تاريخ الاستلام 1/7/2023                  تاريخ القبول 14/9/2023

تاريخ النشر 25/1/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/d5bjht31  

بيان شروط صحة الاعتراف

في القانون الجزائي الأردني

Statement of the conditions for the validity of recognition

in the Jordanian Penal Code

م. د. يوسف مظهر أحمد العيساوي

جامعة سامراء- كلية التربية

Dr. Yousif Mudhar Ahmed

Samarra University-College of Education

Yousef-ab76@yahoo.com

المستخلص

الاعتراف هو أحد أهم عناصر أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية، وتكمن أهميةُ الاعتراف في تحقيق شروط سلامته موضوعاً، وما يترتب عليه من آثار في الدعوى الجزائية في ظل الأدلة القائمة على قناعة القاضي الوجدانية، وصدوره من المتهم على نفسه بحرية وإرادة واعية.

وأهمية الاعتراف كإجراء جزائي يصدر من أحد أطراف الخصومة الجنائية, وهو المتهم باعتباره عمل طوعي يقرُّ بموجبه شخص بارتكاب الجريمة ممّا يشكل غاية ما تهدف الإجراءات الجزائية لتحقيقه, وهو الوصول إلى الحقيقة، ونسبة الجريمة إلى فاعلها, فكان لازما أن يخضع الاعتراف في تقدير قيمته كدليل إثبات لسلطة المحكمة التقديرية شأنه في ذلك شأن سائر أدلة الإثبات الأخرى.

ولا يعني اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه أن تكون المحكمة ملزمة بالحكم بالإدانة بل من واجبها أن تتحقق من أن الاعتراف قد توافرت فيه شروط صحته, ثم بعد ذلك تبدأ في ممارسة واجبها في تقدير مصداقية هذا الاعتراف فلا بُدَّ من الوصول إلى قناعةٍ بصدق الاعتراف من الناحية الواقعية، ولا يجوز أن تعتمد عليه في الإدانة إِلَّا إذا كان متفقاً مع حقيقة الأمور أما إذا كان متناقضاً معها فلا يصح الاعتماد عليه كدليل إدانة وهذا ما يتم الوقوف علية من خلال خطة البحث.

الكلمات المفتاحية: الاعتراف، الاعتراف الجنائي، الاعتراف القضائي، الاعتراف غير القضائي، الاعتراف القانوني، الاعتراف الشفهي، الاعتراف المكتوب، الاعتراف المدني، الإقرار.

Abstract

Recognition is one of the most important elements of evidence in the criminal case, and the importance of recognition in achieving the conditions of safety is a subject, and the consequences of the criminal case under the evidence based on the conviction of the judge emotional, and issued by the accused himself freely and conscious will.

 And the importance of recognition as a penal measure issued by one of the parties to the criminal dispute, the accused as a voluntary act by which a person is authorized to commit the crime, which is the purpose of the criminal proceedings to achieve, namely the access to the truth and the proportion of the cime to the actor, the recognition must have been valued as evidence Of the discretionary power of the Court, like all other evidentiary evidence.

      The accuseds admission of the charge against him does not mean that the court is obliged to judge the conviction, but rather that it is its duty to verify that the confession has satisfied its health conditions and then begins to exercise its duty to assess the credibility of such recognition. , And it is not permissible to rely on him in conviction unless he agrees with the truth of things, but if it is contradictory with it, it is not correct to rely on it as evidence of condemnation, and this is what is standing on it through the research plan.

Key words: recognition, criminal recognition, judicial recognition, non-judicial recognition, legal recognition, oral recognition, written recognition, civil recognition, recognition.

المقــدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد:

فالاعتراف هو أحد عناصر أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية، وتكمن أهمية الاعتراف في تحقيق شروط سلامته موضوعاً، وما يترتب عليه من آثار في الدعوى الجزائية في ظل الأدلة الاقناعية القائمة على قناعة القاضي الوجدانية، وكذلك صدوره من المتهم على نفسه بحرية وإرادة واعية.

وبالنظر لأهمية الاعتراف كإجراء جزائي يصدر من أحد أطراف الخصومة الجنائية, وهو المتهم باعتباره عمل طوعي يقر بموجبه شخص بارتكاب الجريمة مما يشكل غاية ما تهدف الإجراءات الجزائية لتحقيقه, وهو الوصول إلى الحقيقة ونسبة الجريمة إلى فاعلها, كان لازما أن يخضع الاعتراف في تقدير قيمته كدليل إثبات لسلطة المحكمة التقديرية شأنه في ذلك شأن سائر أدلة الإثبات الأخرى، و لا يعنى اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه أن تكون المحكمة ملزمة بالحكم بالإدانة, بل من واجبها أن تتحقق من أن الاعتراف قد توافرت فيه شروط صحته, ثم بعد ذلك تبدأ في ممارسة واجبها في تقدير مصداقية هذا الاعتراف فلا بد من الوصول إلى قناعة  بصدق الاعتراف من الناحية الواقعية, ولا يجوز أن تعتمد عليه في الإدانة إلا إذا كان متفقاً مع حقيقة الأمور أما إذا كان متناقضاً معها فلا يصح الاعتماد عليه كدليل إدانة.

والاعتراف دليل تحيطه الشبهات ويرجع ذلك إلى أن ماضيه مثقل بالأوزار، فقد لازمت فكرة التعذيب اعتراف المتهم أولا عند اليونانيين، فقد كان أرسطو يرى أن التعذيب أحسن الوسائل للحصول على الاعتراف[1]، ومع هذا فقد تضاءلت أهمية الاعتراف مع الزمن بحيث لم يعد الاعتراف سيد الأدلة وحجة في ذاته كما كان في السابق بل أصبح يخضع دائماً لسلطة المحكمة التقديرية ولقناعة القاضي الوجدانية[2].

مشكلة البحث:

تتضمن مشكلة البحث الإجابة على السؤال  التالي:

ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر في الاعتراف حتى يعد عملا إجرائياً صحيحاً منتجاً لأثره في الإدانة؟

أهمية البحث:

تكمن أهمية الاعتراف في تحقق شروط سلامته، وصدوره من المتهم على نفسه بحرية وإرادة واعية، لذلك لا يعتبر قول المتهم على المتهم الأخر اعترافا، بل يعتبر من قبيل الشهادة.

وتجدر الإشارة أن الاعتراف كان في الماضي يعتبر سيد الأدلة، إذ كانت الجريمة لا تثبت في حق المتهم، إلا عن طريق الاعتراف، لذلك كانت الاعترافات تنتزع عن طريق التعذيب والتنكيل أو وليدة الإكراه المادي أو المعنوي ولهذا تناولت شروط الاعتراف وصحتها لبيان سلامة الاعتراف، وصدوره وفقاً لأسس سليمة.

منهجية البحث:

وسوف اعتمد في هذا البحث أسلوب المنهج التحليلي للنصوص التشريعية والاجتهادات القضائية المتعلقة بشروط صحة الاعتراف في القانون الجزائي الأردني.

المبحث الأول

ماهية الاعتراف وأنواعه

أن الاعتراف من المواضيع المهمة في أثبات التهمة للمتهم لما له علاقة في أثبات الحقيقة، وعليه لابد من استعراض مفهوم الاعتراف لغة واصطلاحا في المطلب الأول، وأنواع الاعتراف في المطلب الثاني.

المطلب الأول: مفهوم الاعتراف

الاعتراف لغة مشتق من الفعل اعترف، والاعتراف بالشيء الإقرار به، يقال اعترف بذنبه أي اقر به[3]، وهو الإقرار، وأصله إظهار معرفة الذنب وذلك ضد الجحود[4].

