تاريخ الاستلام: 10 تموز 2022 تاريخ القبول: 10 أيلول 2022
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
المسؤولية التقصيرية للقوات الامريكية عن
الفعل الشخصي لأفرادها والآثار المترتبة عليه
The initial responsibility of the American forces for the
personal actions of its members and the consequences thereof Preparation
م.م علي عبد العزيز الجبوري
جامعة قم/ كلية الحقوق
أ.م.د. مهدي ميرداداشي
جامعة آزاد/ قم
أ.م.د. محسن قدير
جامعة قم
assistant teacher: Ali Abdulazeez Al-guri
Qom University /College of Law
Dr. Mehdi Mirdadashi
Qom Azad University
Dr.Mohsen Qadeer
University of Qom
المستخلص
هذا البحث يسلط الضوء على موضوع مهم طال الحديث عنه، وهو مدى تحمّل القوات الامريكية للمسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي لأفرادها، والآثار المترتبة على ذلك، ومن اجل الوصول الى جواب لهذه الإشكالية، لابد لنا أولاً تحديد وبيان أركان هذه المسؤولية، ومن ثم الدخول في دراسة الآثار المترتبة على هذا الفعل، إضافة الى الضوابط القانونية التي تحكمها، كون هذه الضوابط هي الفيصل في تحديد التقصير من عدمه، ونظراً للأضرار الكبيرة التي طالت المواطن العراقي جراء سلوكيات هذه القوات، كان لابد لنا من دراسة هذا الموضوع، والاستعانة بما ورد من نصوص قانونية واحكام تحدد لنا هذه المسؤولية، سواء كان ذلك في القانون المدني العراقي أو قانون العقوبات أو قانون التعويضات النافذ أو غيرها من القوانين ذات العلاقة.
Abstract
This research sheds light on an important topic that has been talked about for a long time, which is the extent to which the American forces bear the tortuous responsibility for the personal actions of their members, and the Consequences thereof , in order to reach an answer to this problem, it is necessary and clarify the pillars of this act, addition to the legal Controls that govern it, Since these controls are the decisive factor in rentwing the default or not, and in fiew of the great damage that affected the Iraq citizen as a result of the behavior of these forces, it was necessary for us to studythis subject, andto seek theassistance of thelegal texts and provisions that determine thisresponsibility for us, whether it was in Iraqi civil Code, The penal code, thecompensation law in force, or other relevant laws.
المقدمة
لم تكن المسؤولية التقصيرية تشغل حيزاً كبيراً في كتب الفقه وآراء الفقهاء حتى ظهرت الثورة الصناعية في أوربا أواخر القرن التاسع عشر، فقامت هذه المسؤولية على فكرة الخطأ، ومن ذلك الأفعال الشخصية التي تصدر من الشخص المسؤول نفسه، والتي يحاسب عليها إذا ثبت التقصير فيها على أساس الخطأ الواجب الاثبات[1]، وضمن السياق التاريخي لهذه المسؤولية نجد أنها قد تنازعتها في بداياتها نظريتان، الأولى منها عرفت بالنظرية الشخصية التي تستلزم وجود خطأ لقيام المسؤولية الواجب الإثبات، بينما عرفت الثانية بالنظرية الموضوعية التي تستلزم وجود الضرر لقيام المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي ویقع على المضرور عبء إثبات الخطأ المرتكب من طرف المسؤول وإثباته[2]، وامام ما جرى في العراق من احتلال وما نتج عنه من سلوكيات وأفعال تعرض لها المواطن العراقي، كان لزاماً علينا أن ندرس مدى تحقق ما تقدم من بيان حول المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي لهذه القوات وخصوصاً بعد الكم الكبير من الأفعال التي أودت في كثير من الأحيان الى ازهاق أرواح الأبرياء أو اصابتهم جسدياً أو في ممتلكاتهم.
وبناءً على ما تقدم، لابد لنا من طرح الإشكالية التالية: ما هي أركان المسؤولية التقصيرية للقوات الامريكية عن الفعل الشخصي لأفرادها، وما هي الآثار المترتبة عليه؟.
وللإجابة عن هذه الإشكالية، سنقسّم هذه الدراسة الى مبحثين، يتناول الأول منهما بيان أركان هذه المسؤولية، بينما يتناول المبحث الثاني الآثار المترتبة على هذه المسؤولية.
المبحث الأول
أركان المسؤولية التقصيرية
للقوات الامريكية عن الفعل الشخصي لأفرادها.
إن الأساس الذي اعتمدته هذه المسؤولية هو قيامها على الخطأ واجب الاثبات، حيث يكلف الشخص الذي أصابه ضرر بإثبات الضرر الذي أصابه، وانه تولد نتيجة لعمل شخصي يظهر من طرف المسؤول عنه، ومن اجل اثبات الحق للمضرور، لابد لنا أولاً من بيان الأركان التي ترتكز عليها هذه المسؤولية، ومن خلال مطالعتنا لما ورد في المواد (186و 202 و204) من القانون المدني العراقي، نجد أن هناك ثلاثة أركان للمسؤولية وهي، الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية بينهما، وسوف نتطرق إليها في مطالبنا التالية.
المطلب الأول: الخطأ.
لم تتفق كلمات فقهاء القانون على تحديد معنى موحد للخطأ، فقد كثرت التعريفات والتعليلات ولم يخل واحد منها من الملاحظات، فهناك من يعرف الخطأ اقتداءً بما ذهب اليه الرومان، وهو ما أخذ به القانون الانكليزي أيضاً، وهو الفعل الضار غير المشروع، ويعلق الفقيه ذنون عليه، بأن هذا التعريف كمن فسر الماء بالماء، ولا يقدمنا خطوة واحدة نحو فهم معنى الخطأ[3]، أو هو الاخلال بالتزام سابق، كما ذهب الى ذلك الفقيه بلاينول، وايضاً تم الاعتراض عليه بأن الالتزامات كثيرة لا يمكن حصرها فما هي حتى يكون الاخلال بها خطأً[4]، بينما نجد فريق آخر يذهب باتجاه جديد، فقال هو الاخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل به [5]، ويبدو أن هذا التعريف قد تم استنباطه من نص المادة (164) من القانون المدني المصري[6]، وهناك من قال بما ذهب اليه بلانيول ولكنه وسع في دائرته، بقوله أن الخطأ هو إخلال باِلتزام سابق، والالتزام السابق هو الامتناع عن العنف والكف عن الغش وكذا اليقظة في تأدية واجب الرقابة على الأشخاص أو على الأشیاء[7]. ومن خلال القواعد العامة نجد أن للخطأ ركنان أساسيان، وهما ركن مادي وهو التعدي، وركن معنوي وهو الادراك.
الفرع الأول: التعدي واركانه ومعياره.
لتحديد متطلبات هذا الفرع، لابد لنا ان نحدد المعنى القانوني والشرعي للتعدي ومن ثم بيان أحواله واركانه، ومن ثم تحديد معياره، وذلك في الأقسام الآتية.
القسم الأول: تحديد مفهوم التعدي.
اكتنف مفهوم التعدي لغط وغموض وتداخل بين المنظور الغربي ومن يحمل نظرته من ناحية قانونية، وبين نظرة الفقه الإسلامي إليه، وحتى من كتب بخصوصه في الفقه الإسلامي لم تلتق كلماتهم على رأي واحد الفقهاء، فالدكتور علي الخفيف يشير الى ما تبناه الفكر الغربي من وجوب أن يكون الفعل الذي ينشأ عنه الضرر ممثلاً للخطأ، ويستطرد قائلاً؛ بأن الخطأ عندهم شرط ضروري لقيام المسؤولية ووجوب التعويض، بل هو الأساس الذي تقوم عليه، بينما نجد الفقه الإسلامي لا يشترط في الضرر الواجب التعويض أن يكون ناشئاً عن اعتداء ومخالفة محظور، بل يجب فيه مطلقاً سواء أكان هذا الضرر ناشئاً عن اعتداء أم لا[8]. بينما يذهب الزحيلي الى القول؛ بأن التعدي هو انحراف عن السلوك المألوف وضابطه في الغالب موضوعي وليس ذاتي، فينظر الى الاعتداء على أنه واقعة مدنية محضة، ويترتب على من يتسبب بالضرر المسؤولية وجبر الضرر بالتعويض، يستبعد التعدي في الفعل الذي يحدث الضرر مباشرة ويستوجبه إذا حدث تسبيباً، ولكن بشروط أربعة ضمّنها في كتابه نظرية الضمان[9].
