تاريخ الاستلام: 1 شباط 2022         تاريخ القبول: 13 حزيران 2022

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

Doi 10.61279/1s332y18

الاذعان في اجراءات التقاضي

Compliance with Litigation Procedures

م.د. ياسر سبهان حمد        

رئاســة جامعة الحمدانية -  قســم الشؤون القانونية 

Hamdaniya university

د. محمد رياض فيصل

الجامعة التقنية الشمالية-  المعهد التقني نينوى

northen technical univensiy

المستخلص:

رسم المشرع العراقي في «قانون المرافعـات المدنيـة» الشكل الذي يتخذ «الإجــراء القـضائي» فيه والذي يتعين على الاطراف التقيد به بدايةً من رفع الدعوى وانتهاءً بصدور الحكم، وذلك من اجل إشاعة الثقة والاطمئنان في القضاء وتحقيق العدل، الا ان هذه الشكلية هي وسيلة تهدف الى تحقيق غاية، وليست هي غاية بحد ذاتها، وللتخفيف من هذه الشكلية فقد اجاز «المشـــرع العراقـــي» في «قانـــون المرافعـــات المدنيـــة» ان يتفق الاطراف على بعض المسائل الاجرائية سواء كانت قبل رفع الدعوى ام اثنائها، وبما ان فكرة الاذعان في «قانون المرافعـات المدنية» تدور وجوداً وعدماً مع سلطان الارادة، اذ توجد فكرة الاذعان في كل مكان يوجد فيه اتفاق بين الاطراف، الامر الذي يخل في سير العدالة، الامر الذي يستوجب تدخل المشرع لحل هذه الاشكالية.

Abstract

In the Civil Procedure Law, the Iraqi legislator has determined the way in which the judicial procedure is established and to which the parties must adhere. The procedure starts from filing a lawsuit to the issuance of the ruling, in order to spread confidence and assurance in the judiciary and achieve justiceHowever, this way is a means to achieve a goaland it is not an end per se. To make this procedure smoother, the Iraqi legislator has authorized in the civil pleadings law for the parties to agree on some procedural issues, whether before or during the filing of the lawsuit.  And since the idea of ​​deference in the civil pleadings law might or might not exist with the authority of the parties will, it exists where there is agreement between the parties, which would prejudice the course of justicerequiring the intervention of the legislature to resolve this dilemma.

المقدمة

أولاً: جوهر فكرة البحث:

إن البحث يدور حول فكرة محورية مفادها، عدم المساواة الفعلية بين «أطراف الخصومة»، فنجد ان احد الاطراف يتمتع بسلطة ونفوذ بخلاف الطرف الاخر، و تتأتى اللامساواة هذه من اذعان الخصم الضعيف للشروط التي يضعها الخصم القوي في الاتفاق، مما أدى إلى اختلال «المراكز القانونية» بينهما، و أعطت عدم المساواة هذه فرصة للمتعاقد المتفوق من تحقيق مصلحة مفرطة له بالتأثير على رضا الطرف الأخر سواء في مرحلة ما قبل المرافعة ام في مرحلة ما بعد المرافعة، حيث بات هذا الأخير يبدي قبوله للشروط التي يضعها الخصم القوي دون أن يكون له دور في تقييمها، مما تسيء هذه الشروط إلى مركزه في الخصومة.

ثانياً: أهمية موضوع البحث:

تظهر أهمية دراسة موضوع الاذعان في «قـــانون المرافعــــات المدنيــــة» من مبدأ المحافظة على «الجهاز القضائي» من بعض التصرفات التي قد تؤثر في سير العدالة، وذلك لتعلق هذا الواجب بالمصلحة العامة، التي تسعى الدولة الى تحقيقها من خلال توفير قضاء عادل يضمن المساواة لجميع المتقاضين امامه، وهذا لا يتم الا من خلال تشخيص حالات الاذعان ومحاولة العمل على عدم تكرارها في قضايا اخرى.

ومن هذا المبدأ، وما يؤدي من اعتبارات متعلقة بالتفوق بالقدرة التعاقدية للمتخصص او الخبرة الغزيرة في نطاق نشاطه او النفوذ، مقابل شخص لا يمتلك ذلك العلم أو تلك الخبرة او النفوذ، ظهرت فكرة الاذعان في «قانون المرافعـات المدنيـة»، والتي أثرت على توازن الاداءات في الخصومة المدنية التي تعد عن طريق نماذج بصفة خاصة التي قد تتضمن شروط تعسفية بحق الطرف الموجهة اليه.

ومن اجل حماية حقوق و مصالح الطرف الضعيف معرفيا عند تعاقده مع المتفوق، أضحت مسألة التفاوت في العلم و الخبرة والنفوذ، موضع اهتمام التشريع و القضاء.

إلا انه بالرغم من هذه الأهمية للاذعان في «قانون المرافعات المدنية»، فانه لم ينل حقه من البحث و التقصي، فلا يوجد بحث أو رسالة متخصصة تتناول فكرته الأساسية، إلا بعض الدراسات المتفرقة التي تطرقت إليه. وبسبب ذلك ارتأينا بحـــث هذا الموضـــوع و تبيان فكرته بصورة كاملة - قدر الإمكان.

ثالثاً: منهجية البحث:

سوف نتبع من اجل استيعاب الموضوع قدر الإمكان، المنهج المقارن، المتمثل بالموقف القانوني في العراق و مصر وذلك في نصوص قانون المرافعات المدنية، وكذلك الأحكام القضائية المتعلقة به، فضلاً عن آراء الفقه القانوني فيه.

رابعاً: مشكلة البحث:

تتمثل مشكلة البحث في الاجابة على التساؤلات التالية:

هل يعد الخصوم في حالة اذعان بالنسبة للشكلية المقررة في «قانـــون المرافعـــات» والواجب عليهم الالتزام بها وعدم مخالفتها ؟

مدى امكانية تصور وجود الاذعان ما بين الخصوم في نطاق «قانـــون المرافعـــات المدنيـــة» ؟

ما هو دور القانون في إعادة التوازن بين طرفي الخصومة بعد اختلاله بفعل الفجوة المعرفية المتمثلة بالخبرة بالإضافة الى النفوذ ؟

المبحث الاول

فكرة الاذعان في القانون الموضوعي

سنقوم بتقسيم هذا المبحث الى مطلبين نتناول في المطلب بيان مفهوم الإذعان في «القانون الموضوعي» ومن ثم نبين مفهوم الاذعان في «قانـــون المرافعـــات» في «المطلب الثاني»، وكما يأتي:

المطلب الاول: مفهوم الاذعان في القانون الموضوعي

سنتناول في هذا المطلب ببيان مفهوم الاذعان في اللغة ومن ثم نقوم ببيان المقصود بالإذعان في الاصطلاح، وكما يأتي:

أولاً: الاذعان في اللغة:

(ذعن) أذعن له، أي خضع وذل[1]، يقال: أذعن إذعانا، وذعن يذعن أيضا، أي: انقاد وسلس. ومذعنين أي: طائعين[2]، وكلمة (ذعن) مكونة من الذال والعين والنون أصل واحد يدل على الإصحاب والانقياد. يقال أذعن الرجل، إذا انقاد، يذعن إذعانا، وبناؤه ذعن، إلا أن استعماله أذعن[3]. وقال ابن الأعرابي: مذعنين مقرين خاضعين؛ وقال الفراء: مذعنين مطيعين غير مستكرهين. والإذعان: الانقياد. وأذعن الرجل: انقاد وسلس، وبناؤه ذعن يذعن ذعنا. وأذعن له أي خضع وذل[4].   

