء النزاعات غير الدولية والاثار المترتبة عليه من خلال المطالب الاتية.
المطلب الأول: ماهية العفو
مفردة العفو (amnesty) مشتقة من المفردة اليونانية (amnestia) التي هي جذر مفردة (amnesia) والتي تعني فقدان الذاكرة. ويوحي الجذر اليوناني لكلمة التناسي والنسيان، أكثر مما يوحي بالغفران عن جريمة سبق وأن تمت إدانة مرتكبها جنائياً[4] .
وفي اللغة العربية (العفو) مصدر (عفا ويعفو) عفواً فهو عافٍ والعفو هو التجاوز عن الذنب وأصله المحو والطمس، وعفوت عن الحق وأسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه، ويكاد أصل الكلمة أن يشابه الأصل اليوناني فنقول (عفا عليه الزمن) أي مضى وتم نسيانه وفي المعنى الاصطلاحي هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب.
ويقصد بالعفو تنازل الهيئة الاجتماعية عن كل أو بعض حقوقها المترتبة على الجريمة والعفو نوعان عفو عن العقوبة ويُسمى العفو الخاص وعفوٌ عن الجريمة ويُسمى العفو العام[5] .
ويُعَدُ العفو العام أو الشامل بأنه عملية قانونية مفاجئة ذات تأثير جذري، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون تصدره السلطة التشريعية لإزالة الصفة الجرمية عن فعلٍ هو في حد ذاته جريمة معاقبٌ عليها فيصبح كأنه لم يجرم أصلاً وهو بذلك يُعَدُ تنازلاً يمحو الجريمة ويزيل أثرها الجنائي[6] أو لفئة منهم مذنبين لارتكابهم جرائم (سياسية عادةً) مسامحةً عن أفعالٍ سابقة وقد تكون مشروطة في كثير من الأحيان بالعودة إلى طاعتها في غضون فترة زمنية محددة[7].
وتهدف قوانين العفو والمصالحة الوطنية التي تقوم الدولة بإصدارها إلى وضع حدٍ نهائي لأية متابعة قضائية عن الجرائم التي تشملها وبذلك فالأشخاص المستفيدون منها يعفون بصفة تامة من اثار مسؤوليتهم الجنائية[8].
ويمكن القول أنه ما لم يرد خلاف ذلك فإن مفردة العفو العام تستخدم للإشارة إلى التدابير القانونية التي تؤدي إلى:
حظر الملاحقة الجنائية. وفي بعض الحالات الإجراءات المدنية ضد أشخاص معينين أو فئات معينة من الأشخاص فيما يتعلق بسلوك إجرامي محدد أرتكب قبل اعتماد حكم العفو.
إبطال أي مسؤولية قانونية سبق إثباتها بأثر رجعي ولا تمنع تدابير العفو المسؤولية القانونية عن سلوك لم يقع بعد إذ سيشكل ذلك (دعوة لإنتهاك القانون)[9].
ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، فهو يُعَدُ بمثابة تنازل من جانب الدولة عن حقها في العقاب وهو تنازل يمحو الجريمة ويزيل أثرها الجنائي[10].
المطلب الثاني: أغراض قرارات العفو والآثار المترتبة عليها
تُستخدم قرارات العفو لتحقيق أغراض متعددة لا سيما أثناء الصراعات الداخلية وغير الدولية أو في المراحل الانتقالية التي تعقب الاضطرابات حيث تساهم قرارات العفو في:
تشجيع المقاتلين على الاستسلام وتسليم أسلحتهم.
بناء الثقة بين الفصائل المتحاربة.
إقناع الحكام المستبدين كي يتنازلوا عن السلطة.
تسهيل عقد اتفاقيات السلام.
إطلاق سراح السجناء السياسيين وتشجيع المنفيين والمبعدين على العودة إلى ديارهم.
تقديم حافز للمخالفين للمشاركة في برامج معرفة الحقيقة والمصالحة.
وعندما تغطي قرارات العفو جرائم خطيرة فسيصبح من الضروري التمييز بين قرارات العفو غير القانونية وقرارات العفو الشرعية[11], مع الإشارة أن هناك انواع من قرارات العفو مماثلة للعفو العام أو الشامل ولكنها ترد بتسميات مختلفة وآليات وشروط مختلفة ولكنها تؤدي غرضاً مشابهاً للأغراض التي تؤديها قرارات العفو العام الشامل مثل (العفو الخاص) و(العفو المحدد) و(العفو المشروط )و(العفو الذاتي).
حيث أصدرت بعض الدول بعض القوانين لها ذات الآثار التي تترتب على قوانين العفو التي تعرف بـ (قوانين العفو المستترة أو القوانين شبيهة بالعفو).
إضافةً إلى تدابير العفو بحكم القانون فإن بعض القوانين أو المراسيم أو الأنظمة التي تصدرها الدول تُشكلُ تدابير عفو بحكم الواقع ففي حيث أنها لا تسقط صراحة المقاضاة الجنائية أو سبل الانتصاف المدنية فإن اثرها يكون مماثلاً لأثر قانون العفو الصريح وقد سنت الأرجنتين قانونين لهما هذا المفعول هما:
قانون توقف كامل (PuntoFinal) بالرقم (23521)الذي صدر في كانون الأول 1986 وسمي بقانون نقطة النهاية والذي أُلغي لاحقاً وهذا القانون كان يُحدد مهلة مدتها (90) يوماً لرفع شكاوى جنائية جديدة تتعلق بفترة الحرب القذرة في الأرجنتين التي دامت بيم 1976 والعام 1983.
قانون الطاعة الواجبة (حزيران 1987) وقد كاد هذا القانون أن يكون قانون عفو بحكم القانون حيث أفترض أن المسؤولين العسكريين باستثناء قادة معينين قد أُكرهوا على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ومن ثم تمنحهم حصانة من المقاضاة على هذا الأساس[12].