وأما معنى التعدي من الناحية القانونية كونه مدار دراستنا، فإننا نجده في قانون العقوبات العراقي، فقد أشار الى موضوع التعدي وحدد معناه بصورة واضح جلية، كما ورد ذلك في نص المادة (19) بـ(ان التعدي أو الفعل الجرمي هو كل تصرف حرمه القانون سواء كان إيجابياً أم سلبياً، كالترك والامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك)[10]، في نفس الاتجاه ذهب القانون المدني العراقي في المادة (202) واصفاً التعدي (بأنه كل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أي نوع من أنواع الإيذاء)، وكذلك في المادة (204) التي نصت على أن (كل تعد يصيب الغير بأي ضرر آخر يستوجب التعويض)[11]. ويظهر من خلال ما تقدم بأن التعدي هو فعل ما لا يجوز فعله، بحيث يكون من يقوم بالفعل الضار ضامناً لما يتسبب بتلفه، وبعبارة أخرى هو كل فعل وجب خروج صاحبه عن الاذن وصيرورته غاصباً، وبالتالي فإن عدم الضمان فيه مشروط بعدم القيام بوظائف الحفظ، فإذا لم يقم بذلك فيعتبر ضامناً[12]، وذهب آخرون الى القول بأنه الظلم والعدوان ومجاوزة الحق، وضابطه هو كل انحراف عن السلوك المعتاد والمألوف للشخص العادي، أو هو العمل الضار من دون وجه حق أو جواز شرعي، ومعيار هذا التعدي في الغالب يكون معياراً مادياً موضوعياً لا ذاتياً[13].
القسم الثاني: أركان التعدي.
من خلال ما قدمه فقهاء القانون والشريعة تم تحديد أركان التعدي كونه يمثل العصب الرئيسي في المسؤولية، وهما ركنان.
أولاً: الركن المادي: وهو ارتكاب المعتدي فعلاً من شأنه إحداث الضرر بالغير، مرة بشكل مباشر، وأخرى بشكل غير مباشر (بالتسبيب)، أو قد يكون الفاعل بصفة أصيل أو شريك أو هو أحد أطراف الفعل العدواني، ومن زاوية أخرى ربما يكون هذا الشخص قد ساهم في هذا الفعل بصورة إيجابية بأن يرتكب فعلاً يجرمه القانون، أو بصورة سلبية تأخذ صورة الترك أو الامتناع، وهذه الصورة لا تتحقق إلا حين يدل الترك أو الامتناع على إهمال أو عدم احتياط[14]، وقد اشارت المادة (28) من قانون العقوبات العراقي بشكل صريح لهذا الركن بقولها (الركن المادي للجريمة سلوك اجرامي بارتكاب فعل جرّمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون)[15].
ثانياً: الركن المعنوي: وهو ما يعرف بالقصد الجنائي، وقد أناط الفقهاء تحديد هذا الركن الى ظروف وملابسات واضحة وكيفية حصولها وأسلوب ارتكابها، وما يترتب على هذا السلوك من نتائج؛ لأن القصد أو النية الجنائية أمر باطني خفي لا يمكن الاضطلاع عليه[16]، ولو عدنا من جديد الى قانون العقوبات العراقي لوجدنا أنه أشار الى القصد الجرمي في المادة (33) منه، واصفاً إياه بأنه (توجيه الفاعل إرادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً الى الجريمة التي وقعت أو أية نتيجة جرمية أخرى)[17].
القسم الثالث: معيار التعدي:
بعد ان وقفنا على معنى التعدي وحددنا اركانه، نقف هنا مع مسألة هامة، وهي تحديد مقياس التعدي (المعيار) هل هو شخصي أم مادي.
أولا: المعيار الشخصي: هذا المعيار ينظر فيه الى ذات الشخص الذي وقع منه الفعل عند حكمنا على الفعل الضار، هل هو إخلال ام تعدي، فاذا كان هذا الشخص يقظاً حذراً، فإننا نحاسبه على أقل هفوت او انحراف او تعدي، وأما إذا كان هذا الشخص دون مستوى الرجل العادي؛ فإننا لا نحاسبه على الانحراف او الاخلال، الا إذا كان هذا الانحراف أو الإخلال كبيراً بحيث لا يصدر عن امثال هذا الشخص[18].
والملاحظة الجديرة بالاهتمام فيما يتعلق بهذا المعيار، هي انه وإن كان عادلاً في الامر المتعلق بالفاعل، الا أنه يجانب العدالة فيما يتعلق بحق من وقع عليه الضرر؛ لأن هذا المعيار يحرم المضرور من المطالبة بالتعويض في بعض حالات التعدي، وخصوصاً عندما يكون المعتدي من مستوى الرجل العادي، يضاف الى هذه الاشكالية أمراً آخر، وهو أننا في هذا المعيار لابد لنا أن نحلل شخصية المعتدي وقراءة خفايا نفسه وما يفكر فيه، وهو أمر متعسر وشاق لا يسهل الوصول اليه، لذا لابد لنا من النظر في معيار ثانٍ يخرجنا من هذه الحيرة.
ثانياً: المعيار المادي: في هذا المعيار تم تجاوز النظر الى ذات الشخص الذي وقع منه الفعل، وانما وقع النظر الى الشخص مجرداً من كل الخصوصيات، وهو الرجل العادي مع النظر الى الظروف الخارجية المحيطة به، وهي ظروف الزمان والمكان، فاذا وقع فعل ما من شخص؛ فإننا في هذا السبيل ننظر الى فعل هذا الشخص؛ هل يعتبر خطأً يتحمل مسؤوليته، وذلك من خلال مقارنته برجل بنفس مستواه، وهو مستوى الرجل العادي وبنفس الظروف، فاذا كان هذا الفعل يقع من الرجل العادي مثل ما يقع من الرجل الأول، لا يعتبر هذا الرجل مخطئا والا فهو مخطئ[19].
القسم الرابع: الحالات التي ينتفي فيها التعدي.
اجمع كلمات الفقهاء القانون على انه ليس كل فعل ضار يعتبر تعدياً يجب مساءلة من قام به،، وقالوا إن هذا الفعل يرتكز على الى عنصرين اساسيين أولهم مادي وهو التعدي، والاخر معنوي وهو الادراك او التمييز، على الرغم من ان فقهاء الشريعة قالوا بمسؤولية عديم التمييز مدنياً تبعاً للنصوص الشرعية، ولكن مع كل ذلك فقد ذهب فقهاء القانون الى القول بأن هناك حالات تنتفي فيها المسؤولية لانتفاء الخطأ، على الرغم من توفر عناصر قيامها، وذلك عندما يتمكن مرتكب الفعل الضار أن يزيل صفه التعدي عن فعله، من خلال الاثبات، بأنه وقت ارتكاب هذا الفعل كان في إحدى الحالات التي أجاز فيها القانون هذا السلوك او الفعل، وهي حالة الضرورة، وحالة الدفاع الشرعي، وحالة تنفيذ أمر صادر من الرئيس، فالأساس القانوني لها هو أن إطاعة القانون من أسباب الاباحة التي لا يعتبر فيها الفعل خطأ؛ وأن يراد من هذا الفعل تحقيق مصلحة عامة في الحدود التي رسمها القانون، وبالتالي لا تنهض المسؤولية الجنائية ولا المدنية.
وهنا نضع تساؤلاً مهماً فيما يتعلق بالمرؤوسين الذين تصدر اليهم الاوامر بإطلاق النار مثلاً على المتظاهرين، هل بإمكانهم عصيان هذه الاوامر بدعوى أن العمل غير مشروع؟.
