تاريخ الاستلام: 10 آب 2022 تاريخ القبول: 10 أيلول 2022
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
الاثار القانونية للعقوبة الضريبية
ودورها في زيادة الحصيلة
The legal effects of the tax penalty
and its role in increasing the proceeds
م.م.دعاء كاظم طارش
م.م. رسل باقر طاهر
جامعة سومر - كلية القانون
Duaa kadim Tarsh
Rusul Baqer Taher
University of Sumer _ college of law
المستخلص:
تكمن أهمية هذه الدراسة من خلال تسليط الضوء على العقوبة الضريبية وتبيان دورها في زيادة المتحصلات المالية الداخلة للخزينة العامة عند فرضها على المكلف المخالف، فلما كانت الضريبة فريضة مالية تقطع جبراً وبدون مقابل لغرض تحقيق الأهداف العامة، فإن الدولة ألزمت جميع الأفراد بدفع نصيبهم فيها كل حسب مقدرته المالية وذلك في أطار تحقيق العدالة الإجتماعية والمالية، فالضريبة تفرض على أساس فكرة تقاسم الأعباء و التكاليف العامة بعدّها ضرورة أجتماعية لتوفير أكبر قدر من الخدمات، الا أن هذه الجهود قد يُحيطها تخاذل بعض المكلفين عن أداء دين الضريبة من خلال أخفاء أنشطتهم كلياً او جزئياً لحجب إيراداتهم الحقيقية من إداء الضريبة المستحقة عليهم .
لذلك وبما أن فرض الضريبة لا يكون الا بقانون وفقاً للضمانات الدستورية وبما أن الركيزة الاساسية لأحترام القانون هو الجزاء أو العقاب على مخالفته، فقد نظمت القوانين الضريبية مجموعة من الجزاءات المفروضة على مرتكب الجريمة الضريبية منها جزاءات مقيدة للحرية ومنها جزاءات مالية يساعد فرضها في زيادة الحصيلة المالية للدولة.
Abstract
The importance of this study lies in shedding light on the tax penalty and clarifying its role in increasing the financial receipts entering the public treasury when it is imposed on the violating taxpayer, Since the tax is a financial obligation to be cut compulsorily and without consideration for the purpose of achieving the general objectives, The state has obligated all individuals to pay their share in it, each according to his financial ability, within the framework of achieving social and financial justice, However, these efforts may be surrounded by the failure of some taxpayers to pay the tax debt by concealing their activities in whole or in part to withhold their real revenues from paying the tax due on them.
Therefore, since imposing a tax is only by law in accordance with constitutional guarantees, and since the main pillar of respect for the law is the penalty or punishment for violating it, The tax laws organized a set of penalties imposed on the perpetrator of the tax crime, including penalties restricting freedom, including financial penalties whose imposition helps to increase the financial outcome of the state.
مقدمة
اولاً- اهمية البحث:
تتمثل اهمية البحث في التركيز على دور العقوبة الضريبية بعدّها أحد أهم الوسائل القانونية التي تضيف الى الرصيد المالي للدولة ومما يدعم ذلك إن السياسة الضريبية مرسومة بطريقة تولي دين الضريبة أهمية خاصة تتمثل بأن الألتزام بدين الضريبة فضلاً عن كونه من التزامات القانون العام فهو ذات ميزه خاصة تتمثل في حق الدولة في فرض الضرائب وتحصيلها لكونها صاحبة السلطة العامة وفرض الجزاء بطريقة تتناسب مع الدور الاساسي الذي يحققه فرض الضريبة .
ثانياً- مشكلة البحث:
تتمثل اشكالية البحث في مجموعة من التساؤلات فما المقصود بالعقوبة الضريبية ؟ وماهي أنواعها ؟ و كيف تسقط العقوبة الضريبية؟ وهل للعقوبة الضريبية آثار مالية ؟ وما المقصود بالآثار الذاتية للجزاءات الجنائية وهل يؤثر هذا الجزاء على الحصيلة المالية؟.
رابعاً- منهجية البحث
اتبع الباحث في دارسته لموضوع الدور الإيجابي للعقوبة الضريبة وأثره في زيادة الحصيلة المالية، المنهج التحليلي الوصفي من خلال وصف الظاهرة و تحليل القرارات القضائية الخاصة بالمحاكم الدستورية العربية، وبعض النصوص الدستورية والنصوص العادية.
خامساً- هيكلية البحث
اعتمد الباحث في هذه الدراسة على التقسيمة الثنائية في عرض مفردات الموضوع فقد قسمنا هذه الدراسة الى مبحثين، وفي كل مبحث مطلبين إذ تم تخصيص المبحث الاول الى تحديد مفهوم العقوبة الضريبية، إما المبحث الثاني فقد خُصص لبيان الاثر المالي للعقوبة الضريبية .
المبحث الاول
ماهية العقوبة الضريبية
لمفهوم العقوبة الضريبية مضمون واسع، بعده أحد أهم الضمانات القانونية للدولة في استيفاء دين الضريبة، إذ أخذ بعين الاعتبار الاثار السلبية التي يرتبها التهرب الضريبي على رفاهية المجتمع، من خلال حرمان الخزانة العامة من الموارد المغذية لمشاريعها الخدمية، فهي وسيلة القضاء للضغط على المكلف من أجل الدفع وقد عدد القانون العقوبات الضريبية ودرجها بحسب جسامة الجريمة المرتكبة، لذا سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبين سنبين في المطلب الاول مفهوم العقوبة الضريبية ومن ثم نتناول في المطلب الاخر طرق سقوط العقوبة الضريبية .
المطلب الاول: مفهوم العقوبة الضريبية
من الضروري ان نبين في بداية الدراسة مفهوم العقوبة الضريبية وأنواعها للإحاطة بها ومعرفة تفاصيلها لذا سوف نقسم هذا المطلب الى فرعين سنبين في الفرع الاول تعريف العقوبة الضريبية، وبعدها سنبين أنواع العقوبات الضريبية في الفرع الثاني.
الفرع الاول: تعريف العقوبة الضريبية
هنالك مجموعة من التعاريف التي تناولت توضيح معنى العقوبة [1]، ومن بينها ما عُرفت به على إنها جزاء تقويمي تنطوي على إيلام مقصود تنزل بمرتكب جريمة ذي أهلية لتحملها بناءاً على حكم قضائي يستند الى نص قانوني يحددها ويترتب عليها إهدار حق لمرتكب الجريمة أو مصلحة له، أو ينقصها، أو يعطل استعمالها[2]، كما عُرّفت العقوبة بأنها الجزاء الذي يقع بأسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة[3]، وكذلك قيل عن العقوبة بأنها الجزاء الذي يقرره القانون ويوقعه القاضي من أجل الجريمة ويتناسب معها[4].