أما اصطلاحاً فان الفقه لم يستقر على رأي واحد ومحدد في تحديد معنى الاعتراف، فقد عرفه البعض بأنه إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها وهو بذلك يعتبر أقوى الأدلة وسيدها[5].

بينما عرفه البعض الآخر بأنه قول يصدر عن المتهم يقر فيه بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة بعضها أو كلها[6].

وقد عرفه جانب من الفقه الجنائي الاعتراف بأنه إقرار المتهم على نفسه بصدور الواقعة الإجرامية عنه[7].

أما المفهوم القانوني للاعتراف فقد أشار إليه قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في المادة (172/2) بقوله: «إذا اعترف الظنين بالتهمة يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات اقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه ومن ثم تدينه المحكمة وتحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا بدت لها أسباب كافية تقضي بعكس ذلك».

كما تمت الإشارة إليه في المادة (216/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في الفصل المتعلق بالإجراءات أمام المحاكم البدائية في القضايا الجنائية والتي نصت على: «إذا اعترف المتهم يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات اقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه ويجوز للمحكمة الاكتفاء باعترافه وعندئذٍ تحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا رأت خلاف ذلك»[8].

وقد أكدت محكمة التمييز الأردنية ذلك في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم (91/89) حيث جاء فيه مايلي: « إذا كان الاعتراف الذي أدلى به المتهم أمام المحكمة قد جاء مطابقاً للوقائع التي تضمنها قرار الاتهام ولائحة الاتهام اللذين تليا عليه في الجلسة وبعد تخليص الرئيس لمآل التهمة وفقاً لشروط المادة (215) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، فليس ثمة ما يمنع المحكمة من الاكتفاء بهذا الاعتراف في الحكم وتوقيع العقاب عملاً بإحكام المادة (216) منه، وعلى ذلك يكون الاعتراف المذكور بينة صالحة للحكم واعتماد المحكمة عليه في التجريم وتوقيع العقاب اللازم لا يخالف القانون».

المطلب الثاني: أنواع الاعتراف

يقسم الاعتراف على عدة أنواع :

أولا: الاعتراف من حيث السلطة التي يصدر أمامها يقسم على قسمين هما:

الاعتراف القضائي: وهو الاعتراف الذي يتم أمام مجلس القضاء، أي أن يدلي به المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه أمام المحكمة التي تنظر بالدعوى الجزائية.

الاعتراف غير القضائي: وهو الاعتراف الذي يصدر عن المشتكى عليه أو المتهم أو الظنين خارج مجلس القضاء كالاعتراف أمام رجال الضابطة العدلية.

وقد يصدر الاعتراف غير القضائي في مرحلة التحقيق الابتدائي أو مرحلة الاستدلال بل قد لا يصدر أمام إحدى سلطات الإجراءات الجنائية[9].

ثانيا: الاعتراف من حيث الشكل ويقسم على قسمين هما:

الاعتراف الشفهي: وهو الاعتراف الذي يمكن أن يثبت بواسطة محقق الشرطة أو بواسطة كاتب المدعي العام أو كاتب المحكمة المختصة وقد يكون أمام أشخاص عاديين، ويعتبر الاعتراف الشفهي اقل قيمة من الاعتراف المكتوب، فكثير من المعترفين ينكرون اعترافهم الشفهي ويدعَّون أنهم اجبروا عليه باستعمال العنف أو التهديدات والوعود وخصوصاً الاعترافات لدى الشرطة أو خارج مجلس القضاء[10].

الاعتراف المكتوب: وهذا النوع لا يتطلب شكل معين فقد يكون مكتوب بالة كاتبة أو بخط اليد.

ثالثا: الاعتراف من حيث النوع ويقسم الى قسمين هما:

الاعتراف الجنائي: ويذهب جانب من الفقه الجنائي إلى أن الاعتراف في الدعوى الجنائية هو مجرد دليل إثبات وقيمته تخضع لتقدير قاضي الموضوع وذلك، وفقاً لمبدأ الاقتناع القضائي ومن ثم فهو غير مفروض عليه، وله أن يرفض الأخذ به.

أما الاعتراف أو الإقرار في القانون المدني: فذو طبيعة موضوعية، إذ ينطوي على تصرف قانوني ويتضمن نزول المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات الحق الذي يدعيه قبله، وبناء على ذلك كان الإقرار حجة قاطعة على المقر، فلا يستطيع المقر العدول عنه، ولا يملك القاضي أن يطلب من الخصم الذي صدر الإقرار لمصلحته دليلاً، ولا يستطيع أن يرفض القضاء بحقه[11]، لذلك تبين لنا أن مما سبق أن هناك فرق جوهري بين الاعتراف في القانون الجنائي، والاعتراف في القانون المدني، والأخير لا يقبل التجزئة بخلاف الأول الاعتراف الجنائي فإنّه يقبل التجزئة، أمَّا الفرق الثاني فهو أن الاعتراف المدني لا يجوز الرجوع فيه بخلاف الاعتراف الجنائي فإنّه يمكن الرجوع فيه.

المبحث الثاني

الطبيعة القانونية للاعتراف

أن طبيعة الاعتراف هي التي يمكن من خلالها أثبات هذا الاعتراف من عدمه، والاعتراف الذي يمكن أن ينتج أثاراً له، فهذا سوف يتم التعرف عليه من خلال هذا المبحث الذي يقسم إلى مطلبين، المطلب الأول: الاعتراف كعمل قانوني، والمطلب الثاني: الاعتراف كعمل إجرائي.

المطلب الأول: الاعتراف كعمل قانوني

ثار خلاف فقهي حول الطبيعة القانونية للاعتراف، فذهب الفقهاء على اعتباره تصرفاً قانونياً، وذلك لان المُعترِف تتجه إرادته إلى الآثار المترتبة على الاعتراف، ويرى البعض الآخر أن الاعتراف عمل قانوني بالمعنى الضيق وذلك لان القانون وحده هو الذي يرتب الآثار القانونية للاعتراف وليس لإرادة المعترف دخل في تحديد هذه الآثار، حيث أن للقاضي سلطة مطلقة في تقدير قيمة الاعتراف دون تدخل من المعترف، حيث أن الاعتراف كغيره من الأدلة في الدعوى الجزائية خاضع لمبدأ القناعة الوجدانية لقاضي الموضوع الذي له أن يأخذ به إذا اقتنع به وارتاح له ضميره أو أن يطرحه جانباً، وبذلك فان القانون هو الذي يرتب آثار الاعتراف بغض النظر عن إرادة المعترف، فدور الإرادة هنا مقتصر على مجرد الاتجاه إلى العمل دون آثاره، الأمر الذي يترتب عليه نتيجة هامة إلا وهي صلاحية الاعتراف كدليل في الدعوى الجزائية وترتيب آثاره الأخرى مثل الاستغناء عن سماع الشهود ولو لم تتجه إرادة المعترف إلى ذلك، فمثلاً إذا اعترف المتهم بالجريمة بقصد الإبلاغ عن زملائه لا نسبة التهمة إليه فان هذا القصد لا أهمية له في آثار الاعتراف التي أرادها القانون، فطالما ثبت أن إرادة المعترف قد اتجهت إلى الاعتراف كان ذلك وحده كافياً لنشوئه ويبدأ القانون بعد ذلك بترتيب آثار الاعتراف بعيداً عن إرادة المعترف[12].

