تاريخ الاستلام 12/12/2023               تاريخ القبول 1/1/2024

تاريخ النشر 25/1/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/86956302

التنظيم الدستوري لمكانة الدين في الدولة

دراسة مقارنة

Constitutional regulation of the status of religion in the state

 a comparative study

م.د محمد علي محمد علي بحـــــــر العــــــلوم

معهد العلمين للدراسات العليا

M.D. Muhammad Ali Muhammad Ali  Bahr Al-Ulum
El Alamein Institute for Postgraduate Studies

aleloomm@yahoo.com

المستخلص

يعتبر الدستور هو القانون الاسمى في الدولة والذي ينظم عمل السلطات فيها، ويعبر في نفس الوقت عن الفلسفة السياسية لواضعيه والمجتمع الذي يصوت على قبوله، وبناء عليه كان تضمين الدستور لنصوص تتعلق بالدين لها دور في تحديد المكانة التي ينظر اليه فيها، واذا كانت الدول الغربية بنحو عام قد حسمت خياراتها في موقفها من الدين، فإن الدول الإسلامية كانت هذه النقطة مثار نقاش وجدل دائم من حيث النص على كون الإسلام دينا للدولة ومصدرا لقوانينه وتشريعاته، وكلا النصين له اثار قانونية تترتب عليها، وفي حالة جمهورية العراق كان هذان النصان بسبب حداثة كتابة الدستور فيه أيضا مثار نقاش مجتمعي ومدى تأثيره في ترسيم اطار دولة دينية  من عدمه، وجاء هذا البحث ليشير إلى بعض هذا النقاش وتأثيراته القانونية في واقع الدولة وهل يؤدي الى تحويلها إلى دولة دينية.

Abstract

The constitution is considered the supreme law of the state. It regulates the actions of its authorities and at the same time expresses the political philosophy of its drafters and the society that votes to accept it. As such, the constitutions inclusion of texts related to religion had a role in determining how it is viewed. Western countries have, generally speaking, staked their positions in regard to religion. Islamic countries, on the other hand, have always debated and discussed this controversial pointspecifically, whether Islam is the religion of the state and the source of its laws and legislation. If that is the case, then both types of texts [legal and religious have legal effects that result from it. In the case of the Republic of Iraq, due to the recent writing of its constitution, these texts have been the subject of societal debate regarding whether it creates a religious state or not. This study is meant to highlight some of these discussions and their legal implications on the reality of the state and where it should be regarded as a religious one.

المقدمة

 منذ مدة ليست بالطويلة طرح على طاولة البحث سؤال مفاده هل الإسلام دين ودولة ام انه دعوة دينية، وانشطر المسلمون جراء ذلك فمن جهة يمثل الإسلام حقيقة ايمان شعوب تلك الدول وهو متغلغل في نفوسهم، ومن جهة أخرى الدولة والسياسة شأن دنيوي والدين شأن اخروي، فهل يتدخل الدين في الدنيا ام يبتعد عنها؟ .. وللإشكالية وجوه متعددة اجتماعية وثقافية وسياسية وقانونية، وتطرح بصياغات متعددة تارة يقال الدين والدنيا، وأخرى الدين والسياسة، وثالثة الدين والقانون، ورابعة الدين والعلم، وقد يكون العنوان الأول يجمع كل هذه الإثنينيات.

طرحت هذه التساؤلات بشكل أكبر منذ سقوط الخلافة العثمانية في أوائل القرن الماضي، ويحتدم هذا النقاش ويشتد في كل مرحلة تغيير، وفي عصرنا الحاضر ما إن بدأت ثورات الربيع العربي وقبلها مرحلة التغيير في العراق حتى بدأ فصل جديد من جدلية الدين والدولة، ولكن ما يميز هذه المرحلة عن سابقاتها هو ظهور فرصة كبيرة للإسلاميين كي يساهموا بشكل مباشر في كتابة الدساتير للدول التي حازوا فيها على نسبة كبيرة من تمثيل الشعب كما في العراق ومصر وتونس. واختلف النتائج في هذه الدول، بل وعاد البعض منها الى سابق عهده .

إشكالية البحث:

 تعد علاقة الدين بالنظام السياسي في الدولة بشكل عام وفي البلاد الإسلامية بشكل خاص المشكلة الأساسية التي نشأت مع بواكير تشكيل الدولة الحديثة فيها، حيث يمثل  المسلمون الأكثرية في تلك البلدان وقد اعتادوا على الاحتكام الى الشريعة الإسلامية في كل شئون حياتهم، لكن ما آلت إليه أوضاع الدولة الإسلامية في نهاية القرن التاسع عشر أدى الى تفتت الخلافة الإسلامية المتمثلة بالدولة العثمانية مما أدى الى ظهور العديد  من الدول التي ارادت ان تصوغ قوانينها ودستورها لتدخل مع بقية الدول العالم في إطار الدول الدستورية الحديثة، وكان السؤال الدائم كيف تصاغ العلاقة مع الدين فيها وهو ما يجب أن يظهر بشكل واضح في مواد الدستور، وتظهر حدة الإشكالية في أن مفهوم الدولة الحديثة غربي النشأة وقد رفع واضعوا الدستور هناك شعار فصل الدين عن الدولة، ولذا كان الإشكالية في بلداننا حل إمكانية تحقيق ذلك المفهوم في ظل التمسك بالدين.

فرضية البحث:

إن الظروف المحيطة في مجتمعاتنا تفرض على المقنن ان يجعل الدين محط نظره واهتمامه، ولا يمكن تطبيق كل ما حصل في الغرب عليه نظرا لما يحتله الدين في الواقع الاجتماعي وتجذره في النفوس، وفي نفس الوقت لا يكون في ذلك فسح المجال لقيام الدولة الدينية وإنما تبقى الشرعية من قبل الشعب..

منهجية البحث

يتداخل في هذ البحث عدة من المناهج الوصفية التحليلية والتاريخية والمقارنة لأن خارطة البحث تتعرض الى العديد من شعوب المنطقة التي خاضت هذه التجربة واختلفت نتائجها وتفاعلاتها فيما بينها..

مبحث تمهيدي

موقف الدساتير من الدين

تعد جدلية الدين والدولة من اهم الجدليات التي واجهتها الدولة الحديثة، واختلفت في كيفية التعامل معها منذ أن أنهت نظرية الدولة الحديثة عصر الامبراطوريات الكبرى ووضعت معايير جديدة في تكون الدول.

 والسر في هذه الجدلية هي تغلغل الدين في المجتمع البشري بشكل عام، وارتباطه القلبي والروحي المسيطر على حركة الانسان بشكل عام، فإن الدولة الحديثة التي نشأت في أوروبا وإن كانت تحمل شعار فصل الدين عن الدولة إلا أنها اختلفت في كيفية التعامل مع الدين وهل هو فصل تام بحيث لا يكون للدولة أي تدخل في الشأن الديني ام توجد مراتب في ذلك، ومع اننا في القرن الثالث من نشأة اول دستور عرفه العالم بشكل رسمي وهو الدستور الأمريكي 1787[1]، والذي اصبح المصدر الأساس الذي يبين فيه المنهج الذي تتبعه الدولة اتجاه الدين،  فإنا لا نجد موقفا موحدا تتبعه الدول في ذلك ، وتؤكد ذلك دراسة حديثة  لمركز «بيو» للأبحاث في واشنطن، أجريت على 199 دولة، توصلوا فيها إلى أن أكثر من 106 دولة ليس لها دين رسمي منها الولايات المتحدة وفرنسا، وأن 10 دول تنظم بشكل صارم المؤسسات الدينية او تقف بشكل عدائي امام الدين بشكل عام منها الصين وكوبا وفيتنام وكوريا الشمالية وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، وأن 83 دولة حول العالم لديها دين رسمي في دساتيرها أو تفضل ديناً معيناً،  وبتفصيل اكثر أشارت الدراسة إلى أن  22% من دول العالم يوجد لديها دين رسمي (43 دولة)، و 63% من هذه الدول (27 دولة) تتبنى الإسلام بشكل عام أو مذهباً إسلامياً معيناً، 59% من الدول التي تتبنى الإسلام رسمياً (16 دولة من بين الدول الـ27) تقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهناك 13 دولة في فئة الدول التي لديها دين رسمي تتبنى المسيحية، من بينها 9 دول في أوروبا؛ مثل بريطانيا والدنمارك وآيسلندا، وهناك دولتان هما بوتان وكمبوديا تعتبر البوذية دينهما الرسمي، أما الدولة الوحيدة التي جعلت اليهودية ديناً رسمياً لها فهي إسرائيل[2]

ومن خلال هذه الدراسة يتبين ان الأمر غير مختص بالدول الإسلامية وإنما يتعدى الى الدول ذات الديانات الأخرى، ولذا سأستعرض في مطلبين موقف الدولة الأوروبية الحديثة من الدين ، وكذلك موقف الدول الإسلامية بشكل عام من ذلك.

