تاريخ الاستلام: 11 آذار 2022                 تاريخ القبول: 10 أيار 2022

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

Doi 10.61279/jck18m26

اثر العيب الخفي على المبيع

دراسة مقارنة في ضوء التشريعين

العراقي واللبناني

The effect of the hidden defect on the sale

A comparative study in the light of

Iraqi and Lebanese legislation

م.د. صائب صالح ابراهيم الربيعي

كلية الفارابي الجامعة - قسم القانون

Dr. saeb salih Ibrahim al_rubaie

University of alfarabi -  Law department

المستخلص

يلتزم البائع ازاء المشتري  بالتزامات عدة , فهو يلتزم بنقل ملكية المبيع وتسليمه الى المشتري اضافة الى التزامه بضمان المبيع , وعلى ذلك يعد ضمان البائع بضمان  المبيع من العيوب الخفية ,ضماناً مستقلاً عن التزامات البائع الاخرى  , فهو يضمن الحيازة الهادئة  والمفيدة للشيء المبيع , ويقسم الضمان الى شقين , فهناك ضمان التعرض والاستحقاق  وهو ضمان  يتعلق بالحيازة من جانب  , وضمان العيوب الخفية من جانب اخر , ويتعلق بالمنفعة , فالبائع مسئول بمقتضى التزامه بالضمان عن كل واقعة من شانها ان تهدد او تفسد الحيازة الهادئة والنافعة للمبيع , ويعني ذلك انه يمتنع على البائع ان يتعرض الى المشتري مادياً أو قانونياً في حيازته  للمبيع , كما يلتزم بدفع التعرض القانوني الصادر من الغير , كذلك  يضمن البائع خلو المبيع من العيوب الخفية التي تجعل المبيع غير صالح للغرض الذي اعد له , ووضمان العيوب الخفية يتجاوز في نطاقه عقد البيع ليشمل كل العقود الناقلة للملكية وعقود المنفعة المتمثلة بعقود المعاوضات .

ويلتزم البائع بخلو المبيع من العيوب الخفية وقت التسليم الصفات التي كفلها في المبيع , أو إذا كان في المبيع عيب ينقص من قيمته أو من منفعته وبحسب الغاية المقصودة المبينة في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة المبيع, والبائع يضمن هذا العيب ولو لم يكن عالماً بوجوده وقت التسليم .  

يعني الضمان القانوني : مسؤولية البائع عن اي عيب يظهر في المبيع وقت العقد وبعد التسليم , ولكي يتحقق الضمان , لابد من توافر شروط معينة تظهر في المبيع حتى يتمكن المشتري من الرجوع على البائع بالضمان , ويلزم القانون المشتري بفحص المبيع بعد استلامه , ومن ثم أخطار البائع بأي عيب يظهر فيه , ويتيح القانون خيارات متعددة  للمشتري اذا ما ظهر عيب في المبيع , هذه الخيارات تختلف باختلاف التشريعات الوضعية الحديثة , كما أن ضمان البائع  للعيوب الخفية في المبيع يسقط في احوال معينة يرجع بعضها الى نص القانون , والبعض الآخر الى ارادة المتعاقدين أو الى ارادة المشتري الضمنية , ويترتب على اخلال البائع بالتزامه بضمان العيوب الخفية جزاء يختلف ايضاً باختلاف التشريعات الوضعية .

Abstract

The sellers guarantee of hidden defects is a guarantee independent of the sellers other obligations and divides the warranty into two partsthe first, the spending guarantee and the second the legal guarantee. I mean the legal guarantee: the sellers responsibility for any defect that appears in the sale at the time of the contract and after delivery, and in order to achieve the guarantee, certain conditions must be available that appear in the sale so that the buyer can refer to the seller with collateral, and the law obliges the buyer to examine the sale after receipt, and then the sellers risks of any defect appearing in it, and the law provides multiple options if there is a defect in the sale,  These options differ in recent positive legislation.

المقدمة

تعد مؤسسة ضمان عيوب المبيع الخفية قديمة العهد , عرفت منذ ان جعلت شريعة حمورابي هذا الضمان الزامياً , بعد ان نظمت احكامه , وانتقلت هذه المؤسسة الى بلاد اليونان , ثم روما , اذ اشتهر البائعون بقيامهم بعمليات الغش في البيوع  , فجاءت هذه المؤسسة لتحمي المشتري الضعيف , فأوجبت على البائعين الاعلان عن العيوب التي في المبيع , وجعلتهم مسؤولين عن ظهور اي عيب لم يكشفوا عنه , حتى لو كانوا يجهلونه . فالبائع لا تنتهي التزاماته بتسليمه للشيء المبيع مطابقاً لما اتفق عليه , بل تمتد ايضاً الى التزامه بضمان الحيازة الهادئة والمفيدة للشيء المبيع وهو ما يعرف بالالتزام بالضمان .

ويقسم الضمان في التشريعات الحديثة الى قسمين وهما : الضمان الاتفاقي والضمان القانوني الذي سيكون موضوع بحثنا , فالتزام الضمان هو التزام مستقل بذاته عن التزامات البائع الاخرى, كالتزام نقل الملكية  أو الالتزام بالتسليم , هذا الالتزام بالضمان يقضي أن يسلم البائع المبيع سالماً خالياً من العيوب , وهذه الالتزام ذو شقين ايضاً : فهناك ضمان التعرض والاستحقاق من جانب وضمان العيوب الخفية من جانب آخر , الاول يتعلق بحيازة المبيع والثاني يتعلق بالانتفاع به , فالبائع مسئول بمقتضى التزامه بالضمان عن كل واقعة من شانها ان تهدد أو تفسد الحيازة الهادئة والنافعة للشيء المبيع , وذلك يعني انه يمتنع على البائع أن يتعرض للمشتري مادياً أو قانونياً في حيازته للشيء المبيع كما يلتزم بدفع التعرض القانوني الصادر عن الغير وهو ما يعرف بضمان التعرض والاستحقاق , كذلك فالبائع يضمن خلو المبيع من العيوب الخفية التي تجعل من المبيع غير صالح للغرض الذي اعد له , فإذا سلم البائع  المبيع  معيباً كان مخلاً بالتزامه بالتسليم , ولكي يتحقق الضمان لابد من توافر شروط معينة تجعل المبيع معيباً , الامر الذي يتيح للمشتري أن يختار بين رد المبيع أو المطالبة بنقصان الثمن , بحسب العطل أو الضرر الذي اصاب المبيع , أو القبول بكل الثمن المسمى في العقد  أو الفسخ وفقاً لما نصت عليه التشريعات المقارنة , هذه الشروط للمبيع المعيب والاجراءات والخيارات المتاحة للمشتري ستكون موضوع دراستنا .

