تاريخ الاستلام: 13 نيسان 2022               تاريخ القبول: 16 حزيران 2022

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

Doi 10.61279/91mgx785

الفكر السياسي للأصوليات الدينية الراديكالية:

بحث في العلاقة العضوية بين الصهيونية وداعش

The political thought of radical religious fundamentalisms:

an investigation into the organic relationship between Zionism and ISIS

أ.م. د. حسام گصّاي

م. م. طالب ناجي

جامعة تكريت - كلية العلوم السياسية

    Assistant Professor Dr. Husam k. hussein 

  Assistant Lecturer Talib naji Alwan

  University of Tikrit. - College of Political Science

مستخلص

تناقش الورقة البحثية أبرز الأفكار السياسية للأصوليات الدينية الراديكالية المعاصرة عند الأصولية اليهودية (الصهيونية المسيحية) والأصولية الإسلامية (السلفية الجهادية) - تنظيم داعش من حيث الجذور والأصول والمباني الفكرية والنشاط السياسي لكلٍ منهما، ومن ثم محاولة توضيح العلاقة العضوية الصهيونية وتنظيم داعش من حيث الأدوات، الأدوار، الأهداف، التي دفعت بنشاطهما مرجعيات اللاهوت والإيديولوجيا وكيف ساعدت إحداهما الأخرى في صعود نشاطها في المنطقة العربية وكيف أثرا في الساحة الدولية لمنطقة الشرق الأوسط، والوطن العربي بوجه الخصوص، وبناء رؤية استشرافية لمستقبل المنطقة من خلال توضيح جذور بدايات نشأة الحركتين ومراحل تطورهما، النشاط الذي مارسته تلك الحركات مع الاختلافات العقائدية بينهما إلا أنهما تقاربا إيديولوجيا وهذا هو هدف الدراسة وفرضها.

Abstract

The research paper discusses the most prominent political ideas of the contemporary radical religious fundamentalism of Jewish fundamentalism (Christian Zionism) and Islamic fundamentalism (Salafi-jihadi) ISIS in terms of the roots, origins, intellectual structures and political activity of each of them, and then an attempt to clarify the organic relationship of Zionism and ISIS in terms of tools, The roles, goals, which theological and ideological references pushed their activities, and how one helped the other in the rise of its activity in the Arab region, and how they affected the international arena of the Middle East, and the Arab world  in particular, And building a forward-looking vision for the future of the region by clarifying the roots of the beginnings of the emergence of the two movements and the stages of their development, the activity practiced by those movements with the ideological differences between them, but they are ideologically close, and this is the aim and imposition of the study.

المقدمة:

تتحدد رؤية الصهيونية للشرق الأوسط من منظور الواقعية السياسية أو لنقل «براغماتية» شديدة الصرامة بما يتوافق مع المكانة الجيوسياسية التي تمتاز بها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية إضافة لتفوقها العسكري والاقتصادي الذي تحظى بدعم من الغرب، حيث تُقدم رؤاها وتصوراتها بما يحقق لها المكاسب على الصعيد القومي اليهودي ورعاية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية صمام أمان الكيان الصهيوني في المنطقة والعالم وما تريد لهُ أن يكون، فيما يصعب علينا تحليل تلك الرؤية وفق سياقاتها العلمية بدون العودة إلى الجذور والمنطلقات للحركة الصهيونية وتحديداً _ هنا في هذه الورقة البحثية _ التركيز على الأصولية المسيحية الصهيونية وعملية صعودها ونجاحها على الأصعدة الدينية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية التي أثرت بشكل جلي في توجيه وتحديد رؤية السياسة الخارجية الصهيونية بما يفرضهُ عليها الخزين الديني والإرث العقائدي بكونها تشكل الاعتقاد أولاً: بأن الله اختصار العنصر العبري، ثانياً: واعطى ميثاقهُ لهم، ثالثاً: واخرج الله هذا العنصر وانقذهم من فرعون واهلك أهل فلسطين من أجله، رابعاً: أختار لهم داود ليحقق هذا العهد بأنشاء «دولة داود» التي لا تزول[1]، تزامن هذا مع صعود حركات الإسلام السياسي كأصوليات دينية وهيمنة تنظيم «داعش» فيما نلاحظ وجود مؤشرات على وجود تقارب وتعاون على الأقل في مجال الدعم في ضوء التسليح، التمويل والأهم في ضوء النتائج والمحصلات براغماتياً من حيث المقاربة بينهما _ وبعيداً كل البعد عن نظرية المؤامرة التي لا سند علمي لها _ نرى بوجود علاقة ما تحددها الرؤية الصهيونية للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد داعش.

إشكالية البحث:

يمكن تحيدد إشكالية البحث في سؤال عريض: ما هي العلاقة العضوية بين الصهيونية والجماعات الإرهابية، وتتفرع عنهُ أسئلة فرعية أخرى سيحاول كل محور الإجابة عن سؤال منها: ما هي جذور الحركة المسيحية الصهيونية، ما هو دور المسيحية الصهيونية في دعم الجماعات الإرهابية وداعش، ما هو مستقبل الشرق الأوسط والمنطقة العربية في ضوء المحددات الصهيونية.

 

فرضية البحث:

نفترض بوجود علاقة عضوية بين الأصوليات الدينية المسيحية الصهيونية والجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية بضمنها تنظيم داعش، ساعدت بطريقة أو بأخرى عن رعاية التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية.

   منهجية الدراسة:

ستعتمد الورقة البحثية على أكثر من منهج في إحاطة الدراسة علمياً وضمان سلامتها الفكرية من الإسقاطات حيث شملت الدراسة منهج التحليل والنقد، ومقترب الثقافة السياسية، ومنهج تحليل المضمون إضافة لمنهج المقارن في سبيل المقاربة العضوية بين الأصوليتين.

أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى تحقيق جملة أهداف، 1) رفد الدراسات بمواضيع الأصولية الدينية من منظور الفكر السياسي لقلة الكتابة في هذا التخصص، 2) تشكل الأصوليات الدينية خطراً جسيماً في مرحلة ما بعد العلماني والعودة الدينية عن طريق تلك الأصوليات وما خلفته من تركة على حياة الأمم والشعوب، 3) توضيح مخاطر تنظيم داعش على مستقبل الأمة العربية، 4) هناك علاقة عضوية لاهوتية وإيديولوجية مقاربة بين الصهيونية وداعش، تسعى الدراسة إلى توضيحها بشكل علمي دقيق.

المبحث الأول

الأصولية الدينية في الشرق

شكلت منطقة الشرق الأوسط الجغرافيا المقدسة للدانات السماوية الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وانسحب الأمر ذلك على الأصوليات الدينية الراديكالية في الديانات السماوية الثلاث لتشكل المنعطف التاريخي في العلاقة بين الدول، خاصة بعد بروز الأصولية الصهيونية والأصولية السلفية الجهادية (داعش) على مسرح الأحداث، وفي ضوء ذلك انقسم المبحث إلى مطلبين:

 المطلب الأول: الجذور التاريخية لعلاقة الصهيونية بالإرهاب.

بعد أن ظهرت الصهيونية عام 1890 أعطت للحركة هدفاً سامياً لها وهو عودة الشعب اليهودي إلى أرض الميعاد (فلسطين)[2]، تقدمت مقاربات فلسفية متعددة مما دفعها لتنقسم إلى ثلاث مراحل: الصهيونية السياسية (تيودور هرتزل)، الصهيونية العملية (بلنسكر)، الصهيونية اليهودية (بن غوريون)[3]، سوف يفك تحديد أسس ومرتكزات الحركة الصهيونية[4]* الكثير من رموز العنف والتطرف في مجال العقيدة السياسية للصهيونية وهو ما تحتاجه فكرة إنشاء ما يُسمى بـ «دولة إسرائيل»[5]* التي تحتاج لذلك التصلب والتعصب بحكم الحال كونهم ملكوا أرضا بلا شعب لشعباً بلا أرض على حد قول اساطيرهم.

مقتتهم المسيحية مذ البدء رغم ان مارتن لوثر مجدهم وقربهم إلا إنهُ انتهى إلى رميهم بالكفر والبلادة حين عرف اليهود بأنهم «ليسوا شعباً ينتمي إلى قومية واحدة، ولا هم بلد واحد ولا هم لغة واحدة، ولا ينتمون إلى حضارة واحدة، فهم مختلفون، قلوبهم شتى، من كل جنس، ولسان، وبلد»[6]، التي ما زالت ضامرة في سويداء القلوب تحت اسم معاداة السامية[7]، لكن وَحدهم هرتزل شتاتهم في دولة واحدة حرة[8]، بالرغم إن اليهود لم يلتزموا بقواعد مؤسس دولتهم القائمة على الصهيونية كفلسفة قومية لليهود المأخوذة تعاليمها من التوراة والتلمود[9]* المكتوبة سيرتهم عبر حاخاماتهم من خلال مسيرة التغرب والشتات[10].