وجواب ذلك بأننا أمام موقفين، موقف شرعي ديني، وموقف قانوني مهني، فالموقف الشرعي يمنع قتل الانسان لآخر إلا في ظروف خاصة حددتها النصوص الشرعية، بينما في الموقف الثاني القانوني المهني، فهو موقف صعب لا يستطيع أحد الجزم به، محاولة الامتناع تتعارض مع الاوامر العسكرية والتعليمات والتوجيهات ما تقتضيه هذه الصفة من الطاعة وعدم المناقشة، كما هو معروف عسكرياً (نفذ ولا تناقش)، وقد يؤدي هذا الأمر الى الحكم على الممتع بعقوبات قاسية، وتنفيذها يؤدي الى ازهاق أرواح الناس والاضرار بهم، وحلاً لهذه المسالة يترك الامر وتقدير الموقف فيه الى محكمة الموضوع للبت فيه.
وفي سياق متصل عند النظر في مسألة ضرب وتعذيب للمتهمين والسجناء فهو من الناحية القانونية عمل غير مشروع، والمفروض عدم اطاعة ما يصدر من أوامر، ولكن لو قام المرؤوس بالتعدي بالضرب طاعة للأمر الصادر اليه، كان مسؤولاً عن تعويض الضرر هو رئيسه، إضافة الى المسؤولية الجنائية المترتبة عليهما.
الفرع الثاني: التمييز والادراك.
التمييز والادراك يمثلان الركن المعنوي من الخطأ، وفقهاء القانون يقولون بعدم كفاية الركن الأول وهو التعدي ليقوم الخطأ، بل يجب أن يكون من أوقع التعدي مدركاً لما يفعل، ولا مسؤولية دون تمييز كما يرى السنهوري، حيث يذهب الى أن الصبي غير المميز والمجنون والمعتوه عتهاً تاماً ومن فقد رشده لسبب عارض كالسكر وأمثال هؤلاء لا يمكن أن ينسب اليهم خطأ؛ لأنهم غير مدركين لما يقومون به[20]، وعلى الرغم من أن السنهوري نقل ما يراه فقهاء القانون الرومان ومن جاء بعدهم من فقهاء فرنسا، وتابعهم في ذلك فقهاء القانون في مصر.
ولكن هذا الرأي لم يسلم من الانتقاد والمعارضة، فقد لاحظ بعض الفقهاء ان عدم تحميل المسؤولية لهؤلاء مجانب للعدل، فقد يكون عديم التمييز غنياً والمضرور فقيراً، والركون الى القول الأول بعدم تحميله للمسؤولية سيؤدي بالضرر المركب على الفقير من حيث اصابته ومن حيث عدم تحميل الفاعل لمسؤولية ما قام به، ولهذا عدلت القوانين المدنية من نظرتها ومنها القانون الألماني وقانون الالتزامات السويسري والقانون البولوني، حيث حمّلت هذه القوانين المسؤولية لهؤلاء في حدود تتفاوت سعة وضيقاً[21]، وعلى هذا الامر سارت القوانين العربية، إلا أن المشرع العراقي ذهب الى غير ما ذهبوا إليه، وسار في هذا الموضوع بما هو مثبت في نصوص الشريعة الإسلامية التي تحمل المسؤولية للجميع سواء أكان مميزاً ومدركاً، أم كان على غير ذلك، وهذا ما نصت عليه المادة (186) من القانون المدني العراق.
المطلب الثاني: الضرر.
هذا الركن من الأركان التي اتفقت عليها جميع الاقوال الفقهية على مستوى القانون والشريعة، لا كما رأينا فيما يتعلق بالركن الأول الذي طال الخلاف في تحديده بين من يقول بأنه الخطأ وآخر يقول بالفعل الضار، وبين من يقول بتحمل التبعة أو الخطأ ومجرد إحداث الضرر[22].
فالضرر باعتباره الركن الأساسي للمسؤولية المدنية يمثل الشرارة التي ينطلق منها التفكير باتجاه مساءلة من يتسبب فيه، ولا فرق في هذه المساءلة سواء كانت وفقاً لقواعد المسؤولية عن الفعل الشخصي أو فعل الغير أو فعل الأشياء، وهو كما وصفه أهل الاختصاص الأذى الذي يلحق بالشخص جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له، وسواء أكان ذلك في ماله أو في جسده أو عرضه، أو عاطفته[23]، ولو رجعنا الى القانون المدني بخصوص هذا الموضوع لوجدنا أن المادة (202) تنص على أن (كل فعل ضار بالنفس من قتل او جرح او ضرب او أي نوع آخر من انواع الايذاء يلزم بالتعويضات من احدث الضرر)، ولأجل تحديد نوع المسؤولية فيه، لابد من معرفة أنواعه، وهذا ما سنفصله في الفرعين القادمين.
الفرع الأول: الضرر المادي.
مما لاشك فيه ان الضرر وكما هو معلوم يُعد الركن الاساسي الذي تقوم عليه المسؤولية، وحتى يتسنى للمضرور المطالبة بالتعويض، لابد له من اثبات الضرر الواقع عليه، وبعد هذا الاثبات ننظر اليه، هل هو الضرر المادي، ام هو ضرر أدبي (معنوي)، ويعتبر الضرر مادياً اذا كان يمس الحقوق المالية للشخص ومنها حق الملكية وحق الاتفاق وحقوق الدائنين وغيرها من الحقوق التي إن تعرضت للضرر وأثبت المضرور ذلك كان مستحقاً للتعويض[24]، ويضاف الى هذه الحقوق كل ما يتعلق بجسد الانسان وسلامته اذا كان يترتب عليه ضرر أو خسارة مادية، ومن ذلك تعرضه لإصابة قد تعجزه عن العمل عجزاً كلياً او جزئياً، أو تقتضي هذه الإصابة مصاريف للعلاج، إضافة الى حالة العجز التي تعرض لها، وقد يصيب هذا الضرر شخصاً بالتبع، وذلك عن طريق ضرر يصيب شخص آخر، فحالة القتل مما لاشك فيه صورة من صور الضرر، ولكن هذا الضرر تتجاوز نتائجه ومخلفاته من قُتِل الى اولاده وزوجته، وذلك بحرمانهم من المعيل، هذا فضلا عما أصاب المقتول نفسه[25].
ويطلق على هذا النوع من الضرر أيضاً بالضرر المالي أو الاقتصادي، كونه يمس قيمة مالية، ولأجل ذلك يمكن وصف الضرر المادي بانه الضرر الذي يصيب الاموال أو الذمة المالية للإنسان، ومن الجدير بالذكر أن الاضرار المادية تأخذ صوراً عديدة عند النظر الى مسالة تقدير التعويض المترتب عليها، فما بين اتلاف المال وحرق عقار أو هدمه، وبين تحطيم سيارة أو حرقها أو اتلافها بالاصطدام بها ترتفع وتنخفض قيمة التقدير، ولا تتوقف صور الضرر المادي عند هذا الحد، بل تتجاوز ذلك لتشمل صور الخسارة المالية الناجمة عن فعل من افعال التعدي الذي ينسب للغير[26]، وحتى يتمكن القضاء من فرض التعويض المناسب عن هذا الضرر، لابد من تحقق شرطان يلزم من وجودهما وجود التعويض ومن تخلفهما سقوطه وهما:
أولاً: أن يكون هذا الضرر محققاً، أي قد وقع فعلاً وهذا ما سميناه سابقاً بالضرر الحال، أو كان من المؤكد وقوعه في المستقبل والذي سميناه بالضرر المستقبل.
ثانياً: أن يصيب حقاً أو مصلحة مالية مشروعة، وهذا الشرط يقيد هذه المصالحة بكونها مشروعة ليخرج بذلك المصالح غير المشروعة إذا ما تعرضت للضرر من دعوة المطالبة بالتعويض[27]. وأياً كانت الصور التي يتحقق من خلالها الضرر المادي؛ بعد تحقق شرائطه؛ فإن هذا الضرر لكي يكون مصدراً للتعويض، لابد أن يشتمل على عنصرين أساسيين، أولهما ما لحق من خسارة، ثانيهما ما فاته من كسب.