من خلال الوجهة الجنائية للتعاريف السابقة لمفهوم العقوبة يتضح لنا بأن للعقوبة بوجه عام جملة من الخصائص فالعقوبة جزاء يفرض على من يخالف القانون وعلاج لهذا الخرق، كما أن العقوبة تفرض بأسم المجتمع، وبطريقة قانونية، ولا يمكن فرضها الا من قبل محكمة جزائية مختصة، كذلك فأن العقوبة شخصية ولا تمتد الى غير الشخص المسؤول عن الفعل الإجرامي، فضلاً عن تحقيقها للمساواة والتناسب الذي يُعدّ الاساس في نظرية تفريد العقاب .
أما بالنسبة للقوانين الضريبية والتي تشكل الجزء الأكبر من التشريع المالي والذي يرنو الى تحقيق المصلحة المالية للدولة فضلاً عن الاهداف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الاخرى المرسومة لهُ يضع المشرع مجموعة من القواعد والإجراءات المتعلقة بحصر المكلفين وتقدير الوعاء الضريبي الملزم للمكلف، و فرض مجموعة متنوعة من العقوبات على المكلفين المخالفين لتلك القواعد، وبما يتناسب مع الفعل الذي يقوم به المكلف أو يمتنع عن القيام به [5].
ومن هنا يمكن تعريف العقوبة الضريبية على أنها الجزاء القانوني الذي يحدد مقداره المشرع المالي على كل من قام أو أمتنع عن فعل يشكل جريمة بنظر القوانين الضريبية.
ومما تجدر الإشارة إلية أن المشرع العراقي أعطى للمحاكم صلاحية فرض عقوبات قابلة للطعن في الجرائم التي تحال اليها من السلطة المالية، أو لجان الاستئناف وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 النافذ، بيد أن قانون ضريبة الدخل النافذ منع المحاكم من سماع أي دعوى تتعلق بتقدير وفرض وجباية الضريبة أو أية معاملة أجريت وفق هذا القانون[6].
الفرع الثاني: أنواع العقوبات الضريبية
تتخذ العقوبات الضريبية التي يفرضها المشرع على مرتكب الجريمة الضريبية صورتين تكون الأولى منها بدنية بينما تكون الصور الثانية منها غير بدنية وكما يلي:
أولاً: الحبس:
أقر المشرع العراقي في قانون ضريبة الدخل النافذ عقوبة الحبس كجزاء جنائي بحق من يثبت أدانته بإرتكاب أحد الأفعال المعاقب عليها بموجب المادتين (57،58) منه، والتي تتمثل بجريمة التزوير الضريبي وجريمة الأحتيال الضريبي[7]، وهي من العقوبات التي منح المشرع صلاحية فرضها للمحاكم دون اللجان الاستئنافية لخطورة نتائج تطبيقها وهي سلب حرية المحكوم علية .
ونلاحظ إن الحبس كعقوبة جنائية لا تتكافئ مع جسامة جريمة التزوير والاحتيال الضريبي بأعتبارهما يشكلان أعتداءاً على حقوق الخزانة العامة للدولة والتي تُعدّ الضرائب فيها من أهم المصادر الإيرادية، فكان الأحرى بالمشرع أن يفرق ما بين الجريمتين ويقرر عقوبة الحبس لجريمة الأحتيال بينما يكون العقاب على جريمة التزوير بالسجن أنسجاماً مع جسامة الفعل المرتكب والوسائل المستعملة وتأسياً بما سار علية قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بالتعامل مع جريمة التزوير وعدّها من الجنايات، فضلاً عن ذلك فإن الحكم السابق يسري على كل من شارك بالجريمة بوصفه فاعلا أو شريكاً .
ولو نظرنا الى نفس الموقف في بعض التشريعات العربية الأخرى كالمشرع الجزائري مثلاً لوجدنا أن القانون اعتبر واقعة التهرب من دفع الضريبة جنحة أو جناية وتتدرج العقوبات المقررة لها بحسب قيمة الحقوق المتهرب منها[8]، وهذا ما أستقر علية قضاء المحكمة العليا الجزائرية ومن احكام هذه المحكمة نذكر « إذا كان التهرب الضريبي يتعلق بأكثر من سنة مالية فأننا نكون أمام تعدد الجرائم ........ لإرتكاب المتهم خلال سنة 2003 جناية التهرب الضريبي لمبلغ يفوق مليون دينار ولا يقل عن ثلاثة ملايين، و لارتكابه خلال سنة 2004 جنحة التهرب الضريبي لمبلغ يفوق عن مليون دينار .....».[9]
ومما لابد ذكره إن قانون ضريبة العقار رقم 162 لسنة 1959 (المعدل) قد تضمن عقوبة الحبس كجزاء جنائي للمتخلف عن الأمتثال لأوامره فضلاً عن عقوبة الغرامة[10]، بينما خلا قانون ضريبة العرصات رقم 26 لسنة 1962 (المعدل) من ذكر عقوبة الحبس بالمطلق مكتفياً بالغرامة الجزائية[11].
ثانياً: الغرامة :
وهي مبلغ من النقود يلزم المحكوم علية في أحدى الجرائم الضريبية بأدائه الى الخزينة العامة بالنظر الى ما أنطوت عليه هذه الجريمة من أعتداء على المصلحة الضريبية للدولة [12].
وقد أطلق على هذا النوع من العقوبات بالغرامة الضريبية بالنظر الى المصلحة الضريبية التي تحققها سياسة التجريم والجزاء الضريبي، والتي لا يبتغي المشرع فيها مجرد تحقيق معنى العقاب وأنما يهدف فضلاً عن ذلك الى تعويض الدولة عما أصاب مصلحتها الضريبية من ضرر[13].
وقد فرض المشرع الضريبي العراقي الغرامة الضريبية كجزاء لمخالفة أحكامة في المادتين (56 و 59) وقد يحكم بها كعقوبة منفردة أو الى جانب عقوبة الحبس وهو نفس المسلك الذي سار علية المشرع المصري بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 1991 المعدل بالمادتين (41، 43)[14].
المطلب الثاني: سقوط العقوبة الضريبية
إن المشرع الضريبي حدد الافعال المجرمة والعقوبات المحددة لها قانوناً دون ذكر جميع الاوضاع الاستثنائية التي تسقط فيها العقوبة الضريبية مكتفياً بذكر حالة وحيدة لسقوط العقوبة وهي (عقد التسوية الصلحية)، وعلية سنسلط الضوء في هذا المطلب على حالات سقوط العقوبة في فرعين: نخصص الفرع الاول الى عقد التسوية الصلحية، إما في الفرع الاخر سنبين به موانع تنفيذ العقوبة الضريبية .