ثانيا: الاذعان في الاصطلاح:

بداية لابد من الاشارة الى ان الفقه انقسم في تحديد المقصود بالإذعان الى اتجاهين الاول: يمثل المفهوم التقليدي للاذعان، اما الثاني فأنه يمثل المفهوم الحديث للاذعان وسنبينهم كالاتي :

المفهوم التقليدي للاذعان: عرف اصحاب هذا الاتجاه من الفقه عقد الاذعان بأنه «العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقدرة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشه فيها وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري أو حاجيه تكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون المنافسة فيه محدودة النطاق»[5]. أضافه إلى أن الإيجاب الصادر من الطرف القوي لابد أن يكون موجها إلى الجمهور كافة أو إلى فئة لا حصر لها وان يكون موحدا فتكون الشروط متماثلة لا تختلف من شخص لأخر ومتضمنا للشروط والبيانات الجوهرية ومستمرا مدة طويلة ويغلب أن يكون في صيغة مطبوعة تحتوي على شروط مفصلة لا تجوز فيها المناقشة وأكثرها لمصلحة الموجب ، فهي تخفف تارة من «المسؤولية التعاقدية» وأخرى تشدد في مسؤولية الطرف القابل وهي على درجة من التعقيد تجعل فهمها صعبا ففي كل هذه العقود يعرض الموجب أيجابه في صيغة نهائية لا تقبل المناقشة فيه ولا يسع الطرف الأخر ألا أن يقبل إذ لا غنى له عن التعاقد ولكن هذا ألاذعان للتعاقد ليس أكراها يعيب الرضاء بل هو نوع من الإكراه الذي تتفاوت فيه المراكز بين المتعاقدين الذي لا أثر له في صحة التراضي بل مجرد غياب قدره المتعاقد على مناقشة بنود العقد وكون” القوة التفاوضية» بين طرفي العلاقة التعاقدية متفاوتة لان معدها هو دائما الطرف الأقوى ويرجح فيها مصالحة وهو غير مستعد لإحداث أي تغيير فيها وفي كثير من الأحيان لا تقبل حتى مناقشة محتوياتها بصورة تفصيلية ويعتبر القبول في عقد ألاذعان تسليما للشروط التي وضعها الموجب والتي لا تقبل المساومة أو المناقشة في شيء من شروط عقد ألاذعان وان للقابل في العقد أمام خيارات أما القبول أو الرفض فقط؛ لذلك فأن إسباغ صفة الإذعان على العقد قيّد بخصائص ثلاثة وهي[6]:

تعلق السلع و الخدمات بمرفق ضروري بالنسبة للمستهلكين، كما في «عقد التأمين» و الكهرباء، وسكك الحديد.

احتكار المنظم لسلعة أو خدمة احتكاراً فعلياً او قانونياً .

صدور الإيجاب إلى الناس كافة، والذي على الغالب يكون مطبوع ومحتوي على معلومات تحدد مضمون العقد.

ووفقا لهذا المعنى، فإن نطاق فكرة عقد الإذعان في المفهوم التقليدي ضيقة، لأنها قصرت إسباغ صفة الإذعان على كل عقد تتوفر فيه الخصائص أعلاه.

المفهوم الحديث للاذعان: عرف اصحاب الاتجاه الحديث للفقه عقد الإذعان على انه «كل عقد لا تتم فيه مناقشة أو مساومة لبنود العقد وما على القابل إلا التسليم أو الرفض»[7].

وبطبيعة الحال أن هذا الرأي ينسجم مع التطورات الصناعية و كثافة الإنتاج وظهور رؤوس الأموال الكبيرة، وتعدد المشروعات، حيث اصبح بإمكان المستهلك في ظل هذه التطورات الاختيار ما بين سلع أو خدمات معينة، ومن أي محل أو مشروع تجاري، حتى وصل الأمر إلى قيام المهنيين بسبب المنافسة الشديدة و السعي إلى تحقيق الربح إلى تقديم تنازلات وتسهيلات من اجل استثارة رضا المستهلك للتعامل معهم، كل ذلك أدى إلى اضمحلال فكرة الاحتكار القانوني أو الفعلي للسلع أو الخدمات، وبسبب توسع هذا الاتجاه، يمكن إسباغ صفة الإذعان على طائفة كبيرة من عقود الاستهلاك التي تحوي شروط مسيئة، كالشروط التي يغير فيها مكان أو زمان إدراجها أو تلك التي تصاغ بطريقة غامضة وغيرها من الشروط التي لا يمكن التفاوض عليها، وكل عقد إذعان ناتج عن اختلال التكافؤ المعرفي[8].

والحكمة من تبرير هذا التوسع إلى أن التنظيم القانوني لعقود الإذعان جاء من اجل حماية الطرف الضعيف معرفياً أو اقتصادياً، ونابعة عن الرغبة في إعادة التوازن العقدي من خلال العمل على وجود علاقة ذات اداءات متوازنة، فضلاً عن أن فكرة الاحتكار حالياً لا تصلح كمعيار للعلاقة بين طرف قوي وطرف ضعيف[9].

مما تقدم يتضح ان الإجبار الواقعي أو المادي بالتعاقد نلمسه بوضوح في العلاقة التعاقدية التي تكون بين طرفين أحدهما قوياً والأخر ضعيفاً، فيفرض أحدهما شروط العقد على الآخر من دون أي مسوغ مقبول، نتيجة للإفراط في ترك الحرية التعاقدية على إطلاقها، مما يؤدي إلى أن ينفرد الطرف القوي بالطرف الضعيف ويملي عليه شروط العقد، وذلك ما ينطبق على عقود الإذعان التي تعد من أهم ميادين الإجبار على التعاقد بصوره وأنماطه كافة[10].

ولقد فرق الفقه بين ثلاثة أنواع من الضعف التعاقدي، وذلك بحسب الأسباب أو المصادر أو العوامل التي تؤدي إلى اختلال التوازن العقدي، وذلك على النحو الآتي :

النوع الأول: الضعف التعاقدي الذاتي: هو الذي يكون منشأه أسباب ترجع إلى شخص المتعاقد ذاته، كانعدام أو نقصان الأهلية بالنسبة لعديم التمييز أو الصبي المميز، أو أن يلحقه عارض من عوارض الأهلية كالجنون والسفه والغفلة ليس هذا فحسب فقد ينشأ الضعف التعاقدي الذاتي إذا لحق إرادة المتعاقد عيب من عيوب الإرادة، كالغلط والإكراه والتغرير مع الغبن الفاحش والاستغلال، ففي هذه الحالات يتمثل ضعف المتعاقد في عدم توافر القدر الكافي من التمييز الذي يجعله قادراً على التعبير عن إرادته تعبيراً منتجاً لآثاره القانونية، وهو ما يفسر الحماية القانونية التي تتقرر لهذا المتعاقد التي تتمثل في بطلان التصرف أو جعله موقوفاً بحسب الأحوال[11].

النوع الثاني: الضعف التعاقدي المعرفي: فإذا كان الأصل إن على المتعاقد أن يبذل جهداً للتحري عن البيانات والمعلومات المتعلقة بالعقد، التي من شأنها أن تؤثر على رضائه بإبرام العقد، وهو ما يعرف بواجب الاستعلام، فهناك اعتبارات تجعل هذا الاستعلام مستحيلاً بحيث يصبح جهل المتعاقد بهذه البيانات والمعلومات جهلاً مبرراً ومشروعاً، بما ينشئ التزاماً على عاتق المتعاقد الآخر بإعلامه بها وإلا كان مسئولا[12]. وذلك لأن هذه البيانات تدور حول مدى ملائمة العملية التعاقدية المقترحة من كل النواحي، خاصة إذا كانت العملية المقترحة تحتاج إلى تخصص فني دقيق غير متوافر في الطرف الراغب بالتعاقد[13].

فالضعف التعاقدي المعرفي يرجع إذن إلى عدم العلم بالبيانات العقدية، وعدم العلم قد يكون موضوعي يتعلق بالشيء محل العقد المراد إبرامه، وقد يكون شخصي يرجع إلى المتعاقد ذاته من حيث كونه شخصاً بسيطاً قليل الخبرة والمعرفة بموضوع التعاقد.

النوع الثالث: الضعف التعاقدي النسبي: إذ ان التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين طرفي العقد غالباً ما يجعل من الحرية العقدية مجرد حرية صورية أو شكلية فقط، فالطرف القوي هو الذي يفرض شروطه على الطرف الآخر، على نحو يصبح معه العقد قانوناً للطرف الأكثر قوةً بدلاً من أن يكون قانوناً للطرفين[14].

وخلاصة القول أن الطرف الضعيف هو الطرف الذي تنقصه القدرة العقلية أو الفنية أو المادية على إبرام العقد، ولهذا تدخل المشرع في العلاقة التعاقدية من أجل حمايته.

وهنا يثار تساؤل عن موقف القوانين المقارنة من مفهوم الاذعان في القانون الموضوعي ؟

لم تتطرق التشريعات المقارنة الى مفهوم الاذعان بشكل صريح ومباشر ضمن نصوص موادها، الا انها ايضاً لم تخلو من الاشارة اليه وان كان ذلك بشكل ضمني، فقد نص المشرع المصري في المادة (100) من القانون المدني رقم (131) لسنة 1948 المعدل على «القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها».

يفهم من النص اعلاه ان المشرع المصري قد أخذ بالمفهوم الحديث للإذعان، إذ لم يشترط احتكار الموجب للسلعة او حاجة المستهلك الماسة لها.

