تاريخ التقديم 10/6/2023 تاريخ القبول 11/8/2023
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
مبدأ شرعية الرسم
The principle of the legitimacy of Fee in the 2005 Constitution of The Republic of Iraq
ا.م.د احمد فارس عبد العزاوي
جامعة تكريت- كلية الحقوق
A.P.DR. Ahmed Fares Abed Alazzawi
Tikrit University College of Rights
المستخلص
الرسم مبلغ نقدي يلتزم بدفعه المكلفين سواء كانوا اشخاص طبيعين او معنويين الى الدولة او احد المؤسسات العامة التابعة لها بصورة جبرية مقابل خدمة خاصة للمكلف الى جانب النفع العام الذي يحقق المصلحة العامة للمجتمع ، وبما ان الرسم هو اقتطاع نقدي من اموال المكلف أي من حقوقه المالية ، لذلك فأن المشرع الدستوري قد احاط هذه الاموال بالحماية الدستورية من امكانية السلطة التنفيذية من اقتطاع جزء من هذه الاموال الا بموافقة ممثلي الشعب السلطة التشريعية وهذا ما يعبر عنه بمبدأ شرعية الرسم .
وبموجب هذا المبدأ لا يمكن ان يفرض الرسم او يجبى او يلغى او يعدل او يعفى احد من ادائه الا بموافقة السلطة التشريعية ، وهذا ما نص عليه دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ .
وان الهدف الذي نبغيه من دراسة هذا الموضوع المهم هو بيان مبدأ شرعية الرسم ورسم الطريق امام السلطة التنفيذية وبيان دورها في هذه الفريضة المالية والذي يتم تحديده لها من قبل السلطة التشريعية بموجب القوانين العادية التي تصدر عنها ، كما ان هذا الموضوع قائم على اشكالية ان السلطة التنفيذية قد تتجاوز هذا المبدأ وتفرض رسوم بخلاف احكامه ، لذلك سنناقش هذا البحث في ثلاثة مباحث نستعرض فيها مفهوم مبدأ الشرعية للرسم في الأول ، وسنبحث النتائج المترتبة على المبدأ في الثاني ، ونستعرض في الثالث الجهات المختصة بفرض الرسم .
الكلمات المفتاحية : شرعية ، الرسم ، الدستور العراقي
Abstract
Is a monetary amount committed to be paid by the taxpayers, whether they are natural or moral persons to the state or one of its public institutions in a forced manner in exchange for a special service for the taxpayer, in addition to the public interest in the public interest of society, and since the fee is a cash deduction from the funds of the taxpayer of any of his financial rights, therefore, the constitutional legislator has surrounded this money with constitutional protection from the possibility of the executive branch from deducting part of this money except with the approval of the representatives of the people the legislative authority and this reflects about the principle of the legitimacy of painting.
Under this principle, the fee can only be imposed, obliged, abolished, amended or exempted from its performance with the approval of the legislature, as stipulated in the 2005 Constitution of the Republic of Iraq. The goal we want to study this important subject is to indicate the principle of the legitimacy of drawing and charting the way for the executive branch and to show its role in this financial obligation, which is determined by the legislature under the ordinary laws issued by it, and this issue is based on the problem that the executive branch may exceed this principle and impose fees other than its provisions, so we will discuss
Keywords: Legitimacy, Fee, Iraqi Constitution ...
المقدمة
الرسم من الايرادات الاعتيادية للدولة ، وهو مبلغ نقدي يدفعه الاشخاص الى الدولة او غيرها من الهيئات العامة جبراً مقابل انتفاعه بخدمة معينة تؤديها له تحقق في آن واحد نفعاً خاصاً الى جانب النفع العام الذي يعود على المجتمع من جراء ادائها ، وبما ان المكلف به يدفعه جبراً دون ان يكون له الاختيار فان ذلك يكون خطراً على الحقوق المالية للمكلفين الامر الذي دفع بالمشرع الدستوري الى تضمين مبدأ شرعية الرسم في صلب الوثيقة الدستورية ، إذ يعدّ مبدأ شرعية الرسم واحداً من أبرز المبادئ الدستورية التي أصبحت ملازمة لوجود الدستور ، أي لا يمكن أن نتصور وجود دستور من دون هذا المبدأ ، وهذا الأخير يتضمن قاعدة أساسية قوامها سيادة القانون في فرض الرسوم العامة .
وان الهدف الذي نبغيه من وراء دراستنا لموضوع مبدأ شرعية الرسم في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ ، هو لغرض حماية الحقوق المالية للمكلفين ، وبيان الجهة المختصة بالعمليات القانونية المرافقة للرسم من فرضه الى جبايته ، وان تتم هذه العمليات من قبل ممثلي الشعب في السلطة التشريعية .
اما عن مشكلة البحث فهي تتمحور على التجاوز الحاصل على مبدأ شرعية الرسم في القوانين العادية ومخالفتها الصريحة لاحكام الدستور من خلال منح السلطة التنفيذية صلاحية فرض وتعديل الرسم في قوانين الموازنة العامة ، وبيان ان الجهة المختصة بفرض الرسم هي السلطة التشريعية .
وسيكون منهجنا في هذا البحث المنهج التحليلي لنصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وقوانين الموازنة العامة للسنوات المالية 2016و2017و2018و2019وكذلك قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (23) لسنة 2021 ، واحكام المحكمة الاتحادية العليا ، لغرض تصويب النظام القانوني للرسم والتأكيد على دستورية هذا النظام وهذا ما جسده المشرع الدستوري في الدستور من خلال النص على مبدأ شرعية الرسم .
اما عن خطة البحث سنناقشه في ثلاثة مباحث مسبوقة بمقدمة ، نستعرض في الأول مفهوم مبدأ شرعية الرسم وندرس في الثاني النتائج المترتبة على مبدأ شرعية الرسم ونبحث في الثالث الجهات المختصة بفرض الرسم ، وخاتمة نتوصل فيها الى اهم النتائج والتوصيات .
المبحث الأول
مفهوم مبدأ شرعية الرسم
بغية تسليط الضوء على مفهوم مبدأ شرعية الرسم سوف نتناوله في مطلبين الأول لبيان تعريف مبدأ شرعية الرسم ، ونستعرض في الثاني عناصر مبدأ شرعية الرسم .