وهنا يعرض التساؤل حول هل يلزم لتحقق موجبات التعويض ان يشتمل الضرر على العنصريين معاً، أم يكفي أن يتحقق واحد منهما دون الاخر فيقع التعويض اذا جرى الضرر؟.
وللجواب على هذا التساؤل نقول؛ إن ما ذكر من أن تحقق الضرر الموجب للتعويض لابد أن يشتمل على عنصرين حالة توصيفية للضرر الموجب للتعويض، وما تعرض له المضرور بالمقابل من نتائج، فاذا كانت النتيجة بأن هذا الضرر تسبب له في خسارة مالية فقط أُلزم المتسبب بالضرر هذه الخسارة بتعويضها، وكذلك لو فوت فرصة من الكسب كانت متحققة لولا ما وقع من فعل حال دون تحقيق هذا الكسب؛ فإن القانون هنا - بعد اثبات أن فرصة الكسب قد ضاعت- يُلزم من تسبب بالضرر للتعويض.
وهنالك صورة ثالثة، وهي أن يجتمع العنصران معاً (الخسارة وتفويت الكسب)، ومثالنا في ذلك، لو أن شخصاً صدم سيارة آخر، فمما لا شك فيه أن التعويض هنا سيشمل كلفة تصليح السيارة من قطع غيار واجرة تصليح، وهذا الامر يمثل العنصر الأول من عناصر الضرر المادي، وكذلك يتحقق عندنا العنصر الثاني من خلال تفويت الكسب، لأن الحادث حرم السائق من هذا الكسب، وبالتالي لابد لمن تسبب بالضرر من التعويض عن ذلك، ومقابل ذلك نجد انفسنا أمام ملاحظة تتعلق بحالة يرتفع فيها العنصر الثاني، وهو عنصر الكسب، وبالتالي يسقط التعويض، وهو ما يعرف بالتعويض النفعي او الكسب الفائت، حيث أنه لا يتحقق الا اذا كان الحصول على النفع مؤكداً أو محتملاً بدرجة كبيرة، فلو أن هذه السيارة المصدومة كانت متعطلة بالأصل، وتعرضت للحادث، فهنا لا يحق لصاحبها المطالبة بالتعويض عن الكسب الفائت، كونها كانت غير صالحة بالأصل لهذا الكسب، وكذلك من صور الضرر المادي التعدي على ملك الغير بمختلف الاشكال، حيث يعد ذلك اخلالاً بحق، ويعتبر هذا ضرراً يستوجب التعويض[28].
الفرع الثاني: الضرر المعنوي.
وهو الأذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه غير المالية، ونعني بذلك أنه يصيب شعوره أو عاطفته أو شرفه أو يسبب له ألماً نفسياً ومعنوياً في مركزه الاجتماعي، ولهذا يعرف هذا الفرع من فروع الضرر بالضرر غير المالي، وقد يصيب هذا الضرر تشوياً في الجسم أو الاعضاء فيكون ضرراً مادياً وضرراً أدبياً في نفس الوقت، وبناءً عليه؛ فإن هناك مجموعة من الحقوق غير المالية قد تتعرض للضرر وهي لصيقة بالشخصية، ويرتب الاعتداء عليها ضرراً أدبياً، ومنها الحق في الاسم، والحق في السمعة والحق في احترام الحياة الخاصة، وكذلك الحق في الشرف ورفض التجاوز بالشتم والسباب وأمثال ذلك[29].
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين الفعل الضار والضرر.
لا يكفي لقيام المسؤولية أن يكون هناك الخطأ صدر من شخص وضرر أصاب غيره، وإنما من اللازم ان يكون ذلك الفعل هو السبب الحقيقي في وقوع ذلك الضرر، وهذا ما نسميه بالعلاقة السببية ما بين الفعل والضرر، وبناء عليه فإن من أسس تحديد المسؤولية للفرد مدنياً هو تحقق ثلاثة أركان للواقعة، وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، ولا يكفي أن يكون هناك فعل ضار وضرر كما قلنا حتى تقوم المسؤولية وينظر الى المضرور من جهة الإصابة لتقدير التعويض اللازم له ما لم يكن هناك علاقة بين الفعل الضار والضرر الذي وقع، وهذه العلاقة هي السبب في تحميل الشخص المتسبب بالضرر مسؤولية فعله، فلا يمكن قانوناً أن يسأل شخص عن جريمة أو خطأ ما لم يكن قد حرك بإرادته جملة وقائع كانت نتيجة مباشرة للسبب الذي أحدثه في الخارج، فقد يوجد خطأ وضرر بدون وجود علاقة سببية، كما اذا دس شخص لآخر سماً في طعامه لقتله، وقبل ان يسري السم في جسمه جاء شخص ثالث وقتله بإطلاق النار عليه، ففي هذا المثال لم يكن دس السم هو السبب في الوفاة، وإنما اطلاق النار عليه كان السبب الرئيسي للوفاة، وفي مثالنا هذا نجد أن رابطة السببية قد انعدمت بين دس السم ووفاة هذا الشخص، فتكون المسؤولية قد انعدمت عن الشخص الذي دس السم[30].
وفي مقابل انعدام المسؤولية نتيجة لعدم وجود اتصال بين الخطأ والضرر، قد تتدخل عدة أسباب في إحداث الضرر، فهل تعتبر هذه الأسباب كلها متساوية وتتقرر المسؤولية على أساسها، أم ننظر فيها من حيث الأهمية ونأخذ أهمها ونترك الباقي، ولعلاج أمثال هذه الحالة فقد حاول الفقه القانوني الإجابة عن ذلك بتبني مجموعة من النظريات لتحديد وبيان العلاقة السببية في نطاق المسؤولية المدنية، ومن هذه النظريات نظرية تعادل وتكافؤ الأسباب، على اعتبار أن كل سبب ساهم في احداث الضرر بحيث لولاه ما وقع يعتبر سبباً من أسباب وجوده، ونظرية السبب الأقرب التي لم تعتد بتعدد الأسباب وقالت بأن السبب الأقرب زمنياً هو الذي يعتبر موجداً للضرر، وجاءت نظرية ثالثة وهي نظرية السبب المنتج أو الفعال لتقول بأن الواقعة أو الحادث إذا تعددت الأسباب في إحداث الضرر فيه، فلابد لنا من التمييز والتفرقة بين الأسباب العرضية للضرر والأسباب المنتجة أو الفعالة فيه، وبالتالي لابد من الاهتمام بالأسباب المنتجة أو الفعالة وعدم الالتفات الى الأسباب العرضية فيه.
وبناءً على ما تقدم نطرح سؤالاً مهماً حول ما جرى على يد القوات الامريكية في العراق من قتل واستهداف ومن تعذيب واغتصاب في السجون، وممارسة كل اشكال الفعل غير المشروع على المستويين المادي والمعنوي، فهل هذه الحالة تعفي الجندي الامريكي الذي قتل العراقيين بدم بارد في مدينة المحمودية جنوب بغداد وساحة النسور في قلب العاصمة بغداد وغيرها، وتعذيبهم في السجون والمعتقلات، لا يتحمل المسؤولية بدعوى تنفيذ الاوامر الصادرة اليه؟. وهل ما جرى في مدينه الصدر والفلوجة عند التظاهرات الرفضة للاحتلال وإطلاق النار عليهم، يعد خارجاً عن المسؤولية والمساءلة، بدعوى ان هناك اوامر صدرت الى القوات الاميركية بالفعل؟، وهل جرائم التعذيب في سجن ابو غريب ترتفع فيها المسؤولية عن الفاعلين على اعتبار أن ما قاموا به كان بأوامر من القيادات العليا لانتزاع اعترافات من السجناء؟، ام ما كان يجري في سجن بوكا وغيرها من السجون والمعتقلات كان أمراً قانونياً لا يحاسب عليه الفاعل.