كما يجب التركيز والاهتمام بالتمييز بين العفو العام والعفو الخاص حيث أن هناك ثمة فروقات جوهرية بين العفو العام والعفو الخاص يجب أن نتناولها منعاً للالتباس وكما يلي:
ت |
العفو العام |
ت |
العفو الخاص |
1 |
يصدر عن السلطة التشريعية بقانون وهو سلطة بيد المشرع. |
1 |
يصدر بقرار من السلطة التنفيذية (رئيس الدولة أو رئيس الوزراء) استناداً لصلاحية معينة ممنوحة له. |
2 |
يشمل الجريمة والعقوبة معاً فيزيل الحكم نهائياً ولا يعود له أي وجود قانوني فهو يمحو الجريمة والعقوبة كما أنه يشمل العقوبة الأصلية والفرعية والإضافية. |
2 |
يشمل العقوبة الأصلية فقط. |
3 |
يصدر بأي مرحلة من مراحل الدعوى. |
3 |
يصدر بعد اكتساب الحكم للدرجة القطعية. |
4 |
لا يكون العفو العام معلقاً على شرط. |
4 |
لا يمس الجريمة فهو يؤثر بالعقوبة فيلغيها أو يخفضها أو يستبدلها ولكنه لا يلغي آثار الحكم ويظل قائماً في حساب وقف التنفيذ أو التكرار أو إعتياد الإجرام أي أنه لا يشمل تدابير الإحتراز والإصلاح إلا إذا نص العفو صراحة على ذلك. |
5 |
العفو العام موضوعي يشمل مرتكبي جرائم معينة دون تسميتهم فستفيد منه الفاعلون والشركاء والمحرضون والمتدخلون والمخبئون. |
5 |
العفو الخاص (شخصي) يُمنح لشخص معين بالذات ويُسمى بمرسوم العفو ولذلك لا يستفيد منه إلا من صدر العفو باسمه. |
6 |
يسقط الطابع لجزائي للجريمة ولا يؤثر على الحقوق الشخصية |
6 |
لا يمس العفو الخاص بحقوق المجنى عليه. |
7 |
للعفو العام أثر رجعي. |
||
8 |
لا يجوز للمشول به رفضه. |
المطلب الثالث: الآثار المترتبة على قرات العفو العام
يترتب على صدور قانون العفو العام الشامل بعض الآثار القانونية وهي:
امتناع المحاكم عن إقامة الدعوى إذا لم تكن قد أقامتها من قبل, وإذا صدر قرار العفو بعد تحريكها فإنه يؤدي إلى سقوطها , وإذا صدر العفو بعد الحكم فإنه يُسقط الحكم ويُزيل جميع آثاره القانونية.
لا يشمل العفو العام الشامل التدابير الاحترازية والإصلاحية إلا إذا نص قانون العفو الشامل على ذلك صراحة.
إذا صدر قانون العفو الشامل بعد أن يصبح الحكم باتاً, فإنه لا يؤثر على الغرامات المستوفاة والأشياء التي تمت مصادرتها.
العفو العام الشامل سبب موضوعي ينصب على الجريمة, وليس على شخص معين، لذلك فهو يشمل جميع المساهمين في اقتراف الجريمة ويؤدي إلى انقضاء الدعوى بالنسبة لهم[13].
المبحث الثاني
العفو في اطار القانون الدولي
سنتناول في هذا المبحث تدابير العفو في اطار القانون الدولي ومدى مشروعية قرارات العفو لاسيما وان العفو يعد تدبيراً يمحو جميع الاثار القنونية التي تترتب على ارتكاب الجريمة كما سنتناول راي المنظمات الدولية والفقه والعفو في اطار نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية من خلال المطالب الاتية:
المطلب الاول: مشروعية العفو في القانون الدولي
اصبحت تدابير العفو التي خضعت طويلاً الى السلطة التقديرية الواسعة للدول تحظى بالتنظيم في اطار مجموعة اساسيه من مبادئ القانون الدولي والاهم من ذلك هو ان هذه التدابير التي تمنع مقاضاة افراد قد يتحملون المسؤولية القانونية عن ارتكاب جرائم حرب او ابادة جماعية او جرائم ضد الانسانية او غير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان او القانون الدولي الانساني وهي تدابير تتنافى مع التزامات الدول بموجب العديد من المعاهدات المصادق عليها على نطاق واسع وكذلك مع بعض المبادئ الناشئة للقانون الدولي العرفي[14]
مما لا شك فيه ان منح العفو عن الشخص يمحو الآثار القانونية التي تترتب على ارتكاب الجرائم الدولية بما في ذلك المسؤولية الدولية التي تترتب على ارتكاب الجريمة الدولية، لذلك فقد ظهرت عدة محاولات لتقنين فكرة العفو وضبطها[15].
ولعل أبرز تلك المحاولات ما نصت عليه المادة (6/ فقرة5 )[16] من البروتكول الإضافي الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949. حيث نصت هذه المادة على وجوب سعي السلطات الحاكمة لمنح العفو الشامل على أوسع نطاق ممكن للأشخاص الذين شاركوا في النزاع المسلح أو الذين قُيدت حريتهم لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح سواء كانوا معتقلين أو محتجزين إلا أن الممارسة الدولية أثبتت أن هذا النص يستعمل عادة لتبرير منح العفو عن أشد الجرائم خطورة كجرائم الحرب .
ويستعمل من طرف المحاكم الوطنية حيث تعتمد عليه في دعم أحكامها وتبرير صحتها بموجب القانون الدولي[17] مستفيدة من سكوت نص المادة عن تحديد الأعمال التي يمكن أن يشملها العفو. ويمكن القول أن هناك ثمة اراء فقهية وطروحات جريئة دعت إلى استبعاد الأفعال التي تشكل جرائم حرب من تدابير العفو منطلقين من رأي مفاده إن مقصد البرتوكول الثاني يتمثل في توفير حماية أكبر لضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية[18].
كما أن تفسير النص الوارد في البروتوكول الإضافي الثاني يجب أن لا يخرج عن إطار قواعد تفسير المعاهدات التي وردت في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969[19] والتي توجب على الدول الأطراف فيها أن تقوم بتفسير النصوص القانونية في سياق المعاهدة وعلى ضوء هدفها وغرضها[20].
الفرع الاول:الآراء القانونية للعفو عن مرتكبي الجرائم الدولية
يلجأ البعض الى تبرير العفو العام بوصفه اجراء سيساهم في المصالحة الوطنية . ويجري الاحتجاج بالمادة (6/فقرة 5) من البروتوكول الاضافي الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 والخاص بالنزاعات غير ذات الطابع الدولي. وقد استخدم هذا التبرير من قبل المعنيين كالمحاكم والحكومات .وعلى نطاق واسع لدعم قراراتها بشأن صحة العفو بموجب القانون الدولي استناداً الى الرأي القائل بان فترة ما بعد الحروب الاهلية تتطلب دعم البناء وتظافر الجهود لتجاوز الاثار المدمرة للحروب .
اولاً : رأي اللجنة الدولية للصليب الاحمر
من الجدير بالذكر ان هناك ثمة اراء في المادة (6/فقرة 5) ابرزها رأي اللجنة الدولية للصليب الاحمر التي فسرت هذه المادة على نحوٍ ضيق واعتبرتها تنص من حيث الجوهر على ( حصانة المقاتلين ) وهو ما يكفل عدم معاقبة القاتل على مجرد اشتراكه في الاعمال العدائية بما في ذلك قتل مقاتلي العدو , مادام ملتزماً بالقانون الدولي الانساني, ولا ينطبق هذا الحكم على العفو الذي يبطل المسؤولية الجنائية للأشخاص الذين ينتهكون القانون الدولي, وبذلك يصبح تشجيع العفو نوع من اطلاق السراح لدى انتهاء الاعمال العدائية على المحتجزين او المعاقبين لمجرد مشاركتهم في الاعمال العدائية[21].
