تاريخ التقديم 10/2        تاريخ القبول 22/3      تاريخ النشر 25/4
 

الحماية الدستورية لحق التعليم في العراق

Constitutional Protection of The right to education  in Iraq

م. م. إيمـان حمــود سليمـان

جامعة ديالى - كلية القانون والعلوم السياسية

Assistant teacher: Eman Hamooud Sulaiman 

University of DiyalaCollege of Law and Political sciences

iman.hamood@uodiyala.edu.iq

المستخلص

تعد الحماية الدستورية من الغايات الساميـة التي تسعى اليها المجتمعات، لضمان تمتع افرادها بالحقوق والحريات على قدم المساواة، ومن هذا فقد استعرض البحث أهـم المبادئ الدستوريـة التي تعمل على ضمان وكفالـة الحق في التعليـم وفقاً لدستور جمهوريـة العراق لسنة 2005 ، وهو مبدأ سيادة القانـون ومبدأ تكافـؤ الفرص، فضلاً عن بيان نصوص التشريعات العراقيـة المختلفة ذات الصلة بمجال البحث ، بوساطـة تحليل النصوص التشريعية ، وتسليط الضوء على مواطـن الضعف والقوة فيها، ومن ثم بيـان أثرهـا في الحق في التعليم، وتوصل البحث إلى أن التعليم حق من حقوق الانسان الاساسية، والعامل الاساس لضمان ومعرفة حقـوقه،  كما خلص إلى مقترحات عـدة أهمها، إلغاء أي أحكام تشريعية أو تعليمات إداريـــة تنطـــوي على أي تمييـز في التعليم، فضلاً عـن أن يكون اختلاف المعاملة بين المواطنين على أساس الحاجة أو الجدارة فيما يتعلق بالرســـوم المدرسية أو بإعطـــاء المنح الدراسية، أو بإصدار التراخيص وتقديم التسهيلات اللازمة لمتابعة الدراسة في الخارج.

الكلمات المفتاحية : حق التعليـم - الحماية الدستورية- المساواة – تكافـؤ الفرص

Abstract

Constitutional protection is one of the lofty goals that societies pursue to ensure that its members enjoy equal rights and freedoms. Therefore, this research reviewed the most important constitutional principles which apply to guarantee the right to education. In accordance with the Constitution of the Republic of Iraq of 2005, there are the principle of the rule of law and the principle of equal opportunities. In addition to explaining the texts of the various Iraqi legislations related to the field of research ، Through analysis of legislative texts ، highlighting its weaknesses and strengths. The research concluded that education is a basic human right. As we as, the main factor in ensuring and knowing his rights. It also concluded with several proposals، the most important of which is: Repeal any legislative provisions or administrative instructions that involve any discrimination in education، In addition، the difference in treatment between citizens is based on need or merit With regard to school fees or granting scholarships، Or by issuing licenses and providing the necessary facilities to pursue study abroad.

key words: The right to education، Constitutional protection، equality، Equal opportunities. 

المقدمة

أولا: موضوع البحـث

يعد التعليم حق من حقوق الإنسان الأساســــية، والعامـــــل الأساس لضمان ومعرفة حقوقـــــهِ، وعلى الرغم من أهمية هذا الحق، إلا أنه قد يتعرض للانتهــاك من خلال عدم وضع الكفالات اللازمة لتمتع الافراد به، أو التمييـز بين التلاميذ على أسـاس الوضع الاجتماعي، أو الجنس، أو الدين وغير ذلك، الامر الذي يؤدي إلى تفشي الجهل و الأمية والتخلف وعدم تكافؤ الفرص، إذ أن عدم المساواة في النظام التعليمي يتعارض مع كـل من حرية التعليم وتكافؤ الفرص.

وان السعـي لإقـرار العمل بقواعد مبدأ سيادة القانون، وتحديد عمل القائمين على التعليم لتحديد هذهِ القواعد، يعطـي دوراً للطالـب في رسم القواعد التي تحكمـهُ، وضمــان سلامــة الطالـب الشخصية في المدرسة، وبالأخـص الطلاب المنتـميـن الى الفئـــات الضعيفـة، وضمان شفافية المعاملة في المدرسة وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييـز في الحق بالتعليـم،  ومؤازرة سيادة القـانون ومساءلـة المخالـــف، وتسهيل مشاركــة الجميع في التعليم، والترحيب بالتنوع في المناهج الدراسيـة. وحق التعليـم وفقاً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص يعني تمكين الأفراد من الاستفادة من فرص التعليم والتنافس على قدم المســـاواة، في القبول والالتحاق في ظروف التعليم الداخلية أو ما يطلق عليهِ عدالة المعاملة، والأصـل أن لا يتم التمييز بينهم بمعاملة بعضهم معاملة خاصة بسبب الفروق الاجتماعية أو المراكز الإدارية أو العقائد الدينية أو الاختلافات الحزبيــــة، ويكون تكافؤ الفرص التعليمية وفق معاييـــر جدارة الفرد، الحاجـــة فيتـــم تكافؤ الفرص التعليميـــة وفقاً لحاجة الفرد إليها.

ثانياً: أهميـة البحث

تكمن اهمية البحث في كونه يناقش احدى الإشكاليات التي تخص حق التعليم وهي الحماية الدستورية لحق التعليم، حيث يسلط البحث الضوء على المبادئ الدستورية كلاً من مبدأ سيادة القانون، ومبدأ تكافؤ الفرص، بعدهمــا أهم المبادئ الراسخة لحقوق الإنسان، والتي عمل المشرع العراقي على تكريسهــا بنصوص الدستـــور، فضلاً عن أهمية البحث من خلال دور التعليـــم  في حياة الأفراد والمجتمعات، إذ تكمن أهميتـــه في رقي المجتمـــع وتطويرهُ ، فضـــلاً عن أهميته في أنتاج جيل واعي ومنتج .

ثالثاً: أهداف البحـث

يهدف البحث الى بيان أثر المبـادئ الدستوري وأهمها وهي مـبدأ تكافؤ الفرص وسيادة القانون و دورهما الكبيـر في ضمان تمتع الافراد بالحق في التعليم، ومنع أي شكل من أشكال التمييز، وتحديد انعكاسات هذه المبـادئ على التشريعــات العراقية النافذة.

رابعاً: اشكالية البحـث

تكمن اشكالية البحث في غياب الوعي الكافي بالمبادئ الدستوري الواجبة التطبيق، والذي قد يؤدي بالنتيجة الى حرمان العديد من افراد المجتمـع من التمتع بحقوقهم وحرياتهم الاساسية، إذ لا بد من أن تكون هنـاك حماية دستورية و قواعد تشريعيــة ملزمة تحافظ علــى حق أصيـل من حقوق الإنسان، الا وهو الحـق في التعليم 

خامساً: نطاق البحـث

اهتم البحث في بيان أحد أهم حقوق الإنسان، الا وهو الحق في التعليم، وفقاً للمبادئ الدستورية التي نص عليها دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وهو مبـدأ سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص وأثرهما في التشريعات العراقية.

