تاريخ الاستلام 1/3/2023            تاريخ القبول 15/9/2023         تاريخ النشر 25/10/2023

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

 

DOI /10.61279/4v4ntj11

انعكاسات الروبوت العامل

على مستقبل العمل المأجور

Implications of working Robert on the future of paid work

  

م.د. نور سعد حسون

كلية الحقوق- جامعة تكريت

DR. Noor Saad Hassoon

Tikrit University / Faculty of Law.

Noorsaad19855@tu.edu.iq

المُستًخلصْ:

على مدى العصور السابقة لم تشهد بيئة العمل تطورا هاما كما يحدث الان في وقتنا الحاضر، وهذا ليس بجديد على قطاع العمل، فمنذ ظهور الصناعة وتقدمها واتساع نطاق التجارة وازدياد الطلب على المنتجات امست المؤسسات والمصانع تنافس بل وتتسابق نحو زيادة قيمة الانتاج ورأس المال المستثمر، وبالتالي عمدت الى الاستعانة بطرق تحاكي القدرات البشرية بل قد تفوق عنها وهو ما يدعى (الروبرت العامل).

وبالنظر لأستخدمه الحديث في العديد من الدول وقلة الدراسات على المستوى المحلي حول هذا الموضوع جاءت اهمية هذه الدراسة، لذا حاولنا في هذه المساهمة المتواضعة تسليط الضوء على الواقع الذي فرضة هذا النوع من الابتكار من خلال تجسيد اثر الروبرت على العمل ومستقبل الايادي العاملة والاثار الناتجة عن استخدامه وهل يمكن ان يحل محل الايادي العاملة في المستقبل، كما انه يبحث في ضرورة استحداث مبادئ واليات قانونية قادرة على تأطير الانعكاسات التي هذا التطور الجديد للخروج بتوصيات ومقترحات وافكار قابلة للتطبيق على ارض الواقع واستخلاص انجح الحلول واقربها للواقع وبما يسهم في تفعيل عمله في مجتمعنا.

 

الكلمات المفتاحية: الروبوت العامل، العمل المأجور، الموظفين، العمال، فرص العمل.

 

Abstract

   Over the previous ages, the work environment has not witnessed a significant development as is happening now in the present time, and this is not new to the labor sector, since the emergence of industry and its progress and the expansion of trade and the increase in demand for products, institutions and factories have become competing and even racing towards increasing the value of production and invested capital, and therefore I resorted to using methods that simulate human capabilities, and may even exceed them, which is called (the working Robert).

    In view of its modern use in many countries and the lack of studies at the local level on this subject, the importance of this study came, so we tried in this modest contribution to shed light on the reality that imposed this type of innovation by embodying the impact of Robert on work and the future of manpower and the effects resulting from its use Can it replace working hands in the future, and it also discusses the need to develop principles and legal mechanisms capable of framing the repercussions of this new development to come up with recommendations, proposals and ideas that are applicable on the ground, and to derive the most successful solutions and the closest to reality, in a way that contributes to activating its work in our society.

 

Keywords: Robert, paid Labour, The unemployment, workers, Jobs chances .

المُقَدِّمةْ :

     ان التطور السريع والتحولات الكبيرة نتيجة الثورة التكنلوجيا التي تشهدها جميع مفاصل الحياة العامة وبضمنها مجال العمل ادت لظهور وسائل جديدة في تنفيذ العمل، اذ تخلت هذه الاخيرة عن صورتها التقليدية البسيطة واصبحت تعتمد على ما يسمى الروبرت العامل، وقد ساهم ذلك بصورة مباشرة او غير مباشرة الى فتح عهد اقتصادي جديد لقطاع العمل وهذا ليس بجديد على بيئة العمل التي كانت سابقة في تبني التوجهات الحديثة واستخدام انماط مختلفة من الادوات لتنشيط الحياة الاقتصادية ورفع الانتاج القومي، فأصحاب الشركات أو المؤسسات يحاولون اشباع الحاجات الجديدة والمستمرة بمختلف الوسائل وامام هذا التحول فأنها ستبقى صماء اذ لم يتم استخدامها والاستفادة منها، والاثر المقابل والحتمي الذي يترتب على ذلك هو ما تتركه من اثار سلبية على سوق العمل والعمالة بصورة عامه، وعند النظر من منطلق مغاير وهو بما يتم النقاش على الاثار الايجابية للروبرت العامل، ولغرض الاحاطة بالموضوع من كافة الجوانب كان لابد لنا من تناول ما يأتي:

اولاً - أهمية الموضوع:

تنبع اهمية الدراسة من التحولات التي يشهدها العالم في ظل تطور التكنلوجيا وتدخلها بجميع فاصل الحياة وبضمنها قانون العمل وخاصة ان التعامل مع التكنلوجيا المتقدمة وقبولها امراً لا مفر منه ، كما ان المواضيع التي عالجت هذا الموضوع قليلة جدا على الرغم من اهميتها حيث لم يلق هذا الموضوع الاهتمام من قبل الباحثين والمختصين، وكذلك تأتي اهميتها من ان قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 لايزال يشهد غياب ارضية قانونية خصبة فالأحكام والقواعد القانونية التي وضعت لتنظيم العمل تحتاج الى تطور لتنسجم مع ما هو موجود على ارض الواقع في ظل التقدم التكنلوجي الذي يشهده عصرنا اليوم والى ضرورة تكييف قوانيننا ولوائحنا وسياستنا وتطويرها لتكون قادرة على تأطير الانعكاسات التي يخلفها التحول الرقمي في قانون العمل.

 

ثانياً- مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في ان موضوع (الروبرت العامل) جاء نتيجة التطور السريع للتكنلوجيا والذي تجاوز مفاهيم انماط العمل التقليدي البسيط، ومن هنا يتبادل الى الاذهان التساؤل الاتي هل يمكن للروبرت العامل ان يحل محل الايدي العمالة البشرية وما هي اثار الروبرت العامل على مستقبل العمل ؟

 

 

ثالثاً - منهج البحث:

لغرض الاحاطة بكافة جوانب الموضوع ولتحقيق الهدف المنشود منه فسنعتمد في بحثنا المنهج التحليلي الاستقرائي لألقاء نظرة تحليليه حول الروبرت العامل والاثار التي يمكن ان يطرحها على مستقبل العمل المأجور.

 

رابعاً - هيكلية البحث:

سوف نقوم بتقسيم البحث الى مبحثين، نكرس المبحث الاول لنتناول ماهية الروبرت العامل والعمل المأجور اما المبحث الثاني فسوف نتطرق لأثار الروبرت العمل على مستقبل العمل الماجور، ثم نختم هذه الدراسة بخاتمة نجمل فيها بيان ما سنتوصل اليه من الاستنتاجات والتوصيات التي قد تسهم بالنهوض في مجال العمل.

المبحث الاول

ماهية الروبرت العامل والعمل المأجور

مر مفهوم العمل بكثير من التطورات كانت في مقدمتها الثورة الصناعية الاولى في القرن السابع عشر ميلادي اذ تم الانتقال من العمل الحرفي اليدوي الى استخدام الآلات والادوات الميكانيكية وتدرج هذا التطور الى ان وصل للثورة التكنلوجيا التي احدثت تغيراً عميقاً في مفهوم العمل ساعدت الانسان في اداء عمله فظهر ما يعرف بالروبرت العامل لكي يتسنى للقارئ ان يدرك على نحو متكامل مفهوم الروبرت والعمل المأجور لابد لنا من الاحاطة بتعريف الروبرت العامل ومدى جاهزية سوق العمل العراقي للروبرت العامل، وهذا ما سوف نخصصه في المطلب الاول، ثم نتناول في الثاني العمل المأجور وعناصره، وعلى النحو الآتي:

المطلب الاول: مفهوم الروبرت العامل

على الرغم من ان الروبرت يعد من ابتكار التكنلوجيا المصاحبة للعصر الرقمي، حيث انعكس استثمارها لصالح العمل اذا تحول العمل بمفهومه التقليدي البسيط الى العمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، الا انه وبلا شك يثير العديد من التحديات خاصة في عدم وجود تنظيم تشريعي لهذا النمط من العمل، ولتوضيح ذلك سنتناوله في فرعين نتناول الاول نخصص الاول لتعريف الروبرت العامل فيما نكرس الثاني لبيان مدى جاهزية سوق العمل العراقي للروبرت العامل.