أهمية البحث :

تتضح اهمية دراسة اثر العيب الخفي على المبيع , في ان التزام البائع بضمان تسليم المبيع الى المشتري سليماً خالياً من العيوب ,  إذ ان المشتري يهدف الى شراء سلعة خالية من العيوب بشكل يمكن معه الانتفاع منها , وإلا  لا فائدة  ولا منفعة متحققة جراء شراء سلعة معيبة  , فيصبح البائع هنا مخلاً بالتزامه , وهو التزام مستقل عن التزامات البائع الاخرى , الأمر الذي يوجب دراسة هذا الالتزام بشكل مستقل عن التزامات البائع الاخرى .

اهداف البحث:

يفرض القانون على البائع ان يسلم المبيع الى المشتري حتى يتمكن الاخير من الانتفاع به  في ذات الوقت الذي يحوز فيه المشتري المبيع حيازة هادئة , حتى  يتحقق الهدف المنشود من عملية الشراء , وعلى ذلك يوجب القانون على البائع ان يسلم المشتري المبيع سليماً خالياً من العيوب التي تعيق الحيازة  الهادئة والمنفعة  السليمة للأخير , ويعد العيب الخفي احد العيوب التي تعيق منفعة المشتري للمبيع  , خاصة مع التطور السريع للبيوع التي تعرف بما يسمى بالبيوع المستعجلة  التي لا تظهر فيها العيوب  إلا بعد تسليم المبيع  للمشتري ومن هنا تظهر دراسة ماهية العيب الخفي وكيف يتم اعتبار العيب خفياً  في الوقت الذي يهدف الباحث الى بيان  مفهوم الضمان القانوني المترتب على التزام البائع بضمان العيب في المبيع , وبيان الشروط الواجب توفرها في المبيع المعيب , ليتحقق للمشتري امكانية الرجوع على البائع بالضمان .

مشكلة البحث:

لا تقتصر التزامات البائع على مجرد ضمان الحيازة الهادئة للمشتري , بل يمتد التزامه ايضاً الى الحيازة المفيدة والنافعة للمبيع عن طريق التزام البائع بضمان العيوب الخفية , وتثور المشكلة في كيفية اعتبار المبيع معيباً وقت العقد , ومدى تأثير هذا العيب على المنفعة المرجوة من المبيع  ؟ .

فرضية البحث:

يعد التزام البائع بالضمان , التزاماً مستقلاً عن التزاماته الاخرى , مثل الالتزام بنقل الملكية , والالتزام بالتسليم , وحتى يمكن للمشتري الرجوع بالضمان لابد من توافر شروط معينة في المبيع , فما هي هذه الشروط؟ ومتى يعد العيب في المبيع موجباً للضمان قبل تسليم المبيع ؟ أم بعد التسليم ؟ وماهي الاجراءات التي يوجبها القانون على المشتري في حال وجود العيب ؟ وعلى من يقع عبئ اثبات وجود العيب  في المبيع  ؟ وماهي خيارات المشتري  المتاحة له بعد ذلك ؟ هذه الفرضيات هي موضوع بحث دراستنا لفكرة اثر العيب الخفي على المبيع .

منهجية البحث :

اعتمد الباحث على المنهج الاستقرائي لنصوص القانون في التشريعين العراقي واللبناني في ما يتعلق بضمان العيوب الخفية , كما اعتمد الباحث على المنهج التحليلي لهذه النصوص ومن ثم المقارنة  بينهما , والوقوف على اوجه التقارب أو التطابق والاختلاف في ما بين هذه النصوص ومحاولة التوفيق في ما بينهما .

المبحث الاول

الضمان القانوني للعيب الخفي

نتناول الضمان القانوني للعيب الخفي , في مطلبين , نخصص المطلب الاول الى بيان مفهوم ونطاق العيب الخفي , بينما نخصص المطلب الثاني الى شروط العيب الخفي الموجب للضمان , وكما يلي :-

المطلب الاول: مفهوم ونطاق العيب الخفي

نفرد الفرع الاول الى مفهوم العيب الخفي في ضوء التشريعين العراقي واللبناني , ثم بعد ذلك نفرد الفرع الثاني الى نطاق ضمان العيب الخفي استناداً الى المبيع الذي يرد عليه وللبيع الذي ينشأ عنه , وكما يلي:- 

الفرع الاول: مفهوم العيب الخفي

لم يعرف المشرع العراقي العيب الخفي[1],  لكنه نظم احكام ضمان العيوب الخفية في المواد (558-570) ومعظم هذه الاحكام مستمدة من الفقه الاسلامي , الا أن محكمة النقض المصرية في قرار لها عرفت العيب الخفي بأنه : « العيب الذي تترتب عليه دعوى ضمان العيوب الخفية هو , الآفه الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع«[2] 

كما بينت  المادتين ( 558- 559) من القانون المدني العراقي شروط العيب الموجب للضمان , والمتمثلة في ان يكون العيب , خفي , ومؤثر, وقديم , كما أن المشرع اللبناني  لم يورد تعريفاً  صريحاً للعيب الذي يترتب عليه موجب الضمان , لكن المادة ( 442) موجبات وعقود بينت خصائص هذه العيوب فنصت على أنه « يضمن البائع عيوب المبيع التي تنقص قيمته نقصاً محسوساً , او تجعله غير صالح للاستعمال في ما أعد له بحسب ماهيته , او بمقتضى عقد البيع , واما العيوب المتسامح بها عرفاً فلا تستوجب الضمان , ويضمن البائع وجود الصفات التي ذكرها أو اشترط الشاري وجودها « ويستفاد من هذا النص أن المشرع اللبناني أعطى مفهوماً شاملاً للعيب بمفهومة التقليدي , اي بمفهوم الآفة الطارئة , التي تنقص من قيمة المبيع أو تجعله غير صالح للغاية المتوخاة من عملية الشراء ,  أو مفهوم تخلف الصفة التي كفل وجودها البائع , اي فوات الوصف الذي لا يدخل بحسب الأصل في مفهوم العيب[3].