سادساً: منهج البحـث

تطلب البحث في بيان اطار الحماية الدستورية لحق التعليم في العراق، الاعتماد على المنهـج الوصفي التحليلي، لأجـــل استعراض الجوانب التطبيقيـة لحـق التعليم ، ضمن نطاق النصوص الدستورية والتشريعـات العراقية ومحاولة تحليلهـا ومدى ملائمتها وانسجامها مع المبادئ الدولية ، ومن ثم بيـــان أثارها على حق الأفراد بالتعليم.

سابعاً: هيكلية البحث

إن البحث في موضوع الحمـاية الدستورية لحق التعليم يسـتوجب منا  تقسيمهُ على مقدمة ومطلبان وخاتمـة وكما يأتي:

المطلب الأول- المبـادئ الدستورية وكفالتها لحـق التعليـــم

 الفرع الاول- مبدأ سيـادة القانـون وأثره في ضمـان حق التعليــم

الفرع الثاني-  مبدأ تكافـؤ الفرص وأثره في ضمـان حق التعليــم

المطلب الثاني- الاطـار القانوني للحمايـة الدستورية لحق التعـليم

الفرع الاول- ضمانـات حق التعليـم في دستور جمهوريـة العراق لعام 2005

الفرع الثاني- مـوقـف التشريعات العراقيـة في حماية الحـق في التعليم

ثم يعقب ذلك جملة من الاستنتـاجات والمقترحـات التي سنتوصل إليها خـلال،

 والله ولي التوفـيق.

المطلب الأول

المبـادئ الدستـورية وكفالتهـا لحق التعليـــم

يعكس مستـوى التعليم في أي بلـد حالة التطور العلمي والفـكري الذي بلغه هـذا البلد، والأمـم «المتحضـرة هي تلك التي تسعى دائماً للاهتمام بالتعليم، وتجعلـه في مقدمـة اهتماماتهـا، ليـس بوصفـه حقـاً من حقوق الانسان، بل لكونه الوسـيلة اللازمة لتفتح الذكاء الانسانـي، وزيادة مداركـه ومعارفه، وتربيتـه على مبادئ التسامح والانفتاح، وصقل كل طاقات الابداع الكامنة في داخل كل فرد،» واعتماد لغة العقل والعلم ميزاناً لتقدير مختلف القضايا والمسائل، إذ بتزايد توسع دائرة المعـرفة بين الشعوب، مقابل ضيق دائرة الجهل والانغـلاق، يؤدي بالنتيجـة الى إقامة علاقـات أكثر تفهـماً وتعاوناً بين أفــراد المجتـمع، ومن ثـم احترام حريات بعضــها البعـض، ومعرفـة تقريـر شؤونـها بنفسهـا على كافة الأصعـدة والمستويات، وكل هـذا لا يتم ما لـم يكـن هناك إطار قانـوني يعمل على تنظيم مبـادئ حـق التعليم في دساتـير الدول، ليتسنى للجميـع الالتـزام بها، تحقيقاً للمصـلحة العامـة والخاصة[1]. وعليه سوف نبحـث في مـبدأ سيادة القانـون، ومبدأ تكافؤ الفرص، وأثرهما في ضمـان حق التعليــم وكمـا يأتي:

الفرع الأول: مبدأ سيادة القانـون وأثـره فـي ضمان حـق التعليــم

يعد مبدأ سيادة القانـون من المبادئ المستقرة في الدول القانونية المعاصرة ، وهو التزام جميع افراد الشعب وخضوع جميع الطبقات ،لقانون البلاد العادي الذي تطبقه المحاكم العادية ، وينبني عليه، بأنه لا يوجد إنسان فوق القانون، ويطبق على عامة الناس بما فيهم الموظفون»[2]، وهناك من يعرف مبدأ سيادة القانـون على انهُ» خضوع الجميع للقانون بما فيهم السلطات في الدولة[3].

والجديـر بالذكر هو ما ذهـب إليـه اجتمـاع الجمعية العامة في دورتهـا (السابعة والستين) المعني بسيـادة القانـون في عام 2014 ، اذ إنتهى الاجتمـاع الى اعتمـاد الإعلان الذي نص على « سيادة القانون تنطبق على جميع الدول وعلى جميع المنظمات الدولية على قدم المساواة بما في ذلك الامم المتحدة واجهزتها الرئيسة، وينبغي أن تسترشد في كل ما تضطلع بهِ من أنشطة بمبادئ احترام القانون والعدالة وتعزيزهما بما يتيح التنبؤ بأعمالها، ويضفي المشروعية عليها، ويسلم ايضاً بأن جميع الاشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة، بما فيها الدول نفسها ، يخضعون للمساءلة وفقاً لقوانين عادلة ونزيهة ومنصفة ولهم الحق في ان يتمتعوا بحماية القانون على قدم المساواة دونما تمييز»[4].

«وقد وافقت الامم المتحدة على أن تعزيز سيادة القانون، يشكل إحدى الغايات المشمولة بالهدف (16) من اهداف التنمية المستدامة والذي نص على: « تعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي وضمان تكافؤ فرص وصول الجميع الى العدالة»[5].

وإن الاساس القانوني لمبدأ سيادة القانـون جاء النص عليه في الدستـور العراقي لعام 2005، إذ ورد فيه الإشارة إلى منـع سن أي قانـون من قبـل السلطات المختصة بالتشريـع يتعارض مـع الحقوق والحريـات المنصوص عليها في الدستـور[6]، كما نصت المادة (5) منه بشكـل صريـح علـى مبدأ سيادة القانون إذ جاء فيـها: « السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية»، فيعـد هذا المبدأ الأساس في حماية حقوق الإنسـان، وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق، إذ أكد الدستور إلـى تطبيق المساواة لجمـيع العراقيين أمـام القانون من دون تمييز بينهم تحت أي اعتبـار، لكون أن المساواة تعد من أهـم معايير سيادة القانـون[7]، الأمر الـذي يؤكـد ان مبـدأ سيادة القانــون منبثــق عـن الارادة الحـرة لمكونـات الشعب العراقي المختلفــة، وهـو ما يترتـب عليه شرعيــة السلطـات القائمـة في العـراق ، اذ لاشـك في ان تطبيـق هذا المبـدأ يسهـم في تحقيق الديمقراطيـة الحقيقيـة ودولة القانـون[8].