ويتلخص موقف اللجنة الدولية للصليب الاحمر انه لا يمكن ان ينطبق النص الوارد في المادة (6/فقرة 5) على العفو المبطل للمسؤولية الجنائية . وهو ما يعتبر اقراراً من طرف اللجنة الدولية على ان القانون الدولي الانساني لا يستبعد العفو مادام جوهر مبدأ مقاضاة المسؤولين عن ارتكاب المخالفات الجسيمة يظل سارياً[22].
واكدت اللجنة الدولية للصليب الاحمر على هذا التوجه عند اجراءاها لدراسة حول القانون الدولي الانساني العرفي حيث اعتبرت ان الاشخاص المشتبه بهم او المتهمين او المحكوم عليهم بسبب ارتكابهم لجرائم حرب لا يمكن لهم الاستفادة من العفو[23]. وهنا تكون اللجنة الدولية للصليب الاحمر قد اعطت قراءةً ضيقةً للنص حيث اعتبرت ان الاساس المنطقي والجوهري لهذا النص يظهر من خلال منح الحصانة للمقاتلين لمجرد مشاركتهم في العمليات العدائية فقط .
وقريباً من هذا الموقف كان موقف الاتحاد السوفيتي السابق حيث كان موقف الاتحاد السوفيتي واضحاً خلال تصويته على اعتماد ( المادة 6/ الفقرة 5) من البروتوكول الاضافي الثاني لعام 1977 حيث وضح المندوب السوفيتي اثناء التصويت بان هذا الحكم لا يمكن تأويله بطريقة تمكن مجرمي الحرب والمدانين بارتكاب جرائم ضد الانسانية من الافلات من العقاب[24].
ثانياً : عدم الإقرار بالعفو عن جرائم القانون الدولي الإنساني
اشارت النظم الاساسية للمحاكم الجنائية الدولة صراحة الى ان العفو الممنوح بموجب القانون الوطني الى اي شخص يخضع للولاية القضائية للمحكمة لن يكون عائقاً امام المقاضاة. وفيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية ومبدأ التكامل المطبق في اطار النظام الاساسي للمحكمة فان اثر قانون العفو يتم تقييمه في ضوء المادة( 17) من النظام الاساسي التي ترعى المسائل المتعلقة بالمقبولية[25]
في 5 تموز 1999 أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة تعليماته إلى ممثله الخاص المخول بالتوقيع على اتفاقية السلام في سيراليون عن التزام الأمم المتحدة رسمياً بعدم تطبيق العفو والصلح على الجرائم الدولية (الإبادة الجماعية ، الجرائم ضد الإنسانية ، جرائم الحرب) وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.
وقد تم التأكيد على هذا الالتزام في قرار مجلس الأمن الذي يدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى صياغة نظام أساسي للمحكمة الخاصة في (سيراليون) حيث أُدرج في النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بسيراليون عن عدم منح العفو لأي شخص ارتكب إحدى الجرائم الدولية[26].
كما تنص مصادر عديدة للقانون الدولي وسياسة الأمم المتحدة على عدم جواز اتخاذ تدابير العفو إذا كانت:
تمنع مقاضاة أشخاص ربما كانوا مسؤولين جنائياً عن ارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك الانتهاكات المتعلقة بجنسٍ معين.
تتعارض مع حق الضحايا بالحصول على سبيل إنتصاف فعال، بما في ذلك جبر الضرر.
تقييد حق الضحايا أو المجتمعات في معرفة الحقائق بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
ويشترط عدداً من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، المصادق عليها على نطاقٍ واسع أن تضمن الدول الأطراف معاقبة مرتكبي جرائم معينة، إما باتخاذ إجراءاتٍ جنائية بحق الجناة المشتبه بهم في محاكمها المحلية، أو بإرسال المشتبه بهم إلى ولاية قضائية أخرى مناسبة لمقاضاتهم[27].
وقد دأبت هيئات الأمم المتحدة ومسؤوليها وخبراءها على إدانة تدابير العفو عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لاسيما حالات الإعدام خارج القضاء.
وللأمم المتحدة مجموعة مبادئ تغطي طائفة واسعة من السياسات والمبادئ في هذا المجال[28].
مثل المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 [29] كما أن الهيئات السياسية للمنظمة قد تبنت موقفاً مماثلاً فقد شدد مجلس الأمن في قراره (1674 لسنة 2006) على أن من واجب الدول الوفاء بالتزاماتها بهذا الشأن بوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجامعية والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي إلى العدالة.
كما أشارت لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة في تعليقها على المادة (7) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى تعارض العفو مع واجبات الدول في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان[30].
كما أن اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 وفي المادة 4 ألزمت الدول الأطراف بمعاقبة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية مهما كانت صفتهم وعلى الدول الأطراف أن تعمد إلى التدابير التشريعية لتوقيع عقوبات جنائية على مرتكبيها حسب نص المادة (6) من الاتفاقية. كما نص الإعلان الدولي عام 1992 في مادته (18) على:
لا يستفيد الأشخاص الذين ارتكبوا، أو تم الادعاء أنهم ارتكبوا الجرائم المشار إليها في الفقرة (أ من المادة 4) من أي قانون عفو خاص أو أي إجراء مماثل آخر قد يترتب عليه إعفاء هؤلاء الأشخاص من أي محاكمة أو عقوبة جنائية.
يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند ممارسة حق العفو شدة وجسامة أعمال الاختفاء القسري المرتكبة[31].
الفرع الثاني: موقف الفقه من تدابير العفو
أدى الفراغ القانوني إلى فتح الباب أمام الفقهاء الذين استدلوا بالعديد من مواد نظام روما الاساسي على اعتبار أنها تسمح بالاستنتاج بالإقرار بمنح العفو على نحو استثنائي لاختصاص المحكمة[32] وقد تلخصت الآراء الفقهية بالذهاب بعيداً في تفسير نصوص المواد (53) و(16) و(17).
فقد وجدوا في نص المادة (53/2/ج) التي تتيح للمدعي العام للمحكمة عدم الشروع في تحقيق أو مقاضاة إذا كان ذلك لا يخدم فكرة مصلحة العدالة، واعتبروا إن ذلك يشير إلى إمكانية إعتبار آلية العفو في ظروف معينة تندرج تحت غطاء فكرة (مصلحة العدالة) وقد أثارت فكرة مصلحة العدالة الواردة في نص المادة (53) من نظام روما الأساسي جدلاً فقهياً كبيراً لم يتم حسمه، لكون العبارة فضفاضة جداً وتحتمل الكثير من التأويلات[33] وهذا الأمر جعلها عرضةً لتفسيرها بشكل سيئ ومتباين يدعو للبس، وقد أقر المدعي العام سنة (2007) بأن تفسير العبارة في أضيق الحدود وإن الحل لتحقيق التوازن بين مطالب السلام والعدالة لن يتحقق من خلال التوسع في فهم العبارة، ولا يوجد أي احتمال إن المدعي العام سيغير هذه السياسة رغم غياب نصوص دولية اتفاقية حول استبعاد إجراءات العفو في حالة المتابعة القضائية عن الجرائم الدولية.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن القانون رقم (10) بشأن معاقبة الأشخاص مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد السلام وسلامة الإنسانية الموقع عليه في (برلين) بتاريخ 20/12/1945 قد نص في المادة (2/5) على أنه لا يمكن أن يكون سبباً لعدم معاقبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية[34].