الفرع الاول: عقد التسوية الصلحية
وهي الحالة الوحيدة التي ورد ذكرها في قانون ضريبة الدخل النافذ في المادة (59مكرر) من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ بشكل صريح وواضح وحدد الآثار القانونية المترتبة عليها الا أنه أغفل عن وضع تعريف جامع مانع للتسوية الصلحية بالرغم من أن القانون الضريبي قد وضع العديد من التعاريف للمصطلحات الواردة فيه .
و يُعرف الصلح مدنياً على أنه (عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة بالتراضي)[15] اما الصلح الجنائي الضريبي فهو (عقد يتم بين طرفين او اتفاق ارادتين على التزامات معينة، ومن ثم لا يمكن فرضه على أي من الطرفين، لان هذا من شأنه ان يجعل الارادة مشوبة بعيب الاكراه الذي يلابس الصلح ويبطله ، ورضاء الممول بالصلح يفترض تبعاً تسليمه بمسؤوليته الجنائية عن الفعل المسند اليه، لأنه لو كان يعتقد براءته، فلا محل اطلاقاً لتصالحه مقابل دفعه مبلغا معينا لمصلحة الضرائب)[16].
وعليه يتمكن مرتكب الجريمة الضريبية بالاستعاضة عن الجزاءات السالبة للحرية بدفع (غرامة ضريبية) مقابل الصلح مع الادارة الضريبية .
وفيما يتعلق بموقف تشريعات الضرائب المباشرة من غرامة الصلح مع المكلف، فلم تنص عليها الا التشريعات الخاصة بضريبة الدخل فقط، والتي اختلفت في اطلاق التسمية على هذا النوع من الاجراء، فقد اطلق عليها قانون ضريبة الدخل النافذ في العراق (التسوية الصلحية)، واطلق عليها قانون ضريبة الدخل النافذ في الاردن (مصالحة)، اما قانون الضريبة الموحدة على الدخل النافذ في مصر، فقد اطلق عليه (الصلح مع الممول)، كما يأخذ قانون الضرائب العام في فرنسا بالتصالح الضريبي، فيستبدل العقوبة بمبلغ يتفق عليه كل من الادارة الضريبية والمكلف[17].
وينظر جانب من الفقه الى مضاعفة الضريبة الواردة في المادة (59/ مكررة) والتي تظهر في صورة جزاء بديل للجزاء الجنائي (الحبس) الوارد في المواد (57، 58)، كجزاءات إدارية كونها تخلق رابطة خاصة بين المكلف والسلطة المالية هي من قبيل التنفيذ الإداري وليس التنفيذ العقابي، باعتبار أن العقوبة لا تنفذ إلا بصدور حكم قضائي[18]، ويشترط لصحة الصلح الضريبي :
1.أن يتم عقد التسوية الصلحية من قبل وزير المالية .
2.أن تقتصر التسوية على الجرائم الضريبية المحددة بالمادتين (57،58) من قانون ضريبة الدخل العراقي .
3.أن تتم التسوية بأتفاق السلطة المالية ومرتكب الفعل المخالف أو من يمثله قانوناً
4. يجب تسديد الحد الأدنى من مبلغ التسوية والذي لا يقل عن مثلي الضريبة المتحققة في الدخل، خلال مدة أقصاها عشرة أيام من تاريخ حصول الموافقة على التسوية الصلحية .
5. أن يتم تقديم طلب التسوية من قبل مرتكب الفعل المخالف أو من يمثله قانوناً قبل أقامة الدعوى الضريبية أو خلال النظر فيها[19].
ويترتب على قبول التسوية الصلحية في الدعوى الجزائية الضريبية في حالة تحريك الدعوى، فأنها تلزم سلطة التحقيق بعدم السير في إجراءات الدعوى وإيقافها في أي مرحلة وصلت لها الدعوى، أي أن التسوية الصلحية تكون مانعاً من العقاب، أما أذا حكم على المتهم ( المتصالح معه) بالعقوبة المقررة لمخالفته قانوناً رغم دفعه لمبلغ التسوية جاز له الطعن بالحكم الصادر بالعقوبة ضده.
الفرع الثاني: موانع تنفيذ العقوبة
ويتضمن هذا الفرع بيان حالات لم ينص عليها قانون ضريبة الدخل الذي أكتفى بذكر المادة (59 مكرره) كما أسلفنا كوسيلة لسقوط العقوبة الضريبية، وتتمثل هذه الموانع بما نص علية قانون العقوبات العراقي بالمواد (150-155) [20]، والتي تشكل حالات لسقوط العقوبة الجنائية ولا مانع من سحب هذه الحالات على المكلف سيما وأن آثارها تشمله وتمتد الى غيره وهي :
أولاً: وفاة المكلف :
في حالة وفاة المكلف بعد صدور القرار بالعقوبة وقبل صيرورة الحكم نهائياً فيؤدي ذلك الى سقوط الجريمة وزوال آثارها ويبقى للمتضرر من الجريمة الحق في أقامة الدعوى المدنية لاستيفاء حقه، أما اذا كانت الوفاة بعد صيرورة الحكم نهائياً فتسقط العقوبة وتدابيرها الاحترازية باستثناء الغرامة فيتم تنفيذها من تركة المتوفي بالتنفيذ على الورثة[21].
ثانياً: صدور قرار بالعفو العام أو الخاص :
عند صدور قرار بالعفو العام من السلطة المختصة فأنه يشمل المحكوم عليه ضريبياً بعقوبة سالبة للحرية وتسقط عنه جميع العقوبات الا إذا نص قرار العفو على خلاف ذلك، ومما تجدر الإشارة الية أن قرار العفو العام في جميع الاحوال لا يسري على حقوق غير شخصية، إما اذا كان قرار العفو خاصاً بحق المحكوم علية ضريبياً فأن ذلك يؤدي الى سقوط العقوبة الأصلية كلها أو بعضها أو استبدالها بغيرها مع عدم سقوط العقوبات التبعية أو التكميلية والآثار الجزائية والتدابير الاحترازية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك[22].