المطلب الثاني: الاعتراف كعمل إجرائي

لقد ذهب أنصار هذا إلى اعتبار الاعتراف تصرفاً إجرائيا، لان المعترف تتجه إرادته الآثار المترتبة على الاعتراف، فيكون لإرادته دخل في إنشاء وتحديد هذه الآثار القانونية ولكن حتى يكون عملاً إجرائيا لابد أن له صلة بالخصومة الجنائية، أي له اثر في نشوئها أو تعديلها أو انقضائها[13].

وتبدو أهمية هذه التفرقة في مدى خضوع الاعتراف لنظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية، باعتبار أن البطلان لا يعيب غير الأعمال الإجرائية وما عدا ذلك من أعمال مخالفة للقانون فيقال عنها بأنها غير صحيحة أو غير مشروعة، والعمل الإجرائي هو العمل القانوني الذي يرتب القانون عليه أثرا مباشراً في إنشاء الخصومة أو تعديلها أو انقضائها، وسواء كان داخل الخصومة أو ممهدا لها أي لا يشترط أن يكون داخلاً في الخصومة الجنائية ذاتها بل يكفي أن يكون مؤثراً فيها[14].

والخصومة الجنائية هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي تتخذ من وقت إخطار النيابة العامة بوقوع جريمة معينة حتى صدور حكم نهائي فاصل فيها سواء بالإدانة أم بالبراءة[15].

وينقسم الاعتراف بالنسبة للعمل الإجرائي على قسمين هما:

الاعتراف كعمل إجرائي: وهو الذي يصدر أثناء الخصومة الجنائية باعتبار أنها لا تنشأ إلا بتحريك الدعوى الجنائية سواء أمام قضاء التحقيق، أو يصدر خارج الخصومة ثم يؤثر في نشوئها أو سيرها أو تعديلها أو انقضائها كالاعتراف الصادر من المتهم في مرحلة جمع الاستدلالات.

الاعتراف كعمل غير إجرائي: وهو الذي يصدر خارج الخصومة الجنائية سواء في إحدى المجالس الخاصة أو أمام القضاء المدني بشان دعوى مدنية، بشرط أن لا يؤثر في نشوء أو سير أو تعديل أو انقضاء الخصومة الجنائية[16].

المبحث الثالث

 شروط صحة الاعتراف

أن الاعتراف إجراء قانوني يرتب اثر قانونيا في الدعوى بالغ الأهمية إذ قد تقتضي المحكمة بالإدانة إذا ما توفرت لديها القناعة بصحة الاعتراف، وهذا يعني ضرورة توافر شروط محددة كي يكون للاعتراف قيمة قانونية قادرة على تمكينه من ترتيب اثر في الدعوى، لذلك سنتناول في هذا المبحث شروط صحة الاعتراف التي تقسم إلى أربع شروط ونتناولها في اربع مطالب، فالمطلب الأول: أن يكون الاعتراف صادرا عن المشتكى عليه(المتهم)، والمطلب الثاني: أن يكون الاعتراف حراً واختياراً ولا يكون وليد الإكراه المادي أو المعنوي، والمطلب الثالث: أن يكون الاعتراف صريحاً وموافقاً للحقيقة والواقع، والمطلب الرابع: أن يكون الاعتراف ثمرة إجراءات مشروعة.

المطلب الأول: أن يكون الاعتراف صادراً عن المشتكى عليه (المتهم)

ويجب أن يكون الإقرار صادراً عن المشتكى عليه نفسه[17]، أي أن يكون صادراً عن المتهم، والمتهم هو الشخص الذي رفعت عليه الدعوى الجنائية[18]، حيث يشترط في الاعتراف الذي يعتد به والذي يجيز للمحكمة الاكتفاء به والحكم على المتهم بغير سماع الشهود أو النظر والبحث في أدلة أخرى أن يكون صادراً من المتهم على نفسه، وبالطبع لا تطلق صفة المتهم إلا بعد تحريك الدعوى الجنائية ضد شخص ما، و أما قبل هذا الإجراء فان مايدلي به من أقوال يعتبر مجرد استدلال.

ومعنى هذا الشرط أن يكون الإقرار صادر عن المتهم أو المشتكى عليه، ولذا فقد أصطلح على أن حجية الاعتراف قاصرة أي لا يمتد أثرها على غير المتهم فأثرها قاصر عليه فقط وبناء على ذلك فان الأقوال الصادرة من المتهم في الدعوى على متهم آخر فيها لا تعد اعترافا وما هي إلا شهادة من متهم على متهم آخر وتعد من قبيل الاستدلالات ولا ترتب ما يرتبه الاعتراف من اثر ولا يجوز أن تكون كافية  لعدم سماع الشهود، وهذا لا يعني أن يمنع القاضي من التعويل عليها بوصفها جزء من  الاستدلالات إذا اطمأن إليها.

فالقاعدة أن لا يعتبر اعترافاً كل ما صدر عن غير المتهم  مهما كانت صفة هذا الغير وصلته بالمتهم، لذلك فان أقوال متهم على متهم آخر لا تعتبر اعترافاً ولا ترقى لأن تكون دليلاً كاملاً، فقد نصت المادة 148/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أنه: «يجوز الاعتماد على أقوال متهم ضد متهم آخر إذا وجدت قرينة أخرى تؤيدها ... «[19].

وهذا يعني أنه لا يجوز الحكم بناءاً على هذه الأقوال وحدها ما لم تكن معززة بدليل آخر، وهذا أمر بديهي إذ أن المتهم في اغلب الحالات يحاول إبعاد أصابع الاتهام عنه، وتوجيهها نحو غيره.

ومن الأحكام الصادرة بهذا الشأن قرار محكمة التمييز الأردنية الذي جاء نصه: «...إذا قدمت النيابة العامة الدليل على سلامة الظروف التي أدليت فيها أقوال المتهم الحدث مما يعتبر اعترافاً وفق منطوق المادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إلا أن المتهم عاد عن هذه الأقوال أمام المدعي العام والمحكمة وأنكرها فهي بحد ذاتها تكون أقوال متهم ضد متهم ولا يجوز الاعتماد عليها في مواجهة الطاعن إلا إذا وجد في أوراق الدعوى بينات أخرى وقرائن تؤيدها»( قرار محكمة التمييز الأردنية (جزائية) رقم 397/2009 (هيئة خماسية) تاريخ 21/4/2009 منشورات مركز عدالة).

وفي حكم آخر تقرر محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية رقم 69/1954 (هيئة خماسية)

« لا يجوز قبول افادة متهم ضد متهم آخر بلا يمين لانها لا تخلو عادة من الغرض وهو غرض دفع التهمة عن نفسه والصاقها باخرين أو اشراكهم معه خصوصا، وان تلك الافادة يؤديها المتهم بلا يمين ولا تكون عرضة للمناقشة من قبل من اشركهم معه في الجريمة لان للمدعي العام فقط حق مناقشة المتهم عندما يدلي بافادته دفاعا عن نفسه»( قرار منشور على الصفحة 458 من عدد مجلة نقابة المحامين بتاريخ 1/1/1954).

ولا تخرج أقوال وكيل المتهم عن هذه القاعدة فلا تعتبر اقواله اعترافاً، فقد قضت محكمة التمييز الأردنية بأن: « اعتراف وكيل المشتكى عليه بأن موكله قد اقترف مخالفة قانون النقل على الطرق لا يعتبر اعترافاً صادراً عن المشتكى عليه ولا يجوز الاعتماد عليه كبينة في الدعـوى الـجزائية»(تمييز جزاء 66/71 مجلة نقابة المحامين 1971).

