تاريخ التقديم 20/5/2023         تاريخ القبول 15/8/2023     تاريخ النشر 25/10/2023

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/8dzgw768

 

إعادة الاعتبار التجاري للمفلس

Commercial rehabilitation of the bankrupt A comparative study

 

م.م. علي فضالة موسى

جامعة النهرين - كلية الحقوق

Assistant teacher

Ali Fadalah Musa

AlNahrain University - College of law

afthell2008@gmail.com

المستخلص

التاجر إذا أشهر إفلاسه تترتب عليه آثار عديدة  تتعلق بالدائنين وبالمفلس المدين ، ومن أهم الآثار المتعلقة بالمفلس سقوط اعتباره التجاري وحرمانه من بعض الحقوق التي كان يتمتع بها قبل شهر إفلاسه . وان رد الاعتبار التجاري للمفلس يمحو كافة آثار الحكم بالإفلاس التي لحقت بالتاجر أو الشركة التجارية ، وخاصة تلك الماسة بحقوقه السياسية والمهنية ، حتى يسترجع مكانته التجارية والمجتمعية التي كان ينعم بها قبل إفلاسه ، فإعادة الاعتبار التجاري كإعادة الاعتبار الجزائي حسب ما تقرره القوانين سواء التجارية أم الجنائية . فعند إشهار الإفلاس من قبل التاجر يصبح كإنما ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون كون أن الدائن في هذه الحالة يصبح مدينا لآخرين وجب عليه تسديد الديون الملقاة على عاتقة ، وإلا حكمت المحكمة عليه بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لتسديد الديون التي بذمته . وإذا ما انتهى الإفلاس يعود هذا التاجر المفلس إلى حياته الطبيعية واسترداد مركزه في المجتمع وفتح باب التوبة أمامه والتخلص من وصمة العار التي لحقت به  ومباشرة أعماله والتمتع بحقوقه وامتيازاته سواء المهنية منها أو السياسية . وهذا ما سنحاول بيانه في بحثنا .

 

الكلمات المفتاحية : رد الاعتبار ، الإفلاس ، التاجر ، المفلس ، الدائن ، المدين ، الديون ، الشركات

 

Abstract

If the merchant does not announce it, its effects will have its effects with the creditors, and the effect of the debtor, and one of the most important effects in the commercial field is that returning the commercial consideration to the bankrupt erases all its effects. Ruling on the bankruptcy of the merchant or the commercial company, especially the one who wants it and the professional, until he regains the commercial and societal position he enjoyed before his bankruptcy, before bankruptcy , commercial rehabilitation is like penal rehabilitation according to what is decided by the law , whether commercial or criminal . When the merchant declares bankruptcy , it becomes as if he has committed a crime punishable by law , since in this case the creditor becomes a debtor to others , and he must pay the debts incurred by him, otherwise the court will order him to seize movable and immovable funds to pay off the debts he owes .If the bankruptcy end , this bankrupt merchant returne to his normal life , recovers his position in society , opens the door to repentance before him , gets rid of the stigma that befell him , resumes his business , and enjoys his rights and privileges , whether professional or political . This is what we will try to show in our research .

 

key words: Rehabilitation, Bankruptcy, Merchant, Bankrupt, Creditor, Debtor, debts, Companies