الفرع الاول: تعريف الروبرت العامل

استخدام الروبرت لإنجاز مهام العمل من الطرق الحديثة التي ظهرت بشكل وسع بعد ان اصبح العمل بمفهومه التقليدي لا يتلاءم مع معطيات هذا العصر، فنحن نقف اليوم امام منعطف كبير وهو رقمنه بيئة العمل لذا لابد لنا من الوقوف على تعريف لذلك المصطلح، وبالنظر لعدم وجود تعريف مباشر للروبرت العامل لذا توجهنا صوب مجموعة من التعاريف التي اوردها بعض الفقهاء بشأن الروبرت بصورة عامة فقد عرف على انه: (عامل او هيكل اصطناعي نشيط يكون محيطه العالم الطبيعي)[1]، وعرف ايضا بانه: (مجموعة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي(Artificial Inteligence Algorithm)يتم برمجيتها ووضع البيانات من اجل تنفيذ عمل جديد وتلك القرارات تكون موجهة من المبرمج فهي تتعلم من المدخلات التي يضعها المبرمجون لتقوم بالأعمال الموكلة اليها واثناء قيامها بذلك تتخذ قرارات مستقلة طوال العملية للتحكم في شكل العمل الجديد)[2].

نستنتج بان الروبرت العامل هي كيان صمم وبرمجت وفق منطق بشري لتؤدي مهام معينة مزودة بأطراف وجهاز للذكرة لها القدرة على الدوران والعمل بواسطة الاداء الاوتوماتيكي للحركات وهي بذلك تحاكي اداء العمالة البشرية وان البشر هم وكلاء مسؤولون عنها، لذا فان الروبرت هم منتجات من صنع البشر الهدف منها انجاز مهام ووظائف معينة والاعتماد عليها بديلاً عن اليد البشرية نظراً لما تتمتع به من الدقة والقدرة على العمل بدون تعب او ملل، وما زاد من انتشاره في الآونة الاخيرة تفشي وباء كورونا حيث اصبحت بديل عن الانسان في انجاز الكثير من الاعمال.

ومن التجارب الدولية الناجحة في مجال توظيف الروبرت كبديل للعمالة البشرية هي تجربة دولة الامارات اذ اتخذت خطوات سابقة في تبني لاستخدام الروبرت العامل في العديد من مجالات العمل لتحقيق التنمية الاقتصادية لعصر التحول الرقمي باعتباره عنصراً اساساً ومهما في تحقيق اهداف العمل والتعزيز الانتاجي[3]، ولقد لاحظنا انتشاره في الآونة الاخيرة في العديد من الدول الاجنبية والعربية ولم يكن العراق ببعيد عنها حيث عند زيارتي لمدينة الموصل جذب انتباهي احد المطاعم تم فتحه حديثاً، اذ يستخدم الروبرت ويطلق عليه اسم(Bob) حيث تم توظيفه لأداء بعض المهام في المطعم كتقديم الوجبات للزبائن الا أًن انتشاره ضعيف ومحدود في سوق العمل العراقي، والجدير بالذكر أيضاً أًن هناك بعض الدول قد اعطت للروبرت العامل امتيازات كمنحه الجنسية مثالها الروبرت العامل(صوفيا) الذي تم توظيفه في احد المطاعم الصينية مقاطعة((Heilongjiang الصينية، ليصبح اول روبرت عامل يحمل جنسية الدولة التي يعمل بها[4].

 

الفرع الثاني: مدى جاهزية سوق العمل العراقي للروبرت العامل

اصبح الروبرت العامل حقيقة في واقعنا الحالي وستصبح بمرور الزمن جزء من واقعنا الذي نعيشه واداة فاعلة في بيئة العمل، وليس من المستبعد ان يتم توظيف الروبرت العامل بشكل متزايد في السنوات القادمة وان يحل محل الايدي العاملة في العديد من المجالات وبضمنها ميدان العمل، ولو بحثنا عن مدى جاهزية سوق العمل العراقي للروبرت العامل لوجدنا  مجموعة كبيرة من المحددات والاسس اللازمة التي تضعف وتعرقل ولوج الروبرت العامل لسوق العمل العراقي او على الاقل التقليل من فرص نجاح هذه التجربة وتبنيها في سوق العمل العراقي ابرزها:

هشاشة البنية التحتية للاتصالات والتكنلوجيا: الروبرت العامل كما ذكرنا عبارة عن هيكل يشبه الانسان، ينفذ قرارات المبرمج وهذا وبطبيعة الحال يحتاج الى وجود بنية واعية للاتصالات والتكنلوجيا لبرمجتها ولتنفيذ القرارات التي يوجهها الفرد البشري، حيث تعد كفاءة البنية التحتية للمعلومات والاتصالات عاملاً اساساً في ولوج الروبرت العامل في سوق العمل العراقي، وعليه لنتمكن من الارتقاء الى بيئة عمل مناسبة تناغم التطور التكنلوجي لابد من حث مؤسسات التعليم والبحث العلمي على تطوير المناهج الدراسية من خلال وضع الخطط المبنية على اسس علمية وفق معطيات تساعد على مواكبة التقدم التكنلوجي الرقمي، اذ من المتوقع في المستقبل القريب ان ينتج عن هذا تغيرات في هيكل الطلب على العمالة اليدوية اذ ستختفي بعض المهن  وينشأ طلب جديد على مهن اخرى الامر الذي يلزم اعادة النظر للبحث في كيفية مسايرة هذه الثورة التكنلوجيا وفي تلبية متطلباتها والمساهمة فيها[5].

غياب الثقافة الرقمية: ان السمة المميزة لبدنا هي عزلته عن التقدم المعاصر اذ لازال سوق العمل العراقي يعمل بذات الآليات والطرق والوسائل التقليدية، في حين نرى ان دول اخرى ومنها دول الجوار كدولة الامارات العربية المتحدة وتركيا ودول الخليج بدأت ومنذ فترة طويلة باستخدام وسائل الذكاء الاصطناعي كالروبرت العامل واستطاعت الوصول الى سوق العمل الرقمي بشكل فعلي، مما انعكس على الواقع الاقتصادي وجعله في مستويات متقدمة، ولم تقف عند هذا الحد بل قامت تلك الدول بتطوير مهارات اليد العاملة البشرية من خلال تدربيهم على نظم المهن الحديثة من اجل تنميتها وتطويرها وتثميرها، اما الاعمال الروتينية التقليدية التي لا تحتاج الى خبرة فتركتها للروبرت العامل[6].

ضعف القوانين والتشريعات: قانون العمل العراقي رقم(37) لسنة 2015 قانون حديث النشأة ولايزال يشهد غياب ارضية قانونية خصبة فالأحكام والقواعد القانونية التي وضعت لتنظيم العمل تحتاج الى تطور لمواكبة الطبيعة المتغيرة لبيئة العمل، والى ضرورة تكييف قوانيننا ولوائحنا وسياستنا وتطويرها لتكون قادرة على مسايرة التغيرات الهيكلية للعمل والتي تخلفها التكنلوجيا المتقدمة، وعليه ندعو المشرع العراقي الى استحداث قواعد قانونية تساير المستجدات التكنلوجيا، بل ان الامر يتطلب ان تتم صياغة تلك القواعد القانونية وفق احدث تجارب الدول الناجحة بما يخص الروبرت العامل لجعلها منسجمة مع متطلبات بيئة العمل بحيث يتم استيعابها واستخدمها بما يتلاءم مع معطيات سوق العمل العراقي.

 

المطلب الثاني: العمل المأجور وعناصره

العمل المأجور، هو عبارة عن اتفاق بين صاحب العمل وبين العامل البشري على ان يقوم الاخير بإداء عمل تحت توجيه واشراف صاحب العمل لقاء اجر معين، ومن التعريف المتقدم يتضح ان العمل المأجور يقوم على ثلاثة عناصر، اولها عنصر العمل ويقصد به (“كل جهد انساني فكري او جسماني يبذله العامل لقاء أجر سوءاً كان بشكل دائم ام عرضي ام مؤقت ام موسمي”) المادة(1) من قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015، وعليه يدخل في مضمونه كل ما يبذله الانسان مقابل اجر ويخرج من مضمونه الجهد الذي يبذل من غير الانسان، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما طبيعة عمل الروبرت العامل؟ هل يعد بمثابة العمل ويأخذ الطبيعة القانونية للعمل ام يأخذ منحى بعيد عن العمل، ليس هذا فقط بل لو نظرنا للعنصر الثاني الا وهو الاجر وهو عنصر اساسي من عناصر العمل المأجور والذي يعد متحققاً متى ما حصل العامل على مقابل للعمل الذي يؤديه ازاء صاحب العمل وسواء كان نقداً او عيناً أياً كان نوعه[7]، فاذا كان دون مقابل فانه يخرج بذلك عن مضمون العمل المأجور.