« ويؤكد الفقه مبدأ لا وكالة في الاعتراف بقـولـه : « لا يحاسب المتهم عما يسلم به محاميه مما ينكره هذا المتهم، فتسليم المحامي بصحة إسناد التهمة إلى موكله أو بدليل من أدلة الدعوى لا يصح أن يعتبر حجة على المتهم متى كان منكراً له»[20].

بمعنى أن أي اقوال لم تصدر عن المتهم تحديدا لا تعتبر اعتراف واي اجراء يبنى على اقوال الغير باعتبارها اعتراف يقع باطلا, وقد أكدت ذلك  محكمة التمييز بقولها بأن أي قول لم يصدر عن المتهم نفسه لا يعتبر اعترافاً حتى لو كان صادراً عن أقرب المقربين لـه، وعبرت عن صراحة بقولها: « لا تقوم الاعترافات أو الإقرارات الصادرة عن غير المتهم كدليل في القضية كالقول بأن أهل وعشيرة المتهمين قد أخذوا عطوة اعتراف ومن ثم أخذوا عطوة حق فمثل هذا الإجراء ليس دليلاً في الدعوى ولا يقره الفكر القانوني» ( تمييز جزاء 403/96 مجلة نقابة المحامين 1996 ص: 3925).

المطلب الثاني: أن يكون الاعتراف حراً واختياراً ولا يكون وليد الإكراه المادي أو المعنوي

بما أن الاعتراف عمل إجرائي أي تترتب علية آثار قانونية، وكي يعتبر هذا الإجراء صحيحاً وينتج آثاره القانونية لا بد أن يتوافر لدى المعترف الإدراك والتمييز وقت الاعتراف، فلا بد من التأكد من:

أولا: قدرة الشخص على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها:

ويشترط كذلك أن يكون مدرك لأفعاله, ويقصد بالإدراك والتمييز هنا أن يأتي العمل وهو قاصداً له ولنتائجه، ولكي يعتد بالاعتراف الصادر عن الشخص، يجب أن يكون هذا الاعتراف إرادياً، أي صادر عن إرادة حرة واعية ودون تدخل من المحقق أو دون ضغط أو تهديد[21].

وهنا يجب أن يكون المتهم قد أدلى بالاعتراف وهو في كامل إرادته، بأن تكون إرادته حرة واعية، بعيدة عن كل ضغط من كل الضغوط التي تعيبها[22]، حيث ينتفي هذا الاعتراف إذا صدر عن متهم تحت تأثير التعذيب والإكراه والتهديد، سواء كان هذا الإكراه مادياً أو معنوياً، ولا يعتد بالاعتراف إذا كان تحت تأثير المادة المسكرة أو المخدرة أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو التأثير النفسي، ولا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يصدر من المتهم في حالة سلب إرادته، ذلك أن الاعتراف هو سلوك إنساني يجب أن يصدر عن إرادة حرة، والقاعدة أنه لا يسأل شخص عن تصرف إلا بتوافر الوعي والإرادة واللذين لا وجود لهما مع الإكراه ، وبناء على ذلك يصح الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره وليد إرادة معيبة سواء منعدمة أو معيبة لوقوعها تحت تأثير الإكراه ويشكل الدفع في هذه الحالة  دفعاً جوهرياً, فالإرادة الحرة المختارة شرط لقيام المسؤولية الجزائية ويقصد بالإرادة الحرة قدرة الإنسان على السيطرة على تصرفاته و توجيه نفسه إلى القيام  بعمل معين أو الامتناع عنه وهذه القدرة تنعدم  لدى أي  شخص يقع تحت تأثيرات خارجية تجبره على سلوك مسلك أو القيام بتصرف غير ما يرغب القيام به أو يريده وتفرض عليه قوة خارجية وجهة تخالف ما يريد هو توجيه نفسه لها.

ومن أهم صور سلب الإرادة الإكراه المادي والعنف الذي يقع  بفعل مباشر فيه مساس بالحرية أو السلامة الجسدية وكل ما يمثل اعتداء عليه أو على كرامته  فيكون  من نتائجه إعدام وسلب اختياره نهائيا بحيث يشل حرية وإرادة الاختيار أو قد يؤثر فيها نسبيا فيكون لإرادة الشخص مساحة محدودة للتعبير إلا أنها تكون على غير ما يريد وفى كلتا هاتين الحالتين يكونه الاعتراف باطلا ولا يمكن التعويل عليه في الإثبات, فالاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وفى الأخذ بالاعتراف في حق المتهم في أي دور من ادوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المنسوب له انتزع بغير إرادته واختياره فالإكراه وسيلة لا تؤدي إلى  الوصول إلى الحقيقة والتي هي غاية العمل الإجرائي[23].

وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية في قرارها رقم 732/2003 (هيئة خماسية) تاريخ 29/7/2003 منشورات مركز عدالة والذي جاء فيه: «1- اجمع الفقه والقضاء على أن الاعتراف شأنه شأن باقي الأدلة في المواد الجزائية، تخضع لتقدير وقناعة المحكمة بصحتها عملاً بإحكام المادة( 147) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، ويشترط لاعتبار الاعتراف من عناصر الاستدلال في المسائل الجزائية الشروط التالية:

أ- أن يكون صادراً عن شخص يتمتع بالأهلية القانونية.

ب- أن يكون صادراً عن إرادة حرة غير مكرهة.

2- أن القاعدة في الأحكام الجزائية وجوب اشتمالها على الأدلة والأسباب الموجبة للتجريم والإحاطة بواقعة الدعوى والأدلة التي تؤيدها وإلا كان الحكم معيباً ومشوباً لعدم كفاية الأسباب خلافاً لشروط المادة (237/ 1 )من قانون أصول المحاكمات الجزائية»، وهذا ما استقر عليه العمل في القضاء عموما حيث جاء في قرار محكمة النقض المصرية (جنائي) رقم 5910/1971 (طلبات) تاريخ 7/10/2001، وأن اعترافهما قد صدر طواعية واختيارا خاليا مما يشوبه من إكراه مدعى به[24]، وكذلك يبطل الاعتراف إذا صدر عن المتهم تحت تأثير إكراه مادي كالتعذيب أو معنوي كالوعد أو الوعيد(تمييز جزاء 86/86 مجلة نقابة المحامين 1989 ص: 769).

ولكن يشترط لبطلان الاعتراف في هذه الحالة ما يأتي:

أن تكون هنالك علاقة سببية بين الاعتراف والإكراه[25]، بحيث يثبت أن المتهم ما كان ليعترف لو لم يخضع لهذا الإكراه[26].

أن يكون مصدر الإكراه المبطل للاعتراف إجراء غير مشروع ، فلا يستطيع المتهم الدفع بأنه اعترف تحت تأثير الخوف من القبض أو التوقيف إذا كانا صحيحين[27]، وبناء على ذلك فقد قضت محكمة التمييز الأردنية بأن: « وجود أفراد مكافحة المخدرات عند التحقيق مع المميز لدى المدعي العام، على فرض ثبوته، وبانتفاء أي بينة على أن هؤلاء مارسوا أي فعل يشكل تهديداً أو إرهاباً لـه، مؤداه عدم وجود أي مطعون قانوني باعترافه يــؤثر فـي قوته وثبوته» ( تمييز جزاء 357/97 المجلة القضائية 1997 ص605).