الفرع الثاني: نطاق العيب الخفي

يعد العيب  خفياً إذا كان غير ظاهر , ولم يكن في وسع المشتري كشفه لو أنه فحصه بعناية الرجل العادي , والمشرع العراقي يشترط في العيب الخفي الا يكون المشتري عالماً بوجوده وقت البيع , أو أن يكون في استطاعته ان يتعرف عليه  لو أنه فحص المبيع بما ينبغي من العناية[4] .

كما انه لا توجد حدود فاصلة بين الخبرة العادية والخبرة غير العادية للمشتري فتلك مسألة نسبية , مما يجعل خفاء العيب أو ظهوره هو الاخر امراً نسبياً يخضع لتقدير قاضي الموضوع[5], وفي نطاق عقد البيع يختلف تطبيق ضمان العيب تبعاً للمبيع الذي يرد عليه , وللبيع الذي ينشأ عنه .

 اولا- تبعا لجهة المبيع :

المبدأ العام هو أن ضمان العيب , يعمل به بالنسبة الى جميع المبيعات , سواء كانت منقولة ام غير منقولة , مادية ام غير مادية , ففي الاموال المنقولة المادية , يتحقق الضمان مثلاً في حال بيع البضائع والسلع المختلفة كالا قمشة والسيارات , اما بالنسبة الى الأموال المنقولة غير المادية , يترتب ضمان العيب على التفرع عن الملكية الادبية والفنية وبراءات الاختراع[6] اما في الاموال العقارية فيقوم الضمان في بيع الدور والشقق , عند ظهور عيب في تكوين البناء او رداءة المواد المستعملة والتي ليس للمشتري ان يتوقع منها ان يوفر له نفس الفعالية التي يوفرها الشيء الجديد .

ثانياً - تبعا لجهة البيع :

ينشأ ضمان العيب الخفي عن البيع بصرف النظر عن نوعه , كالبيع الجزافي أو البيع الوفائي أو البيع بالعدد أو القياس , والضمان يترتب ايضاً سواء كان البيع مدنياً أم تجارياً , مسجلاً ام غير مسجل , شرط ان تكون العملية بيع[7] الا ان بعض التشريعات قررت أنه اذا كان الاصل , ان الضمان يرد بالنسبة للبيوع المختلفة , الا أن المشرع العراقي استثناء قرر أنه لا تسمع دعوى الضمان للعيب فيما بيع بمعرفة المحكمة او الجهات الحكومية الاخرى بطريق المزايدة العلنية[8], أما المشرع اللبناني فقد قرر أنه لا وجه لإقامة دعوى الرد في البيوع التي تجريها السلطة القضائية[9] ومبرر استثناء البيع بواسطة القضاء من الضمان , يعود الى أنه يتم بعد النشر والاعلان عنه , مما يتيح الفرصة للمشتري فحص المبيع والتمكن من ادراك العيب , فضلاً عن ان الغاء البيع بالمزاد بسبب الضمان يستلزم اجراءات متشعبة , يصعب اللجوء اليها بعد توزيع الثمن على الدائنين .

المطلب الثاني: شروط العيب الخفي الموجب للضمان

لكي يمكن اعتبار العيب الخفي موجباً للضمان , يستلزم المشرع توافر شروط معينة في المبيع , هذه الشروط نعرض لها في الفرع الاول  , ثم بعد ذلك ننتقل الى بيان الوجه الوظيفي للعيب , ومن هو الدائن والمدين بالضمان  وذلك في الفرع الثاني , وكما يلي :- 

الفرع الاول: شروط العيب الموجب للضمان

من اجل أن يضمن البائع العيب الذي يظهر في المبيع , لابد أن تتوافر في العيب شروط معينة , بدونها لا يمكن للمشتري الرجوع على البائع بالضمان , فالمشرع اراد عن طريق الضمان مساعدة المشتري , لكن لم يشأ في الوقت نفسه حماية تسرعه وعدم تبصره , فشرط الحماية يستوجب أن يكون الخفاء في العيب وليس انعدام البصر لدى المشتري[10] ويشترط المشرع العراقي بموجب نص المادتين (558-559) من التقنين المدني , ان يكون العيب  خفياً , ومؤثراً , وان يكون قديماً , فالمشتري لو فحص المبيع بعناية الرجل المعتاد الذي  تعارف الناس على القيام به فلا يمكنه الرجوع على البائع بالضمان , ويبرر ذلك بأن اقدام المشتري على الشراء بالرغم من ظهور تلك العيوب يفيد أحد أمرين ,الأمر الأول: أما ان هذا العيب ليس امراً مؤثراً في قيمة المبيع أو في نفعه , اما الثاني: لأنه تنازل مقدماً عن حقه في الزام البائع بضمان تلك العيوب[11], فالعيب المؤثر هو ما ينقص من ثمن المبيع , أو يفوت غرض صحيح اذا كان في امثال المبيع عدمه , كما أن المشتري لو علم بهذا العيب المؤثر وقت التعاقد لما اقدم على التعاقد اصلا .

كما أن قدم العيب , هو أن يكون موجوداً في المبيع وقت التعاقد أو بعده وقبل التسليم , ويستوي الأمر في ما إذا كان المبيع من الاشياء المعينة بنوعها أو معينه بذاتها , وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (558) مدني عراقي  كما أن البائع يبقى ضامناً للبيع , ولا يسقط الاتفاق مع المشتري بإسقاط الضمان أو انقاصه , اذا كان البائع قد تعمد اخفاء العيب , غشا منه , أو اذا اثبت المشتري أن البائع قد اكد له خلو المبيع من اي عيب.  