يرّجع مصطلح التعصب إلى كونهُ مفهومٌ مُتأصل من القرن الثامن عشر _ عصر الحروب الدينية الصليبية المقدسة _ جرى وضعه للتنديد بتزّمت ديني (زيلوتية) نسبة إلى زيلوت اليهودي المُتعصب (Zelotisme)[11]، أي إنه وليد عقد المسيحية ومفهوم أكثر تغريب مما هو تعريب وهو مفهوم غربي أكثر من أن يكون مفهوم عربي الأصل أو النشأة[12]، وميزة الديانة اليهودية أنها ديانة منغلقة قائمة على العرق والأثنية، محصوراً في ابناء إسرائيل بالدم، وتحديداً عبر الميلاد من الأم[13]، وهذا يُفسر سبب بقاء اليهودية ديانة اقلية _ حتى اليوم _ قياساً بالمسيحية ذات الاربعة مليار والإسلام ذات المليار والنصف رغم أنها أقدم الديانات جميعاً، حيث الانغلاق، الانعزال، التزمت، العنصرية ظهرت في الصهيونية على عُلاتها كشكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري[14]، فالأصولية هنا بالأساس هي حركة عاطفية مضادة للثقافة[15]، ووفقاً لهذا التعريف فأن كلمة أصولية كاف لإثبات تزمت ورجعية وتعصب الحركة الصهيونية كما السلفية والأصولية الإسلامية في بعض انساقها الإيديولوجية، قدمت الفتاوى الحاخامية مبررات القتل والذبح منذ الهجرة اليهودية واستيطان فلسطين فشعار منظمة من جماعة «البيلو» تدعى «بارجيورا» الأصولية الصهيونية هو: «بالدم والنار سقطت يهوذا والدم والنار تنهض ثانية»[16]، القائمة على نفي الأخر كما يعتقد به «شهود يهوه»[17]* لضرورة هدم كل العقائد والأديان والملل والنحل القائمة على الأرض لتحقيق السلام[18]، السلام على طريقة الحركة الصهيونية ومسيحيتها الداعية لقيام دولة إسرائيل تحقيقاً للنبوءات التوراتية وإثبات لصحة الكتاب المقدس[19]، وطرد مواطنيها الأصليين (العرب) فهم يحرضون على زيادة الكراهية للمسيحية[20]،  وللمسلمين مبشرين بمعركة هرمجدون الفاصلة في فلسطين[21]، المكان والزمان، بينما يعتقد الصهاينة المتهودون بان الحرب التي تشنها إسرائيل ضد العرب هي حرب مقدسة[22]، للدفاع عن الييشوف[23]* ومثلها الايفانجليكيون الذين يعتقدون بدور الشعب اليهودي في تحقيق اهداف الله[24]، ومثلهم جماعة بناي برث «أبناء العهد» التي اسسها هنري جونز [يهودي ألماني الأصل أمريكي مهاجر] سنة 1843 تبرعت ودعمت اليهود إبان قتالهم مع العرب[25]، فالسلام لن يأتي بالمسيح، بل تأتي به الفوضى العارمة والمزيد من الصراعات والحروب، والتي تنتهي بمسك الختام، معركة هرمجدون[26]، وكذلك جماعة اليهود من أجل المسيح التي مزجت بين البروتستانتية واليهودية[27]* حيث توجد أربع مجموعات مترابطة هدفها إعطاء صورة شريرة ومخيفة عن الإسلام كعدو وإشاعة الخوف والكراهية وهم أفراد من معسكرات: المحافظين الجُدد، والصهاينة، واليمين المسيحي، ومجموعة مسلمين (ومسيحيين) سابقين في الشرق الأوسط وجنوب اسيا استفادوا من مهاجمة الإسلام[28]، أمثال نوني درويش[29]* مديرة منظمة مسلمون سابقون متحدون، وفاء سلطان، وليد شوبات، بن ورّاق، وليد فارس[30]، وغيرهم الكثيرين، وإلى أبعد من ذلك أعتقد مارتن لوثر بان ليس هناك بعد الشيطان عدو أكثر سماً ومكراً من اليهودي المحض[31]، وان اليهود رضعوا سم الكراهة للمسيح مع اللبنان من اثداء امهاتهم فلا أمن من إصلاحهم[32]، ودعا «إلى تهجير اليهود من أوربا حصراً إلى بيت المقدس»[33]، ومن هذا المنطلق تأسست فكرة النازية المعادية لليهود، _ الفكرة التي هي محل جدل حول صحتها _ وبالتالي فقد ساعد لوثر فكرة هجرة اليهود وإيجاد فلسطين وطن لليهود في مرحلتين مختلفتين: الأولى: مكافئة لهم، الثانية: عقاب لهم، وهذا ما يجعل الصهيونية جزء اصيل من الحضارة الغربية[34]،  إذ عوض الغرب اليهود هذه المكافأة «بدل إبادة» التي وظفتها الصهيونية لصالحها إيما توظيف، إذ «تم استخدام موقف هتلر من اليهود و»أحداث النازية» ذريعة لتبرير الصهيونية»[35]، فيقول هرتزل نفسه في مقدمة كُتابهُ «الدولة اليهودية» أن الصيحات العالية المدوية ضد اليهود في العالم هي التي أيقظت فكرة دولة اليهود من سباتها[36]، بمعنى أن لوثر اعتقد إن إقامة دولة إسرائيل هو حلاً مثالياً للمسألة اليهودية للتخلص من مواطنيه اليهود، ومن هنا تجد خيوط التماهي بين المسيحية واليهودية في صيغة الصهيونية أو ما سُمي بتيار المحافظين _ الذي أضاف لهم ليو شتراوس «كلمة الجُدد» _، وهذا يعني ديمومة العنف في فكر الصهيونية لأن المسيحية ساعدتها على اغتصاب ارضاً ليس لها مما جعل العنف أمر حتمي ونتيجة طبيعية للفعل وردتهِ كمقاومة من أجل الحق المستلب، عودة لفكرة «شعب الله المختار» أو «الاصطفاء الإلهي لليهود» التي فسرت النظرة العنصرية[37]، عبر إلغائها سائر القوانين التي تتحكم في العلاقات السائدة بين الشعوب على اعتبار ان الوصايا الإلهية للشعب اليهودي تسمو على الأفكار الإنسانية[38]، باعتبارهم شعب مغفور الذنب[39]، حتى في احتلال وطناً لا يملكون فيه قيد أنمله.

ما نريد قولهُ هنا إن الحضارة الغربية أفرزت الإمبريالية، النفعية، الداروينية، النازية والصهيونية وهذا ما يوضح الرؤى المشتركة بين النازية والصهيونية منها القومية العضوية والتأكيد على روابط الدم والتراب وهو ما يؤدي إلى استبعاد الشعب العضوي المنبوذ، النظرية العرقية، تقديس الدولة، النزعة الداروينية النيتشوية[40]، القائمة على تمجيد القوة وإسقاط القيم الاخلاقية[41]،  فلم تكن الصهيونية عدوة لأعداء السامية بل متحالفة معهم حيث النازية والفاشية من أجل اقامة دولتهم[42]، محورها الغرب الاستعماري المنبثق عنهُ اليمين المسيحي الذي أصبح الأشد تطرفاً من الصهاينة أنفسهم[43]، والذي أقنع «آرييل شاورن» بذلك «جورج بوش» بأن «الحرب على الإرهاب الفلسطيني مطابقة للحرب العالمية على الإرهاب»[44]، في حين ظهر رئيس الكيان الصهيوني «زلمان شازار» حين دخل اليهود مدينة القدس في حرب يونيو 1967م ذهب إلى حائط المبكى وناح هناك وبكى وهو يقبل أحجاره وحوله جنوده وفعل ذلك بن غوريون وموشيه دايان _ والثلاثة ملحدين _ وهذا إن يُظهر أمراً هو إن الدين هو ستار لجمع شمل اليهود في العالم كله[45]، فإسرائيل دولة تقوم على الدين[46]، خلافاً لهرتزل، وليس كما يفهم البعض بأنها علمانية أو مدنية، جذر الإشكال هو في بُنية الفكر الصهيوني نفسه القائم على أفكار التلمود[47]* الذي هو مستودع شرور اليهود[48]، ووفقاً لبروتوكولات حكماء صهيون التي لم تكن مقدسة عند اليهود مثل العهد القديم والتلمود[49]، والتي انتهى من وضعها «أدم وايز هاويت» 1776 فأخرجها تحت اسم «المخطوطات الاصلية الجديدة» وهي المخطط الذي وضعه رجال المال والاقتصاد اليهود لتخريب المسيحية والبابوية ثم الإسلام[50]، كانت الغاية من إعادة تنظيم البروتوكولات هو «وضع خطة للكنيست الشيطاني للسيطرة على العالم عن طريق فرض عقيدة الإلحاد والشر على البشر جميعاً»[51]، فأن الصورة ستجد وضوحها في عنصرية وإرهاب الصهيونية والعمل على تفوق الصهيونية، فالأربعة والعشرين بروتوكولاً كافية لضلوع الصهيونية بالإرهاب، البروتوكول الأول[52]* يدعو للفوضى والتحررية، والأخير الرابع والعشرين: هو سيطرة اليهود[53]، في النهاية، حيث تتلخص الفكرة الصهيونية كمدخل للتطرف والتشدد هي: اليهودية التقليدية، العنصرية، القومية، متمركزة على عدة ادعاءات دينية «مؤسطرة»[54]* كفكرة الوعد الإلهي، فكرة شعب الله المختار، وفكرة المسيح المخلص[55]، عبر قواعد البروتوكولات الداعية إلى سيطرة العالمية لليهود[56]، فيما نظر بعض اليهود إلى هرتزل بأنهُ «المسيح المنتظر»[57]، للصهيونية عبر دولة إسرائيل وهذا احد أسباب صعود الأصولية الإسلامية ودوافعها اللاهوتية والإيديولوجية.