المقدمة

أولاً : موضوع البحث

إن إفلاس التاجر بسبب عدم وفاء ديونه ، أو أي سبب آخر يؤدي إلى إشهار إفلاس التاجر ، ترتب عليه آثار سقوط اعتباره التجاري  . وهو ما يترتب عليه حرمانه من حقوقه السياسية والمدنية ، فلا يحق له أن يكون ناخباً أو عضواً في المجالس النيابية والمجالس المحلية وغرف التجارة أو النقابات المهنية ، ولا يحق له أن يكون عضواً أو مديراً لأي شركة. إذ أن الشخص قد يرتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قوانين العقوبات سواء كانت هذه الجريمة بقصد أو بدون قصد ، وبالتالي ستفرض عليه عقوبة وهو أن يفقد اعتباره ( الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي ) ، وبعد فرض العقوبة واخذ كل ذي حق حقه ، لا يفترض ان تبقى العقوبة ملتصقة به طيلة حياته، فقد يتراجع الشخص ويندم على فعلته أو قد يسامحه ويبرؤه خصمه ، أو قد يقوم بالوفاء بالتزاماته التي تقررت اتجاهه بخصوص تلك العقوبة . لذلك إذا توافرت شروط رد الاعتبار التجاري للمفلس أجازت المحكمة برد الاعتبار ، والذي يعتبر محو للآثار التي تنشأ بسبب الوقوع في الإفلاس ، وبهذا يحق له العودة لممارسة عمله الذي كان يمارسه قبل إشهار إفلاسه .وهذا الأمر يعتبر واحد من الحقوق العامة أو ما يسمى ( بإعادة الاعتبار) أو رد الاعتبار . وهو تشجيع ومساعدة المحكوم عليه لكي يسلك الطريق القويم ويمارس حياته العادية كمواطن صالح متحرر من كل خوف او قلق على مستقبله وعلى سمعته ،ويعتبر رد الاعتبار حاجة ملحة لتحقيق العدالة الأمر الذي يجب أن يكون وفق إطار تشريعي ووفق القوانين التي يسودها العدل . ويعمل القضاء على مراعاة هذا الأمر عند إصدار الحكم ،وقد اشترطت معظم التشريعات لرد الاعتبار أن تمضي مدة معينة من فرض العقوبة ويكون أما رد اعتبار قضائي بتقديم طلب من المحكوم عليه ، أو يكون رد اعتبار بقوة القانون .

 

ثانياً : مشكلة البحث

تكمن المشكلة الرئيسية في بحثنا هذا مدى مقدرة المفلس بعد رد اعتباره على ممارسة أعماله كما كان يمارسها في السابق من حيث تعامل الدائنين مع والتجار الآخرين ، ومدى تمتعه بالحقوق والامتيازات التي كان سابقا يتمتع بها قبل إشهار إفلاسه ؟ هذه المشكلة الرئيسية تترتب عليها عدد من الإشكاليات تتمثل في :-

ما المقصود بإعادة الإعتبار التجاري للمفلس وكيف يمكن تمييزه عن إعادة الإعتبار الجزائي

هل ان إعادة الاعتبار التجاري قضائي فقط أم انه قانوني وقضائي من وجهة نظر الفقهاء والمشرعين ؟

ما هي أهم الإجراءات التي يجب على التاجر المفلس إتباعها عند رد الإعتبار التجاري له ، وحسب ما نصت عليه القوانين في هذا الصدد .

 

ثالثاً : أهمية البحث

تكمن أهمية البحث بأن التاجر المفلس عند إعادة رد إعتباره يستطيع ممارسة كافة حقوقه وان تعود حياته إلى المجتمع طبيعية بحيث يستطيع التمتع بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية وغيرها من الحقوق التي حددتها القوانين .

 

رابعا : منهجية البحث

سنتناول البحث وفق باستخدام المنهج الوصفي من خلال دراسة حالة رد الاعتبار التجاري وحسب ما تناولتها القوانين وكذلك المنهج الاستقرائي من خلال تناول هذا الموضوع من كافة جوانبه القانونية من حيث التعريف والتمييز والأنواع والإجراءات .

 

خامسا : هيكلية البحث

سنتناول هذا البحث من خلال تقسيمه إلى مبحثين الأول سيتناول التعريف برد الإعتبار التجاري للمفلس لغة واصطلاحا  وتمييزه عن رد الاعتبار الجزائي و إنواعه القانوني والقضائي أما المبحث الثاني فسنتناول فيه الإجراءات التي يجب على المفلس إتباعها لإعادة اعتباره في المجتمع .