أما المشرع العراقي فأنه قد اشار الى الاذعان في المادة (167) من القانون المدني رقم (40) لسنة ١٩٥١ المعدل، إذ نص على ما يأتي»1- القبول في عقود الاذعان ينحصر في مجرد التسليم بمشروع عقد ذي نظام مقرر يضعه الموجب ولا يقبل فيه مناقشة. 2- اذا تم العقد بطريق الاذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للمحكمة ان تعدل هذه الشروط او تعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقاً لما تقتضي به العدالة ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك. 3- ولا يجوز ان يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الاذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ولو كان دائناً».

فقد أعتبر القانـــون المدنـــي العراقـــي عقد الإذعان عقداً بالمعنى الصحيح، شأنه في ذلك شأن سائر تشريعات الدول الاخرى، إلا أنه لم يغفل أن هذا العقد يتميز بطبيعة خاصة، إذ يقوم على التفاوت الكبير بين مركز طرفي العقد، فأحدهما يتصف بضعف ظاهر في مواجهة الآخر الذي يتمتع بمركز سيادي يمكنه من فرض شروطه على الأول الذي لا يملك نظراً لظروفه إلا أن يذعن ويرضخ لما يضعه الطرف القوي من شروط، وهذا ما دفع المشرع إلى أن يخص عقود الإذعان بأحكام معينة تستهدف حماية الطرف المذعن.

ويتضح مما تقدم ان المشرع العراقي اخذ ايضاً بالمفهوم الحديث لفكرة الاذعان، والعلة في ذلك تكمن في مراعاته لظروف الطرف الضعيف المعرفية أو الاقتصادية، ونابعة عن الرغبة في إعادة التوازن العقدي من خلال العمل على وجود علاقة ذات اداءات متوازنة.

المطلب الثاني: مفهوم الاذعان في قانون المرافعات

من المسلم به أن قانـــون المرافعـــات لا يمنح الحرية لأشخاص الخصومة في اختيار الشكل الذي يتخذ الإجراء القضائي[15] فيه، وانما يحدد شكل الإجراء ويلزم اشخـــاص الخصومـــة بالتقيد به بدايةً من رفع الدعوى وانتهاءً بصدور الحكم، ولهذا يقال «أن الشكل عنصرٌ من عناصر الإجراء القضائي»[16].

ويبدو ان المشرع يتعامل مع الشكلية على أنها وسيلة لتحقيق غاية، وهي إشاعة الثقة والاطمئنان في القضاء وتحقيق العدل، ولهذا فإنه جعل الشكلية تتصف بصفتين هما: المرونة والنظر إليها على أنها وسيلة لتحقيق غاية، وأنها ليست غاية بحد ذاتها[17].

ويترتب على ذلك بطلان الاجراء القضائي المتخذ خلافاً للشكل المطلوب قانوناً وانعدام قيمته، اضافة الى ان عدم استكمال الإجراء المتخذ على وفق الشكل المطلوب يعيبه شكلياً، وبالتالي لا يمكن معه تكملة النقص الحاصل عن طريق الإثبات[18].

لذا فان التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو هل يعد الاجراء القضائي عملاً قانونياً ام تصرفاً قانونياً؟

اختلف الفقهاء حول كون الاجراء القضائي عملاً قانونياً ام تصرفاً قانونياً الى ثلاثة اتجاهات؛ لذا نجيب عن هذا التساؤل على وفق الفقرات الآتية:

أولاً: الاجراء القضائي تصرفاً قانونياً:

يذهب جانب من الفقه[19] إلى أن الاجراء القضائي ليس إلا تصرُفاً قانونياً[20]، فالعقد هو «تصرف قانوني»، لأنه يقوم على تطابق إرادتين، حيث انه ينشئ الحقوق الشخصية، وربما يكسب الحقوق العينية، و «الوعد بجائزة» تصرف قانوني، لأنه ينشئ حق شخصي بناءً على ارادة منفردة، و «الوصية» تعد تصرفاً قانونياً، كونها تكسب حقوقاً عينياً بناءً على ارادة منفردة[21]، ومن ثم، يطبق عليه ما يطبق على التصرف القانوني بصفة عامة، وذلك لأن الإجراء القضائي، يتخذ بنية احـــداث أثر قانونـــي ويؤدي إلى إنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه.

ثانياً: الاجراء القضائي عملاً قانونياً:

على وفق هذا الاتجاه يرى الفقه[22] أن اساس التفرقة ما بين التصرف القانوني وغيره من الأعمال القانونية يكمن في سلطان الإرادة، ففي التصرف القانوني يكون للإرادة سلطان تتمكن من خلاله من تنظيم مصالح مُعينة وفقاً لرغبتها وفي حدود التنظيم القانوني، أما في الأعمال القانونية بالمعنى الضيق، فلا تملك الإرادة مثل هذا السلطان، وإنما يتولى القانون ترتيب الآثار الناجمة عنها، فالمعنى الضيق للعمل القانوني – ويطلق عليه العمل المادي –  هو «حدث مادي يرتب عليه القانون أثراً لمُجرد وصفه حدثاً إرادياً دون أن يكون للإرادة دخل في ترتيبه»[23].

بناء على ما تقد فانه لا يمكن عد الاجـــراءات القضائيـــة تصرفات قانونية لان الاجراءات القضائية ليست بتصرفات قانونية بالمعنـــى الدقيـــق في القانون الخاص.

وبالرجوع الى قانـــون المرافعـــات المدنيـــة نجد ان المشرع العراقي لم يقم بتنظيم موضوع الارادة في الاجراء القضائي، ولم يبين اثر انعدامها او تعرضها لعيوب الارادة المختلفة، وذلك بخلاف عيوب الارادة في التصرف القانوني في القانون المدني[24]. إذ لا يكفي لاعتبار عملٍ ما بأنه تصرفٌ قانوني أن إرادة صاحبه اتجهت إلى تحقيق آثاره، فضلاً عن أنه من غير الكافي لعد هذا العمل بأنه عملاً قانوني بالمعنى الضيق أن إرادة صاحبه لم تتجه إلى تحقيقها، بل أن العبرة في كل ذلك تكمن في تحديد دور الإرادة وأهميتها في ترتيب هذه الآثار من وُجهة نظر القانون فقط.

فالعمل القانوني بحسب المعنـــى الضيـــق يختلف عن التصرف القانوني، إذ بينما يعطي القانون للإرادة في التصـــرف القانونـــي حرية في تحديد مضمون الواقعة القانونية، فلا يقتصر دور الإرادة فيها على الاتجاه إلى الواقعة، وإنما يكون للإرادة سلطان في تحديد مضمونها وآثارها في حدود الإطار الذي يحدده القانون، نجد أنه في العمـــل القانونـــي بالمعنى الضيق – العمل المادي – أن القانون يحدد الوقائع تحديداً جامداً في شكلها ومضمونها وآثارها بحيث لا يكون للإرادة دورٌ في هذا الشأن، وإنما يقتصر دورها على الاتجاه إلى هذه الواقعة أو عدم الاتجاه إليها[25].

ثالثاً: الاجراء القضائي تصرفاً قانونياً تارة وعملاً قانونياً تارة اخرى:

يذهب اصحاب هذا الرأي[26] الى انه يوجد من الاجراءات القضائية ما يمكن عدّه تصرفاً قانونياً، ومنها ما لا يمكن اعتباره كذلك ، لذا فأن الاجراء القضائي يعد عملاً بالمعنـــى الواســـع ولا يمكن ان يكون هناك تكيفاً واحداً ينطبق على كل الاجراءات القضائية[27]. إذ ان الإجراء القضائي لا يخضع لأحكام التصـــرف القانونـــي المعروفة في القانـــون المدنـــي، بل يخضع لأحكام قانـــون المرافعـــات  التي تهتم بالشكل القانوني للإجراء وترتب آثاره، مما يفقد الإرادة دورها وأهميتها، بالٍإضافة الى أن إجراءات الخصومة تخضع لرقابة القاضي وإشرافه، مما يحول دون تطبيق قواعد التصرف القانوني عليها.

كما أن هذا العمل يرتب عليه القانون آثاراً لمجرد اتجاه الإرادة إلى مباشرة الواقعة المكونة له فقط، بصرف النظر عن اتجاهها إلى هذه الآثار من عدمه، وحتى إذا كان القانون يعطي للإرادة في بعض الأحيان حق التدخل في تحديد هذه الآثار، فإن عدم اتجاهها الى تلك الاثار لا يغير من وصف هذا العمل بكونه عملاً قانونياً بالمعنـــى الضيـــق، وذلك على الرغم من أن بعض الإجـــراءات القضائيـــة قد تتوافر فيها بعض سمات التصرف القانوني[28]، إلا أن هذا لا يعني أنها تخضع للقواعد العامة للتصـــرف القانونـــي المعروفة في القانـــون المدنـــي، ومن ثم، فهي ليست بتصرفات قانونية بالمعنـــى الدقيـــق المعروف في القانـــون الخـــاص، ولا يغير من وصف الإجراء القضائي بأنه عمل قانوني بالمعنـــى الضيـــق منح لمن يقوم به الحرية في مباشرته، فسواءً أكان هذا الإجراء حقاً للشخص أم واجباً عليه، فإن دور الإرادة في كلتا الحالتين يقتصر على مباشرة العمل من عدمه فقط، ولا اعتداد بها في مجال الآثار القانونية، فهذه الأخيرة يتولى القانون وحده ترتيبها دون غيره، فضلاً عن أن الإجـــراءات القضائيـــة  تصدُر عن القاضي أو الخصوم أو من شخص آخر من غير الخصوم وصدورها من أي من هؤلاء لا يجعلها تصرفات قانونية، لفقدانها لمقومات التصرف القانوني وعناصره لدى كل واحدٍ منهم.