ثالثاً: صفح المجني عليه تجاه الجاني ووقف الحكم النافذ:
وضحت المادة (155) من قانون العقوبات العراقي حالة صفح المجني وأحالت في أحكامة الى قانون أصول المحاكمات الجزائية[23]، إذ اشترطت لهذه الحالة تقديم المجني عليه طلباً للصفح عن الجاني أمام سلطة الاتهام المختصة فضلاً عن ذلك فأن تعدد الجناة وتقديم طلب الصفح بحق بعض منهم لا يسري بحق الآخرين، ولو طبقنا هذه الحالة على الجرائم الضريبية عملياً لوجدنا صعوبة تفوت الغرض من فرض العقوبة، إذ أن العقوبات الضريبية عند فرضها تستهدف مصلحة الدولة و الحفاظ على حقوق الخزانة بالدرجة الاساس بدليل أن المشرع أباح التصالح بالاستعاضة عن عقوبة الحبس بدفع المكلف ضريبة اضافيه كما أسلفنا الذكر في الفرع الاول من هذا المطلب، لذلك يمكن القول بأن حالة الصفح عن المجني علية إذا وجدت نجاح في جرائم أخرى فأنها لا تحظى بهذا النجاح في مجال العقوبات الضريبية .
أما بالنسبة لوقف التنفيذ فيسري علية الاحكام والشروط الواردة في قانون العقوبات العراقي[24]، سيما وأن الجرائم الضريبية تُعدّ من صنف الجنايات والجنح فلا مانع من تطبيق أحكام وقف التنفيذ طالما أنها لا تذهب الغرض من فرض الضريبة .
المبحث الثاني
الاثر المالي للعقوبة الضريبية
يُعد الهدف الجبائي من أهم الاهداف التي رسمت التشريعات الضريبية سياستها لتحقيقية وان خصوصية هذا الهدف أمتدت الى العقوبة الى ترمي بالدرجة الاساس الى حماية الحصيلة من التهرب الضريبي والاضافة لها في حال فرض عقوبة ضريبية بديلة، لذا سنبين في هذا المبحث مطلبين، نتناول في المطلب الاول الآثار الذاتية للجزاءات الجنائية الضريبية، وفي المطلب الاخر سنبين اثر السياسة العقابية الضريبية على الحصيلة المالية.
المطلب الاول: الآثار الذاتية للجزاءات الجنائية الضريبية
ان صفة الذاتية من الاساليب التي أتبعت في الصياغة التشريعية الضريبية لدوافع وروابط ترتبط بأسباب التشريع ونتائج تطبيقه لذا سنبين في هذا المطلب فرعين: فسوف نتناول في الفرع الاول ذاتية الجزاءات المالية الضريبية، ومن ثم نتناول في الفرع الثاني ذاتية الجزاءات البدنية الضريبية .
الفرع الاول: ذاتية الجزاءات المالية الضريبية
الذاتية كفكرة عامة تعني الخصوصية، أو الميزة التي تتوفر في تشريع دون غيرة من التشريعات وتساهم في رسم الإطار العام له، فهي ظاهرة فنية ترتسم بالصياغة التشريعية للنصوص القانونية لتحقيق أهداف وغايات متميزة لها[25]، وملامح هذه الصفة تظهر على مستوى الجزاءات سيما الجزاء المالي .
فالجريمة الضريبية لا تُعد جريمة بالمعنى الجنائي البحت، كما أنها ليست جريمة إدارية كباقي المخالفات الإدارية، لذا فهي جريمة ذات طبيعة خاصة وما يؤكد ذلك ذاتية الجزاء (الغرامة الضريبية) الموجود ضمن نصوص قانون ضريبة الدخل أن المرجع فيما لم يرد به نص خاص هو قانون العقوبات فضلاً عن ذلك فأن الحق المحمي بهذا الجزاء هو المصلحة العامة أي حق الخزانة العامة[26].
وعند أمعان النظر في الفصل الثامن والعشرون ( الخاص بالجرائم والعقوبات) من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ نجد أن توجه المشرع العقابي فيه مالي بحت سواء أكان قد قرر عقوبة زيادة الضريبة، أو عقوبة الغرامة بصفتها عقوبة أصلية أو تبعية، وحتى التصالح الضريبي ففي كل مرة يقرر الجزاء بما يهدف الى أضفاء زيادة مالية للحصيلة[27].
بل وأكثر من ذلك فالمشرع جعل من عقوبة عدم دفع الضريبة خلال (21) يوماً من تاريخ التبليغ عقوبة مالية بإضافة 5 % من مقدار الضريبة وتضاعف هذه النسبة بتضاعف المدة المذكورة، مبتغياً من هذا الإجراء تحقيق هدف واحد وهو زيادة الوارد المالي للدولة[28] فنجد أن النصوص العقابية الضريبية على أختلافها أمتزجت بالطابع المالي وهذا الوصف الجزائي نجدة في التشريع المالي وحدة دون التشريعات الاخرى ليحقق ذاتية خاصة على مستوى العقاب تحسب لهذا القانون .
إن لهذا التوجه المالي في الجزاء الضريبي ملامح تظهر في القوانين المطعون بصحتها أمام المحكمة الدستورية المصرية إذ جاء في أحد أحكامها « حيث أن الوقائع على ما يبين من حكم الاحالة وسائر الاوراق تتحصل في أن النيابة العامة أحالت السيد ...... متهمة أياه بتهربه من أداء الضرائب عن أرباحه التجارية عن نشاطه من أستغلال مزرعة سمكية عن أرباحه التجارية عن نشاطه من أستغلال مزرعة سمكية عن السنوات 1989-1999 ، وذلك بأستعمال إحدى الطرق الاحتيالية بأن أخفى نشاطه عن مصلحة الضرائب ولم يخطرها عند بدء مزاولته للنشاط، وعدم تقديمه للإقرارات الضريبية عن السنوات المذكورة، وعدم حصوله على البطاقة الضريبية خلال الميعاد المحدد ...... وفي حالة الحكم بالإدانة في الأحوال المنصوص عليها في (178) (179) من هذا القانون يقضي بتعويض يعادل ثلاثة أمثال ما لم يؤد من الضرائب المستحقة ...»[29].
وفي موضع آخر من القرار ذكر « وحيث إن الممولين الخاضعين للضريبة على إيرادات النشاط التجاري والصناعي يلتزمون عملا بالنص الطعين عند الحكم عليهم بالإدانة ..... فضلاً عن العقوبة الجنائية بالسجن بأداء ثلاثة أمثال الضريبة التي نسب إليهم التهرب من أدائها ، وكان ما توخاه المشرع من تقرير هذا التعويض منظوراً في ذلك الى مداه هو الحمل على إيفائها في الموعد المحدد قانوناً وبمقدارها الحقيقي الى الخزانة العامة لضمان تحصيلها والتقليل من تكلفة جبايتها ......»[30] يلاحظ على الفقرات المذكورة من القرار إن المشرع الضريبي المصري يتغيى من فرض العقوبة الضريبية الزيادة في الحصيلة دون الجزاء الجنائي بمعناه البحت، ومما ساعدة على تحقيق هذه الغاية إن النصوص العقابية الضريبية صيغت بطريقة تهدف الى السحب من المقدرة التكليفية للمكلف المتهرب في سبيل تحصيل وارد يضاف الى الخزانة العامة للدولة .