     وعليه يتضح لنا ان العنصر الثاني لا ينطبق كذلك على ما يقوم به الروبرت العامل اذ انه يعمل بدون اجر، ومن النظر للعنصر الاخير الا وهو معيار التبعية القانونية وهي عنصر اساسي لتطبيق قانون العمل بالنص عليها وفقاً للمادة(1/ تاسعاً) فانة يجب ان يكون العامل في مركز خضوع لصاحب العمل بتلقيه الاوامر من صاحب العمل[8]، يبدو لنا ان هذا المعيار يتحقق بالنسبة لعمل الروبرت اذ يقوم بتنفيذ اوامر صاحب العمل وفقاً لما تم برمجته عليها، وفي الحقيقة ان اغلب الفقه المعاصر اكتفى بالعنصر الاخير من البقية لتطبيق قانون العمل، كما ان تطور الحياة ومقتضيات المنفعة العامة في الوقت الحاضر هي وحدها تعطينا المبرر الحقيقي والواضح للخروج على المألوف من اجل التصدي للتحديات التي تواجه سوق العمل العراقي وتحقيق النفع العام او المصلحة العامة، وعليه يكون الغرض من ادخال الروبرت العامل الى قانون العمل هي سد الحاجات واستيعاب النمو المتزايد على قوة الطلب من خلال توفير المنتجات ولا تتوقف عند حد سد الحاجات وانما للتخفيف من الجهد الانساني وانجاز بعض الاعمال بجهد اقل، وعليه وفي هذا الصدد ندعو المشرع العراقي ان يقوم بتنظيم هذا النوع من العمل لتوطين التقنيات الرقمية بما يوكب التشريعات العراقية لنظيرتها العالمية وملائمتها مع المستوى العالمي ويجعل من هذا النوع من العمل فرصة لزيادة الانتاج المحلي وبما يحقق التنمية الاقتصادية للبلاد.

 

المبحث الثاني

أَثر الروبرت العامل على مستقبل العمل الماجور

لقد كان للتكنلوجيا والابتكارات اثر كبير على بيئة العمل ادت لتحوله من صورته التقليدية الى العمل بواسطة اليد الاليه(الروبرت)، ولم يعد استخدامه مجرد حلم يراود البعض او ضرب من الخيال بل اضحى حقيقة واقعية تحاكي القدرات البشرية بل قد تفوق عنها، وبالرغم من ذلك فان استخدام الروبرت في تنفيذ العمل له ايجابياته وسلبياته وهذا ما سوف نتناولها في فرعين الاول نتناول فيه ايجابيات الروبرت على مستقبل العمل اما الفرع الثاني نوضح فيه سلبيات الروبرت على مستقبل العمل، وعلى النحو الاتي:

الفرع الاول: ايجابيات الروبرت العامل على مستقبل العمل

      اتسمت الروبوتات العاملة بالعديد من الايجابيات التي جعلتها محط انظار لدى مختلف الدول، واسهمت هذه الايجابيات برغبة اصحاب العمل بالاستعانة بها بل وتفضيلها في بعض الاحيان على اليد العاملة البشرية لتلبية متطلبات السوق وتحقيق اهداف العمل والتعزيز الانتاجي وعليه سوف نأتي لذكر ابرز ايجابيات الروبرت العامل على مستقبل العمل من خلال ما يأتي:

تقليل تكاليف الايدي العاملة البشرية: ان الاستعانة بالروبرت العامل في انجاز بعض الاعمال سيؤدي بلا شك الى التقليل من الكوادر البشرية بغية تخفيض تكاليف الانتاج[9]، اذ افسحت المصانع والشركات والمؤسسات مجال العمل امام الروبرت واستغنت بالفعل عن جحافل من العمال الذين اعتادوا العمل وخاصة بعد ظروف كرونا التي اجتاحت العالم لاستمرار العمل دون توقف اذ تم الاستعانة في العديد من الدول بالعامل الروبرت، وبطبيعة الحال فان ادخال الروبرت في تنفيذ الاعمال سوف يقلل من تشغيل الايدي العاملة البشرية كما ويؤدي الى تخفيض من النفقات القوى العاملة من ناحية التدريب الايجار الغذاء الحوافز المكافأة وغيرها فضلاً عن توفير الوقت واختصار الزمن، وعند امعان النظر في العلاقة بين التكنلوجيا والعمالة  نلحظ تماسكهما فمثلاً الطبيب والتصوير بالأشعة والعامل والآلات الرش الزراعية الحديثة، فهنا التكنلوجيا لن تستبدل الطبيب او العامل وانما اعادة هندسة بعض اعمالهم وتخفيف من اعباءهم.