وهذا ما دعا جانباً من الفقه[29] تماشياً مع الاتجاه الغالب فـي الفقه إلى رفض اعتبار الإجراء القضائي تصرفـــاً قانونيـــاً، إذ من الصعب تنظيم الإجراء القضائي بواسطة القواعد التي تحكم التصرف القانوني لعدة اعتبارات، أهمها أن الإجـــراء القضائـــي من الأعمال التي لا تظهر أهميتها أو أثرها إلا في إطار الخصومة، ولذلك فإن جميع ما يقوم به الخصوم او الغير من اجراءات، إنما تهدُف أصلاً إلى ترتيبِ أثرٍ إجرائي في الخصومة، ومن جانب اخر، فإن تُعدد هذه الأعمال واختلاف الأشخاص الذين يقومون بها في إطار الخصومة يجعل من العسير اعتبارها تصرفات قانونية.

والذي يؤكد عدم اعتبار الإجراء القضائي تصرفاً قانونياً أن إرادة الفرد ليس لها في دائرة الأعمال الإجرائية أي سُلطان كـــــ الذي يكون لها خارج الخصومة، فعلى الفرد الخضوع للقانون الذي يبين له الوسيلة ويحدد له شكل الخصومة وينظم اثارها اذا ما اراد ان يحقق هدفاً إجرائياً فيها، وقد يكون للفرد خيار القيام بالعمل من عدمه، ولكن حتى في الفرض الأول لا يكون للإرادة أي سلطان لأن الآثار الإجرائية التي تترتب على العمل قد حددها المشرع وليس للفرد حق تعديلها[30].

والحقيقة أن هناك جانباً من الفقه[31] يرى بأن فقدان عنصر الإرادة لأهميته إن صحَ بالنسبة إلى بعض الأعمال الإجرائية، فلا يصح بالنسبة إلى بعضها الآخر، ومن ثم، لا تنبغي المغالاة في الاتجاه الذي يذهب إلى أن الإجراء القضائي لا يعد تصرفـــاً قانونيـــاً، لأن الإجراء القضائي يجب أن يتم وفقاً للشكل الذي حدده قانـــون المرافعـــات المدنيـــة ، مما يؤدي إلى فقدان الإرادة دورها وأهميتها في الإجراء القضائي – لأنه إن صح بالنسبة إلى بعض الإجـــراءات القضائيـــة، فإنه لا يصِح لبعضها الآخر، لأن هناك من الإجراءات القضائية ما يمكن اعتبارها تصرفـــات قانونيـــة، كالوقف الاتفاقي للدعوى والتنازل عن إجراء أو ورقة من أوراق المُرافعة والطلب بتوجيه اليميـــن الحاسمــــة والإقرار القضائي.

ولهذا يدعو إلى ضرورة أن يطبق عليها احكام التصرف القانوني، وأهمها قواعد الرضا والمحل والسبب والاعتداد بعيوب الإرادة، إذ لا يمكن إنكار وصفها بأنها تصرفات قانونية لمجرد أن المشرع يستلزم أن ترد في شكلٍ معين، فضلاً عن أن القول: بأن الإجراء القضائي لا يعد تصرفاً قانونياً، لأنه يجب أن يتم وفقاً للشكل الذي حدده القانون، يرد عليه، بأن بيع العقار المرهون وهبته، وعقد الشركة والرهن التأميني، تعد تصرفـــات قانونيـــة، وذلك على الرغم من أن المشرع يستلزم أن تتم وفقاً للشكل الذي حدده في القانون.

وبعد ان انتهينا من عرض الآراء الفقيه التي قيلت بشأن الطبيعة القانونية لإجراءات التقاضي فيما اذا كانت تعتبر تصرفـــا قانونيـــا ام عمـــلاً قانونيـــاً فانه لا يمكن القول بان هناك تكييف واحد ينطبق على كل الإجراءات القضائية، لأن منها ما يمكن اعتباره تصرفـــاً قانونيـــاً، ومنها ما لا يمكن اعتباره كذلك.

المبحث الثاني

تطبيقات فكرة الاذعان في قانون المرافعات

يمكن ان تبرز فكرة الاذعان في قانون المرافعات عند منح المشرع اطراف النزاع قبل رفع الدعوى او اثنائها حرية الاتفاق على اتباع سلوك معين في مباشرة اجراءات التقاضي امام المحاكم، اذ بإمكان احد الاطراف المتخاصمة وضع تفاصيل الاتفاق دون ان يكون للطرف الاخر حق التعديل او المناقشة.

 لذا سنبين في هذا المبحث تطبيقات فكرة الاذعان في قانـــون المرافعـــات، وذلك من خلال مطلبين:

المطلب الاول: تطبيقات فكرة الاذعان في قاون المرافعات  قبل رفع الدعوى

فكرة الاذعان في قانون المرافعات قبل رفع الدعوى يمكن ان تتجسد في تحديد الاختصاص المكاني للدعوى، واتفاق الاثبات، لذا نقسم هذا المطلب الى فقرتين:

أولاً: الاختصاص المكاني وفكرة الاذعان:

الاختصاص المكاني هو «ما قدر لجهة قضائية او لمحكمة من ولاية نظر نزاع ما»[32]، فهو «السلطة التي خولها القانون لمحكمة ما في فصل نزاع ما اي هو سلطة الحكم بمقتضى القانون»[33]، فعلى وفقه يتم تحديد المحكمة التي يتوجب رفع الدعوى امامها في حالة تعدد المحاكم التي هي بنفس هذا الاختصاص، اذ ان على المشرع عند تحديده للمحكمة المختصة بنظر النزاع مكانيا مراعاة ما يلي:

تحقيق الموازنة العادلة بين الخصوم، اذ انه يساعد المدعي في اعداد وتنظيم مستنداته من خلال منحه حق اختيار وقت رفع الدعوى ضمن مدة زمنية معينة، وبالمقابل يحمي المدعى عليه من تحمل مشاق الدفاع من جهد وتكاليف باشتراطه رفع الدعوى امام المحكمة القريبة منه بوصف براءة الذمة هي الاصل.

منح حق نظر الدعوى للقاضي الذي بحكم قربه منها بإمكانه ان يكون اكثر احاطة بتفاصيلها.

وتطبيقا لهذه الاعتبارات يمكن ان نبين قواعد تحدد الاختصاص المكاني المنصوص عليها في «قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل» تواليا:

المحكمة ذات الاختصــــاص المكانــــي في  دعاوى الحقوق العينية المتعلقة بالعقار: اعطى المشرع الاختصاص في هذه الدعاوى للمحكمة التي يقع موقع العقار ضمن نطاقها[34]، اذ انه يسهل على قاضي هذه المحكمة الكشف والاطلاع على الامور محل النزاع لقربه من العقار موضوع الدعوى.

المحكمة ذات الاختصـــاص المكانـــي في دعاوى الدين المنقول: نص قانــــــون المرافعــــــات المدنيــــــة العراقــــــي على انه «تقام دعاوى الدين والمنقول في محكمة موطن المدعى عليه او مركز معاملاته او المحل الذي نشأ فيه الالتزام، او محل التنفيذ، او المحل الذي اختاره الطرفان لإقامة الدعوى»[35].

المحكمة ذات الاختصـــاص المكانـــي في دعاوى الاشخاص المعنوية: حدد المشرع العراقي الاختصاص المكاني في دعاوى الاشخاص المعنوية، إذ نص «1- تقام الدعاوى في المسائل المتعلقة بالأشخاص المعنوية القائمة او التي في دور التصفية بالمحكمة التي يقع في دائرتها مركز ادارتها الرئيسي. 2- اذا كانت الدعوى ناشئة عن معاملة مع فرع الشخص المعنوي جاز اقامتها بمحكمة مركز الادارة او المحكمة التي يقع بدائرتها ذلك الفرع»[36].