المبحث الأول

ماهية إعادة الاعتبار التجاري للمفلس

تترك بعض الأحكام الجزائية آثاراً وخيمة على الفرد ، وان رد الاعتبار التجاري على غرار رد الاعتبار الجزائي ، إذ أن انتهاء إفلاس التاجر يرجع له الحق بالتصرف بأمواله وإداراتها ، لكنه يبقى محروماً من ممارسة بعض حقوقه المهنية والسياسية ،فرد الاعتبار هو استرداد المفلس مركزه في المجتمع والتخلص من وصمة العار الذي لحق به ، وللتكلم عن معنى إعادة الاعتبار والتميز بينه وبين ما يشتبه به والإضافة إلى التكلم عن أنواع إعادة الاعتبار سنتكلم في هذا المبحث عن التعريف بإعادة الاعتبار التجاري للمفلس وتميزه عما يشتبه به من خلال المطلب الأول أما المطلب الثاني فد خصصناه للحديث عن أنواع إعادة الاعتبار التجاري للمفلس .

المطلب الأول: تعريف إعادة الاعتبار التجاري للمفلس وتميزه عما يشتبه به

أن فكرة إعادة الاعتبار ليست وليدة التشريعات الحديثة  إذ أنها تمتد نشأتها إلى القوانين القديمة، إذ أنها تبين معاقبة المدين الذي لا يفي بتعهداته اتجاه دائنيه . وفكرة العقاب تجلت بصورة خاصة في القوانين الأجنبية القديمة , حيث يكون المدين مسؤولاً جزائياً عندما يعلن شهر إفلاسه ، أو على الأقل يعتبر مرتكباً فعلاً شائناً .ولتسليط الضوء على تعريف إعادة الاعتبار وتميزه عما يشتبه به سنتكلم في هذا المطلب عن تعريف إعادة الاعتبار من خلال الفرع الأول أما الفرع الثاني فخصصناه للحديث عن تميز إعادة الاعتبار عما يشتبه به من خلال الفرعيين القادمين :

الفرع الأول: تعريف إعادة الاعتبار التجاري وتمييزه عن رد الاعتبار الجزائي

تعرف الإعادة  لغوياً بأنها صرف الشيء ورجعه ،  وهو مصدر يرده ، رداً، ومرداً[1]. والإفلاس في اللغة مصدر أفلس يقال أفلس الرجل إذا صار إلى حال ليس له فلوس ، أو صار ذا فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة[2].

تعددت المعاني في التعريف التي يحملها لفظ الاعتبار حسب الاستعمال والسياق فمن معانيه الاختبار والامتحان ، مثل اعتبرت الدرهم فوجدتهما ألفاً , ويأتي بمعنى التدبر والنظر للتوصل من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد , من اجل الاتعاظ , ويكون الاعتبار بمعنى الاعتداد بالشئ وهذا المعنى هو المراد بالاعتبار في هذا البحث ، فالحقوق المعتد بها فقهاً ونظاماً والتي سقطت عن التاجر لاي سبب ترجع إليه بعد سقوطها وحرمانه منها[3].

ويعرف إصطلاحاً بأنه تمكين المفلس من استعادة الحقوق التي سقطت عنه , واسترداد مركزه في الهيئة الاجتماعية ورفع الوصمة التي لحقته في عالم التجارة[4] . كما يعرف بأنه وسيلة قانونية الغرض منها محو الآثار المترتبة على حكم القاضي وكل ما نتج عنه من حرمانه من التمتع ببعض حقوقه , فيصبح المحكوم ابتداء من تاريخ إعادة الاعتبار بمركزه قبل إدانته[5]. فالرد هو إعادة الشيء إلى ما كان عليه بعد سقوطه.

أن رد الاعتبار سواء كان الجزائي أو الإداري أو التجاري يقصد به إزالة أحكام الإدانة سواء كانت الجريمة جزائية أو إدارية أو تجارية بالنسبة للمستقبل ، بشكل تنقضي معه جميع الآثار التي ترتبت على حكم الإدانة ، إو الحكم عليه بشيء ويهدف رد الاعتبار إلى إعادة الثقة والاعتبار في شخصية الموظف العام ، وكذلك الحال عند المحكوم عليه في الجريمة الجزائية بعد رد الاعتبار إليه[6]. وكذلك بالنسبة للتاجر المفلس بعد توفر الشروط اللازمة فبالإمكان رد الاعتبار إليه . ومما ينبغي ملاحظته هو أن إعادة الاعتبار التجاري يختلف كلياً عن إعادة الاعتبار الجزائي ،فالأول يكون الغرض منه أن يعاد اعتبار التاجر المفلس لكي يتمكن من العودة لممارسة مهنته وهي التجارة وذلك على أساس الثقة التجارية الواجب توفرها فيه قد عادت إليه فيعاد اعتباره ، أما بالنسبة لإعادة الاعتبار الجزائي فهو ذو معنى اشمل وأوسع لأنه يتجاوز حدود التجارة والتجار لكي يشمل كل من ارتكب جناية أو جنحة و أدين عليه بعقوبة لتلك الجريمة ، وهو يأخذ بعدا اجتماعياً ويهدف إلى مساعدة المحكوم عليه بمحو آثار العقوبة التي صدرت بحقه حتى يتمكن من استعادة حقوقه ومكانته الاجتماعية التي فقدها بسبب الإدانة .