وتكمن العلاقة بين سيادة القانون والحق في التعليم، من خلال قيام المؤسسات التربوية بدوراً فاعلاً من أجل تعزيز سيادة القانون، التي تكون هي نفسها محكومة بمبادئ سيادة القانون وتسعى لتطبيقهُ، إذ أن تطبيق مبادئ سيادة القانون في المدارس وقاعات الدرس تستوجـب التشجيع والدعم المناسبين، من خلال نقل القواعد والقيم والمعتقدات الى المتعلمين لغـرض اكتسابهم المشاركـة في المجتمع كمواطنيـن مسؤوليـن عن احترام القانون ، ودرايتهم أن أي انتهاك يتعرضون لهُ يمكـن من خلال القانون اخذ حقهم، فعلى سبيل المثال : عندما يضع المعلـم قواعد واضحة وعادلة على جميع قاعات الدرس وتفرض على الجميع بالتساوي، يكـون الطالب على درايـة وملاحظة بشكل مباشـر بأن هذهِ القواعد تطبق على الجميع من دون استثناء[9].

وان كل مـا تم ذكرهُ من عناصـر اساسية لسيادة القانون، وعـمل المعلميـن لتحديد هذهِ القواعد يعطـي دوراً للطالب في رسـم القواعد التي تحكمهُ، وضمـان سلامة الطالـب الشخصية في المدرسـة، وبالأخـص الطلاب المنتميــن الى الفئـات الضعيفـة، وضمان شفافيـة المعاملة في المدرسة وفقـاً لعدم التمييز في الحق بالتعليـم،  ومؤازرة سيادة القـانون ومساءلـة المخالف، وإشاعـة الانفـتاح والثقة لـدى الطالب للتعبير عن رأيـهُ، وتسهيل مشاركة الجميع فـي التعليم، والترحيـب بالتنـوع في المناهج الدراسيـة، وتزويـد المتعلمين بمـا يحتاجـون اليهِ مـن معـارف وقيـم ومواقـف، للمساهمـة في تحسيـن سيادة القانون، فضلاً عن الممارسات والسـياسـات المدرسيـة التي لا تستبعـد احداً، وتزود المتعلميـن بفرصة تجربـة سيادة القانون وتخلــق  البيئة التي تساهـم في حصول المتعـلم على أشكال السلوك المهمة لسيـادة القانون[10].

اذ يتبين لنا من خلال التعاريـف أعلاه، أن مبدأ سيادة القانـون لا يقتصر على الخضوع للقانون على وفـق المفهوم الضيق ، بل يشمـل مفهومهُ الواسع ، ويعنـي أن كل قاعدة قانونية أياً كانـت نوعها سواء كانت عامة مجردة ، او آمـرة أم مكملة ، مكتوبة أم غيـر مكتوبة، وأياً كان تدرج مصـدرها القانوني ( دستور، قانون عادي، أنظمة، قرارات فردية) ، لا يستهان بهـا من السلطة العامـة أو من الافراد ، و تعمـد العديد من الدول الى تطبيـق هذا المبدأ في حياة مواطنيها، لغرض تعزيـز حماية حقوقهم الاساسية، من خـلال المؤسسات التعليمية، فهـو أمراً اساسياً للمجتمع بكافـة اطيافه، على حـد سواء ، فهـو يحدد طريقة تعامـل الافراد كل مع الاخر، وتعاملهـم مع المؤسسات العامة في قطاعـات المجتمع كافة، فيعـمل على إرساء علاقات الثقة والمساءلة المتبادلـة، الأمر الـذي يفسر اهمية التعليم الذي تسعـى الدول عن طريقهُ تعزيـز سيادة القانون، اذ في وسـع المؤسسات التعليمية تهيئة الاجيال القادمـة لمحاسبة مؤسسات الدولـة في حال انتهاكها هـذه المبادئ.

الفرع الثاني: مبـدأ تكافؤ الفرص وأثـره في ضمـان حـق التعليــم

يعد مـــبدأ  تكافـؤ الفرص من المبادئ الأساسـية التي كفلها الدستور، و من دونها لا يمكن تحقيــق العدالـة فـي التعليـم، والمساواة بين جمـيـع فـئات المؤسسـات التربوية ، فـأي تمييـز يقوم على أسـاس اللـون، أو العـرق، أو الجنـس، أو القوميـة، ...الخ، يـؤدي بالنتيـجة إلى عـدم تكافؤ الفرص، ومـن اجـل ضمان تطبيق هـذا المبـدأ بالشـكـل الصحيح، يتطلب الأمـر تكافـؤ الفرص فـي الالتـحــاق في التعليــم والمسـاواة فـي المعاملـة ،إذ يكـون الالتحـاق في المعاهـد والجامعـات علـى أسـاس الجـدارة، وليس على أسـاس الاعتبـارات الشخصيــة، أو المحسوبيـة، أو أي سـبب أخر من أسباب التمييـز، فضلاً عـن حق الأقليات بـعدم تمييزهـم عـن باقي فئـات المجتمع كونهـم جزءاً منهم ، وفي الوقـت نفسه يجب أن لا تؤثر خصوصيتهـم الدينيـة على فئات المجتمـع الأخـرى، ولا تؤثــر على سيـادة الدولـة[11].

وإن المقصود بمبدأ تكافـؤ الفـرص هـو إتاحـة الفرصة أمام جميـع المواطنيـن للتمتع بحقوقهـم وحرياتهم، وتأتـي أهمية هذا المبدأ كونه يمـثل أحد البوابـات الرئيسـة لتحقـيق العدالة الإجتماعيـة في الـدولـة، إذ يرتبـط بمناحـي الحيـاة المختـلفة، فهو يرتبـط بالتعليـم وتحقيـق التنميـة المستدامة والسياسـة، ويعمل على تقليـل الفجـوة بيـن المواطنيـن في كافـة المجـالات، ولـه دور في تحـقـيق الإبداع وإبـراز المواهــب التي تعد الأســاس في تحقيـق التطــور والتقـدم، فشعـور الفــرد بالمساواة مع الآخريــن فـي التعليـم بعيـداً عـن الاعتبـارات وغيـرهـا من أسباب التمييـز يدفعـه إلى التفكيــر بنطـاق واسـع والتنافــس المشـروع[12].

«ونجد الأسـاس القانوني لهذ المبـدأ في دستور العراق لعام 2005 ، إذ وردت مواد عدة تحرم التمييز، حيث جاء في ديباجتـه: «فسعينا يداً بيد، وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية، ولاعقـدة مناطقيـة، ولا تمييـز، ولا إقصـاء، ومنـح تكافـؤ الفرص للجميع، وإحتـرام قواعـد القانـون، وتحقيـق العـدل، والمسـاواة» ، كما نصت المادة (14) منه على :» العراقيون متساوون أمـام القانون، مـن دون تمييز بسبب الجنـس، أو العـرق، أو القوميـة، أو الأصـل، أو الـلون، أو الديـن، أو المذهـب، أو المعتقـد، أو الرأي السياسـي، أو الوضـع الإقتصـادي، أو الإجتمـاعي».