  

المطلب الأول: موقف الدساتير الغربية من الدين

لقد كانت ردة الفعل قوية لدى المجتمع الغربي بشكل عام من حكم الكنيسة طيلة القرون الوسطى حيث كانت الثورة في الواقع هي ثورة على استبداد رجال الكنيسة وتدخلها من خلال الدين للتحكم في السلطة الزمنية وشئون الحياة المختلفة، واوجدت رفضا كبيرا بين طبقات المجتمع المختلفة مما أدى الى تبني الفصل بين الدين والدولة كأساس لقيام الدولة الحديثة، وتبني العلمانية وحيادية الدولة، وكانت هناك مواقف متعددة في حدة العلمانية وخفتها ويمكن ملاحظة ذلك  من خلال دساتير الدول المختلفة:

أولا: ـ العلمانية الصارمة او القوية:

ويمكن ان تمثلها الجمهورية الفرنسية بمراحلها المختلفة التي تمثل نقطة الانطلاق في تأسيس العلمانية بعد الثورة العارمة في 1789م والتي كانت السبب في نشأة هذا المفهوم العام من الفصل بين الدين والدولة، وكانت للدساتير الفرنسية المختلفة الأساس في تشكل مفهوم العلمانية، فقد جاء في دستور الجمهورية الفرنسية المادة الاولى» فرنسا جمهورية غير قابلة للتجزئة علمانية ديمقراطية واشتراكية ، تكفل مساواة جميع المواطنين امام القانون دون تمييز يقوم على الأصل أو العرق او الدين، وتحترم جميع المعتقدات»[3] والمتابع لمجريات حركة التقنين في فرنسا يلاحظ أن الدولة  اتجهت الى منع المظاهر الدينية العلنية كالحجاب وارتداء الشارات الدينية وغيرها لذا باتت تمثل العلمانية القوية في الوقوف امام كل مظهر يشير الى انتماء ديني.

ثانيا ـ العلمانية المخففة:

بينما تتجه العديد من الدول الأخرى إلى التخفيف من العلمانية وأن تتمثل حيادية الدولة بمعنى عدم تبنيها لدين معين، مع السماح بالمظاهر الدينية العامة من دون وقوع المواطنين تحت أي ضغط في الممارسة الدينية:

     منها : دستور المانيا الاتحادية  تنص المادة الرابعة ، الفقرة الثانية « تُكفل الممارسة الآمنة للشعائر الدينية.» وتنص المادة السابعة الفقرة الثالثة». يُشكل التعليم الديني جزءا من المنهج الدراسي العادي في المدارس الحكومية، باستثناء المدارس التي لا تتبع طائفة دينية معينة. دون المساس بحق الدولة الإشرافي، يُقدم التعليم الديني بشكلٍ يتوافق مع العقائد الأساسية للطائفة الدينية المعنية. لا يجوز إلزام أي مدرس بإعطاء تعليم ديني ضد إرادته»[4]، بل قد تذهب إلى اكثر من ذلك عندما تعطيها الحق في الحصول على ضرائب باعتبارها هيئات ذات حق عام» للجمعيات الدينية القائمة كهيئات حق عام الحق بفرض ضرائب على أساس اللوائح الضريبة المدنية.... حينما تكون هناك حاجة للعبادة والرعاية الروحانية أو المستشفيات أو السجون أو أي منشآت عامة أخرى، فينبغي السماح للجمعيات الدينية بأن تقوم بالمناسك الدينية مع استبعد أي اجبار على ذلك « فالدول تعترف بكل الديانات دستورية ولا تعمل على ترويج واحد بعينه وتتعامل مع الأديان بنحو متساو..

وطائفة ثالثة من الدول

تتجه الى التعامل بأكثر إيجابية مع الدين وذكر الديانة في الدستور وتعتبر كنيسة معينة هي الكنيسة الرسمية للدولة كما في :

ـ دستور مملكة النرويج في المادة الثانية» تظل قيمنا متمثلة في تراثنا المسيحي والإنساني. ويضمن هذا الدستور الديمقراطية، ودولة قائمة على حكم القانون وحقوق الإنسان.»  وفي المادة الرابعة « على الملك أن يعتنق، دوماً، الديانة الإنجيلية-اللوثرية.»وفي المادة السادسة عشرة» الكنيسة النرويجية، وهي كنيسة إنجيلية- لوثرية، تظل الكنيسة الوطنية النرويجية وعلى هذا النحو تكون معتمدة من قبل الدولة. وتنص أحكام مفصلة على نظامها في القانون. وتدعم جميع الطوائف الدينية والفلسفية على قدم المساواة.»[5]

ـ ينص دستور مملكة الدانمارك في المادة الرابعة من الجزء الأول» تكون الكنيسة الإنجيلية اللوثرية الكنيسة الرسمية في الدانمرك، وعلى هذا النحو، فإنه يتعين دعمها من قبل الدولة.» وفي الجزء السابع، الفقرة66» يجب وضع الدستور للكنيسة الرسمية بموجب قانون.»وفي الفقرة67».يحق للمواطنين تشكيل تجمعات لعبادة الله بطريقة تتفق مع معتقداتهم الخاصة بهم، شريطة أن لا يتم تعليم أو فعل أي شيء يتعارض مع الأخلاق الحميدة والنظام العام» وفي الفقرة68»لا يجوز تعريض أي شخص لدفع مساهمات شخصية لأية طائفة باستثناء الطائفة التي ينتمي لها» وفي الفقرة69»يتعين وضع قواعد للهيئات الدينية المخالفة للكنيسة بموجب قانون.[6]

 ـ اما في إيطاليا وهي موطن الكنيسة الكاثوليكية الرسمية فقد كان النص فيها بنحو خاص:

 نصت المادة السابعة « الدولة والكنيسة الكاثوليكية، كل واحدة ضمن المجال الخاص بها، هما كيانان سيدان مستقلان. تنظم العلاقات بينهما اتفاقيات لاتران ولا يتطلب تغيير هذه الاتفاقيات، المقبولة من قبل الطرفين، إجراء تعديل دستوري.» وفي المادة الثامنة» جميع الملل الدينية حرة سواء أمام القانون. للملل الدينية غير الكاثوليكية حق تنظيم نفسها وفقا لتشريعاتها الخاصة، ما دامت لا تتضارب مع النظام القضائي الايطالي. تُنظم علاقاتها مع الدولة وفقا للقانون وعلى أساس اتفاقات مع ممثلي كل منها.[7]

إن السير التاريخي لنشأة الدولة الحديثة في الغرب «حيث كانت الكنيسة تاريخيا تستأثر بالسياسة (او على الأقل تتدخل فيها )، لقد انطوت العلمانوية الغربية على اقصاء تدريجي للكنيسة في مجال السياسة وكانت تلك سيرورة سهلة نسبيا لأن الدين كان ممأسسا فعزل الكنيسة يعني عزل الدين عن السياسة»[8] ولذا كان من اوليات الثورة هو تحجيم دور رجال وجعله مختصا بالشئون الدينية وعدم تدخلهم بالشئون السياسية، ولذا اتجهت الدول الى التحول نحو النظام الجمهوري وإلغاء الملكيات  وفك الارتباط مع الكنيسة ورجالاتها والاتجاه نحو العلمانية بشكل اكبر، بخلاف دول أخرى حافظت على بقاء الملكية لكن من دون ان يمارس دورا في الحكم ويكون له منصب افتخاري، وقد يكون لمنصبه ارتباط بالدين بنحو ما، فالدول الأوروبية وإن اتفقت على هذا الفصل بين الدين والدولة او السياسة إلا انها اختلفت في موقع الدين ومدى الاحترام او الاعتناء به في الحياة العامة ، وهذا يدلنا على» ان الدولة القومية (الغربية) لم ترفض الدين كوجود اجتماعي وكعلاقة خاصة بين الفرد وربه، ورفضت إضفاء الطابع الديني على الوجود السياسي وتحقيق الانفصال الوظيفي والحركي بين المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية»[9]

المطلب الثاني: دساتير الدول الإسلامية

حكمت الخلافة الإسلامية المتمثلة بالدولة العثمانية البلاد العربية طيلة أربعة قرون تقريبا، ولم تكن موافقة لتطلعات الشعوب أو الوفاء بحاجياتها المختلفة، ولذا كان هناك تأثر كبير بالتغييرات التي حدثت في أوروبا والتي أدت الى تشكل الدولة القومية والنظرية الحديثة والتي تتبنى فصل الدين عن الدولة،  وشكل ذلك التغيير ضغطا على الملكيات الإسلامية للشروع بكتابة دساتير تقيد من سلطات الملك المطلقة فكان دستور تونس عام 1861م وهو الذي أصدره الباي محمد الصادق ،والذي يعد اول دستور في الدول العربية[10]، ويشير بعض الباحثين إلى صدور هذا الدستور كان من العوامل المهمة التي أدت الى اصدار السلطان عبد الحميد الثاني اول دستور للدولة العثمانية عام1876م[11]، ولكن لم يكن لهذه الدساتير ان تستجيب لما تريده الشعوب و لذا لم يدم البعض منها حيث وجه بالتعطيل والايقاف حتى اذا ما انقضت الحرب العالمية الأولى بدأ عصر جديد من فرض المنتصرين على الدولة العثمانية كتابة دستورا اكثر تحضرا يستجيب للمتغيرات التي طرأت عليها فصدر الدستور المصري 1924م، و كانت الفترة الممتدة بعد الحرب العالمية الثانية الى نهاية الستينيات فترة التغير حيث شهت الدول التي كانت خاضعة للدولة العثمانية فترة الاستعمار ثم الثورات  والاستقلال عن مما أدى تسريع وتيرة السعي لإنشاء الدولة الحديثة المستندة الى دستور يحفظ حقوق الشعوب، وخضعت تلك المحاولات الى التأثر لما تحمله الطبقة الثائرة أو الحزب الحاكم من ايديولوجيات يفرغها في الدستور، ولكنها لم تفلح في الاستجابة الى تحقيق الازدهار والاستقرار والتطور المطلوب، حتى كان القرن الحادي والعشرين الذي شهد حركات تغييرية أخرى في المنطقة العربية ابتداء من التغيير في العراق والذي شهد كتابة دستور دائم بعد عقود من الدساتير المؤقتة عام 2005م ، والثورات الشعبية التي شهدتها بعض البلاد العربية بما عرف فيما بعد بثورات الربيع العربي والتي اطاحت برئاسات مستبدة، وكان العمل الأول التي سعت اليها الشعوب هو كتابة دستور جديد يفي بتطلعات الشعوب وآمالها واحلامها.