إن كل الادعاءات التي تطلقها القوات الامريكية لا يخرجها من المسؤولية القانونية، سواء هذه المسؤولية مدنية أو جنائية، وما قامت به هذه القوات فعل غير مشروع يمثل اعتداءً لا يسقط المسؤولية عن فاعله، وبالتالي لابد من التعويض سواء كان ذلك من قبل القوات الامريكية، او الحكومة الامريكية، فاذا لم يحدد الفاعل تحملت الحكومة الامريكية مسؤولية ذلك بالتعويض[31]. وفيما يتعلق بدعوى حق الدفاع الشرعي المسقط للمسؤولية المدنية والجنائية، فإننا لو نظرنا الى الشروط التي اتفقت عليها كلمة فقهاء القانون وهي واضحة بينة، نجدها لا تنطبق مع ما جرى في العراق على يد هذه القوات، فحق الدفاع يأتي عندما يكون هناك خطر على نفس الشخص أو على غيره. إضافة الى ذلك هناك الشرط الثاني، وهو أن يكون هذا الخطر عملاً غير مشروع، مع لزوم الالتزام بالشرط الثالث وعدم تجاوزه، وهو أن يكون دفع الاعتداء بالقدر اللازم من دون تجاوز أو افراط، ولو عدنا الى سلوكيات وافعال هذه القوات وطبقنا عليها ما عرف بنظرية التعسف باستعمال الحق، لوجدناها قد تعسفت مع سبق الإصرار والترصد، فقد قتلت وعذبت واغتصبت، ودمرت واحرقت وفعلت كل شيء دون أن يحاسبها أحد، ولو عدنا الى القانون المدني العراقي شأنه شأن بقية قوانين العالم حتى القوانين الامريكية لوجدنا أن هناك محددات لاستعمال الحق فإذا تجاوزها كان متعسفاً في استعماله لهذا الحق، وقد جاء في المادة (7) من القانون المدني العراقي توصيف لهذا الاستعمال ضمن فقراتها.
ومن الواضح ان كل فقرة من هذه الفقرات تجد لها مصداقاً في سلوك وأفعال هذه القوات، فهذه المعايير التي نصت عليها المادة (7/1) من القانون المدني العراقي[32]، تحدد لنا ما إذا كان صاحب الحق متعسفاً في استعماله لحقه من عدمه، وبالتالي يسأل عن هذا التعسف إذا سبب ضرراً للغير، وشواهد الحال تقتضي من رجال القانون ان يطالبوا بحقوق المضرورين وأن الجريمة لا تسقط بالتقادم، وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحق جديد وإن طالت عليه الأيام، والباطل مخذول وإن نصره أقوام)[33].
ولعل سائل يسأل لماذا لم نجد شكوى قدمت بهذا الخصوص، أو حكماً صدر عن القضاء العراقي يحمل القوات الامريكية مسؤولية ما تقوم به هذه القوات وهي تجوب في شوارع بغداد، والضرر المباشرة الذي يقع على المواطنين من خلال الفعل الإيجابي، بأن تكون الآلة الحربية الامريكية تدهس أو تصدم سيارة مواطن عراقي بصورة مباشرة، او بصورة الفعل السلبي، وهو ما يحصل كثيراً عندما تقوم هذه الآليات والعجلات بإطلاق النار في الهواء أو استخدام الأصوات المزعجة فيؤدي ذلك الى اضطراب في الشارع تكون نتيجته اضراراً مادية في سيارات المواطنين نتيجة انحرافهم عن الطريق مما يسبب لهم ضرراً أو إصابات بجروح نتيجة لهذه الحوادث، وما قامت به هذه القوات من تعذيب واغتصاب وغيره من الجرائم؟.
وجوابنا على ذلك؛ إن حالة الرعب والخوف التي ولدتها هذه القوات في صفوف المواطنين، وعدم اكتراثها بما يحصل من قتل واصابات وتدمير ودهس وغيرها من الأفعال غير المشروعة، نتيجة للقرارات التي أصدرها الحاكم الأمريكي بول بريمر بعدم السماح للمحاكم العراقية بقبول الشكاوى التي تقدم ضد القوات الامريكية وعدم الاستماع اليها من خلال الامر رقم (17)، والحصانة من المساءلة القانونية التي جعلها للقوات الامريكية والعامين معها، حال دون ان نسمع او نجد قراراً قضائياً يدين هذه القوات، أو ينصف المضرور ويفرض له تعويضاً بتناسب مع حجم الضرر الذي تعرض له، وحتى قوانين التعويض التي صدرت فيما بعد والتي سنتكلم عنها في المبحث الثاني لم تحمل القوات الامريكية مسؤولية الأفعال غير المشروعة، بل تحملتها الحكومة العراقية وتحملت مسؤولية التعويض عنها منذ أول يوم الغزو وحتى الإعلان عن انسحاب هذه القوات.
كل ذلك حقاً للمواطن تجاه هذه القوات ويرتب آثاراً، وهذا ما سنبينه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني
آثار المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي.
بعد ان تناولنا في المبحث الأول أركان المسؤولية التقصيرية وتحقق موجباتها، وفي مقابل ذلك تترتب آثاراً قانونية توجب على من تسبب بها تعويضاً كوننا نتناول موضوعاً له علاقة بالمسؤولية المدنية التي جزاؤها التعويض، وحتى يتمكن المضرور من الحصول على هذا التعويض لابد له من رفع دعوى للمطالبة بحقه، ولأجل ذلك سنتناول في هذا المبحث دعوى المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي والجزاء المترتب عنها.
المطلب الأول: دعوى المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي.
من الجدير بالذكر أن أي فعل ضار يؤدي الى ولادة التزام المسؤول عنه بإصلاح الضرر الذي سببه للغير، ويكون تحديد مسار الإصلاح من خلال القضاء الذي يجعل من الالتزام المتلبس بصاحب الضرر التزاماً محدداً بصورة من صور التعويض سواء كانت نقدية أو غيرها، وإن دراسة دعوى المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي يقتضي منا التعرض لأطرافها والاحكام المترتبة بهم.
الفرع الأول: أطراف الدعوى.
أولاً: المدعي: وهو المضرور سواء كان شخصاً طبيعياً أو حكمياً، ويثبت هذا الحق لخلفه، واذا كان قاصراً فلوليه أو وصيه المطالبة بهذا الحق[34]، وقد يتعدد المدعون لهذا الحق وكل صورة من هذه الصور لها اجراءها القانوني ، فأهل المضرور المتوفى في حادث لهم نوعان من الدعاوى، دعوى أولى يمارسونها بصفتهم الشخصية يطالبون بها بالتعويض عن الضرر الشخصي المرتد الذي اصابهم نتيجة لفقدهم قريبهم، ولا يشترط فيها أن يكون رافع الدعوى من ورثة الميت، وأما الدعوى الثانية فيرفعها أهل الميت من الورثة، ولا تكون مقبولة في حال تنازل المضرور قبل وفاته عن حقه في التعويض المادي، أو لم يتقرر حقه في التعويض المعنوي[35]، والمدعي في مقامنا هذا هو المواطن العراقي الذي تعرض لكل أنواع الضرر المادي والمعنوي.
ثانياً: المدعى عليه: وهو من ارتكب الفعل الضار أو من يكون مسؤولاً عنه كالولي أو الوصي أو القيم المتبوع، وفي حال قيام عدة اشخاص بهذا الفعل، جاز للمدعي أن يرفع الدعوى ضدهم جميعاً أو أي واحد منهم مطالباً بالتعويض عن الضرر الذي أصابه، كونهم مسؤولين عن الضرر بالتضامن[36]، وهو ما نصت عليه المادة (217) من القانون المدني العراقي[37](37)، والمدعى عليه، الجندي الأمريكي في حال معرفته، كما هو الحال في جريمة المحمودية أو سجن ابي غريب أو ساحة النسور، وأن لم يشخص الفاعل بعينه ترفع الدعوى على القوات الامريكية بشخص وزير الدفاع بالإضافة الى منصبه.
ثانياً: الطلبات والدفوع.