الفرع الثاني: ذاتية الجزاءات البدنية الضريبية
إن تقرير المشرع الضريبي لهذا النوع من الجزاءات في قانون ضريبة الدخل يأتي بمثابة وسيلة يلجأ إليها للتعبير عن اللوم القانوني المنظم، والموجه ضد المكلف لدفعه الى عدم مخالفة أحكام القانون الضريبي، وبالتالي عدم الإضرار بالمصلحة الضريبية للدولة أو تعريضها للخطر[31]، إذ أن قيام المكلف بأرتكاب الافعال الاجرامية يترتب عليها إضرار بمالية الدولة، لذلك فالفعل المرتكب يستدعي من وجهة نظر المشرع توفير وسيلة لردع المكلفين كفيلة باستئصال الخطورة الإجرامية الكامنة في نفوسهم والحيلولة دون الإقدام على مخالفة النصوص القانونية الضريبية مرة أخرى[32].
وبالرغم من فعالية الجزاءات السالبة للحرية، وبما تلحقه بالمجرم بسلب حريته وإبعاده عن الحياة الإجتماعية العادية الا ان لجوء المشرع الضريبي اليها أو تشدده في تطبيقها لدينا علية ملاحظتين :
تتمثل الاولى في أن المصلحة المحمية بالقانون الضريبي هي تغذية الخزانة العامة بالموارد المالية، وأن سجن المكلف المتخلف عن الدفع وأن كان يسبب له ألماً إلا أنه مضر بالمصلحة العامة بطريق غير مباشر، فأبعاد المجرم بالحبس عن الحياة الإجتماعية يؤدي الى تعطيل مصدر من مصادر تغذية الخزانة العامة بالأموال .
أما الملاحظة الثانية فتتجلى بان أيداع المكلف بالسجن نتيجة لعدم امتثاله لدفع الضريبة يشكل عبئاً على الدولة لما تتحمله من نفقات في سبيل معيشته داخل السجن وحراسته .
وبصورة عامة فأن مقدار العقوبة البدنية التي فرضها المشرع الضريبي لا تتناسب مع مقدار الضرر الذي أصاب الخزانة العامة نتيجة للتهرب الضريبي، فضلاً عن ذلك أن العقوبات الواردة في قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ لا تتماشى مع حال الاشخاص المعنوية في حالة أخلالها بإلتزاماتها بقصد التهرب من اداء الضريبة، إذن المشرع الضريبي أشار فقط الى المسؤولية التضامنية للشركة ومديرها عن مقدار الضريبة ودفعها الى السلطة المالية[33]، ولم يشر الى جزاء مخالفة هذا الإلتزام، الا أن ذلك لا يمنع من الرجوع الى الاحكام العامة في قانون العقوبات العراقي بأعتباره المرجع الاساس في القوانين الجزائية فيما لم يرد به نص خاص، إذ أقرت المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها أو مديروها أو وكلائها لحسابها أو بأسمها، فلا يجوز الحكم عليها بغير الغرامة والمصادرة والتدابير الإحترازية المقررة للجريمة قانوناً، فإذا قرر القانون للجريمة عقوبة أصلية غير الغرامة أبدلت بالغرامة ولا يمنع ذلك من معاقبة مرتكب الجريمة شخصياً بالعقوبات المقررة للجريمة في القانون[34]، ونرى أن توجه المشرع الضريبي في مجال العقوبات البدنية بهذا الشكل سببه اعتماده على فرض عقوبات مالية بكل الاشكال التي ذكرناها سابقاً دون الأقتصار على العقوبة البدنية وحدها .
المطلب الثاني: أثر تناسب الجزاء الضريبي على الحصيلة المالية
أن من أهم خصائص السياسة العقابية في الوقت الحديث هو تناسب العقوبة مع الفعل المرتكب ويترك المجال الواسع للقضاء لتقدير ذلك الا أن القوانين الضريبية وما تحمله من خصوصية فرضت مفهوم خاص للتناسب في سياستها العقابية سنبينه في هذا المطلب على فرعين اساسيين اذ سنبين في الفرع الاول خصوصية تناسب الجزاء الضريبي مع الجريمة الضريبية، ومن ثم نبين في الفرع الثاني موقف القضاء الدستوري من التجريم والعقاب الضريبي.
الفرع الاول: خصوصية تناسب الجزاء الضريبي مع الجريمة الضريبية
يُقصد بفكرة التناسب أن يكون العقاب متلائماً مع الظروف الشخصية للجاني والظروف الموضوعية للجريمة لكي تحقق العقوبة ثمارها ووظيفتها[35].
كما يُعرف على أنه صلة تتسم بالتوافق أو التوازن بين شيء وآخر في أطار العلاقات المعتادة التي يفترض أن تكون عليها تلك الصلة، أو هو وجود ملائمة ظاهرة بين الفعل ونوع الجزاء الموقع على مرتكبة[36]، ويُعدّ مبدأ التناسب أحد موجهات السياسة الجنائية بصورة عامة، إذ يجب أن لا تتضمن القاعدة المجرمة سوى العقوبات الضرورية اللازمة والمتناسبة مع خطورة السلوك غير المشروع والمصلحة المعتدى عليها بقدر ما تعرضت له من ضرر، وهذ ما سار علية القضاء العراقي فقد قضت محكمة التمييز في قرارها (1636 في 28/7/1971) على أن « لا ينبغي أن تكون العقوبة هينة بحيث لا يؤبه بها ولا تكون قاسية بغير مبرر أذ لا فائدة من عقوبة غير رادعة»[37].
وهناك عدة معايير ظهرت لأثبات تحقق التناسب من عدمه منها المعيار الموضوعي الذي يؤكد على ماديات الجريمة، أي أن التناسب وفق هذا المذهب يكون بين النتيجة الإجرامية والعقوبة بغض النظر عن إرادة الجاني تطبيقاً لمبدأ العدالة فالعقوبة هي جزاء عادل للمجرم عن جريمته، ومن ثم يجب أن تلحق به ألماً متناسباً مع ما يسببه من ضرر للنظام القانوني[38].
أما المعيار الشخصي فيبني التناسب على الخطورة الإجرامية للجاني، فلا يكفي لتحقق التناسب قيام علاقة السببية بين السلوك ومرتكبه، إذ يكتفي بالتركيز على الركن المعنوي للجريمة، فالمسؤولية الجزائية تُقام متى ما توفرت الخطورة الإجرامية لدى الفاعل[39].