المطلب الأول: تعريف مبدأ شرعية الرسم
المشرع هو الذي يحدد بإرادته المنفردة نوع الرسم وسعره وجميع الجزاءات القانونية الخاصة به وحيث أن إرادة المشرع المنفردة تتمثل في شكل تشريع محدد ، لذا ينبغي أن يصدر من سلطة مختصة هي السلطة التشريعية وكذلك يجب أن يقترن التشريع بجزاء يفرض على من يخالف الأحكام التي وضعت بخصوص الرسم .
وسنورد هنا بعض التعريفات التي أوردها الفقه القانوني لمبدأ شرعية الرسم ، ومن خلال الاطلاع على كتابات هذا الفقه وجدنا أن هناك اتجاهين للتعريف بمبدأ شرعية الرسم ، فمنهم من يعرف هذا المبدأ مباشرة ووفق مدلول واحد ومنهم من يقسمه إلى مدلولين ، أما الاتجاه الأول ، فيذهب فقهائه إلى تعريف مبدأ شرعية الرسم بأنه ، مبدأ أساس من مبادئ القانون العام ويتصل اتصالاً وثيقاً بالسياسة ذلك أن فرض الرسم من البرلمان يبقي هذا الأخير تحت رقابة الشعب الذي يهمه قيام توازن تام بين متطلبات الدولة المالية من جهة واحترام حقوق الأفراد من جهة أخرى[1].
ويلحظ على هذا التعريف القصور عن تناول جميع عناصر مبدأ القانونية وأنه ركز على جانب الفرض وحده من دون التعديل والإعفاء والجباية ، كما ويلحظ عليه الإطالة مما يجعله أقرب للشرح والتفسير منه إلى وضـع التعريف الجامع المانع والمختصر للمبدأ المذكور .
كما عرف مبدأ شرعية الرسم بأنه واحد من أهم المبادئ الدستورية ، وهو نتيجة من نتائج المبدأ الدستوري القائم على أساس سيادة القانون أي خضوع الحكام والمحكومين للقانون[2].
ويلحظ على هذا التعريف أنه غير محدد ولا يمتاز بالدقة ولا يبرز حقوق كل من المكلف والدولة ، كما أنه لم يحدد عناصر مبدأ الشرعية للرسم .
وعرف بأنه سيادة القانون في الشؤون المالية , أي التزام كل من السلطة المالية والمكلفين بالواجبات التي يحددها القانون تجاه كل منهما[3].
وركز أيضا هذا التعريف على الالتزام المالي من دون الولوج في مشتملات مبدأ الشرعية من فرض وإعفاء وتعديل وجباية وإنما ترك سيادة القانون في شؤون الفرائض المالية عامة غير محددة .
وكذلك عرف المبدأ بأنه فرض الرسم في شكل قانون يصدر بها[4].
ويلحظ على هذا التعريف أنه ركز على الفرض فقط من دون الولوج في عناصر المبدأ المذكور في ميدان الإعفاء والجباية والإلغاء ، كما أنه ركز على الالتزام المالي .
أما عن الاتجاه الثاني ، فقد ذهب أنصاره إلى تحديد مبدأ شرعية الرسم وفق مدلولين، الأول مادي يتصل بحق الشعب في تقدير أمكانية تقييد حقوق أفراد المجتمع المالية من خلال قيام المشرع بفرض الرسوم وتحديد كل ما يتعلق بها ، وهو اختصاص أصيل للشعب يفوضه لسلطة أخرى تمثله ، وهي السلطة التشريعية التي يكون اختصاصها مفوضاً غير أصيل ، ما يعني عدم أمكانية قيامها بتفويض هذا الاختصاص لغيرها من السلطات الأخرى ، والثاني ، عضوي يتصل بضرورة أن يتم فرض الرسم وكل ما يتعلق به بصورة قانون في أضيق مفاهيمه أي في صورة تشريع صادر عن السلطة التشريعية المختصة المنتخبة حصراً فلا يشمل غيرها من السلطات الأخرى[5].
ونرى أن الاتجاه الأول هو أقرب إلى الصواب من الاتجاه الثاني ؛ وذلك لان تقسيم مبدأ شرعية الرسم إلى مدلولين يوجد فقط من الناحية النظرية من دون العملية في الأنظمة غير الديمقراطية التي تتجمع السلطتان التشريعية والتنفيذية فيها بيد فرد أو هيئة واحدة غير منتخبة من الشعب فالجانب العملي ينفي مبدأ شرعية الرسم .
كما أن تقسيم هذا المبدأ إلى مدلولين سيعطي السلطة التنفيذية الثغرات التي تستطيع من خلالها الدخول في صلب عمل السلطة التشريعية فيما يتعلق بفرض الرسوم والإعفاء منها وجبايتها وحتى إلغائها .
ومما تقدم يمكننا تعريف مبدأ شرعية الرسم بأنه ، سيادة أحكام القانون في الميدان المالي، بأن لا تفرض الرسوم ولا تعدل أحكامها ولا تجبى حصيلتها ولا يعفى من أدائها إلا بقانون تصدره السلطة التشريعية المختصة .
المطلب الثاني: عناصر مبدأ شرعية الرسم
ومن خلال التعريفات التي أوردها الفقه القانوني الدستوري والمالي لمبدأ شرعية الرسم سنستعرض عناصره وعلى النحو الآتي :
أولاً : فرض الرسم :
إن فرض الرسم بقانون يعدّ جوهر مبدأ شرعية الرسم ؛ لذلك نجده يتصدر مفردات هذا المبدأ بأن لا تفرض الرسوم أيا كان نوعها إلا بقانون تسنه السلطة التشريعية المختصة ، أن فرض الرسم ينصرف إلى ضرورة أن تتسع النصوص القانونية لتشمل كافة المسائل ذات الصلة بفرض الرسم كتحديد مقداره وتعيين المكلفين بأدائه وسعره وطرق تحصيله فالفرض يعد من صميم الاختصاص التشريعي ، وهو الاختصاص الأصيل في الميدان المالي فالسلطة التشريعية هي السلطة الوحيدة المختصة بتنظيم أحكام الرسم بقانون يصدر عنها[6].
ثانياً : تعديل الرسم :
إن أي تشريع تصدره السلطة المختصة يجب أن يعكس ظروف المجتمع ويراعي التطورات التي تطرأ في الميدان القانوني والاقتصادي ، ومن المعلوم في أدبيات أصول القانون أن من شأن وضع القواعد القانونية في شكل مكتوب (تشريع) أن يضفي عليها قدراً كبيراً من الجمود .