وهما امران منفصلان، حيث يرتبط الجزء الأول وهو الطلب يختص بالمدعي وهو المضرور أو من يمثله، فبعد أن يثبت تعرضه للضرر يقدم طلبه الى المحكمة، والغاية من رفع الدعوى وهو التعويض عن الضرر الذي أصابه، لذا يكون سبب الدعوى هو الإخلال بمصلحة مالیة للمضرور، وله حق استخدام كافة الوسائل التي یستند إليها في دعواه لإثبات حقه للحصول على التعویض[38].
أما الدفوع فهو من وظيفة المدعى عليه، والأمر هنا مختص بالجانب الأمريكي، حيث يحاول بكل الوسائل المشروعة رد الدعوى المقامة ضده، وذلك، بالمسؤولية المقررة بحقه ابتداءً يمكن تصور دفعا بإحدى وسيلتين، اولاهما نفي الخطأ، بأن يقيم الدليل على أنه قام بجميع التدابير اللازمة لمنع وقوع الضرر، أو إقامة الدليل على وقوع الضرر كان نتيجة سبب أجنبي كالقوة القاهرة أو خطأ المضرور[39]، لكي يكون مشمولاً بنص المادة (211) من القانون المدني العراقي[40] ، أو ربما يدّعي أنه كان في حالة دفاع مشروع عن النفس أو مارس حالة الضرورة في بعض الأحيان، وهو الحالة لا تعفيه من المسؤولية خصوصاً في حال تجاوزها.
الفرع الثالث: مكان إقامة الدعوى.
إن من أسس سيادة الدولة هو خضوع الجرائم التي ترتكب على أرضها لسلطات القانون الجنائي لتلك الدولة، وهذا ما يعرف بمبدأ إقليمية القانون الجنائي[41]، وهذا ما أكدته الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون العقوبات العراقي التي نصت على هذا المبدأ[42]، حيث يقتضي هذا المبدأ كأصل ثابت من أصول سيادة الدولة بوجوب تطبيق القانون الجنائي الوطني على جميع الأفعال غير المشروعة التي ترتكب على أرضها، لذا يلزم تطبيق هذا القانون على جميع من تظلهم سماء هذا الإقليم بغض النظر عن جنسهم أو جنسيتهم أو معتقدهم أو مركزهم الاجتماعين وسواء اكانوا متواجدين عفي الإقليم أصلاً (المواطنين) أو وجدوا به عرضاً لأي سبب كان[43].
ولكن الذي جرى على العراق من احتلال سنة 2003م أخرج العراق من سيادته واصبح دولة محتلة بنص قانون مجلس الامن رقم 1483 الذي سلم مسؤولية إدارة شؤون هذا البلد الى سلطة يشكلها الاحتلال، ومع ذلك جاء القرار رقم 1500 الصادر في 14 آب 2003 ليؤكد في نصوصه على أهمية احترام سيادة العراق ووحدة أراضيه، لنرى حالة من التخبط والارتباك في قرارات مجلس الامن، الذي خالف نص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة التي تتعلق بالسلم والامن الدوليين[44]، فمن جهة يشرعن لغزو خارج نطاق ميثاق الأمم المتحدة، وجهة أخرى يؤكد على ضرورة الحفاظ على سيادة العراق ووحدة أراضيه، والحق نحن امام عدوان واضح المعالم وغزو لدولة ذات سيادة، وهذا يرتب التزامات قانونية، دولية وداخلية ضمن الدولة المعتدى عليها من خلال الحقوق المدنية المترتبة عن الفعل الشخصي للقوات الامريكية وخصوصاً بعد تحملها مسؤولية إدارة شؤون البلاد، ومع ذلك لو سلمنا جدلاً بأن سلطة تشكلت لإدارة شؤون العراق، فواجب هذه السلطة احترام قوانين هذا البلد وصيانته وإرساء الامن والاستقرار فيه، ولكن الامر جرى على عكس ذلك، حيث عطل الحاكم المدني الأمريكي العمل بالقانون وتصرف بإصدار قرارات تحت عنوان (أمر)، ومنها الامر رقم (17)، الذي لعب دوراً كبيراً في ضياع حقوق المضرورين، حيث اعطى حصانة للقوات الامريكية من المساءلة عن أية جريمة ترتكبها، منع هذا الامر أيضاً المحاكم العراقية من الاستماع الى أية شكوى من قبل المواطن العراقي وعدم ترويج أية دعوى ضد القوات الامريكية، وبذلك يكون الحاكم الأمريكي قد خالف مبدأ إقليمية القانون الجنائي، أو الاختصاص المكاني للمحاكمة الجنائية، بسبب التخويل الذي منح له كسلطة تشريعية بموجب قرار مجلس الامن رقم (1483)، وبالتالي لم يستطع المواطن المطالبة بالحقوق المدنية كذلك.
والمحزن في هذا الموضوع أن الامر (17) قد وجد له مشروعية ضمن التشريعات القانونية العراقية ما بعد الاحتلال، كما ورد في المادة (26) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، حيث نصت على بقاء القوانين النافذة في العراق في 20 حزيران 2004 سارية المفعول[45]، وكذلك في الدستور الحالي، كما ورد في نص المادة (126)، والتي نصت على بقاء التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور[46]. وهذا خلل كبير نؤشره على الدستور، الذي فيه الكثير من الإشكالات والمشاكل التي تؤكد أن من كتبه لم يكن من أهل الاختصاص أو كان مضغوطاً عليه في كثير من التشريعات، ولكن كل ذلك ليس محله هنا، وسنوكله الى بحث آخر، وقد حاولت الحكومة العراقية معالجة هذا الإشكالية بإصدارها قانون تعويضات المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية رقم (20) لسنة 2009 وتعديلاته، فشكلت لجنة للاستماع الى الشكاوى المقدمة من قبل المتضررين والاستماع اليهم، وتقديم تعويض محدد لهم، ولكن هذا الاجراء حمل الكثير من التساؤلات فيما يتعلق بمسألة التعويض وكيفيتها ومسبباتها، وسنفرد أن شاء الله بحثاً مستقلاً في هذا الموضوع.
المطلب الثاني: إثبات المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي.
قد يكون المطلب الثاني محلاً للإحباط فيما يتعلق بمسألة الولاية القضائية أو ما يعرف بالاختصاص الإقليمي للقضاء العراقي، ولكن مع ذلك لابد لنا من إتمام الموضوع وإحقاقاً للحق والوصول الى غاية البحث، وهي أثبات المسؤولية عن الفعل الشخصي لهذه القوات، كونه المنطلق الأول لإثبات المسؤولية والمطالبة بالتعويض المناسب، وبداية الطريق للوصول الى هذه الغاية يكون من خلال القاعدة العامة المنطلقة من الحديث النبوي المشهور (البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه) وفي نص آخر (واليمين على من أنكر)[47]، ولهذا يكون الأصل في اثبات المسؤولية التقصيرية يقع على المضرور لأنه يدعي الضرر، لذا عليه إثبات توفر جميع عناصر هذه المسؤولية (الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما)، وبما أن هذه العناصر مادية، فانه يمكنه أثبا حقه هذا بجميع الوسائل المشروعة للإثبات، علماً أن القانون قد حدد نوعين من الخطأ احدهما الخطأ واجب الاثبات والآخر الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس، والقانون مثلما أعطى للمضرور الحق في المطالبة بالتعويض، أعطى للمدعى عليه فرصة إثبات العكس، أي عدم المسؤولية عما حدث، أي يثبت انعدام المسؤولية، أو يثبت انتفاء حالات الخطأ لكي يتخلص منه.
وفي محل بحثنا هذا لابد للمواطن أن يثبت أن ضرراً قد وقع عليه، ويكون ذلك بكل وسائل الاثبات وأن يثبت بأن هذا الضرر قد وقع نتيجة خطأ من القوات الامريكية، وأن يربط النتيجة بالسبب، وبالتي تكون المطالبة بالحق هنا مشروعة ومقبولة استناداً الى ما ورد في المادة (202) من القانون المدني العراقي[48]، وبالمقابل إذا أثبت الجندي الأمريكي أنه كان في حالة دفاع مشروع، أو أنه بالأصل لم يكن مرتكباً للخطأ تنتفي عنه المسؤولية ويتخلص من تبعاتها.
