DOI https://doi.org/10.61279/55nk1m72

ما هو الجنوب العالمي؟

What Is the Global South?

جوزيف أس ناي الابن

 

 

نرجمة: أ.د عيدالأمير عبدالحسن إبراهيم

كلية السلام الجامعة

ظهر مصطلح “الجنوب العالمي” لأول مرة في ستينات القرن العشرين، ولكنه استغرق فترة طويلة حتى يكسب مزيدا من الاهتمام.

وبدأت مصطلحات العالم الأول والعالم الثاني والعالم الثالث تفقد شعبيتها بعد نهاية الحرب الباردة. فمع تفكك الاتحاد السوفييتي لم يعد العالم الثاني موجوداً، وأصبح استخدام مصطلح العالم الثالث أمرا مهيناً يشير ضمناً إلى مجموعة من الدول المتخلفة وغير المستقرة الغارقة في الفقر. وبالمقارنة، قدم «الجنوب العالمي» تسمية أكثر حيادية وجاذبية.

ويمثل الجنوب العالمي، بغض النظر عن كيفية تعريفه، الغالبية العظمى من سكان العالم ومساحة واسعة من الأراضي، إذ إنه من المستحيل والمضلل استخدام هذه التسمية كتوصيفات سياسية أو اقتصادية ذات دلالة قاطعة.

يتم استخدام مصطلح «الجنوب العالمي» بشكل مستمر هذه الأيام، فعلى سبيل المثال، يحذّر بعض المعلقين من أن التوغل الإسرائيلي في غزة يؤدي إلى «التباعد مع الجنوب العالمي»، وكثيراً ما نسمع أن «الجنوب العالمي» يريد وقف إطلاق النار في أوكرانيا. ولكن ماذا يعني الناس عندما يستخدمون هذا المصطلح؟

جغرافياً، يشير المصطلح إلى 32 دولة تقع تحت خط الاستواء (في نصف الكرة الجنوبي)، على عكس 54 دولة تقع في شماله بالكامل، ومع ذلك، فإنه غالبا ما يتم استخدام هذا المصطلح بشكل مضلل كاختصار للأغلبية العالمية وعلى الرغم من أن معظم سكان العالم يعيشون فوق خط الاستواء (كما هو الحال مع معظم مساحة اليابسة في العالم). على سبيل المثال، كثيرًا ما نسمع أن الهند، الدولة الأكبر من حيث عدد السكان في العالم والصين ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان تتنافسان على زعامة الجنوب العالمي وقد عقدت كل منهما مؤخرا مؤتمرات دبلوماسية لهذا الغرض، ومع ذلك فإن كلاهما يقع في نصف الكرة الشمالي.

إذن، إن هذا المصطلح هو عبارة عن شعار سياسي أكثر من كونه وصفًا دقيقًا للعالم، وبهذا المعنى، يبدو أن هذا المصطلح اكتسب شعبية باعتباره تعبيرًا ملطفًا ليحل محل المصطلحات الأقل قبولًا، فخلال الحرب الباردة، قيل إن البلدان التي لم تكن متحالفة مع كتل الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفياتي تنتمي إلى «العالم الثالث» كما عقدت دول عدم الانحياز مؤتمر خاص بها في باندونج بإندونيسيا عام 1955 ولا تزال هناك 120 دولة تشكل حركة عدم الانحياز الضعيفة اليوم.

ومهما يكن من أمر، ومع تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991، فلم تعد فكرة العالم الثالث غير المنحاز منطقية، ولقد كان من الشائع في فترة من الفترات الإشارة إلى «الدول الأقل نموًا»، ولكن هذا المصطلح كان ينطوي على الازدراء، لذا سرعان ما بدأ الناس يشيرون إلى «الدول النامية”.

ميزت الوثيقة التاريخية، التي كتبتها لجنة دولية بقيادة مستشار ألمانيا الغربية السابق فيلي براندت، بين تلك البلدان ذات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأعلى نسبيا - والتي تتركز بأغلبية ساحقة في نصف الكرة الشمالي - والدول الأكثر فقرا. تقع غالبية المجموعة الأخيرة جنوب ما أصبح يعرف باسم خط براندت، وهو حد وهمي يمتد من نهر ريو غراندي إلى خليج المكسيك، عبر المحيط الأطلسي، عبر البحر الأبيض المتوسط، وعلى مساحات شاسعة من آسيا الوسطى إلى المحيط الهادي. (من منظور جغرافي بحت، تركت الخريطة الكثير مما هو مرغوب فيه، نظرًا لأن العديد من الدول المصنفة على أنها «جنوبية»، ومن بينها الهند، تقع بالكامل في نصف الكرة الشمالي، في حين تقع دول أخرى مثل أستراليا «الشمالية» ونيوزيلندا أسفل خط العرض. خط الاستواء.)

وعلى الرغم من أن المصطلح عالم الجنوب لا يخلو من المشاكل المتعلقة بالتسمية ــ فليس كل البلدان ذات الدخل المنخفض في طور النمو على أي حال، إلا أنه أثبت فائدته في سياق دبلوماسية الأمم المتحدة.

وإذ تضم مجموعة الـ 77 الآن 135 دولة، وهي موجودة لتعزيز مصالحها الاقتصادية الجماعية، غير أنه خارج سياق الأمم المتحدة، هناك اختلافات كثيرة بين الأعضاء، بحيث يتعذر على منظمة الأمم المتحدة القيام بدور ذي معنى.

إن من المصطلحات التي تم استحداثها وأصبحت رائجة مصطلح «الأسواق الناشئة»، والذي يشير إلى دول مثل الهند والمكسيك وروسيا والباكستان والسعودية والصين والبرازيل ودول قليلة أخرى. وفي عام 2001، صاغ جيم أونيل والذي كان آنذاك مديراً تنفيذياً في بنك جولدمان ساكس الاسم المختصر البريك في ورقة بحثية حددت البرازيل وروسيا والهند والصين بوصفها اقتصادات ناشئة تتمتع بإمكانات نمو عالية، وعلى الرغم من أنه كان يقدم تحليلات استثمارية، إلا أن بعض القادة السياسيين، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استغلوا التجمع كمنصة دبلوماسية محتملة لمواجهة النفوذ العالمي الأمريكي.

وبعد سلسلة من الاجتماعات، انعقدت قمة البريك الأولى في يكاترينبرج في روسيا، عام 2009، ومع إضافة جنوب أفريقيا في العام التالي، أصبحت المجموعة تسمى البريكس وبعد ذلك وفي قمة البريكس الخامسة عشرة التي انعقدت في آب الماضي، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا أن ست دول من الأسواق الناشئة (الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة) ستنضم إلى الكتلة في الأول من كانون الثاني 2024.

ومنذ أن أصبحت البريكس هيئة لعقد المؤتمرات، كان يُنظر إليها في كثير من الأحيان على أنها تمثل الجنوب العالمي، ولكن مرة أخرى، تعد البرازيل وجنوب أفريقيا (والآن الأرجنتين) الأعضاء الوحيدين من نصف الكرة الجنوبي، وحتى كبديل سياسي للعالم الثالث، فإن مجموعة البريكس محدودة كمفهوم ومن الناحية التنظيمية، وفي حين أن عدداً قليلاً من أعضائها تعد دولاً ديمقراطية، إلا أن معظمها هي دول استبدادية والعديد منها لديها صراعات مستمرة مع بعضها البعض.

وعلى سبيل المثال، دخلت الهند والصين في حروب حول حدود متنازع عليها في جبال الهيمالايا، كما يوجد خلافات بين إثيوبيا ومصر حول مياه نهر النيل، وتتنافس كل من السعودية وإيران تتنافسان على النفوذ الاستراتيجي في الخليج العربي فضلاً عن ذلك، فإن المشاركة الروسية تجعل أي ادعاء بتمثيل الجنوب العالمي مثار للجدل.

إن القيمة الرئيسة لهذا المصطلح هي قيمة دبلوماسية، وعلى الرغم من أن الصين دولة متوسطة الدخل في نصف الكرة الشمالي وتتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ العالمي، فإنها تحب أن تصف نفسها بأنها دولة نامية تمارس دوراً قيادياً مهماً في الجنوب العالمي، ومع ذلك، فإن الأكاديميين الصينيين اختلفوا بينهم بشأن مفهوم هذا المصطلح فمنهم من نظر إليه كأداة سياسية مفيدة ، بينما اقترح آخرون أن المصطلحات الأكثر دقة من شأنها أن تقسم العالم إلى بلدان مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة الدخل، ولكن حتى في مثل تلك الحالة، فليس لدى جميع البلدان المنخفضة الدخل نفس المصالح أو الأولويات، فالصومال وهندوراس، على سبيل المثال، يواجهان مشاكل مختلفة تماما.

لقد توسع الاستخدام الأكاديمي لهذا المصطلح، وأصبح قادة المنظمات الدولية والديمقراطيات الكبرى ينشرون هذه العبارة بوتيرة ملحوظة فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تشرين الثاني 2022 عن أسفه، حيث تجاوز عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة، قائلاً: «تواجه العديد من بلدان الجنوب العالمي ديوناً ضخمة، وتزيد من الفقر والجوع، وتتزايد التأثيرات المترتبة على أزمة المناخ». وقد استخدم رئيس البنك الدولي أجاي بانجا هذا المصطلح، كما فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار مسؤولي إدارته، بما في ذلك مستشار الأمن القومي ووزير التجارة. والأهم من ذلك أن بعض قادة الدول ذاتها التي يُزعم أن هذه التسمية قد اعتنقوها. وأعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو واقف إلى جوار الرئيس الأمريكي بايدن في المؤتمر الصحفي الذي انعقد في البيت الأبيض في 22 حزيران 2023، أن «إعطاء صوت لأولويات الجنوب العالمي» هو هدف رئيسي لرئاسة الهند لمجموعة العشرين.

وفي غياب وجود بديل، فسوف يستمر اعتماد مصطلح «الجنوب العالمي»، غير أن أي شخص مهتم بوصف أكثر دقة للعالم يجب أن يكون حذرًا من مثل هذا المصطلح الذي قد يكون مضللاً في دلالاته.

قد يتساءل صناع السياسات والأكاديميون على حد سواء بشكل مثمر ما إذا كانت جاذبية علامة الجنوب العالمي لأتباعها تكمن في المقام الأول في رؤيتها لاقتصاد عالمي أكثر إنصافا وشمولا أو في وعدها بنظام دولي أكثر تعددية الأقطاب. وهذه الطموحات لا يستبعد بعضها بعضا. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من أعضاء هذه المجموعة، فإن ضرورات التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي ربما تحمل أهمية أكبر من المسائل الجيوسياسية المتعلقة بالنظام العالمي.