وبالتالي لن تستبدل الروبرت العامل اليد العاملة البشرية ولكنها ستزيد بلا شك من قدراتهم المعرفية والجسدية فتركيز العمال سيصبح اكثر فاعلية على الاعمال والمهام التي لا تستطيع الروبرت العامل القيام بها، كما ان التحولات التي يشهدها العالم اليوم في ظل العصر الرقمي وفي ظل تزايد حاجة المستهلكين للسلع والبضائع وامام هذا التحول الرقمي فان المصانع التجارية ستقف صماء اذا لم يتم استخدامها والاستفادة منها بالشكل المطلوب[10].

زيادة الكفاءة الانتاجية والحد من الاخطاء البشرية: كما هو معروف ان طبيعة البشر غير معصومين من الخطأ حيث ان العمل اليدوي يغلب عليه في كثير من الاحيان عليه الخطأ والنسيان وعدم مطابقته الكلية والدقيقة لما هو مطلوب، بينما تقنية الروبرت العامل تتمتع بدقة واتقان وكفاءة عالية في انجازها لمهامها ولا يمكن ان تخرج عن المؤلف في اداء الوظيفة التي برمجت للقيام بها لذا تعتبر البديل الامثل لليد العاملة البشرية بالأخص في الصناعات التي تشكل خطورة على حياة البشر، وكما سيسهم في حل مشكلة نقص المهارات لدى العمال.

تخيف من وطأة الضغط على العمال: لقد اضحى دمج وادخال الروبرت العامل في العملية الانتاجية ضرورة عصرية لموكبه التطور الحاصل ولتلبية الاحتياجات المستمرة والمتزايدة للبشر،  ففي المجتمعات الصناعية وخاصة الدول الاوربية المتقدمة تتجه الى الاستعانة بالروبرت العامل للقيام بالأنشطة الروتينية التقليدية التي تتطلب اوقات طويلة لإنجازها[11] بهدف التخفيف من عبء العمل على العامل وتوفير المرونة في الاعمال الصناعية وبالأخص الاعمال التي لا تتطلب قدرات ومهارات عالية لإكمالها، اذ ان عبء العمل يؤدي الى كثرة الاخطاء في الاداء وفقدان الدافعية للعمل اضف الى ذلك تدني مستوى صحة العامل لذلك فهو مهم لأراحه العمال في القيام بالأعمال الروتينيه المعقدة التي تتطلب التكرار ولا يمكنهم القيام بها طوال الوقت، بل ساعدت العقل البشري بالتفكير وفي اتخاذ بعض القرارات[12].

 

الفرع الثاني: سلبيات الروبرت العامل على مستقبل العمل المأجور

    على الرغم من الايجابيات التي اتسم بها الروبرت العامل في إسناده لبعض المهام، الا ان هناك بعض السلبيات التي وجَهت للروبرت العامل، وهذه السلبيات ناتجة من طبيعة وحداثة استخدام الروبرت العامل في بيئة العمل لاسيما في الدول النامية لان الدول المتقدمة قادرة على استيعاب التطورات التي تحدث ولا تعاني من قلة فرص العمل والفقر مثلما تعاني منها الدول النامية، وابرز السلبيات هي:

انتشار البطالة: ادخال الروبرت العامل الى سوق العمل سيؤدي بلا شك الى تقليل الوظائف وتقليص الايادي العاملة بحجة تعزيز القدرة التنافسية مما يؤدي الى فقدانهم لفرص عملهم خصوصاً البلدان النامية التي تعاني من ارتفاع عدد السكان وزيادة في القوى العاملة[13]، كما سيؤثر سلباً على الطبقة العمالية غير المنتظمة الذين يتحركون من عمل الى اخر لتغطية نفقات المعيشة على اعتبار ان هذا الكيان الشبيه بالإنسان سيكون بديلا عن اليد البشرية اذ لا يمكن للإنسان ان يضاهيه من حيث الفعالية والقدرة على العمل على مدار الساعة بدون تعب او ملل وبالتالي فان ادخال الروبرت العامل سيؤثر في هيكل العمل لاسيما المهام التقليدية الروتينية مما يسبب بارتفاع نسبة البطالة دون تعويضها بأعمال اخرى[14]، ويتخوف بعض القانونين المختصين بقانون العمل من ان تحل الروبرت العامل محل بعض الوظائف التقليدية بما سيؤدي الى ارتفاع البطالة عموماً وبطالة فئات معينة دون غيرها واطلقوا عليه مصطلح سمي(البطالة التكنلوجيا)[15].