المحكمة ذات الاختصـــاص المكانـــي في دعاوى الافلاس والدعاوى الناشئة عنه: اشار المشرع العراقي الى الاختصاص المكاني في دعاوى الافلاس والدعاوى الناشئة عنه، إذ نص»1- تقام دعاوى الافلاس والدعاوى الناشئة عنه في محكمة متجر المفلس واذا تعددت متاجره فتقام الدعوى في محكمة المحل الذي اتخذه مركزا رئيسيا لأعماله التجارية. 2- اذا اعتزل التاجر التجارة او توفي فتقام الدعوى بالمحكمة التابع لها موطن المدعى عليه»[37].

المحكمة ذات الاختصاص في دعاوى مصاريـــف الدعـــوى و اجـــور المحامـــاة: جاء في قانون المرافعات العراقي الآتي: «تقام الدعوى بمصاريف الدعوى واجور المحاماة امام المحكمة التي قضت في اساس الدعوى ولو لم تدخل اصلا في اختصاصها او صلاحيتها وذلك باستثناء محاكم الجنح والاستئناف والتمييز»[38].

المحكمة ذات الاختصـــاص المكانـــي في حالة عدم وجود الموطن: تم تحديد الاختصاص المكاني في حالة عدم وجود الموطن على وفق المشرع العراقي بموجب قانون المرافعات المدنية العراقي الذي ورد فيه «اذا لم يكن للمدعى عليه موطن ولا سكن في العراق فتقام الدعوى في المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي او سكنه فأن لم يكن للمدعي موطن ولا سكن في العراق فتقام الدعوى في محاكم مدينة بغداد»[39]

الاختصـــاص المكانـــي في دعاوى الاحوال الشخصية: تقام دعاوى الاحوال الشخصية في محكمة اقامة المدعى عليه، ومع ذلك يجوز ان يتم اقامة دعوى الزواج بمحكمة محل العقد، كما يجوز ان تقام دعوى التفريق القضائي او الطلاق في احدى هاتين المحكمتين او محكمة محل حدوث سبب الدعوى. وتقام دعوى نفقة الاصول والفروع والزوجات في محكمة محل اقامة المدعي او المدعى عليه اما النفقات الاخرى فتقام الدعوى فيها في محكمة محل اقامة المدعى عليه. وتختص محكمة محل اقامة المتوفى الدائم بإصدار القسام الشرعي ولا يعتد بالصادر من محكمة اخرى. وتختص اختصاصاً مكانياً محكمة اقامة المتوفى الدائم ومحكمة محل التركة في تحرير التركة[40]

وبعد ان انتهينا من قواعد الاختصاص المكاني يثار تساؤل حول كيفية تجسيد فكرة الاذعان في الاختصـــاص المكانـــي للنظر في الدعوى ؟

للإجابة على التساؤل اعلاه لابد لنا من بيان هل ان اتباع الاطراف المتنازعة لما نص عليه القانون من قواعد بشأن تحديد الاختصـــاص المكانـــي يمثل اذعان بالنسبة لهم ؟ ومن ثم بيان مدى امكانية عد قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي من النظام العام ؟

في الحقيقة ان قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي ترمي الى منع اقامة الدعاوى امام محكمة معينة دون غيرها من المحاكم المتماثلة في الصنف والدرجة، بمعنى ان هذه القواعد تهدف الى توزيع الدعاوى ما بين المحاكم ذات الصنف والدرجة الواحدة، وكذلك تبسيط اجراءات التقاضي وحسن سير العدالة واختصار الوقت والاقتصاد في الجهد والنفقات اذ انه لا يعقل ان تقوم محكمة واحدة في الدولة بالفصل في جميع المنازعات[41]، وبالتالي تنظيم مرفق القضاء وحسن سير العدالة فقد تعد من القواعد الامرة كونها تبين كيفية توزيع الدعاوى على اساس المكان وعلى وفق التقسيمات الادارية[42]. وبالتالي ان اتباع هذه القواعد لا يمثل نوعا من الاذعان تجاه خصوم النزاع للاعتبارات اعلاه .

اما بالنسبة لمدى علاقة قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي  بالنظام العام فقد يذهب غالبية الفقه الى انها لا تعد من دائرة النظام العام لأنها وضعت اصلا لرعاية مصلحة الخصوم الخاصة لتصبح بقدر الامكان قريبة من موطن المدعى عليه او مكان وجود الحق المتنازع عليه[43].

الا ان هذا الرأي ليس مطلقا ففي بعض الحالات تكون قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي  من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على خلافها، كالاختصاص المكاني لمحاكم الاستئناف والاختصاص المكاني للاعتراض على الحكم الغيابي في حالة الدفع بعدم الاختصـــاص المكانـــي في الحكم الغيابي[44].

وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفة قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي  الغير متعلقة بالنظام العام[45] مع العلم بانه لا يوجد هنالك نص في قانـــون المرافعـــات المدنيـــة العراقـــي يجيز للأفراد او يمنعهم من الاتفاق على مخالفة قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي، ولكن بصورة بديهية يمكن ان نستنتج جواز الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص المكاني التي لا يتعلق فيها الاختصاص بالنظام العام .

وهذا ما اكده القضاء العراقي الذي قضى بأن الدفـــع بعـــدم الاختصـــاص المكانـــي هو من حق الخصوم وليس للمحكمة التمسك به من تلقاء نفسها وذلك من خلال محكمة التمييز الذي جاء في قرارها «ليس للمحكمة احالة الدعوى الى محكمة اخرى بحجة خروجها عن اختصاصها المكاني مادام الخصم لم يدفع بذلك»[46].

بينما المشرع المصري قد نص على «اذا اتفق الخصوم على التقاضي امام محكمة غير المحكمة المرفوعة اليها الدعوى جاز للمحكمة ان تأمر بإحالة الدعوى الى المحكمة التي اتفقوا عليها»[47]. وبالتالي يجوز اتفاق الخصوم على مخالفة قواعد الاختصاص المكاني على ان لا تكون هذه القواعد من النظام العام[48].

مما تقدم يمكن ان نستنتج ان فكرة الاذعان لا يمكن اعمالها فيما يتعلق بقواعد الاختصـــاص المكانـــي المصنفة ضمن النظام العام، في حين بالإمكان ظهورها في القواعد التي لا تعد من النظام العام ، الامر الذي يجيز الاتفاق على ما يخالفها مما قد يؤدي الى فرض ارادة احد الاطراف على الاخر كاشتراط خضوع النزاع الذي قد ينشأ الى محكمة مختصة مكانيا ومعينة بالذات على حساب ارادة الطرف الاخر ومن ثم تظهر فكرة الاذعان .

وفي ضوء ما تقدم يمكن القول بانه متى ما كانت قاعدة تحديد الاختصـــاص المكانـــي ليست من النظام العام كان بالإمكان ظهور فكرة الاذعان فيها .

ثانياً: اتفاق الاثبات:

المقصود باتفاق الاثبات في مجال بحثنا هذا هو اتفاق الطرفين عند ابرام العقد على طرق اثبات معينة في حالة نشوب نزاع بينهم اثناء تنفيذ العقد ، وبعبارة اخرى تضمين العقد طرق اثبات خاصة في حالة حصول خلاف بين الطرفين حول العقد .

فقد يعمد احد اطراف العقد الى تضمينه شروط تهدف الى حرمان احد الخصوم من حقه في الاثبات او اعطاء الحجية الكاملة لبعض السندات بحيث تكون ملزمة للطرف الاخر من دون ان يكون له حق اثبات خلاف ما ورد فيها من مضمون[49].

اذ تبرز مقومات فكرة الاذعان في حرمان الخصم  من حقه في اثبات الوقائع التي تعد مصدر للحق المدعى به وتقديم سائر الادلة التي تدعم موقفه في الدعوى ومناقشة الادلة المقدمة من خصمه وهو ما يعرف بمبدأ المجابهة بالأدلة[50].