نستنتج من ألتعاريف السابقة بان إعادة الاعتبار التجاري هو نظام يهدف إلى إعادة الشخص إلى وضعه التجاري الذي فقده بسبب إفلاسه  وبالتالي تهدف الإعادة إلى رد اعتبار المفلس إلى المقام الأول الذي كان عليه وزوال جميع الآثار المترتبة عليه . وبالتالي تعتبر وسيلة إلى محو كافة آثار حكم الإفلاس التي لحقت بالتاجر أو الشركة التجارية حتى يسترجع مكانته التجارية التي كان ينعم بها قبل إفلاسه.

 

الفرع الثاني: تمييز رد الاعتبار التجاري عما يشتبه به

رد الاعتبار الجزائي هو إسقاط الحكم الجزائي ورد الاعتبار بصفح المجني عليه وفي التدابير الاحترازية والعفو العام في الأحوال المنصوص عليها بالقانون وبانقضاء فترة التجربة في حال إيقاف تنفيذ الحكم دون ان يقع في خلالها ما يستوجب إلغاءه[7]. إذ أن الحكم على الإنسان بعقوبة جنائية لها آثار كبيرة في المجتمع الذي يعيش فيه وان رد الاعتبار يزيل هذه الآثار وبالتالي يرجع إلى ما كان عليه من اعتبارات إلى ما قبل ارتكابه الجريمة .

أما بالنسبة لرد الاعتبار الإداري فهو إعادة النظر في الجزاءات السابقة التي تم توقيعها على الموظف . او هو التخلص من الآثار المستقبلية للجزاء التأديبي لذا فهي تنصب لمضمون واحد ، وهو إعادة الحقوق التي سقطت, وتم حرمان الموظف او غيره منها بسبب الجزاء الموقع عليه ، والذي تم تنفيذه بالفعل[8].

أما رد الاعتبار التجاري فانه يتعلق بالتاجر إذا أفلس ، وذلك بمحو الآثار المترتبة على الحكم على التاجر بالإفلاس، وان إعادة الاعتبار التجاري هو نظام ثابت وفق شروط محددة لا تختلف من شخص إلى آخر ، ولا يكون إعادة الاعتبار إلا بحكم قضائي أو تصرف قانوني[9].

 

المطلب الثاني: أنواع إعادة الاعتبار

مر نظام إعادة الاعتبار بمراحل عديدة حتى استقر على ما هو عليه الآن ، وفي التشريعات المعاصرة نجد أنها في معظمها تجمع بين إعادة الاعتبار بواسطة القضاء وإعادة الاعتبار بقوة القانون . وحتى نستطيع أن نكون فكرة عن نوعي إعادة الاعتبار فأننا نقوم بدراسة كل نوع على حده .

الفرع الأول: إعادة الاعتبار القانوني

يمكن تعريف إعادة الاعتبار القانوني بأنه رد اعتبار التجار بحكم القانون بعد مرور مدة معينة من إشهار الإفلاس إذا لم يصدر بحقه حكم جديد شرط أن لا يكون إفلاسه احتيالياً . ويعد التاجر مفلس بالتدليس إذا أخفى دفاتره أو بعض منها أو تلفها أو اختلس أو أخفى جزء من ماله أضراراً بالدائنين ، أو اعترف بدين أو جعل نفسه مديناً بمبلغ من المال ليس بذمته[10].