الفارق الرئيسي بين أوروبا والعالم العربي بالخصوص والإسلامي بشكل عام، ان أوروبا حسمت خيارها من اليوم الأول في التوجه نحو العلمانية بخلاف الدولة الإسلامية فإنها لم تتقبل العلمانية بنحو تام، وإنما ارادت في نفس الوقت الذي تسعى لتشكيل الدولة بمفهومها الحديث ونبذ الملكيات المستبدة التوجه الى النظم الحديثة، بل في بعض الأحيان تبني اطروحات تتصادم بشكل واضح مع الدين كالشيوعية، لكن مع ذلك لم يمنع ذلك من بقاء التوجه الديني هو الحاكم في نفوسهم، وادى ذلك الى ظهور الحركات الدينية والتي اتخذت اشكالا متعددة بدءا من الصراع الثقافي مع الثقافات الوافدة وانتهاءا الى الصراع العسكري مع الحكومات المحلية، وقد يعزو البعض ذلك الى أن ظهور العلمانية في الدولة العربية الحديثة كان من خلال» المحاكاة « [12]، وهذا يعني ان النموذج الذي اريد تطبيقه في العالم العربي/ الإسلامي هو النموذج الأوروبي، ولم يكن الامر نابعا من نفس المجتمع ويضاف الى ذلك الاستبداد التركي والخلافة الذي اعتبر هو مصدر التخلف فلا يمكن التقدم الا بالانفصال عن الخلافة أي فصل الدين عن الدولة[13].

في كل هذه التغييرات كانت مشكلة العلاقة بين الإسلام والدولة موضع بحث، وكان السؤال المطروح دوما هو هل العلمانية هي الحل ، فعلى صعيد التقنين المدني انحسر دور الإسلام إلى قانون الأحوال الشخصية في اكثر الدول اما بقية المعاملات فتكون مشمولة بسلسلة القوانين المدنية والتجارية وغيرها، والتي قد يعد الإسلام احد مصادرها وإن كانت في اغلبها قد تأثرت بالقوانين الغربية، اما بالنسبة للدساتير والذي يعد القانون الأول في الدولة والذي يحدد الإطار العام لما يحكم الدولة من مبادئ وقيم وحقوق وحريات، فإن تصميم تلك العلاقة بين الإسلام والدولة  يتحدد في محورين رئيسين: 1ـ دين الدولة وهل ينص في الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام ام لا؟  2ـ في اعتبار الشريعة الإسلامية هي المصدر للتشريع، على اختلاف التعبيرات، والأمر الأول متقدم على الثاني اذ تضمنت العديد من الدساتير الأول، بل حتى في الدستور الواحد فإن وجود النص الأول اسبق زمانا على الثاني[14]

  وسوف نتناول هذه الدراسة هذين المحورين بنحو من التفصيل، وكيفية تأثير الاختلاف في الصياغة بين الدساتير المختلفة..

المبحث الأول

مبدأ الإسلام دين الدولة

لا شك ان النص على دين الدولة في الدساتير لا يعبر عن كون الدولة دينية من جهة أن تعريف الدولة الديينة  طبقا للقانون الدستوري هي المبتنية على كون شرعية الدولة تأتي عبر الدين وأن الحاكم يستمد قدرته وسلطته من الله[15] ودور الشعب هو الاختيار والتشخيص، بينما الدولة الحديثة بشكل عام قائمة على أساس السيادة للشعب وأنه مصدر السلطات، ومع أن حركة كتابة الدساتير في الدول العربية والإسلامية بدأت متاثرة بالدساتير الأوروبية إلا انها خالفتها في تضمنها النص على دين الدولة، كما نراه في القانون الأساسي للممالك العثمانية لعام 1876 حيث نصت المادة(11)» الإسلامية دين السلطنة ومع المحافظة على ذلك تصون السلطنة حرية جميع الأديان المعروفة..»[16] ، وسأستعرض في مطلب أول الدول التي نصت دساتيرها على دين معين ، وفي مطلب ثاني على الاثار القانونية المترتبة على ذلك النص.

المطلب الأول: الدساتير التي نصت على دين الدولة..

  من ملاحظة دساتير الدول الإسلامية نلاحظ أنها في موقفها إزاء تبني دين للدولة لم يكن بشكل واحد، ويمكن تقسيمه إلى أربعة أصناف :

 الصنف الأول: الدساتير التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، وهذا ما نصت عليه اغلب دساتير الدول العربية على  هذا النص في المادة الأولى من الدستور او في ديباجته مع اختلاف طفيف في الصياغة، ففي الدستور الكويتي لعام 1962 دين الدولة الإسلام[17] ، وفي الدستور الأردني لعام 1952 الإسلام دين الدولة [18] وفي دستور الامارات العربية المتحدة لعام 1971م (المادة السابعة) الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد» [19]، اما الدستور المصري لسنة 1923 فقد جعله في  بابه السادس المعنون» أحكام عامة» المادة 149، ثم أصبح موضعه في الباب الأول من دستور 1956م(المادة3)،وخلا منه الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة لعام1958م، ليعود في دستور 1964 الى المادة (5)، وفي دستور 1971م(المادة2)[20]، وهذا الاختلاف في الموقع تبعا للظروف الحاكمة في كل وقت والنقاشات التي كانت تثار حينها.

 الصنف الثاني: دول تنص على أكثر من تبني الإسلام كدين، وإنما يؤثر على طبيعة النظام السياسي فيكون إسلاميا وتنص على ذلك في الدستور كما في المغرب اذ جاء في تصدير دستورها» المملكة المغربية دولة إسلامية» وفي الفصل الأول من الباب الأول ورد « تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية..» وفي الفصل الثالث تنص على» الإسلام دين الدولة» [21].

وبعضها ترتقي أكثر فتجعل الإسلام جزءا من الاسم الرسمي للدولة كما في باكستان اذ تنص في الجزء الأول : مقدمة ،بند1 « 1ـ باكستان جمهورية اتحادية تحمل اسم جمهورية باكستان الإسلامية» وتحت بند2» الإسلام دين الدولة في باكستان»[22] 

وكذلك جمهورية ايران الإسلامية اذ تنص في المادة 1» ان نظام الحكم في ايران جمهوري إسلامي» وفي المادة 12»الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر..[23] وتستمر في سرد جميع أصول الاعتقادات لتجعلها ضمن أسس الجمهورية .

بينما ماليزيا مضافا الى كون الإسلام دين الاتحاد كما في البند3/1، تنص على أن « منصب الحاكم كرئيس للديانة الإسلامية في ولايته»[24]

الصنف الثالث: الدول التي يقطنها المسلمون لكنها لا تنص على ذلك في دستورها بل على العكس تنص على أنها علمانية كما في جمهورية تركيا اذ نصت في المادة الثانية» الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية..»[25]

الصنف الرابع: الدول التي يمثل المسلمون فيها اكثر من النصف لكن مع ذلك لاتنص على شيئ لا على دين الدولة ولا على العلمانية ، كما في لبنان واندنوسيا التي يقطنها ما يقارب 250 مليون مسلم فإنها لا تشير الى دين الدولة لكنها في ديباجة الدستور تنص على أنها «  دولة سيادية قائمة على الإيمان بالله الواحد الأحد « ، وتكرر نفس النص في المادة 29/ 1من الباب الحادي عشر المعنون بالشئون الدينية[26]، وسوريا مثلا التي لاتنص على دين الدولة لكنها في المادة الثالثة من الدستور تنص على « دين رئيس الجمهورية هو الإسلام»[27]

إن هذا التنوع في كيفية صياغة الدستور للدول التي يعيش فيها اغلبية مسلمة يتبع الظروف الزمانية والأوضاع السياسية التي أحاطت بنشأة تلك الدول، والعوامل الداخلية والصراعات الخارجية التي أحاطت به، فإن النظام الجديد الذي دخلت فيه الدول الإسلامية على نحو العموم كان على انقاض تدهور وزوال الخلافة العثمانية التي كانت ترفع راية الإسلام ووحدة المجتمع الإسلامي، وهي التي انقضت عليها الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية وقطعت اوصالها واخضعت الكثير من المجتمعات التي كانت في ظلها الى الاستعمار، ولكن الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية والتي شهدت استقلال تلك الدول لم تخل من تأثير الدول التي استعمرتها من اجل صياغة دستورها وقوانينها طبقا لآلية جديدة بني عليها النظام الدولي الحديث، ولذا ظلت دوما هناك تيارات متعددة تتجاذب هذا النقاش والجدل، وامام الضغوط الخارجية والحاجة الداخلية الملحة في الحفاظ على أسس البنية الاجتماعية والدينية نجد ذلك الاختلاف والتعدد في المواقف إزاء تحديد دين الدولة وطبيعة النظام السياسي.