و لم يشـر الدستور إلى المساواة في التعليـم صراحة، لكن ورد ضمنـاً في المادة (16) التي تنـص على أن: «تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين ، وتكفل الدولة أتخــاذ الإجراءات اللازمـة لتحقيـق ذلك».

وبالرغــم مـن أن نصوص الدسـتور حرمـت التمييز،  إلا أنهـا لـم تحـدد التدابيـر والإلتزامـات الواجـب اتخاذهــا لإزاله جميع العقبـات التي تؤدي إلـى ممارســة التمييز بين أفراد المجتمع، الامر الذي يشـكل ثغرة في الحماية القانونية للفئات الهشــة، والضعيفة، ومنها النسـاء، والأقليـات، ومن ثم الإخلال بمـبدأ تكافـؤ الفرص التعليميـة، إذ إنّ الإهتمام في معاملة الطلاب بصــورة متساويـة يؤدي إلى العدالة في المعاملة ، وعدم تسـرب الطلاب من المدرســة بسبب التـفرقــة[13].

أما تكافـؤ الفرص التعليميـة فهـي تتمثل في المدرسة، التي يجب أن تفتـح أبوابهـا للجميـع، وعلـى مبـدأ التكافــؤ والمسـاواة بيـن أفـراد المجتمـع كافة، أي أن تستوعــب جميع المؤسسـات التربوية، مـن مدارس ومـعاهــد وجامعات جميـع الراغبين بالدراسـة والتعـلـم من دون أي تمـييـز بينهـــم بسبب العـرق، أو الديـن، أو الطائـفـة، أو الموقـع الجغرافــي، أو لأي سبـــب أخر[14]، ومن حق الأقليات المشـاركة في الفرص التعليمـية ، من خلال حصولهـم على التعليـم، وتعزيز البحث، والحــوار والـرؤيــة العلمية لتكافـؤ الفرص في التعليــم، وعدم وجــود تميـيز مباشر او غير مباشــر مـن أي نوع ، فضلاً عـن الإعــتراف بالتنـوع[15].

وهناك من يـرى أن تكافؤ الفرص في التعليم لا يعني فقط المساواة في الإلتحــاق والقـبول، بل الأهم المسـاواة في الفـرص التي تجعـــل الطالـب ينجــح وينال الدرجة العلمية بتخـرجه، أي التكافــؤ في ظروف التعليم الداخليـة وعـدالـة المعاملـة، فعنـد توفر الفرص المتكافئـة يدفـع الطالب إلى الإبداع والتميـّز في دراستـه، لأنه سيضمـن وجود مقاعـد دراسيـة يحصل عليهـا بمجهوده، كغـيره من الطلاب[16].

وإنّ الحالة الاقتصـادية والسياسيــة غير المستقـرة في العراق، أدت إلى تسـرب العديد من الطلاب من المـدارس، فنقص الموارد المـادية للدولة، أثر في تحقيق المساواة في التعليم، إذ لا يمكن إنشـاء مبانـي وتجهيــزها بمـا يلـزم لغـــرض حصول الطـلاب على التعليـم بأكمـل وجـه، فضـلاً عـن الوضع الأمـنـي الذي يحـرم العديـد من الفتيــات من الإلتحـاق بالتعليـم لخوف أوليـاء أمورهن عليهـن، لاسيمـا اللواتـي يقطـنـن فـي أماكـن بعيـدة عـن المؤسسات التربويـة[17]، فضلاً عن تمييز الفئات الخاصة عن أقرانهــم وإعطائهـم امتيازات تؤدي إلى انعدام تكافؤ الفرص في القبـــول والدرجات التي تمنح لهــم، إذ يفضـل في حال وجــود الفئات الخاصة( ذوي الشهــداء، السجناء السياسيين، المفصوليــن السياسيين) يكون دعمهــم مادياً ومعنويــاً، فالتطبيق العادل للمساواة يقتضــي إلغــاء الاستثنــاءات التي تؤدي إلى عـــــدم تكافؤ الفرص، إذ إنَ الدولــــة التــي تعطــي رعاية خاصة لبعــض الفئات، ممكن أن يكـون عن طريـــق دعمهـم ماديـاً ومعـنويـاً، وليـس عـن طريـــق منحهـم امتيازات تؤدي إلـى التمييــز، وعـدم تكافؤ الفرص، خاصة في القبـول والدرجــات التي تمنح لهم، مثل منح ذوي الشهيـــد وسام الشهادة، ومكافآت ماديــة، و رواتـب شهريــة، أو إعطائـهــم فــرص فــي التعييــن، وليـس أعطائــهم الأولويــة فــي حال التنافـــس علــى مقـعد واحــد، وكذلك يتــم إعفائـهــم حتى من شــرط العمر، والمعـــدل، والخدمــة ، للقبـول فــي المعاهــد الحكوميــة والأهـليــة والدراسـات الجامـعيـة الأوليـة والعـليـا، ومـن ضوابط تعليمات وزارة التـعليم العالي والبحث العلمي الخاص بالقـبـول بالدراسات الأولية والعلــيا، فكـل هذه الامتيـازات تؤدي إلى حرمــان الطــلاب الكفـوءيـــن والمتفوقيــن مـن مقاعــد الدراسـة بسبــب تفضيــل الفئات الخاصـــة وإعطائهــم الأولويــة فـي القــبول بالمؤســسات التعليميــة، ومنــح الـدرجــات، ومــن ثــم تفوقهـــم علـــى أقرانهـــم الكفوءيــن بسبــب هذه الامتيازات[18]، فالمشـرع حين نص على هـذه الامتيــازات، اخــل بمبدأ تكافـؤ الفــرص الذي كفله عليـه الدستــور العراقي لعام 2005، في المـادة (16)، وايضــاً خالف نص المادة (4) من اتفاقية مكافـحة التمييز في مجال التعليـم لعـام (1960)[19].

كما لا تزال الحواجـز المالية والجغرافية واللغوية سببـاً في عدم تكافـؤ الفرص في الحصول على التعليم الجيـد، وذلك حسب ما ورد بتوصيـف تحديات تحقيق تكافؤ الفرص في التعليـــم في التقارير المقدمة من قبـل الدول الأعضاء في إتفاقية مكافحة التمييــز[20]، وقد أبرزت تقارير عـدة أخفاق الحكومـــات في معالجة أوجه الـتفـــاوت والتي مـن ضمنهـــا اعتبارات الدخــــل وطبقـات الحرمـــان التي تقوض تكـافــــؤ الفرص[21].