ويرى الكثير من الفقهاء أن أحكام العفو لا تتطابق مع أحكام القانون الدولي خاصة في ما يتعلق بقمع الجرائم الدولية، وقد ذهبت لجنة حقوق الإنسان في هذا الاتجاه وذلك في تقريرها الصادر في الدورة الحادية والستين بتاريخ 8/2/2005 حيث نص المبدأ (24/أ) على أنه لا يجوز لمرتكبي الجرائم الجسيمة في القانون الدولي الاستفادة من تدابير العفو إلا إذا قامت الدولة باتخاذ الإجراءات الملائمة لمتابعة أو محاكمة ومعاقبة الأشخاص المسؤولين أو تم ذلك أمام محكمة جنائية دولية خارج هذه الدولة[35].
الفرع الثالث: عدم شمول كبار المسؤولين من مرتكبي الجرائم الدولية
يرى انصار هذا الاتجاه ان وضع حد لإفلات كبار المسؤولين عن الجرائم الدولية من العقاب يتوقف على عدم الاعتراف لهم باي حصانة قضائية ، فلا يوجد اي فرق بين الحصانة القضائية الجنائية والافلات من العقاب وذلك بالنظر الى الاثار المترتبة على كلا المبدأين الا وهي بقاء المجرمين في منأى عن المتابعة والمحاكمة والعقاب[36].
وقد نص تقرير لجنة حقوق الانسان ان الصفة الرسمية لمرتكبي الجريمة بموجب القانون الدولي لا تعفيه من المسؤولية الجنائية وغير الجنائية ،حتى اذا كان هذا الشخص رئيساً للدولة، كما انها لا تشكل سبباً لتخفيف العقوبة[37].
حيث ان تدابير العفو لا ينبغي ان تشمل الاشخاص الذين يتحملون المسؤولية الاكبر عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة مثل قادة الدول والتنظيمات بل يشمل فقط فئة المجرمين الادنى درجة (كالجنود المقاتلين في الميدان الذين اوجد لهم تطور القانون الدولي وآليات العدالة الانتقالية مجموعة من الوسائل مثل تشجيع المحاكمات الداخلية واعادة بناء نظم العدالة الوطنية )[38].
وتجدر الاشارة الى انه رغم ان هذه التفرقة تحدت نوعاً من المصالحة بين تدابير العفو ومبدأ المسؤولية الجنائية الا انها تخلق اشكالاً فيما يتعلق بالمسؤولين الكبار المدانين الذين يعتبرون غالباً مفتاح عملية الانتقال السياسي[39].
وقد اثار مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في اكثر من مناسبة الى فكرة منح عفو محدد للأشخاص الاقل مسؤولية عن ارتكاب جرائم اقل خطورة ، وهو نفس النهج الذي تبنته الامم المتحدة عند رعايتها لتدابير ما بعد النزاع الذي اعتمدته في كل من (سيراليون ) و(تيمور الشرقية ) و ( كمبوديا ) ووفقاً لمبادئ (شيكاغو) حول عدالة ما بعد النزاع ورد ان العفو يحظى بمقبولية اكثر عندما يوفر الحماية للفئات الضعيفة لمرتكبي الجرائم الاقل درجة كالأطفال والجنود واولئك الذين ارغموا على ارتكاب الانتهاكات[40].
اذ ان مسألة منح العفو ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة من الذي سيحصل على العفو ، فانطباق العفو يجب ان يقتصر على المرؤوسين ولا يستفاد منه الاشخاص ذوي المناصب العليا اذا ما ثبت تورطهم بارتكاب جرائم دولية .
المطلب الثاني: العفو في اطار المحكمة الجنائية الدولية
يجب الاشارة ابتداءً ان ثمة محاولات جرت لإدراج موضوع العفو في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الا ان الصيغة النهائية للنظام والتي تم اعتمادها لم تحتوي على اي حكم محدد وصريح يخص العفو وربما يعود ذلك الى الاختلاف في اراء الوفود المتفاوضة حول هذه المسألة ورغم انه لم يرد في النظام الاساسي ما يشير صراحةً وبشكل مباشر الى تنظيم مسألة العفو ، الامر الذي ترك الباب مفتوحاً امام اراء واستثناءات وتفسيرات مختلفة وخصوصاً فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية[41].
حيث تضمن النظام الاساســـــــي للمحكمـــــــــــة الجنائية الدولية بعض الحالات التي يمكن مـــــــن خلالها الاستدلال على استثناء العفو من الحالتين الاتيتين .
حيث نصت المادة (15/6) : (إذا استنتج المدعي العام بعد الدراسة الأولية المشار إليها بالفقرتين (1 و2) إن المعلومات التي قدمت لا تشكل أساساً معقولاً لمباشرة التحقيق، كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك) وهذا يقودنا للاستنتاج أن سلطة المدعي العام في مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه مطلقة برفض إجراء التحقيق[42].
وهذا يعني بشكل ضمني استدلالا ضمنياً على استثناء العفو. كما أن نص المادة (53/2/ج) التي تنص على : (إذا تبين للمدعي العام بناءً على التحقيق إنه لا يوجد أساس كاف للمقاضاة، لأنه رأى بعد مراعاة جميع الظروف، بما فيها مدى خطورة الجريمة ومصالح المجنى عليهم، وسِنُ أو اعتلال الشخص المنسوب إليه الجريمة، ودوره في الجريمة المدعاة من المقاضاة لن تخدم مصالح العدالة).
حيث يقودنا ذلك إلى الاستنتاج إلى أن هناك ثمة سلطة تقديرية للمدعي العام بالعفو عن بعض الأفعال مستنداً إلى خطورتها ومصالح المجنى عليهم أو استنادا إلى عمر الشخص أو اعتلال صحته وفي مقابل ذلك فإنه بالرغم إنه لم يتم النص على العفو كسبب لعدم قبول القضية طبقاً لنص المادة (17) من النظام الأساسي للمحكمة، إلى أن ذلك لا يعني إنه يمكن تقييد اختصاص المحكمة بموجب إجراءات عفو داخلي حيث تنص المادة على عدم نزاهة أو قدرة دولة في متابعة إجراءات المتابعة يعد سبباً لاختصاص المحكمة.
ورغم أم نظام روما الأساسي لم يتضمن أحكام للعفو إلا أن نص المادة (110) شكل استثناءً حيث تناولت هذه المادة مسألة تخفيض العقوبة حيث نصت على أنه للمحكمة وحدها حق البت في أي تخفيف للعقوبة وتبت في الأمر بعد الاستماع إلى الشخص المعني.