نستنتج بالنهاية أن الصهيونية هي أحد وجوه الاستعمار الغربي[58]، وستعمد العقيدة الدينية الصهيونية على ترك الصراع العربي _ الإسرائيلي دون حل بل العمل على تعقيده بشكل أبعد حتى ينمو التطرف والإرهاب والمآسي لإثبات أن صراع الحضارات هو تطور أصيل وعلمي للنبوءات[59]، وهذا يعني إن الفوضى ليست صراع حضارات بل صراع أصوليات دينية، فمقومات العقائدية لتيار المسيحية الصهيونية يتركز على ثلاث مبادئ رئيسة[60]:

الإيمان بعودة المسيح مشروطاً بقيام دولة اسرائيل،

هذا القيام لن يتحقق إلا بتجمع اليهود في فلسطين.

أن شريعة الله وحدها (التوراة) التي يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين بوصفهم شعب الله المختار.

فأدت تلك الافكار بالنهاية دوراً أساسياً في صناعة وعد بلفور وكل ما ترتب عليه من وضع سياسي، كما لعبت دوراً في صناعة التطرف والإرهاب عند العرب واليهود كفعل وردة فعل أو كتغذّية استرجاعية باعتبار الأصوليات الدينية جميعها واحدة، فكل الوسائل مبررة إلى الصهيونية للوصول إلى الهدف الإلهي[61]، المزور، فالقتل ممارسة متكررة ومقدسة في السياسة الاسرائيلية من أجل خلق مجال أمني لدولة إسرائيل ومستوطنيها[62]، فيما تواصل الولايات المتحدة «تعزيزها للإرهاب» من خلال إمداد إسرائيل بوسائل الإرهاب والتدمير[63]،  ودعم الجماعات الإسلامية الإرهابية مثل داعش بالمال والسلاح والذخير الحية والدعم اللوجستي من أجل تفعيل خطة بروتوكولات حكماء صهيون لسيطرة على العالم.

المطلب الثاني: أصوليات الشرق الأوسط بين الصدام والمواجهة؟

تحاول الأصولية الدينية كسياق لاهوتي في الحقل السياسي إلى بذل الجهود الممكنة من أجل إعادة صب الأديان السماوية في قوالب تتسم بالمرونة من أجل إعادة حبَّك المجتمعات بالصيغة التي تراها متوافقة مع مصالحها السياسية حيث تعجز السياسة اليوم تماماً من تحقيق المصالح العليا بدون مؤثرات خزين الموروث الديني، والأخير كنص مقدس يستحيل أن ينخرّط في الدنيويات حفاظاً على قُدسيتهِ، ولهذا يتم تعليب الأديان في صيغة أصوليات دينية متوافقة مع المناخ العالمي السائد وهو مناخ الرأسمالية المادية المتوّحشة، وهذا ما سعت اليه الصهيونية في نشأة تلك الرأسمالية حيث كارل ماركس، ماكس فيبر، ووارنر سومبارت، حيث يحمل النسق الديني اليهودي من التوراة للتلمود حتى القبَّالية[64]، استعداداً لقابلية ظهور الرأسمالية وفأ حقهُ فيبر، حيث وضعت الفكر القبالي اللورياني، اليهود في مركز الكون باعتبارهم الشعب المختار[65]، ليصبح اليهودي الوسيط بين الإله والعالم[66]، كفكر أصولي متشدد، وبسبب عدم انتماءهم لأحد وغنى اليهود وثروتهم السائلة وغربتهم وعدم السماح لهم بشراء العقار في أوروبا مما حولهم إلى عنصر بشري محتفظ برأسماله بصيغة نقود سائلة ليشكلوا لاحقاً الخميرة التي ساعدت على نشوء الرأسمالية[67]، ومن الرأسمالية توالدت الأصولية الدينية المعاصرة كون الدين أداة سياسية من أجل تأمين العملية الاستعمارية[68]، ولأن الرأسمالية تواجه ممانعة _ ولو شكلية _ في بعض مناخات العالم والشرق الأوسط خصوصاً، كالكونفوشيوسية الصينية والإسلامية العربية فأن تحولات الاصولية المسيحية الصهيونية كراعية حقيقية للأصوليات الأخرى ستدفع إلى التشاحن والتنافس مزاحمة على مناطق النفوذ عبر توظيفات رأس المال الديني مما يتطلب مزيداً من التعصب من أجل تسامي العنف المقدس لغاية تحقيق الاساطير والخرافات الدينية مما يخلق جو منافسة عسكرية دينية «جهاد مسلح»، وبروتوكولات حكماء صهيون كافية الدلالة لرغبة الصهيونية في مجابهة العالم ومجاهدتهِ من أجل أساطيرها، فهدف الأصولية المسيحية هو نشر عقيدتهم في كل أطراف الأرض[69]،  وخلفاء الأرض الأصليين ومعمروها لن يستسلموا ببساطة بحكم الواقع فهم سيدافعون عن القيم القائمة فوق أشبار الأرض مما سيخلق مواجهة اصولية _ اصولية بين الأطراف تنتهي إلى المواجهة والمصادمة بدل الوفاق والتشاركية، فكل الأصوليات الدينية: المسيحية الصهيونية، السلفية الجهادية، الحركات المسيحية، اليهودية والإسلامية المتشددة الأخرى تسعى لهدف أصولي بحت متمثل في تأسيس مملكة الله على الأرض ومكانها «القدس» التي مثلت مغناطيساً يجتذب كل المسلمين والنصارى واليهود على حدٍ سواء[70]، كـ «مدينة فاضلة»، لدى كل الأصوليات طبقاً لفلسفتها وفكرها السياسي المتمثل بقيام أورشليم جديدة وإعادة بناء الهيكل عند الأصولية المسيحية الصهيونية لتهيئة المسرح لمعركة هرمجدون، وقيام دولة الإسلام على نهج الخلافة والأمة الخيالية عند الأصولية الإسلامية والتهيئة لهرمجدون المسلمين أيضاً، المعركة التي تحمل في ثناياها بوادر مخيفة وفظيعة ولكنها حقيقية لحرب مسيحية _ إسلامية مدمرة[71]، من أجل الأرض الموعودة التي هي كلمة السر في العقيدة الصهيونية[72]، وقدس الأقداس في العقيدة الإسلامية، أي أن فكرة نهاية الزمن أو العالم هي نتائج مشتركة وحصيلة نهائية في عقائدهم الأصولية وفهمهم لنبوءات سفر الرؤيا عند المسيحية الصهيونية، وفهمهم لتفسيرات الكتاب والسُنة بتصورات «تفسيرات الموتى» واختزال القرآن بـ «آيات السيف» عند الأصولية الإسلامية المتشددة متجذراً في فكرة نهاية الزمن، متوضحاً ذلك عند كل الأصوليات في صورة الدين الذي ميزهُ «فريدريش نيتشه» عن الدين الحقيقي واسماه الدين الطقوسي أو الشعائري[73]، وعند «هنري برغسون» بالدين السكوني بدل الدين الحركي[74]، الذي يساعد على خلق توليفه دينية _ سياسية فحلم إسرائيل كما يقول نتنياهو تفجر من خلال الأصولية المسيحية الصهيونية[75]، القائم على التدبيرية الإلهية التي لعبت امريكا وبريطانيا دوراً بارزاً في تقريب نهاية الزمان بأعمالها المتعلقة بفلسطين واليهود[76]، وفكرة تقريب الزمان أو التسريع بها إنما هي عملية اختصار الأسفار والنصوص المقدسة من أجل الرب على المصالح ونهب الثروات قبل نفاذ قيمة ذلك المقدس وهنا تكون الأصوليات الدينية مجرد حركات لاهوتية سياسية تهدف في المقام الأول إلى تحقيق الربح بالتماشي أو التماهي مع الرأسمالية، إذ تُلبي الأصولية الجديدة في المقام الأول طلباً في السوق الدينية[77]، وهي غاية الرأسمالية والهدف الأسمى الذي تسعى إليه إذ ظهر في القرن العشرين مذهب «العصمة الحرفي للكتاب المقدس» بين المسيحيين الأصوليين في أمريكا والذي يُصر على أن إسرائيل هو التحقق الواقعي للنبوءة في العصر الحديث[78]، فسياسة الله تجاه الشعب اليهودي موجودة في سفر التكوين[79]، حيث يبارك الله امريكا بمباركتها إسرائيل ويلعنها بلعنة اسرائيل فأمريكا بنظر الأصولية المسيحية تعد عاصية الرب ومذنبة إن قصرت بحق إسرائيل، أو مررت قراراً معادياً لها في مجلس الأمن فالفيتو الأمريكي يجب أن يسخر لحماية الكيان الصهيوني حتى لا يغضب الرب على أمريكا[80]، راعية الإرهاب صاحبة فكرة «الاستثناء الأمريكي»  تمايز بلد فريد من نوعه[81]،  والتي وجدت في المنطقة على هذا الأساس اللاهوتي (التوراتي) والإيديولوجي (الصهيوني).