والملاحظة التي يجدر التنبيه اليها أولا: ان الحركات الإسلامية في تلك الدول ( عدا ايران) كانت تحت تأثير الأفكار التي طرحها قادة الحركة الإسلامية (الاخوان المسلمين) والتي تأسست عام 1928، وقد تأسست على أساس مواجهة الفكر القومي الذي نشأ في مصر في بدايات القرن، والمناداة بعودة دولة الخلافة، وكانت في مواجهة دائمة مع الفكر القومي والاشتراكي والليبرالي[28]، ولم تتمكن من تأسيس دولتها مع الفرص التي عرضت لها في ثمانينات القرن في الجزائر ولا في ثورات الربيع العربي  في مصر وتونس وليبيا، وتكاد تكون التجربة التي نجحت في حركات الإسلام السياسي هي تجربة الثورة الإسلامية في ايران والتي تمكنت من تأسيس نموذجها الخاص والصمود طيلة ما يزيد على عقد من الزمان، ولا شك في ان الظروف المحيطة في ايران تختلف عن العالم العربي لكنهم تمكنوا من تحقيق ذلك والصمود امام محاولات اجهاض تلك التجربة، ولكنها لم تتمكن من نقل هذه التجربة لمكان اخر حتى ان اقرب الناس لها وهم الشيعة في العراق فكان لهم مسار اخر في التغيير، وهو ما سنتعرض له في الفصل الثالث.

 ثانيا: ان هذه الدول مهما كان النص على الإسلام في دستورها من عدمه فإنه لم يخرجها من قائمة الدول الإسلامية، وهذا يعني ان النص وعدمه على ذلك لا يحدد الهوية النهائية للدولة، ولذا نجد ان خمسا وعشرين دولة إسلامية تنص دساتيرها على الإسلام، بينمنا لا تشير بقية الدول الإسلامية على ذلك رغم انها تعرف بأنها دول إسلامية[29].

المطلب الثاني: دين الدولة بين الرفض والقبول

ما الذي يعنيه النص في الدستور على دين الدولة، وهل يحدد ذلك وجهة الدولة ونظامها السياسي بمجرد النص على دين الدولة، وهل يجب أن يكون للدولة دين، كان هذا النص مثار حديث ونقاش حاد بين المفكرين والمثقفين، ودعا الكثيرون لحذفه من الدستور متذرعين بالوجوه التالية:

 أ ـ أن الهدف من كتابة الدستور هو إيجاد عقد ووثيقة تنظم شئون الدولة التي تضم مواطنين بصرف النظر عما يعتمل في قلوبهم من معتقدات[30]

ب ـ ان الدستور لا يوضع ليحمي الهوية الدينية لأكثرية أو لصيانة حقوق اقلية دينية، فالدساتير كافة تتوجه للمواطن بال التعريف ولا تتوجه لمؤمن بمذهب دون اخر والا صارت الدولة دولة مذهب الأكثرية..

ج ـ إن الدولة لا تساوي الأمة أو المجتمع أو الشعب، وهي ليست شخصا او جماعة بشرية، الدولة شخصية (أو هيئة) اعتبارية( او معنوية)، البشر يكون لهم دين وهناك فرائض وطقوس وشعائر يقوم بها البشر ليعبر عن اعتقاده وايمانه، والشخصية الاعتبارية لا دين لها فلا دولة يحق لها ان تدين بدين ولا دين يحق له تملك دولة، فالدولة للجميع أي لجميع مواطنيها..[31]، وبتعبير آخر « فالدولة شخص معنوي اعتباري وهمي لا وجود له، وقد اخترعه فقهاء القانون لتسهيل أمور كثيرة ولا يمكن للشخص الوهمي أن يكون له دين، مثلما لا يمكن لهذا الشخص الالتزام بموجبات الديانة الإسلامية»[32]

د ـ ذهب البعض إلى اعتبار أن الدولة مجموعة مؤسسات تقوم على إدارة شئون الشعب المختلفة، وبذلك فهي دولة الخدمات من اجل تحسين سبل العيش وسيادة النظام وتطبيق القانون، وبالتالي ليست الدولة كائنا ذا شعور لكي يكون له دين او معتقدات، فمهما كان اعتقاد الأشخاص الذين يتولون مناصب الدولة فليس هم إلا مديرين و اشخاص للخدمة العامة فلا يحتاج منهم الى أكثر من ذلك ..

هـ ـ وقد يعبر عن ذلك « ان منطق الدولة الحديثة تقوم على مبدأ المواطنة المجرد، وعلى دستور موحد شامل لكل الأجزاء لا لجزء منفرد وعلى تقديم الرعاية والخدمات الاجتماعية دون تمييز واحترام حرية المعتقد والعبادة دون مساس بحرية الآخرين»[33]

هذه هي مجمل الانتقادات التي وجهت على النص على دين الدولة في الدستور، ويمكن جمعها في اصلين مهمين وهما أن الدولة مهمتها الخدمة ولا تعبر عن مذهب معين او مبدأ معين، والأخر انها ملك الجميع، ومهما كان من اجتماع هذه الوجوه أو اختلافها ففي الجانب الاخر كان هناك من يدافع عن هذا النص وأنه لابد منه من خلال ابداء الملاحظات التالية:

 1ـ ان أهمية الدستور تظهر في كونه معبرا عن الأفكار والرؤى التي يؤمن بها المجتمع والتي يتفق المواطنون أو اغلبهم على تطبيقها والآمال التي يعمل الجميع على تحقيقها، ولذا يسعى واضعوا الدستور تضمين ذلك في ديباجة الدستور..

2ـ لا شك في أن الدين يعبر عن الهوية الخاصة للفرد، وجزء أساسي من مكونات فكره ورؤيته للوجود والتي على أساسها يحكم تصرفاته وسلوكياته.و» وأن الشعب هو اكثر عناصر الدولة (الأرض والشعب والسلطة) حيوية وفاعلية فعندما يعبر ان دين الدولة وهو الإسلام يعني ان الإسلام هو دين الشعب أو اكثريته»[34]

3ـ تختلف الشعوب في درجة ايمانها وارتباطها باعتقاداتها ومدى تمسكها بالأطر الدينية في تعاملاتها وأخلاقياتها، كما ان الأديان تختلف فيما بينها في درجة تدخلها في تنظيم حياة الانسان العملية فضلا عن تنظيم اطره الفكرية الاعتقادية، وبتعبير اخر ان الإسلام ليس مجرد عقيدة كما في المسيحية وغيرها.

4ـ إن الاعتراف بالدين كعنصر مؤثر في الهوية الوطنية يختلف من شعب لآخر من جهة مدى تغلغل الدين في اعتقادات الناس ومدى ممارساتهم الدينية، ولذا عندما تتعامل الدساتير مع ذلك فإنه قد يتحقق بالإشارة الى الدين في في ديباجة الدستور أو النص في مادة خاصة على تحديد دين الدولة.

5ـ إن الإشارة الى دين الدولة لا يعني أن شرعية الدولة تكون من جهة تدينها او أنها تكون من عند الله، فلا تنافي في ان يكون شرعيتها من الشعب، وبين إصرار واضعي الدستور على النص على دين الدولة يعبر عن حرص الناس على تمسكهم بدينهم وأن الدولة التي هي معبرة عن إرادة أكثرية مواطنيها أن يكون لها نوع من الاحترام لدين اغلبية المواطنين..

6ـ الارتباط بين الشعب والدين في المجتمعات العربية والاسلامية له تاريخ طويل حيث عاش المجتمع في ظل الدولة الدينية لعشرات القرون، وبالتالي فإن بالتأكيد سوف يحكم العلاقة بين الدين والدولة، اذا لا يمكن ان يبنى حاجز بينهما مع تلك العلاقة القديمة بين الأغلبية العامة للناس والدين..

7ـ الإشكاليات التي تعرض لها بعض الباحثون ترتبط بانعدام المساواة ووجود معيار اخر غير المواطنة هو الذي يحكم الافراد الذين يعيشون تحت سلطة الدولة، وهذا امر مرفوض إذ ان الإشارة الى دين الدولة لا يعني وجود معيار لتقسيم المواطنين الى طبقات مختلفة، وهذا وهم اذ ان تلك الإشارة لا تمنح المؤمنين بهذا الدين أي امتياز او خصوصية في مقابل أصحاب الديانات الأخرى..

8ـ إن الدول مهما بلغت علمانيتها فمع ذلك يبقى الارتباط بالدين حتى في اقل صوره كما في العطلة الأسبوعية فنجد ان العالم الغربي يجعل التعطيل هو يوم الاحد وما ذلك إلا أن اصل هذا التعطيل يرتبط بالمسيحية والحضور في الكنيسة وهو رسم منذ الإمبراطورية الرومانية، وكذلك الاحتفالات بالسنة الميلادية والتعطيل في مناسبة ميلاد المسيح ع أيضا تشير الى ذلك..

9ـ ان الإشارة الى دين الدولة يتم في الدول التي تكون فيها ديانة معينة هي الغالبة بشكل مطلق، ولذا تحظى تلك الإشارة بأهمية خاصة لدى تلك الغالبية التي تقوم بواجب الدفاع عن سيادة هذه الدولة في أوقات الحرب، وفي نفس الوقت فإن ذلك الاعتراف لا يعني فرض التقييد بالشئون الدينية على موظفي الدولة، ولذا حرص واضعوا الدستور على النص على حماية الأقليات الدينية وخضوع الشعائر الدينية عموما لعدم التعدي على الأديان الأخرى، وهذا يكون بمثابة الحماية الدستورية لهم..

10ـ لم تمر الدول العربية والإسلامية عموما بتلك الارهاصات التي مرت بها دول الغرب، وتاثرها بمفاهيم الدولة القومية الحديثة لا يعني ضرورة اسقاط كل خصوصياتها في المجتمعات الني انتقل اليها نموذج الدولة .