وانطلاقاً من كون التشريع أو القانون يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة لعموم أفراد المجتمع فإن ذلك يستوجب أن يغير هذا القانون كلما اقتضت هذه المصلحة سواء كان التغيير بشكل جزئي ( تعديل القانون ) أو بشكل كلي وهو ( إلغاء القانون).
وأن أغلب الدساتير تذهب للنص على التعديل في صلب محتويات مبدأ شرعية الرسم دون ذكر الإلغاء ، ويذهب الرأي الراجح على صعيد الفقه القانوني الدستوري والمالي إلى أن التعديل يشمل التعديل الكلي ( الإلغاء ) والتعديل الجزئي والتعطيل ، فبالتالي ينبغي أن تباشر هذا التعديل السلطة التشريعية سواء كان تعديلا كليا أو جزئيا أو إيقاف العمل بهذه النصوص مدة محددة ؛ وذلك لأن الأعباء المالية لا تفرض إلا بمقتضى نصوص قانونية صريحة تسنها السلطة التشريعية فإن تعديل تلك الأعباء المالية يقتضي بالضرورة أن يكون بذات الشكل والإجراءات التي فرضت بمقتضاها تلك الأعباء، أي بصدور قانون يتولى مسألة التعديل وذلك إعمالاً لمبدأ توازي الاختصاص[7].
ثالثاً : جباية الرسم :
إن الهدف الرئيس من مبدأ شرعية الرسم هو إسباغ الحماية القانونية على حقوق كل من السلطة المالية والمكلف على حدٍ سواء ، وما دام فرض الرسم وتعديل القواعد الخاصة به لا يتم إلا بقانون لتأكيد هذه الحماية ، فإن المنطق القانوني السليم يفترض لتأطير هذه الحماية للمكلف أن تتم جباية هذه الموارد المالية أيضاً بقانون تسنه السلطة التشريعية المختصة، ومرحلة جباية الرسم هي من المراحل المهمة إذ بمقتضاها يتم استيفاء الموارد المالية وفقا للقواعد المحددة في صلب القانون المالي ، لذلك ينبغي أن تضمن جميع هذه القواعد والضوابط من السلطة التشريعية في صلب القانون المالي أم في قانون خاص بعملية الاستيفاء[8].
رابعاً : الإعفاء من الرسم :
من أجل توفير الحماية القانونية وتأطيرها لتحقيق الغاية المنشودة التي يسعى إليها المشرع نجد ان هذا الأخير يسعى دائما إلى إضافة هذا العنصر من عناصر مبدأ شرعية الرسم بأن لا يتم الإعفاء من أداء الرسوم إلا بقانون تسنه السلطة التشريعية المختصة وفقاً لمجموعة من الاعتبارات والأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
المبحث الثاني
النتائج المترتبة على مبدأ شرعية الرسم
لظهور مبدأ شرعية الرسم كمبدأ دستوري ، ليعلن أن الرسوم لا تفرض ولا تعدل ولا تجبى إلا بقانون تصدره السلطة التشريعية ، وليكون هذا المبدأ واحداً من أهم المبادئ الإصلاحية ذات القيمة الدستورية السامية التي تنير الوثيقة الدستورية وتجسيداً حقيقياً لفكرة الملاءمة بين حقوق السلطة المالية ممثلة الدولة وحاجاتها للموارد المالية وكفالة حق الملكية الخاصة من التجاوز عليه إلا في حدود القانون وسيادته بشكل يمنع إسراف الدولة في فرضها للأعباء المالية ويحافظ على حقوق المكلفين وحرياتهم ، لذلك سنناقش في هذا المبحث النتائج المترتبة على شرعية الرسم وعلى النحو الآتي :
المطلب الأول: السمو الدستوري لمبدأ شرعية الرسم
يعرَّف الدستور بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها, وتنظم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص, وتحديد العلاقة فيما بينها, فضلاً عن تقرير ما للفرد من حقوق وما عليه من واجبات[9].
إن مبدأ سمو الدستور هو أحد مظاهر الدولة القانونية , وناتج عن كونه قاعدة أساسية للدولة[10]، وأن مبدأ شرعية الرسم بعدّه مبدأً دستورياً يقع في قمة المبادئ القانونية السائدة في شؤون القانون المالي إذ لا تكتسب الأعباء المالية صفة المشروعية إلا بقدر توافقها مع السمو الدستوري لهذا المبدأ والذي يأخذ شكلين: الأول: السمو الموضوعي ، ويتجلى هذا السمو من خلال مضمون مبدأ شرعية الرسم ، ويعني سيادة حكم القانون في شؤون الرسوم ، أي إن مصدر جميع أوجه تدخل الدولة في تنظيم مسائل الرسم من حيث الفرض والتعديل والجباية والإعفاء هو القانون[11].
وبناءً على ما تقدم يعدّ هذا المبدأ الأساس الذي يوفر الحماية القانونية لحقوق المكلف بدفع الرسم وملكيته الخاصة ومنع التجاوز عليها من دون مسوغ قانوني يبرر تدخل السلطة.
والثاني : السمو الشكلي ، ويستمد السمو الشكلي لمبدأ شرعية الرسم من كيفية صنع هذه القواعد من السلطة التأسيسية وشكل صدور هذه القواعد والإجراءات التي تتبع في وضعها وتعديلها ، أن مبدأ شرعية الرسم حاله حال جميع القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية إذا كان تعديلها يتطلب إجراءات أكثر تعقيداً من إجراءات تعديل القانون العادي ، فيجعل هذا بدوره مبدأ شرعية الرسم بمنأى عن التعديل أو التغيير إذ لا تستطيع السلطة التشريعية وفقا للإجراءات العادية لتعديل القوانين ان تقوم بتعديله صراحةً أو ضمناً فيما يتعلق بميدان الفرض والإعفاء والجباية وهذا ما يشكل الحماية القانونية للمكلف بدفع الرسم في مسألة تعديل المبدأ السالف الذكر[12].
المطلب الثاني: سيادة القانون في المسائل المالية
وتعني سيادة القانون خضوع الحكام والمحكومين في الدولة للقواعد القانونية النافذة فيها ، وسيادة القانون في الشؤون المالية تعني أن الرسوم لا يفرض عبؤها ولا يعدل مقدارها ولا تجبى حصيلتها ولا يعفى أحد من أدائها إلا بقانون تسنه السلطة التشريعية الأمر الذي يرتب أن يكون القانون هو المصدر الوحيد الذي يحدد الشؤون المالية للرسم[13].