وبالنسبة للمعيار الثالث وهو المختلط فيوفق بين المعيارين السابقين من خلال الجمع بينهما، إذ أن العقوبة وفقاً له تتناسب مرة مع جسامة السلوك المادي ومرة مع جسامة الخطورة الإجرامية فضلاً عن منح القاضي سلطة في تقدير العقوبة بما يتناسب مع خطورة الفاعل وجسامة الجريمة[40]، ويُعدّ هذا المعيار من أكثر المعايير التي أُقيمت عليها السياسة العقابية الضريبية .
فبالنسبة للعقوبات البدنية المحددة لجريمتي التزوير والإحتيال فنرى عدم تناسبها مع درجة جسامة ماديات الجريمة فهي تشكل إعتداء على مقدار كبير من الأهمية الا وهي حقوق الخزانة العامة عن طريق أهم إيراداتها وهي الضريبة، فضلاً عن أن السلوك المادي لهذه الجرائم يتضمن مجهود إجرامي وإصرار على المضي به يفترض أن يتشدد بالعقاب عليه ليواجه الخطورة الإجرامية التي يكشفها هذا السلوك.
وفيما يتعلق بعقوبة الغرامة كعقوبة جنائية، أو العقوبات غير الجنائية التي تفرضها السلطة المالية بصورة إضافات قانونية كالزيادة الضريبية، أو الفوائد التأخيرية، أو مضاعفة مقدار الضريبة الأصلية نتيجة عدم تسديد الضريبة في المواعيد المحددة أو عدم تقديم التقارير والمعلومات والمستندات المطلوبة فنرى تناسبها مع الجريمة الضريبية كونها من نفس جنس الجريمة إذ تُعدّ من الوجهة الفنية والعلمية منسجمه مع طبيعة المصلحة المحمية والتي شرعت العقوبة لحمايتها[41]، ومما يؤكد كلامنا هذا أن غالبية الشراح يذهبون الى ضرورة انزال عقوبة الغرامة محل العقوبات السالبة للحرية كلما أمكن ذلك خاصة في الجرائم المتعلقة بالأموال .
الفرع الثاني: موقف القضاء الدستوري من التناسب بين التجريم والعقاب الضريبي.
يبرز دور القضاء الدستوري بالتأكيد على مبدأ التناسب ما بين الجزاءات الضريبية والمخالفات إذ جاء في أحد أحكام المحكمة الدستورية المصرية ما يلي:
« وحيث أن مبدأ خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطي يعني أن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها، وتتقيد بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التي ألتزمتها الدول الديمقراطية بأضطراد في مجتمعاتها، واستقر العمل باضطراد على أنتهاجها في مظاهر سلوكها على تباينها، لضمان ألا تنزل الدولة القانونية بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم، عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديمقراطية، ويندرج تحتها، ألا يكون الجزاء على أفعالهم جنائياً كان أم مدنياً، أم تأديبياً، أم مالياً إفراطاً، بل متناسباً معها، ومتدرجاً بقدر خطورتها ووطأتها على الصالح العام فلا يكون هذا الجزاء إعناتاً»[42].
ففي القرار أعلاه نجد إن المحكمة قد ربطت بين سمو القواعد الدستورية ومشروعية القوانين الضريبية من خلال جعل الجزاء الضريبي متناسباً مع الجرم، حتى لا يشكل إعتداء على الحقوق الشخصية للممولين المكفولة دستورياً مؤكدة على ضرورة التدرج بالعقاب بحسب جسامة الجريمة بعيداً عن التعنت والمغالاة في المسائلة القانونية .
أما المشرع الضريبي فأنه ينظر الى مبدأ التناسب من زاوية ملائمة الجزاء الضريبي للنتيجة المتحققة والتي تمثل إعتداء على المصلحة الضريبية، إذ يشترط لإيقاع الجزاء أن لا يكون هناك أعتداء حقيقي على المصلحة الضريبية والتي تتمثل بإرتكاب المكلف أي فعل يمثل أهدار لهذه المصلحة، وبالتالي فإذا ما تم أيقاع الجزاء على فعل لم يشكل إعتداء على هذه المصلحة، كان هذا إعتداء على حق الملكية وهذا ما قررته المحكمة في قضائها « ... وحيث أن حكم الإحالة ينعى على نص المادة (181) من قانون الضرائب على الدخل السالف ذكرها أمور ثلاثة أولها: أن ما قرره من تعويض- يوازي ثلاثة أمثال ما لم يؤد من ضرائب – جاء مبالغاً فيه، ومناهضاً لروح العدالة التي يقوم عليها النظام الضريبي ويؤكد عليها الدستور في العديد من المواد ، وثانيها: أنه ألزم الممول بسداد الضريبة التي تهرب منها بالإضافة الى ثلاثة أمثالها كتعويض الأمر الذي قد يترتب عليه مصادرة وعاء الضريبة بالكامل بل قد يتجاوزه الى باقي اموال الممول بما يشكل اعتداء على حق الملكية ...»[43]
كما أن القضاء الدستوري يشدد على ضرورة التناسب ما بين الجزاء وضوابط العدالة، إذ ليس من المنطق والعدالة الإفراط والتفريط بإقاع الجزاء والأنتقاص من الذمة المالية للممولين المخاطبين بالقاعدة القانونية إذ جاء في نصها « ... وكان التعويض بالنص الطعين جزاء على المخالفات الواردة بالمادة (178) من القانون جاء مفرطا وغير مناسب للنوعيات المختلفة من هذه المخالفات على النحو السالف بيانه منافياً بالتالي لضوابط العدالة الإجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي في الدولة ومنتقصاً من العناصر الإيجابية للذمة المالية للمولين الخاضعين لأحكامه ...»[44].
فضلا عن ذلك نجد إن المحكمة الدستورية تؤكد على عدم جواز تعدد صور الجزاء على مخالفة واحدة في القانون الضريبي كون ذلك يتقاطع مع نظام العدالة الإجتماعية ، إذ قررت « إن المشرع وعملاً بالمادة الثالثة من قانون رقم 5 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة فيما تضمنه من جزاء يتمثل في ألزام أصحاب الجهات التي تقام بها الحفلات اللذين تأخروا عن توريد ضريبة رسم التنمية على الحفلات التي يقيمها الأجانب في مصر بدفع مبلغ الضريبة في كل الأحوال سواء أكان الإخلال بوريدها ناشئاً واقعاً مرة واحدة أو متعدداً وسواء كان التأخير عن توريد الضريبة ممتداً زمناً أم قصوراً على يوم واحد ..... قد ضم الى هذا الجزاء جزاءين آخرين هما التعويض والغرامة المنصوص عليمها في المادتين 187/ ثالثاً و 190 من قانون ضريبة الدخل رقم 157 لسنة 1987 ....... وتعدد صور الجزاء وانصبابها جميعاً على أموال المدين مع وحدة سببها يعتبر توقيعاً لأكثر من جزاء على فعل واحد منافياً لضوابط العدالة الإجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي في الدولة ومنتقصاً بالتالي دون مقتضى من العناصر الإيجابية للذمة المالية «[45].