إن السؤال الأكبر الذي يقلق الجميع مدى تأثير النص على ديانة الدولة في حياديتها مع سائر المواطنين بحيث تقوم بواجباتها اتجاه المذاهب والأديان الأخرى بناء على معيار مواطنيتهم؟  وبمكن الإجابة عن ذلك ان الدولة يجب ان تحافظ على ذلك كما يجب عليها ان تضمن نيلهم كافة الحقوق وتنعمه بكافة الحريات التي نص عليها الدستور، وقد ينظر لذلك بالإشارة الى لغة الدولة في الدستور ولا يمنع ذلك من انتشار اللغات الأخرى وتعميمها، ان تلك الإشارة تدل على اعتزاز به لأنها تمثل لغة غالبية مواطني هذه الدولة .

المطلب الثالث: موقف الدستور العراقي من دين الدولة

نصت جميع الدساتير العراقية المؤقتة والدائمة على ان الإسلام هو دين الدولة، مع اختلاف في موقع تلك المادة، ففي القانون الأساسي كانت المادة الثالثة عشرة، بينما في الدساتير الأخرى كانت المادة الرابعة او الثانية، وقد يدل هذا الاختلاف على « درجة توظيف الصفوة الحاكمة للدين في مشروعها السياسي.. ففي العهد الملكي لم يكن هناك توظيف واضح للدين في قضية الدولة وتأسيس المملكة»[35] وقد يفسر ذلك ابتعادها عن جعلها في المواد الأولى كما هو شأن الدساتير الأخرى.

واما في دستور 1958 فقد جعل النص في المادة الرابعة ، وفي دستور 1963 جعل المادة الثالثة ، وأضاف المشرع شرط الدين في رئيس الجمهورية حيث نصت المادة (41)» يشترط فيمن يكون رئيسا للجمهورية..  وأن يكون ملتزما بالشعائر الدينية»[36]، ولم يمنع ذلك من كون الدولة تتبنى مذهبا اخر، قد يتنافى مع الدين في بعض جوانبه من جهة إقامة النظام الاشتراكي الذي بقي النص عليه في الدساتير التالية له، فنصت المادة الأولى «الجمهورية العراقية دولة ديمقراطية اشتراكية تستمد أصول ديمقراطيتها اشتراكيتها من التراث العربي وروح الإسلام» ، اما دستور 1968 عاد النص على أن الإسلام دين الدولة ليكون المادة الرابعة، واستبدلت الاشتراكية التي كانت في الدستور السابق لتصبح» .. تستمد أصول ديمقراطيتها وشعبيتها من التراث العربي وروح الإسلام»[37]، وحافظ الدستور المؤقت لعام 1970 على أن الإسلام دين الدولة في المادة الرابعة إلا انه حذف روح الإسلام من المادة الأولى ونصت على إقامة النظام الإشتراكي[38]، وقد علق البعض على بقاء النص على كون دين الدولة الإسلام مع الابتعاد العملي عن الإسلام «ان إبقاء الدين الإسلامي دينا رسميا للدولة خدعة دأبت السلطات البائدة على تمريرها في دساتيرها المؤقتة على أبناء شعبنا، فلم تكن الحكومات السابقة مطلقا تدين بدين او تلتزم بعقائد دينية «[39]. ويظهر هذا بوضوح عندما أصدرت قانون الأحوال الشخصية رقم88 لعام 1959م، وفيه مخالفات صريحة للشريعة الإسلامية.

وهذا يؤكد ما اشرنا اليه في الصفحات السابقة من ان هذه المادة لا تؤدي دورا محوريا في جعل الدولة تنتمي إلى دين أو مذهب معين، وإنما هي ترضي الجوانب النفسية للشعب الذي يريد أن تكون الدولة ممثلة له أو لأغلبيته المطلقة .

المبحث الثاني

مبدأ الشريعة مصدر للتشريع

يعتبر النص على أن الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع هو مرحلة متطورة من تأثير الإسلام في البنية التشريعية للدولة، وذلك لأن النص على دين الدولة لا يستلزم النص على المصدرية للتشريع، وتبرز أهمية هذه المادة لتثبيت مدى علاقة التقنين الوضعي بالشريعة الإسلامية، وهل يمكن الفصل بين القانون والدين، على نحو المطالبة بالفصل بين الدين والسياسة..

المطلب الأول: موقف الدساتير من مصدرية الشريعة  

اذا كان النص على دين الدولة امرا شكليا لا يعدو التقييد ببعض الممارسات العامة، فإن النص على كونه مصدرا للتشريع في البلاد يعد خطوة اكثر دلالة على دخالة الدين في الحياة العامة، ولم تتفق الدساتير على صياغة واحدة ، نظرا لاختلاف وجهات النظر في المقدار الذي يجب على السلطة التشريعية التقيد بالشريعة الاسلامية، ولكن الدول الإسلامية لم تتفق على صياغة واحدة، ويمكن تصنيف تلك الصياغات بما يأتي:

1ـ «الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع» الدستور الكويتي لعام1962م[40]، دستور الإمارات العربية المتحدة لعام1971[41] . والدستور الدائم لدولة قطرلعام 2005[42]

2ـ « الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات « الدستور اليمني[43].

3ـ «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع» الدستور المصري لعام 2014[44]، وهذا هو النص الأخير الذي استقر عليه الدستور المصري بعد ان مر بتغيرات عدة فلم يذكر في دستور 1923، وفي دستور 1971م بصيغة « مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع» ، وتم تعديله في سنة1980م إلى « الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع» [45]، ليستقر في اخر الامر في دستور 2014 بما ذكرناه.

4ـ « الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع» الدستور السوري[46].

5ـ « ينظم فيه المسلمون حياتهم فرادى وجماعات وفقا لتعاليم الاسلام واحكامه المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية» دستور باكستان[47]. أما الدستور الإيراني فقد كان اكثر صراحة « يجب أن تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والأنظمة المدنية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها ويسري هذا المبدأ على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى»[48] والدستور الإيراني، والسعودي

وفيما يتعلق بمضمون هذه المواد نشير الى أمرين : الأمر الأولى: إن اختلاف هذه الصياغات يعكس الاتجاهات التي تحكم واضعي الدستور، والظروف المحيطة بكتابة الدستور والنقاشات المجتمعية التي سادت في تلك الفترة، فكون الشريعة مصدرا للتشريع كانت مثار نقاش حاد بين النخب المجتمعية المثقفة في جميع البلدان تقريبا، وفي بعض الأحيان قد يلجأ الى تحريك الشارع في مظاهرات من أجل تأييد صياغة معينة، فبعض الدساتير كان واضحا في النص على وجوب التقييد بالشريعة في كل القوانين الصادرة من السلطة التشريعية كما في النقطة الثانية والرابعة من التقسيم السابق، لكن الصياغات الأخرى قد يشوبها نحو من الابهام والضبابية، وقد نشأ اتجاهان في مدى التزام السلطة التشريعية وتقيدها بذلك،  الاتجاه الأول:  أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع وهذا يعني ان يكون له تميز عن بقية المصادر، بل يحولها الى مصادر ثانوية / فرعية ،  ولا يلجأ اليها إلا بعد خلو الشريعة الإسلامية من حكم في موضوع معين، ولذا تكون الصياغة بنحو» المصدر الرئيسي» أو المصدر الأساسي « لتؤدي ذلك المعنى.

الاتجاه الثاني: الذي يرى ضرورة تعدد مصادر التشريع وان لا يقتصر على الشريعة الاسلامية ، ولذا يجب فسح المجال امام المشرع لكي يبحث في المسائل المستحدثة عن مصادر أخرى، ولذا اتجه الى التعبير بأنه « مصدر رئيسي للتشريع» أو «مصدر من مصادر التشريع» وهذا يعني انه يمكن ان توجد مصادر أخرى رئيسية، وقد أشار الى هذا الأمر المذكرة التفسيرية لدستور دولة الكويت «..وفي وضع النص بهذه الصيغة توجه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما له، او يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تماشيا مع ضرورات  التطور الطبيعي على مر الزمن..»[49]

وفي مقابل هذين الاتجاهين هناك من يرى عدم الفرق بين التعبيرين( مصدر رئيسي أو المصدر الرئيسي) إلا من حيث الصياغة ، أما من الجهة القانونية فلا يفترقان في كون الشريعة مصدرا وحيدا، من جهة أن النص مادام قد ورد في الدستور، وطالما انه لم ينص في الدستور على مصدر اخر سواها فإنه ينبني على ذلك أن الشريعة هي وحدها المصدر الرئيسي ذو المرتبة الأعلى، وبقية المصادر التي ينص عليها في القوانين العادية (كالمدني والجزائي..) مصادر ذات مرتبة أدنى، وبالتالي يجب على كل حال أن يكون التشريع متفقا مع الشريعة الإسلامية وإلا عد مخالفا للدستور وجاز الطعن بعدم دستوريته[50].

لاشك ان ايراد هذه المادة في الدستور بدل على أهميتها واختلاف الصياغات يدل على اختلاف المراد من كل منها خصوصا أن اللغة القانونية تعتمد الدقة ويكون للحروف معان عند اضافتها من عدمه وأن « ال التعريف»  وجودها لا يكون كعدمها، وهذا أمر مسلم في علم المعاني حيث يكون لها إضافة للمعنى الكلي لا يتحقق بدونها، وان النقاشات التي ثارت في داخل اللجان الواضعة للدستور تدلل على ذلك، بل ان في المذكرات التفسيرية والتي نشرت لبعض الدساتير كالدستور المصري والكويتي شاهد على ذلك .