وتعدّ سيادة القانون المرتكز الرئيس للنظام المالي في ظل النظم الديمقراطية الحديثة ؛ وذلك لأنه يفرض مجموعة من القيود على السلطة المالية ممثلة السلطة التنفيذية عندما تقوم بفرض الضريبة وجبايتها على أسس قانونية تمكنها من الحصول على ما تشاء من الموارد المالية التي تمد بها خزينة الدولة من غير انتهاك لحقوق أفراد المجتمع وحرياتهم وأملاكهم الخاصة ، لذا فإن القانون هو الأساس الذي تستمد منه السلطة التشريعية ممثلة الأمة والمعبرة عن إرادتها فرض الأعباء المالية وبما لها من اختصاص تشريعي ، وبالتالي عرف القانون بأنه الأساس الفاصل بين ما لأفراد الشعب من حقوق وحريات وما للسلطة العامة من حق السيادة والسلطان[14]، الأمر الذي يدفعنا إلى القول إنّ سيادة القانون تجسد ابرز نتيجة من النتائج التي تترتب على مبدأ شرعية الرسم وتشكل حماية للمكلفين بأحكامه .
المطلب الثالث: تعزيز مبدأ المشروعية في الشؤون المالية
يعرف مبدأ المشروعية خضوع الإدارة لحكم القانون[15]، أي خضوع الدولة من خلال السلطة المالية ممثلتها في الشؤون المالية والمكلفين لأحكام القانون أي ان توافق تصرفاتهما الأحكام القانونية المالية سواء وردت في صلب الدستور أو القانون المالي أو في أي قانون آخر.
وأن المبدأ السالف الذكر يحقق الحماية للمكلفين من خلال إلزامه السلطة المالية أن تباشر نشاطها بمقتضى القواعد القانونية التي تخولها الصلاحية المتعلقة بالرسوم ، بمعنى أن أي عمل تقوم به السلطة المالية ينبغي أن يتوافق مع القواعد القانونية النافذة التي تبرره وتكون صك الشرعية لاتخاذه وان تصرفها على خلاف هذه القواعد يعدّ باطلا وغير منتج لأثاره من الناحية القانونية ؛ وذلك لأنه لم يستند إلى حكم مبدأ المشروعية[16] .
ويتبين لنا أن مبدأ المشروعية ولغرض تحقيق الحماية للمكلف الضريبي يفرض على السلطة المالية أن تمارس اختصاصاتها التنفيذية المتعلقة بالقانون المالي وفق الحدود التي أقرها هذا الأخير ومباشرة نشاطها في تقدير وفرض الرسوم على المكلف على النحو الذي يتفق مع القواعد القانونية النافذة وإلا كان تصرفها هذا مخالفاً للقانون وبالتالي باطلاً مجرداً من أي قيمة قانونية ، ولهذا عدّ مبدأ المشروعية ضمانة حقيقية لحقوق المكلف المالية .
المطلب الرابع: مبدأ عدم رجعية القانون المالي على الماضي
يعني مبدأ عدم رجعية القانون المالي على الماضي[17] بأنه ، القانون المالي الجديد يسري من تاريخ نفاذه أي من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية او بانتهاء الميعاد المحدد للنفاذ بعد النشر ولا يجوز ان تنسحب أحكامه على الوقائع والروابط القانونية التي سبقت ذلك التاريخ[18]، أي إن القانون المالي لا ينقضي إلا بإلغائه وذلك بصدور تشريع لاحق يقضي بنص صريح أو ضمني بانتهاء العمل بالقانون السابق، وبذلك يصبح القانون المالي غير صالح للتطبيق على وقائع لاحقة على إلغائه وبذات المنطق لا يجوز تطبيق النصوص القانونية النافذة على وقائع سابقة لنفاذها وإلا كان هذا خروجاً على مبدأ عدم رجعية القوانين المالية على الماضي .
وقد شرع هذا المبدأ لتوفير الحماية للمكلف بدفع الرسوم ، وذلك لأن رجعية القانون المالي على الماضي تتضاد مع قاعدة اليقين التي تعني أن تكون الأحكام الخاصة بالقانون المالي واضحة لا لبس فيها ولا غموض ، وأن المكلف سيفاجئ بفرض رسوم عليه لم يتوقعها وهو ما يسبب إرباك في أحواله المالية وعدم استقرار معاملاته، كما أنه سيؤدي إلى تقدير حكمي للرسم وعدم تحقيق العدالة ؛ وذلك لأن المكلف يصعب عليه الاحتفاظ بالدفاتر أو الأوراق الرسمية على أساس أنها متعلقة بفترة سابقة مما يدفع السلطة المالية إلى التقدير على أساس تحكمي وهذا ما لا يوفر الحماية القانونية للمكلف ، كما أن الرجعية على الماضي تؤثر على الادخار والاستثمار من خلال فرض أعباء جديدة تستهدف القدرة الشرائية للمكلفين وأن سحبها أيضا يؤثر على القدرة الاستثمارية للمكلف وبالتالي للاقتصاد الوطني ، الأمر الذي يجعل هذا المبدأ يوفر الحماية للمكلف .
المطلب الخامس: تفسير القانون المالي
هناك اتجاهان على صعيد الفقه القانوني يحددان مفهوم التفسير ، الأول يعرفه بأنه الاستدلال على ما تتضمنه القواعد القانونية من حكم المعنى وتحديده الذي تتضمنه هذه القاعدة حتى يمكن تطبيقها على الظروف الواقعية[19].
والثاني يعرفه بأنه ، توضيح ما أُبهم من ألفاظه وتكميل ما أُقتضب من نصوصه وتخريج ما نقص من أحكامه والتوفيق بين أجزائه المتناقضة[20].
يرتبط موضوع التفسير المالي بمواضيع عدة ذات أهمية بالغة في نطاق القانون المالي ومنها مبدأ شرعية الرسم ، ومن نتائج هذا الأخير وضوح التشريع والابتعاد عن النصوص التي تحتمل أكثر من تفسير يؤثر في حقوق المكلف المالية إذا ما تم التفسير في مصلحة السلطة المالية في سبيل حصولها على موارد مالية كثيرة لتغطية الإنفاق العام المتزايد.