ويمكن الاستنتاج إن النصوص القانونية المذكورة قد تفاوتت في معالجتها لموضوع العفو وفي حين اكتفى نظام روما الأساسي بمجرد الإشارة إلى إمكانية منح العفو في حالات ضيقة ومحددة ولأسباب لا لبس فيها، نجد أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 قد نص صراحةً على آلية العفو دون تحديد الحالات التي تستعمل فيها هذه الآلية مما جعل التطبيق يكون بشكل واسع مستنداً إلى أسانيد قانونية في حين أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تكتفي بمجرد النص صراحةً على العفو بل ذهبت إلى حد إخراج جرائم الحرب من مجال العفو[43].
المبحث الثالث
المسؤولية الجنائية الفردية وأثر تدابير العفو عليها
رغم جميع التبريرات التي تتخذ اساساً لاقرار قوانين العفو الا ان الاثار الرئيسية لتدابير العفو تنصرف بشكل مباشر الى المسؤولية الجنائية الفردية حيث تساهم هذه التدابير في كونه ينصب على الجريمة وبالتالي يسقط المسؤولية الجنائية ويصبح كان الجريمة لم تكن وسوف نسلط الضوء على ذلك من خلال المطالب التالية:
المطلب الاول: المسؤولية الفردية قبل انشاء المحكمة الجنائية الدولية
وضعت المادة (227) من معاهدة فرساي لعام 1919 فكرة المسؤولية الجنائية الفردية موضع التنفيذ حيث نصت على انشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة امبراطور المانيا (غليوم الثاني ) عن المسؤولية عن اشعال الحرب العالمية الاولى، وبغض النظر عن اسباب عدم تفعيل هذا البند الان ان الجهود الدولية تواصلت باستمرار واهتمام .
حيث تكللت لاحقاً بإنشاء محكمتي ( نورمبرج وطوكيو) لعام 1946 اللتين استطاعتا ان تقدما للعدالة كبار مجرمي الحرب ممن كان لهم الدور الاكبر والمساهمة المباشرة في اعمال تعد جرائم حرب ، واعقب ذلك انشاء المحكمة الجنائية الدولية في (يوغسلافيا السابقة عام (1993 و(رواندا 1994 ) ثم اقرار النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998.
ويمكن ان نجد فكرة اقرار المسؤولية الجنائية الفردية بشكل واضح وثابت في(اتفاقية جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1947). و(اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949) و(اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية والمعاقبة عليها لعام 1973) وقبل ان نخوض في فكرة المسؤولية الجنائية الفردية لابد ان نشير ان الفقه القانوني كانت له اراء متباينة على مدار السنين الماضية في مدى صلاحية الدولة لتكون محلاً للمسؤولية الجنائية الدولية او ان المسؤولية الجنائية تقتصر على الفرد باعتباره الفاعل المباشر بغض النظر عن دوره في الفعل المسبب للمسؤولية الجنائية .
وقد اسهم التقدم الذي احرزته الامم المتحدة في ميدان تقنين جرائم القانون الدولي ووضع جزاءات على مخالفتها والتزمت الدول بمعاقبة مرتكبي هذه المخالفات الجسيمة مثل ( القتل العمد -التعذيب – المعاملة النافية للإنسانية والاعمال التي تسبب آلاماً شديدة واصابة خطيرة للجسم او الصحة او الاتلاف الشامل للاعيان المدنية والذي لا تبرره ضرورات او مهمات حربية ويجري بصورة تعسفية ) وحيث ان هذه الافعال تحرمها الاتفاقيات الدولية ، ولكن جزاءاتها مصدرها القوانين الوطنية .
وفي هذه المرحلة كانت الاتفاقيات الدولية تقصر المسؤولية من حيث الاشخاص على المسؤولية الجنائية للافراد[44].
ويؤيد اغلب الفقه اليوم ان الفرد (الشخص الطبيعي) هو وحده الذي يرتكب الجريمة الدولية وبالتالي يجب مساءلته جنائياً ومعاقبته في حال ثبوت ارتكابه الفعل الاجرامي سواء ارتكب هذا الفعل بتصرف ذاتي منه ولدوافع ذاتية ام بأسم الدولة ولحسابها[45].
وحيث ان الدولة لا يمكن محاسبتها لأنها شخص معنوي فلا يمكن تصور فرض جزاءات عليها ، وهكذا فان الافراد الذين يرتكبون الجرائم المحددة تحت اي ذريعة فانهم يرتكبون جرائم حرب وفقاً للمواثيق الدولية ، ولا يمكن للفرد الدفع بصدور اوامر من السلطات العليا لنفي المسؤولية عن تلك الجرائم حيث اكدت القرارات الدولية على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي تلك الافعال ، وكذلك نصت المادة (4) من اتفاقية منع جريمة ابادة الجنس البشري والمعاقبة عليها لعام 1948 على ( يعاقب الاشخاص الذين يرتكبون جريمة ابادة الجنس البشري او ايٍ من الافعال المنصوص عليها في المادة (3) سواءً كانوا حكاماً مسؤولين تو موظفين عموميين او افراداً عاديين )[46],
ويمكن القول ان مواثيق المحاكم الجنائية[47] في يوغسلافيا ورواندا ونظام روما ادخلت العديد من الجرائم ضمن اختصاصها لمقاضاة الافراد المسؤولين عن الجرائم الدولية عندما يتم ارتكابها في نزاع مسلح سواء كان هذا الصرع ذو صفة دولية او صراع داخلي[48].
وقبل ذلك فان محكمتي ( نورمبرج وطوكيو) اكدتا في ميثاقيهما على العديد من المبادئ منها ان اي شخص يرتكب فعلاً بشكل جريمة وفقاً للقانون الدولي يكون مسؤولاً عنها ، ومعرضاً للعقاب عليها ولايقضي الشخص الذي ارتكب جريمة وفق القانون كونه تصرف بوصفه رئيساً للدولة او مسؤولاً حكومياً من المسؤولية او من ارتكب الفعل بناءً على أمرٍ من حكومته او رئيسه الاعلى[49].
وفي حين يستلزم تطبيق المبدأ العام المتعلق بفرض المسؤولية الجنائية الفردية عن انتهاك قواعد القانون الدولي الانساني مشاركة مباشرة, يعترف القانون الدولي الجنائي بأهمية الزعماء والقادة في كفالة عدم ارتكاب الافراد العاملين تحت امرتهم لاي سلوك يترتب عليه انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان او القانون الدولي الانساني وفي هذا الصدد تنص المادة (86ــــ 2) من البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 على انه لايعفي قيام اي مرؤوس بانتهاك الالتزامات بموجب الاتفاقيات الرؤساء من مسؤولية الاشراف والرقابة[50].