أما المشرع اللبناني , فقد نص على أن خصائص العيب الموجب للضمان هي أن يكون العيب مؤثراً , وقديماً وخفياً وغير معلوم للمشتري , فالعيب المؤثر هو الذي ينقص من قيمة المبيع نقصاً محسوساً أو تجعله غير صالح للاستعمال في ما أعد له بحسب ماهيته , أو بمقتضى عقد البيع , أما العيب القديم , فان البائع لا يضمن إلا العيوب الموجودة وقت البيع اذا كان المبيع عيناً معينة بذاتها , أو وقت التسليم إذا كان المبيع مثلياً , ومن هنا يتضح الفرق بين ما إذا كان المبيع من الاشياء القيمية أو من الاشياء  المثلية , ففي بيع  الاشياء القيمية  فإن البائع يكون ضامناً للعيب الذي يوجد وقت البيع وغير ضامن لأي عيب حدث بعد ذلك  ولو وجد قبل التسليم[12], لان المشتري يصبح مالكاً وقت العقد , اما إذا كان المبيع مثلياً , فيكون البائع ضامناً للعيب الموجود فيه عند التسليم ولو لم توجد الا بعد البيع , ومرجع ذلك ان تبعة الهلاك في مثل هذه الحالة لا تنتقل الى المشتري إلا منذ التسليم , حيث يتم فرز المبيع  , اما العيب الخفي , فأن البائع لا يكون مسؤولاً عن العيوب الظاهرة , ولا عن العيوب التي سبق للمشتري أن عرفها , أو كان من السهل عليه أن يعرفها , ولذلك لا يكفي ضمان العيب أن يكون خفياً , بل يجب أن يكون المشتري غير عالم بالعيب , فلو علم الاخير , فأن البائع لا يكون ضامناً ولا يشترط وسيلة خاصة لعلم المشتري بالعيب وقد يعلم مباشره نتيجة خبرته , أو عن طريق الغير, او بأعلام المشتري , كما أن البائع يكون مسؤولاً حتى عن العيوب التي كان من السهل على المشتري أن يعرفها , إذا كان قد صرح البائع بخلوها منها وكذلك الأمر اذا تعمد البائع اخفاء العيب غشاً , ففي هذه الحالة يكون قد ارتكب خطأ يستغرق خطأ المشتري في عدم فحص المبيع بعناية الرجل العادي[13]

الفرع الثاني: الوجه الوظيفي للعيب الخفي

للعيب , مفهومان : مفهوم  ضيق ومفهوم واسع , فالمفهوم الاول :  يعد أن كل فساد في البضاعة هو عيب بصرف النظر عن مدى تأثيره على الاستعمال , وهذا هو المفهوم التجريدي للعيب , أما المفهوم الآخر فلا يعد العيب عيباً بمضمونه القانوني , الا إذا أثر على الاستعمال بحيث يندمج العيب وتأثيره في شرط واحد , فيصبح العيب هو الفعل المعطل للاستعمال وبذلك يرتبط العيب ارتباطاً وثيقاً بالوظيفة المعد لها الشيء , ويعطي هذه العيب بالتالي مفهوماً وظيفياً[14], هذا المفهوم الوظيفي هو الذي يحدد وجهة الاستعمال التي قد تتم تبعاً لطبيعة الشيء , فمن يشتري مقلعاً يفترض فيه أن يستعمله في هذه الوجهة , اما إذا خصصه لاستثمار زراعي وكانت طبيعة تربته غير مؤهلة لهذا الاستعمال , فلا يستطيع اعتبار ذلك عيباً , كما أن الفرس المعد للسباق , لا يمكن استعماله للحراثة , هذا بالا اضافة الى أن وجهة الاستعمال قد تتحدد عن طريق تكوين اعداد المبيع , فصناعة شاحنة بأدوات وتجهيزها بأدوات واجهزة تبريد لجعلها معدة لنقل اللحم والخضار عن طريق تكوينها , وعند النزاع حول الاستعمال المقصود , يعتمد القاضي على ضوابط ومعايير موضوعية[15] لتحديد هذا الاستعمال , ولا يتوقف على القصد الخاص[16] لأنه في حال توافر هذا القصد فيجب ان يعلم به البائع , وهنا نصل الى  تحديد الاستعمال عن طريق الاتفاق . ولم يشترط المشرع اللبناني شرط الجسامة في ضمان وجود صفة معينة في المبيع , اذ أن مجرد تخلف الصفة هو كاف بحد ذاته لقيام الضمان , أياً كان اهمية هذه الصفة , لان اهميتها هنا هي شخصية يتحدد بالنظر إلى شخصية المشتري الذي اشترط وجود الصفة[17]. ولابد من البيان بأن الدائن بالضمان هو المشتري وورثته , وينقسم في ما بينهم كل بقدر حصته , الا أنه يبقى للبائع ان يطالبهم برد الشيء بكامله , كي لا تفرق الصفة , وينتقل الحق بالضمان الى خلف المشتري الخاص , كالمشتري من المشتري الاول .  أما المدين بموجب الضمان , هو البائع , ولا ينتقل هذا الدين الى ورثته الذين لا يتممون شخصه[18], أما في التشريع العراقي , فأن المدين ( بالضمان ) هو البائع , وينتقل هذا الدين في حالة الوفاة الى ورثته طبقاً للقواعد العامة في الميراث اعمالاً لقاعدة (لا تركة إلا بعد سداد الدين ) .

ويستدل مما تقدم :-

ان المشرع العراقي , حدد شروط العيب الموجب للضمان , بمقتضى نص المادتين (558-559) , وهذه الشروط هي , ان يكون العيب (خفياً – مؤثراً – قديماً )  اما المشرع اللبناني , فقد حدد شروط العيب الموجب للضمان بمقتضى نص المادة (442) موجبات وعقود , وهذه الشروط هي , ان يكون العيب ( خفياً – مؤثراً – قديماً – غير معلوم للمشتري ) .

يتفق التشريعين العراقي واللبناني , على أنه لا التزام بضمان العيوب التي تظهر في المبيع , إذا كان من البيوع التي تجري بمعرفة المحكمة أو الجهات الحكومية الاخرى بطريق المزايدة العلنية , المواد (569) مدني عراقي , و(464) موجبات وعقود لبناني .

يتفق التشريعين العراقي واللبناني , ان كل شرط يسقط الضمان أو يعدله , يقع باطلاً , إذا كان البائع قد تعمد اخفاء العيب , أو كان قد اكد للمشتري خلو المبيع من اي عيب , المادتين (568) مدني عراقي و (460) موجبات وعقود لبناني .

يتفق القانونين العراقي واللبناني , على استبعاد شرط الجسامة من العيب الخفي الموجب للضمان , المادة (558/2) مدني عراقي , والمادة (442) موجبات وعقود لبناني .

فاذا ما توافرت شروط العيب المتقدم ذكرها , أمكن المشتري الرجوع على البائع بالضمان , ولكن يشترط على المشتري القيام ببعض الاجراءات من أجل المحافظة على حق الضمان , كما أن هناك حالات اذا ما تحققت فسوف تؤدي الى تحديد خيار المشتري , أما بمطالبة البائع بنقصان الثمن فقط , أو تؤدي الى سقوط حقة في الضمان , هذه الاجراءات والحالات نتناولها في المبحث القادم من دراستنا .