أستطيع القول إن كل الأصوليات الدينية اليوم ترتبط بفكرة اليوتيوبيا حيث يُخيم الوهم على  جميع الأصوليين في العالم؛ ولأن هذه اليوتيوبيا عاجزة عن إثبات نفسها على الواقع فأنها حتماً ستلجأ للمصادمة كتحصيل للمكابرة والتعالي الذي يكتنف الأصوليين بالعزيمة والإصرار على ترجمة اليوتيوبيا على الواقع دون المبالاة إلى كم سيخلفون من دمار وخراب وهدر للدماء فالأصولية المسيحية الصهيونية توصف عيسى بأنهُ الملك بوصفه «المحارب الجبار»[82]، الذي تتلطخ ملابسه بـ «دماء أعدائه»[83]، وعند الأصولية الإسلامية ساعدت على تشويه الإسلام وإظهار النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بمظهر ساخر وهزيل في مرآة الغرب والأخر، والتي تدافع عن حقها في فلسطين تجدها تحمل في طياتها نفس الأفكار الأصولية اللاهوتية الكاذبة، ولكن اختلاف في الأدوات والأساليب فقط، فهي تحاول إظهار للعالم الغربي بأن الإسلام دين توحشي، دين قتل قام بالسيف والذبح حيث اختصارها القرآن بآيات السيف، وحكر الحقيقة الفقهية عند «الفرقة الناجية» وحزب الله.  

هنا تبدو المصادمة والمواجهة خيار سياسي لا ديني حاول «صموئيل هنتنغتون» تعميمه وإثباته لكنهُ فشل بالنهاية، مثلما فشل في التوصية بطريق سلمي لحل مشكلة الشرق الأوسط بشكل عادل[84]، وهذا هو المرجو منهُ [باعتباره مسيحي _ صهيوني ملتزم، وموظف مخابرات أجنبية مواظب] الهدف هو ضمان أمن مصالح الولايات المتحدة والتفوق الصهيوني على شتى الصُعد، أي أن الهدف الأصولي هو مادي لا روحي بالضرورة، إذ نشأت الأصولية الأولى متزامنة مع «العصر الذهبي» للاقتصاد[85]، وهذا يعطي انطباع مبدئي على أن الغاية من ربط الدين بالسياسة هو هدف سامي بعيد عن الله والمقدس ألا وهو المال، فكل الأصوليات وحروبها الدينية المقدسة تنطلق نحو هدف وحيد وهو «الخِراج»، والتلمود يحض على التجارة والمال ونصيحة التلمود: «الجسم يعتمد على القلب ، والقلب يعتمد على الجيب»، وكذلك نصيحة من لا يعلم أبنه على التجارة يعلمهُ على السرقة[86]، فالمال اليوم بيد يهود العالم، والتلمود _ توراة اليهود لا توراة موسى _ ليس إلا قصة العهد الذي أصبح به الشيطان سيد العالم[87].

مع إن المواجهة الفعلية والمتوقعة لم تقع بين الأصولية الإسلامية والأصولية الصهيونية وهذا أمر مثار استغراب ودهشة، حيث رُحل إعلان مقاتلة اليهود بالمرة عن خطاب السلفية الجهادية، وجاءت خطابات داعش في هذا السياق عكس ما رسمهُ بن لادن والقاعدة المركزية والجبهة العالمية للجهاد قولياً، ومثلهُ لم نسمع بحديث للصهيونية عن محاربة داعش بقدر ما تحض على مضايقة الأنظمة السياسية العربية المحافظة بدل الحركات الأصولية الثورية الراديكالية، أنظر خطابات «أبو مصعب السوري»، «أبو مصعب الزرقاوي»، «أبو بكر البغدادي» وكل أساطين السلفية الجهادية لم يشيرا صراحة إلى وجوب مقاتلة الكيان الصهيوني أو تنفيذ هجمات قتالية داخل إسرائيل، إذ غُيبت القضية الفلسطينية عن مخيال الزرقاوي _ الفلسطيني الأصل نفسه _ قلم تأت مفاهيم مجاهدة الكيان الصهيوني في حساباته بل فضل قتال المسلمين [السنة والشيعة] عليهم ولم يفكر بالجهاد ضد اليهود وإسرائيل رغم فلسطينيتهُ، كان يريد تغيير الأنظمة العربية فقط[88]، مع تفضيله قتال الشيعة أول أولوياته، فيما تأتي فلسطين في ذّيل أولويات الزرقاوي وداعش لاحقاً[89] فقط جاء ذكر فلسطين في كلمة خجولة تهجم بها على الكيان الصهيوني والاحتلال الأمريكي في خطابه الخامس بأن أمريكا جاءت لتقطع أوصال الدول العربية الكبرى وتفتت كيانهم إلى دويلات طائفية ضعيفة لا حولَ لها ولا سلطان[90] وكأنهُ على علم بالمخطط وهو المُشار إليه بتهم الاتصال بالكيان الصهيوني، فالأمر لا يثير الدهشة لو علمنا إن القاعدة كأصولية إسلامية متشددة هي من صنع المخابرات الامريكية C.I.A لمحاربة الاتحاد السوفيتي في افغانستان[91].

أن الدور الصهيوني العضوي الداعم للحركات الأصولية الإسلامية المتشددة لا ينفي إن تلك الحركات مسالمة وغير عدوانية، على العكس من ذلك أن البيئة العربية والإسلامية أرض خصبة نمت في تربتها العنف والدموية مذ مرحلة متقدمة من تاريخ الإسلام وما الصهيونية إلا زخم لاحق ومغذّي لهذا النتاج العقيدي، أي إن الدور الصهيوني للحركات الإسلامية الراديكالية ثانوي وليس بناشئ أو مؤسس لها، ونستطيع القول هنا إن سبب تنام الأصوليات الإسلامية المتشددة المعاصرة _ ومن ضمنها داعش _ هي أسباب محلية وداخلية أكبر من العامل الخارجي، فالشرق الأوسط لم يستورد البطالة أو يتبضع الجوع إنها نتاجات أنظمة سياسية عربية بحتة، فقط كانت للصهيونية دور في رعايتها ولكن ليس في التأسيس لها سواء بسياق لتغذّية الاسترجاعية كعلاقة عضوية مترابطة ومتراصة بين جميع الأصوليات أو بسبب ردة فعل على الفعل نفسه والمتمثل برفع شعار مقاومة الاستعمار والامبريالية وفي كلا الحالتين خلقت الظروف جو للمنافسة بشكل حملات عدائية إرهابية ذات طابع لاهوتي مقدس.

نستخلص هنا إن الأصوليات الدينية في الشرق الأوسط هي أصوليات مواجهة تحاول إيجاد علاقة عضوية بين الدين والسياسة «نظرة ثيوقراطية»، مثلما أوضحنا العلاقة العضوية بين الصهيونية والجماعات الإسلامية الإرهابية بعد داعش حيث الجميع يريد صورة لنهاية العالم والزمان من منظور أصولي ديني إيديولوجي متمثل بمعركة هرمجدون كاعتقاد لاهوتي قائم عند كل الأصوليات الدينية مذ قرون وهذا ما لم يصب بمصلحة الشرق الأوسط والعالم جميعاً، فإبعاد المقدس عن الحقل السياسي من شأنهُ أن يخفف كثيراً من حدة الصراعات الدولية ويجد حلولاً لمشكلة العرب واليهود في فلسطين وهو أمر مستبعد على المنظور القريب لما تحملهُ الخطابات السياسية من خزين ثوري ديني أصولي قادر على تغذّية الحروب وإمدادها بالقوة الربانية على مدى عقدين من الآن.

  

المبحث الثاني

مستقبل الشرق الأوسط في إطار الصعود السياسي للأصولية الدينية الراديكالية: (الصهيونية وداعش).