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية الفردية في اطار المحكمة الجنائية الدولية
لابد من الاشارة ان نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية تضمن احدث تدوين للمسؤولية الجنائية الفردية على الجرائم الدولية . حيث تضمنت المادة (25/3) على انه وفقاً لهذا النظام يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضةً للعقاب عن اية جريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة. ويعطي هذا النص دلالة واضحة على ثبوت المسؤولية الجنائية الفردية
وفي ضوء ما تقدم يمكن ان نحدد اهم المبادئ في مجال المسؤولية الجنائية الفردية كما اوردتها المادة (33ـ 1) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث احسن واضعو النظام الاساسي في حظر الاعفاء من المسؤولية الجنائية مع تحديد الحالات التي يعفى فيها الجاني على سبيل الحصر حيث نصت :-
الافراد مسؤولين جنائياً عن الجرائم الدولية [51] التي يرتكبونها .
من واجب كل شخص ان يرفض الامتثال لاي امر مخالف للقانون بشكل واضح كالأمر بارتكاب جرائم الابادة الجماعية او الجرائم ضد الانسانية أو اي اوامر مخالفة للقانون بشكل صريح .
القادة واصحاب الرتب العليا مسؤولين جنائياً عن الجرائم الدولية المرتكبة بناءً على اوامرهم ، وخارج نطاق اوامرهم .
الافراد مسؤولين جنائياً عن اية جريمة دولية ، ومعرضون للعقاب عليها ، اذا تحققت الاركان المادية للجريمة مع توافر القصد والعلم [52].
وبذلك فان تقرير مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية يعد من الامور الاساسية لمنع الجرائم الدولية وقمعها[53].
وهو ما اكدته المادة (25) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تؤكد على ان الاختصاص الشخصي للمحكمة يقتصر على محاكمة الاشخاص الطبيعيين الذين يكونون مسؤولين بصفتهم الفردية عن ارتكاب اية جريمة من الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة ويكونوا عرضة للعقوبة وفقاً لهذا النظام الاساسي . كما اكد مجلس الامن في قراره المرقم(1214) في عام 1998 على تذكر جميع الاطراف في سياق النزاع المسلح الداخلي في افغانستان بأن (( الاشخاص الذين يرتكبون انتهاكات لاتفاقيات جنيف أو يأمرون بارتكابها مسؤولين عن هذه الانتهاكات مسؤولية شخصية))[54].
مع العرض ان المساءلة الجنائية الفردية امام المحكمة الجنائية لا تقتصر على الفاعل المباشر فقط بل تشمل الشريك في ارتكاب الجريمة بأية صورة من الصور المنصوص عليها في النظام الاساسي وكذلك يسأل الشخص في حالة الشروع في ارتكاب هذه الجرائم[55].
ويلاحظ ان النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد نص في المادة (110/ الفقرة الاولى ) على انه لا يجوز لدولة التنفيذ ان تفرج عن الشخص قبل انقضاء المدة المحكوم بها اي مدة عقوبة التي قضت بها المحكمة وخولت ( الفقرة الثانية ) المحكمة صلاحية البت في تخفيف العقوبة بعد الاستماع الى الشخص مما يعني ان القضاء الدولي الجنائي قد استبعد صراحةً العفو عن المدانين بارتكاب جرائم دولية[56].
ومن اهم الاثار القانونية لتدابير العفو التي نص عليها نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
في حالة ارتكاب اي شخص لجريمة من الجرائم المشار اليها والتي تدخل في اختصاص المحكمة لا يعفي الشخص من المسؤولية الجنائية اذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالاً لأمر حكومة او رئيس عسكري او مدني عدا الحالات الاتية :-
اذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة اوامر الحكومة او الرئيس المعني
اذا لم يكن الشخص على علم بان الامر غير مشروع .
اذا لم تكن عدم مشروعية الامر ظاهرة[57].
وتثير هذه المسألة امراً اخر يتمثل في الاعتداد بحجة الاوامر العليا باعتبارها من موانع المسؤولية الا ان ذلك غير متفق عليه في القانون الدولي . فلا يعتد بها الا في حالة كون المأمور قد نفذ الاوامر الصادرة اليه مكرها إذ ان قبول هذه الحجة امر يجب الفصل فيه على ضوء المبادئ العامة للقانون الجنائي مثل مبدأ توافر القصد الجنائي لدى منفذ الفعل[58].
وقد ذهبت مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان ان العفو عن انتهاكات جسيمة او انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الانساني لا يمنع المقاضاة امام محاكم اجنبية او دولية
كما اعربت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في فقرة يكثر الاستشهاد بها عن رأيها ان العفو الوطني الصادر بشأن جرائم يشكل خطرها قاعدة من القواعد الامرة كجريمة التعذيب هو عفو غير معترف به قانوناً على الصعيد الدولي[59]. وبالتالي فان ذلك يؤكد ان المسؤولية الجنائية الفردية تبقى قائمة في حال ارتكاب الشخص للجريمة الدولية وبالتالي لا يمكن ان تتأثر هذه المسؤولية بصدور قرار العفو من السلطات الوطنية .
وقد حظر نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الاعفاء من المسؤولية الجنائية بشكل واضح وصريح مع حصر وتحديد الحالات التي يمكن اعفاء مرتكب الفعل ( الجاني) من المسؤولية حيث اوردت بانه وفي هذا الموضوع يمكن ان يتبين الاثر الرئيسي لتدابير العفو على المسؤولية الجنائية الفردية في كونه يعدم المسؤولية بشكل كامل بحيث لا يعود هناك وجود للجريمة او العقوبة حيث يزيل العفو الحكم نهائياً ولا يعود له اي وجود قانوني وينسحب العفو الى العقوبة الاصلية والفرعية للفعل كما ان سريان العفو باثر رجعي يجعل المسؤولية الجنائية الفردية في حكم المعدومة كونه يزيلها بمجرد العفو عن الفعل المسبب لها مع الاشارة ان تدابير العفو وان كانت تسقط الطابع الجزائي للجريمة ولكنها لا تؤثر على الحقوق الشخصية للضحايا من حيث حقهم في الانتصاف والتعويض .
ونرى ان التوسع في تدابير العفو العام يمكن ان يؤثر بشكل سلبي في حقوق الانتصاف للضحايا لاسيما وان تدابير العفو تشمل مرتكبي الجرائم المحددة دون تسميتهم فيستفيد منها الفاعل الرئيس والشركاء والمحرضون والمتدخلون وغيرهم .
كما نرى بان تدابير العفو يتم اللجوء اليها غالباً بعد انتهاء الصراعات المسلحة الداخلية ويكون الغرض منها اعادة السلم وتشجيع الاطراف المتنازعة على الجنوح للسلام وبناء الثقة في المجتمعات التي تعاني الصراع وتسهيل عقد اتفاقيات السلام وبناء عهد جديد في مناطق النزاع الا ان ذلك لا يمنع ان يرافق ذلك اسقرار قوانين موازية يكون هدفها انصاف الضحايا والمتضررين جبراً للضرر الذي لحق بهم .