المبحث الثاني

احكام الالتزام بضمان العيوب الخفية

إذا تحققت شروط الالتزام بضمان العيب الخفي , فيجب على المشتري أن يقوم بإجراءات قبل رفع الدعوى , هذه الاجراءات نتناولها في المطلب الاول , كما أن حق  المشتري يقتصر احياناً على  رد المبيع  أو المطالبة بالثمن  بعد ظهور العيب , واحياناً اخرى  يسقط فيها حق الضمان والتي تستند الى  نص القانون أو إلى ارادة المتعاقدين ,  هذه الاحوال نتعرض اليها في المطلب الثاني , وكما يلي :

المطلب الاول: الاجراءات الممهدة للدعوى

رتب القانون على المشتري قبل تقديمه دعوى الضمان , التزامين اثنين , وهما إخطار البائع بالعيب , وإثبات العيب , هذين الالتزامين نتعرض اليهما في الفرع الاول , بينما نخصص الفرع الثاني الى المهل القانونية الممنوحة للمشتري وخياره بين طلب رد المبيع أو الخيارات الاخرى  المتاحة له والتي نص عليها المشرعين العراقي واللبناني , وكما يلي : 

الفرع الاول: اخطار البائع بالعيب الخفي

قرر المشرع العراقي , بنص المادة (560) من القانون المدني  أنه  « إذا تسلم المشتري المبيع , وجب عليه التحقق من حالته بمجرد تمكنه من ذلك وفقاً للمألوف في التعامل , فاذا كشف عيب يضمنه البائع وجب عليه أن يبادر بإخباره بذلك , فإذا اهمل في شيء من ذلك اعتبر قابلاً للمبيع , كما أن العيب إذا كان مما لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد , ثم كشفه المشتري وجب عليه أن يخبر به البائع عند ظهوره , وإلا اعتبر قابلاً بالمبيع « اما اذا كان العيب لا يمكن اكتشافه بالفحص المعتاد , فالمشرع لا يلزم المشتري بإجراء الفحص غير المعتاد على المبيع لأجل اكتشاف العيب[19] ولم يحدد  المشرع العراقي ,  شكلاً معيناً للإخطار , فكما يصح أن يكون عن طريق الانذار بواسطة كاتب العدل , يجوز يكون الاخطار برسالة مسجلة , أو يصح أن يكون شفوياً , أما في ما يتعلق بمهلة الاخطار , فقد قرر, أن يتم اخبار البائع بعد أن يقوم المشتري بفحص المبيع بمجرد تمكنه من ذلك[20], أما المشرع اللبناني : فقد قرر أنه إذا كان المبيع من المنقولات غير الحيوانات وجب على المشتري أن ينظر في حالة المبيع على اثر استلامه , وان يخبر البائع بلا ابطاء خلال مدة سبعة ايام بحيث تبدأ المهلة من اليوم التالي للاستلام الفعلي عن عيب يجب على البائع ضمانه , ويفهم من ذلك أن مدة الاخطار هي سبعة ايام من المنقولات غير الحيوانات بحيث لا يتوجب الاخطار في الحيوان وفي بيع غير المنقولات[21] ولا يخضع لشكل معين , فقد يتم شفاهه أو كتابة برقياً أو هاتفياً أو بموجب كتاب رسمي او خاصة , ويجوز اثبات حصوله بكافة طرق الاثبات لتناوله واقعة مادية[22].

ويميز المشرع اللبناني بين الإخطار في العيب الذي يظهر بالفحص العادي , والذي يجب أن يتم بلا إبطاء خلال سبعة ايام التي تلي الاستلام , وبين الإخطار الذي لا يظهر بالفحص العادي أو كانت هناك موانع لا علاقة لها بمشيئة المشتري حالت دون النظر في حالة المبيع , والتي توجب المشتري اخطار البائع اثر اكتشاف العيب وليس خلال سبعة ايام بعد اكتشافه[23].

الفرع الثاني: دعوى الضمان

قرر المشرع العراقي في الفقرة الاولى من المادة (558) مدني عراقي , الخيار للمشتري  بين فسخ العقد ورد المبيع , وبين قبول المبيع بكل الثمن المسمى , واذا كان المبيع عبارة عن اشياء بيعت صفقة واحدة , وظهر عيب في بعضها دون البعض الاخر , وكان بالإمكان تفريق الصفقة دون ضرر , للمشتري رد القسم المتضرر من المبيع , بما يقابله , ولا يجوز له رد كل المبيع دون موافقة البائع[24], أما إذا تعذر تفريق الصفقة فالمشتري بالخيار بين فسخ المبيع , أو القبول بكل الثمن المسمى ولا تسمع دعوى الضمان اذا انقضت ستة اشهر من وقت تسليم المبيع[25].

اما المشرع اللبناني : فقد بين أن اقامة دعوى الضمان تخضع لمهلة قانونية محددة امدها (365) يوماً بعد التسليم في الاموال الثابتة أما في المنقول والحيوانات فتقام من خلال ثلاثين يوما بعد التسليم , فاتحاً الباب امام المشتري بعد تحقق واثبات العيب الخفي بالخيار بين طلب تخفيض الثمن أو رد المبيع .

فقد نصت المادة (463) موجبات وعقود لبناني على ان : «  الدعوى الناشئة عن وجود عيوب موجبة لرد المبيع أو عن خلوه من الصفات الموعود بها , يجب أن تقام على الوجه التالي , والا سقط الحق في اقامتها ,

ان تقام من اجل الاموال الثابتة في خلال 365 يوم بعد التسليم ,

وتقام من اجل المنقولات والحيوانات في خلال 30 يوماً بعد التسليم على شرط أن يرسل الى البائع البلاغ المنصوص عليه في المادة (446)  وهاتان المهلتان يمكن تمديدهما أو تقصيرهما باتفاق المتعاقدين“[26]

والحقيقة أن القانون اللبناني , اعتمد تاريخاً واحداً وصريحاً لبدء سريان المهلة  وهو تاريخ التسليم سواء في الاموال المنقولة أم غير المنقولة , والمقصود بالتسليم هو التسليم الفعلي الذي يصل فيها المبيع الى يد المشتري, ويصبح بتصرفه بحيث يمكنه فحص المبيع وكشف العيوب[27] , وقد يتزامن التسليم القانوني مع التسليم الفعلي , وقد يسبق هذا الاخير الأول منهما , ففي هذه الحالة يعتد  بالتسليم الفعلي , ففي بيع العقار يمكن أن يتم التسليم الفعلي قبل التسجيل فيقيد به , ولوكان التسجيل لازماً لنقل الملكية[28].