وفي قرار آخر لها أكدت ذات المبدأ في التناسب ما بين الجزاء المصلحة المحمية إذ قضت « ... وكان الأصل في صور الجزاء إلا تتزاحم جميعها على محل واحد بما ينبو بها عن موازين الاعتدال « وكذلك جاء فيه «أن فكرة الجزاء جنائياً كان أو مدنياً تعني مجاوزة الحدود التي يجوز التسامح فيها وكلما كان الجزاء مقرراً لضرورة ومتناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها متصاعداً مع خطورتها كان موافقاً للدستور« [46].
الخاتمة
بعد الانتهاء من بحثنا الموسوم بـ( الدور الإيجابي للعقوبة الضريبية وآثره في زيادة الحصيلة المالية ) توصلنا الى مجموعة من النتائج والتوصيات تخدم موضوع البحث وكما يلي:
النتائج:
هناك علاقة طردية بين الالتزام الضريبي و الجزاءات الضريبية ، فكلما تشدد الجزاء على المكلف زاد التزامه الضريبي .
تتنوع العقوبات الضريبية بين الحبس والغرامة و للإدارة الضريبية سلطة تقديرية في فرض عقوبة الغرامة الضريبية وهي ذات طبيعة تجمع في جزاء واحد وظيفتي العقوبة والتعويض المدني ، وهي جزاءات ضريبية لها طبيعتها الخاصة بها والتي ترجع إلى ذاتية القانون الضريبي وأهدافه العامة ، تفرض هذه الغرامة الضريبية عن طريق اضافة مبلغ إلى مبلغ الضريبة المستحق ، وتفرض أيضاً إلى جانب الغرامة التي تفرضها المحاكم المختصة طبقا للمادة (56) من قانون ضريبة الدخل النافذ في العراق ، كما ان للإدارة الضريبية سلطة تنفيذية في فرض عقوبة الغرامة الضريبية على شكل مضاعفة مبلغ الضريبة ، إلى جانب العقوبات الواردة في المادتين (57) و(58) من قانون ضريبة الدخل النافذ في العراق .
أن غالبية العقوبات الضريبية غير متناسبة مع الجريمة الضريبية، فبالنسبة للعقوبات السالبة للحرية المتمثلة بالتزوير والإحتيال غير متناسبة مع الجرم جسامة الجريمة المرتكبة وما يقابلها من جزاء في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وعلى صعيد الجزاءات المالية نلاحظ أن المشرع فرض غرامات تكاد أن تكون رمزية وغير متناسبة مع المخالفة المرتكبة ، مما يشجع المكلفين على تكرار إرتكاب الجريمة، كما إن القانون الضريبي يخلو من الاحكام المنظمة للعود وهذا يُعدّ ثغرة تشريعية .
التوصيات:
نوصي المشرع الضريبي بتعديل نسب ومقادير الغرامات المقررة لمرتكبي الجرائم الضريبية بشكل يحقق المردود المالي الأفضل عند فرض هذا النوع من الجزاءات، مع التوسع بفرض العقوبات النسبية لكونها الأكثر تناسباً مع المصلحة المحمية .
نوصي المشرع الضريبي بتنظيم قانوني يتناول حالة العود على إرتكاب الجريمة الضريبية لقطع الفرصة على المكلفين العائدين ، والتشديد في العقاب على هذه الحالة خصوصاً بعقوبة الغرامة لرفد الخزينة المالية بموارد إضافية تعوض النقص الحاصل بسبب تخلف المكلف عن الدفع
نوصي المحكمة الاتحادية العليا ان تسير بمسار المحكمة الدستورية العليا المصرية بمجال النظر في الجرائم والعقوبات الضريبية ، وحماية النصوص الضريبية من اي تعارض يتنافى واحكام الدستور.
[1] الجزاء في الاصطلاح اللغوي هو المكافاة على الشيء جزاه به وعليه جزاء وجازاه مجازاة وجزاءً ،ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد الاول ، مصر ، دار المعارف ، بلا سنة طبع ، ص 619 . كذلك عرف الجزاء بأنه كل ما يترتب على العمل من مثوبة وعقوبة ، الشيخ عبد الله العلايلي ، الصحاح في اللغة والعلوم ، المجلد الاول ، بيروت ، دار الحضارة العربية للنشر ، بلا سنة طبع ، ص 190.
[2] عبد الفتاح مصطفى الصيفي ، الأحكام العامة للنظام الجزائي ، مطبوعات جامعة الملك سعود ، الرياض ، المملكة العربية السعودية ، 1995، ص 483.
[3] د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر ، ط 10، 1983، ص555
[4] د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر ، ط 5، 1982 ، ص 667.
[5] خليل أسماعيل ، المحاسبة الضريبية ، بغداد، العراق ، ط 1، 2002، ص 685.
[6] المادة ( 55) من قانون ضريبة الدخل النافذ رقم 133 لسنة 1982 المعدل .
[7] نصت المادة (57) من قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 “ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة من يثبت علية امام المحاكم المختصة ارتكاب احد الأفعال الأتية :
من قدم عن علم بيانات أو معلومات كاذبة أو ضمنها في تقرير أو حساب أو بيان بشأن الضريبة أو أخفى معلومات كان يجب عليه بيانها قاصداً بذلك الحصول على خفض أو سماح أو تنزيل مقدار ضريبة تفرض عليه أو على غيره أو أسترداد مبلغ مما دفع عنها .
من أعد أو قدم حساباً أو تقريراً أو بياناً كاذباً أو ناقصاً عما يجب أعداده أو تقديمه وفق هذا القانون أو ساعد أو حرض أو أشترك في ذلك «
بينما نصت المادة (58) من القانون المذكور على « يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على السنتين من يثبت عليه أمام المحاكم المختصة أنه أستعمل الغش أو الأحتيال للتخلص من أداء الضريبة المفروضة أو التي تفرض بموجب هذا القانون كلها أو بعضها» .