ويتميز إعادة الاعتبار القانوني بأنه لا يحتاج لأي نوع من الإجراءات والتحقيق وان إعادة الاعتبار بحكم القانون ولا يمكن لأي جهة رفض إعادة الاعتبار . فإذ انتقضت المدة القانونية عادت للمفلس الحقوق التي حرم منها , ولا يعني ذلك إعادة جميع الحقوق التي سقطت عنه[11].

إذن رد الاعتبار بقوة القانون معناه أن يسترد المحكوم عليه اعتباره تلقائياً بعد مضي مدة من تنفيذ العقوبة ، أو سقوطها بالتقادم . ولا يكون المحكوم عليه بحاجة لان يصدر حكم قضائي بذلك ، وإنما يعاد الاعتبار إليه وبقوة القانون ، ويتميز نظام إعادة الاعتبار القانوني عن نظام إعادة الاعتبار القضائي في أن الأول لا يحتاج لأي نوع من الإجراءات أو من التحقيق ، وليس فيه من الصعوبات والمخاطر التي يتعرض لها المحكوم عليه عندما يطلب إعادة الاعتبار عن طريق القضاء لان من يطلب إعادة الاعتبار قضائياً قد لا يتمكن من إثبات حسن سلوكه واستقامته فيخفق في الحصول على حكم بإعادة اعتباره .    

ومن الجدير بالذكر أن اغلب التشريعات اختلفت فيما بينها في تحديد الشروط اللازمة لإعادة الاعتبار بقوة القانون ولكن جميعها وبدون استثناء تشترط مضي مدة زمنية تسمى بفترة التجربة  ومن هذه القوانين قانون التجارة الجزائري.

 

الفرع الثاني: إعادة الاعتبار القضائي

هو الذي يتطلب من المحكوم عليه بالإفلاس رفع طلب إعادة الاعتبار إلى القضاء التجاري للنظر في طلبه بعد توافر الشروط اللازمة وإصدار القرار القضائي في ضوء ذلك . وهناك حالات يكون فيها إعادة الاعتبار جوازياً أو اختيارياً تقضي المحكمة بالقبول أو الرفض حسب السلطة التقديرية للمحكمة بشرط الوفاء بجميع الديون على المفلس .أن إعادة الاعتبار القضائي الاختياري للمفلس يتم بشروط اقل قسوة من الشروط التي تتم بها إعادة الاعتبار بحكم القانون وذلك باعتبار أن الأمر يعود للسلطة التقديرية للمحكمة , التي يجوز لها أن ترفض الطلب إذ راودها الشك بنزاهة المفلس , ولها أن تأخذ بعين الاعتبار تصرفات المفلس السابقة للإفلاس واللاحقة له، فالمفلس يخالف مقتضيات النزاهة وحسن النية إذا أخفى قسماً من موجوداته عند إبرام عقد الصلح مثلاً ، أو إذا رفض أن يدفع للدائنين أكثر من تعهداته ألتصالحية، إذا اتضح أن إمكانيته المادية تسمح بذلك خصوصاً إذا تضمن عقد الصلح شرط الوفاء عند الميسرة[12].

وقد وضعت بعض التشريعات ضوابط لإعادة رد الاعتبار ، حتى تكون إعادة نظر الطلب جدية ، فلا تضيع وقت المحاكم بغير مبرر وسكتت بعض التشريعات الأخرى عنها ، فتنص المادة (349) الملغاة من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على انه لا يجوز تجديد طلب رد الاعتبار قبل ستة أشهر على القرار البات برفضه إذا كان سبب الرفض يتعلق بسلوك الطالب ، أما في الحالات الأخرى فيجوز تجديده عند زوال سبب الرفض.

وهكذا يتضح بأنه متى تقدم التاجر المفلس يطلب إعادة الاعتبار ونفذ جميع التزاماته التي قررها القانون ، فللمحكمة أن تجيبه على طلبه وفقاً للسلطة التقديرية لها ، شرط ان يكون المفلس قد أوفى ما عليه من ديون سابقة على شهر إفلاسه ، من أصل الدين والفوائد والمصاريف . حتى ولو كان المفلس قد حصل على صلح تنازل فيه الدائنون عن جزء من ديونه في حين يتعين عليه أداء الجزء غير المتنازل عنه وسواء كانت الديون مضمونة بتأمين شخصي أو عيني[13].