المطلب الثاني: موانع الرد :

تبين في ما سبق بأنه عند وجود عيب خفي في المبيع فأن المشتري بالخيار بين فسخ البيع ورد المبيع أو القبول بكل الثمن بحسب ما قرر المشرع العراقي , أو خيار المشتري بفسخ البيع ورد المبيع أو انقاص الثمن . بحسب ما قرر المشرع اللبناني , ولكن هناك حالات معينة اذا تحققت لا يكون في المقدور رد المبيع الى البائع , وإنما ينحصر حقه في المطالبة بنقصان الثمن , هذه الحالات نعرض اليها في الفرع الاول , كما أن ضمان البائع للعيوب الخفية يسقط في حالات اخرى , يرجع بعضها الى نص  القانون , وبعضها الى ارادة المتعاقدين , أو الى ارادة المشتري الضمنية ,  هذه الحالات  نعرض اليها في الفرع الثاني وكما لي :

الفرع الأول: خيار المشتري بنقصان الثمن

في حال تحقق حالات معينة فان المشتري لا يكون امامه سوى مطالبة البائع بنقصان الثمن , ويتم تخفيض الثمن في ضوء احكام القانون المدني العراقي , بتقدير المبيع سالماً من العيب , ثم تقدير قيمته وهو معيب , والفرق بين القيمتين ينسب الى الثمن المسمى , ويرجع المشتري بتلك النسبة على البائع[29]وهذه الحالات هي :-

اولاً - حدوث عيب جديد في المبيع بعد التسليم :

هذه الحالة قررتها المادة (562 ) مدني عراقي  بنصها على أن «1- إذا ظهر بالمبيع عيب قديم ثم حدث به عيب جديد عند المشتري , فليس له أن يرده بالعيب القديم والعيب الجديد موجود فيه , بل له أن يطالب بنقصان الثمن , ما لم يرضى البائع بأخذه على عيبه ولم يوجد مانع للرد  2- فإذا زال العيب الحادث , عاد للمشتري حق رد المبيع بالعيب القديم على البائع « .

ثانياً - زيادة شيء على المبيع من مال المشتري :

ان الزيادة التي تمنع الرد استناداً الى نص المادة (563) مدني عراقي , و التي تجيز للمشتري الرجوع بنقصان الثمن  هي :  أما ان تكون الزيادة متصلة غير متولدة , كالبناء , والغراس , او زيادة منفصلة متولدة , كالثمر , أما الزيادة المنفصلة غير المتولدة , مثل الاجرة والزيادة المتولدة فلا تمنع من الرد , ويمنع القانون رد المبيع حتى إذا قبله البائع بالعيب الحادث , ويقتصر حق المشتري على المطالبة بنقصان الثمن[30] .

  ثالثاً- هلاك المبيع بيد المشتري :

تنص المادة (564) مدني عراقي على انه  «  إذا هلك المبيع المعيب في يد المشتري فهلاكه عليه , ويرجع على البائع بنقصان الثمن « ولم يميز هذا النص بين حالات الهلاك الجزئي والهلاك الكلي للمبيع .

رابعاً: تصرف المشتري بالمبيع المعيب قبل اطلاعه على العيب .

إذا تصرف المشتري بالمبيع المعيب . تصرف الملاك قبل اطلاعه على العيب الذي فيه فأنه يرجع على البائع بنقصان الثمن , وهذا الحكم يستفاد من مفهوم المخالفة لنص المادة (566) مدني عراقي[31].

أما في ضوء التشريع اللبناني , فأن الحالات التي يقتصر فيها حق المشتري على المطالبة بنقصان الثمن  هي : أولاً - إذا باع المشتري المبيع الى الغير , ففي هذه الحالة يتعذر الرد بصورة مطلقة , لان دعوى الرد تستوجب إعادة المبيع الى البائع , وهذا الأمر اصبح غير ممكن .

ثانياً -  كذلك لا يجوز طلب الفسخ اذا تعيب المبيع بخطأ المشتري او من الاشخاص الذين يكون مسؤولاً عنهم , والمقصود بال تعيب هو التلف الجزئي وليس العيب , او اذا استعمل المبيع استعمالاً لا يؤدي الى نقص كبير في قيمته[32].

ثالثاً - إذا انشأ المشتري حقوقاً عينية للغير على المبيع , كعقد تأمين عقاري , إلا إذا ازال هذا الحق .

الفرع الثاني: سقوط ضمان البائع

يسقط ضمان البائع للعيوب الخفية في حالات , يرجع بعضها الى نص في القانون , وبعضها الآخر الى ارادة المتعاقدين , أو الى ارادة المشتري الضمنية , وهذه الحالات نص عليها المشرع العراقي في  الاحوال التالية :

اولاً -  عدم فحص المشتري للمبيع بالعناية اللازمة .

يجب على المشتري فحص المبيع بالعناية اللازمة , وإذا اوجد عيباً  فعليه أن يقوم بأخبار البائع , واذا لم يبذل في فحصه العناية اللازمة , وهي عناية الشخص المعتاد سقط حقه في الضمان قبل البائع نتيجة اهماله[33] .

ثانيا-  تصرف المشتري  بالمبيع بعد اطلاعه على عيب فيه .

اذا اكتشف المشتري عيباً قديماً في المبيع , ثم تصرف فيه تصرف الملاك , سواء بترتيب  حق عيني للغير , كالبيع أو الرهن , أو انشأ حقاً شخصياً على المبيع كأن يؤجره مثلاً , سقط حقه في الضمان .

ثالثاً - تنازل المشتري عن حقه في الضمان .

يعد التزام البائع بالضمان حقاً مقرراً الى المشتري , من هنا ليس هناك ما يمنع المشتري من التنازل عن حقه في الضمان[34].

رابعاً -  اشتراط البائع ان يبرئ  من كل عيب .

وفي هذا الصدد تفرق المادة (567/ 2)  مدني عراقي بين حالتين وهي , الاولى : سواء كان العيب موجوداً حين التعاقد , أو ما يطرأ منها قبل القبض , والثانية : سقوط حق المشتري في الضمان بسبب العيوب في المبيع وقت التعاقد , لكن حقه في ضمان العيوب التي قد تطرأ بعد العقد يبقى قائماً .

خامساً - مضي المدة .

يجب على المشتري اخطار البائع بالعيب خلال مهلة معقولة  لم يحددها المشرع   وغالبا ما يترك تقدير هذه المدة الى قاضي الموضوع , كما أن دعوى الضمان يجب أن ترفع خلال مدة  ستة اشهر من وقت تسليم المبيع[35] .