قد يتأثر الشرق الأوسط بالأحداث السياسية والاجتماعية التي يمر بها من محيطه الداخلي أو من تأثيرات القوى الكبرى الفاعلة في المجال الجيو ستراتيجي خاصة وأن منطقة الشرق الأوسط تمثل عنصر اجتذات للسياسات الدولية الكبرى، بعد موجه المد الأصولي الذي دفع لمواجهة عسكرية وصراع سياسي بين الأطراف، مما وضع المنطقة تحت تأثيرات لاهوتية وإيديولوجية قد ترسم مستقبلاً جديداً ومغايراً لدول الشرق الأوسط والعالم، في ضوء ذلك يمكن تقسيم المبحث إلى مطلبين بالشكل التالي:_

  المطلب الأول: صعود داعش ومستقبل الشرق الأوسط في ضوء المحدد الصهيوني

نشأ تنظيم داعش من التفاعل الديني (اللاهوتي) السياسي (الإيديولوجي) القائم على جملة عوامل داخلية وخارجية برزت إلى أفق الساحة الدولية في شكل تنظيم مسلح هدد الأمن الوطني والقومي للمنطقة العربية، ولعل أبرز أسباب صعود هذا التنظيم هي: سبب سياسي وعسكري، فلو أرجعنا داعش إلى مرجعياتها الأولى فهي حركة وهابية، وأحد أسباب ظهورها هو الاستعمار الأجنبي، أي أنه سبب سياسي محض لا صلة له بالدين بالضرورة استغل محمد بن عبد الوهاب _ متحالفاً مع محمد بن سعود _ المذهب [الوهابي] لأعمال سياسية محضّة لضرب معاقل الدولة الإسلامية! دعم الانجليز أنصار بن سعود لمواجهة الدولة الإسلامية [العثمانية]، والاصطدام مع المذاهب الأخرى، ولأثارة الحروب المذهبية داخل الدولة العثمانية[92] وهذه هي مهمة «مستر همفر» المناطة له من وزارة المستعمرات البريطانية لـ «اكتشاف نقاط ضعف المسلمين»[93] وسبب عسكري  رّدة فعل عسكرية مباشرة على الصراعات المختلفة حرب العراق الأولى، حرب العراق الثانية، حرب البوسنة، وحرب افغانستان وغيرها[94] علاوة على الاستيطان الصهيوني في أرض العرب، وهناك سبب اجتماعي إذ غالباً ما يُستخدم الجهاد للنضال ضد الاستعمار[95] ستكون التعبئة الكبرى للشبان المسلم بمعتقل «غوانتانامو»، والانعطاف الأكبر برأينا سيكن سجن «بوكا» الذي تديره قوات الاحتلال[96].

إضافة للعوامل النفسية، إذ كتب الفيلسوف الألماني «ماغنوس إنزنسبرغر» مقالاً عام 2005 بعنوان الخاسر الراديكالي» اعتبر الإرهاب عملاً انتقامياً مدمراً يقوم به الفاشلون في المجتمع[97] والحال يوحي للسلفية المقاتلة التي قدمت ملاذاً أو مجتمعاً بديلاً لهؤلاء الأفراد[98] وبهذا تشكل تنظيم داعكش كرد فعل على نشاط الحركة الصهيونية وهذا هو أحد مقاربات الدراسة التي ساعدت على بلورة وصياغة نمط معين لمستقبل الشرق الأوسط بشروط الفاعل الصهيوني الذي حول تنظيم داعش لأداة تحقق هدف وغاية الصهيونية.

إذ يقول تيودور هرتزل «من أجل أوروبا، سوف نبني هناك حاجزاً في مواجهة آسيا، وسنكون حراس المقدمة للحضارة ضد البربرية»[99] حتى أصبح إقامة دولة تلعب هذا الدور في الشرق الأوسط على المديين القصير والطويل مسألة تضمن مساندة كل المستعمرين الغربيين[100] أمر ضروري من أجل مصالح الدول الاستعمارية الكبرى وهو ما يتفق مع تسريبات «ادوارد سنودن» في رسم مخطط داعش لتفتيت المنطقة العربية والإسلامية عودة لماضٍ دسم بالمؤامرات، ويقول تيودور هرتزل في مذكراته الكاملة (المجلد الثاني، ص711) إن منطقة الدولة اليهودية تمتد ((من نهر مصر إلى الفرات)) فيما أعلن الحاخام فيشمان[101]* أن ((الأرض الموعودة تمتد من نهر مصر إلى الفرات، وهي تشمل أجزاءً من سوريا ولبنان)) ولو تأملنا هذه الجغرافيا سنجدها المسرح القتالي لتنظيم داعش اليوم وقلب المواجهة ونوّاة تشكيل دويلة الخلافة الإسلامية هناك فما يعني ذلك لنا؟

بينما لم يكتف وايز هاويت عند مراجعة بروتوكولات حكماء صهيون _ بدعم من كبار المرابين اليهود في ألمانيا _ إنما أنجز مهمة أساسية أخرى وهي «تنظيم المحفل الماسوني» باسم جماعة الحكماء الذين أطلق عليهم (النوارين)[102]* بهدف تكوين حكومة عالمية مؤلفة من العباقرة والخبراء ليؤسس المحفل الماسوني الرئيس المعروف بمحفل الشرق الأكبر بغية جعلة مركزاً لاستقطاب الجمعيات الماسونية في العالم[103] طبقاً لبروتوكولات حكماء صهيون سوف يتحدد مستقبل الشرق الاوسط بعد صعود وأفول داعش، فوفق الرؤية الصهيونية فأن مستقبل الشرق الأوسط رهن الفواعل المؤثرة فيه التي لا يمكن أن نغفلها، كان الأصوليين يحبذون بالتفجيرات الإرهابية التي تستهدف أوطانهم من خلال تفسير الهيكل الحربي العولمي للخطاب الرسمي عن طريق أصناف نبوئية لتصبح إسرائيل أو الشرق الأوسط أكبر ساحات المعركة فتجد شبكة مُحكمة تجمع المسيحية الصهيونية بالمحافظين الجُدد[104] والأخيرين بالأصولية الإسلامية المتشددة، حيث تم ربط المسيحية الصهيونية بالنبوءات فاستهدفوا لبنان (حزب الله)، إيران باعتبارهما قوى شيطانية[105]_ أضف إليهما داعش التي لم يتناولها الباحث نتيجة لصدور الكتاب عام 2012 (أي كتاب صراع الأصوليات، لهاينريش فيلهلم شيفر) أي قبل ظهور تنظيم داعش عام 2014م _، فتلك قوى شيطانية في منظور المسيحية الصهيونية في وصف حالة الشرق الأوسط اليوم.

فمستقبل الشرق الأوسط هو حزمة سيناريوهات أراها معدة مُسبقاً ومخطط لها حيث النقطة الجوهرية هي أن أي تغيير يجب أن يصب في مصلحة إسرائيل أي بالحفاظ على بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وقانون الحرب على الإرهاب بالأساس هو تجذير لهذه الهيمنة ويستحيل لنا تجاوز الفلسفة «النفعية البنثامية» التي وُظف لها المقدس بشكل كامل، فالحرب اليوم هي حرب اقتصادية لكل الأطراف، يسعى الجميع للحصول على «الخراج» بدءً من فرسان الهيكل الذين تربطهم علاقة نفعية بالعالم المسيحي في القرون الوسطى، وتؤدي وظيفة مالية وسيطة بالعالم الغربي[106] _ وهم بالحقيقة ليسوا ملائكة أو قديسين ولم يكونوا شياطين[107] قُصتهم مثيرة للغرابة والدهشة _، وهذه هي الرأسمالية المتوّحشة حيث تجريد الدين من الثوابت والزج به في ساحة المدنس: الحكم والحياة والمجتمع، ستسمر موجة نجاحات إسرائيل في المنطقة وتجيير الأحداث لصالحها ما دامت الولايات المتحدة داعمة لمشروعها الديني _ السياسي فوقود قوة إسرائيل متمثلة بالدعم الغربي لها وارتباط المقدس بالإمبريالية.