 

المبحث الثاني

إجراءات إعادة الاعتبار وآثاره القانونية

لا يتعامل النظام التجاري مع حالة الإفلاس كقاعدة عامة على أنها جريمة يعاقب مرتكبها ما لم يقترن هذا الإفلاس بالتقصير أو بالتدليس ، ففي هذه الحالة يكون النظر للمحاكم الجنائية التي تطبق العقوبة الجنائية المناسبة وإلا فان الأصل هو النظر فيها لديون المظالم[14]. ويترتب على إعادة الاعتبار زوال كل الآثار الجانبية للمفلس بحيث يسترد المحكوم وضعه على ما كان عليه قبل الحكم ، وسنتكلم في هذا المبحث عن الإجراءات المتبعة لإعادة الاعتبار التجاري للمفلس من خلال المطلب الأول وسنتكلم عن الآثار القانونية المترتبة على إعادة الاعتبار التجاري للمفلس من خلال المطلب الثاني .

المطلب الأول: إجراءات إعادة الاعتبار

أن  قانون رد الاعتبار رقم (3) لسنة 1967  كان  يرسم الطريق للإجراءات المتبعة لإعادة الاعتبار ، إلا أن هذا القانون الغي بقرار رقم 997 في 30 تشرين الثاني 1978 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 2667 عام 1978 . إن هذا القانون كان يعيد الاعتبار للشخص المتهم والذي حكم بالبراءة أو الإفراج .

وتنص المادة أولا من قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم 997 لسنة 1978 والمتضمن إلغاء قانون رد الاعتبار ( يلغى قانون رد الاعتبار رقم 3 لسنة 1967 المعدل كما تلغى المواد من 342 إلى 351 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23  لسنة 1971 المعدل ويلغى كذلك كل نص يشترط لاستعادة المحكوم الحقوق والمزايا ، رد الاعتبار أينما ورد في القوانين والأنظمة )

إذ أن المادة (3) و(4) من قانون رد الاعتبار رقم (3) لسنة 1967 الملغي تشير إلى الإجراءات المتبعة لإعادة الاعتبار وإذا وجدت المحكمة المختصة من المعلومات الواردة ان شروط رد الاعتبار متوافرة تصدر قرارها برد الاعتبار خلال مدة لا تزيد عن العشرين يوماً من تاريخ ورود المعاملة إليها حسب نص المادة (6) من نفس القانون.

ومن الجدير بالذكر بعد أن تم إلغاء قانون رد الاعتبار رقم (3) لسنة 1967 فان القانون الضامن لحق الشخص المتضرر هو القانون المدني رقم 40 لسنة951 [15]. إذ أن القانون المدني يكفل استخدام الحق للفرد العراقي بشرط ان يكون هذا الاستخدام بصورة مشروعة . وان الشخص الذي يستخدم هذا الحق بصورة غير مشروعة يتوجب عليه تحمل المسؤولية في هذا المجال . ويستطيع الشخص المتضرر أن الذي تثبت براءته أن يقاضي من تسببوا له بالضرر .

ويكمن القول أن من أهم إجراءات رد الاعتبار هو أن يقدم المفلس او من ينوب عليه طلب يثبت فيه انه أو في جميع الديون والمصاريف التي أشهر إفلاسه بسبب عدم سدادها .   والتي سماها النظام سندات المخالصة مع الغرماء ،  وعلى المحكمة الاستعلام والتثبت بكافة الوسائل من صحة الوقائع التي أدلى بها طالب رد الاعتبار ، فإذا ثبت لها صدق المفلس تقوم بإعلان طلب رد الاعتبار في المحل الذي أفلس فيه ، وإلصاق إعلانات في مكان بارز يمكن لذوي الشأن من الاطلاع عليه ، وكذلك نشر طلبه في الصحف اليومية[16].