اما المشرع اللبناني , فقد نص بموجب المادة (455) موجبات وعقود على الحالات التي لا يحق فيها للمشتري استرداد الشيء  ولا خفض الثمن , إذا كان لم يستطع  رد المبيع , وهذه الحالات هي :

اولاً - إذا كان المبيع قد هلك بقوة قاهرة , أو بخطأ من المشتري , أو من اشخاص هو مسؤول عنهم .

ثانياً - إذا كان المبيع قد سرق أو انتزع من المشتري .

ثالثاً - إذا حول المشتري المبيع الى شكل لم يبقى معه صالحاً لما اعد له في الاصل .

هذه الحالات تتفق في ما بينها , لأن المشتري لا يستطيع رد المبيع , أو على الاقل لا يستطيع رده بحالته التي تسلمه عليها , ولذا لا يجوز له المطالبة بالرد , أو بتخفيض الثمن .

ويستدل مما تقدم:

اوجب المشرع اللبناني ,  بنص المادة (446) موجبات وعقود , على المشتري ان يخطر البائع بلا ابطاء في خلال سبعه ايام التي تلي الاستلام للمبيع عن العيب الموجب إخطار البائع بضمانه , إذا كان المبيع من المنقولات غير الحيوانات  .

لم يحدد المشرع العراقي بنص المادة (560/1) مهلة لا خطار البائع بالعيب , لكن الزم المشتري بفحص المبيع والتحقق من حالته بمجرد تمكنه من ذلك , وفقا للمألوف في التعامل ,  .

يتفق التشريعين العراقي واللبناني  , في شكل الاخطار , الذي يمكن أن يكون عن طريق الكاتب العدل أو برسالة مسجلة أو مشافهة أو اخطار كتابي .

قرر المشرع العراقي , الزام المشتري إذا اراد الرجوع على البائع , بفسخ البيع , أو القبول بكل الثمن المسمى في البيع, أما المشرع اللبناني , فقد قرر اعطاء الخيار للمشتري في حال اثبات  العيب الخفي , بفسخ البيع أو اخذ بدل العطل و الضرر في احوال معينه سبق ذكرها .

قرر المشرع العراقي , ان مدة رجوع البائع على المشتري بدعوى الضمان هي  ستة اشهر من وقت تسلم المبيع , اما المشرع اللبناني فقد أوجب على المشتري رفع دعوى الضمان خلال مده (365) يوم  بعد التسليم في الاموال الثابتة , واقامتها من اجل المنقولات والحيوانات في خلال ثلاثين يوما بعد التسليم.

يتفق التشريعين العراقي واللبناني , على الحالات التي يصبح فيها خيار المشتري مقتصرا على المطالبة بنقصان الثمن .

لا يتفق المشرع العراقي مع المشرع اللبناني , على حالة هلاك المبيع المعيب  في يد المشتري , إذ يعده الأول سبباً للرجوع على البائع بنقصان الثمن , بينما يعده الثاني سببا لسقوط حق المشتري في الادعاء بالضمان

الخاتمة

تعد مؤسسة ضمان العيوب الخفية قديمة العهد , اذ تنظم التزام البائع بالضمان كالتزام مستقل بذاته , وجعلته مسؤولاً عن ظهور أي عيب لم يكشف عنه للمشتري , وفي المقابل مكنت هذه المؤسسة المشتري في حال اكتشاف العيب في المبيع من رد المبيع , أو القبول بالثمن المسمى , أو انقاص الثمن بقدر العيب , وبحسب ما يقرره المشرع , وتناولنا في دراستنا المقارنة هذه , ماهية وشروط العيب الموجب للضمان في ضوء احكام التشريعين العراقي واللبناني , كما تناولنا بالبحث الاجراءات الممهدة لرفع دعوى رد المبيع , والمهل القانونية للرد , وحالات سقوط حق المشتري في الضمان  , وفي نهاية دراستنا توصل الباحث الى جملة من الاستنتاجات والتوصيات , نبينها في ما يلي :

اولاً : الاستنتاجات

قرر المشرع العراقي , إنه إذا تحقق العيب بشروطه واخطر المشتري البائع بهذا العيب في المدة المعقولة , كان للأخير أن يرجع بالضمان على البائع , ويكون المشتري بالخيار بين رد المبيع أو قبوله بالثمن المسمى في العقد .

قرر المشرع اللبناني , إذا تحقق العيب بشروطه , واخطر المشتري البائع في المهل القانونية المحددة للأموال المنقولة وغير المنقولة , كان للمشتري الخيار بين رد المبيع أو ان يأخذ بدل العطل والضرر .

مهلة اقامة دعوى رد المبيع هي ستة اشهر في التشريع العراقي , بينما تكون المهلة في التشريع اللبناني هي (365) يوماً بعد التسليم في المنقولات والحيوانات , وثلاثين يوماً في الاموال العقارية .

ثانياً : التوصيات     

قد يوجب رد المبيع أما لوجود عيب فيه , وأما لخلوه من بعض الصفات , حق للمشتري أن يطلب فسخ البيع واعادة الثمن , أو أن يأخذ بدل العطل في احوال معينة , وذلك حسب التشريع اللبناني , المادة (449) موجبات وعقود .

ليت :المشرع العراقي يقوم بتعديل نص المادة (558) من القانون المدني , ليصبح خيار المشتري هو فسخ البيع , واخذ بدل الضرر في المبيع , اسوة  بالمشرع اللبناني لان العيب يعد بحكم الهلاك الجزئي للمبيع.

نصت المادة (563) مدني عراقي , على منع رد المبيع حتى إذا قبله البائع , بعد حدوث زيادة مانعة من الرد , بعد أن يطلع  المشتري  على العيب القديم فيه .

 ليت: المشرع العراقي يقوم بتعديل نص المادة المذكورة , ليمنح القضاء سلطة تقديرية في قبول الرد من عدمه , مراعاة لظروف العقد , ووفقاً لمقتضيات العدالة .


[1] ينظر د, سعيد مبارك , د , طه الملا حويش  , د, صاحب عبيد الفتلاوي , الموجز في العقود المسماة , البيع  -الايجار- المقاولة , العاتك لصناعة الكتاب , القاهرة , 2009 , ص131.