وأن أهمية التفسير في إطار القوانين المالية مهم لمصلحة أطراف العلاقة وذلك لاختلاف الرؤية في اتباع هذا المذهب او ذاك في تفسير القانون المالي ؛ لأنها وضعت في ظروف ومدد زمنية سابقة تطورت الظروف السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة خلالها والتي دفعت بالمشرع إلى سنها ، وكثرة التعديلات التي أصابتها ، فتعديل التشريع في وقت معين قد يعالج مشكلة إلا أنه يثير مشاكل في أوقات أخرى ، لذلك أصبحت هنالك فجوة بين النصوص القانونية والواقع الاقتصادي والاجتماعي ، فضلا عن عدم وضوح النصوص القانونية وكانت لها آثار رئيسة على المكلف وحقوقه ، وكان للسلطة المالية المطبقة للقانون المالي عندما تحيد عن الصواب أثراً كبيراً على حقوق المكلف لكثرة التفسيرات المتناقضة ، وخصوصاً إذا كان هذا الموضوع فضلاً عن ارتباطه بمبدأ القانونية فأنه يرتبط بقاعدة العدالة واليقين ، وكونه يحكم علاقة متناقضة في أغلب الأحيان بين الدولة والمكلف فإذا أقامت السلطة المالية بالتفسير في مصلحتها كان الأمر أهداراً لقاعدتي العدالة واليقين ، أما إذا كان لمصلحة المكلف كان ذلك اضراراً بالخزينة العامة والتي يسعى المشرع دائما إلى استمرارية ودوام الموارد لها لتغطية الإنفاق خصوصا بعد التطورات التي حصلت على القانون المالي وزوال النظرة إليه بأنه قانون استثنائي بغيض واستكمال هذا القانون لذاتيته وظهور أهداف أخرى غير الهدف المالي كالأهداف الاقتصادية والاجتماعية[21].
لذلك يجب أن يكون التفسير موازناً بين حقوق السلطة المالية والمكلف بصرف النظر عن الجهة التي تباشر عملية التفسير وذلك لتوفير الحماية اللازمة للمكلف ضد محاولات السلطة المالية من الحصول على أكبر مورد من خلال فرض الرسوم على المكلف[22].
المبحث الثالث
الجهات المختصة بفرض الرسم
بناءً على ما تقدم ذكره في المباحث سالفة الذكر فان مبدأ شرعية الرسم يقضي بان الرسوم لا تفرض ولا تعدل ولا تجبى ولا يعفى من ادائها احد الا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية المختصة ، ولا يمكن لغيرها من السلطات الاتحادية فرض الرسوم لانها بذلك تخالف مبدأ المشروعية ، لذلك سنناقش هذا المبحث في مطلبين نستعرض في الاول اختصاص السلطة التشريعية الاتحادية بفرض الرسم ونبين في الثاني اختصاص السلطة التنفيذية الاتحادية بفرض الرسم .
المطلب الاول: اختصاص السلطة التشريعية الاتحادية بفرض الرسم
لم تخل الدساتير العراقية المتعاقبة من النص على مبدأ شرعية الرسم ، لأنه من المبادئ المهمة التي تضمن فرض الرسم بقانون تصدره السلطة التشريعية ممثلة لإرادة الشعب ، فعلى اثر تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وضع أول دستور وأطلق عليه القانون الأساسي لسنة 1925، والذي بموجبه تم وضع مبدأ شرعية الرسم في صلب التشريع العراقي ، إذ نص على أنه ( لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بمقتضى قانون تشمل أحكامه جميع المكلفين )[23]، وجاء المشرع الدستوري العراقي بعد ذلك مؤكداً لمبدأ شرعية الرسم في نصٍ آخر إذ نص على أنه ( لا يجوز وضع ضرائب أو رسوم إلا بقانون)[24].
وأكد المشرع الدستوري العراقي على هذا المبدأ في الدساتير التي صدرت في العهد الجمهوري ، إذ تضمن دستور جمهورية العراق الصادر في 27 / تموز 1958 ، نصاً يؤكد على مبدأ شرعية الرسم متلافياً النقص في عناصر هذا المبدأ في القانون الأساسي لسنة 1925، متضمناً جميع عناصر مبدأ شرعية الرسم إذ نص على أنه ( لا يجوز فرض ضريبـة أو رسم أو تعديلهما أو إلغاءهما إلا بقانون)[25].
وجاء دستور 21/ أيلول 1968 بأغلب عناصر مبدأ شرعية الرسم حيث نص على أنه ( لا يجوز فرض ضريبة أو رسم أو تعديلهما أو إلغائهما أو الإعفاء منهما إلا بقانون )[26].
أما دستور 16 تموز 1970 لم يتضمن شرعية الرسم وانما نص على مبدأ شرعية الضريبة إذ نص على ( أداء الضرائب المالية واجب على كل مواطن ، ولا تفرض الضرائب المالية ولا تعدل ولا تجبى إلا بقانون)[27] .
وقد اختلف الفقه القانوني بصدد هذا النص هل تضمن مبدأ شرعية الرسم ام لم يتضمنها تاركاً الامر بيد السلطة التنفيذية ، فقد ذهب البعض[28]، الى انه يلاحظ على هذا النص اختلافه كثيراً عن النص الوارد في دستور 1968 حيث أنه اقتصر على ذكر الضرائب ولم يتطرق إلى الرسوم على الرغم من أنه قرر صراحة مبدأ قانونية الضريبة ، وقد يجد هذا الاختلاف في الصياغة تفسيره في الأتي :
أن عدم ذكر الرسوم مرده صياغة الدستور التي كانت قد تمت على وجه الاستعجال وأريد لهذا الدستور أن يكون دستوراً مؤقتاً إلا أن العمل به استمر فيما بعد حتى أضفى عليه وصف الديمومة واستمر اكثر من ثلاثة عقود .
وقد يفسر الاختلاف أيضاً في أن عبارة ( الضرائب المالية ) الوارد ذكرها في المادة لا تقتصر على الضرائب بمعناها العلمي فحسب وإنما تشمل كل إيراد إلزامي وعلى هذا الأساس فهي تشمل الرسوم أيضاً بدليل المادة (63) التي قررت مبدأ عدم رجعية القوانين فذكرت الرسوم حيث نصت ( ليس للقوانين اثر رجعي إلا إذا نص على خلاف ذلك ولا يشمل الاستثناء القوانين الجزائية وقوانين الضرائب والرسوم المالية ) .