المطلب الثالث: تحديد الجزاء في هذه المسؤولية.
إذا توفرت أركان المسؤولية (الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما) وترتب على الفاعل حكمها، وهو وجوب التعويض، تعرض امامنا مسائل أهمها مسألتان، الأولى منهما مسألة طرق التعويض، والثانية هي تقدير هذا التعويض، ونبحث كلا المسألتين كل على حدة.
أولاً: تحديد طرق التعويض.
الأصل في التعويض أنه خاضع لتقدير المحكمة، وهذا ما نصت عليه التشريعات القانونية المتعلقة بهذا الخصوص، وهو ما نصت عليه المادة (209/1)، حيث نصت (تعين المحكمة طريقة التعويض تبعاً للظروف ...)، وبالتالي فإنها هي التي تحدد طريقة التعويض تبعاً لظروف القضية، وبالرجوع الى نص المواد (207 و208 و209) من القانون المدني نجد من خلالها؛ أن الأصل أن یقدر التعويض بالنقد، كما يجوز للقاضي أن يجعل التعويض اقساطاً او ايراداً مرتباً، ويجوز في ھذه الحالة الزام المدين بأن يقدم تأمیناً تبعًا للظروف التي راها هذا القاضي متناسبة مع حكمه هذا، بناءًا على طلب المضرور، أو أن یأمر بإعادة الحال إلى ما كان عليه، أو ان تحكم بإجراء أمر معین، أو برد المثل في المثلیات وذلك على سبیل التعويض.
كما يمكن أن یكون التعویض غیر نقدي، كأن یحكم القاضي بنشر الحكم كلّه أو القسم الخاص بالإدانة للمدعى علیه في الصحف، ویكون ذلك على نفقة المدعى عليه، ومن جهة أخرى یعتبر أيضاً تعویضاً عن ضرر أدبي.
ثانياً: تقدير التعويض
عندما تثبت المسؤولية وتكون الدعوى أمام القضاء، لابد أن تكون مسألة التعويض ناظرة الى مقدار الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ، ويستوي في ذلك الضرر المادي والضرر الدبي، على أن يراعي القاضي في تقديره هذا الظروف والملابسات المحيطة بالمضرور، بحيث يكون هذا التعويض جابراً للضرر الذي أصابه، وليس وسيلة من وسائل الاثراء، وبناءاً عليه لابد أن تكون هناك حالة من التكافؤ بين مقدر الضرر ومقدار التعويض، وبالعودة الى ما جاء في نص المادة (207) من القانون المدني العراقي، نجد أن التعويض فيها يشمل جميع ما لحق المضرور من ضرر، وما فاته من كسب وشرطت في ذلك أن يكون هذا التعويض نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، وأضافت الى ما تقدم أن يشمل هذا التعويض حرمان المضرور من منافع الاعيان، وضمان ما فاته من أجر، وخلاصة ما يمكن أن نصل اليه هو أن القانون يفرض التعویض تطبیقاً لقاعدة ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، إذا كان نتیجة طبیعیة لسلوك الشخص الضار، أو عدم قیامه بالوفاء بالتزاماته، ویعتبر الضرر نتیجة طبیعیة إذا لم يكن في اِستطاعة المضرور أن یتوقاه ببذل جهدٍ معقول.
الخاتمة
من خلال كل ما تقدم نجد أن المبدأ العام في المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي شاخصاً أمامنا وهو وقوع الخطأ، وبناءاً على ما جاء في نص المادة (202) من القانون المدني العراقي، وبناءاً على الرؤية الفقهية المستخلصة من هذه المادة فيما يتعلق بالفعل الشخصي للمسؤولية التقصيرية والتي أساسها الخطأ الشخصي، نصل الى نتيجة مفادها ، أن الخطأ هو الأصل في وجود المسؤولية وعدمها ، وانطلاقاً من هذا الأصل وبعد تحقق الضرر نتيجة للخطأ الشخصي من قبل أفراد هذه القوات نصل الى ما يلي.
أولاً: النتائج.
ان المشرع العراقي قد ذهب الى غير ما ذهبت اليه التشريعات العربية من عدم تحميل غير المميز للمسؤولية، بل قال بتحمل الجميع للمسؤولية سواء أكان مميزاً أو غير مميز، وقد اخذ بما ذهب اليه التشريع الإسلامي.
ان المشرع العراقي قد حدد المسؤولية على كل من تسبب بالضرر، وفي حال عدم معرفة المتسبب تتحمل الدولة مسؤولية التعويض عن الإصرار الناشئة عن الخطأ.
تبين أن دعوى الدفاع عن النفس التي دفعت بها القوات الامريكية غير صحيحة لأن المتضرر كان من المدنيين وليس من العسكريين حتى تتملص من المسؤولية.
ما جرى من استهداف مباشر للمواطنين كما جرى في المحمودية وساحة النسور وما جرى من تعذيب في السجون، وثبت أنه جرى على يد القوات الامريكية يحملها المسؤولية المادية والمعنوية إضافة الى المسؤولية الأولى وهي المسؤولية الجنائية.
ما صدر من أوامر على يد الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر لا يمثل المشروعية في اسقاط المسؤولية عن هذه القوات، وخصوصاً بعد اثبات ان التواجد الأمريكي في العراق غير شرعي، وبناءاً عليه فما بني على باطل فهو باطل.
فيما يتعلق بمسألة التعويض، فعلى الرغم من أن القانون المدني العراقي قد تناوله بشكل مفصل، ألا أن قانون التعويضات الذي صدر لعلاج الحالات التي جرت على يد القوات الامريكية وغيرها لم يكن موفقاً.
الحكومة العراقية تبرعت بتحمل مسؤولية ما جرى من جرائم بحق الأبرياء من المواطنين على يد القوات الامريكية، وشرعت قانون التعويضات، وكان الأولى بها ان تطالب من كان السبب في هذا الضرر وخصوصاً من كان مشخصاً ومعروفاً.
قيمة التعويض الممنوحة للمتضرر لم تكن متناسبة مع حجم الضرر، حيث كان التقدير جزافياً، وهذا يتعارض مع نصوص القانون التي ألزمت القاضي بأن يكون التعويض متناسباً مع حجم الضرر الذي تعرض له المضرور.
ثانياً: التوصيات.
بعد أن ثبت قانوناً ان الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن مشروعاً ولا قانونياً، فإنه يتحل تبعات ذلك، وعليه تكون القوات الامريكية مسؤولة مسؤولية تقصيرية عن الفعل الشخصي لأفرادها، ويجب المطالبة بهذه الحقوق والتعويضات.
بعد أن تحققت أركان المسؤولية التقصيرية بشكل واضح وصريح يكون الجندي الأمريكي مسؤولاً مسؤولية جنائية ومدنية عن كل الاعمال غير المشروعة التي ارتكبها وبالتالي فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية لابد له من حبر الضرر الذي تسبب به، وهو دفع التعويض المناسب للمضرور.
ضرورة تفعيل ما ورد في القانون المدني العراقي قيما يتعلق بتحديد المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار على مستوى الفعل الشخصي، والعمل على تثبيت الحقوق بدون تردد أو خوف.
اصدار قرار صريح بإيقاف العمل بالتشريعات التي سنها الحاكم الأمريكي بول بريمر، كونها أفقدت أهل الحق الشرعية في المطالبة بحقوقهم.
الحق لا يسقط بالتقادم، ولذلك لابد من وجود هيئة قانونية تطالب بالحقوق المادية والمعنوية نيابة عن المضرورين، ولا يُكتفى بما صدر من قانون التعويض الأخير.
فيما يتعلق بتقدير قيمة الضرر علينا النظر في قانون التعويضات الكويتي، وكم كانت قيمته على المستوى المادي والمعنوي المتعلقة بالمتضررين من المدنيين وعكس ذلك على تعويضات المواطنين العراقيين.