تداعيات اجتماعية: ان العمال عندما يعملون على تنفيذ خدمة معينة فانه سوف يتداخل البعد الانساني والاجتماعي مع البعد الاقتصادي مما يتولد عن ذلك محيط اجتماعي وعلاقات عمالية انسانية فيما بينهم عن طريق مساعدة بعضهم البعض لديمومة العمل، وبالتالي فان وجود الروبرت العامل في مكان العمل سوف يؤدي بلا شك الى فقدان العلاقات العمالية مرونتها التقليدية وتتحول طرق التفكير والتفاعلات البشرية من التعقيد المفيد الى التنمط ولو كان منتجاً ويصبح الهدف من العلاقات الانسانية مادياً بعدما كان في الاساس معنوياً.

عدم امكانية التبوء بالأفعال الضارة التي تصدر منه: الروبرت العامل تقنية جديدة ذات طبيعة خاصة لخلوها من الصفات التي يتمتع بها الشخص الطبيعي[16]، لذلك لا يمكن التنبوء بما قد يصدر منها من افعال ضارة ولو نتوقف قليلاً عند هذه النقطة ونتساءل ماذا سوف يحل بالشخص الي سوف يعيق عمل الروبرت اثناء تأديته مهامه؟ على سبيل المثال لو قام احد الاطفال في المطعم بمحاولة اعاقة الروبرت العامل عن القيام بوظيفة بتقديم الطعام للزبائن على سبيل الدعابة فان الروبرت العامل سيتعامل مع هذا الموقف باعتباره تهديداً يعوقه عن القيام بعمله وقد يتسبب بمقتل ذلك الطفل من اجل تنفيذ مهامه التي صمم من اجلها، فضلاً عن خطورة انفجار الروبرت العامل او تعطله وغيرها من الحوادث غير متوقعة لذا لا يمكنها التكيف مع الظروف المحيطة به فالروبرت العامل يعمل كما هو مبرمج فقط.

العامل الروبرت ذو قدرات محددة: مما لاشك فيه البشر هم المهيمنون على وجه الارض لان الله سبحانه وتعالى قد منح الانسان امتيازات لا نظير لها ولا يمكن لتلك الشخصية الالكترونية ان تحل محل العقل البشري خصوصاً الاعمال التي تحتاج الى الافكار الذهنية او الحواس الطبيعية او اللغة الانسانية، وعليه لا يمكن الاستغناء عن الذكاء البشري بسبب القدرات المحدودة للروبرت العامل.

الخاتمة

بعد البحث في تفاصيل هذه الدراسة والدخول في حيثياتها، يتوجب علينا ان نحدد ابرز الاستنتاجات واهم التوصيات التي خلصنا اليها وذلك في فقرتين:

اولاً - الاستنتاجات:

 الثورة التكنلوجيا اجتاحت شتى مفاصل الحياة ومن ضمنها مجال العمل وغيرت كثيراً من حاضر البشرية اليوم مما قادت الى خلق الروبرت العامل وهو احدى الاساليب التي تبنتها وادخلتها معظم الدول الى قطاع العمل لرفع القدرة الانتاجية وتحقيق التنمية الاقتصادية.

 الروبرت العامل هي كيانات صممت لتكون بديلاً عن اليد العاملة في الاعمال الروتينية، حيث يتم برمجيتها للقيام بعمل معين فهي تتعلم من المدخلات التي يضعها المبرمجون لتقوم بالأعمال الموكلة اليها واثناء قيامها بذلك تتخذ قرارات مستقلة طوال العملية للتحكم في شكل العمل الجديد.

للروبرت العامل العديد من الايجابيات التي تتسم بها من حيث تقليل التكاليف من خلال تقليل الاعتماد على الايدي العاملة وزيادة الكفاءة الانتاجية والحد من الاخطاء البشرية كما وتلعب دور في التخفيف من وطأة الضغط على العمال.

رغم ما يحققه الروبرت العامل من ربح للوقت وزيادة في الانتاج فهي علاوة على ما ذكر اعلاه لها لا تخلو من الجوانب السلبية منها انتشار للبطالة  وعدم التنبؤ بما قد يصدر من الروبرت من افعال ضاره وكما ويتسم الروبرت بقدراته المحدودة اذ لا يمكنه الخروج عن ما هو مبرمج له.

 

ثانياً- التوصيات:

نشر ثقافة الروبرت العامل من خلال اقامة الدورات وندوات والمحاضرات الالكترونية المجانية والتوعية حول التقنيات التكنلوجيا واهميتها في مجال العمل لمواكبة التحول الرقمي.