وهنا يثار اكثر من تساؤل: هل بالإمكان ايراد مثل هذا الاتفاق في العقد ؟ مدى صحة ذلك ؟ وهل الاتفاق جائز قانونا ؟ وما مدى تحقق فكرة الاذعان في اتفاق الاثبات ؟

يذهب الفقه[51] بعدم صحة الاتفاق الذي يتضمن اضفاء حجية لدليل ما وما يلحق بذلك من سلب لحرية الخصم في اثبات حقوقه امام القضاء، اذ تتضمن شروط ذلك الاتفاق مساسا بقواعد قانونية يجدر احترامه و وجوب عدم الخروج عن احكامها كما في قاعدة الحق في الاثبات فضلا عن مخالفتها لأحكام القانون الذي نظم ادلة الاثبات وحدد الحجية التي تتمتع بها على وفق الاتي:

الحق في الاثبات : يعرف الحق في الاثبات بأنه «تمكين المدعي من اثبات الوقائع التي يدعيها بالطرق المحددة قانونا والسماح له بالحصول من خصمه او حتى من الغير على ادلة الاثبات المنتجة في الدعوى»[52]، اذ يعد هذا الحق من المبادئ الجوهرية في التقاضي، فالإثبات هو واجب يفرض على من يدعي الحق، وحقاً للشخص في اثبات الوقائع التي تعد مصدرا للحق المدعى به، وعلى القاضي احترام حقوق الخصوم في تقديم الادلة ومناقشتها وتمكينهم من ذلك والا كان حكمه مشوبا بالقصور الذي يؤدي الى نقضه[53].

وبناءً على ذلك فأن كل ما يؤدي صراحة او ضمنا الى حرمان احد الاطراف من حقه في اثبات ما يدعيه او نفي ما تقدم به من خصمه من ادعاءات يعد شرطا باطلا يجب ان لا يؤخذ به من القاضي لتعارضه مع الحق في التقاضي من جهة والحق في الاثبات من جهة اخرى[54]، وعليه فأن الشروط التي يدرجها احد الاطراف التي تتضمن منح حجية مطلقة لسند معين وما يترتب على ذلك من مصادرة حق الطرف الاخر في اللجوء الى القضاء وحقه في الاثبات توصف بانها شروطا فاقدة لجدواها وفاعليتها[55].

مخالفة احكام القانون: بالرجوع الى احكام قانـــون الاثبـــات العراقـــي رقم (107) لسنة 1979 المعـــدل والمتعلقة بطرق الاثبات و وسائله نجد انه قد حدد ادلة الاثبات وبيّن في الوقت ذاته حجية كل دليل و اشار الى الطرق المتبعة في انكار تلك الادلة وكيفية اثبات عكسها، بنصوص أمرة لا يجوز مخالفتها[56].

ولا تتعلق حجية الدليل بمصالح الافراد الخاصة انما ترتبط بحسن اداء القضاء لوظيفته في اقامة العدالة ، لذا انفرد المشرع في بيان حجية الدليل بالشكل الذي يمنع على الافراد تقرير حجية اخرى، اذا يتضمن ذك مخالفة صريحة لأحكام القانون ومصادرة للسلطة التي يتمتع بها القاضي في تقدير الادلة بحسب ما يكون لديه من قناعه وليس على وفق ما اتفق عليه الخصوم[57].

مما تقدم يتبين لنا عدم امكانية وجود فكرة الاذعان في مجال الاثبات القضائي لتعارضها مع قواعد قانون الاثبات ومبدأ المجابهة بالأدلة .

اذاً كل شرط يرد في اتفاق يؤدي الى حصر طرق الاثبات يعد باطلاً لا يؤخذ به لمخالفة للمبادئ العامة في قانـــون الاثبـــات.

المطلب الثاني: تطبيقات فكرة الاذعان في قانون المرافعات بعد رفع الدعوى

سنقسم هذا المطلب الى فقرتين : نخص الاولى لوقف الدعوى ، بينما نتناول في الثانية اتفاق التحكيم، بوصفهما محل عمل فكرة الاذعان في قانـــون المرافعـــات بعد رفع الدعوى.

أولاً: وقف الدعوى

وقف الدعوى هو احد عوارض الدعوى[58] التي تؤدي الى ركود الدعوى المدنية واسبابه متنوعه، اذ قد يكون الوقف سببه اتفاق الخصوم فيكون مظهراً لسلطان الارادة، وهو ما يطلق عليه بالوقـــف الاتفاقـــي، وقد يكون بنص القانون، وفيه يتحقق الوقف بمجرد توافر اسبابه، واخيرا قد يكون الوقف بقرار من المحكمة و عندما يتوقف حسم الدعوى على حسم موضوع اخر يخرج عن اختصاص المحكمة التي تنظر الدعوى.

بما ان فكرة الاذعان في قانـــون المرافعـــات المدنيـــة تدور وجوداً وعدماً مع سلطان الارادة، لذا سوف يقتصر بحثنا في وقف الدعوى على الوقـــف الاتفاقـــي ومدى امكانية تجسيد فكرة الاذعان فيه.

الوقف الاتفاقي للدعوى: هو «اتفاق الخصوم على عدم السير فيها لمدة معينة لأسباب عديدة كـ رغبة الاطراف بحل نزاعهم عن طريق الصلح او لأجراء مفاوضات لإنهاء الدعوى بشكل ودي وغيرها»[59].

ولنا ان نتساءل هنا : هل بالإمكان ان يكون وقف الدعوى تطبيقاً لفكرة الاذعان في المرافعات المدنية ؟ بمعنى اخر هل من الممكن تصور فكرة الاذعان في اتفاق الاطراف على وقف الدعوى ؟ ومدى جواز الاتفاق قانوناً ؟

بما ان وقف الدعوى هو تصرف قضائي يندرج تحت التصرفات القانونية التي تتجه ارادة الاطراف فيها الى احداث اثار قانونية وحيث ان وقف الدعوى يتم باتفاق الخصوم[60] لذا فمن الممكن وجود طرف قوي واخر ضعيف يستطيع الطرف القوي ان يجبر الطرف الضعيف على وقف الدعوى لأسباب مختلفة كالنفوذ وغيرها ، مثلاً قيام الموظف برفع دعوى على دائرته للمطالبة بأحد حقوقه الوظيفية ، ومن ثم قيام الدائرة عن طريق من يمثلها قانوناً بالضغط على الموظف واجباره على الخضوع لاتفاق وقف المرافعة و الا تعرض لعقوبة مبطنة او ضمنية ، كـالنقل.

و بما ان الوقف هو تصرف يتجه الى احداث اثر قانوني بناءً على اتفاق الخصوم، لذا من الممكن ان يتصور وجود الاذعان ، لإمكانية وجوده اينما وجد الاتفاق.

وعند الرجوع الى قانـــون المرافعـــات العراقـــي رقم (83) لسنة 1969 المعـــدل نجد انه اجاز للخصوم الاتفاق على وقف سير في الدعوى مدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر من تاريخ اقرار المحكمة لاتفاقهم[61]، اي اجاز الاتفاق على وقف السير في الدعوى على ان يكون هذا الاتفاق محدد بمدة وقف لا تتجاوز الثلاثة اشهر وان يخضع الاتفاق لإقرار المحكمة.

وتبدأ مدة الوقف من تاريخ اقرار المحكمة لاتفاق اطراف الدعوى على ان لا تتجاوز الحد الاقصى الذي حدده المشرع. علما انه لا مانع بعد السير في الدعوى من الاتفاق على ايقافها مرة اخرى، فليس في القانون ما يحول دون تكرر الوقف الاتفاقي في الدعوى[62].

مما تقدم يتضح لنا انتفاء المانع القانوني لاتفاق اطراف الدعوى على وقف السير فيها مدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر واعتباراً من تاريخ اقرار المحكمة لهذا الاتفاق، الامر الذي يؤدي الى انه بالإمكان تصور وجود فكرة الاذعان في مجال وقف الدعوى لعدم تعارضها مع قواعد قانـــون المرافعـــات .

ثانياً: اتفاق التحكيم:

اتفاق التحكيم: هو «اتفاق لتسوية المنازعات عن طريق أفراد طبيعيين يختارهم الخصوم مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يرتضونها و أقصاء منازعاتهم من الخضوع لقضاء المحاكم المخول لها طبقاً للقانون»[63].

بموجبه يتم اناطة حل ما ينشأ من نزاع بين الافراد الى محكمين ليفصلوا فيه بعيداً عن اجراءات التقاضي العادية[64].

ويتم هذا الاتفاق اما اثناء تنفيذ العقد ، او قبل التنفيذ ضمن بنود العقد ، او بالاتفاق بعد اقامة الدعوى[65]، والاخير _ الاتفاق على التحكيم بعد اقامة الدعوى _ هو ما يتعلق بموضوع بحثنا ، لذا سوف نقتصر على تناول هذا الشكل في هذا الفرع ، حيث قد يقيم احد اطراف النزاع الدعوى على الطرف الاخر واثناء نظر الدعوى يتفق الطرفان على حل النزاع عن طريق التحكيم[66].