أما في العراق فان المحكمة المختصة برد الاعتبار فهي محكمة  الجنايات حاليا  التي تنظر في الطلب ولها أن تسمع أقوال ممثل الادعاء العام وطالب رد الاعتبار وتجري أو تأمر بإجراء أي تحقيق ترتئيه أو تطلب أي معلومة من أي جهة وتصدر قرارها برد الاعتبار إذا ثبت لها توفر الشروط القانونية لرد الاعتبار . وتبلغ المحكمة قرارها الصادر برد الاعتبار أو برفض الطلب إلى الطالب والى الادعاء العام وترسل صورة من قرارها برد الاعتبار إلى  الدائرة التي ينتمي إليها صاحب الطلب والى المحكمة التي أصدرت العقوبة والى دائرة تسجيل السوابق [17].

 

المطلب الثاني: الآثار القانونية لإعادة الاعتبار

للمفلس أو لورثته أن يطلب من المحكمة إنهاء حرمانه من العقوبة ورد الاعتبار من اجل استئناف حياته طبيعياً دون أي محظورات أو عوائق ، والهدف هو إعادة الحقوق التي سقطت عن المفلس سواء كان هذا الأخير شخصاً طبيعياً أو معنوياً [18]. يترتب على إعادة الاعتبار التجاري للمفلس بعض الآثار . فمتى أعيد الاعتبار إلى المحكوم عليه ، فان الحكم القاضي بشهر الإفلاس والذي كان قد صدر ضده يمحي ويتجرد من آثاره التي كان قد رتبها عند صدوره ، كانعدام الأهلية التجارية أو الحرمان من بعض الحقوق , كتولي بعض الوظائف , وحق الانتخاب ، وسائر الآثار الأخرى[19].

إن إعادة الاعتبار التجاري للمفلس يمكنه من استعادة مركزه القانوني السابق لشهر إفلاسه (أهليته بشكل كامل ) والتي كان يتصف بها قبل شهر إفلاسه . ولا تختلف الآثار القانونية لرد الاعتبار سواء كان رد الاعتبار قضائياً أم كان رد الاعتبار قانونياً ، فان الحكم القاضي بالإدانة والذي صدر ضده فانه يمحى وتزول جميع آثاره ، وإعادة الاعتبار تنصب آثاره للمستقبل ولا تنسحب إلى الماضي .

وعليه فانه بمجرد صدور الحكم برد الاعتبار تنتهي جميع الآثار التي لحق بالمفلس ،ويبطل رد الاعتبار للمستقبل جميع الأحكام الصادرة وتسقط العقوبات الفرعية أو الإضافية أو الاحترازية وما ينجم عنها من فقدان الأهلية .  فيستطيع المشاركة في الانتخابات ، ومزاولة المهن المختلفة بدون أي إجراءات فلا يهم لصق الحكم أو قيده بالسجل التجاري بالإضافة إلى ذلك يسترد المفلس سمعته واحترام الناس وإعادة الثقة بين التجار وفي سوق العمل

الخاتمة

بعد الانتهاء من كتابة كل ما يتعلق بإعادة الاعتبار التجاري للمفلس توصلنا إلى عدد من الاستنتاجات والاقتراحات ندرجها في الآتي: 

أولاً : الاستنتاجات

أن فكرة إعادة الاعتبار ليست وليدة التشريعات الحديثة  إذ أنها تمتد نشأتها إلى القوانين القديمة , إذ أنها تبين معاقبة المدين الذي لا يفي بتعهداته اتجاه دائنيه

إعادة الاعتبار يكون في الغالب على نوعين هو إعادة اعتبار قانوني وهو إعادة اعتبار التجار بحكم القانون بعد مرور مدة معينة من إشهار الإفلاس إذا لم يصدر بحقه حكم جديد شرط ان لا يكون إفلاسه احتيالياً والنوع الآخر هو إعادة الاعتبار القضائي الذي يتطلب من المحكوم عليه بالإفلاس رفع طلب إعادة الاعتبار إلى القضاء التجاري للنظر في طلبه بعد توافر الشروط اللازمة وإصدار القرار القضائي في ضوء ذلك . وهناك حالات يكون فيها إعادة الاعتبار جوازياً أو اختيارياً تقضي المحكمة بالقبول أو الرفض حسب السلطة التقديرية للمحكمة بشرط الوفاء بجميع الديون على المفلس

في حال ما إذا تم رد اعتبار المفلس فيجب عليه القيام بالعديد من الإجراءات  حددتها قوانين التجارة  والتي يجب الالتزام بها ، ومن أهم هذه الإجراءات هو  تقديم المفلس أو من ينوب عليه طلب يثبت فيه انه أو في جميع الديون والمصاريف التي أشهر إفلاسه بسبب عدم سدادها .  