الا اننا نختلف مع الرأي الاول ، ونذهب الى ان مبدأ شرعية الرسم ينبغي ان ينص عليه صراحةً في الدستور حتى يمكن ان يتم الدفع بهذا المبدأ امام القضاء الدستوري في حالة اختراق هذا المبدأ والتجاوز عليه من السلطة التنفيذية ، ودليلنا على ذلك انه حتى مع النص عليه في الدستور يترتب عليه انتهاك لهذا المبدأ ويتم الطعن بدستورية هذه الانتهاكات امام المحكمة الاتحادية العليا .
وكذلك تضمن قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية نصاً يضع بموجبه مبدأ شرعية الرسم ضمن ثنايا نصوصه إذ نص على أنه ( لا ضريبة ولا رســم الا بقانون)[29].
ويبدو أن المشرع الدستوري العراقي عندما اتجه إلى صياغة نصوص دستور 2005 النافذ أراد أن يتلافى جميع العيوب التشريعية الملازمة للدساتير العراقية السابقة من حيث تضمينه لجميع عناصر مبدأ شرعية الرسم في نصوصه، إذ نص على أنه ( لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى ولا يعفى منها إلا بقانون)[30].
وحسناً فعل مشرعنا الدستوري عندما تناول جميع عناصر مبدأ شرعية الرسم في صلب الوثيقة الدستورية حتى يضفي الحماية للحقوق المالية للمخاطبين باحكامه.
مما تقدم يتبين لنا ان الرسم لا يفرض او يجبى اويعفى من اداءه او يلغى الا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية المختصة ، وهذا ما جسده المشرع الدستوري العراقي منذ صدور القانون الاساسي العراقي الى دستور 2005 ، وبناءً على هذه المعطيات فأن السلطة المختصة بفرض الرسم هي السلطة التشريعية ، وان هذا الاختصاص الاصيل لهذه السلطة لا يثير اية اشكالية ؛ وذلك لان السلطة التشريعية هي المخولة بموجب مبدأ شرعية الرسم بفرض الرسوم بموجب القوانين التي تشرعها، وهذا ما نص عليه المشرع الدستوري في دستور 2005 إذ نص على انه ( يختص مجلس النواب بما يأتي : أولاً : تشريع القوانين الاتحادية )[31] .
مما تقدم يتبين لنا ان المشرع الدستوري في دستور جمهورية العراق قد منح الاختصاص فقط للسلطة التشريعية بفرض الرسوم أي انه لم يعطي اختصاصاً لبقية السلطات الاتحادية في الدولة ، كالسلطة التنفيذية صاحبة الاختصاص الاصيل في رسم السياسة المالية ووضع الموازنة العامة للدولة ، لان المشرع الدستوري حدد مبدأ شرعية الرسم واعطى الصلاحية بفرضه الى السلطة التشريعية ، وهذا يعني انه لا يمكن للسلطة التشريعية ان تفوض صلاحياتها وفق مبدأ شرعية الرسم المنصوص عليه في الدستور الى السلطة التنفيذية ، كما انه لا يحق للحكومة ان تصدر قرارات ادارية تفرض بموجبها او تعدل او تعفي او تلغي الرسم .
المطلب الثاني: اختصاص السلطة التنفيذية الاتحادية بفرض الرسم
يعدّ مبدأ شرعية الرسم المنصوص عليه في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، من اشد المباديء الدستورية قوة وصرامة ، لانه لا يسمح لغير السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الاصيل بتشريع القوانين بفرض او تعديل او اعفاء او الغاء الرسم ، لاسباب واعتبارات تخص المكلف بدفع الرسم وحقوقه المالية ، ومدى التزام السلطة التنفيذية بصلاحايتها المخولة لهم بموجب القانون ، وعلى الرغم من قوة مبدأ شرعية الرسم والنص صراحةً عليه في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الا ان هذا النص قد تعرض للخرق والمخالفة في القوانين العادية ، وهذا الخرق قد تضمنه قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2016 اذ نص على انه ( للوزارات كافة والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات صلاحية فرض رسوم او اجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم واجور الخدمات الحالية ........ )[32] .
وجدد المشرع المخالفة لاحكام الدستور في قوانين الموازنة العامة للسنوات المالية 2017[33] ، 2018 [34]، 2019 [35]، في المواد تباعاً ( 24 ) في قانون الموازنة العامة لسنة 2017 ، والمادة (18ـ اولاً ) من قانون الموازنة العامة لسنة 2018 ، والمادة ( 19ـ اولا ) من قانون الموازنة العامة لسنة 2019 ، وبموجب هذه النصوص منح المشرع في قوانين الموازنة العامة المتعاقبة الصلاحية للسلطة التنفيذية الاتحادية بكافة مؤسساتها والمحافظات بفرض وتعديل الرسوم او اجور الخدمات ، وبعد الظروف الصحية المتمثلة بجائحة كورونا التي ضربت العالم والازمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي وتأثر بها الاقتصادات المرتبطة به ومنها الاقتصاد الوطني العراقي الذي تأثر تأثراً كبيراً بهذه الازمة الصحية والاقتصادية نتيجة هبوط اسعار النفط ووصولها الى مستوى الصفر دولار ، ومن جملة الاثار الاقتصادية والقانونية التي ضربت الاقتصاد العراقي ، هو عدم امكانية السلطة التشريعية على اصدار قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2020 ، الامر الذي اثر سلباً على نفقات الدولة وايراداتها ومن ضمن الاخيرة اضطراب النظام القانوني للرسم بين خرق المبدأ الدستوري المتضمن شرعية الرسم وبين قلة مردود هذا المورد لخزينة الدولة ، ومع نهاية السنة المالية 2020 بدأت بوادر النمو الاقتصادي من جديد نتيجة الانفراج الجزئي في الازمة الصحية من توفر بعض اللقاحات الخاص بالامراض الوبائية ( كورونا ) ، وبهذا بدأت الحكومة العراقية بعدّ العدّة للنهوض بالاقتصاد الوطني المنهك ، واول الخطوات بدأت بترميم العملة الوطنية والمحافظة على الاحتياطي النقدي من العملات الاجنبية ، وايضا الاعداد لمشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2021 ، وتم اقرار قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021 [36]، ومن خلال الاطلاع الكامل على ثنايا هذا القانون وجدنا ان المشرع قد ضمن ذات المخالفة الدستورية في نصوص القانون الاخير ، إذ اكد على انه ( استمرار الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة بصلاحية فرض رسوم او اجور خدمات التي تم فرضها خلال الاعوام 2016و2017و2018و2019 ..... )[37].