وهنا تساؤل يطرح حول مدى صحة ونفاذ اتفاق التحكيم اثناء المرافعة ؟ ومدى امكانية تصور فكرة الاذعان في هذا الاتفاق بعد اقامة الدعوى، اي اثناء نظرها امام القضاء ؟ 

فيما يتعلق بالفرض الاول نجد ان قانـــون المرافعـــات العراقـــي رقم (83) لسنة 1969 المعـــدل أجاز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين كما أجاز الاتفاق على التحكيم في المنازعات كافة التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين[67]، فضلاً عن جواز اتفاق التحكيم اثناء المرافعة[68]. وبالتالي لا يوجد مانع قانوني من اتفاق اطراف الخصومة المعروضة امام القضاء بإحالتها الى التحكيم. وذلك ما اكده القضاء العراقي بقراره التمييزي ذي العدد (363) مدنية أولى 74 في 5/2/1975 الذي نص على «أن التحكيم في القانون نوع واحد حسب المادة (251) مرافعات وأن الشرط الوحيد لوجوده وترتيب أثره هو أن يكون ثابتاً بالكتابة حسب المادة (252) المعدلة من قانون المرافعات ويستوي في ذلك أن يكون الأتفاق عليه قد تم وقت التعاقد أو تم باتفاق مكتوب مستقل أو تم الاتفاق عليه أثناء المرافعة..»[69].

اما فيما يتعلق بالفرض الثاني فانه لما تقدم و لجواز اتفاق التحكيم بعد رفع الدعوى قانوناً  ولإمكانية قيام احد خصوم النزاع بالاشتراط في هذا الاتفاق عدم اتباع المحكم لإجراءات التقاضي المرسومة بموجب قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل[70]، وعدم التقييد بأحكام القانون والحكم على وفق مباد العدالة[71]، وذلك لتمتعه بمركز قوي يمنحه هذه السلطة ، لذا نجد من الممكن تصور فكرة الاذعان في اتفاق التحكيم بالنسبة للخصم الاخر خاصة وان الاتفاق جاء بموجب ارادة الاطراف الصريحة على الرغم من كون ارادة الطرف الضعيف مشوبة بشيء من الاذعان النابع من حاجته الى تنفيذ اتفاق التحكيم لسبب معين ولو كان ذلك بشكل ضمني.

الخاتمة:

بعد ان انتهينا من كتابة هذا البحث توصلنا الى جملة من النتائج و التوصيات نبينها بحسب ما يأتي:

اولاً: النتائج:

ان قانـــون المرافعـــات  لا يترك لأشخاص الخصومة الحرية في اختيار الشكل الذي يتخذ الاجراء القضائي فيه، وانما يحدد شكل الاجراء ويلزم اطراف الدعوى بالتقيد به ابتداءً من رفع الدعوى وانتهاءً بصدور الحكم.

لا يمكن عد الاجراءات القضائية تصرفات قانونية لان الاجراءات القضائية ليست بتصرفات قانونية بالمعنى الدقيق في القانون الخاص.

لتحديد الطبيعة القانونية لإجراءات التقاضي لا يمكن القول بان هناك تكييف واحد ينطبق على كل الاجراءات القضائية، لان منها ما يمكن اعتباره تصرفاً قانونياً ومنها لا يمكن اعتباره كذلك.

بالإمكان بروز فكرة الاذعان في قانون المرافعات عند منح المشرع اطراف النزاع حرية الاتفاق على اتباع سلوك معين عند مباشرة اجراءات التقاضي امام المحاكم.

ان فكرة الاذعان لا يمكن اعمالها فيما يتعلق بقواعد الاختصاص المكاني المصنفة ضمن النظام العام، في حين بالإمكان ظهورها في القواعد التي لا تعد من النظام العام لجواز الاتفاق على مخالفتها.

اتباع الاطراف المتنازعة لقواعـــد الاختصـــاص المكانـــي المنصوص عليها فـــي القانـــون لا يمثل اذعان اتجاههم كونها تهدف الى تحقيق حسن سير العدالة وتبسيط الاجراءات والاقتصاد في الوقت والجهد والنفقات.

كل شرط يرد في اتفاق يؤدي الى حصر طرق الاثبات يعد باطلاً على وفق القانون العراقي ولا يؤخذ به لمخالفته للمبادئ العامة في قانون الاثبات.

امكانية تجسيد وجود فكرة الاذعان في مجال وقف الدعوى لانتفاع المانع القانوني من اتفاق اطراف الدعوى على وقف السير فيها مدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر.

يعد اتفاق التحكيم مجالاً لتصور فكرة الاذعان بالنسبة لاحد الاطراف كون الاتفاق ينشأ بموجب ارادة الاطراف الصريحة على الرغم من كون ارادة الضعيف مشوبة بشيء من الاذعان ولو كان ذلك بشكل ضمني.

ثانياً: التوصيات:

نأمل من المشـــرع العراقـــي وضع نص عام ينظم نظرية الاذعان في قانـــون المرافعـــات  يتفق مع قواعده.

نوصي المشرع العراقي بالنص صراحة في قانـــون المرافعـــات العراقـــي على عدم جواز اتفاق الخصوم على مخالفة قواعـــد الاختصـــاص المكانـــي  لحسن تنظيم اجراءات التقاضي وحماية الطرف الضعيف في العقد من سلطة الطرف الاقوى في تحديد المحكمة ذات الاختصاص.

نقترح على المشرع تحديد امكانية اتفاق اطراف الدعوى على وقفها لمرة واحدة فقط، وذلك لحسم النزاع وحماية الطرف الضعيف والتخفيف عليه من امكانية خضوعه للاذعان.

نأمل من المشرع العراقي تحديد المنازعات التي يجوز فيها الاتفاق اثناء المرافعة اللجوء الى التحكيم لحسمها.

ضرورة احاطة المشرع التحكيم الاتفاقي بضمانات تؤدي الى حماية التوقعات المشروعة للأطراف وتحقيق الامان القانوني لهم وذلك من خلال اشتراط خبرة المحكم في شأن المنازعة المحالة على التحكيم كون مفهوم العدالة التي يحكم بموجبها المحكم ذات مفهوم نسبي غير محدد في اطار عام يمكن ان يكون على درجة من الوضوح.

نقترح على المشـــرع العراقـــي اضافة النص الاتي:

«تتقيد ارادة الاطراف في الاتفاق ضمن اجراءات التقاضي بعدم خضوع احدهم لاذعان الاخر و الا قضت المحكمة ببطلان الاتفاق وعرض المخالف نفسه للحكم عليه بالغرامة «.

 

[1] ابو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ج6، ط4، دار العلم للملايين، بيروت، 1407 هـ‍ - 1987، ص2119.

[2] أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، كتاب العين، المحقق: د مهدي المخزومي، د  ابراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، ج8، بلاسنة طبع، ص100.

[3] احمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين، معجم مقاييس اللغة، المحقق: عبد السلام محمد هارون، ج6، دار الفكر، 1399هـ - 1979م، ص355.

[4] محمد بن مكرم بن على، ابو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى، لسان العرب، ج15، ط3، دار صادر، بيروت، 1414 هـ، ص172.

[5] د. عبدالمجيد الحكيم، د. عبدالباقي البكري، د. محمد طه البشير ، الوجيز في نظرية الالتزام، مصادر الالتزام، ج1، مطبعة وزارة التعليم العالي، بغداد، 1982، ص44.

[6] صفاء متعب فجة الخزاعي، اختلال التكافؤ المعرفي بين المتعاقدين في مرحلة تكوين العقد، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بابل، 2011، ص90.

[7] د. عصمت عبد المجيد، النظرية العامة للالتزامات، ج1، ط1، منشورات جامعة جيهان الخاصة – اربيل، 2011، ص87. كذلك د. اكرم ياملكي، الوجيز في القانون التجاري، منشورات جامعة جيهان الخاصة، اربيل – العراق، 2014، ص15. كذلك د. محمد وجيه شحادة، المدخل الى القانون ونظرية الالتزام، مشورات جامعة حلب، جامعة حلب، 1979، ص156.

[8] صفاء متعب فجة الخزاعي، مصدر سابق، ص94.

[9] صفاء متعب فجة الخزاعي، مصدر سابق، ص94.

[10] د. عبد المجيد الحكيم، د. عبد الباقي البكري، د. محمد طه البشير ، مصدر سابق، ص44.

[11] د. عمر محمد عبد الباقي، الحماية العقدية للمستهلك، منشاة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص332 وما بعدها.

[12] د. حسن عبد الباسط جميعي، حماية المستهلك / الحماية الخاصة لرضاء المستهلك في عقود الاستهلاك، دار النهضة  العربية، القاهرة، 1996، ص14 وما بعدها.

[13] محمد صديق محمد عبد الله، موضوعية الإرادة التعاقدية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية الحقوق، جامعة الموصل، 2010م، ص238.

[14] جمال عبد الأَمير حسان الغزالي، الزام القانوني بالتعاقد، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية الحقوق جامعة بابل، 2011، ص51-55.