إذا لم يكن هناك إمكانية لرفع دعوى قضائية في العراق فبالإمكان رفع دعوى مدنية في أمريكا للمطالبة بالحقوق المدنية في القضايا التي تمت فيها محاكمة جنود أمريكان عن جرائم قاموا بها واعترفوا بها وحكم عليهم بالسجن نتيجة لذلك.
[1] الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني مصادر الالتزام، المكتبة القانونية، بغداد، ط4، 1394هـ - 1974م، ص481. السنهوري، عبد الرزاق أحمد، الوسیط في شرح القانون المدني، منشأة المعارف، الإسكندرية، (لا.ط)، 2004م، ج1، ص770.
[2] الذنون، حسن علي، النظرية العامة للالتزامات، المكتبة القانونية، بغداد، (لا.ط)، (لا.ت)، ص231.
[3] مصدر سابق، السنهوري، عبد الرزاق احمد، الوسيط في شرح القانون المدني، ص778.
[4] مرقص، سليمان، الوافي في شرح القانون المدني، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط5، 1992م، المجلد الأول، ص188.
[5] نصت هذه المادة على ما يلي (يكون الشخص مسؤولاً عن أعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز).
[6] السعدي، محمد صبري، شرح القانون المدني الجزائري، دار الهدى، الجزائر، ط2، 2004م، ص143.
[7] الخفيف، علي، الضمان في الفقه الإسلامي، دار الفكر الإسلامي، القاهرة، (لا.ط)، 2014م، ص68.
[8] الزحيلي، وهبة، نظرية الضمان، دار الفكر، دمشق، ط10، 1439هـ - 2018م، ص24-32 بتصرف.
[9] قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسن 1969.
[10] القانون المدني العراقي رقم (40) لسن 1959 وتعديلاته).
[11] الشيرازي، ناصر مكارم، القواعد الفقهية، ج2، ص278.
[12] نجيم، زين العابدين إبراهيم الشهرباين، الاشباه والنظائر، مطبع المظهري، القاهرة، (لا.ط)، 1270هـ، ص413.
[13] مرعي، مصطفى، المسؤولية المدنية في القانون المصري، مطبعة نوري، القاهرة، ط1، 1355هـ -1936م، ص39. الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني، ص489.
[14] ينظر قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969.
[15] الماوردي، علي بن حبيب البصري، الاحكام السلطانية، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، (لا.ط)، 2008، ص322.
[16] قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969.
[17] مصدر سابق، الذنون، حسن علي، النظرية العامة للالتزام، ص233.
[18] مصدر سابق، مرقص، سلمان، الوافي في شرح القانون المدني، ج1، ص200. الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني، ص 490. الذنون، حسن علي، النظرية العامة للالتزامات، ص 234.
[19] مصدر سابق، السنهوري، عبد الرزاق احمد، الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، ص796.
[20] مصدر سابق، الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني، ص496.
[21] مصدر سابق، السرحان وخاطر، شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية الالتزامات، ص394.
[22] مصدر سابق، مرقص، سليمان، الوافي في شرح القانون المدني، ج1، ص137. الذنون، حسن علي، النظرية العامة للالتزامات، ص227.
[23] مصدر سابق، السنهوري، عبد الرزاق احمد، الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، ص856.
[24] مصدر سابق، السرحان وخاطر، شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية الالتزامات ص397.
[25] مصدر سابق، الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني، ص527-529 بتصرف. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، ص855. مرقص، سليمان، الوافي في شرح القانون المدني، ج1، ص138.
[26] الجندي، محمد صبري، في المسؤولية التقصيرية المسؤولية عن الفعل الضار، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 1436هـ - 2015م، ص280. الحكيم عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني، ص527.
[27] ولدينا شاهد قانوني جرى في العراق سنة 1956، حيث عرض امام المحاكم العراقية بتاريخ 20/11/1956 قضية التظاهرات الطلابية التي جرت في جانب الكرخ من بغداد، وما قامت به قوات الشرطة عند تفريقها المتظاهرات واستخدامها لإطلاق النار على المتظاهرين، فأدى ذلك الى مقتل شخص، اقام والد هذا الشخص دعوى قضائية على وزيري الداخلية والدفاع اضافة الى وظيفتهما مطالباً بالتعويض عن مقتل ولده، وجاء القرار القضائي يحمل الحكومة المسؤولية المدنية عن خطأ موظفيها ومستخدميها ما دام الخطأ قد سبب وفاه شخص، ومن هذا القرار يمكن ان نستخلص ان المسؤولية المدنية تتعين ولو لم يعرف من تسبب بالضرر، بل يكفي لتحقيقها ثبوت الخطأ والضرر اللذان اذا توفرا يكون التعويض لازماً على الرئيس أو من يتولى السلطة.
[28] نصت المادة (7/1) على أن (من استعمل حقه استعمالاً غیر جائز وجب علیه الضمان).
[29] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، ط2، 1414هـ، ج25، ص434.
[30] مصدر سابق، السرحان وخاطر، شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية الالتزامات، ص400.
[31] مصدر سابق، الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرخ القانون المدني، ص535.
[32] عابدين، محمد احمد، التعويض بين الضرر المادي والادبي الموروث، منشأة المعارف، الإسكندرية، (لا.ط)، 2017م، ص155.
[33] مصدر سابق، السرحان وخاطر، شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية الالتزامات، ص455. السنهوري، عبد الرزاق أحمد، الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، ص 918. مرعي، مصطفى، المسؤولية المدنية في القانون المصري، ص321.
[34] مصدر سابق، الذنون، حسن علي، النظرية العامة للالتزامات، ص253. السرحان وخاطر، شرح القانون المدني، ص456. عابدين، محمد احمد، التعويض بين الضرر المادي والادبي الموروث، ص155.
[35] نص المادة (217/ 1) (إذا تعدد المسؤولون عن عمل غیر مشروع كانوا متضامنین في التزامھم بتعويض الضرر دون تمییز بین الفاعل الاصلي والشريك والمتسبب).
[36] مصدر سابق، الذنون، حسن علي، النظرية العامة للالتزامات، ص253. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، ص932.
[37] مرقس، سليمان، في نظرية دفع المسؤولية، مطبعة الاعتماد، القاهرة، (لا.ط)، (لا.ت)، ص117.
[38] نصت المادة (211) على انه (إذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فیه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاھرة او فعل الغیر او خطأ المتضرر كان غیر ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق على غیر ذلك).
[39] عبد الملك، جندي، الموسوعة الجنائية، دار المؤلفات القانونية، القاهرة، ط1، 1942م، ج5، ص592.
[40] نصت المادة (6/1) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 على (إن كل الجرائم تخضع لقانون الدولة بغض النظر عن جنسية او صفه مرتكبها).
[41] عوض، محمد محي الدين، قانون العقوبات معلقاً عليه، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، القاهرة، (لا.ط)، 1979م، ص7.
[42] ص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول -أعضاء “الأمم المتحدة- فرادى أو جماعات، في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة عليها، وذلك إلى أن يتخذ= =مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ومن التدابير التي يتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس أن تبلغ المجلس فورا، وألا تؤثر هذه التدابير بأي حال على ما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة – من أحكام هذا الميثاق ومن الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يراه ضرورياً من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه...).
[43] ينظر قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004.
[44] ينطر الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.
[45] نصت المادة (202) على أن (كل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أي نوع من أنواع الإيذاء يلزم بالتعويض من أحدث الضرر).
[46] الحلي، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر، مختلف الشيعة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1418هـ، ج8، ص382.
[47] مصدر سابق، عابدين، محمد أحمد، التعويض بين الضرر المادي والأدبي الموروث، ص170.
[48] نصت المادة (207) على (1– تقدر المحكمة التعويض في جمیع الاحوال بقدر ما لحق المتضرر من ضرر وما فاته من كسب بشرط ان يكون ھذا نتیجة طبیعیة للعمل غیر المشروع. 2– ويدخل في تقدير التعويض الحرمان من منافع الأعيان، ويجوز ان يشتمل الضمان على الاجر).