[8] إذ نصت المادة 13 من قانون رقم 16-11 /12/2011 من قانون المالية لسنة 2012 الجزائري على « تعدل أحكام المادة 303 من قانون الضرائب والرسوم المماثلة وتحرر كما يلي «..... يعاقب كل من تملص باللجوء الى أعمال تدليسيه في وعاء أي ضريبة أو حق أو رسم خاضع له أو تصفيته كلياً جزئياً :
1...... الحبس من شهرين الى ستة أشهر ..............، عندما يفوق مبلغ الحقوق المتملص منها 100،000 د ج ولا يتجاوز 1،000،000 د ج .
2....... الحبس من ستة اشهر الى سنتين ...........، عندما يفوق مبلغ الحقوق المتملص منها 1،000،000 د ج ولا يتجاوز 5،000،000 د ج
3. ..... الحبس من خمس سنوات الى عشر سنوات .....، عندما يفوق مبلغ الحقوق المتملص منها 5،000،000 د ج ولا يتجاوز 10،000،000 د ج .
[9] القضية رقم (716337) الصادرة من الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا بتاريخ 20/1/2011 ، مجلة المحكمة العليا ، العدد2 ، 2012، ص 308.
[10] أنظر المادة (30) من قانون ضريبة العقار رقم 126 لسنة 1959 المعدل.
[11] أنظر المادة (8) من قانون ضريبة العرصات رقم 26 لسنة 1962 المعدل .
[12] أحمد فتحي سرور ، الغرامة الضريبية ، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد ، العدد 2 ، المجلد 30، 1960 ، ص 10.
[13] صبا فاروق خضر ، الطبيعة القانونية للغرامة الضريبية ، بحث منشور في مجلة دراسات محاسبية وقانونية / جامعة بغداد ، المجلد 6 ، العدد 14، 2011 ، ص 2 .
[14] إذ نصت المادة (41) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 1991 المصري المعدل « يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنية ولا تتجاوز الفي جنية فضلاُ عن الضريبة والضريبة الإضافية المستحقتين ......) بينما نصت المادة (43 ) من ذات القانون على « مع عدم الأخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون آخر يعاقب المتهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن الف جنية ولا تتجاوز خمسة الاف جنية أو بأحدى هاتين العقوبتين ...»
[15] المادة (698) من القانون المدني العراقي المرقم (40) لسنة (1950).
[16] حسن صادق المرصفاوي، التجريم في تشريعات الضرائب، دار المعارف، الاسكندرية، 1963 ، ص204.
[17] قبس حسن عواد البدراني ، المركز القانوني للمكلف الضريبي في ضريبة الدخل دراسة مقارنة ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون ، جامعة الموصل ، 2002، ص227.
[18] د. آمال عثمان- شرح قانون العقوبات الاقتصادي في جرائم التموين- القاهرة- دار النهضة العربية للنشر- 1983- ص 180-118.
[19] أنظر المادة (59 مكررة ) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 .
[20] أنظر المواد (150-151-152-153-154-155) من قانون لعقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
[21] أنظر المادة ( 24) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 .
[22] م. حيدر نجيب أحمد المفتي ، التجريم والعقاب في قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ ( دراسة تحليلية ) بحث منشور في مجلة كلية القانون والعلوم السياسية / جامعة ديالى ، العدد 54 ، 2012، ص 34.
[23] أنظر المواد (338-339) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1972.
[24] أنظر المواد (144-149) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
[25] دعاء كاظم طارش ، الرقابة الدستورية على ذاتية التشريعات المالية ، رسالة ماجستير ، كلية القانون / جامعة ذي قار ، 2020، ص 21.
[26] عبد اللهوم بلقاسم و برابح فاروق ، الطبيعة القانونية للجريمة الضريبية ، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق والعلوم السياسية / قسم الحقوق / جامعة محمد بوضياف – المسيلة ، الجزائر ، 2017-2018، ص 34.
[27] أنظر المواد من (56 – 59 مكررة ) من قانون ضريبية الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982.
[28] أنظر المادة (45) من قانون ضريبية الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982.
[29] القضية رقم 332 لسنة 2 قضائية / دستورية ، صادرة من المحكمة الدستورية المصرية ، 8/5/2005.
[30] القضية رقم 332 لسنة 2 قضائية / دستورية ، مصدر سابق.
[31] محمود نجيب حسني ، علم العقاب ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، مصر ، 1973، ص 37.
[32] زينب عبد الكاظم حسن الكناني ، التناسب بين التجريم والعقاب في قانون ضريبة الدخل العراقي ( دراسة مقارنة ) ، رسالة ماجستير، كلية القانون/ جامعة البصرة ،2014 ، ص 76
[33] أنظر المادة (14) من قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 المعدل .
[34] أنظر المادة (80) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
[35] د. عمار عباس الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العراقي والمقارن ، بحث منشور في مجلة الكلية الإسلامية الجامعة ، النجف الأشرف ، 2009 ، ص 79 .
[36] أ.د. عماد فاضل ركاب ، التناسب التشريعي بين التجريم والعقاب في قانون ضريبة الدخل العراقي ، كلية القانون والسياسة ، جامعة البصرة ، 2016، ص4 .
[37]د. أمين مصطفى محمد ، النظرية العامة لقانون العقوبات الإداري ، دار الجامعة الجديدة، الأسكندرية ، مصر ، 2008 ، ص 62.
[38] نقلاً عن د. فخري الحديثي ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، العاتك ، بغداد ، 2010، ص 373.
[39] د. نادرة محمود سالم ، السياسة الجنائية المعاصرة ومبادئ الدفاع الإجتماعي من منظور أسلامي ، مع تطبيقات الشريعة الإسلامية في مكافحة الجريمة ، النهضة العربية ، القاهرة ، مصر، بدون سنة طبع ، ص 42.
[40] د. فهد يوسف الكساسبة ، وظيفة العقوبة ودورها في الإصلاح والتأهيل ، ط1 ، دار وائل ، الإردن ، 2010، ص 35.
[41] د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي ، المبادئ العامة في قانون العقوبات ، بيروت لبنان، 2015 ، ص 430 .
[42] القضية رقم 332 لسنة 2 قضائية / دستورية ، مصدر سابق.
[43] القضية رقم 332 لسنة 2 قضائية / دستورية ، مصدر سابق.
[44] القضية رقم 332 لسنة 2 قضائية / دستورية ، نفس المصدر .
[45] القضية رقم 33 لسنة 16/ قضائية /دستورية ، 3/فبراير/1996.
[46] القضية رقم 152 لسنة 18 / قضائية / دستورية ، 6 يونيو /1998.