إن الدفع ببطلان الاعتراف بسبب الإكراه هو دفع موضوعي يحتاج إلى تحقيق في الواقعة، وعليه فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة التمييز(وتلك قاعدة مستقرة في قضاء التمييز أنظر: تمييز جزاء 65/75 مجلة نقابة المحامين 1975 ص:1331. تمييز جزاء 153/78 مجلة نقابة المحامين 1979 ص:242. تمييز جزاء 234/85 مجلة نقابة المحامين 1987 ص:1725).

ومن الامثلة على  وسائل الإكراه التي تبطل الاعتراف:

لقد استقر الاجتهاد القضائي على إبطال الاعتراف إذا ما شابته أي تأثير، والتأثير الذي يؤثر في اعتراف المتهم أما أن يكون تأثير أدبي كالوعد والإغراء والتهديد و تحليف المتهم اليمين والحيلة والخداع[28].

وهناك العديد من الوسائل التي اعتبرها القضاء إكراهاً يبطل بمقتضاه الاعتراف، ومن هذه الوسائل:

اولاً: استعمال العنف أو التهديد باستعماله:

أن استخدام أساليب العنف على اختلافها أو التهديد من أقدم الوسائل وأكثرها شيوعا, أو ما اصطلح على تسميته الإكراه المعنوي وهو ضغط شخص على إرادة آخر لحمله على توجيهها إلى سلوك معين، ومن أهم ما يميزه أمرين: صدوره عن إنسان، وصدوره بقصد الحمل على فعل أو امتناع[29].

وصور التهديد المبطل للاعتراف كثيرة منها: تهديد المتهم بالشنق أو الضرب بالرصاص أو تهديده بالقبض على زوجته أو والدته أو أي شخص عزيز عليه، أو تهديده بهتك عرضه، أو بحرمانه من الطعام، أو بتسليمه لأهل القتيل للانتقام منه أو إحضار زوجته وتهديده بارتكـاب الفاحشة معها[30].

ثانياً: الوعد والإغراء بالمساعدة:

أن تقديم وعد للمتهم  بأي أمر من شأنه بث الأمل لدى المتهم بتحسين موقفه في الدعوى واي من ظروفه إذا اعترف بجريمته، فقد يتضمن وعد المتهم باعتباره شاهد بدلاً من متهم أو بحصوله على عفو من العقوبة، أو بعدم تقديمه للمحاكمة، أو بتخفيف العقوبة  أو أي أمر يحقق له مصلحة  يجعل من الاعتراف الصادر نتيجة أي وعد في مثل هذه الحالات باطلاً، حتى لو كان اعترافاً حقيقياً طالما صدر نتيجة للتأثير بهذا الوعد(الطعن رقم 951 لسنة 53 ق - جلسة 2/6/1983 س 34 ص 730).

وهذا ما درجت عليه محكمة النقض المصرية والتي جاء في احد أحكامها: « ...أن الاعتراف الذي يعتد به يجب أن يكون اختياريا صادرا عن إرادة حرة فلا يصح التعويل على الاعتراف - ولو كان صادقا - متى كان وليد إكراه أو تهديد كائنا ما كان قدره ، وكان الوعد أو الإغراء يعد قرين الإكراه والتهديد لان له تأثير على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والاعتراف ويؤدي إلى حمله على الاعتقاد بأنه قد يجني من وراء الاعتراف فائدة أو يتجنب ضررا، مما كان يتعين معه على المحكمة وقد دفع أمامها بأن اعتراف المحكوم عليهما الأول - والخامس كان نتيجة إكراه مادي تمثل في تعذيب المحكوم عليه الخامس وإكراه أدبي تعرضا له سويا تمثل في التهديد والوعد والإغراء أن تتولى هي تحقيق هذا الدفاع وتبحث الصلة بين الإكراه وسببه وعلاقته بأقوالهما فان هي نكلت عن ذلك واكتفت بقولها أن وكيل النيابة لم يشاهد بهما أية آثار تفيد التحقيق بما ينفي وقوع إكراه عليهما مع أن عدم ملاحظة وكيل النيابة المحقق وجود أية آثار بهما لا ينفي بذاته دون أن تعرض البتة للصلة بين التهديد والوعد والإغراء وبين اعترافهما الذي عولت عليه وتقول كلمتها فيه فان حكمها يكون معيبا بفساد التدليل فضلا عن القصور(الطعن رقم 951 لسنة 53 ق - جلسة 2/6/1983 س 34 ص 730)، و(الطعن رقم 1248 لسنة 42 ق - جلسة 25/12/1972 س 23 ص 1472)( قرار محكمة النقض المصرية (جنائي) رقم 951/1953 (هيئة خماسية) تاريخ 2/6/1983منشورات مركز عدالة).

وفي قرار آخر لمحكمة النقض المصرية (جنائي) رقم 898/1956 (طلبات) تاريخ 12/3/1996

منشورات مركز عدالة: «... ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه باطل لوقوعه تحت تأثير تحقيق مصلحة معنية وانه أُملي عليه كما انه لا يطابق الحقيقة والواقع....»

وفي هذا قضت محكمة التمييز الأردنية بأنه: « إذا وجدت محكمة الموضوع من بينات النيابة وأقوال شاهد النيابة المحقق أمام المحكمة أن الاعتراف الصادر نتيجة الوعد في مثل هذه الحالات يقع باطلاً، حتى لو كان اعترافاً حقيقياً طالما صدر نتيجة للتأثير بهذا الوعد», وفي حكم آخر قضت محكمة التمييز الأردنية بأنه: « إذا وجدت محكمة الموضوع من بينات النيابة وأقوال شاهد النيابة المحقق أمام المحكمة بأنه اعترف بما جاء بإفادته بعد أن تم وعده بالمساعدة في قضية سرقة أخرى تم إحضاره من أجلها فإنه يشكل ضغطاً على إرادته بترغيبه بالمساعدة الأمر الذي يجعل إرادته غير حرة ومشوبة بالإكراه وبالتالي لم تقنع بها محكمة الموضوع وتم استبعادها» ( تمييز جزاء 1249/2004 ( هيئة خماسية ) تاريخ 23/11/2004 منشورات مركز عدالة).

ثالثاً: تحليف المشتكى عليه أو المتهم اليمين:

لم يلزم المشرع المتهم بحلف اليمين، عكس الشهادة التي لا بد للشاهد من حلف اليمين، وكذلك استقر الفقه على بطلان الاعتراف المترتب على حلف اليمين، فإذا وجه للمتهم اليمين وحلفها فإن ذلك يعتبر من قبيل الإكراه المــعنوي ويـــترتب عـــليه البـــطلان, ويعلل ذلك بأن: « حلف المتهم لليمين فيه اعتداء على حريته في الدفاع عن نفسه، كما أنه يضعه في مركز حرج، ومن القسوة أن نضع المتهم بين مصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف ضميره الديني والأخلاقي، وبين أن يقرر الحقيقة ويتهم نفسه ويعرض للجزاء»[31].

والجدير بالذكر أن حلف المتهم اليمين من تلقاء نفسه لا يبطل الاعتراف، فلا يعتبر هذا تقييداً لحريته في إبداء أقواله، وإنما هو أسلوب في الدفاع يهدف إلى بث الثقة في صدق ما يقرره[32]، وفي قرار محكمة التمييز الأردنية (جزائية) رقم 353/2008 (هيئة خماسية) تاريخ 15/5/2008 منشورات مركز عدالة ورد ما يلي:

ومن شروط صحة الاعتراف أن يكون مستنداً لإجراءات صحيحة فإذا كان ثمرة إجراءات غير قانونية وباطلة فإنه يقع باطلاً ولا يعول عليه ولو كان هذا الاعتراف صادقاً كأن يجري تحليف المتهم اليمين عند استجوابه, وبالمجمل فإن أخذ أقوال المميز من قبل لجنة التحقيق المشكلة من قبل مؤسسة الموانئ تحت القسم يخالف ما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي وينطوي على إكراه معنوي مما يتعين استبعاد هذا الاعتراف.