المطلب الثاني

الاطار القانوني للحماية الدستورية لحق التعليم

يعد الدستور الأساس في تنظيم الحقوق والحريات الفردية، سواء كانت مدنيـة أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وبالنص عليها في مضمونه يعد ذلك ضماناً لتلك الحقوق من أي مسـاس أو تجاوز من قبل سلطات الدولة، لكونها نصوصاً تتسـم بالسمو والعلو على غيرهـا من القوانين، فتصبح واجبة التطبيق على الجميع [22]. وسنـتناول البحث في هـذا المطلب الحماية القانونية لحق التعليم في اطار التنظيم الدستوري والقانوني لهـا وكما يأتي:

الفرع الأول: ضمانـات حـق التعليم في دستور جمهورية العراق لعام 2005

قـد لا يخفى علينا ما مر به العراق  من ظروف وأحداث غير اعتيادية، رافقتها وثائق سياسية ودستورية، ثم مرحلة كتابة دستوره الاخير الذي ايضاً كتب في ظروف لم تكن اعتيادية هي الاخرى، والتي لم تكن تسمح لكتابة دستور  يلبي جميع طموحات الشعب الذي عانى ما عاناه من فترات الصراع وعدم الاستقرار، وعـدم وضوح في الرؤيا والسياسات المتخبطة، إذ هو اليوم احـوج ما يكون الى دستور ينظم العلاقـات على كل المستويات، فضلاً عن ضمانه للحقـوق والحريات على قدم المساواة ومن ضمنها الحق في التعليـم[23].

ولأهمية الحق بالتعليم، فقد كفله الدستور العراقي لجمهوريـة العراق لعام (2005) ،إذ يعد حــق التعليم لما يتميز به بأنه من الحقــوق التي يمكن تصنيفهــا بعدة طرق، إذ يعد حقاً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، وكذلك يمثل حقاً مدنياً وسياسياً، لكونه أساساً في تطبيق هذه الحقوق، فهو يعمل على ترابط جميـــع الحقوق وعـــدم تجزئتهــــا بوصفه أحد الحقوق الأساسية البالغة الاهمية، ولتأثيـره في إعمال حقوق الانسان الاخرى، فضلاً عن أهمية النتائـج المترتبة عنه في تطور ونماء افراد المجتمع الاقـتصادي والاجتماعـي أولاً، ومن ثم انعكاسـه على الـدولة ثانياً، ومساهمته في تنمية قدرات الاطفال وتنشــئة الاجيال، وإعدادهـم مستقبــلاً لخدمة المجتمع، إذ يعد حــق التعليم لما يتميز به بأنه من الحقــوق التي يمكن تصنيفهــا بعدة طرق[24].

فبينت الفقرة الثانية من المادة(29) من الدستور العراقي لعام 2005 بأن للأولاد حـق التعليم والتربية والرعاية على والديهم ، وحـق الوالدين على أولادهم فــي الرعاية والاحـترام[25]، كذلك ما نصت عليه المادة (30/ثانياً) منه إذ جاء فيها « تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم بقانون»، لذلك يتضح لنا بأن حـق التعليم للاطفال هـو واجب وملزم لوالديهم بأن يتكفلان به، وأن يختاران التعليم الملائم لهما ،بما يحقق تنشئة وتعليم الطفل بالطريقـة الصحيحة و وفقاً للمعاييـر الدولية الملائمـة.

فقد اشار الدستور بأن التعليم حـق، وعلى الدولة كفالته، وجعله مجاني في مراحله كافة، فضلاً عن الزاميتـه في المرحلة الابتدائية، لكونه العامل الاساس في تقدم المجتمع[26] .

ومن خلال استعراض النصوص اعلاه يتبين أن الدستور العراقي قـد عد التعليم عامل من العوامل الاساسيـة اللازمة لتقدم المجتمع، فالنصـوص اعلاه تمثـل في صياغتها انعكاسـاً واضحاً لحاجة حقيقيـة أفرزهـا واقع المجتمع العـراقي، فضلاً عن احتوائها على مبادئ متطـورة في ميـدان الحق في التعليم، وجعـل قاعدة التعليم الالزامي، بجانب قاعـدة مجانية التعليم، والتي تعـد التجسيد الحقيقـي لكفالة الدولة لحق التعليـم[27].

غير ان مجرد النـص على التعليم الالزامي لا يكفي لوحده في التطبيق العملي، مـا لم يقترن ذلك بإجراءات اخــرى، كوضع آليـة تضمن تطبيـق تلك النصوص الدستورية وتلتـزم بأحكامها، عن طريق سن التشريعـات الكفيلة بتوفيـر مقومات الحيـاة الاساسيــة الاقتصادية والاجتماعية لأولياء امـور الطلبــة، بوصفهـا عاملاً اساس في تطبيـق أحكام الدستور بوجـه عام، والتعليــم بوجـه خاص، الأمر الذي سيسـاعد على تشجيـع وتحفيـز أولياء الامـور على ابقاء ابنائهم الطلبـة في المــرحلـة الاساسية من التعليم على اقل تقدير، أو استمرارهــم في المراحـل الدراسية الاخرى، وبخلاف ذلك سيتعرض أولياء الامور في حال ثبت اخلالهـم بالتزاماتهم تجاه ابنائهم للمسائـلة القانونيـة، كونهم المسؤولين تجاه الدولة، وكل ذلك لا يتحقق مالم يكن هناك قواعد قانونية تحمي هـذا الحق، وعقوبات جزائية تهدف الى تأمين احترام تلك القواعد[28].

الفرع الثاني: مـوقف التشريعات العراقية في حماية الحق في التعليم

اكدت العديد من التشريعات العراقيـة على مبـدأ المساواة وتكافـؤ الفرص و تحريم التمييز، في التمتع بالحقـوق والحريات، ومن التشريعات العراقية النافذة التي كفلت حـق التعليم، قانـون وزارة التربية النافـذ رقم (22 ) لسنة (2011)، والذي كان من الأسباب الموجبة لإصداره، هو اعتبار التعليم عاملاً أساسيـا لتقـدم المجتمع وتقرير الوحدة الوطنية، والتي تكـون باستيعاب المبادئ الجديدة التي جاء بها الدستور، إذ حـدد سنوات التعليم الابتدائي والتعليـم الثانوي والأساسي، فضلاً عن حرصه على إلزاميـة التعليم الابتدائي[29]، وأشار إلى تنميـة القطاع التربـوي والتخطيط المناسب له، إذ من جوانب التطوير هي الأعـداد المهني والمعلميـن، لغرض العمل المنتـج والحفـاظ على استقلاليتـه، وأتاحته للجميع ،فضلاً عن وضع برامـج أعداد المعلمين وتدريبهم، وتطوير هذه البرامج وتهيئتهـم على إدارة العملية التربويـة والأشراف عليها[30]، كما اكـد القانون إلى تحسين نوعية التعليــم، وإتاحته للجميع وتنمية قدرات الطالب الإبداعية[31]. غير ان هناك البعض من الأحكام القانونية تبقى من دون تنفيـذ في الواقع، ويبقى الوصول حاجـة أو رغبة، بدلا من أن يكون حقا، في حال إذا كانت قـدرة استيعاب المدارس الابتدائيـة أدنى مـن عدد الأطفـال البالغيـن سن التعليم الابتدائـي .

كما وقد كفل قانون التعليـم الإلزامي رقم (118) لعام ( 1976) مجانية التعليـم وإلزاميــة التعليم الابتدائي، وللجميـع، مـع التزام الدولة بتوفيـر جميع الإمكانات اللازمة لهُ[32]، و قد أنشأت الدولـة دوراً لغرض رعايـة وتعليـم الأطفـال، والصغار، والأحداث، الذين لا أب لهـم، وعـدم تمييزهـم عن أقرانهم غير الجانحيـن وتوفيـر فرص تعليميـة لهم[33] . و أشارت تعليمات قبـول الطـلاب في المدارس والمعاهد المسائيـة، أن لا يكـون التعليــم مختلطـاً ،ولكن الجدير بالذكر ان هـذا الوضع لا يُعـدُّ تمييزاً، إذ تتوافق التعليمات مع نـص المادة(2- أ) من اتفاقيـة مكافحـة التمييـز في مجال التعليـم[34].

ومن التشريعات العراقية التي كفلت هذا الحق نذكر منها قانون رعايـة ذوي الإعاقـة والاحتياجـات الخاصة رقم (38) لعام ( 2013 )، واكد على توفير فرص التعليم العـام والخاص، والتعليـم المهني والعالي لذوي الاحتياجات الخاصـة[35]، لكـن لـم يستثن قانون وزارة التربية العراقي ذوي الاحتياجات الخاصة من سن الإلـزام للالتحاق بالمدرسة، لحين أنشـاء مدارس تناسـب أعاقتهم، إذ لـو تـم استثناؤهم لأعتبـر تمييزهـم عن أقرانهـم تمييزاً ايجابيـاً[36]. كما وافرد القانون اعلاه مـادة كاملة منه، لغرض توفير التعليم لهـذه الفئة، وميزهـم عن أقرانهـم من الأسوياء، من خلال إعـداد المناهـج التربويـة التي تتناسب واستعداد ذوي الاحتياجـات الخاصة، والتمييز هنا لا يعدُ تمييزاً سلبياً،  لكونهم من الفئات المستضعفة التـي ليست كباقـي الأفـراد الأسويـاء[37]، وانـه من الأفضل العمل على استثنـاء ذوي الاحتياجـات الخاصة من سـن الإلزام للالتحـاق بالمدرسة، لحين إنشاء مدارس تناسـب إعاقتهم ، ويُعَدُ التمييـز في هذا الحال تمييزاً ايجابياً، إذ ان من واجب الدولة اتخاذ التدابير والخطط والسياسات، التي تحقق المشاركة الكاملة لذوي الإعاقة في شتى المجـالات دون أي شكـل من أشكـال التمييـز[38].

وقد أشـار قانـون التعديـل الثالث لقانـون وزارة التربية لإقليم كردستان العـراق رقم (4) لعام (1992)، إلى توحيـد التعليم الأساسـي وعموميته، مع تنوع التعليـم الإعدادي، لغرض التوسع في الثقافة، والحصـول على مزيــد من التخصص[39]. وقد منحـت حكومـة إقليـم كردستان امتيازات لذوي الشهداء، والتي تؤدي إلى تمييـزهم عن أقرانهم من الأفراد العادييـن، وعدم تكافؤ الفرص ، إذ تتحمل الحكومة تكاليـف دراسة أولاد الشهـداء في المدارس والجامعات الأهلـية داخل الإقليم ، فضلاً عن تخصيص عـدد من المقاعد الدراسيـة لأولاد الشهـداء[40].

ومن شروط القبول بالدراسات العليا(  دبلوم عالي-ماجستير – دكتوراه) ،أن يقبل المرشح عند المنافسة على أساس الكفاءة، والمقدرة ، وفي هذا الشرط يتحقـق تكافؤ الفرص ، إذ لا يكون القبـول على أسـاس الاعتبــار الشخصي ، أو أي سبــب أخـر للتميـيـز[41].

وقد منع نظـام مدارس تأهيـل الأحـداث رقم (2) لعام ( 1988)، التمييز بيـن الحدث الجانح وأقرانه غير الجانحين، إذ أشــــار إلى فتـح مدارس ابتدائية، وأخرى متوسطــة داخـل بناية مدرسـة تأهيل الصبيان، ومدرسـة متوسطة وأخرى إعداديـة داخـل بنايتي تأهيل الفتيان ، كما ويجوز لخريجـي الدراسة الابتدائيـة من المودعيـن الإلتحـاق بالمـدارس المتوسطـة ، ويجوز لخريجـي الدراسة المتوسطة من المودعيـن الإلتـحاق بالمدارس الإعداديـة ، فضلاً عن إمكانيـة إلتحـاق خريجي الإعدادية بالمعاهد والكليات، وإعطائهـم الحـق بعد الحصول على شهـادة النقـل المدرسيـة المعطـاة إلى المـودع المطلق سراحـه، تخولـه الدخـول إلى المـدارس الأخـرى ، ولهـم حق الاشتـراك فـي الامتحان الخارجي للدراسـة الابتدائية، والمتوسطة ، والإعداديـة[42].

كما ونجد أن قانون اصـلاح النزلاء والمودعيـن رقم (14) لسنة (2018)، قد أكـد  على هذا  الحق، إذ كفل لكـل نزيل أو مـودع، حق التعليم ومواصلـة الدراسـة أثناء مدة محكوميتـه، وليس هذا فقـط، وإنما أكد على  عـدم جواز ذكـر أي بيان في الشهـادة الدراسيـة أو المهنية التي يحصل عليها أثناء مدة تنفيـذ العقوبة، يشير إلى أنـه قد حصل عليها فـي دائرة الاصـلاح العراقية [43].»وموقف المشرع العراقي هنا يحمد عليه، لتأكيـده على عدم جـواز ذكر أي بيـان، يدلل على حصـول المحكوم عليه على تعليمـه من داخل المؤسسة العقابيـة، لكي لا يواجـه أي  صعوبات بخصوص شهادتـه وتشغيلـه بعد الافراج عنـه، لكن في الوقـت نفسه، نجد أنـه قد ناقض نفسه، عندمـا أشترط في أغلب النصوص المتعلقـة بالشروط اللازمة للتعليم، أن يكـون المتقدم غيـر محكوم عليه بجنايـة أو جنحـة مخلة بالشرف، وبهـذا يكون قد حـرم المحكـوم عليه من فرصـة نيل حقـه في التعليم، التي كفلتهـا له النصـوص والمواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، حتـى وإن كان داخل المؤسسـة العقابية، فكيف بـه يحرم منها بعـد خروجه منها، و وفاءه بالدين الذي عليه للمجتمـع.

الخاتمة

بفضل الله وتوفيقه أنهينا بحثنـا في موضوع (الحمايـة الدستورية لحق التعليم في العراق)، مستعرضــين أهم المشكـلات التي يثيرها موضوع البحـث، والوقـوف على مكامن القوة والضعــف في علاقة المبادئ الدستورية بموضـوع الحـق في التعليـم، ولأجـل وضع الحلول المناســبة لتـلك المشكــلات، لا بد من ذكـر أهم الاستنتاجات والمقترحـات استكمالاً وإتماماً للفائــدة العلمية، والتي سوف نوجـزها بالآتي: 

اولاً:  الاستنتـاجـات

التعليـم حـق من حقوق الإنسـان الأساسيـة، والعامل الأساس لضمان ومعرفة حقوقهِ.

إن ارتفـاع تكلفـة التعليـم الخاص، وتخـلي الدولة عن مسؤوليتهـا في بعض الأنشطـة التعليمة ، يؤدي إلى تهميش الفئـات الفقيرة، وحرمانهــا من تحقيـق احتياجاتها التعليمية.

من أسـباب انعدام تكافؤ الفـرص التعليمية، الحواجز المالية ، والجغرافية، واللغوية بيـن الافراد، والتي يكون من نتائجها خلق العدوانيـة بينهم والنـزاع ، فضلاً عن اختـلاف المفاهيـم بينهـم والرغبات والميول.

منح امتيازات لبعـض الفئات دون الفئـات الأخرى، بموجب نصوص تشريعية مثل قانون مؤسسة الشهداء، وقانون تعويض ضحايا الإرهاب ، إذ إن الفئـات غير المستثنـاة تمتلك درجات النجاح التي تفوق درجات الفئـات المستثناة في شهادة الثانوية العامة، أو مـا يعادلها في الانتفاع بحق التعليـم، ممـا يؤدي إلى الإخـلال بمبدأي المسـاواة وتكافـؤ الفرص، التي كفلها الدستور العراقي في المواد (14،16).

 ثانياً: المقترحـات

العمل على إلغــاء أي أحكـام تشريعية، أو تعليمـات إدارية ،تنطـوي على تمييـز في التعليم، ويكون اختلاف المعاملـة بيـن المواطنيــن على أسـاس الحاجة، أو الجـدارة فيمـا، يتعلق بالرسوم المدرسية أو بإعطـاء المنح الدراسيـة، أو غيرهـا من أشكال المعونـة التي تقـدم للتلاميـذ، أو بإصدار التراخيـص، وتقديم التسهيلات اللازمـة لمتابعة الدراسـة في الخارج.

لضمـان حماية الحق في التعليم وتحقيق المساواة بين المستفيدين منه، وضمان المعاملة المنصفة للجميـع، يجـب توعيـة المعلم على احتـرام التنـوع ( اللغوي ، الجغرافي، الديني) في الفصـول الدراسيـة.

ضـرورة إلغـاء الوصايـة السياسية على المجتمـع الأكاديمي ، والتزام السلطـات العموميـة باحتـرام استقلال المجتمـع العلمي بمكوناتـهِ الثلاثة من ( أساتذة، وطلبة ، وإداريين) ، ممـا يوفـر شرطاً ضرورياـً لنجاح العمليـة التعليميـة، وتطور البحـث العلمي.

 

[1]  خضر خضــر، مدخل الى الحريـات العامة وحقـوق الانسـان، (لبنان- طرابلس، المؤسسة الحديثة للكتاب، 2001)، ص 350.

[2]  عادل جلال حمد أميـن، دور القضاء في ترسيخ سيـادة القانون، (لبنان – طرابلس، المؤسسة الحديثة للكتـاب 2017)، ص17.

[3]  سعـدي محمد الخطيب، الدولـة القانونيـة وحقوق الانسان ، (بيروت - منشورات الحلبي الحقوقية2012)، ص67.

[4]  «تقـريـر الاميـن العـام بشـأن تعزيـز الامــم المتحـدة في مجال سيـادة القانون وتنسيقهـا لعام ( 2014 ) «، متاح علـى الموقع الالكتروني: http://www.un.org ، تاريخ الزيـارة 16/9/2022.

[5]  وقائـع الامم المتحدة، متاح على الموقع الالكـتروني: http://www.un.org ، تاريخ الزيـارة 16/9/2022.

[6]  ينظر نص المادة (2) من دستـور جمهوريـة العراق عام 2005 .

[7]  ينظر نص المادة (14) من دستـور جمهوريـة العراق عام 2005 .

[8]  شورش حسـن عمر، خصائـص النظام الفـدرالي في العراق – دراسة تحليليـة مقارنة،( القاهرة- مصر، المركـز العربي للنشر والتوزيـع، 2018) ، ص206. 

[9]  منظمة الامم المتحدة للتربـية والعلـم والثقافة (اليونسكو)، تعزيز سيـادة القانون عـن طريق التعليم ، دليـل لواضعي السياسات التعليميـة،(  الامم المتـحدة ،2019)،ص34. «

[10] المصدر نفسه، ص36.

[11] شحاتة أبو زيـد شحاتة، مبدأ المسـاواة في الدساتير العربيـة في دائرة الحقـوق والواجبـات العامة وتطبيقاتـه القضائية، (دون دار نشر)،2001 ، ص116 .

[12] عمـار كاظم ، مبدأ تكافـؤ الفرص تنمـية المجتمع، جريـدة البيان الكويتية، 11 فبرايـر 2018 ، متاح على الموقع الالكتروني:

 http://alkuwaityah.com/Article.aspx?id=455953

تاريـخ الزيـارة 16/9/2022 .

[13]() إليزابيث ستـر ينز، البقـاء في الخلف والتسـرب، مقـال بحثي في الرابطــة الأمريكية لعلم الاجتماع (sage journa)، متاح على الموقع الالكتروني:

 http://search.shamaa.org/home

تاريخ الزيـارة 14/9/2022.

[14]14  علي سعد وطـفة ، تكافؤ الفرص الأكاديمية في جامـعة الكويت ( تأثير متغيرات الوسط الاجتماعي) ، مجلة كلية التربية، جامعـة الكويت ، العـدد 29، 2011، ص14. 

[15]  تقرير السنة الأوربيـة لتكافؤ الفرص 2007، تعزيـز المساواة- ماذا يمكن أن تقدمه المؤسسات ؟ لمحات مختارة عن أعمـال تكافؤ الفرص، مركز المؤسسـات الأوربية،2010 ، ص24-51 .