والأمر الثانية: الاختلاف بين هذه الصياغات فيما عدته مصدرا حيث وردت عدة تعبيرات: الإسلام، والشريعة الإسلامية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية، والفقه الإسلامي، وهذا اصطلاحات كل منها يشير الى معنى، ولعل في بعضها اختلاف في تفسيره،  فمثلا مبادئ الشريعة الإسلامية عرفها السنهوري بأنها» كليات الشريعة التي ليست محل خلاف بين الفقهاء»[51]، والبعض الاخر بأنها» الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها الواردة في الكتاب والسنة»[52]، وفرق بين ما هو قطعي وما هو مجمع عليه، بينما ذهبت المحكم  الدستورية العليا الى تفسيره» لا يجوز لنص تشريعي، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادؤها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلا.»[53]

و قد يعبر عن الشريعة الإسلامية بأنها الأحكام المنزلة من الله سبحانه على نبيه الخاتم(صلى الله عليه وسلم) والتي وردت في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة، وهذه أحكام من وضع الهي لا يطرأ عليها تغيير ولا تبديل[54].

اما الفقه الإسلامي فهو اجتهادات البشر في ادراك أحكام الشريعة، واستخلاص المعاني المقصودة، ووصل تلك الأحكام بأحوال البشر في كل بيئة، أي اجتهادات العلماء في ادراك معاني النصوص[55]، والتعريف الاصطلاحي له هو « العلم بالاحكام الشرعية عن ادلتها التفصيلية»، وبالتأكيد ان معناه أخص من الشريعة، والشريعة تتضمن معنى اخص من الإسلام، وقد أضاف المشرع السوري على هذا النص اشتراط ان يكون رئيس الجمهورية مسلما، وعلى كل حال فإن هذا الاختلاف بين الصياغات المتعددة يشير الى نوع من الضبابية فيما يكون مصدرا للتشريع.

والذي يظهر ان هذه الصياغات تشير الى أمر واحد وهو عدم اناطة المصدرية بالأحكام الفقهية وإنما أراد واضعو الدستور ان تلتزم السلطة التشريعية بالكليات العامة المتفق عليها والتي ليس مثار اختلاف فقهي، وإن اختلفت تعابيرهم في ذلك، وفي الواقع الخارجي لم تكن السلطات التشريعية في العديد من الدول وفية لهذه المادة الدستورية إلا في حالات خاصة تتعلق بالأحوال الشخصية. 

المطلب الثاني: مصدرية الشريعة  بين الرفض والقبول

اثارت هذه المادة الدستورية العديد من المناقشات قبل وضعها وبعد وضعها، ومدار النقاش في عدة نقاط: أولا: هل تؤثر هذه المادة في حيادية الدولة؟ وثانيا: هل ستتحول القوانين الى أحكام شرعية وتكون فتاوى الفقهاء ملزمة للمشرع؟ وثالثا حول مدى صلاحية الشريعة الإسلامية لذلك.؟ وغيرها..ونشير اجمالا الى بعض الانتقادات التي وجهت لهذه المادة الدستورية بما يأتي:

أولا : تعدد الاجتهادات داخل المنظومة الفقهية فلا يوجد رأي موحد شرعي يمكن الرجوع اليه..»[56] .

ثانيا: العودة الى حكم رجال الدين: «ان الدعوة لفرض الإسلام (أو الشريعة) كمصدر وحيد للتشريع تنطوي ضمنا أو صراحة على حكم رجال الدين لتفسير معنى الإسلام ووضع فئة واحدة لا تزيد عن بضعة آلاف موضع القيم على تفكير الملايين واحلال الاكليروس محل الأمة..»[57]

ثالثا: هناك أمور تتعلق بنفس الشريعة من جهة جمود  الفقه الإسلامي وعزوف الفقهاء عن التجديد وتردي أوضاع القضاء الشرعي هي السبب في العدول بالنظام القانوني القضائي عن الشريعة الإسلامية إلى القوانين الوضعية المأخوذة من أوروبا»

رابعا: أن الدولة الحديثة هي منظومة متكاملة من الأفكار والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية يستدعي بعضها بعضا ويؤدي اليه، ولا يمكن الأخذ ببعضها دون البعض الآخر»[58] ، ولذا فيشبه النص على هذه المادة والإصرار عليها مع رفع اليد عن التوجه لتأسيس الدولة الدينية هو محاولة الدخول من الشباك لدخالة الدين في الدولة من خلال التقنين والتشريع..

ويمكن ان نسجل عددا من الملاحظات في مقام مناقشة هذه الآراء:

أولا: ان التساؤل الذي يجب ان يطرح أن التشريع والتقنين بشكل عام هل هي من اجل خدمة المجتمع وتسهيل امورهم وجعلها تسير على طبق قواعد خاصة تتناسب مع الواقع الاجتماعي العرفي والنفسي، أم أن وظفية التقنين اختراع قواعد لقسر المجتمع عليها فإن الدولة بذلك ستتنحول الى نظام ديكتاتوري؟ وقد نقل عن بورتاليس (احد أعضاء اللجنة التي وضعت قانون نابليون عام 1800) « قمنا بمساومة بين القانون المكتوب والأعراف من دون قطع وحدة المنظومة، ودون صدم  الروح العامة .... ان القوانين مصنوعة للناس وليس الناس مصنوعين للقوانين، ويجب تكييفها مع طبع الشعب الذي توضع لأجله وعاداته وحالاته»[59]، واذا اردنا تطبيق ذلك على مجتمعنا الشرقي فإن الطابع الإسلامي هو الحاكم وعاداته طبقا لتشريعاته وعاش المجتمع على ذلك طيلة 1300 سنة، وعليه ما اذا اريد تقنين تشريعات بصياغة معاصرة فيجب ان يكون جوهرها الاحكام الشرعية التي اعتاد عليها المجتمع.

ثانيا: ان هناك ثمة فارق بين كون الشريعة الإسلامية هي القانون وبين كونها مصدرا للتشريع، فإن مصدريتها لا يعني اخذ نفس الحكم، وإنما يكون القانون الواجب التطبيق هو الذي تشرعه الجهات المختصة في الدولة وهو يطبق على الجميع،  فلا يمكن للقاضي ان يرجع الى الاحكام الشرعية مباشرة ما لم تكون مضمنة ضمن القانون المكتوب.

ثالثا: إن تعدد الآراء الفقهية والاجتهادات تثري الفقه وحركة الاجتهاد المواكب للتطورات والتغيرات الاجتماعية، وليس المطلوب من المقنن الوضعي ان يأخذ بكل هذه الاجتهادات، بل أن هذا التعدد يجعل للمقنن الوضعي الخيارات المتعددة في التفضيل والترجيح لكن يجب ان يكون هناك معايير يجعلها المشرع الوضعي لنفسه في ذلك، مضافا الى أن هذا لن يؤدي باية حال إلى تدخل رجال الدين في الدولة وسياستها، بل يكونوا في تلك الأمور حالهم حال بقية المواطنين، بل على العكس ان اهتمام المشرع بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، سوف يدفع المؤسسة الدينية الى التفكير في حلول للمشكلات الاجتماعية وغيرها التي تواجهها الدولة ومساعدتها في إيجاد الحلول المناسبة.

رابعا: هناك فارق بين الإسلام وبقية الديانات من جهة تضمنه للشريعة والتي تنضم العلاقات بين الأفراد، وهو ما ينطبق على القانون المدني، بخلاف الديانات الأخرى التي تفتقر إلى هذا الجانب وتكاد تكون مقتصرة على الجانب الروحي والمعنوي في الإنسان، وعليه لا يكون هناك فرق لدى اتباع الأديان الأخرى في حكم معين سواء كان مصدره الشريعة وغيرها ولا يترتب على ذلك انتفاء مبدأ المساواة أو ورود الحيف عليهم.

خامسا: ان القول بأن الدولة الحديثة منظومة متكاملة في كل تفاصيلها  فإما أن تؤخذ كل المظومة وإما لا تؤخذ وقد يناقش هذا القول بأن الدولة الحديثة تقوم على أساس مبادئ كلية منها السيادة الشعبية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، وحقوق الانسان، وليس من مبادئها ان تكون القوانين في كل الدول واحدة، حتى يجب ان يؤخذ بالقانون المدني الأوروبي وتطبيقه في البلاد الإسلامية، فلكل دولة طابعها القانوني الذي يستند بالدرجة الأساس الى ما يتبناه الشعب من رؤى وأفكار تحكم تصرفاته ومعاملاته والتي تسهم في تحقيق العدالة.

سادسا: اما جمود الشريعة الإسلامية وعدم صلاحيتها لمواكبة التطورات الزمانية المتلاحقة، وهذا امر غير تام، اما اصل صلاحية الشريعة لتكون مصدرا فقد اقر مؤتمر القانون المقارن في لاهاي عام 1937 بأن الشريعة الإسلامية كأحد النظم القانونية المعاصرة التي تحتوي على صنعة قانونية رفيعة» ، وقد  ذكر السنهوري  في مقال له في مجلة القضاء العراقية في اذار/ مارس 1936» ففي هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصياغة فأحسنت صياغتها، لصنعت منها نظريات ومبادئ لا تقل في الرقي والشمول وفي مسايرة التطور، عن اخطر النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الغربي الحديث»[60]

ومهما كان الخلاف بين جهتي الرفض والقبول ، وما هو الحيز الذي يجب الرجوع فيه الى الشريعة الإسلامية فإن هناك امرا يظهر انه مسلم عند الجميع ولو على نحو الارتكاز أن التشريع الذي تقوم به الجهات المختصة في السلطة التشريعية يجب ان ينهل من ثقافة المجتمع وادابه وقيمه، والشريعة الإسلامية نظمت أمور المجتمع طيلة قرون عدة ولا يمكن للمشرع  أن يدير ظهره اليها، فلابد ان يكون للشريعة دور مهم في عملية التشريع الذي تقوم به السلطات المختصة.

المطلب الثالث: موقف الدستور العراقي من مصدرية الدين للتشريع

لم يرد النص على كون الدين مصدرا للتشريع في كل الدساتير العراقية، وإنما ورد في الدستور المؤقت لعام 1963 حيث نص على أن « الإسلام دين الدولة والقواعد الأساسية  لدستورها»[61] ، وثبت هذا النص في الدستور المؤقت لعام 1968م[62] مع استبدال القواعد بالقاعدة، وقد جاءت هذه المادة مخالفة لما سارت عليه الدساتير العربية الأخرى في امرين الأول: هو التعبير بكون الإسلام «القاعدة الأساسية» وليس المصدر، والثاني هو كون الإسلام قاعدة للدستور وليس مصدرا للتشريع كما هو الوارد في الدساتير الأخرى، وهذا يعني ان واضع الدستور قد التفت الى جعل الإسلام أعلى من مرتبة من الدستور ويمثل القاعدة الأساسية التي استقى منه الدستور نصوصه، ولكنه من جهة أخرى لا ينص على ضرورة مراعاة الشريعة في التشريعات والتقنينات التي تصدرها السلطات المختصة، ولذا لم ترفع لدى المحاكم المختصة دعوى تتعلق بمخالفة قانون ما للشريعة.

 اما دستور 1970 فقد اختفى منه هذا النص ولم يعد الإسلام القاعدة الأساسية للدستور، ولا مصدر للتشريع،   اما دستور 2005م فكان اكثر جرأة من الدساتير السابقة في تحديد هذه النقطة فكانت له اشارتان الأولى ايجابية بتقييد المشرع بالشريعة، والأخرى الجانب السلبي بعدم مخالفة أي تشريع للإسلام، وبذلك يكون قد خرج عن نمطية هذه المادة في الدساتير العربية. وقد نصت المادة (2) أولا ـ الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع:

أ ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.ب ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.ج ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور»[63].

وأثارت هذه المادة العديد من النقاشات بين المثقفين والكتل السياسية المختلفة وذهب البعض الى أنها تقف عائقا امام تأسيس الدولة العراقية المدنية، بل علق البعض :» أن الالتزام بثوابت الدين الإسلامي امر مفروغ منه ومتفق عليه ولكن التسليم بعدم سن قوانين تتعارض مع أحكام الإسلام يسحب الامر الى تطبيقات الشريعة والاحكام المختلف عليها مذهبيا اذ لا يغيب عن البال كون الاجتهادات الفقهية بمثابة الاحكام الخاصة بكل مذهب والعراق إضافة الى كونه بلدا متعدد الأديان فإنه متعدد المذاهب .. والمذاهب بنفسها مختلفة ولا يمكن ان تتفق على قضايا متعددة مما يجعل الاحكام متشعبة ومختلفة وتضع المواطن تحت رحمة هذا التشعب والاختلاف، بينما تتفق تلك المذاهب على الثوابت الأساسية للدين الإسلامي كما ان اعتبار الإسلام احد المصادر الأساسية من مصادر التشريع يجعل النص متطورا ومنسجما مع تطوير النصوص الدينية والمذهبية والفكرية مع الواقع الإنساني بدلا من جعله نصا منفردا وموجبا دون غيره»[64].

ـ « ثمة بنود تقليدية متخلفة تدفع باتجاه أسلمة النظام السياسي، بإعطاء المرجعيات الدينية دور الحكم الفصل في تحديد معنى الإسلام، نظراً لأن الدستور يحظر سن أي قانون يتعارض مع ما يسمى بـ ”أحكام وثوابت الاسلام“ دون وجود أي اتفاق على ماهية هذه الأحكام والثوابت. ويتجاهل العالم العربي ببلاهة نادرة أنه لا يوجد إسلام واحد، وأن المذاهب والاجتهادات تشطر العالم الإسلامي في الأعماق»[65].

   وقد تعرضنا الى الكثير من الانتقادات التي ذكرت على هذه المادة في المبحث الثاني، ونضيف هنا بعض النقاط:

1 ـ أن نص المادة لم يحصر التشريع بأن يكون من الشريعة الإسلامية وإنما جعلها احد المصادر وبالتالي يمكن للمشرع ان يستند في تشريعة على مصادر أخرى، نعم في الفقرة الثانية من المادة أضيفت هذه الإضافة حيث لا يكون التشريع بنحو عام مخالفا لثوابت الشريعة، وهذا يتعلق بالتشريعات التي تكون من مصادر أخرى فجعل الضابطة لها هو عدم مخالفتها لثوابت الإسلام، وهي تتعلق بالقواعد الكلية العامة، ولاتختص بفقيه معين ولا بمذهب معين، بل في بعضها تتوافق حتى مع القواعد العقلائية العامة التي تحكم تصرفات العقلاء.

2 ـ إن الفقرة الثانية من المادة الثانية تجعل ثلاث محددات لأي تشريع ان لا يخالف ثوابت الإسلام، ومبادئ الديمقراطية، والحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، فإن هذه المحددات تجعل هناك مساحة لكل من العلمانيين والإسلاميين بحيث لا يستخدم الدين لتقييد الحريات والحقوق، ولا تستخدم الديمقراطية لضرب الهوية الإسلامية والتي اشير اليها في ديباجة الدستور بنحو واضح وصريح، وتبقى العمل والتطبيق والممارسة في ضمن هذه المحددات الثلاث ـ  وهي الأولى من نوعها في العالم العربي والإسلاميةـ هي التي تثبت إمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية بالصورة التي أرادها المشرع العراقي..

3ـ  حاولت المرجعية الدينية العليا في العراق من خلال بياناتها التخفيف من التخوف الناشئ من كثرة الإشارة الى الدين في الدستور وذلك بالدفاع عن مصالح العراقيين كافة وعدم الحديث بلغة طائفية، والتركيز على دولة القانون والمواطنة.

الخاتمة

 وفي ختام البحث نشير الى بعض النتائج والتوصيات :

النتائج:

1ـ التقسيم الغربي للدولة بين الدولة الدينية / الثيوقراطية، والدولة العلمانية، ليس هو التقسيم النهائي ففي مجتمعاتنا الإسلامية، يمكن القول بوجود تقسيم ثلاثي، الدولة الدينة / الثيوقراطية، الدولة العلمانية، الدولة الإسلامية، وهي تحتل موقعا وسطا بين القسمين.

2ـ إن علاقة الدين بالدولة تتمحور في امرين أساسيين الأول في شرعية الدولة هل هي الهية ام من الشعب وعلى الأول تتكون الدولة الدينية، والأمر الثاني في القوانين التي تطبق في ضمن إطار الدولة، والدستور هو الذي يحدد هذه العلاقة.

3ـ إن نص الدستور على كون الشعب هو مصدر السلطات، يعني أن يقوم الشعب باختيار ممثليه المنتخبين ومن خلالهم تصاغ العلاقة بين الدولة والمواطنين وعلى أساس الدستور الذي يوافق عليه الشعب تتحدد الحقوق والواجبات، وان القانون هو الذي تبنى عليه كل الارتباطات بين الدولة  والمواطنين.

4ـ ان الارتباط بين الأمة والدين في مجتمعاتنا وصل الى درجة كبيرة بحيث بنوا عليه حياتهم في كافة نواحيها الاجتماعية والتجارية، منذ تأسيس اول دولة في جزيرة العرب منذ 15 قرنا، وظل هذا التداخل هو السائد في مجتعنا وهذه نقطة فرق جوهرية تفرقنا عن المجتمعات الغربية.

5 ـ ويعود للسلطة التشريعية المنتخبة والمسئولة عن تشريع القوانين المختلفة أن تقوم بالتوفيق بين الدين والتشريعات المنظمة لأمور المجتمع.

6ـ بالنسبة للتقنين ينبغي رعاية المنظومة التي تبناها الشعب طيلة القرون السابقة، فمن الطبيعي ان يكون الإسلام/ الشريعة هي المصدر الرئيسي او احد المصادر للتشريع، لكن لا بحيث تتحول الدولة إلى دولة دينية، ويعود للأغلبية في السلطة التشريعية هي التي تقوم بتكيف القوانين الوضعية طبقا للشريعة او غيرها، لكن عندما تصدر تقنينا معينا يكون معبرا عن رأي الأغلبية في تلك السلطة ولا يكون تشريعا دينيا.

7ـ ليس من الضروري ان تكون هناك قاعدة واحدة صالحة لكل المجتمعات للعلاقة بين الدين والدولة، فهي تختلف تبعا لاختلاف الشعوب وثقافتها ومدى ايمانهم ووعيهم الديني..

8ـ إن الدولة التي تكون شرعيتها من قبل الشعب يعني أن لا يكون للدين او العرق او أي خصوصية معينة اثر في مواطنية الافراد او حقوقهم او فيما يحصلون عليه من مزايا.