[2] حكم محكمة النقض المصرية في 8/4/1948 , مجموعة القواعد الجزء الاول ص 36 , مشار اليه في مؤلف د, جعفر الفضلي , الوجيز في العقود المدنية , البيع – الايجار- المقاولة , العاتك لصناعة الكتاب , القاهرة , 1989 م , ص123 , هامش 79 .

[3] توحي كلمة الضمان بمفهوم واسع للغاية , وذلك ما حدا للبعض الى تفضيل اصطلاح (مسؤولية ) لا نها ادق في التعبير عن مضمون نتائج العيب الخفي , ينظر , جواد عسيران , العقود الخاصة , محاضرات مطبوعة لطلاب كلية الحقوق , الجامعة اللبنانية , 2016 م , محاضرة 8  , ص6 .

[4] نصت المادة ( 559) مدني عراقي على أنه « لا يضمن البائع عيبا قديماً كان المشتري يعرفه أو كان يستطيع ان يتبينه لو أنه فحص المبيع بما ينبغي من العناية , إلا إذا اثبت ان البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب أو اخفى العيب غشاً منه «  .

[5] قرار محكمة التمييز العراقية المرقم 2475/ ح /958 في 18/1/1959 , مشار اليه في مؤلف د. جعفر الفضلي , الوجيز في العقود المدنية , المرجع السابق , ص125 ,هامش 88 .

[6] ينظر , د. علي مصباح ابراهيم , العقود المسماة , البيع – الايجار- الوكالة , مكتبة كلية الحقوق الجامعة الاسلامية , لبنان , 2018 م , ص182 .

[7] ولذا لا ينزل منزلة البيع اكتساب ملكية حائط مشترك , لان القضاء يعد ذلك نتيجة ممارسة حق الارتفاق , لا ضمان للعيب فيه , ينظر , د. رمضان ابو السعود , شرح العقود المسماة في عقدي البيع والمقايضة , دار الجامعة الجديدة , الاسكندرية , 2015م , ص346 وما بعدها .

[8] ينظر المادة (568) مدني عراقي .

[9] ينظر المواد (442-443-444) موجبات وعقود لبناني .

[10] د. انور سلطان , الوجيز ففي العقود المسماة , عقدي البيع والمقايضة , دار النهضة العربية , القاهرة , 1982م , ص340 .

[11] د. احمد عبد العال ابو قرين , عقد البيع في ضوء الفقه والتشريع واحكام القضاء , مكتبه جامعة عين شمس , القاهرة ,2009م, ص398

[12] د . اسعد دياب , ضمان عيوب المبيع الخفية , دار أقرأ , بيروت , 1983 م, ص206 .

[13] ينظر المادة (460) موجبات وعقود لبناني .

[14] د, محمد حسين منصور ,’شرح العقود المسماة , الجزء الاول , عقد البيع , دار النهضة العربية ,القاهرة 1995, ص261 .

[15] اخذ المشرع العراقي بالمعيار الموضوعي  وليس بالمعيار الشخصي , اذ ينظر الى عناية الشخص العادي لا إلى عناية المشتري , وفي ذلك قضت محكمة التمييز العراقية في قرارها : بان الواجب على من يشتري مالاً يحتاج الى خبرة خاصة للاطلاع على حالته ان يستعين بالخبراء للكشف على المال , ينظر قرار محكمة التمييز العراقية  ذي العدد 2200 في 18/12/1956 المشار اليه في مؤلف د, جعفر الفضلي , المصدر السابق , ص 124 هامش 85 .

[16] ينظر نص المادة (565) مدني عراقي والمادة (447 ) موجبات عقود لبناني  .

[17] ينظر نص المادة (442) موجبات عقود لبناني  .

[18] وذلك حسب قوانين الطوائف اللبنانية , الا أن تركته تبقى مسؤولة عن نتائج هذا الضمان , ولا يعود لورثته إلا ما تبقى عملاً بالقاعدة ( لا إرث قبل وفاء الدين ) ينظر د. علي مصباح أبراهيم , العقود المسماة , المصدر السابق ,ص 198 .

[19] قضت محكمة التمييز العراقية في قرار لها الى أن  : ( الواجب على من يشتري مالاً يحتاج الى خبرة خاصة  للاطلاع  على حالته  أن يستعين بخبراء للكشف على المال قبل شرائه أو بعد مدة معينة ) , القرار مشار اليه في مؤلف د. جعفر الفضلي , المصدر السابق ,ص135 , هامش (113) .

[20] ينظر نص المادة (560) مدني عراقي .

[21] ينظر نص المادة (446) موجبات وعقود لبناني .

[22] ينظر د. انور سلطان , عقد البيع في القانون اللبناني والمصري , دار النهضة العربية , القاهرة , 2016 , ص217 وما بعدها . 

[23] كما يجب على المشتري أن يطلب بلا ابطاء بعريضة , معاينة المبيع بواسطة خبير يعينه رئيس المحكمة ذات صلاحية , ينظر في تفضيل ذلك , المادة (447) موجبات وعقود لبناني .

[24] ينظر نص المادة (561) مدني عراقي .

[25] ينظر نص المادة (570) مدني عراقي .

[26] حددت المادة (446) موجبات وعقود , المهلة القانونية للإخبار بسبعة ايام في بيع المنقولات من غير الحيوانات  .

[27] المحامي اسامة اسماعيل مجروش , قانون الموجبات والعقود اللبناني الصادر في 9/3/1932 وتعديلاته , منشورات زين الحقوقية , لبنان , 2011 م , ص115.

[28] قرار محكمة استئناف بيروت , غرفة 4, قرار رقم 508 في 29/2/1968 المشار اليه في مؤلف د. ابراهيم مصباح علي, المصدر السابق ص206 , هامش 1 .

[29] ينظر نص المادة (565) مدني عراقي .

[30] يرى بعض الفقه , امكانية ترك قبول البائع للمبيع بعد حدوث الزيادة الى اتفاق طرفي العقد , تحقيقاً لفكرة اعادة التوازن بين الطرفين , ينظر في ذلك د, غني طه حسون , عقد البيع , بغداد , ص 247 وما بعدها  .

[31] نصت المادة (566) مدني عراقي على أنه «  إذا اطلع المشتري على عيب قديم في المبيع , ثم تصرف فيه تصرف الملاك , سقط خياره « .

[32] إعمالاً لنص المادة (457) موجبات وعقود لبناني  .

[33] اعمالاً لنص المادة (560) مدني عراقي  .

[34] اعمالاً لنص المادة (567) مدني عراقي .

[35] اعمالاً لنص المادة (570 ) مدني عراقي .