رابعاً: استخدام المؤثرات العقلية:

بما أن الأصل في الاعتراف أن يكون عمل طوعيا نابع من إرادة حرة مختارة، فان معنى ذلك بطلان الاعتراف الذي لا تتوافر له هذه الصفة والتي لا يمكن أن تتحقق إذا وقع الاعتراف نتيجة تدخل أو استخدام أي من المؤثرات العقلية لانها تمس حرية الاختيار، وهنالك العديد من الوسائل التي تستخدم لحمل المتهم على الاعتراف، منها العقاقير المخدرة والتنويم المغناطيسي واستخدام جهاز كشف الكذب، والاعتراف الذي ينجم عـــن اســتخـــــــدام التـخديـــر أو التـنويـم الـــمغناطيسي أو جهاز كشف الكذب يعتبر اعترافاً باطلاً ، لترتبه عن وسائل غير مشروعة، حيث أنه لم يثبت أنها جازمة من الناحية العلمية، ولأن الأخذ بها إهدار لكرامة الإنسان وإيذاء لكيانه البدني والمعنوي، وفضلا على أن الطاعن وقد دفع ببطلان الاعتراف الكتابي لوقوع إكراه معنوي إذ تعاطي مخدرا قدمه إليه احد رجال الشرطة ، وكان من المقرر انه ينبغي في الاعتراف لكي يكون صحيحا يمكن الاستناد إليه أن يكون المتهم قد أدلى به وهو في كامل إرادته ووعيه فلا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يصدر من المتهم في حالة فقدان الإرادة كما لو كان تحت تأثير مخدر أو عقار يسلبه إرادته(قرار محكمة النقض المصرية (جنائي) رقم 20894/1968 (هيئة خماسية) تاريخ 5/4/1999 منشورات مركز عدالة).

وفي قرار محكمة النقض المصرية (جنائي) رقم 1840/1935 (هيئة خماسية) تاريخ 20/12/1965 الموجود على موقع منشورات مركز عدالة ورد ما يلي: «...... من المقرر انه لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته، متى كان ذلك مخالفا للواقع والحقيقة».

المطلب الثالث: أن يكون الاعتراف صريحاً وموافقاً للحقيقة والواقع

إن الاعتراف في جوهره هو تعبير عن إرادة المتهم بنسبة واقعة معينة إليه، فإن هذا التعبير يجب أن يكون صريحاً لا لبس فيه ولا غموض ومطابقاً للحقيقة والواقع حتى يمكن الاستناد إليه كدليل إدانة وتجريم(  تمييز جزاء رقم (48/87) لسنة 1989 صفحة النشر 1831، مجلة نقابة المحامين).

فلا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يكون غامضاً ويحتمل التأويل، كما لا يمكن اعتبار صمت المتهم أمام الوقائع المسندة إليه على انه اعتراف منه بصحة هذه الوقائع[33]، فقد يكون سكوته بسبب خوفه من إساءة الدفاع عن نفسه أو انتظار المشورة من محاميه، وكذلك لا يمكن اعتبار تصالح المتهم مع المجني عليه أو مع ذويه على تعويض معين اعترافاً منه بالجرم[34].

وبناء على ذلك يجب أن ينصب الاعتراف على الوقائع المشكلة للجريمة التي ارتكبها المتهم أي الواقعة الإجرامية نفسها لا على واقعة أخرى حتى لو كانت ذات صلة وثيقة بالفعل، فمثلاً لا يعد اعترافاً إقرار الشخص بوجود خلاف بينه وبين المجني عليه أو انه يحرز سلاحاً من نفس نوع السلاح الذي ارتكبت به الجريمة أو انه على علاقة غير شرعية بالمجني عليها دون اعتراف بارتكاب الفعل المجرم فكل هذه الأمور تعتبر دلائل موضوعية لا تكفي للإدانة أو التجريم إلا إذا عززتها أدلة أخرى كافية، ولا يكفي كذلك أن يكون الاعتراف صريحاً وصادراً عن إرادة حرة، بل يجب أن يكون مطابقاً للحقيقة والواقع، وهنا يجب البحث عن الدوافع التي أجبرت المتهم على الإدلاء باعترافه، إذ قد يعترف الشخص كذباً للتخلص من إكراه مادي أو معنوي يتعرض له أو بدافع تخليص المجرم الحقيقي إلى غير ذلك من أسباب[35].  

وقد قضت محكمة التمييز الأردنية في العديد من قراراتها على انه لا يجوز الاستناد إلى اعتراف شابه الغموض واحتمال التأويل وكذلك أكدت المحكمة على بطلان الاعتراف غير المطابق للحقيقة والواقع، ومن هذه القرارات: القرار رقم (746/97) حيث جاء فيه: « إذا تبين أن اعتراف المتهم غير مطابق للحقيقة ويتناقض مع شهادة المشتكي ويتناقض مع تقرير الكشف على موقع السرقة فتكون الوقائع الواردة بالاعتراف غير صحيحة ويكون الأخذ بالاعتراف الذي جاء وليد التأثير على إرادة المتهم غير المطابق مخالف للقانون( تمييز جزاء رقم (746/97) لسنة 1998 صفحةالنشر1207، مجلة نقابة المحامين)، وكما انه من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على اثر اجراء باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شان محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى، بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها، كما أن لها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من ادوار التحقيق وان عدل عنه بعد ذلك، ومتى اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فان مفاد ذلك أنها طرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، ويؤيد هذا قرار لمحكمة التمييز الأردنية والذي جاء فـيه: «اشترطت المادة( 237/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن يشتمل الحكم على الأدلة والأسباب الموجبة للتجريم والإحاطة بواقعة الدعوى والأدلة التي تؤيدها وإلا كان الحكم معيباً ومشوباً لعدم كفاية الأسباب وغير منسجم مع ظروف الدعوى، بمعنى أن على محكمة الموضوع أن تتثبت من مدى توافر شروط الاعتراف فيما أدلى به المتهمان من أقوال من حيث صدوره عن إرادة حرة ومطابقته للواقع واتفاقه وانسجامه مع البينات الأخرى ، إضافة إلى بعض الأمور والتـساؤلات التي تستدعي الوقوف عندها ملـياً ومناقـشتها وتفنيدها للـوقوف على حقيقة الأمر» ( حكم لمحكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 1463 /2004 هيئة عامة تاريخ 27/6/2005، منشورات مركز عدالة).

وبالفعل فقد ثبت واقعياً أن الاعتراف لا يكون صادقاً بكل الأحوال، لذا فإنه لا يصح تأثيم إنسان ولو بناءً على اعترافه متى كان مخالفاً للحقيقة(حكم لمحكمة النقض المصرية8/6/1975 السنة 26 ص:497)، فقد يعترف المتهم لإنقاذ أحد أفراد أسرته من العقوبة أو خوفاً من اكتشاف أنه ارتكب جريمة أبشع أو أن تكون قضيته قضية رأي عام وأحب أن يبرز نفسه أو رغبة في دخول الســجــن لــلــهـروب مـن مـشاكل الحياة ... إلى غـير ذلك من الدوافع( تمييز جزاء (131/82) مجلة نقابة المحامين 1982 ص1440 ، تمييز جزاء 403/96 مجلة نقابة المحامين 1996ص:3925).