اصدار تشريعات وقوانين مناسبة لهذا النوع من العمل من اجل مواكبة التشريعات العراقية لنظيراتها العالمية وملائمتها على المستوى العالمي والاستفادة من تجارب الدول السابقة للوصول الى الاهداف المرجو منها.

تفعيل الروبرت العامل في بيئة العمل وتسخيرها للقيام بالأعمال الروتينية التي تتطلب اوقات طويلة لإنجازها ولا تحتاج لخبرة ومهاره، فالروبرت وجد لمساعدة العمال على القيام بعملهم بشكل لفضل، كما وينبغي تنمية القدرات البشرية وتطويرها من خلال عمل دورات مجانية للعمال والتي يمكن ان تساعد على تطوير امكانياتهم وتعزيز مهاراتهم من اجل زيادة فرص العمل اللائق لهم لأخذ ادورهم في المستقبل ولتصبح الركيزة في العصر الرقمي، اما فيما يتعلق بمشكلة البطالة نرى ان البطالة موجوده قبل وجود الروبرت لأسباب اقتصادية وازمات عالمية.

ضرورة الاستثمار الايجابي للتكنلوجيا لصالح بيئة العمل من خلال دعم المشاريع والمنشئات التي تتجه نحو تفعيل الروبرت العامل في العمل وتوظيفها بالشكل الصحيح الذي يعمل على رفع مستوى الانتاج كماً ونوعاً وفق اسس علمية.


[1] الان بونيه، الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله، ط 1، عالم المعرفة، 1993،ص43.

[2] ايهاب خليفة، الذكاء الاصطناعي تأثيرات تزايد دور التقنيات الذكية في الحياة اليومية، اتجاهات الاحدث، ابو ظبي، ص63.

[3] صفات أمين سلامة، تكنلوجيا الروبوت رؤية مستقبلية بعيون عربية، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، الطبعة الأولى، ٢٠٠٦،ص11.

[4] الان بونيه، الذكاء الاصطناعي الطموح والاداء، دار الكندي للنشر والتوزيع ، الطبعة الاولى، الاردن، بدون سنة.

[5] صباح نعوش، التنمية التكنولوجية الخليجية، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ابو ظبي،ع175، 2012،ص49.

[6] هند عبد المجيد حمادي ووفاء جعفر امين، سوق العمل من التقليدية الى الرقمية، المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية، كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية،ع69، 2021، ص41.

[7] د. عدنان العبد ويوسف الياس، قانون العمل ،المكتبة القانونية ، بغداد، بدون سنة نشر، ص7.

[8] د.احمد شوقي عبد الرحمن، انقضاء عقد العمل ، منشاة المعارف، الاسكندرية،2012،ص33.

[9] جيرمي ريفيكن، نهاية العمل تضاؤل القوى العاملة العالمية وبزوغ فجر حقبة ما وراء السوق، دار الفارابي للنشر(مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم)،ط1، 2009، ص29.

[10] حسن محمد عمر الحمراوي، اساس المسؤولية المدنية عن الروبرت بين القواعد التقليدية والاتجاه الحديث، مجلة كلية الشريعة والقانون  ، الجزائر، دقهلية، ع23، 2021،ص33.

[11] احلام بن شريف، بو عرارة صالح، اثر التطور التكنلوجي على ابرام عقود العمل، بحث منشور في مجلة العمل قانون العمل والتشغيل، مجلد 31،ع7،2021، ص3.

[12] محمد حسن جمعة، ضغوط العمل وعلاقتها بالرضا الوظيفي لدى المشرفين التربويين، رسالة مقدمة الى الجامعة الاسلامية ، كلية التربية، فلسطين، 2012، ص42.

[13] سهير عبد داوود و نعمة عبدالله الفخري، الاثر الاقتصادي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بحث منشور في مجلة زراعة الرافدين ،جامعة الموصل، مجلد 47،2019، ص27.

[14] علي حمزة عباس و عماد صالح الحمام، التسريح الاقتصادي، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، جامعة بغداد، ع2، 2018، ص7.

[15] مجموعة البنك الدولي، تقرير عن التنمية الرقمية والطبيعة المتغيرة للعمل، الامم المتحدة، 2019.

[16] Sandra Oliveira , Le Responsabilité civile dans les cas de dommages causés par les robots , Mémoire maître , Université de Montréal , 2016,p 66.