[15] يقصد بالإجراء القضائي: هو «المسلك الايجابي الذي يكون جزءً من الخصومة ويرتب اثاراً اجرائية فيها». د. آدم وهيب النداوي، فلسفة اجراءات التقاضي في قانون المرافعات، ط1، مطبعة وزارة التعليم العالي، بغداد، 1987، ص18.

[16] د. وجدي راغب فهمي، مبادئ الخصومة المدنية، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1978، ص36.

[17] د. آدم وهيب النداوي، مصدر سابق، ص45.

[18] د. عمار سعدون حامد المشهداني، الوكالة بالخصومة (دراسة مقارنة)، اطروحة دكتوراه مقدمة الى مجلس كلية الحقوق، جامعة الموصل، 2005، ص118.

[19] سوليس، محاضرات، ص426، موريل، بند 382، ص211. نقلاً عن د. فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، ط1987، ص351.

[20] التصرفات القانونية هي «اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني مُعين» نقلاً عن د. جميل الشرقاوي، نظرية بطلان التصرف القانوني، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1999، ص14.

[21] د. آدم وهيب النداوي، مصدر سابق، ص21.

[22] الدكتور فتحي والي، نظرية البطلان في قانون المرافعات، ط1، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1959، ص92.

[23] الدكتور عباس زبون عبيد العبودي، شرح أحكام قانون المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص134.

[24] د. وجدي راغب، مبادئ الخصومة المدنية، مصدر سابق، ص26-27.

[25] د. آدم وهيب النداوي، مصدر سابق، ص23.

[26] د. ياسر باسم ذنون السبعاوي، اچياد ثامر نايف الدليمي، بحوث ودراسات في القانون الخاص، ط1، ج3، الجيل العربي، الموصل،2009، ص 242.

[27] د. فتحي والي، نظرية البطلان في قانون المرافعات، مصدر سابق، ص141. كذلك د. آدم وهيب النداوي، المرافعات المدنية، دار الكتب، بغداد، 1988، ص133.

[28] كالوقف الاتفاقي للدعوى المدنية إذ أنه تصرفٌ قانوني يقوم على ذات الأركان التي يقوم عليها التصرف القانوني في القانون المدني من رضا ومحل وسبب، إلا انه ليس تصرفاً قانونياً بالمعنى الدقيق، فالقانون هو الذي يحدد الآثار المترتبة على ذلك ونطاقها؛ للتفصيل في ذلك؛ أجياد ثامر نايف الدليمي، عوارض الدعوى المدنية، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون، جامعة الموصل، 2001، ص10.

[29] د. إبراهيم نجيب سعد، القانون القضائي الخاص، منشاة المعارف، الإسكندرية، 1974، ص671.

[30] د. فتحي إسماعيل والي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، مصدر سابق، ص352.

[31] د. ياسر باسم ذنون، اجياد ثامر نايف الدليمي، بحوث ودراسات في القانون الخاص، مصدر سابق، ج3، ص241-242.

[32] د. عبد الوهاب العشماوي، قواعد المرافعات في التشريع المصري والمقارن، المطبعة النموذجية، القاهرة، 1958، ص353.

[33] مصطفى متولي قنديل، الشروط الادارية المنظمة للتقاضي، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2005، ص25 .

د. ادم وهيب النداوي، المرافعات المدنية، مكتبة السنهوري، بيروت، 2015، ص100.

[34] المادة (36) من قان ن المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[35] المادة (37/1) من قانون المرافعات المدنية العرقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[36] المادة (38) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[37] المادة (39) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[38] المادة (40) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[39] المادة (41) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[40] المواد (303،304،305) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[41] د. ياسر باسم ذنون، د. جياد ثامر الدليمي، بحوث ودراسات في القانون، ج3، مكتبة الجيل العربي، الموصل، 2009، ص274.

[42] جليل حسن الساعدي، كفالة حق الدفاع اثناء نظر الدعوى المدنية، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد ، 1993، ص182.

[43] د. ممدوح عبدالكريم حافظ، شرح قانون المرافعات المدنية العراقي، ط1،ج1، مطبعة الازهر، بغداد، 1971، ص170. كذلك د. ادم وهيب النداوي، مصدر سابق، ص96.

[44] د. امينة النمر ،قوانين المرافعات، مؤسسة الثقافة الجامعية، لبنان، 1982، ص601.

[45] د سيد احمد محمود، اصول التقاضي وفقا لقانون المرافعات، بدون مطبعة ومكان طبع، 2005، ص643.

[46] القرار المرقم 1/هيئة عامة اولى / 177 المؤرخ في 23/1/1997. المنشور في مجلة الاحكام العدلية، دار الحرية، بغداد، العدد 1/ السنة 8/ 1977.

[47] المادة (111) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، رقم (13) لسنة 1968 المعدل.

[48] د. احمد ابو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، دار الفكر الجامعي، القاهرة، 2012، ص189.

[49] د. اسامة احمد المليحي، استخدام مستخرجات التقنية العلمية الحديثة واثره على قواعد الاثبات المدني، دار النهضة= =العربية، القاهرة، 2000، ص120.

[50] د. عبد المنعم فرج الصده، الاثبات في المواد المدنية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص42.

[51] د. اشرف جابر سيد ،موجز اصول الاثبات، دار النهضة العربية ،القاهرة، 2003، ص49. كذلك د. عبد الفتاح بيومي، التوقيع الالكتروني في النظم القانونية المقترنة،ط1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية ،2005، ص 346

[52] د. احمد ابو الوفا، احكام الاثبات، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 1986، ص42.

[53] د. عبد المنعم فرج الصدة، مصدر سابق، ص11. 

[54] علي عبد العالي الاسدي، حجية الرسائل الالكترونية في الاثبات المدني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت،2013، ص53-54.

[55] اسل كريم كاظم، حجية المحرر الالكتروني في الاثبات المدني، اطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 2006، ص145.

[56] المواد (24-52) من قانون الاثبات العراقي رقم (107) لسنة 1979 المعدل.

[57] د. محمد موسى زهرة ، الدليل الكتابي وحجية مخرجات الكومبيوتر في الاثبات في المواد المدنية والتجارية، بحث مقدم بحث مقدم لمؤتمر القانون والكومبيوتر والانترنت، كلية القانون، جامعة الامارات العربية المتحدة، ايار،2005،ص297.

[58] عوارض الدعوى: هي «ما يعتريها من عوامل الوهن او الفناء من الناحية الشكلية فيؤدي الى ركودها، أي وقف السير فيها، او يؤدي الى زوالها، أي انتفائها دون حكم في موضوعها». نقلاً عن د. اجياد نايف ثامر، احكام وقف السير في الدعوى المدنية واثاره القانونية، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية ،2015، ص11.

[59] بهذا المعنى د. ام وهيب النداوي، مصدر سابق، ص266.

[60] بهذا المعنى د. اجياد ثامر نايف، مصدر سابق، ص26.

[61] المادة (82) من قانون المرافعات العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل نصت « 1- يجوز وقف الدعوى اذا اتفق الخصوم على عدم السير فيها مدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر من تاريخ اقرار المحكمة لاتفاقهم «.

[62] د. اجياد ثامر نايف، المصدر نفسه، ص29.

[63] بهذا المعنى د. ابراهيم احمد ابراهيم، حكم التحكيم في القانون الوضعي، ورقة عمل مقدمة الى ورش عمل التحكيم التجاري، 2005، ص2.

[64] د. ادم وهيب النداوي، مصدر سابق، ص290.

[65] د. ابراهيم اسماعيل ابراهيم، ماهر محسن عبود، التحكيم ضمانة اجرائية لتسوية منازعات الاستثمار، بحث منشور على شبكة الانترنيت، ص74.

[66] د. ادم وهيب النداوي، المصدر نفسه، ص295.

[67] المادة (251) من قانون المرافعات العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.

[68] المادة (252) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل نصت «........ ويجوز الاتفاق عليه اثناء المرافعة».

[69] قرار منشور في مجموعة الأحكام العدلية الصادرة عن قسم الإعلام القانوني في وزارة العدل، ع1، س6، ص175، مشار اليه لدى د. ابراهيم اسماعيل ابراهيم، ماهر محسن عبود، مصدر سابق، ص75. 

[70] المادة (265) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل نصت في الفقرة (الاولى) منها على « يجب على المحكمين اتباع الاوضاع والاجراءات المقررة في قانون المرافعات الا اذا تضمن الاتفاق على التحكيم او أي اتفاق لاحق علبه اعفاء المحكمين منها صراحة او وضع اجراءات معينة يسير عليها المحكمون «.   

[71] المادة (265) الفقرة (2) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل.