تاريخ الاستلام 1/9/2023           تاريخ القبول 15/10/2023

تاريخ النشر 25/1/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/wxm48669

الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمراة العراقية

واثره على دورها المجتمعي للمدة (1921- 2003)

The social and economic reality of Iraqi women and

its impact on their societal role for the period (1921-2003)

أ.د  عمار سعدون سلمان

الباحثة: سجى احمد قاسم

 الجامعة المستنصرية - كلية العلوم السياسية

Assist Prof.Dr Ammar Saadoun Salman

Saja Ahmed Qasim

Al-Mustansiriya University/College of Political Sciences

ammartt@uomustansiriyah.edu.iq

saja09323@gamil.com

المستخلص

يهدف البحث الى دراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة في العراق للمدة 1921- 2003 في ظل التحولات السياسية التي رافقت النظام السياسي العراق ، كما يهدف البحث الى دراسة الى اي مدى ساهمت التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من الحد من مشاركة المرأة في العمل السياسي. وتعد المشاركة السياسية للمرأة دليل على وعي المجتمع لذاته وحضارته فالمشاركة السياسية ظاهرة حضارية كما هي ظاهرة سياسية، وحينما يصل المجتمع الى مرحلة معينة من الرقي والتقدم فأن مسألة المشاركة السياسية للمرأة تصبح من قضاياه الأساسية. ويستخلص البحث ان ظاهرة محدودية المشاركة السياسية للمرأة العراقية ومدى تاثير العامل الاجتماعي والاقتصادي في مشاركة المرأة في الحياة السياسية في العراق هي محصلة العديد من العوامل المتفاعلة والمتداخلة على الصعيد المجتمعي العام سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية .

الكلمات المفتاحية : الواقع الاجتماعي، الواقع الاقتصادي، المراة، الدور، العراق.

Abstract

The research aims to study the social and economic reality of women in Iraq for the period 1921-2003 in light of the political transformations that accompanied the Iraqi political system. The research also aims to study the extent to which political, social and economic challenges have contributed to limiting womens participation in political work. Womens political participation is evidence of societys awareness of itself and its civilization. Political participation is a cultural phenomenon as well as a political phenomenon. When society reaches a certain stage of sophistication and progress, the issue of womens political participation becomes one of its fundamental issues. The research concludes that the phenomenon of limited political participation of Iraqi women and the extent of the influence of the social and economic factor on womens participation in political life in Iraq is the result of many interacting and overlapping factors at the general societal level, whether political, economic or social.

Keywords: social reality, economic reality, women, ethnic groups, Iraq

مقدمة:

تأسست الدولة العراقية منذ عام 1921م بنظام ملكي ثم انقلب الى نظام  جمهوري في 14 تموز 1958م، إلا أن نظام الحكم اتخذ شكلاً فردياً دكتاتورياً منذ عام 1979م ولغاية عام 2003، وهذا لا يعني ان نظام الحكم كان ديموقراطياً قبل عام 1979م، فقد اختلفت درجة مشاركة المرأة السياسية في كل حقبة حسب طبيعة النظام السياسي، والتشريعات والقوانين التي نظمت الحياة السياسية آنذاك، ومن اجل رصد اوضاع المرأة العراقية ودورها في الحياة السياسية والبرلمانية في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الدولة العراقية، وعليه تم تقسيم هذا البحث الى مبحثين ، يتضمن المبحث الاول للواقع الاجتماعي للمرأة العراقية من عام 1921- 2003، في حين تضمن المبحث الثاني على الواقع الاقتصادي للمرأة العراقية من عام 1921- 2003 .

أهمية البحث :

تبرز أهمية البحث في امدى تاثير الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة العراقية للمدة من 1921- 2003 في مشاركتها السياسية ، اذ تعد المرأة كونها مظهراً من مظاهر الديمقراطية المعاصرة، ومقوماً ضرورياً لها والتي تتحدث بمجموعة من الحقوق والحريات المتمثلة بحرية الفكر والرأي وتشكيل الاحزاب والمشاركة في أتخاذ القرارات التي تتعلق بمصيرهم، إضافة الى حق التعليم والعمل والمساواة وحق اختيار الحكام ومراقبتهم.

ومن هنا تتأتى أهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل خاص في الواقع العراقي المعاصر في أنها تريد بناء تجربة عصرية متقدمة خاصة بها قائمة على اساس التماسك الاجتماعي، وبناء أجيال ينتظرها مستقبل زاهر والذي لابد أن يعطي للمرأة دورها داخل المجتمع والحياة السياسية بجانب الرجل.

اهداف البحث:

يهدف البحث الى توضيح الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة العراقية من عام 1921 ولغاية 2003 . وكذلك ما مدى تأثير الواقع الاجتماعي والاقتصادي في مشاركة المرة في الحياة السياسية  في العراق للمدة من 1921- 2003م.

إشكالية البحث:-

ما الجذور التاريخية لمشاركة المرأة في الحياة السياسية في العراق؟

وما واقع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق؟

فرضية البحث:

 ينطلق البحث من فرضية مفادها وجود علاقة بين الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمراة في العراق من عام 1921-2003  ومدى تاثيره على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة في العراق في مشاركتها في الحياة السياسية.

منهجية البحث:

 استخدمت هذه الدراسة عدة مناهج بغية التطرق والإلمام بجميع الجوانب المتعلقة بالموضوع مثل المنهج التاريخي والمنهج التحليلي الوصفي.

هيكلية البحث :

انتظم البحث في مبحثين فضلا عن المقدمة والخاتمة ، فقد تضمن المبحث الاول، الواقع الاجتماعي للمرأة في العراق للمدة ما بين 1921- 2003، فيما تضمن المبحث الثاني، الواقع الاقتصادي للمرأة في العراق للمدة ما بين 1921- 2003

المبحث الاول

الواقع الاجتماعي للمرأة في العراق قبل عام 2003

يعد الواقع الاجتماعي للمرأة العراقية كان له تأثير كبير على المشاركة السياسية للمرأة، إذ أن هذا الواقع هو الذي يؤسس نظرة المجتمع للمرأة، وأن وضع المرأة ودورها يختلف باختلاف البناء الاجتماعي الذي تعيش فيه المرأة في تلك الفترة، وكذلك هو يختلف من مكان الى آخر ومن وقت الى آخر، وكذلك بتأثير هذا الواقع بصورة لا سيما بالثقافة، فهذه الأخيرة هي المحك الرئيس في تكوين الشخصية وهي بالتالي نتاج لأساليب التنشئة الاجتماعية السياسية.

وعليه تم تقسيم هذا المبحث  في مطلبين، المطلب الأول القيم والعادات والتقاليد الإجتماعية السائدة في العراق، اما المطلب الثاني التنشئة الإجتماعية السياسية و المرأة والتنظيمات الاجتماعية.

المطلب الأول: القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية

عانت المرأة العراقية من الواقع الاجتماعي للفترة ما قبل عام 2003، من التهميش المقصود وعدم اعطائها الدور الذي تستحقه في حياة المجتمع، بسبب تأثير النظرة التقليدية البدوية وهيمنة الرجل المطلقة، إذ أن لكل مجتمع قيمه ومعاييره التي تتوقف على أوضاعه وأحواله، وفي المجتمع العراقي تعد القيم الحضارية والمعايير الاجتماعية المتعلقة بجعل المرأة معزولة ومقيدة الحركة، الى جانب سيطرة الرجل بمثابة السمات المميزة لثقافة الفرد ( صندوق الامم المتحدة الانمائي 2000،58)، وعادة تقبل الشعوب معتقداتها المتوارثة بخيرها وشرها على أساس أنها حقائق وبديهيات، وهذه المعتقدات قد تشمل نواحي أخلاقية واجتماعية، كانت في وقت ما مثار جدل، ثم انتهت الى الصورة التي تقبلها المجتمع ( صندوق الامم المتحدة الانمائي 2000 ، 60)، اذ  إن الاطار الثقافي السائد في أي مجتمع يشكل القاعدة الاساسية التي تنبثق منها القيم والاتجاهات والتقاليد، وتحدد هذه العناصر الثقافية معايير المجتمع وادوار الفرد بما فيها الادوار النوعية، أي أدوار النساء والرجال، فالمجتمع العراقي بكل أنماطه المختلفة ما زال محكوماً بقيود من القيم الثقافية والاعراف والتقاليد التي توارثت عبر الاجيال مكونة لديهم هوية ثقافية، مازالت فاعلة ومسيطرة في تحديد العلاقة بين الجنسين، وطبيعة تقسيم العمل واذا كانت المرأة بوصفها قيمة اساسية عالية في المجتمع وكونها رمزاً للشرف، هذا يعني إعلاء لمكانتها وقيمتها من جهة وتعدد وسائل حمايتها من جهة أخرى للحفاظ عليها مثل عزلها عن مجتمع الرجال ومنعها من الخروج الى العمل من جهة أخرى ( الرميحي 2007 ، 24)، فقد كانت تنظر المرأة الى الرجل نظرة العبد لسيده والمملوك لمملوكه، وكذلك فان واقع المرأة في تلك الفترة هو الاختلاف الواضح في مستوى حرية المرأة بين الريف والمدينة(حسين 2015 ، 365)، فإن العنصر السلوكي للأفراد  يظهر من خلال الحقيقة التي تؤكد أن القيم هي عبارة عن متغيرات وسطية تحفز على إتيان سلوك معين حينما يتم تحريكها، وهذا ما ينطبق على مشاركة المرأة في الحياة السياسية التي تثير لدى الافراد في المجتمع قيم المساواة والشرف والرجولة والمرأة عندما تحتل موقعاً خصصه المجتمع بكل معاييره من عادات وتقاليد ومعتقدات للرجل، تلك التي تقابل بالرفض الاجتماعي والنقد ( عبد الكريم 2012 ، 22)، وكما هو موضح في الشكل التالي:

شكل رقم (1): العادات والتقاليد

الشكل من عمل الباحثة بالاعتماد على المصدر :- هدى محمد مثنى، المشاركة السياسية للمرأة في العراق، ص 99.

وهذا ما يؤكد أن العادات والتقاليد هي التي تضع المرأة في صورة ثابتة لا يمكن تحريكها إلا بعد مرور فترة زمنية طويلة يستطيع معها المجتمع أن يتقبل الصورة الحديثة للمرأة، وبالتالي تنتهي حالة الرفض الاجتماعي لهذه الصورة الجديدة.

إن النشاطات النسوية التي بدأت في العراق مع ثلاثينيات القرن العشرين جاءت متأثرة نتيجة إتصال المرأة مع مثيلاتها في الدول الاخرى، إذ استطاعت المرأة تحريك الكثير من العادات والتقاليد التي ضيقت الخناق عليها ( عبد الله 2015 ، 235)، فضلا عن أن معالم الحضارة الحديثة قد بدأت تظهر في المدنية أكثر من المجتمع الريفي وهي تتمثل في ناحيتين:

إحداهما : نمو نفوذ المدينة.

والأخرى: ظهور فئة المعلمين والمثقفين ( الوردي 2009 ، 287).

وبالتالي فان تلك المرحلة من أن المرأة بدأت تنتمي الى النوادي الثقافية والإسهام في المؤتمرات النسوية، اذ ساهمت المرأة في العراق في مؤتمر المرأة العربية الثالث في العام(1932)، وهو أول مؤتمر للمرأة في تاريخ العراق حيث شكل بداية لتطور المرأة في المجتمع في ذلك التاريخ ( البياتي 2007 ، 5).

اما في بداية الستينيات فقد شهد المجتمع العراقي تطوراً واضحاً من الناحية السياسية والثقافية والتعليمية والمهنية والإجتماعية للمرأة، من ازدياد عدد المتعلمين في المدارس، فمثلاً كان عدد تلاميذ المدارس الابتدائية في الفترة بين (1920 -1921) حوالي ثمانية الاف تلميذ، ثم اصبح عددهم في عام( 1963 –1964) أكثر من مليون تلميذ  ( الوردي 2009 ، 287)  .

أما في السبعينيات من القرن نفسه، فإن التطور الذي أحرزته المرأة في المجال السياسي كان بسبب سياسة حزب البعث الحاكم، فهو الذي جعل عملية بناء المجتمع العراقي الجديد تبدأ من الانسان العراقي الذي عاش الحرمان والفقر والجهل، وتوفير فرصة التعليم لكل مواطن، لأن ذلك يخلق منه مواطناً قادراً على بناء وطنه ( زيا 2013 ، 144)، ومن اجل ذلك أصدرت الحكومة جملة من القوانين اللا سيما بالتعليم، وقد استهدفت القضاء على الامية ومنها قانون محو الامية لسنة 1971، والقرار (102) لسنة 1974 الذي يخص مجانية التعليم، فضلاً عن القرار (118) لسنة 1976 الخاص بالتعليم الالزامي، فضلاً قرار تنفيذ الحملة الوطنية الشاملة لمحو الامية لعام 1978 للفئة العمرية من ( 15-45) والتي استهدفت المرأة بالذات ( البير 2006 ، 18).

أما في فترة الثمانينيات وخلال فترة الحرب العراقية الايرانية، وما تلاها خلال فترة حرب الخليج عام 1991 وفرض العقوبات الاقتصادية على العراق، شهد مجال التعليم تراجعاً واضحاً وذلك نتيجة تعطيل برامج محو الامية وخططه، ومن جانب آخر تقليص الانفاق الاجتماعي على الصحة والتعليم وغيرها لصالح الانفاق العسكري، فبدأت تتراجع مستويات التعليم فقد أشارت الموازنة العامة للتعليم العالي الى أن جزءاً كبيراً من الميزانية الجارية خلال عقد التسعينيات، تذهب الى الرواتب والأجور على حساب بقية الفصول التشغيلية للموازنة المالية التي تشكل حجر الزاوية في تهيئة وإدامة مستلزمات العملية التعليمية والتربوية ( الملاح ومجذوب 2000،68)، وذلك بموجب قرار صادر من   (مجلس قيادة الثورة (المنحل) في (21) أب 1996)، حيث أدركت الدولة أهمية التعليم الخاص الى جانب التعليم العام ( الملاح ومجذوب 2000 ، 70).

وعليه فإن القيم والعادات الاجتماعية تتصل اتصالا وثيقا بالمجتمع وبالعادات والتقاليد، وأن وجودها في المجتمع لا يعيب على المرأة ممارسة حقوق مماثلة لحقوق الرجل، وإذا ما تمكنت المرأة من استغلال الفرص من أجل إثبات وجودها في كافة المجالات ومنها المجال السياسي، فإن ذلك لا يعيق تقدم المجتمع بل العكس سوف يساهم بتطويره نحو الافضل، ذلك لان المرأة تشكل نصف المجتمع عن أن ممارسة المرأة حقوقها سوف يؤدي الى تغير في بعض هذه العادات والتقاليد في زمن كان من غير الممكن تغيرها.

المطلب الثاني : التنشئة الإجتماعية السياسية و المرأة والتنظيمات الاجتماعية

الفرع الاول : التنشئة الإجتماعية السياسية:

لقد اكدت نظريات التنشئة الإجتماعية السياسية من أن الأسرة هي الخلية الأولى التي تشكل انماط سلوك الفرد وقيمته ودوره في المجتمع عن طريق التربية والتثقيف ( العباسي 2018 ، 168)، وأن من بين أهم الامور التي يتعلمها الفرد خلال عملية التنشئة هي القيام بأدوار معينة محددة، وأهمها ذلك الدور الذي يحدده جنسه (ذكراً أو أنثى)، وبسبب الأوضاع الاجتماعية يكون للذكر ثقافة غير ثقافة الانثى، إذ أن معتقدات الوالدين وثقافة الجنس من حيث هو مذكر أو مؤنث تؤدي دورها بالاتحاء والتوجيه بما هو مناسب أو غير مناسب لكلا الجنسين، فيما يتعلق بالأخلاق والسلوك والاهتمامات والمركز والقيمة، إذ أن هذه المؤثرات هي التي تعمل على توجيه تفكير سلوك الفرد بما يتفق والمتطلبات المفروضة على جنسيهما ( الوردي 2011 ، 160). وبما إن المجتمع العراقي هو جزء من المجتمع الشرقي الذي تكون أهم مميزاته وجود السلطة الأبوية، فقد تغلب على بنية العلاقات الاسرية مظاهر السلطة الأبوية، التي تؤدي الى ظهور هيمنة مزدوجة، متمثلة بسلطة الاب على أفراد أسرته، وسيادة الذكر على الأنثى، من حيث المكانة وتقسيم الادوار داخل الاسرة ( عليان 2019 ،50).

فإن التنشئة الاسرية المستمدة من البنية الإجتماعية والقبلية والثقافة العشائرية وموروثها في المجتمع العراقي، قد عانت منه المرأة العراقية ولعقود طويلة، من جميع أشكال الظلم الاجتماعي والتهميش والاضطهاد والتمييز العنصري والطبقي مما هيأها نفسياً واجتماعياً لقبول التعايش والخضوع لكثير من أشكال وأوجه الابتزاز الاجتماعي (الذكوري)، وقد تحولت تلك الى حالات نفسية عقدية، وعقائدية في اللاوعي الجمعي الثقافي والنفسي للمرأة مما جعلها غير مهيأة للخروج عليها والتعامل معها كمسلمات اجتماعية من الناحية الاخلاقية والعقائدية والدينية، أو مجرد التفكير بكسر قيودها إلا بصعوبة وفي حالات اجتماعية (ثقافية – أسرية) قليلة نسبياً قياساً الى عدد النساء في تركيبة المجتمع العراقي ( البدري 2005 ، 20) .

اذ يرى الدكتور (علي الوردي) أن المرأة بوجه عام تعاني التناشز ( الوردي 2011، 171) الاجتماعي أكثر مما يعانيه الرجل، إذ أن القيم الإجتماعية التي تحيط بالمرأة هي أكثر تشدداً وصرامة من القيم المحيطة بالرجل، وعلى الرغم من أن المرأة العراقية تغير وضعها تدريجياً منذ بداية تشكيل الدولة العراقية عقب الحرب العالمية الأولى ، فقد بدأت تدخل المدارس وتتعلم ودخلت مجال الوظيفة والعمل خارج البيت، إلا أن المشكلة أن هذا التغيير الكبير لم يصحبه تغير في القيم والتقاليد التي تخص المرأة، إذ أن من طبيعة التغير الاجتماعي أنه لا يحدث على وتيرة واحدة في جميع نواحي المجتمع، ففي بعض نواحي المجتمع يكون التغيير كالملابس والمساكن والمهن ووسائل التعليم والثقافة، في حين يكون التغيير بطيئا في النواحي الأخرى كالعادات والمعتقدات والقيم والتقاليد، وهذا يؤدي الى التناشز الاجتماعي، أي أن المرأة العراقية بعد أن تعلمت وخرجت من البيت صارت تطمع أن تكون في مثل المرأة الغربية في تحررها، ولكن القيم الصارمة التي كانت سائدة في الماضي لم تخفف في وقت واحد، ومازال الكثير من الناس يتمسكون بها ( الوردي 2011 ، 173).

وبالرغم من تمكن المرأة من الاشتراك في أتخاذ بعض القرارات المهمة في حياتها مثل التعليم، إلا أنه مازالت القيم المتعلقة بالمرأة والمتمثلة بمضامين الشرف والسمعة تؤدي دوراً مهماً في تقرير سلطة الاب والاخ والزوج على المرأة حفاظاً على شرف الاسرة وسمعتها، وبالتالي يؤدي الى تهميش دورها في الاسرة وتحديد مجال تعليمها ومكان عملها ونوعه عملها خارج المنزل، وعليه فإن أية عملية تحديث تتحول الى آلية للمحافظة على الواقع القائم بدلاً من تغييره ويبقى هذا التغيير يمس المظهر الخارجي من البيئة الاجتماعية، من دون أن يمس الأصل أو الجوهر ( العباسي 2018 ، 170)

وبالتالي إن التنشئة الإجتماعية هي التي تشكل نظرة المجتمع لموقع المرأة في الحياة السياسية ومقدرتها على صنع القرار والتأثير في الاخرين، ويحدد للأنثى مقدار القوة المتاح لها اكتسابها ومن ثم ممارستها، وتنعكس هذه التنشئة ليس على نظرة المجتمع للمرأة فقط وانما في نظرة المرأة نفسها الى ذاتها بشكل يؤدي الى التقليل من اندفاعها نحو المشاركة في الحياة السياسية، وأحياناً اقتصار هذا الدور على حدود الانتخابات من دون أن يمتد ليشمل مشاركة المرأة الفعلية في صنع القرار .

الفرع الثاني: المرأة والتنظيمات الاجتماعية

بدأت الحركة النسوية العراقية النشاط الاجتماعي العلني من خلال مجموعة من النساء المتعلمات من الطبقة الارستقراطية في تأسيس أول نادي نسوي أطلق عليه أسم نادي النهضة النسائية) عام 1932، وكان من بين المشاركات (أسماء الزهاوي ويوليتا حسون، وعقيلات كل من عبد الرحمن الحيدري ونوري السعيد و جعفر العسكري)، وقد شكل هذه النادي تحولاً نوعياً في توجيهات المرأة العراقية ( ناجي ، 66)، وكانت الغاية من تأسيس النادي هو إشعار المرأة بهويتها الحقيقية وتعريفها بمكانتها السامية، والاندفاع نحو إصلاح أحوالها الثقافية والاجتماعية لرفع مستوى المرأة العراقية وضمان حقوقها ( زويني والشمري ، 6).

وفي مطلع الاربعينيات دخلت المرأة العراقية الحياة السياسية، حيث تم تأسيس اللجنة النسائية- لمكافحة الفاشية وكانت تضم بين صفوفها الطبقة الواعية من المثقفات، ومن ثم تم استبدال أسم الجمعية الى اسم الرابطة النسائية واصدرت في عام 1947 مجلة بأسم (تحرير المرأة)، إلا أنها أغلقت بعد صدور عددين منها فقط ( وردة 2008 )، ومن ثم توالت بعد ذلك إنشاء المنظمات والجمعيات ذات الطابع الوطني والاجتماعي مثل جمعية الهلال الاحمر وجمعية الام والطفل والاتحاد النسائي، وقد ساهمت في كثير من المؤتمرات النسوية والانسانية داخل العراق وخارجه ( زويني والشمري ،7).

إن الطابع الذي كانت عليه تلك التنظيمات والجمعيات هو طابع إنساني واجتماعي بحت في اغلب الأحيان، فضلاً عن أن تأسيس تلك الجمعيات كان محصوراً فقط في إطار الطبقة الارستقراطية فقط، وذلك لأن غالبية النساء خلال تلك الفترات كن نساء من الطبقة الفقيرة.

وبعد وصول نظام ( حزب البعث المنحل الى السلطة عمل على تسخير كل ما يملك من إمكانيات في سبيل البقاء في السلطة، حيث عمل تأسيس ( الاتحاد العام لنساء العراق بموجب قرار رقم (139) لسنة (1972) أن حيث نصت المادة (2/ ب) منه على «الاتحاد» مؤسسة اجتماعية ديمقراطية تقدمية تمثل شباب العراق كافة دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين» ( زويني والشمري ، 9) .

ونتيجة لانعدام التعددية الحزبية داخل النظام العراقي والسماح للمؤسسات أو التنظيمات العمل، شكل هذا الاتحاد المتنفس الوحيد للحركة النسوية العراقية، وقد كان للاتحاد نشاط واسع داخل المجتمع العراقي ففي عام 1990 وصل عدد المنتسبات الى أكثر من (300000 امرأة) ثلاثمائة الف إمراة في اكثر من 21 فرع من عموم محافظات العراق ( (Wilson,2003، إلا أن هذا الرقم لم يكن ليشكل في كثير من الاحيان دلالة على الانتماء الطوعي، ذلك لأن هذا الاتحاد كان ليمثل جزءاً أو امتدادا للنظام الحاكم ورغبته في تعزيز حكمه.

إن هذا الاتحاد قدم إنجازات في ميادين مختلفة لكن أهمها أنه قدم الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الامية والتدريب، فضلا عن الإنجازات الأهم فيما يتعلق بمشاركة المرأة في الحياة السياسية حيث شارك هذا الاتحاد في مؤتمر (بيجين) عام 1995، وقد وضعت على أساسه الاستراتيجية العراقية للنهوض بالمرأة، ومن أجل إنجاز هذه الاستراتيجية تم تشكيل لجنة مقرها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ولكن الواقع يشير الى أن عمل هذه اللجنة لم يكن ليحقق الكثير مع كونه تحت التوجيه والسيطرة والمباشرة للنظام القائم  )زهدي ، 97).

ومع ما شهده العراق من أحداث خطيرة للمدة ما بين (1981 -2003)، تمثلت بالحرب العراقية الايرانية وفترة العقوبات الاقتصادية، فأن مثل هذه التطورات كان لابد أن يكون لها تأثير على حالة المرأة العراقية، وإذا كانت المرأة العراقية قد حققت بعض الانجازات إلا أنها قد واجهت صعوبات وتحديات كبيرة، جعلتها تفقد الكثير من الفرص وهذا ما نراه قد انعكس على مشاركتها السياسية التي انخفضت خلال فترة التسعينيات نتيجة ضغوط الأوضاع الاقتصادية المتردية لتشكل تراجعاً عما حققته في السنوات السابقة.

المبحث الثاني

الواقع الاقتصادي للمرأة في العراق

العامل الاقتصادي له تأثير كبير على الجانب السياسي، إذ أنه يؤثر على القوانين والتشريعات التي تسنها الدولة، الأمر الذي ينعكس على المرأة ومشاركتها. إذ أنه في الخمسينيات من القرن الماضي، طور العراق برنامج تنمية اقتصادية واجتماعية أضاف شركات النفط خلال هذه الفترة ظهرت النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال المشاركين في المجال الصناعي، فقد يعمل الرجال في مجالات ومصانع الشركة.

ويختلف المجتمع العراقي عن البلدان الأخرى في أنه سن تشريعات قانونية بشأن المساواة بين الرجل والمرأة وأكدت على حقوقهما قانون العمل رقم 1970/151 وقانون العمل رقم 1987/81 ( هاني 2017 ، 622)، وعليه فان إن مسألة إدماج المرأة في عملية التنمية وتحسين وضعها يعد عنصراً حاسماً في أي استراتيجية تسعى الى إشاعة الديمقراطية، واعتماد مشاركة الجميع في الحياة السياسية ويعد أمراً أساسياً ايضا لتحقيق كل الامكانيات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن السياسية من منطلق التكامل بينهما.

وعليه فقد تم تقسيم هذا المبحث الى مطلبين، المطلب الأول بنية الاقتصاد العراقي حتى عام 2003، اما المطلب الثاني دخول المرأة مجال العمل.

المطلب الأول : بنية الاقتصاد العراقي حتى عام 2003

الاقتصاد العراقي شأنه في ذلك شأن اقتصاديات معظم البلدان النامية اتسم بكونه اقتصاد متخلف ( الحلفي 2015،3)، حيث كان يوصف بأنه اقتصاد وحيد الجانب يعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة من حيث قوة العمل الموظفة، ومن حيث نسبتها الى الدخل القومي ( الحلفي 2015 ، 21)، وكذلك أن الاقتصاد العراقي قد تميز في فترة العهد الملكي، بالتبعية الاقتصادية حيث عمقت السياسية البريطانية التناقضات بين القوى الاجتماعية، وعملت على تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد الانتاج الى اقتصاد الاستهلاك وقامت بتصدير رؤوس الاموال والاستثمارات، فضلاً عن تأسيس البنوك وتقديم القروض لكي تضمن من جعل العراق سوق للبيع وتابع يزودها بالمواد الخام ( الحلفي 2015 ، 21).

ويعد اكتشاف النفط  بكميات تجارية في العام 1927، نقطة البداية في تغيير الاقتصاد العراقي في أوجه عديدة، ودفعه نحو طريق النمو على الرغم من أن العراق لم يبدأ الانتاج إلا في عام 1934، فقد برزت اهمية النفط ليس من الناحية الاقتصادية فقط، من حيث إنه يوفر مورداً رخيصاً للقوى المحركة والمواد الخام اللازمة لتحسين الصناعة والزراعة و وسائل النقل، وكذلك عن تطوير الفرص من حيث استخدام الايدي العاملة، وايضاً برزت أهمية النفط من الناحية السياسية، اذ كان لتدفق النفط في العراق  في انعش الاقتصاد في اجمالي المنطقة العربية وجعلهم يتطلعون الى رفاهية اقتصادية ( عطية ، 266).

وخلال فترة الخمسينيات من القرن العشرين شهد العراق مرحلة من التنمية، إذ تم وضع الخطط التنموية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، على أثر زيادة واردات الدولة من شركات النفط العاملة، فقد تم وضع عشرة خطط استثمارية متوسطة المدى، وفي هذه الفترة تم إنشاء مجلس خاص لمتابعة هذه الخطط عرف بأسم ( مجلس الاعمار) فقد كان تابعاً لوزارة التخطيط، اذ تحققت في تلك الفترة قفزة نوعية هائلة ظهرت مؤشراتها ونتائجها من خلال تطبيق هذه الخطط، وانعكست أثارها الاقتصادية والإجتماعية في معظم مجالات الحياة ( شريجي 2015 ، 51)، إذ أنه في هذه الفترة كان التغيير الاقتصادي هو التغيير الاكثر بروزا لعملية التنمية وليس التغيير البشري ( هادي ،111).

ففي هذه الفترة ظهرت صورة المرأة على خلاف العهود السابقة، التي كان من الصعب خروج المرأة الى العمل بسبب قيود الحجاب والعادات والتقاليد، فقد صورت صورة المرأة التي تشارك الرجل في أعمال الحقل والمعمل وتؤدي الخدمات للمجتمع، يتأثر الاقتصاد العراقي بشدة بدرجة التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية ، حيث إن طبيعة نمط الإنتاج والأداء الاقتصادي في العراق هي قاعدة الريع ونمو اقتصادي ضعيف. تركز القيم الثقافية المحافظة ، مثل دور الحفاظ على الأسرة ، على الأدوار التكميلية بين الرجل والمرأة بدلاً من المساواة. بشكل عام مؤشر العادات والتقاليد أو (القيم الاجتماعية)، من الأسباب المهمة التي أدت إلى ضعف مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل وتدني نسبة مشاركة المرأة في الأنشطة الإقتصادية الطبيعة الريعية للاقتصاد الوطني العراقي ، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي ، وهشاشة هيكل الإنتاج ، وتباطؤ التنمية الاقتصادية في العراق، انتشار الفقر والبطالة والدخل والدخل ، وانعدام العدالة الإجتماعية في توزيع الموارد يؤثر سلبا على التمكين الاقتصادي للناس بشكل عام ، ولا سيماالنساء، ولا يمكن تحليل دور المرأة في المجال الاقتصادي دون الاشارة الى الأوضاع السياسية- الإجتماعية التي ألقت بضلالها على واقع المشاركة الإقتصادية للمرأة، فقد ظهرت صورة المرأة التي تشارك الرجل في اعمال الحقل والمعمل وتؤدي الخدمات للمجتمع إبان مرحلة التنمية في نهاية الستينات والسبعينات حتى بداية الثمانينات من القرن الماضي وهي تاريخ الحرب إذ كان على المرأة ان تملأ الشاغر الذي تركه الرجل في دوائر الدولة والمؤسسات وبعد الثمانينات برزت صورة الأم ( المرأة اداة الانجاب وذلك لتخدم هدفاً سياسياً وهو تعويض النقص الحاصل في الهرم نتيجة الموت بسبب الحرب، وهذا يعني أن هناك اهدافاً سياسية تقف وراء رسم صورة المرأة واتجاهها وهو ما يؤكده (ادوارد سعيد) عندما يذكر بأن الصورة هي نتاج معرفي يتم في سياق علاقة إلحاقيه ما بين المعرفة والسلطة وهي غير بريئة من املاءات سياسية،  ويرى أن كل معرفة هي استجابة واعية أو غير واعية لإملاءات سياسية ( جميل ، 47).

فقد تأثرت المرأة بشكل مباشر جراء الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق ومن ثم الحروب والنزاعات التي توالت بعد سقوط النظام، فقد أدت هذه الحروب الى الانخفاض الحاد في الدخول الحقيقية بالنسبة لذوي الدخل المحدود والمتوسط،  وارتفاع تكاليف المعيشة مما يجعل التعليم ترفا لا تحتمله الأسر ذات الدخل المنخفض، وفي مراحل انخفاض الدخل تميل الأسر العراقية الى توفير التعليم للأبناء الذكور دون الإناث مما أدى الى ارتفاع نسبة الأمية بين النساء وانخفاض معدل الاستيعاب في التعليم، كما أن تضييق فرص التعليم أمام النساء سيقلل من قدرتهن التنافسية في سوق العمل ويسهم في ارتفاع معدل البطالة بينهن وتدهور وضعهن الاقتصادي والاجتماعي ( شلاش 2001 ، 13).

وعلى الرغم من أن التنمية التي تزامنت مع الحرب قد ترتبط بعلاقة قوية مع دخول المرأة الى سوق العمل لقاء أجر، وتزداد قوة هذه العلاقة في الدوائر والمؤسسات الحكومية، إلا أن دخول المرأة الى سوق العمل في العراق رافقه بروز ظاهرة التمييز الجنسي في التعليم والعمل الذي يشير الى اقصاء النساء عن عدد من المهن عند الدخول الى سوق العمل ( عبد الحسين 2006 ،66).

واسهمت عدد من العوامل في الحد من مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي ( يونامي 2001 ، 8-10):

التقسيم التقليدي للعمل: لا تزال هنالك قيم تقليدية يؤثر استمرار عمل المرأة في المنزل والرجل في الخارج في المجتمع العراقي على مشاركة المرأة الإقتصادية في العراق

انعدام الأمن: مئات الآلاف من العراقيين يعانون من أعمال عنف في حياتهم بسبب العديد من الحروب وتدهور الأوضاع والعنف والعقوبات والصراعات الداخلية كذلك أثرت على الواقع الاقتصادي للبلد مما أسهم في تقليل فرص العمل وهو ما أثر على النشاط الاقتصادي للمرأة المحددة سلفاً بأنماط معينة من العمل نتيجة العادات والتقاليد لتواجه بالنتيجة سوق عمل شحيح غير قادر على استيعابها.

انعدام فرص التربية والتعليم: أن الوضع السياسي وسلسلة الحروب غير المنتهية التي خاضها العراق أسهمت في تخفيض الانفاق على التعليم لصالح الدفاع وفي أوقات الحروب حملت النساء وطأة الانخفاض المستمر في الانفاق على التعليم من حيث القراءة والكتابة والتعليم والعمالة، حتى وصل معدل الأمية في صفوف النساء الى ضعف معدل الرجال، بسبب التفضيل التقليدي لتعليم الأولاد على البنات، في أوقات الحروب والأزمات مما أسهم في انتاج أجيال أمية من النساء غير مؤهلات لدخول سوق العمل أو المنافسة الوظيفية.

القطاع الخاص غير المتطور: يتسم القطاع الخاص في العراق بالضعف والتدهور بسبب الاهمال المالي والتنظيمي وانعدام الشفافية والوضع الأمني غير المستقر وعدم وجود اطار قانوني داعم مما يؤدي الى صعوبة وصول العاملين في القطاع الخاص الى الضمان الاجتماعي والاجازات أكثر مما يواجه موظفو القطاع العام لذلك تختار الكثير من النساء طلب التوظيف في القطاع العام.

الممارسات التمييزية: تشير بعض التقارير الدولية بشأن التمييز ضد المرأة في التوظيف والترقيات والادارة الى عدم المساواة في المعاملة والأجر للمرأة في القطاع الخاص، وهناك أسباب كثيرة بعضهم يبررها بأهلية الرجل على المرأة لأنه نادراً ما يحتاج الى اجازات بناءً على احتياجات رعاية الأطفال مثلاً، وهذه السياسات التمييزية قللت من فرص المرأة في الحصول على عمل في ظل عدم وجود ضمانات لذلك.

المطلب الثاني : المرأة ودخولها مجال العمل

لا يمكن معالجة النهوض بالمرأة في العراق إلا من خلال مشاريع التنمية الوطنية الشاملة التي تضمن المساواة والعدالة الإجتماعية وتضمن الاستخدام الأمثل للموارد البشرية ( محمد ،13)، كما أن جذب المرأة الى العمل خارج المنزل مقابل أجر، له مدلول سياسي واجتماعي فضلاً عن مدلوله الاقتصادي)  ( الزبيدي، 256)، لقد تميز العراق بانه كان سباقاً بتشريعاته القانونية التي تساوي بين المرأة والرجل في مجال العمل مثل قانون العمل رقم (51) لسنة (1970)، الذي أستبدل فيما بعد بقانون رقــــم (81) لسنة (1987)، والذي تضمن فقرات مهمة شكلت حماية لحقوق المرأة العاملة في العراق ومساواتها مع الرجل في الاجور، فضلاً عن التأكيد على ضمان حقوقها في حالات الحمل والولادة ( زويني والشمري ، 75).

ومع بداية الحرب العراقية الايرانية في عام 1980، كان على المرأة ملء الكثير من الفراغات التي خلفها الرجل بعد انخراط مليون رجل أو ما يزيد عليه في القوات المسلحة أبان تلك الحرب، ولقد أظهرت المرأة العراقية تفوقاً كبيراً يمكن أن يؤشر تاريخياً بأنها استطاعت أن تدير الجهد المدني، وحافظت على بنية المجتمع ومنعته من الانهيار بفعل دورها المتميز داخل الاسرة، فهي الاب والام وهي المسؤولة عن تلبية كل الاحتياجات اليومية للأسرة)  ( الفتلاوي 2006)، وعادت لكي تتدهور بشكل ملحوظ أبان مرحلة التسعينيات ومرحلة العقوبات الإقتصادية وما رافقه من انخفاض حاد في الاجور الحقيقية، مما أدى الى تزايد انسحاب المرأة من العمل، ومع الإشارة إلى أن المرأة وفي المرحلتين السابقتين لم تتمكن من المشاركة بصورة كبيرة في سوق العمل بالشكل الذي يتناسب مع حجمها، كما يوضحه الجدول رقم (2) وهو يبين وجود نسب متدنية جداً للمرأة في سوق العمل.

جدول رقم (2) :نسبة النساء العاملات في دوائر الدولة العراقية

ت

السنة

عدد النساء

المجموع الكلي ( رجال ونساء)

النسبة المئوية

ا

1987

278156

900532

30.88%

2

1988

280414

943938

29.7%

3

1990

91799

144369

63.6%

4

1992

305824

825905

37%

5

1993

313008

821063

38.1%

6

1994

3227666

831523

38.8%

7

1995

338009

854093

39.6%

8

1996

337408

854044

39.6%

9

1997

346805

874157

40.2%

10

1998

348712

882344

41.5%

11

1999

349903

884516

41.8%

12

2000

351335

885605

41.9%

13

2001

352210

887707

42.2%

14

2002

355607

887099

43.5%

Source: Committee o the Elimination of Discrimination against Women (CEDAW), 19 October, 2002  p 17.

وللاستدلال على واقع المرأة العراقية خلال العقدين الاخيرين يمكن الاستشهاد بما جاء في وثيقة «الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية « الصادرة عام 1997 من قبل اللجنة الوطنية للنهوض بالمرأة، وقد كان الاتحاد العام لنساء العراق عضواً فيها، فهي تؤكد انحساراً كبيراً في دور المرأة وتراجعاً في مساهماتها في الحياة العامة، فضلاً عن ذلك اضطرار أعداد كبيرة من النساء العراقيات الى التخلي عن الحياة العملية للتفرغ لشؤون الاسرة، من أجل النهوض بأعباء الحياة اليومية والعمل على تأمين المتطلبات اليومية للأسرة والاطفال بشكل خاص، تدهور الوضع النفسي والصحي للمرأة من جراء معاناتهن اليومية بسبب نقص الغذاء والدواء، ونقص الاحتياجات الانسانية الاساسية للعائلة وللمرأة بشكل خاص، كما هو موضح بالشكل رقم (2) ( ادورد ،2)

شكل رقم (2): يوضح اسباب دفع المرأة للعمل

 مخطط من عمل الباحثة بالاعتماد على الوثيقة الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية الصادرة لسنة 1977

إذ أن اكثر الصعوبات التي تواجه المرأة في مشاركتها في العمل هي الاجور التشجيعية من قبل الاخرين والضمان الاجتماعي والاقتصادي، ونظرة المجتمع تعدد الاطوار بالشعور بعدم الثقة وكما موضح في جدول رقم (3).

جدول رقم(3) : يوضح الصعوبات التي تواجه المرأة في العمل

الصعوبات

النسبة المئوية

الاجور

8%

التشجيع من قبل الاخرين

26%

الضمان الاجتماعي والاقتصادي

16%

نظرة المجتمع

30%

تعدد الاطوار

12%

الشعور بعدم الثقة

8%

المصدر: عمل الباحثة بالاعتماد عمار سعدون سلمان، الدور التنموي للمرأة في ظل التحديات الامنية والإقتصادية والإجتماعية العراق بعد عام 2003 انموذجا، مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد 11،ج21، 2022،ص48.

كل هذه الاسباب فضلا عن مفاضلة الرجل على المرأة لعبت دورا كبيرا في اضعاف دور المرأة العراقية في المشاركة في العمل[1].

الخاتمة:

بين لنا الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة العراقية من عام (1921- 2003) ان هناك ضعفاً في مشاركة المرأة العراقية في الحياة السياسية، وكذلك ضعف في سلوكها الانتخابي سواء على مستوى الترشيح أو على مستوى التصويت، فضلا عن أنها حتى وان كانت موجودة داخل مجلس النواب العراقي كممثلة للشعب وللمرأة بشكل خاص، إلا أن وجودها كان عددياً اكثر مما هو نوعي، وهذا الضعف يعود الى عوامل عدة، فهناك عوامل موضوعية تتعلق بالقيود الثقافية والاجتماعية، المفروضة على المرأة في المجتمع، كما ان هناك عوامل ذاتية تتعلق بموقف المرأة نفسها من العمل السياسي .

 

[1] عمار سعدون سلمان، المصدر نفسه ،ص ص47-48.