لقد اندمج الأصوليين المسيحيين والصهيونيين في مخطط واسع لأجل هدف واحد وهو تحقيق مشروع إمبريالي لإعادة هيكلة الشرق الأوسط[108] عبر التخطيط لتفتيت المنطقة العربية والإسلامية وهذا ما أثاره عميل وكالة المخابرات الأمريكية «إدوارد سنودن»[109]* الضجة الإعلامية الذي كشف عن مخطط أمريكي _ بريطاني _ إسرائيلي يهدف إلى تشكيل قوة إسلامية متشددة تثير الفوضى في العالم وتحقق أمن إسرائيل، كشف عنها «إدوارد سنودن» المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية حيث نشر موقع «ذي إنترسيبت» تسريبات عن سنودن تؤكد تعاون اجهزة مخابرات ثلاث دول هي: الولايات المتحدة [C.I.A] وبريطانيا [M16] والكيان الصهيوني [الموساد] لخلق تنظيم إرهابي في عملية يرمز لها بـ «عش الدبابير»[110] ويقول «سنودن» الهارب من أمريكا لروسيا إن بلاده وبريطانيا وإسرائيل تعاونت لخلق منظمة مسلحة قادرة على جذب المتطرفين من مختلف دول العالم وجمعهم في مكان واحد حول استراتيجية واحدة يُطلق عليها «عش الدبابير» من أجل حماية إسرائيل وخلق تنظيمات إسلامية متطرفة تعادي جميع الأطراف الأخرى في المنطقة[111]  وفيما يبقى السؤال عن كيفية يمكننا إثبات هذا الكلام من شخص غدر بدولتهِ، وخان مؤسستهِ، والأبشع إنهُ دخل في هذا المضمار أصلاً في عالم الجاسوسية، التنصت، الإخبار السرّي مهن كافية لتدليل ممن لا يقوم بها إلا العملاء المحترفين الذين لا يوثق بهم على طول المدى، علمياً قد يكون كلامهُ صائباً في ثمة مؤشرات: أن البغدادي بالأصل كان سجين كـ «معتقل مدني» في بوكا وهذا أول المؤشرات، واستراتيجية عش الدبابير اعتبرها منطقية من حيث الأصل، فلم يأت النفط، والثروات، والعامل الديني إلا بعد تأمين مستقبل ما يسمى «إسرائيل» وهذا ثاني المؤشرات يبدو إن هذين المؤشرّين مرتبطتان بشخص البغدادي ذاته، حيث تسريب سنودن أن الحل الوحيد لتأمين «دولة إسرائيل» يكمن في خلق «عدو قريب» من حدودها لكن سلاحه موجه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده وضمان عدم تهديد أمن الكيان الصهيوني وهذا ما لاحظناه في خطابات الزرقاوي، السوري، العدناني، الناجي، فما كشفته تسريبات «ذي إنترسيبت»: «أن البغدادي خضع لدورة مكثفة استمرت عام كامل خضع فيها لتدريب عسكري على أيدي عناصر في الموساد بالإضافة لتلقيه دورات في فن الخطابة ودروس في علم اللاهوت»[112] سبقها قضية اعتقاله كسجين مدني، وما يدفعنا لتصديق «سنودن» وقولة عش الدبابير هو سبب واحد متمثل لماذا لم تستهدف السلفية الجهادية مثل بن لادن، للظواهري، الزرقاوي، المصري، البغدادّيين (أبو عمر وأبو بكر) أي بقعة تسيطر عليها إسرائيل، فهي قتلت الشعب السوري ولم تصوب سلاحها صوّب الجولان حيث الإسرائيليين لا يفصلهم عنها دولة الخلافة إلا حدودٍ مصطنعة يمكن تجاوزها بعيارات ألعاب نارية!! مثلهُ الحال فعلها النظام السياسي القومي السوري وكل الدول العربية والإسلامية في المنطقة حالة الوهن التي تمر بها جعلها عاجزة حتى التصريح بخطاب رسمي على رفض جعل القدس عاصمة اسرائيل أو ضم الجولان إليها بسبب البروتوكولات الداعية إلى تمزيق وحدة العالم العربي والإسلامي وإشغاله نفسه بنفسه بحروب أهلية دامية، فالمشكلة الطائفية لا تنفصل في أي مرحلة من مراحلها عن الاستعمار الذي غذاها إن لم يكن خلقها[113] ففكرة وجوب تفتيت الدول العربية كلها إلى وحدات صغيرة مذكورة مراراً وتكراراً في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي إذ كتب «زئيف شيف»[114]* عن أفضل ما يمكن أن يحدث لمصلحة إسرائيل في العراق بأنه: تفتيت العراق إلى دولة شيعية، ودولة سنّية، وفصل القسم الكردي([115])، ولا مجال لتحقيق ذلك إلا بالاستعانة بالمقدس حيث الأصوليات تُرقي كل دنيوي وقولي وسياسي إلى مرتبة الإلهيات لتعظيمه وتقديسه وعدم رده ونقدهِ ورفضه ومن بينها فكرة الجهاد، الدولة الدينية، الخلافة، الجنة وغيرها من المفاهيم المزورة.

المطلب الثاني: رؤية استشرافية الشرق الأوسط في منظور الصهيونية وداعش 

شكل استبعاد الكيان الصهيوني «العدو البعيد» من سُلم أولويات الحركات الإسلامية الأصولية _ السلفية الجهادية خصوصاً _ ووفقاً للنظرية البراغماتية _ وتفضليها للعدو القريب تجعلنا نشكك بمصداقة كتلة الممانعة الإسلامية لإسرائيل _ يجعلنا نتأكد أكثر بأن العلاقة العضوية بين الصهيونية والجماعات الإرهابية الأصولية في المحيط الإسلامي هي علاقة عميقة وخفية قائمة على اعتبارات لاهوتية كعملية استدعاء لنهاية الخلاص وتسريع نهاية الزمان، فالخطر الصهيوني لا يستهدف الأراضي المقدسة فقط بل يمتد من النيل إلى الفرات شرقاً بغرب، ومن الاسكندرونة حتى المدينة شمالاً بجنوب[116] والأرض المقدسة هي «أرض الميعاد» وعد الله اليهود بها[117] ومقدسة لأنها جزء من السماء والأرض فهي «أرض الرب» التي يقطن عليها الله[118] فتطور هذا التحول جملة منعطفات تاريخية في حياة الأنظمة السياسية العربية من احتلال بغداد، ثم ثورات الربيع العربي، وأخيراً ظهور تنظيم داعش حيث أعلن أخطر قرارين بخصوص الشرق الأوسط وهما إعلان القدس عاصمة إسرائيل وضم الجولان لها بينما يرتهن وجود العالم الإسلامي بوجود فلسطين وتحريرها[119] وهذا مرجعه تأكيدات زعامات صهيونية قال شمعون بيريز لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذن، وهذه هي الرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ السبعينيات وتبناها المحافظون الجدد، والتي تدور السياسة الأميركية في إطارها[120].

فمستقبل الشرق الأوسط سيظل رهن وجهة النظر الصهيونية القائمة على مبادئ مدمرة لإنسانية الإنسان وهي: 1: رفض الأخر، 2: إن هذا الأخر عدو قوي يجعلها ضحية أزلية للإبادة، 3: إن دولة إسرائيل لا يمكن أن تقوم إلا على صلوات الكراهية[121] وهذه المبادئ لا تُبحر في فضاء بدون تأثر وتأثير كرّدة فعل أو تغذّية استرجاعية طبيعية، المتمثلة بجبهة الممانعة للوجود الصهيوني في المنطقة العربية مما يدفع بالشرق الأوسط لمزيد من الحروب الطاحنة سواء بطابع المقاومة عن الحق في الأرض والمقدس أو بطابع افتراض عدو قوي _ كما عرضهُ سنودن _ يبيح ويتيح لها حق القمع والاضطهاد واستعمال القوة المسلحة للدفاع عن نفسها في ظل مقبولية أممية تُقنع بها القوانين والمواثيق الدولية، أما بالنسبة للعرب فكل حل لا يُعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 1948م[122]* بل قبل 1918 مرفوض بلا نقاش وكل حل لا يزيل الكيان الصهيوني من الوجود لا محل له من البحث العلمي[123] ويستحيل قبول فكرة التفاوض على أمر لا وفاض عليه حتى لو خسر العرب فلسطين أخرى، الحق التاريخي يبقى قائماً لكن من أفسدهُ هم الإسلاميين تيارات، حركات، أحزاب، وطوائف ومذاهب، وهذه يعيدنا لفرض البحث الأول ألا وهو احتمالية دعم الكيان الصهيوني للجماعات الإسلامية المتشددة وتشكيلها وفق منظورها البراغماتي مما يجعل مستقبل الشرق الأوسط ينذر بالشرور والمزيد من المطاحن والدماء دام ظل المقدس مقدمة حيوية للمدنس السياسي/ الدنيوي.

الخاتمة

يتضح مما تقدم إن الرؤية العامة للفكر السياسي الصهيوني إزاء الشرق الأوسط بشكل عام تتسم بالتحيز الشديد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها كجزء من رد الدّين والجميل لمعروفها الوفير والأمر طبيعي أن تنحاز لتصوراتها بل إلى أكثر من ذلك تعمل من أجل تجيير وتوجيه الخيارات بما يتوافق مع طموحاتها ومن ترغب في تشكيلهُ فهي نجحت الصهيونية في توظيف المقدس في الدنيوي والسياسي وتسخير التوراة لتحقيق مصالحها عبر قناة العناية والحق الإلهي في الأرض والتاريخ، وهو دأب وسياق وظفتهُ كل الأصوليات الدينية التوحيدية ولا نقول هنا الديانات السماوية (الإبراهيمية) لأن الدين غير مسؤول على هذه الاخطاء والحروب _ فاحترامي للديانة اليهودية والمسيحية أعمق بكثير ولا أشكك بقدسيتها لأنها مقدمة للدين الإسلامي الذي ننتمي لهُ _ وإنما رجال الدين هم المسؤولين عن كل تشوهات التي تكتنف الديانات السماوية الثلاث.