الخاتمة
من خلال ما تقدم يتبين لنا ان تدابير العفو ورغم اهميتها خصوصاً في الاوقات التي تعقب النزاعات الداخلية كأساس للمصالحة الوطنية واسهامها في تشجيع المقاتلين على القاء اسلحتهم وبناء الثقة بين الاطراف المتنازعة وتسهيل عقد اتفاقيات السلام واطلاق سراح السجناء السياسيين وتشجيع المنفيين على العودة الى بلدانهم وتقديم حافز للمخالفين للمشاركة في برامج معرفة الحقيقة والمصالحة الا انها اسهمت في افلات العديد من مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الانساني ومرتكبي الجرائم الدولية حيث اسهمت تدابير العفو التي اقرتها الدول في حظر الملاحقة الجنائية وابطال المسؤولية القانونية التي سبق اثباتها بأثر رجعي. وقد اتخذت العديد من الدول نص المادة (6/الفقرة 5) من البروتوكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 هذا النص لدعم احكامها وتبرير صحتها بموجب احكام القانون الدولي مستفيدة من سكوت المادة عن تحديبد الاعمال التي يمكن ان يشملها العفو ورغم ان بعض المنظمات الدولية كاللجنة الدولية للصليب الاحمر فسرت هذه المادة على نحو ضيق واعتبرتها تنص من حيث الجوهر على حصانة المقاتلين وهو ما يكفل عدم معاقبة القاتل على مجرد اشتراكه في الاعمال العدائية بما في ذلك قتل مقاتلي العدو. كما ان الامم المتحدة ذهبت الى عدم الاقرار بمشروعية العفو عن مرتكبي الجرائم الدولية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني كما ان العديد من الفقهاء يرى ان احكام العفو لا تتطابق مع احكام القانون الدولي خاصة فيما يتعلق بقمع الجرائم الدولية واكد القانون الدولي على عدم شمول الاشخاص الذين يتحملون المسؤولية الاكبر عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة مثل قادة التنظيمات ورؤساء الدول.
الاستنتاجات
ان تدابير العفو يتم اللجوء اليها غالباً بعد انتهاء النزاعات المسلحة لاسيما غير الدولية للأسباب التي يقدمها الاطراف الذين يضعون قوانين العفو.
ورغم المبررات التي تقدم الا ان التوسع في تدابير العفو يمكن ان يمنع مقاضاة اشخاص ربما كانو مسؤولين جنائيا عن ارتكاب جرائم دولية حيث ان بعض تدابير العفو تشمل مرتكبي الجرائم المحددة دون تسميتهم فيستفيد منها الفاعل الرئيس والشريك وبذلك تؤدي الى افلات اعداد من مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب
كما يمكن ان يؤثر بشكل سلبي في حقوق الانتصاف للضحايا وتتعارض مع حقوق الضحايا في الحصول على سبل الانتصاف كما ان هذه التدابير تقيد حق المجتمع والضحايا في معرفة الحقيقة بشان العديد من الجرائم الدولية.
المقترحات:
تضمين قوانين العفو فقرات تشير الى عدم شمول مرتكبي الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني وحقوق الانسان.
اقرار قوانين موازية لقوانين العفو يكون هدفها انصاف الضحايا والمتضررين جبراً للضرر الذي لحق بهم.
تضمين قوانين العفو ما يضمن حق المجتمع بشان معرفة الحقيقة حول المقابر الجماعية ومصير المفقودين الذين ساهم المستفيدون من قوانين العفو في تغييبهم
[1] ماريه كراوي – ردع الجرائم الدولية بين القضاء الدولي والقضاء الوطني – أطروحة دكتوراه في القانون – جامعة محمد خضير بسكره – الجزائر – 2015 – ص135
[2] موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر – قاعدة بيانات القانون الدولي الإنساني
http:// ihl_data bases – lcrc_org
[3] موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وينظر جون – ماري هنكرتس ولويز دوز والد –بيك القانون الدولي الانساني – المجلد الاول –جنيف – سويسرا – اللجنة الدولية للصليب الاحمر -2007 ص533
[4] مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – أدوات سيادة القانون لدول ما بعد الصراع – تدابير العفو – وثائق الأمم المتحدة، رمز الوثيقة HR/PvB/09/1 نيويورك وجنيف – 2009 ص5
[5] سليمان عبد الله سليمان – المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي، ط1، الجزائر، 1992، ص95.
[6] Gaston – Lavasseur – Bouloc droit penal genral, 16 emeed – Dolloz – Delat – paris, 1977 – D556
[7] nto bandi faustinz, Amnesty for crime against under lnternational Law – Leidn – Nether Land Mantinus Nijihoff publishrs,2007,p9
[8] Koudou, GB – amnistie et impunite des crimes internationaux. R.D-F-no.4.p129 w.w.w.droits fond a mentauk. Org/spis-php article92
[9] مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – ادوات سيادة القانون لدول ما بعد الصراع – تدابير العفو – نيويوك وجنيف – 2009 – ص5
[10] محمد عبد المنعم عبد الغني – أحكام القانون الدولي المتعلقة بالجرائم الدولية – دار المطبوعات الجامعية – الإسكندرية – 2008 ص348
[11] قواعد بلفاست الإرشادية عن العفو والمساءلة – جامعة أولستر ص8
[12] مفوضية الأمم المتحدة – أدوات سيادة القانون – مصدر سابق ص8
[13] حسن الجوخدار – شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية – مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – الأردن – ط1 1992 – ص128
[14] تتضمن هذه الجرائم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية او اللاانسانية او المهينة, وعمليات الاعدام خارج القضاء او باجراءات موجزة او تعسفاً او الاسترقاق او الاخفاء القسري بما في ذلك الحالات التي تتعلق فيها هذه الانتهاكات بجنس معين . ينظر د. محمد قمره ـ تدابير العفو وعلاقتها بالعدالة والسلام ـ مجلة الدراسات الامنية والقانونية والعلمية ـ لبنان ـالعدد 88 ـ 2021 ص141.
[15] درازان دوكيش – العدالة في المرحلة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية في مصلحة العدالة – مختارات من المجلة الدولية للصليب الاحمر – مختارات من اعداد 2003 – ص150
[16] ( المادة 6 الفقرة الخامسة ) من البروتوكول تنص ( تسعى السلطات الحاكمة لدى انتهاء الاعمال العدوانية – لمنح العفو الشامل على اوسع نطاق ممكن للأشخاص الذين شاركوا في النزاع المسلح او الذين قيدت حريتهم لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح سواء كانوا معتقلين او محتجزين ) .