التوصيات:

1ـ أن يعمل المشرع العراقي على  تدعيم أسس المواطنة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتمائتهم الدينية او العرقية، وأن لاترتبط المناصب ا لعليا بالانتماء الديني او العرقي وإنما تعود  لاختيار الشعب.

2ـ أن يقوم المشرع ببيان المراد من  ثوابت أحكام الإسلام، لكي لا تبقى المسألة عرضة للتفسيرات والتاويلات.

3ـ ان يقوم مجلس النواب باكمال تشريع القوانين التي اوكلها اليه الدستور خصوصا بما يتعلق المادة 41.

4ـ ان تعديل الدستور لكي يلبي حاجات المواطنين امر ضروري إلا انه يجب ان لا يمس الأمور الأساسية وتعد المادة الثالثة من المواد الأساسية التي بني عليها العقد الاجتماعي الحديث في العراق.


[1] دستور الولايات المتحدة الامريكية لعام 1787، ويتكون من سبعة مواد وعدل 27 مرة.

[2] Pew Research Center, Many Countries Favor Specific Religions, Officially or Unofficially, https://www.pewforum.org/2017/10/03/many-countries-favor-specific-religions-officially-or-unofficially/Date of visit 2/5/2023

[3] دستور جمهورية فرنسا لعام 1958 المعدل

[4] دستور جمهورية المانيا الاتحادية  لسنة 1949 المعدل.

[5] دستور مملكة النرويج لعام 1814م  المعدل.

[6] دستور مملكة الدانمارك لعام 1953 .

[7] دستور إيطاليا لعام 1947 المعدل

[8] نزيه الأيوبي ، الإسلام السياسي الدين والسياسة في العالم العربي، ترجمة محمد كمال، الطبعة الأولى ، مركز انماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2020، ص:40

[9] د. عبد العزيز صقر، الدين والدولة في الواقع الغربي، دار ومكتبة العلم للجميع، الطبعة الأولى ، القاهرة، 1995ـ 1415. ص 19

[10] د. محمد احمد مفتي، د. محممد السيد سليم ، الإسلام في دساتير الدول الإسلامية» دراسة مقارنة»، الطبعة الأولى، جامعة الملك سعود، كلية العلوم الإدارية، 1409هـ ص:13

[11] المصدر نفسه، ص13 .

[12] نزيه الايوبي ، مصدر سابق، ص:40

[13] د.محمد عابد الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، طبع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996، ص:96

[14] مثلا في مصر نص الدستور المصري الصادر في 1923  في المادة 149 على ان الإسلام دين الدولة، إلا ان كون الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع ورد في دستور 1971

[15] عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، الطبعة الثانية ، بغداد،  2012، ص 9

[16] القانون الأساسي للممالك العثمانية لعام 1876،  ص 5،المطبعة الأدبية، بيروت سنة 1908 .

[17] المادة (2) من دستور دولة الكويت 1962

[18] المادة(2) من دستور المملكة الأردنية الهاشمية 1952(المعدل2016).

[19] المادة السابعة من دستور الامارات العربية المتحدة لعام 1971.

[20] د. محمد طه عليوه، مصدر سابق، ص:254

[21]  دستور المملكة المغربية لعام 2011

[22] دستور جمهورية باكستان الإسلامية الصادر عام 1973، واعيد العمل به عام 2002،  وينص في ديباجته على أن السيادة لله تبارك  وتعالى وحده.. وكذلك على انه تسود فيه مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة والتسامح والعدالة كما اقرها الإسلام، وينظم المسلمون حياتهم فرادى وجماعات وفقا لتعاليم الإسلام واحكامه المنصوص عليها في القرآنالكريم والسنة النبوية..» .

[23] دستور جمهورية ايران الإسلامية الصادر عام 1979م  الى ذكر أسس الاعتقادات كما في جمهورية ايران الإسلامية إلى اكثر من ذلك حيث تنص المادة 2 على « يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس 1ـ الايمان بالله الاحد(لااله الا الله» وتفرده بالحاكمية والتشريع ولزوم التسليم لأمره......».

[24] دستور ماليزيا الصادر عام 1957 المعدل

[25] دستور جمهورية تركيا الصادر عام 1982م المعدل .

[26] دستور جمهورية اندونسيا الصادر عام 1945 واعيد العمل به عام 1959.

[27] دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 2012.

[28] نزيه الايوبي ، مصدر سابق، ص:260

[29] يبلغ عدد الدول التي لها عضوية كاملة في منظمة المؤتمر الإسلامي  (46) دولة د. محمد أحمد مفتي وغيره، الإسلام في دساتير الدول الإسلامية، مصدر سابق، ص:32، اما الآن وبعد تغير اسمها الى منظمة التعاون الإسلامي، يبلغ عدد الدول الأعضاء (57 ) دولة، كما في موقعها الرسمي https://www.oic-oci.org/states/?lan=ar تاريخ الزيارة 10/2/ 2022

[30] محمد حسين الأطرش ، الدولة لا دين لها ، مقال على شبكة الانترنت

 https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=246827

تاريخ الزيارة 20/ 11/ 2021

[31] جواد البشتي ، مقال في جريدة العرب اليوم الأردنية ، منشور على موقع ابونا ،

 https://abouna.org/content،

 تاريخ الزيارة 2/ 1/ 2022

[32] زهير كاظم عبود ، وجهة نظر في بعض نصوص الدستور العراقي، مقال ضمن كتاب بعنوان “ آراء في الدستور العراقي” في  “سلسلة أوراق ديمقراطية “ تصدر عن مركز العراق لمعلومات الديمقراطية، العدد السادس أكتوبر تشرين الأول 2005، ص 25

[33] فالح عبد الجبار ، نحن والدستور ، مقال ضمن كتاب اراء في الدستور العراقي، مصدر سابق، ص12

[34] حميد مسلم الطرفي، جدلية العلاقة بين الدين والدولة ، ص: 282

[35] حميد مسلم فرهود الطرفي، جدلية العلاقة بين الدين والدولة وأثرها على البنية الدستورية في العراق ومصر، اصدار معهد العلمين للدراسات العليا، طبع العلمين للنشر والعارف للمطبوعات، الطبعة الأولى، 2019،ص:207

[36] المادة(41) من الدستور المؤقت لعام 1963

[37] المادة الأولى من الدستور المؤقت لعام 1968

[38] المادة الأولى من دستور 1970م ونصها» العراق جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة هدفه الأساس تحقيق الدولة العربية الواحدة وإقامة النظام الاشتراكي» ويلاحظ ان النص المذكور حذف ما كان في دستور 1968 الإشارة الى روح الإسلام.

[39] زهير كاظم عبود ، مصدر سابق، ص25

[40] المادة(2) من دستور دولة الكويت 1962

[41] المادة(7) من دستور الامارات العربية المتحدة  1972 المعدل

[42] المادة(1)  من الدستور الدائم لدولة قطر 2005

[43] المادة(3) من دستور جمهورية اليمن لعام 1991 المعدل

[44] المادة الثانية من دستور جمهورية مصر العربية لعام 2014. 

[45] د. محمد طه عليوي، مصدر سابق، ص:254

[46] المادة(3) من دستور الجمهورية العربية السورية لعام2012

[47] ديباجة دستور جمهورية باكستان الإسلامية لعام1973 المعدل

[48] المادة(4) من دستور جمهورية ايران الإسلامية لعام 1979 المعدل

[49] المذكرة التفسيرية لدستور دولة الكويت ،ص:5،

 https://constitutionnet.org/sites/default/files/interpreting_memorandum_of_kuwait_constitution.pdf تاريخ الزيارة 15/4/ 2022

[50] د. عبد الحميد متولي ، الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور، طبع منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الثالثة، 1975، ص:16

[51] السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، 1: 48ـ 49

[52] د. سعد خليفة العبار،مكانة الشريعة بين نصوص الدستور» إشكالية المصطلح والتطبيق»، الطبعة الأولى ، 2022م،  ص 44

[53] القرار رقم 113 لسنة 1994، المفسر بالقرار رقم 208 لسنة 1994، ورد ذلك في نص الدعوى رقم 8 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا «دستورية»، من موقع الانترنت

 http://hrlibrary.umn.edu/arabic/Egypt-SCC-SC/Egypt-SCC-18-Y17.html تاريخ الزيارة 29/6/2022

[54] المستشار طارق البشري ، ص:99

[55] المصدر السابق ، ص100

[56] عبد الاله بلقزيز، الدين والدولة في الاجتماع السياسي العربي والإسلامي، منتدى العارف ، الطبعة الأولى ، بيروت،2015 ص:69

[57] فالح عبد الجبار ، مصدر سابق ،ص16

[58] د. محمد طه عليوه، العلاقة بين الدين والدولة (دراسة مقارنة بين النظام الدستوري المصري والنظم الفرنسية والتركية والإيرانية) ، نشر دار نهوض للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، الكويت 2018، ص: 413

[59] د. محمد طه عليوه، المصدر السابق ، ص354

[60] نقلا عن المستشار طارق البشري،  الوضع القانوني المعاصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، دار الشروق ، الطبعة الأولى، القاهرة 1996ـ ص:24

[61] المادة(3) من الدستور المؤقت لعام 1963

[62] دستور جمهورية العراق المؤقت لعام 1968

[63] المادة الثانية من دستور جمهورية العراق 2005.

[64] زهير كاظم عبود ، مصدر سابق، ص:26

[65] فالح عبد الجبار ، مصدر سابق، ص:9