فيما نعتقد أن الصهيونية هي أعلى مراحل اليهودية ومن هذا الفرض علينا أن ألا نرتقي بكل يهودي لتلك المرحلة من خلال النظر إليه كيهودي غير صهيوني لا مستعمر أو مستوطن، حتى نستطيع أن نحدد العدو من الصديق وبالتالي ضرورة أن نتعامل من هذا المنطلق لتمييز اليهودي عن الصهيوني، واليهودي غير الصهيوني عن اليهودي الصهيوني، واليهودي العربي عن غيره، فلا يجب أن يكن كل يهود العالم هدفاً لإعلامنا وخطابنا وكراهيتنا المتبادلة ومعاداتنا السامية للسامية، فهناك من اليهود العرب المخلصين لأوطانهم مثل «حسقيل ساسون» أيقونة الاقتصاد العراقي الناجح، ومثلهُ كثر، وضرورة التمييز بين اليهودي والصهيوني، فليس كل اليهود صهاينة مع إن كل الصهاينة هم يهود بالضرورة، وأن كل الأصوليات الدينية واحدة، والنتيجة المترتبة على ذلك أنها إجمالاً تمارس العنف والإرهاب والغالب عليه صفة المقدس والتابو (الممنوع)، إذ تتلخص رؤية الفكر السياسي الصهيوني إلى مصالحها السياسية من منظور لاهوتي مقدس مرتبط بالعقائد الأصولية والنصوص المقدسة المتمثلة بالتوراة والانجيل والتلمود والاسفار، حيث أن تسعى إلى تقسيم العرب والمسلمين إلى معسكرين متناحرين وليس ببعيد أن تدعم كليهما بالسلاح الفتاك والتخطيط والتوجيه والتدريب ،الغاية من ذلك تفتيت وتمزيق المنطقة العربية وتدميرها بالكامل بهدف ضمان تفوقها وسيادتها، لكن علينا ألا ننسى إننا نحن المسؤولين عن تدميرنا وليس الغرب أو الصهيونية، فلا وزن علمي لنظرية المؤامرة التي اعتاش عليها الفكر السياسي العربي الإسلامي, ويبقى الشرق الأوسط خزين ثوري طالماً القدس هي مغناطيساً تجتذب إليها كل الأصوليات الدينية بهدف تطبيق النظريات الدينية القائمة على فكرة نهاية التاريخ والتسريع بأخر الزمان سفسطة سياسية.

من ثم فأن هناك تقارب إيديولوجي بين الصهيونية وداعش من حيث النشاط والسلوك، أفاد هذا التقارب الصهيونية كي تتمدد خطوة إخرى في المحيط العربي من خلال تطبيق بنود صفقة القرن التي أتاحت لها داعش والجماعات الإسلامية الراديكالية الفرصة في التوغل في الشأن العربي من خلال إشغاله بالقلاقل والاضطرابات الداخلية التي جاءت من صالح الكيان الصهيوني.


[1] د. عبد المنعم الحفني، الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1980)، ص138.

[2] روجيه جارودي، محاكمة الصهيونية الإسرائيلية، ط3، (القاهرة: مكتبة الشروق، 2002)، ص35.

[3] أنيس منصور، الحائط والدموع، ط5، (القاهرة: دار الشروق، 1982)، ص43_45.

[4] * تنقسم الصهيونية إلى السفارديم وهم اليهود ذوو الأصول الشرقية كيهود المغرب والعراق واليمن وايران وفلسطين نفسها، أما الاشكناز فهم اليهود ذوو الأصول الأوروبية كالبولنديين والروس والنمساويين.

[5]* نتحفظ هنا على تسمية دولة إسرائيل لأسباب عدة أهمها إن العلاقة ما بين موطن الباحث واسرائيل هي حالة حرف وفق معايير القانون الدولي وبالتالي ما زالت جبهة الممانعة والمقاومة قائمة في أديباتنا.

[6] مارتن لوثر، اليهود وأكاذيبهم، دراسة وتقديم: د. محمود النجيري، (القاهرة: النافذة للنشر، 2007)، ص19.

[7] المرجع نفسه، ص7.

[8] تيودور هرتزل، الدولة اليهودية، ترجمة: محمد فاضل، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2007)، ص118.

[9]  * ظهر تلخيص للقوانين التلمودية باسم "الشولحان عاروخ".

[10] محمد باخريبة، الصهيونية بإيجاز، (د. م، 2001)، ص14.

[11] أندريه هانيال, سيوكولوجية التعصب, ترجمة: خليل أحمد خليل, ميكلوس موانار, جيرار دي بوميح, (بيروت: دار الساقي, 1990), ص8.

[12] حسام كصاي، إشكالية الطائفية في الفكر العربي المعاصر، (دمشق: دار صفحات للنشر، 2016)، ص40.

[13] صلاح سالم، تفكيك العقل الأصولي النزعات الجهادية في الديانات الثلاث الإبراهيمية، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2018)، ص202.

[14] الأمم المتحدة، القرارات التي تبنتها الجمعية العامة في الدورة (30) [6_17 ديسمبر، 1975].

[15] والتر راسل ميد، مرجع سابق، ص23.

[16] د. محمود النجيري، أكذوبة الأصولية الإسلامية ، (القاهرة: دار البشير للنشر، 2003)، ص8.

[17] * جماعة علمانية يهودية متهمة بكونها حركة ماسونية، تعادي ما سواها من الأديان، أنشئها _ في عام 1873 في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة _ عدد من الأسر النصرانية ذات الأصل اليهودي التي هاجرت من ألمانيا هرباً من جحيم القسر والاضطهاد، اتخذت لنفسها اسم "جمعية العالم الجديد" ثم "الدارسون الصادقون للانجيل"، ثم "أتباع روصل" نسبة إلى مؤسسها "تشالرلز تاز روصل"، ولم تعرف بهذا الاسم "شهود يهوه" إلا عام 1931 ومقرها في نيويورك.

   _ للمزيد راجع:  أبو إسلام أحمد عبد الله، شهود يهوه التطرف المسيحي في مصر، (القاهرة: بيت الحكمة للإعلام والنشر، د. ت)، ص48.

[18] أبو إسلام أحمد عبد الله، شهود يهوه التطرف المسيحي في مصر، (القاهرة: بيت الحكمة للإعلام والنشر، د. ت)، ص48.

[19] والتر راسيل ميد، بلد الله الدين في السياسة الخارجية الأمريكية، ترجمة: حمدي عباس، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2007)، ص12.

[20] مارتن لوثر، اليهود وأكاذيبهم، مرجع سابق، ص103.

[21] محمد جاد، هرمجدون معركة تنتظرها كل الأديان، (القاهرة: دار الحرية للنشر، 2006)، ص102.

[22] صلاح سالم، مرجع سابق، ص374.

[23] * تجمعات كبيرة من المستوطنات اليهودية كانت موجودة قبل إعلان إسرائيل كدولة عبرية.

[24] والتر راسل ميد، مرجع سابق، ص44.

[25] محمد باخريبة، مرجع سابق، ص116.

[26] تيودور هرتزل، مرجع سابق، ص30.

[27] * مقرها نيويورك وفروع عديده لها، معابدهم السينقار، وغيرها.

[28] ديبا كومار، فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية، ترجمة: أماني فهمي، (القاهرة: المركز القومي للترجمة (2671)، 2015)، ص249.

[29] * أصلها مصري نشأت في غزة، تؤمن بأن الإسلام سوف يدمر نفسه لأنهُ ليس بديانة حقيقية.

[30] ديبا كومار، مرجع سابق، ص259.

[31] مارتن لوثر، اليهود وأكاذيبهم، مرجع سابق، ص99.

[32] المرجع نفسه، ص61.

[33] المرجع نفسه، ص12.

[34] د. عبد الوهاب المسيري، الصهيونية والفاشية ونهاية التاريخ، ط3، (القاهرة: مكتبة الشروق، 2001)، ص131.

[35] جان بول سارتر، تأملات في المسألة اليهودية، ترجمة: د. حاتم الجوهري، تقديم: د. مصطفى النشار، (القاهرة: دار روافد للنشر، 2016)، ص25.

[36] تيودور هرتزل، مرجع سابق، ص29.

[37] كريمة بلخضر، الأصولية السياسية المعاصرة من خلال الرؤية الصهيونية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، الجزائر، كلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر بن يوسف بن خدة، 2006، ص92.

[38] صلاح سالم، مرجع سابق، ص376_377.

[39] سفر أشعيا، (33/24).

[40] د. عبد الوهاب المسيري، الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ، مرجع سابق، ص132.

[41] المرجع نفسه، ص133.

[42] محمد يونس هاشم، الدين والسياسة والنبوءة بين الاساطير الصهيونية والشرائع السماوية، (دمشق _ القاهرة: دار الكتاب العربي، 2010)، ص283.

[43] ديبا كومار، مرجع سابق، ص258.

[44] مايكل كولينز بايبر، كهنة الحرب الكبار، ترجمة: عبد اللطيف أبو البصل، (الرياض: مكتبة العبيكان، 2016)، ص146.

[45] أنيس منصور، مرجع سابق، ص13.

[46] المرجع نفسه، ص14.

[47] * عبارة عن سير كتبها حاخامات اليهود في مرحلة متأخرة من تاريخ اليهودية وتوظيفها سياسياً من أجل الحكم، ويقسم التلمود إلى قسمين: المشناه وهو الأصل (المتن)، وجِمارا وهو شرح مشناه.

[48] فكتور مارسدن، بروتوكولات حكماء صهيون، (القاهرة: دار الحرية للنشر، 2003)، ص22.

[49] د. اسماعيل علي محمد، الجذور الفكرية لانحراف الشخصية اليهودية، ط2، (القاهرة: دار الكلمة للنشر، 2010)، ص30.