إن الآثار التي تترتب على المفلس عند إشهار إفلاسه تنتهي بمجرد صدور الحكم برد الاعتبار ففي هذه الحالة يحق له ممارسة أعماله والتمتع بكافة الحقوق والامتيازات التي حددها القانون والتي يحق له التمتع بها

 

ثانياً : التوصيات

نظراً لخلو التشريع العراقي من نظام رد الاعتبار بعد أن تم إلغاء هذا القانون بقرار رقم 997 في 30 تشرين الثاني 1978 لذا نقترح تشريع رد الاعتبار ورسم الإجراءات الواجب إتباعها لإعادة رد الاعتبار .

نقترح أن يكون إعادة فقط بمجرد توافر الشروط المنصوص عليها في القانون المقترح في الفقرة أعلاه  .

نقترح عند تحديد مدة إعادة الاعتبار أن يتم التمييز بين الإفلاس بقصد ومن دون قصد إذ تشدد المدة في حال التدليس وفي الحالة الثانية تكون المدة اقل لإعادة الاعتبار للمفلس 


[1] د . شوقي بدر الدين , النظام القانوني لرد الاعتبار الجزائي في التشريع الجزائري, كلية الحقوق والعلوم السياسية , جامعة محمد خضير , /2013/2014, ص12

[2] د. العمر وسيانور , رد الاعتبار في القانون الجنائي والقانون التجاري, الطبعة الأولى , دار الفكر الجامعي , الإسكندرية , مصر , 2000م.ص73.

[3] عبد الله صيفي صياف , رد الاعتبار التجاري في النظام السعودي (دراسة مقارنة) , رسالة ماجستير , مقدمة إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, كلية الشريعة , 2015,ص23.

[4] د. مصطفى كمال طه , الأوراق التجارية والإفلاس , الدار الجامعية للنشر , الإسكندرية , 1997, ص240.

[5] د. مأمون سلامة , قانون العقوبات , القسم الأول , دار الفكر العربي , القاهرة, 1979.,ص13.

[6] عوض بن بطي بن سيف , رد الاعتبار الجزائي والإداري والتجاري في القانون العماني , رسالة ماجستير , مقدمة الى جامعة السلطان قابوس , كلية الحقوق , 2008,ص153

[7] ينظر نص المادة 151 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

[8] عوض بن بطي بن سيف , مصدر سابق , ص188.

[9] عبد الله صيفي صياف , مصدر سابق , ص706.

[10] ينظر المادة 468 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969

[11] دكتور. محمد سامي مدكور ودكتور علي حسن يونس , الإفلاس , دار الفكر الجامعي, ص557

[12] عوض بن بطي بن سيف , مصدر سابق , ص191

[13] عوض بن بطي بن سيف , مصدر سابق , ص188

[14] احمد بن عبد الله بن محمد , رد الاعتبار للمفلس دراسة فقهية مقارنة بالنظام السعودي , المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل (العلوم الإنسانية والإدارية) , المجلد 20, ملحق 2, 2019م ,ص11

[15] ينظر القانون المدني العراقي رقم 51 لسنة 1951

[16] د. يوسف عبد الله بن محمد ،رد الاعتبار التجاري – أحكامه وإجراءاته – دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي , مجلة العلوم الإنسانية والإدارية , جامعة المجمعة , العدد الخامس , 2014,،ص294

[17] ينظر في ذلك المادة 346 من أصول المحاكمات الجزائية العراقي الملغاة .

[18] سمير الأمين ، الإفلاس معلق عليه بأحداث أحكام محكمة النقض ، دار الكتب القانونية ، ص431

[19] د. يوسف عبد الله محمد , مصدر سابق ,ص296