ومن هذه النصوص يتبين لنا ان المشرع العراقي في قوانين الموازنة العامة منذ 2016 الى 2021 قد منح كل مؤسسات السلطة التنفيذية الاتحادية والمحافظات صلاحية فرض رسوم او تعديلها وهذا ما يشكل مخالفة واضحة وصريحة لنص المادة (28) الفقرة (1) من دستور جمهورية العراق ، والتي تتضمن مبدأ شرعية الرسم اوبموجبة لا تفرض الرسوم ولاتجبى ولاتعدل ولا يعفى احد منها الا بقانون تسنه السلطة التشريعية المختصة ، أي ان النصوص سالفة الذكر فيها مخالفة صريحة لاحكام الدستور الامر الذي يعطي الحق لكل ذي مصلحة الطعن بعدم دستورية هذه النصوص لمخالفتها لاحكام الدستور ، وبالفعل تم الطعن بنص المادة (18) البند اولاً من قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2018 ، من قبل رئيس جمهورية العراق في الدعوى المرقمة ( 57 اتحادية 2018 ) ، وكان قرار المحكمة الاتحادية موافقاً ومؤيداً لموقف المشرع العراقي في قانون الموازنة العامة لسنة 2018 إذ نص على انه قدر تعلق الامر بالمادة (18) أولاً من قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2018 المطعون بعدم دستوريتها ، والذي انتظم نصها على النحو الاتي للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة صلاحية فرض رسوم او اجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم واجور الخدمات الحالية باستثناء الرسوم السيادية المقرة بموجب القوانين الاتحادية النافذة وفق ضوابط يصدرها الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او المحافظ ، لذا فقد اقرت المحكمة الاتحادية العليا المبدأ القانوني الاتي عدم مخالفة المادة 18 اولا من قانون الموازنة العامة الاتحادية لنص المادة 28 من الدستور وان المشرع يعدّ ملتزماً بحكم المادة الدستورية اذ اتاح بموجب النص المطعون به للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات صلاحية فرض الرسوم ، وان القانون المذكور تضمن تخويلاً تشريعياً للعناوين المذكورة فيه لفرض الرسوم وتعديلها[38] .
ونحن بدورنا نختلف مع موقف المحكمة الاتحادية ، ونرى بأن المشرع في قوانين الموازنة العامة للسنوات المالية 2016 ـ 2017 ـ 2018 ـ 2019 ـ 2021 ، قد خالف المادة (28) اولاً من دستور 2005 ، الذي أكد على مبدأ شرعية الرسم ونص صراحةً على ان الرسم لا يفرض ولا يعدل ولا يجبى ولا يعفى احد من ادائه الا بقانون تسنه السلطة التشريعية المختصة، ومن خلال الاطلاع على النصوص القانونية في قانون الموازنة العامة سالفة الذكر نجدها تعطي الصلاحية بفرض وتعديل الرسوم الى السلطة التنفيذية بكل مؤسساتها وكذلك للمحافظات وهذا وجه المخالفة الدستورية .
الخاتمة
بعد ان يسر الله سبحانه وتعالى لي سبيل بحثي الموسوم بـ ( مبدأ شرعية الرسم في دستور جمورية العراق لسنة 2005) ، الخص اهم النتائج والتوصيات التي توصلت اليها وعلى النحو الآتي :
أولاً : النتائج :
مبدأ شرعية الرسم الذي ناقشه المشرع الدستوري العراقي في دستور 2005 النافذ يختلف عن الدساتير التي سبقته من حيث تضمين جميع عناصر مبدأ الشرعية، إذ لا يفرض الرسم ولا يعدل ولا يجبى ولا يعفى منه الا بقانون ، وبذلك يهدف المشرع الدستوري الى توفير الحماية الدستورية الكاملة للحقوق المالية للمكلفين بدفع الرسم ، وتحجيم دور السلطة التنفيذية في هذا الامر وذلك لو ترك الامر لها دون تقييد لاستطاعت فرض رسوم متعددة وذلك لسهولة فرضها وطبيعة الرسم القائمة على طلب الخدمة من المرافق العامة ، وبذلك لا ثتير أي اشكالية مع المواطنين لان السلطة التنفيذية تترك له الحرية في طلب الخدمة من عدمها .
ضمّن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ في ثنايا نصوصه مبدأً مهماً يترتب على مبدأ شرعية الرسم ، وهو عدم رجعية القوانين المالية الضرائب والرسوم على الماضي حتى وان نص القانون على ذلك ، وذلك لخطورة هذه الفرائض وانها تفرض على المكلفين بها ، وبذلك اراد المشرع الدستوري ترصين مبدأ شرعية الرسم واحاطته بالضمانات الكاملة .
ان الرسم لا يفرض او يجبى اويعفى من اداءه او يلغى الا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية المختصة ، وهذا ما جسده المشرع الدستوري العراقي منذ صدور القانون الاساسي العراقي الى دستور 2005 ، وبناءً على هذه المعطيات فأن السلطة المختصة بفرض الرسم هي السلطة التشريعية ، وان هذا الاختصاص الاصيل لهذه السلطة لا يثير اية اشكالية ؛ وذلك لان السلطة التشريعية هي المخولة بموجب مبدأ شرعية الرسم بفرض الرسوم بموجب القوانين التي تشرعها .
صدر قانون الموازنة العامة رقم (23) لسنة 2021 متضمناً في ثنايا نصوصه مخالفة دستورية لمبدأ شرعية الرسم مؤكداً بذلك المنهج الذي سار عليه في قوانين الموازنة العامة للسنوات 2016ـ 2017 ـ 2018 ـ 2019 ، إذ منح بموجبها للسلطة التنفيذية الاتحادية بكل المؤسسات التابعة لها والمحافظات صلاحية فرض رسوم او اجور خدمات او تعديل الرسوم او اجور الخدمات ، وبتلك النصوص نجد ان المشرع قد جانب الصواب مخالفاً ، بذلك احكام الدستور .
ثانياً : التوصيات :
السلطة التشريعية المنتخبة هي صاحبة الاختصاص الاصيل بفرض وتعديل والغاء والاعفاء من الرسوم ، لذلك ينبغي على هذه السلطة ان تدافع عن الحقوق المالية لمن انتخبهم ، وان تعطي الحق في الرسم والعمليات القانونية المتعلقة به لها فقط دون ان تمنح هذا الاختصاص لسلطة اخرى لتساير احكام الدستور .