[50] فكتور مارسدن، مرجع سابق، ص23.

[51] وليم كار، اليهود .. وراء كل جريمة، ط3، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1982)، ص12.

[52] * والثاني: السيطرة على الحكم والتعليم والصحافة، الرابع: تدمير الدين والسيطرة على التجارة، السابع إشعال الحروب العالمية، التاسع تدمير الاخلاق ونشر العملاء، العاشر وضع الدساتير التي تتسق مع الرؤية الصهيونية، الحادي عشر: السيطرة العالمية، الثالث عشر: تغييب وعي الجماهير، الرابع عشر: نشر الإلحاد والأدب المرضي، العشرين: إغراق الدول بالديون.

[53] محمد خليفة التونسي، الخطر اليهودي: بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة: عباس محمود العقاد، ط4، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1961)، ص111 وما بعدها.

[54] * أشاره للأساطير والخرافات الممزوجة بالطابع الديني.

[55] كريمة بلخضر، مرجع سابق، ص88.

[56] فكتور مارسدن، مرجع سابق، ص8.

[57]N. Sokolow, ZionismProblem and views, p. 17, D. Ben Gurion, Memoirs, pp.34-35. 

[58] د. ريجينا الشريف، الصهيونية غير اليهودية، رجمة: أحمد عبد العزيز، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية للنشر، 2010)، ص12.

[59] د. محمد عارف، صعود البروتستانتية الايفانجليكية في أمريكا وتأثيره على العالم الإسلامي، ترجمة: رانية خلاف، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006)، ص166.

[60] محمد جاد، مرجع سابق، ص24.

[61] روجيه جارودي، مرجع سابق، ص95.

[62] المرجع نفسه، ص97.

[63] نعوم تشومسكي، أوهام الشرق الأوسط، تعريب: شيرين فهمي، ط2، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006)، ص84

[64] نسبة لفلسفة القبول وهو مذهب القائلين إن الإيمان هو قبول التراث اليهودي.

أنظر: د. عبد المنعم الحفني، موسوعة فلاسفة ومتصوفة اليهودية، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1994)، ص169.

[65] د. عبد الوهاب المسيري، الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد، ط2، (القاهرة: مكتبة الشروق، 2002)، ص420.

[66] المرجع نفسه، ص421.

[67] المرجع نفسه، ص422_423.

[68] روجيه جارودي، مرجع سابق، ص37.

[69] د. محمد عارف، مرجع سابق، ص147.

[70] أندرو هويتكروفت، الكفار تاريخ الصراع بين عالم المسيحية وعالم الإسلام، ترجمة: قاسم عبده قاسم، (القاهرة: المركز القومي للترجمة (2072)، 2013)، ص288.

[71] مايكل كولينز بايبر، مرجع سابق، ص175.

[72] روجيه جارودي، مرجع سابق، ص93.

[73] أنظر: أعمال فردريك نيتشة الكاملة.

[74] ينظر: هنري برغسون، منبعا الأخلاق والدين، ترجمة: د. سامي الدروبي، د. عبد الله الدايم، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1971).

[75] مقدمة: محمد السماك، الصهيونية المسيحية، ط4، (بيروت: دار النفائس للنشر، 2004)، صÕ.

[76] مايكل نورثكوت، الملاك الذي يوجه العاصفة: أسفار الرؤيا والإمبراطورية الأمريكية، ترجمة: د. عبد الرحمن الشيخ، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006)، ص83.

[77] أوليفييه روا، عولمة الإسلام، ترجمة: لارا معروف، (بيروت: دار الساقي للنشر، 2003)، ص146.

[78] د. ريجينا الشريف، مرجع سابق، ص31.

[79] سفر التكوين، 12_3.

[80] د. محمود النجيري، مرجع سابق، ص10.

[81] Walter Russell Mead, “The Jacksonian Revolt: American Populism And the Liberal Order”, Foreign Affairs, March\April 2017.

[82] Hal Lindsey, Theres New World Coming, p.245.

[83] Ibid. p. 40.

[84] د. محمد عارف، مرجع سابق، ص166.

[85] هاينريش فيلهلم شيفر، صراع الأصوليات: التطرف المسيحي، التطرف الإسلامي والحداثة الأوروبية، ترجمة: د. صلاح هلال، (القاهرة: مركز المحروسة للنشر، 2012)، ص88.

[86] أنيس منصور، مرجع سابق، ص50.

[87] وليم كار، مرجع سابق، ص10.

[88] نقلاً عن: د. فوّاز جرجس، داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016)، ص63.

[89] هدى الحسيني، «دولة داعش بدأت مع الزرقاوي وتتمدد مع البغدادي»، صحيفة الشرق الأوسط،  العدد [13078]، يوم الخميس، 18 سبتمبر 2014.

[90] أبو مصعب الزرقاوي، رسالة أبو مصعب الزرقاوي إلى أسامة بن لادن ، (الخطاب الرابع)، 12/فبراير/ 2004.

[91] إيلان هاليفي، رهاب الإسلام ورهاب اليهودية الصورة في المرآة، ترجمة: سناء الصاروط، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص53.

[92] ياسين بن علي، خروج الوهابية على الخلافة العثمانية قراءة تاريخية ومناقشة شرعية، مجلة الزيتونة، 2014، ص51. على الرابط التالي:_

  www.azeytona.net

[93] مستر همفر، مذكرات مستر همفر، الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية، ترجمة: ج. خ، (طهران: دار انوار الهدى للنشر، 1973)، ص21.

[94] فرايزر إيغرتون، الجهاد في الغرب صعود السلفية المقاتلة، ترجمة: فادي ملحم، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص31.

[95] أوليفييه روا، الجهاد والموت، ترجمة: صالح الأشقر، (بيروت: دار الساقي للنشر، 2017)، ص25.

[96] كريستوف رويتر، السلطة السوداء الدولة الإسلامية واستراتيجيو الإرهاب، ترجمة: محمد سامي الحبال، (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2016)، ص25.

[97] المرجع نفسه، ص45_46.

[98] المرجع نفسه، ص46.

[99] نقلاً عن: روجيه جارودي، محاكمة الصهيونية، مرجع سابق، ص39.

[100] المرجع نفسه، ص39.

[101] * عضو الوكالة اليهودية في فلسطين في شهادته أمام اللجنة الخاصة للتحقيق التابعة للأمم المتحدة.

[102] * نسبة للنار لا للنور لأنهم أبناء الشيطان والشيطان مخلوق من النار.

[103] وليم كار، مرجع سابق، ص13.

[104] هاينريش فيلهلم، مرجع سابق، ص101.

[105] المرجع نفسه، ص102.

[106] أوسكار ليفي، بروتوكولات كماء صهيون، (القاهرة: دار الحياة للنشر، 2013)، ص40.

[107] ستيفين هوراث، فرسان الهيكل: القصة الأساسية، ترجمة: إبراهيم محمد إبراهيم، (القاهرة: المركز القومي للترجمة (1927)، 2013)، ص370.

[108] مايكل كولينز بايبر، مرجع سابق، ص175.

[109]* بوذي أمريكي ولد 21 يونيو 1983 محكوم بتهمة التجسس ويقيم حالياً في روسيا هرباً من مطاردات المخابرات الأمريكية، حصل  في العام 2013 على جائزة سام آدامز، ورُشح لنيل جائزة نوبل للسلام، يعيش سنودن في مكان غير معلوم بروسيا، وطبقاً للسياسي الألماني هانز كريستيان شتروبله، ما زال يحاول الحصول على لجوء سياسي دائم ’في دولة "ديموقراطية"’ مثل ألمانيا أو فرنسا. _ متوفر على الأنترنت.

[110] أنظر: وكالة أنباء براثا، الرابط التالي:

http://burathanews.com

[111] مصطفى بكري، داعش الحقيقة والوهم، (القاهرة: دار نهضة مصر للنشر، 2015)، ص27_28.

[112] وكالة براثا، مرجع سابق. 

[113] جمال حمدان، العالم الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، ص89.

[114] * المراسل العسكري لصحيفة هآرتس وهو الأكثر خبرة حول هذا الموضوع في إسرائيل.

[115] صحيفة هآرتس، 6 فبراير1982.

[116] جمال حمدان، اليهود، مرجع سابق، ص23.

[117] د. عبد المنعم الحفني، الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية، مرجع سابق، ص240.

[118] سفر يوشع (9/3).

[119] جمال حمدان، العالم الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، ص160.

[120] موقع الجزيرة، «الشرق الأوسط الجديد في التصور الأميركي الصهيوني»، الرابط التالي:

 https://www.aljazeera.net

[121] روجيه جارودي، مرجع سابق، ص189.

[122] * خاض العرب منذ 1948 ست حروب ضد الكيان الصهيوني وهي: حرب الاستقلال، حرب سيناء، حرب الأيام الستة، حرب الاستنزاف، حرب يوم كيبور (يوم الغفران _ تشرين)، الحرب مع لبنان. 

[123] جمال حمدان، اليهود، مرجع سابق، ص49_50.