كما انه يجب أن يكون الاعتراف الذي أدلى به المتهم صريحاً، واضحاً ومفصلاً، ومحددا[36]، ويجب أن يكون هذا الاعتراف من الصراحة والوضوح بحيث يكون قاطعاً في أن المتهم يقر بارتكابه للجريمة وانه لا يحتمل أي تأويل آخر[37], وهذا يعني أن يكون الاعتراف متعلق بالجريمة المرتكبة، وإذا كان يتعلق بجريمة بعيده فلا تكون له قيمة ولا يعتد به كدليل للإثبات.

وقد قضت محكمة التمييز الأردنية بأن: « الاعتراف الذي يشتمل على اصطلاح قانوني إذا كان صادراً عن شخص قروي لا يدرك المعنى القانوني الذي ينطوي عليه هذا الاصطلاح لا يعتمد إليه إن لم يفهم معناه القانوني ويسأل عما عناه بهذا القول»( قرار محكمة التمييز الأردنية، تمييز جزاء رقم  1977/53).

وبالنظر للقدر الكبير لأهمية وضوح وصراحة الاعتراف بحيث لا تقتصر على الألفاظ وظاهر الكلمات بل يجب أن تعبر عن إرادة حقيقية وتأتي واضحة في التعبير عن ذلك حيث نجد أن محكمة التمييز لم تعتد بالاعتراف إذا لم يعبر عن إرادة حقيقية حتى  لو صدر عن المتهم  قول بأنه مذنب، حيث نجد من مراجعة أحكام محكمة التمييز الأردنــية أنها قضــت بــأن:» اعتراف المميز ضده الأول أمام المدعي العام بقوله إنني مذنب عن جرم التدخل بالتزوير ونادم على هذا الفعل ولم أقصد ذلك» فإن مثل هذا الاعتراف المجمل لا يعتد به في إثبات جريمة التدخل...»( تمييز جزاء 194/84)، وقد استقر قضاؤها على ما يبدو على ذلك حيث  قررت في حكم آخر بأن: « مجرد قول المتهم أمام محكمة الموضوع بأنه مذنب لا يشكل اعترافاً يمكن مناقشته وتقدير صحته...» ( تمييز جزاء (221/2000) المجلة القضائية 2000 ص: 398).

فالاعتراف يجب أن يكون صريحاً ويتناول الوقائع المعترف بها تفصيلاً، أما كلمة ( مذنب) فلا تصلح لاعتبارها اعترافاً إذ أنها غامضة وغير محددة, (الطعن رقم 26293 لسنة 67 ق - جلسة 13/3/2000)،  وكما أن سكوت المتهم وصمته أمام الوقائع المسندة إليه، لا يعتبر اعترافا لان للمتهم حرية الصمت وعدم الكلام، وإذا أجاب، فإن له حرية الإجابة بل أن يرفض الإجابة كليا أو جزئيا على ما طرح عليه من أسئلة[38].

المطلب الرابع: أن يكون الاعتراف ثمرة إجراءات مشروعة

يجب أن يكون الاعتراف ناتجاً عن إجراء قانوني[39]، ومثال ذلك الاستجواب, إذ يجب أن يكون هذا الاستجواب قد تم طبقا للقانون ووفقا لإجراءات مشروعة، والاعتراف الذي يجيء وليد إجراء باطل يعتبر باطل هو الآخر، ولا يجوز الاستناد إليه، ويقع باطلاً أيضا الاعتراف الذي جاء وليد التعرف على المجني عليه في عملية عرض باطلة[40].

أن قواعد العدالة والمنطق تقضي بضرورة الحصول على الاعتراف بوسائل مشروعة وبغير ذلك ليس من المنطق في شيء الأخذ به دليلاً للإدانة، فإذا كان ثمرة إجراءات غير قانونية وباطلة، فأنه يقع باطلا، ولا يعول عليه في الإثبات كدليل، ولو كان هذا الاعتراف صادقا[41], والأمثلة على ذلك كثيرة, فلا يعتد باعتراف فقد شروط صحته أو تم الحصول عليه بتصرفات غير مشروعة، ومن ذلك الاستجواب بعد تحليف المتهم اليمين، ومن مراجعة أحكام المحاكم يتضح إبطالها الاعتراف الذي يكون نتيجة قبض أو تفتيش غير مشروع،  وكذلك الاعتراف إذا كان وليد التعرف على  المجني عليه على المتهم في عملية عرض باطلة أو نتيجة لتعرف الكلب البوليسي في عرض باطل, إلا أن هذه القاعدة لا تطبق بشكل مطلق, إذ أن هناك  شرط هام لبطلان الاعتراف في مثل هذه الأحوال، لان الأخذ بها بصرامة يؤدي إلى إفلات الجناة،  فلابد من الأخذ بهذه القاعدة بشيء من الحكمة والرجوع في ذلك إلى الغاية الأساسية من وجود شروط لصحة الاعتراف أو أي اجراء جزائي وهي الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة.

ولذا فانه يشترط لبطلان الاعتراف لوجود إجراءات باطلة تسبقه أو تعاصره وجود رابطة سببية حقيقية بين الإجراء الباطل والاعتراف سواء كان الإجراء الباطل سابقاً أو معاصراً للاعتراف، ومن الحكمة انه إذا كان تالياً ومستقلاً عنه تماما يبقى الاعتراف صحيحاً، ونجد ذلك موثقاً في حكم محكمة النقض المصرية الذي جاء فيه ما يلي: (نقض 348 سنة 60 ق 11 ابريل) «من الجائز أن يكون الاعتراف وحده دليلا تأخذ به المحكمة ولو مع بطلان القبض والتفتيش.”

كما انه من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على اثر اجراء باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى، بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها، كما أن لها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من ادوار التحقيق وان عدل عنه بعد ذلك، ومتى اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فان مفاد ذلك أنها طرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به.

وقد ورد في قرار محكمة النقض المصرية (جنائي) رقم 18753/1965 (طلبات) تاريخ 15/12/  1998والذي  جاء فيه» ... انه جرى قضاء محكمة النقض على أن بطلان القبض لعدم مشروعيته أو بطلان الاعتراف لصدوره وليد إكراه لازمة عدم التعويل في الإدانة على أيهما ولو كان الدليل الناتج عنهما صادقا بمعنى أن الغلبة للشرعية الإجرائية حتى ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى يبتغيها الدستور والقانون».

الخاتمة

إنَّ الاعـترافَ الذي يصدر عن المتهم هو من وسائل الإثبات، وللمـحكمة أن تقـدره وتأخـذ به متى اطمأنت إليه أو تطرحه إذا داخلها شك في صحته، ويجب أن لا يُعد الاعتراف سيد الأدلة بل يجب أن يقع ضمن الصلاحية التقديرية للمحكمة أسوة مع غيره من الأدلة، وليس صحيحاً أَنْ له قيمة في الإثبات تجعله ملزما للقاضي أو أنه لا يخضع للبحث بل لابُدَّ من توافر شروط كي تعصمه من البطلان أولاً ثم بعد ذلك يدخل في دائرة الأدلة التي تخضع لتقدير القضاء.