[16]  محـمد صديق حمادة، فلسفـة  تكافـؤ الفرص التعليمـية بيـن النظرية والتطبيق، (  مصر- القاهرة ، 2004 ) ، ص 279.

[17]  لمياء الركابي ، ياسين العيثاوي ، ضمانات المرأة في حقـوق الإنسان ، ( السودان، دار الجنان للنشر والتوزيع ، 2011)، ص109 .

[18]  ينظر نص المادة (3/رابعاً) من قانـون السجناء السياسيين رقـم(4) لسنة2006، والمواد(3/ثانيـا،17 – سابعـا –ثامنـا- تاسعـا- عاشـرا-حـادي عشر) من قانون مؤسسـة الشهـداء رقم (2) لسنـة 2016 ، والمـادة(3/ثالثا) من قانـون تعويض المتـضررين الذيـن فقـدوا جزءاً من أجسادهم جراء ممارسـات النظام البائد رقـم(5) لسنـة2009 ، والمـادة» (12 /خامسا) من قانون التعديـل الاول لقانون تعويـض المتضرريـن جراء العمليات الحربيـة والأخطاء العسكريـة والعمليـات الإرهابية رقـم (57) لسنـة 2015.

[19]  صادق العـراق على اتفاقية تحريم التمييـز في مجال التعليم بموجـب القانون  رقم (41) لسـنة1977 ، والمنشـور بالوقائع العراقية ذي العـدد(2578) في 28/3/1977.

[20]  الصكوك الدوليـة لحقوق الإنسـان، الولايـات المتحـدة الأمريكيـة، وثيقـة أساسيـة تشـكل جــزءاً من تقارير الـدول الأطـراف ، متاح على الموقع الالكتروني:

  https://www.refworld.org/cgi

 تاريخ الزيارة 18/9/2022 .

[21]  اليونسكو، التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع، ص4- 7،

 https://www.pdfdrive.com

تاريـخ الزيارة 18/9/2022 .

[22]  وسـن حميد رشيـد، الضمانـات الدستورية للحقوق والحريـات في الدستـور العراقـي، مجلة جامعة بابـل، المجلـد 21، العـدد 3، 2013، ص 647.

[23]  علي يوسف الشكـري، عامر عبد زيد الوائـلي، مصطفى فاضـل الخفاجي، الحقـوق والحريات في الدستـور العراقي لسنـة 2005 النافـذ ، مجلـة مركز بابل للدراسات الانسانيـة، المجلد 7، العدد 1، 2017، ص 331.

[24]  انعـام مهـدي جابر الخفاجي، حـق الطفل بالتعليـم ( دراسة مقارنة مع الشريعة الاسلاميـة وبعض التشريعـات العربيـة المعاصرة، مجلة جامعة بابـل، المجلد 22، العـدد 2، 2014، ص364.

[25]  ينظر نـص المادة (29/ ثانياً) من دستـور جمهوريـة العراق لعام 2005.

[26]  ينظر نـص المادة (34) من دستـور جمهوريـة العراق لعام 2005.

[27]   مصطفـى سعيد عبد الرضا التميمـي، حـق الانسان في التعليم في ظـل الدستـور العراقـي 2005- دراسة مقارنـة، رسالة ماجستيـر غير منشورة، جامعة ديـالى، كلية القانـون والعلوم السياسيـة،  2018، ص72.

[28]   بـتول عبد الجبار حسين التميمي، الضمانـات الدستورية لحق التعليـم في العراق، اطروحة دكتوراه غير منشـورة، جامعة النهريـن، كلية القانـون، 2015، ص 39-40.

[29]   نص المواد (8، 9، 10، 11، 12، 13، 14 ) مـن قانون وزارة التربية العـراقي النافذ رقم ( 22) لسنة2011 .

[30]   ينظـر: نص المادتـان (2 خامسا ، 3 فقرة 3 ) مـن قانون وزارة التربيـة رقم ( 22 ) لعام 2011 .

[31]  نص المـادة (1- رابعا، خامساً) من قانون وزارة التربيـة رقم (22) لعام (2011).

[32]   ينظر: نص المـادة(1،أولا- ثانيا-) قانون التعليـم الإلزامي العراقـي رقم(118) لعام 1976 النـافذ.

[33]   ينظر: نص المـادة(2) من نظـام دور الدولة رقـم (5) لسنة 1986 والمنشـور في جريدة الوقائع العراقيـة بالعـدد (3091) فـي 31/3/1986.

[34]  ينظـر: نص المـادة(9) من تعليمـات رقـم (1) لعام 1996 ،قبـول الطلاب في المدارس والمعـاهد المسائية، المنشورة في الوقائـع العراقية بالعـدد(3645) فـي 25/11/1996.

[35]  نص المـادة(3- خامساً) من قانون ذوي الإعاقـة والاحتياجـات الخاصة رقـم (38) لعـام 2013، المنشـور في الوقائع العراقيـة بالعدد(4295) في 28/10/2013.

[36]   ينظر: نـص المـادة (9) من قانـون وزارة التربيـة رقـم (22) لعام 2011.

[37]   ينظر: نص المـادة (3- خامساً،15 – ثانياً، ثالثاً)، من قانـون ذوي الاعاقة والاحتيـاجات الخاصة، رقم ( 38) لعام 2013.

[38]   ينظر : نـص المادة (1-خامساً،2 – اولاً) ، مـن قانون ذوي الاعاقـة والاحتيـاجات الخاصـة رقم ( 38) لعام 2013.

[39]   نص المادة (4) مـن قانون التعديـل الثالث لقانـون وزارة التربية لأقليـم كردستـان العراق رقم (4) لعام 1992 المعـدل رقـم (27) النافـذ لعام 2007 ، والمنشـور في جريدة الوقائع العراقيـة بالعـدد(77) في 25/12/2007.

[40]  ينظر: نص المـادة (7،ثانياً-ف2-5) من قانون حقوق وامتيـازات ذوي الشهداء والمؤنفلين لإقليـم كردستـان – العـراق رقـم (9) لعام 2007، والمنشـور في جريـدة الوقائع العراقية بالعـدد67 في 7/1/2007.

[41] ينظر: نص المـادة(1- رابعاً) من تعليمـات منح الإجازات الدراسيـة للموظفيـن في إقليـم كردستان النافــذ والصادر في 1/1/2000 المنشـور في الوقائع العراقـية بالعـدد(6) في 11/12/2000.

[42]   ينظر: نص المـادة (3- اولا، ثانيا، ثالثا، رابعا، خامسا) من نظـام مدارس تأهيل الأحـداث رقم (2) لسنة 1988 النافـذ.

[43]   نص المواد (17- 19 ) من قانـون اصلاح النزلاء والمودعيـن العراقي رقم (14) لسنـة (2018).