تاريخ الاستلام 14/11/2023            تاريخ القبول 20/12/2023

 تاريخ النشر 25/1/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI 10.61279/smkb7b76

النظام البرلماني في العراق

بين النصوص الدستورية والتوافقية السياسية

Parliamentary system in Iraq

Between constitutional texts and political consensus

م. د . عبدالغفور اسعد عبدالوهاب

كلية دجلة الجامعة - قسم القانون

Dr . Abdel Ghafoor Asaad ABDEL WAHAB

Degla College, National University

ghafoor.asaad@duc.edu.iq

المستخلص

نشأ النظام البرلماني في بريطانيا التي تعد الدولة الأم  لهذا النظام ، ومنها إنتقل إلى العديد من الدول ومنها العراق الذي طبق هذا النظام منذ تاسيس الدولة العراقية بعد صدور القانون الاساسي عام 1925، وبعد انتهاء هذا الدستور عام 1958 تم الأخذ بالنظام الرئاسي الشمولي حتى عام 2003 ، الذي تغيرت به مجريات الأمور في العراق ،  وتم تطبيق النظام البرلماني مجدداً بدستور 2005 ، إلا أن هذا النظام حدث فيه الكثير من المتغيرات في الواقع العراقي تمثل بظهور التوافقية السياسية في ادارة الدولة ما أدى الى انحراف هذا النظام عن المبادئ التقليدية التي قام عليها ، ان النظام النيابي البرلماني طبق في العراق قديماً وحديثاً إلا أنه يخضع للتوافق السياسي بشكل واضح الذي ادى الى تغليب التوافق السياسي على النصوص  الدستورية .

كلمات مفتاحية : النظام البرلماني . التوافق السياسي . السلطة التشريعية. دستور

Abstract

   The parliamentary system created established in Britain, which is the mother country of this system, and from it moved to many countries, including Iraq, which applied this system since the establishment of the Iraqi state after the issuance of the constitution in 1925, and after the end of this constitution in 1958 , the totalitarian system was introduced until 2003, which changed it The course of things in Iraq, and the parliamentary system was applied again with the constitution of 2005, but this system had many changes in the Iraqi reality represented by the emergence of political consensus in the administration of the state, which led to the deviation of this system from the traditional principles on which it was based, so this system has Primarily in Iraq, however, it is largely subject to political consensus, which has led to the matter taking precedence over constitutional texts

Keywords: Parliamentary system. Political  consensus. Legislature. Constitution

المقدمة

ظل العراق تحت الهيمنة العثمانية لأكثر من اربعمائة سنة ، وكان يشكل جزءاً من النظام السياسي للامبراطورية العثمانية حتى سقوط بغداد عام 1917 ، وكان العراق قبل الاحتلال البريطاني يحكم قانوناً وفعلاً من لدن السلطات العثمانية وتسري عليه احكام القانون الاساسي العثماني الصادر سنة 1876 وبعد الحرب العالمية الاولى وتأسيس الدولة العراقية الحديثة صدر القانون الاساسي لسنة 1925 واستمر تطبيقه حتى قيام ثورة 14 تموز عام 1958 ومن قراءة نصوص الدستور الملكي يتبين بجلاء اعتناقه للنظام النيابي البرلماني ، وفي الرابع عشر من تموز 1958 استولت مجموعة من الضباط على السلطة وقامت بتصفية رموز النظام الملكي والغت القانون الاساسي لسنة 1925 ، وصدرت بعد هذا التاريخ 1958-2003 عدة دساتير مؤقتة ومرنة واخذت بنظام الحكم الجمهوري ركزت فيه السلطة لصالح رئيس الجمهورية (نظام رئاسي) وبعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 صدر قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية في 8/3/2004 الذي رسم الية وضع دستور جمهورية العراق لعام 2005 الذي اقر ايضاً الاخذ بالنظام النيابي البرلماني . الا ان تطبيق النظام البرلماني في العراق واجه العديد من الاخفاقات منها ما تعلق باركان النظام البرلماني ومنها ما تعلق بعناصر تلك الاركان ، فضلاً عن ترجيح سلطة على اخرى وكذلك ترجيح التوافقات السياسية على الاعتبارات الدستورية والموضوعية ، وانطلاقا مما سبق ومن اجل الاسهام في تطوير التجربة البرلمانية في العراق والدفع باتجاه تجاوز العوائق التي شابت هذه التجربة قمنا ببحث هذا الموضوع .

اولاً : اهمية البحث :

ان بناء الدولة والمجتمعات البشرية وتطورها وتقدمها يرتكز اضافة الى القدرات الذهنية والفكرية الايجابية للانسان على النظام الدستوري وما يتضمنه من تشريعات وافية في بنودها وغير قابلة للتفسير وتطبيقها الصحيح في حيز الواقع يضمن استقرار النظام السياسي ويوفر اطاراً قانونياً للحكم والعدل ويحدد اليات تشكيل السلطات وحل النزاعات السياسية افضل من التوافقات السياسية ، فضلاً عن ان القواعد الدستورية تضمن توازن القوى السياسية ومنع اساءة استعمال السلطة .

ثانياً : الهدف من البحث :

     يهدف البحث الى تجاوز مرحلة  الماضي في تأخير تشكيل المؤسسات الدستورية طبقاً لاحكام الدستور والانطلاق في عملية بناء دولة القانون وبث روح الثقة المتبادلة بين كافة الاطراف في الدولة العراقية بنظام دستوري وتشريعات سليمة من حيث الصياغة والمضمون والتطبيق وصولاً الى مصاف الدول المتقدمة .

ثالثاً : مشكلة البحث :

تتلخص مشكلة البحث في تسليط الضوء على واقع التجربة البرلمانية في العراق وعرض الصعوبات والمعوقات التي واجهت تطبيق النظام البرلماني واهم هذه المشاكل هو تغليب التوافقات السياسية على القواعد الدستورية في تشكيل السلطات . وهذا ما كان يلاحظ أبان تطبيق القانون الاساسي لسنة 1925 حيث كانت السلطة التنفيذية مهيمنة على المجلس النيابي التي أتسم بالضعف والتبعية للسلطة التنفيذية ، وكذلك يلاحظ بجلاء بالنسبة لتطبيق دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، حيث ابتدعت القوى السياسية الفاعلة مبدأ المحاصصة والتوافق الذي لا علاقة له بخصائص النظام البرلماني المعروفة .

رابعاً : منهجية البحث :

من المعلوم ان لكل بحث طبيعته الذاتية وفكرة الباحث – التي تميزه عن غيره من البحوث -  وفي ضوء هذه الحقيقة سنعتمد المنهج الوصفي التحليلي للنظام الدستوري في العراق بالاستعانة بالمناهج الاخرى بابراز السلبيات والايجابيات والوقوف على خصوصية كل مرحلة من مراحل التطور الدستوري في العراق حتى وصلت الى صيغتها الحالية .

خامساً : هيكلية البحث :

تنقسم هيكلية البحث الى مبحثين الاول الاطار المفاهيمي للنظام البرلماني في العراق ، والثاني احكام النظام البرلماني في العراق بين النصوص الدستورية والتوافقات السياسية ونختم ذلك ببعض النتائج والتوصيات .

المبحث الاول

الاطار المفاهيمي للنظام البرلماني في العراق

يعد البرلمان السبيل الوحيد لمشاركة الافراد في الحكم ، ويتبوأ مكانة متميزة في النظام السياسي والدستوري للدول بالشكل الذي يجعل منه عصب الدولة . وقد طبق العراق النظام النيابي البرلماني اول مرة عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة بموجب القانون الاساسي لعام 1925 في العهد الملكي ، وتجددت التجربة البرلمانية بعد عام 2003 طبقاً لاحكام دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، وسنتناول هذا المبحث بمطلبين الاول ماهية النظام النيابي البرلماني ، وتأصيل النظام البرلماني في العراق بالمطلب الثاني .

المطلب الاول: ماهية النظام النيابي البرلماني    

يقصد بالنظام كمصطلح قانوني ، مجموعة القواعد القانونية المتميزة بالتماسك فيما بينها ، وبالثبات في تطبيقها ، والتي تهدف الى تحقيق غرض معين مشترك ، ومن امثلته النظام النيابي ، ويراد بالنظام النيابي اختيار الشعب لاشخاص يباشرون السلطة نيابة عنهم ، ويقوم النظام النيابي على اسس منها :

تشكيل البرلمان عن طريق الانتخابات من قبل الشعب السياسي .

تجديد البرلمان بعد فترة زمنية محددة في الدستور والقانون .

اعتبار عضو المجلس البرلماني ممثلاً للشعب كله ، لا لدائرته الانتخابية .

استقلال البرلمان عن الناخبين مدة نيابته[1] .

ليس للنظام النيابي صورة واحدة ، وانما تتعدد داخله اشكال الحكومات وفقاً لطريقة توزيع سلطة الدولة في مجالي التشريع والتنفيذ بين الهيئات السياسية المختلفة ، وما يقوم بينها من علاقات على اساس الفصل بينهما مع اختلاف في درجة هذا الفصل ومداه . وعلى ذلك فأن نظم الحكم النيابي تقسم تقليدياً من هذه الزاوية الى ثلاث صور رئيسية : النظام البرلماني القائم على الفصل المرن كما في بريطانيا ، والنظام الرئاسي الذي يقوم على الفصل الجامد كما في الولايات المتحدة الامريكية ، والنظام المجلسي القائم على اندماج السلطات كما في سويسرا[2]

لقد تعددت تعريفات الفقه للنظام البرلماني وتباينت ، الا ان اغلب هذه التعريفات ، رغم اختلافها في الصياغة ، قد اتفقت على ضرورة توافر عناصر معينة حتى يقوم النظام البرلماني ، فالدكتور عبد الحميد متولي ، مثلاً ، يرى ان ثمة شروطاً معينة يلزم توافرها لكي يوصف نظام سياسي ما بأنه (برلماني) وهي : المسؤولية السياسية الجماعية للوزراء ، والتوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وعدم مسؤولية رئيس الدولة[3]

كما عرف انه النظام الذي يقوم على اساس التوازن والتعاون بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، وهذا التعريف يركز على مسألة التوازن والتعاون بين السلطات ، وكذلك ثنائية السلطة التنفيذية التي تتكون من رئيس الدولة والحكومة (الوزارة)[4]

خلاصة القول ان النظام البرلماني يتميز بثنائية الجهاز التنفيذي إذ يميز بين رئيس الدولة (ملكاً او رئيساً) ورئيس الحكومة ويجعل الاول غير مسؤول بينما يجعل الثاني رئيساً لهيئة جماعية مسؤولة عن وضع السياسة العامة للحكومة ويسأل اعضاؤها جميعاً بالتضامن عن تلك السياسة العامة ، ويتميز بالفصل المرن بين السلطات وكذلك التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية[5].

بما ان السلطة الفعلية هي في يد الحكومة بالنظام البرلماني وان رئيس الدولة لا يباشر اية سلطة فعلية فيجب عليه ان يكون في مركز الموجه والناصح ، كما يجب عليه ان ينأى بنفسه كلية عن التيارات الحزبية والسياسية . وان يقف منها موقفاً حيادياً مطلقاً فيضمن ثقة الجميع واستعدادهم لقبول توجيهاته ونصائحه .

المطلب الثاني: أصل النظام البرلماني في العراق

نشأ النظام البرلماني في انجلترا بالتدرج نتيجة لتطور تأريخي ، ولم يقم على اساس نصوص دستورية فحسب ، وانما كان للعرف دوراً مؤثراً في ارساء قواعده ، لذلك اعتبرت بريطانيا مهد النظام البرلماني ، ومن انكلترا انتقل الى دول عديدة منها العراق ، فقد طبق النظام الدستوري العراقي الحكومة البرلمانية في العهد الملكي ، واُعيد تطبيقه ايضاً بعد عام 2003 طبقاً لاحكام دستور جمهورية العراق لعام 2005 وهذا ما سنتناوله في ادناه .

 أولاً :  القانون الاساسي لسنة 1925 .

بعد ان استقل العراق من الدولة العثمانية ، وأصبح خاضعاً للاحتلال البريطاني ، عمدَ هذا الاحتلال على تطبيق نظام الحكم في العراق شبيهاً بالنظام الملكي البريطاني ، حتى لا يصعب على الإدارة البريطانية إدارة شؤون الحكم في العراق ، لذلك كرست سلطة الاحتلال البريطاني جهودها نحو تبني نظام الحكم النيابي البرلماني ، وهذا ما حدث بالفعل هو تشريع القانون الاساسي لسنة 1925 الذي عبر عنه (أيرلند) ، لم يكن اداة للحكم فقط بل وسيلة من الوسائل السياسية التي تحافظ بريطانيا بواسطتها على مصالحها التي تضمنتها المعاهدة[6] العراقية البريطانية  حيث اتبع أسلوب فرض الإرادات على الجانب العراقي بحيث الرأي البريطاني هو الغالب خصوصاً فيما يتعلق بمشروع مسودة القانون الاساسي يجب أن يعرض على وزارة المستعمرات البريطانية التي تعدل ما تشاء وفق توجهاتها ، لذلك دأبت سلطة الاحتلال على فرض النظام البرلماني النيابي  بموجب القانون الاساسي لسنة 1925 [7]. وبالفعل تم تبني هذا النظام في هذا الدستور الذي نص على أن (( العراق دولة ذات سيادة وهي حرة ملكها لا يتجزء ولا يتنازل عن شيء منه وحكومته ملكية وراثية وشكلها نيابي برلماني))[8].

نستدل مما تقدم إن الأصل الأول للنظام النيابي البرلماني في العراق بعد تأسيس الدولة العراقية بالمفهوم الحديث و استقلالها عن الدولة العثمانية يعود للقانون الاساسي لسنة 1925 الذي أخذ بالنظام النيابي البرلماني الملكي الوراثي.  وتجدر الاشارة الى ان العراق قد استقرعلى هذا النظام طيلة فترة الحكم الملكي فيه ، إذ استمر العمل بهذا الدستور حتى ثورة عام 1958 التي غيرت نظام الحكم الملكي الى جمهوري ومن نظام برلماني الى نظام رئاسي شمولي سيطرعلى مجريات الحكم في العراق من خلال العديد من الانقلابات العسكرية التي تستولى على السلطة بالقوة دون اللجوء الى ارادة الشعب في اختيار السلطة الحاكمة .

لقد بقى العراق مستقرا على النظام البرلماني منذ تأسيس الدولة وحتى عام 1958 رغم التغيرات السياسية التي تحصل في الأشخاص الذين يتولون رئاسة الوزراة ، لأن الملك ثابت لا يتغير الا بالوراثه وبذلك كان العراق يسوده الاستقرار السياسي في تلك الفترة [9] ، ونحسب هذا الاستقرار بأنه يعود الى شخص الملك الذي يهيمن على السلطة ولا يمكن تغييره ، فالتغير يحدث على الوزارة  بتغيير رئيسها واعضاءها مع بقاء الملك في مكانه وبذلك استقر الحكم الملكي للعراق نسبياً في تلك المرحلة .

ان النظام البرلماني (النيابي) في العراق في العهد الملكي لم يكن كما موجود في بريطانيا ، لان صلاحيات الملك في العراق كثيرة  ومتنوعة ومؤثرة في كثير من الأحيان عكس بريطانيا فالملك فيها مصون غير مسؤول ، اما في العراق فأن الملك يتمتع بصلاحيات واسعة بالجانب التنفيذي من حيث اختيار رئيس الوزراء مثلاً واقالته و تعيين بقية الوزراء وإبرام المعاهدات وغيرها من الاختصاصات[10]، وكذلك الاختصاصات  التشريعة  للملك فأنها كثيرة ومتنوعة فله حق  تعين مجلس الاعيان ، واقتراح القوانين والمصادقة عليها وغيرها ، فضلاً عن  الاختصاصات القضائية[11]، حيث اعطى القانون الاساسي للملك سلطة التخفيف عن العقوبات المقررة وفقاً لاحكام قضائية ، وله كذلك ان يرفعها بعفو خاص . أما العفو العام ، فلا يعلن الا بموافقة السلطة التشريعية ، وكذلك لا تنفذ احكام الاعدام الا بعد مصادقة الملك عليها المادة (26) الفقرة (11) .

ثانياً :  قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 .

صدر قانون إدارة الدولة العراقية  للمرحلة الانتقالية لسنة  2004  في 8/3/2004 ونشر في الجريدة الرسمية[12]. حيث كان بمثابة دستور مؤقت نحو الانتقال  الى نظام حكم دستوري دائم الا انه لم ينص بشكل صريح على النظام البرلماني اذ نص على تبني نظام الحكم الفيدرالي فنص على انه ( نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي (فيدرالي) ديمقراطي تعددي ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية والمحافظات والبلديات والادارات المحلية  ويقوم النظام الاتحادي على اساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على اساس الاصل او العرق او الاثنية او القومية او المذهب)[13].    

نلاحظ على هذا النص انه لم يبين تبني العراق النظام البرلماني بشكل صريح ، وانما اشار الى ذلك من خلال قيام النظام الاتحادي في العراق على نظام الفصل بين السلطات وكذلك تبني النظام الفيدرالي الاتحادي . وتجدر الاشارة هنا ايضا الى ان قانون إدارة  الدولة قد بين على ان الحكومة الانتقالية في العراق تتالف من جهات معينه اذ نص بانه ( تتالف الحكومة العراقية الانتقالية والمشار اليها ايضا في هذا القانون بالحكومة الاتحادية من الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ، وبضمنه  رئيس الوزراء والسلطة القضائية ، تكون السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية منفصلة ومستقلة الواحدة عن الاخرى))[14]، وبذلك فان العراق اخذ بالنظام الاتحادي وركز قانون إدارة الدولة على مسالة الاتحاد الفيدرالي اكثر من مسالة النظام البرلماني وهذا يعكس التوجه الجديد في العراق على الاخذ بالنظام الاتحادي[15] . كما ان هذا القانون اشار الى النظام البرلماني من خلال النص على تقسيم السلطة التنفيذية الانتقالية اذ نص على انه ((  تتكون السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء  ورئيسه))[16].ان هذا التقسيم يشير الى ثنائية السلطة التنفيذية الموجودة في النظام البرلماني.

نستنتج مما سبق ان قانون إدارة الدولة العراقية  نشأ في فترة إنتقالية صعبة وهي الاحتلال الامريكي ، ومحاولة الحاكم المدني للعراق فرض الرؤية الامريكية لإدارة العراق ، كما حصل في اسلوب نشأة القانون الاساسي لعام 1925 باعتباره وليد الانتداب البريطاني ، ونعتقد ان ظهور التوافقية السياسية في العراق بدأت بعد 2003 ، خصوصاً مع صدور قانون إدارة الدولة العراقية الذي أوجد سلطات الدولة المختلفة ، إلا ان تولي هذه السلطات والمناصب الاخرى في الدولة كان بناءً على المحاصصة الطائفية والتوافقية .

ثالثاً : دستور جمهورية العراق لسنة 2005 [17] .

رسم قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 آلية وضع دستور جمهورية العراق الدائم بموجب (المادة 61) منه ، لقد قام النظام السياسي وفقاً للدستور النافذ على الأخذ بالنظام النيابي البرلماني الديمقراطي (المادة الاولى) . وهذا يعني ان شكل نظام الحكم جمهوري ، وشكل الحكومة برلماني الذي يقوم على اساس التعاون والتوازن بين السلطات ، الا ان الاختصاصات التي منحت لمجلس النواب تتعارض مع خصائص النظام النيابي البرلماني ، حيث يلاحظ ان المشرع الدستوري اتجه الى تقوية (مجلس النواب) على حساب السلطة التنفيذية ، كما نص على ان جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة (المادة الاولى) وهذا يعني ان شكل الدولة اتحادي الا انه اغفل خاصية جوهرية في النظام الاتحادي لعدم نصه على آلية تكوين مجلس الاتحاد وبيان اختصاصاته ، وكذلك إرجاء اقامته الى دورة انتخابية اخرى  ولم يشكل لحد الآن ، ونعتقد ان تأخير تشكيل مجلس الاتحاد يعد قصوراً تشريعياً دستورياً . سيما ان الاتجاه السائد يرى ان هناك تلازماً بين الفيدرالية ونظام ثنائية السلطة التشريعية .

نستنتج بجلاء بالنسبة لتطبيق دستور العراق لسنة 2005 اخذ بالنظام البرلماني الديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق . الا ان التطبيق العملي يشير الى ان القوى السياسية ابتدعت مبدأ المحاصصة والتوافق السياسي الذي لا علاقة له بخصائص النظام البرلماني المعروفة ، وبذلك يبدو تغليب التوافقات السياسية على النصوص الدستورية بشكل واضح[18].

المبحث الثاني

أحكام النظام البرلماني في العراق

بين النصوص الدستورية والتوافقات السياسية

بعد ان تبنى دستور جمهورية العراق لسنة  2005 النظام البرلماني فان هذا الدستور قد وضح مكونات هذا النظام من حيث بيان سلطات الدولة المختلفة والاختصاصات التي تتمتع بها هذه السلطات ، حيث وضح الدستور العراقي النافذ الالية التي يتم فيها تشكيل هذه السلطات الا ان التوافق السياسي بين الكتل له اثر كبير في تشكيل كل منها ، مما ادى الى ظهور ايجابيات لهذا النظام وبعض المساوئ ، لذلك سوف نبين بأن نظام الحكم البرلماني في العراق من خلال بيان السلطتين التشريعية والتنفيذية باعتبارهما اكثر السلطات خضوعا للتوافقات السياسية ونترك مسالة البحث في السلطة القضائيه باعتبارها اكثر استقرارا في العمل من باقي السلطات ، وسنقسم هذا المبحث في مطلبين الاول السلطة التشريعية والتنفيذية بين النصوص الدستورية والتوافقات السياسية والمطلب الثاني تقييم النظام البرلماني وعلى النحو الاتي:

المطلب الاول: السلطتين التشريعية والتنفيذية بين النصوص الدستورية والتوافقات السياسية

ان لكل سلطة من السلطات لها طريقة تكوين و إختصاص نص عليها الدستور العراقي لعام 2005 النافذ . ولقد تبنى المشرع الدستوري العراقي النظام النيابي البرلماني الذي يشير الى وجود مجلس نواب يمارس اختصاصاته ، وكذلك وجود ثنائية السلطة التنفيذية ، والتوازن بين السلطتين يمنع الخلافات بينها على حساب المصلحة العامة ، كما ان التعاون بينهما يؤدي الى انجاز الوظيفتين على افضل وجه ممكن ، هذا الى جانب الرقابة المتبادلة بينهما تمنع كل منهما الخروج على اختصاصاتها او العمل خارج النصوص الدستورية والصالح العام وكذلك الابتعاد عن التوافقات بكل اشكالها وخصوصاً السياسية منها ، وسوف نوضح ذلك على النحو الآتي :

اولاً : السلطة التشريعية :

ان السلطة التشريعية في العراق بموجب دستور سنه 2005 النافذ تتكون من مجلسين اذ نص على انه (( تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد))[19]، وتم تشكيل مجلس النواب العراقي وبدأ عمله منذ صدور دستور العراق لسنة  2005 ، الا ان مجلس الاتحاد لم يتم تشكيله لحد الان  بسبب عدم وجود التوافقات السياسية رغم  النص على ذلك في الدستور اذ نص ( على انه يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بمجلس الاتحاد يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ،وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به بقانون يسن باغلبيه ثلثي اعضاء مجلس النواب)[20]، وبالتالي تم تعطيل هذا النص الدستوري فعلياً بسبب عدم وجود التوافق السياسي حول كيفية  تشكيل هذا المجلس مما جعل قوة التوافق السياسي تتفوق على قوة النص الدستوري رغم ان الدستور العراقي اعطى مهلة مناسبة تمثلت بالدورة الانتخابية الاولى لتشريع قانون مجلس الاتحاد اذ نص على انه (يؤجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد اينما وردت في هذا الدستور الى حين صدور قرار من مجلس النواب باغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الاولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور)[21].

تجدر الاشارة الى انه ترك مسألة تشريع قانون ينظم عمل مجلس الاتحاد وكيفية تشكيله لمجلس النواب أمر فيه خطورة خصوصا عندما يتأخر مجلس النواب في تشريع قانون مجلس الاتحاد او يقلل من الجانب الرقابي او ما شبه ذلك اذ يؤدي ذلك الى خضوع مجلس الاتحاد للتوافقات السياسية التي بدورها ستجعل مصالح الاحزاب والكتل السياسية هي الغالبة في هذا الموضوع وبالتالي بقى قانون مجلس الاتحاد دون تشريع رغم النص عليه في دستور سنة 2005 [22]، أما ما يخص مجلس النواب العراقي فهو الآخر خاضع للتوافق السياسي بشكل واضح خصوصا في مسألة انتخاب رئيس المجلس ونائبيه[23]، حيث تكون التدخلات السياسية كبيرة جداً اذ يتم التوافق بين الكتل السياسية على شخص رئيس المجلس قبل انعقاد الجلسه الاولى ، وكذلك على نائبي الرئيس إذ تجتمع الكتل السياسية فيما بينها من اجل التوافق على شخص رئيس مجلس النواب فيتم الاتفاق على شخصية معينه لرئاسه المجلس وفق نظام المحاصصة  فيكون الرئيس من طائفة معينة والنائب الاول والثاني كذلك من طوائف مختلفة رغم ان النص الدستوري نص على انتخاب رئيس المجلس ونائبيه دون التطرق الى مساله التوافقية السياسية إذ نص على انه (  ينتخب مجلس نواب في اول جلسة له رئيساً ثم نائباً اول ونائباً ثانياً ، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر)[24] .

يتضح من ذلك ان التوافق السياسي بين الكتل السياسية قد حسم موضوع اختيار رئيس مجلس النواب العراقي ونائبيه في حين بقى الانتخاب داخل مجلس النواب مجرد استيفاء الشرط الدستوري لان الامر محسوم قبل الدخول لجلسة مجلس النواب وهذا يحرم شريحة كبيرة من النواب الذين يمتلكون الخبرة والكفاءة في ادارة المجلس الا انهم وقعوا ضحية التوافقات السياسية بين الاحزاب والكتل السياسية التي ساهمت في تغليب التوافق السياسي على النص الدستوري[25].

ان التوافق السياسي لم يكن مقتصراً على مسألة اختيار رئيس المجلس ونائبيه بل تعد الامر الى انعقاد جلسات المجلس نفسه فبينما نص الدستور على وجوب تحقيق نصاب معين لعقد الجلسه بشكل عام على انه ((يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه))[26]، الا ان هذا النصاب في كثير من الاحيان مقترن بالتوافق السياسي بين الكتل والاحزاب السياسية اذ تعمد بعض الاحزاب والكتل الى عدم المشاركة في جلسات المجلس من خلال منع اعضائها من الحضور وهذا يؤدي الى عدم تحقيق النصاب القانوني المطلوب دستوريا بعقد الجلسة مما يساهم ذلك في عرقلة عمل مجلس النواب سواء في الجانب التشريعي او الجانب الرقابي من خلال تحريك المسؤولية السياسية او ان تكون ضعيفة[27]

كما ان الدستور العراقي قد تطلب في بعض الاحيان نصاب معين لعقد جلساته يزيد عن ما ورد في المادة 59 من الدستور وهذا يؤدي الى خضوع مثل هكذا جلسات للتوافق السياسي اكثر من غيرها كما في حالة انتخاب رئيس الجمهورية لعام 2002 .

يبدو إن النظام البرلماني في العراق قائم على مسالة التوافق السياسي في اختيار رئيس مجلس النواب وكذلك انعقاد الجلسات وتعدى الأمر الى التصويت على القوانين والرقابة على اعمال الحكومة ، اذ رغم ان المجلس النواب هو المختص بذلك الا ان دور الاحزاب والكتل السياسية كبير في هذا الصدد ففي كثير من الاحيان لا يتم تشريع قانون معين لعدم حصول التوافق السياسي حوله كما هو الحال بقانون مجلس الاتحاد وكذلك الحال بالنسبة الى الجانب الرقابي فلا يمكن توجيه اتهام من خلال الوسائل الرقابية السؤال والاستجواب وسحب الثقة لرئيس مجلس الوزراء او اي وزير اذ لم يكن هنالك توافق سياسي حول هذا الموضوع[28].

ثانياً : السلطة التنفيذية

تتألف السلطة التنفيذية في النظام البرلماني بشكل عام من جزئين هما الوزارة (الحكومة) ورئاسة الدولة وهذا الذي عليه النظام في بريطانيا الدولة الأم وذلك بثنائية السلطة التنفيذية[29]،  وبهذا التوجه نفسه  اخذ الدستور العراقي لسنه 2005 النافذ الذي جعل السلطة التنفيذية في العراق من جزئين هما رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء إذ نص على انه (( تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء تمارس صلاحياتها وفقا للدستور والقانون))[30]، ويتم تشكيل هذه السلطة (التنفيذية) من خلال السلطة التشريعيه اذ تتولى انتخاب رئيس الجمهورية حيث نص الدستور على انه ((  أولاً : ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية باغلبية ثلثي عدد اعضاءه . ثانياً : اذا لم يحصل اي من المرشحين على الاغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على اعلى الاصوات ويعلن رئيساً من يحصل على اكثرية الاصوات في الاقتراع الثاني))[31]. ويبدو من النصوص الدستورية ذات الصلة بانتخاب رئيس الجمهورية ان الانتخاب يجري وفق النصوص الدستورية والقانونية بما يتفق مع النظام البرلماني في العراق الا ان المسألة خرجت من هذا الاطار واصبحت رهن التوافقات السياسية أي يتم الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية من طائفه معينة وبعد ذلك يتم انتخابه من مجلس النواب إلا ان هذه العملية لم تجر ببساطة فاختيار شخص الرئيس بالتوافق بين الاحزاب والكتل ذات الصلة وبعد ذلك يتم التوافق على التصويت عليه داخل مجلس النواب  فاذا لم يحصل هذا التوافق فلا يمكن عقد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً ان الدستور العراقي يتطلب اغلبية الثلثين لعدد اعضاءه لانتخاب رئيس الجمهورية وهذا ما حصل في  عرقلة انتخاب رئيس الدولة لسنة 2022 لعدم وجود الاتفاق السياسي لفترة طويلة بعد الانتخابات الى حين حصول التوافق السياسي على شخصية معينة لانتخاب الرئيس في شهر تشرين الاول من عام 2022 وهذا ان دل على شيء فانه يدل على التوافق السياسي بين الكتل الذي تفوق قوتها النص الدستوري وبالتالي فان قوة تاثير التوافق السياسي على اختيار رئيس الدولة يؤدي الى خضوع الرئيس للجهات الحزبية والسياسية قبل اختياره وبعدها لإنه بدون حصول التوافق عليه لا يمكن ان يتم انتخاب هذا الشخص لرئاسة الدولة[32]

نستنتج من ذلك ان هذا التوافق السياسي سوف  يؤدي الى الانتقاص من مبدأ المساواة امام القانون الذي جاءت به المادة 14 من دستور العراق وكذلك مبدأ تكافؤ الفرص لان هذا التوافق سوف يحرم الكثير من النواب للترشيح لرئاسة الجمهورية بل حتى ان رشح فليس له هنالك نصيب بهذا الامر بسبب التوافقات السياسية بين الاحزاب والكتل السياسية على شخص الرئيس .

اما بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء فانه لم يخرج عن دائرة التوافقات السياسية فبينما ينص الدستور بانه (( يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتله النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية ))[33] ، الا ان التوافق السياسي قد جعل حرية رئيس الجمهورية مقيده في الاختيار فعليه ان يختار مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء من خلال حصول التوافق السياسي بين الكتل البرلمانية والاحزاب فبدون هذا التوافق لا يمكن ان يتم هذا الاختيار وحتى ان تم الاختيار مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا فان التصويت عليه داخل مجلس النواب بعد التكليف لن يتم ما لم يحصل التوافق السياسي عليه ، وبالتالي اصبح التوافق السياسي بين الكتل هو العامل الاول في كل شيء وبعد ذلك يتم النظر الى  النص الدستوري وبهذا فان النظام البرلماني في العراق الذي جاء في دستور سنه 2005 قد تأخر أيضاً عن مسألة تشكيل السلطة التنفيذية والسبب ليس الدستور او النظام البرلماني نفسه وانما ترجيح التوافقات السياسية على النصوص الدستورية .        

نستخلص مما سبق ان النظام البرلماني في العراق وبموجب دستور 2005 قد وضع اسس مباشرة  للحكم يتم الاستناد اليها بعيدا عن المحاصصة والتوافقية الا ان الاحزاب والكتل جعلت المحاصصة والتوافقية هي الغالبة على النصوص الدستورية.

المطلب الثاني: تقدير النظام البرلماني

النظام البرلماني وليد تجارب وتاريخ طويل ، فالاحداث التاريخية هي التي صنعته وحددت ملامحه الحالية ، واستطاعت البرلمانات انتزاع سلطتها من النظم الفردية والاستبدادية ، لذلك يعد النظام البرلماني الاقدم تاريخياً بالنسبة للانظمة الاخرى ، وللنظام البرلماني جملة من المزايا التي يتسم بها بيد ان ذلك لا يلغى انه يحمل في طياته بعضاً من العيوب ايضاً ويمكن ايجاز ذلك كما يلي :

اولاً : مزايا النظام البرلماني :

نظام لديه المرونة والاستجابة لمتطلبات الشعب اكثر من الانظمة الاخرى ، فضلاً عن انه يشجع الحوار والنقاش لمواجهة اي مخاطر تواجه البلاد ، ولا يكون القرار فردي وانما برغبة الشعب وقوته المتمثلة في البرلمان المنتخب[34]

الوزارة هي محور النظام البرلماني ، لانها المهيمنة على تصريف كل شؤون الدولة والمسؤولة عنها امام البرلمان ، لذا فأن الوزارة البرلمانية تتميز بالوحدة والتضامن فهي جسم واحد لوزراء يعملون مجتمعين ، يتذاكرون ويخلصون الى قرار موحد في وضع السياسة العامة ، وتصريف شؤون الحكم برئاسة احدهم وهو رئيس الوزراء ، وكذلك التجانس بين اعضاء الوزارة البرلمانية[35].

عدم وجود انتخابات عامة للسلطة التنفيذية لان هذه السلطة يتم انتخابها وتشكيلها من خلال ممثلي الشعب في مجلس النواب ، وهذه الحكومة مسؤولة سياسياً امام البرلمان مما يعني استحالة التهرب من الخطأ السياسي وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ ، لذلك فأن النظم البرلمانية أقل عرضة للانهيار وبالتالي هناك فرصة ضئيلة للعودة الى حكم الاستبداد[36].

ان المزايا في النظام البرلماني تفوق العيوب لأن هذا النظام يعبر عن ارادة المواطنين ، وان اكثر الدول التي اخذت بهذا النظام نجحت في عملية الانتقال الى الديمقراطية ، وعلى النقيض من ذلك لا يوجد في دول العالم الثالث ومنها العراق نظام رئاسي نجح في عملية الانتقال الى الديمقراطية دون ان يشهد انقلابات عسكرية كما حدث بالفترة من 1958 – 2003 .

ثانياً : عيوب النظام البرلماني :

يبدو انه نظام غير فعال في الدول ذات التجربة السياسية الحديثة فهو يحتاج الى وعي وادراك سياسيين عاليين اضافة الى تعمق التجربة الحزبية[37] .

الحكومات غير مستقرة لانها معرضة باستمرار لسحب الثقة من البرلمان في اي وقت ، لذلك قد يؤدي بأن تكون الحكومة خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة وستكون الولاءات الحزبية الضيقة واضحة للعيان ، وكذلك وجود العديد من العراقيل عند تشكيل الحكومة بسبب التوافقات السياسية التي طغت على النصوص الدستورية[38].

ان رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص مما قد لا يفضي عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز للامة[39].

ان هذه العيوب لا تنتقص من اهمية النظام البرلماني ، بل انها لا تقارن بالمزايا ، كما ان تلك العيوب لا تحول دون استمرار الدول للأخذ به والاستمرار عليه .

الخاتمة

النظام البرلماني يجب فيه ان تكون الحكومة (الوزارة) حائزة على ثقة البرلمان ، ومتى ما فقدت هذه الثقة عليها ان تستقيل ومن ناحية اخرى ، ولكي لا يكون البرلمان هو المهيمن دائماً فان الحكومة تستطيع ان تطلب من رئيس الدولة (ملك او رئيس جمهورية) ، حل البرلمان واجراء انتخابات جديدة ، وبهذا تكون الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية في هذا النظام متوازنتين فلكل منها سلاح تشهره بوجه الهيئة الاخرى عند الحاجة ، وبعد الانتهاء من البحث نتوصل الى اهم الاستنتاجات والتوصيات الآتية:

اولاً : الاستنتاجات :

طبقت الدولة العراقية النظام النيابي البرلماني في العهد الملكي بموجب القانون الاساسي لعام 1925 . واعيد تطبيق نفس النظام بموجب احكام دستور جمهورية العراق لعام 2005 .

يلاحظ تغليب التوافق السياسي على النصوص الدستورية في كلا العهدين اعلاه .

امكانية تأخير تشكيل المؤسسات الدستورية لفترة طويلة بسبب التوافقات السياسية.

ارتباط تشكيل السلطة التنفيذية بالتوافق السياسي بشكل كبير .

ثانياً : التوصيات :

الابتعاد عن التوافقات السياسية واعتماد النصوص الدستورية في العملية السياسية .

الالتزام بالمواعيد الدستورية بشأن تشكيل السلطات .

الاسهام من قبل الحكام والمحكومين في تطوير التجربة البرلمانية في العراق وتجاوز العوائق التي شابت هذه التجربة ومنها التوافقات السياسية .

ضرورة الاهتمام بتوفير الضمانات الكافية لاجراء انتخابات حرة نزيهة .

الالتزام الكلي في تطبيق اركان الديمقراطية .

اهتمام الجامعات والمعاهد المتخصصة بالعمل البرلماني .

الاهتمام بتطوير وتفعيل الاعلام البرلماني ، وان تبث جلسات البرلمان على الهواء واتاحة الفرصة امام الرأي العام لمتابعة اعمال البرلمان .

 

[1] د. أحسان حميد المفرجي وآخرون ، النظرية العامة في القانون الدستوري ، شركة العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ، توزيع المكتبة القانونية ، 1989 ، ص66 . وينظر : د.حميد حنون خالد ، الانظمة السياسية ، العاتك لصناعة الكتاب ، 2015 ، ص30

[2] د. محمود عاطف البنا ، الوسيط في النظم السياسية ، الدولة . السلطة . الحقوق والحريات العامة ، دار النشر للجامعات ، جامعة القاهرة ، 2001 ، ص460 .

[3] د. حسين عثمان محمد عثمان ، النظم السياسية ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2012 ، ص278 .

[4] د. محسن خليل ، القانون الدستوري والنظم السياسية ، منشأة المعارف  ، الاسكندرية ، 1978 ، ص559 .

[5] د. ثروت بدوي ، النظم السياسية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2011 ، ص310-311 .

[6] محمد مظفر الادهمي ، المجلس التأسيسي العراقي ، بغداد ، 1976 ، ص642 .

[7] د. رعد ناجي الجدة  ،  التطورات الدستورية في العراق ، ط1، بيت الحكمة ، بغداد ، 2004 ، ص44 .

[8] المادة 2 من القانون الاساسي لسنة 1925 .

[9] د. رعد ناجي الجدة  ، مصدر سابق ، ص 76 .  

[10] المادة 26 من القانون الاساسي  لسنة 1925   . 

[11] المادة 31 من القانون الاساسي  لسنة 1925.

[12] جريدة الوقائع العراقية العدد3981 لسنة 2004 .

[13] المادة ( 4) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحله الانتقالية لسنة  2004 الملغى . 

[14] المادة 24 من من قانون إدارة الدولة العراقية  الانتقالية    لسنة  2004 الملغى  .

[15] سعدي ابراهيم حسن ، الفيدرالية النظام الاتحادي والهوية الوطنية العراقية ، دار الكتب العلمية ، بغداد العراق ، بدون سنه نشر ، ص 126 .

[16] المادة 35 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحله الانتقالية لسنة  2004 الملغى .

[17] نشر في الوقائع العراقية بالعدد 4012 في 28/12/2005 .

[18] د. حميد حنون خالد ، السلطات الاتحادية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، مجلة العلوم القانونية تصدرها كلية القانون ، جامعة بغداد ، العدد الاول لسنة 2009 ، ص75 .

[19] الماده 48 من دستور جمهوريه العراق لسنه  2005 النافذ .

[20] الماده 65 من دستور جمهورية العراق لسنة  2005 النافذ .

[21] الماده 137 من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 الناقد

[22] د. سحر كامل خليل ،  السلطه التشريعية في العراق في ضوء دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، ص387 .

[23](23) المصدر نفسه  ،  ص 388 .

[24] الماده 55 من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 الناقد

[25] د.احمد يحيى الزهيري، العمليه السياسية في العراق بعد عام 2003، دار السنهوري، بغداد العراق، 2017، ص 242 وما بعدها.

[26] الماده 59 من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 النافذ .

[27] د.رافع خضر صالح شبر ، فصل السلطتين والتنفيذية التشريعية في النظام البرلماني في العراق ، الطبعة الاولى ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2012 ، ص66.

[28] د. احمد يحيى الزهيري ، مصدر سابق ،  ص  307 .

[29] د.حسين عبيد  ود. صالح طليس ، القانون الدستوري العام طبعة 2 ، دار المنهل اللبناني لبنان ، 2017 ص  268 .

[30] الماده 66 من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 النافد .

[31] الماده 70 / اولا وثانيا من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 النافذ

[32] د. اثير ادريس عبد الزهره، مستقبل التجربة الدستورية في العراق، طبعة الاولى، دار ومكتبه البصائر، لبنان،  2011، ص 187 

[33] الماده 76 / اولا من دستور جمهوريه العراق لسنه 2005 النافذ

[34] د. حنان محمد القيسي ، ثنائية المجلس التشريعي في العراق ، دراسة في مجلس الاتحاد ، بيت الحكمة ، بغداد ، الطبعة الاولى ، 2012 ، ص38 .

[35] د. محمد كاظم المشهداني ، النظم السياسية ، جامعة الموصل ، 1991 ، ص126 .

[36] د. عدنان زنكنة ، المركز القانوني لرئيس الدولة الفيدرالية – العراق انموذجاً - الطبعة الاولى ، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ، 2011 ، ص115 .

[37] د. حنان محمد القيسي ، مصدر سابق ، ص38 .

[38] د. وديع دخيل ابراهيم ، تعاظم دور السلطة التنفيذية في تشريع القوانين ، دار الجامعة العربية ، مصر ، 2019 ، ص93 .

[39] د. منذر الشاوي ، فلسفة الدولة ، الذاكرة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، 2013 ، ص190 .