ولذا يجب أن لا يعتد بالاعتراف لوحده، وإنّما يجب أن يكون مدعماً بأدلة أخرى مثل سماع الشهود والنظر في باقي الأدلة من قبل المحكمة قبل إصدارها للقرار استناداً على الاعتراف، وذلك للتأكد من صحة الاعتراف وأَن المعترف قد أدلى به بإرادة حرة واعية من دون عنف أو إكراه.

النتائج: وقد توصل الباحث الى النتائج الآتية:-

ويظهر أن الاعتراف لا يكون وحده يكفي للإدانة، إذ أن الاعتراف دليل غير محسوس فلا يقطع بالإدانة، وهو يدعو لأول وهلة إلى الشك والريبة في حقيقته، إذ يتطوع به المتهم لتقديم دليل إدانته، فلا بد إذن من أدلة أخرى تسنده وتؤكده، ويبدو أن هذا الرأي يلقى تأييداً من قبل المؤتمرات الدولية، فقد أقره المؤتمر الـدولي للعـلوم الجـنائية، والذي ذهب إلى أن الاعتراف لا يُعدَّ من الأدلة القانونية، أمَّا التشريع الأردني فإنه لا يتبنى هذا الرأي، إذ أن المادتين(172، 216) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني نصتا صراحة على جواز الاكتفاء بالاعتراف لوحده للإدانة، ويرى الباحث أن الراي الأول هو الأقرب الى تحقيق العدالة وإنصاف المتهم لكونه يحميه بدليل قانوني آخر. 

عدم الأخذ بالاعتراف من دون أن تتوافر شروط صحته، وعلى أن تنظر المحكمة في كل الأدلة  الأخرى والبينات كونها يجب أن تعمل كل ما في وسعها للتأكد من صحة الاعتراف وتطابقه مع الواقع.

التوصيات:

يوصى الباحث المشرع الأردني، وكافة التشريعات الجنائية الأخرى بعدم الأخذ بالاعتراف من دون توافر شروط صحة من ان يكون الاعتراف صادرا عن المشتكي، وان يكون حرا ولا يكون وليد الاكراه المادي أو المعنوي، وصريحاً وموافقاً للحقيقة والواقع، وثمرة اجراءات مشروعة.

ويوصى الباحث السلطات القضائية التأكيد من الاعتراف، والابتعاد عن الاعترافات المشوبة بالإكراه والغموض لكي لا يقع المتهمون تحت هذا النوع من الاعتراف.

 

[1] سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، دراسة مقارنة بالدكتوراه،(ط2)،  المطبعة العالمية- القاهرة، السنة 1975، ص: 1.

[2] د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، (ط1)، دار النهضة العربية- القاهرة ، السنة 1988، ص: 463.

[3] مصطفى إبراهيم، المعجم الوسيط ، ج1 ، (ط2)، دار الدعوة- اسطنبول ،السنة  1989 ، ص: 595.

[4] زين الدين محمد بن علي بن زين العابدين، التوقيف على مهمات التعارف، (ط1) ، عالم الكتب- القاهرة، السنة 1990م ، ص: 55.

[5] سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، المرجع السابق، ص: 2.

[6] عدلي خليل ، اعتراف المتهم فقها وقضاءاً ، دار الكتب القانونية- القاهرة ،السنة  2004، ص: 24.

[7] د. محمود نجيب حسني، الاختصاص والإثبات في قانون الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية- القاهرة، السنة 1992 ، ص: 108.

[8] ينظر: محمد راكان الدغمي، الإحكام المتعلق بالاعتراف ألقسري في الفقه الإسلامي والمقارن، بحث منشور في كليه الدراسات القانونية والفقهية، جامعة إل البيت- عمان، السنة 2005، ص:253.

[9] د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص: 110.

[10] سامي الملا، المرجع السابق، ص: 9.

[11] د. محمود نجيب حسني، الاختصاص والإثبات في قانون الإجراءات الجنائية، المرجع السابق ، ص: 110.

[12] رامي احمد الحنيطي، الاعتراف في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، ص: 8

[13] سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، المرجع السابق، ص: 17.

[14] لؤي جميل حدادين، نظرية البطلان في قانون أصول المحاكمات الجزائية ، (ط1 )، عمان ، السنة 2000، ص: 77.

[15] مأمون محمد سلامة، الإجراءات الجنائية بالتشريع الليبي، ج1، (ط2)، منشورات المكتبة الجامعية- ليبيا ، السنة 2000 ، ص: 40.

[16] سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، المرجع السابق، ص: 17-18.

[17] وفقا  للمادة ( 4 ) من قانون  أصول المحاكمات الجزائية الاردني، المشتكى عليه هو كل شخص تقام عليه دعوى الحق العام، ويسمى ظنيناً إذا ظن فيه بجنحة ومتهماً إذا اتهم بجناية.

[18] د. كامل السعيد، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة- عمان، السنة 2005، ص: 238.

[19] هذه المادة أضيفت بموجب القانون المعدل رقم 39 لسنة 1968 المنشور في الصفحة 64 من العدد 2089 من الجريدة الرسمية بتاريخ 16/4/1968، حيث كان هناك حاجة لإضافتها كون المحاكم الأردنية كانت تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر كدليل كامل وتصدر حكمها بناءً على هذه الأقوال وحدها، ينظر على سبيل المثال : تمييز جزاء 13/58 مجلة نقابة المحامين 1958ص: 177، تمييز جزاء 8/62 مجلة نقابة المحامين 1962ص: 480.

[20] د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية، (ط10)، دار ومطابع الشعب- القاهرة، السنة 1988، ص: 475.

[21] د. كامل السعيد، المرجع السابق، ص: 244

[22] د. عبد الحميد الشواربي، التحقيق الجنائي، المعارف- الإسكندرية، السنة 1996، ص: 419

[23] هاني فواد، صدور الاعتراف عن إرادة حرة للمتهم، موقع ألنت منتدى شبكة المحامين العرب، تاريخ النشر 4/10/2007.

[24] محمد شبلي، الاعتراف في الإثبات الجنائي، موقع ألنت منتدى شبكة المحامين العرب، تاريخ النشر18/12/2005.

[25] د. فوزية عبد الستار، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية- القاهرة ، ص:573.

[26] د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص465.

[27] د. فوزية عبد الستار ، المرجع السابق ، ص574،  د. محمود نجيب حسني، الإجراءات، المرجع السابق ، ص:465.

[28] د. عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق، ص: 420

[29] د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني القسم العام، (ط3)، منشورات الحلبي الحقوقية- بيروت، السنة  1998، ص704.

[30] عدلي خليل، المرجع السابق، ص:68.

[31] عدلي خليل ، المرجع السابق ، ص:71.

[32] د.سامي صادق الملا ، اعتراف المتهم ، القاهرة ، السنة 1986، ص: 114.

[33] ينظر: علي بن مفرح بن هادي القحطاني، الاعتراف في التحقيق الابتدائي وأثرة في تكوين قناعة القاضي  في نظام الإجراءات السعودي، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- الرياض، السنة 2011، ص:46.

[34] رامي احمد الحنيطي، المرجع السابق، ص: 14.

[35] سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، المرجع السابق، ص: 200.

[36] د. ممدوح البحر، المرجع السابق، ص: 182.

[37] د. محمد سعيد نمور، الإجراءات الجزائية، دار الثقافة- عمان، السنة 2005، ص: 218.

[38] د. محمد سعيد  نمور، المرجع السابق،ص: 219.

[39] د. ممدوح البحر، المرجع السابق، ص: 183.

[40] د. عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق، ص: 421.

[41] د. محمد سعيد نمور، المرجع السابق، ص: 219.