نوصي المشرع العراقي الى توخي الدقة عندما يصدر قوانين الموازنة العامة بأن لا يمنح الاختصاص للسلطة التنفيذية بفرض الرسوم او تعديلها لكونها من الصلاحيات الحصرية للسلطة التشريعية المنتخبة .
ندعو كل ذي مصلحة الطعن بمشروعية منح الاختصاص للسلطة التنفيذية في فرض وتعديل الرسوم امام المحكمة الاتحادية العليا الجديدة .
[1] د. عدنان الضناوي : علم المالية العامة ، النظرية العامة للضرائب والرسوم والقروض ، ط1 ، بلا مطبعة، بيروت ، 1987 ، ص62 .
[2] د. دلاور علي ود. محمد طه بدوي : أصول القانون الضريبي ، دار المعارف ، الإسكندرية ، 1954 ، ص25 .
[3] د. كمال عبد الرحمن الجرف : الضرائب والرسوم المحلية ، ط1، دار الجامعات المصرية ، الإسكندرية ، 1962 ، ص124 .
[4] د. طاهر الجنابي : علم المالية العامة والتشريع المالي ، دار الكتب ، الموصل ، بدون سنة طبع ، ص61.
[5] د. احمد خلف حسين الدخيل : تجزئة القاعدة القانونية في التشريع الضريبي العراقي ، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة الموصل ، 2010 ، ص33 .
[6] عثمان سلمان غيلان : مبدأ قانونية الضريبة وتطبيقاته في تشريع الضرائب المباشرة في العراق ، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة النهرين ، 2003 , ص 43 – 52 .
[7] ويعني مبدأ توازي الاختصاص ، يتم التعديل من ذات السلطة التي سنت النصوص القانونية الضريبية او سلطة موازية لها في الاختصاصات وتتبع في ذلك ذات الأشكال والإجراءات المحددة لسنه من الناحية الدستورية وإلا عدّ ذلك التعديل اعتداء على نصوص القانون . ينظر : د. شمس الدين الوكيل : الموجز في المدخل للقانون ، ط1 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1968 ، ص220 .
[8] د. عوض فاضل إسماعيل : التقادم الضريبي المسقط في نطاق قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (113) لسنة 1983 المعدل ، بحث منشور في مجلة دراسة اقتصادية الصادرة عن بيت الحكمة ، ع 2 ، س 2 ، 2000 ، ص51ـ52 .
[9] د.حميد الساعدي : مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق, دار الحكمة للطباعة والنشر, الموصل , 1990, ص15 ؛ د. إبراهيم أبو خزام : الوسيط في القانون الدستوري ، الكتاب الأول (الدساتير والدولة ونظم الحكم) , ط2 , دار أويا للطباعة والنشر والتوزيع , طرابلس ، ليبيا, 2002, ص24-25.
[10] د.عصمت عبد الله الشيخ : الدستور بين مقتضيات الثبات وموجبات التغيير ( في ضوء الفكرة القانونية السائدة لدى أفراد المجتمع السياسي ) , دار النهضة العربية , القاهرة , 2002 , ص15.
[11] د. حسين عثمان محمد عثمان : القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2002 ، ص26ـ27.
[12] د. احمد خلف حسين الدخيل : تجزئة القاعدة القانونية في التشريع الضريبي ، ط1 ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طرابلس ، لبنان ، 2012 ، ص53ـ54.
[13] د. سليمان محمد الطماوي : السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي، ط5 ، مطبعة جامعة عين شمس ، القاهرة ، 1986 ، ص57.
[14] عثمان سلمان غيلان ، مصدر سابق ، ص77.
[15] د. ماهر صالح علاوي : الوسيط في القانون الاداري ، دار ابن الاثير للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، 2009 ، ص28 .
[16] د. فاروق احمد خماس : الرقابة على أعمال الإدارة ، دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، 1988 ، ص13 .
[17] نصت المادة (19) البند ( تاسعاً ) من الدستور العراقي لسنة 2005 على أنه ( ليس للقوانين اثر رجعي ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، ولا يشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم ) .
[18] د. فوزت خليل فرحات : الرجعية في القانون الضريبي ، بحث منشور في مجلة الدراسات القانونية ، كلية الحقوق ، جامعة بيروت العربية ، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2009 ، ص122.
[19] د . توفيق حسن فرج : المدخل للعلوم القانونية ، المكتب المصري الحديث ، 1970 – 1971 ، ص 209.
[20] د. عبد الرزاق السنهوري و د. أحمد حشمت ، أصول القانون ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1938 ، ص 200 .
[21] علي هادي عطية الهلالي : تفسير قوانين الضرائب المباشرة في العراق ، اطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون ، جامعة بغداد ، 2004 ، ص1ـ4 .
[22]Joseph, A . pech MAN : Federal tax policy , the Broorlings institution, washington , 1971 , p 33
[23]المادة (11) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 الملغي .
[24] المادة (91) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 الملغي .
[25] المادة (15) من دستور27 تموز1958 الملغى .
[26] المادة (39) من دستور 21 أيلول 1968 الملغي .
[27] المادة (35) من دستور 16 تموز 1970 الملغي .
[28] اشارت الى هذا الخلاف الفقهي : نور طارق حسين العاني : النظام القانوني للرسم ، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق ، جامعة النهرين ، 2004 ، ص46ـ54 .
[29] المادة (18) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 الملغى .
[30] البند ( أولا ) من المادة (28) من دستور 2005 النافذ .
[31] المادة (61) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ .
[32] المادة (25) من قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2016 ، منشور بالوقائع العراقية ، العدد (4394 ) ، في 18 / 1 / 2016 .
[33] قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2017 ، منشور بالوقائع العراقية ، العدد (4430) ، في 9 / 1 / 2017 .
[34] قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2018 ، منشور بالوقائع العراقية ، العدد (4485) ، في 2 / 4 / 2018 .
[35] قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019 ، منشور بالوقائع العراقية ، العدد (4529) ، في 11 / 2 / 2019 .
[36] قانون رقم (23) لسنة 2021 «الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2021» ، منشور بالوقائع العراقية ، العدد (4625) في 12 / 4 / 2021 .
[37] المادة (19) البند ( أولاً ) من قانون الموازنة العام رقم (23) لسنة 2021 .
[38] قرار حكم المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 3 / 6 / 2018 في الدعوى المرقمة ( 57 اتحادية 2018 ) ، غير منشور .