[17] ياسمين نكفي ــ العفو عن جرائم الحرب ــ تعيين حدود الاقرار الدولي ـــ مختارات من المجلة الدولية للصليب الاحمرـــ 2003 ــــ ص 10
[18] درازان دوكيش – العدالة في المرحلة الانتقالية والمحكمة الجنائية ـــ مصدر سابق ــ ص 166
[19] حسام العناني – خطوة نحو سياسة الافلات من العقاب – استبعاد العفو عن القادة والرؤساء – مجلة الباحث للدراسات الاكاديمية – العدد التاسع -16-2-ص514.
[20] المادة (31) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.
[21] ياسمين نكفي – العفو جرائم الحرب – مصدر سابق ص284.
[22] درازان دوكيش – مصدر سابق –ص166
[23] جون – ماري هنكرتس ولويز دوز والد –بيك القانون الدولي الانسان – المجلد الاول –جنيف – سويسرا – اللجنة الدولية للصليب الاحمر -2007 ص533. (( القاعدة (159) من دراسة اللجنة الدولية للصليب الاحمر حول القانون الدولي الانساني ))
[24] المصدر السابق ص534
[25] د. محمد قمره ــ تدابير العفو وعلاقتها بالعدالة والسلام ـ مصدر سابق ــ ص 147
[26] د. بن عبدالله مونية – فعالية مبدأ التسليم أو المحاكمة لمحاربة الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة في القانون الدولي الإنساني- مجلة الدراسات والبحوث القانونية مجلد 3- العدد 4- الجزائر – 2018 – ص147.
[27] مفوضية الأمم المتحدة – أدوات سيادة القانون لدول ما بعد الصراع . تدابير العفو – مصدر سابق – ص11.
[28] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (147/60).
[29] مفوضية الأمم المتحدة – أدوات سيادة القانون – مصدر سابق – ص27-28.
[30] هشام الشرقاوي – التطور التاريخي والقانوني لمبدأ عدم الإفلات من العقاب – مطابع الرباط – المغرب – الطبعة الأولى – 2012 – ص147.
[31] مازن ناصر – الحماية الجنائية للأشخاص من الاختفاء القسري – دارسة مقارنة – المركز العربي للنشر والتوزيع – القاهرة – 2017 – ص288.
[32] ياسمين نكفي – العفو عن جرائم الحرب – م2در سايق – ص15.
[33] حسام العناني – خطوة نحو سياسة الإفلات من العقاب – مصدر سابق- ص514.
[34] فتوح عبد الله الشاذلي – القانون الدولي الجنائي – أوليات القانون الدولي الجنائي – دار المطبوعات الجامعية – الإسكندرية – 2001 – ص351-352.
[35] أنا قانيم بلاي – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أدوات سيادة القانون لدول ما بعد الصراع – تدابير العفو – نيويورك وجنيف- منشورات الأمم المتحدة -2009 – ص11.
[36] كريم خلفان – ضرورة مراجعة نظام الحصانة القضائية لرؤساء الدول في القانون الدولي المعاصر – المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية – العدد الرابع – الجزائر – 2008 – ص200.
[37] تقرير الخبيرة المستقلة ربان أورنيتشر – استيفاء مجموعة المبادئ لمكافحة الإفلات من العقاب – لجنة حقوق الإنسان – الدورة 66 في 8/2/2005 – ص2.
[38] درازان دوكيشي – العدالة في المرحلة الانتقالية والمحكمة الجنائية في مصلحة العدالة – مصدر سابق – ص17.
[39] ياسمين نكفي – العفو عن جرائم الحرب – مصدر سابق – 17.
[40] LOUISE MALLINDER, REPORT- PROMOTING JUSTICE AND THE RULE OF LAW GLOBAL COMPARISON OF EMNESTY LAWS – THE INTERNATIONAL INSTITUTE OF HIGHER STUDIES IN CRIMINAL SCIENCES – P15.
[41] درازان دوكيش – مرجع سابق – ص152.
[42] M. SCHARF – THE AMNESTY EXCEPTION OF THE JURISDICTION OF THE INTERNATIONAL CRIMINAL COURT – CORNELL IN INTERNATIONAL LAW JOURNAL. VOL . 132 . P507.
[43] حسام العناني – مصدر سابق – ص514.
[44] بن عامر تونسي – اساس مسؤولية الدولة اثناء السلم -اطروحة دكتوراه -كلية الحقوق – جامعة القاهرة -1989-ص52
[45] د. خلف رمضان محمد الجبوري – اعمال الدولة في ظل الاحتلال الحربي – اطروحة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة الموصل – 2007-ص60
[46] د. احمد البو الوفا – النظرية العامة للقانون الدولي الانساني في القانون الدولي والشريعة الاسلامية -دار النهضة العربية -ط2- القاهرة
[47] ينظر (م5) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة عام 1993 ، وينظر (م3) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا 1994
و وينظر (م7) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998
[48] د. طاهر عبد السلام – الجرائم المرتكبة ضد الانسانية ومدى المسؤولية القانونية والدولية عنها -اطروحة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة عين شمس -2005-ص59-64
[49] د. احمد ابو الوفا – النظرية العامة للقانون الدولي الانساني – مصدر سابق – ص1406
[50] الامم المتحدة – مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان -الحماية القانونية الدولية لحقوق الانسان في النزاع المسلح – نيويورك – جنيف -2012ص82
[51] يمكن التعرف على ملامح الجريمة الدولية من خلال اراء الفقهاء انها ( الجرائم التي تنطوي على عدوان صارخ على انسان معين او جماعات انسانية لاعتبارات انسانية لأسباب عرقية او دينية او سياسية ويرقى هذا الهدوان الى درجة الجسامة )
[52] الامم المتحدة – مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان -الحماية القانونية الدولية لحقوق الانسان في النزاع المسلح – نيويورك – جنيف -2012ص80
[53] د. عمر محمد المخزومي – القانون الدولي الانساني في ضوء المحكمة الجنائية الدولية دار الثقافة للنشر والتوزيع – ط1-مصر -2008- ص 80
[54] الامم المتحدة ــ مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان ـ الحماية القانونية الدولية لحقوق الانسان في النزاع المسلحـ نيويورك وجنيف ـ 2012 ـ ص 82
[55] المادة ( 33/ الفقرة 1) من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
[56] محمد هشام فرعه – دور القضاء الدولي الجنائي في مكافحة الجريمة الدولية اطروحة دكتوراه -جامعة محمد خيصر بسكره – الجزائر – 2013-ص26
[57] فيصل عبد العزيز فيصل .ضمانات عدم الافلات من العقاب في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتشريعات الوطنية , جريمة الاختفاء القسري ـ رسالة ماجستير مقدمه الى جامعة الشرق الاوسط – عمان الاردن ـ 2019 ص88 .
[58] عباس هاشم السعدي – مسؤولية الفرد عن الجريمة الدولية – دار المطبوعات الجامعية – الاسكندرية -2-22 -ص291
[59] قضية المدعي العام ضد انتو فوروندزيا – الفقرة 155-المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة .