تاريخ التقديم 20/1 تاريخ القبول 17/2 تاريخ النشر 25/4
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
النموذج القانوني لجريمة التطبيع
مع الكيان الصهيوني
The legal model for the crime of normalization with the Zionist entity
م.د زيد عجمي بشيت
جامعة سومر- كلية القانون
Phd Teacher :Zaid Ajmi Bsheet
University Of Sumer / College Of Law
المستخلص
توجه إهتمام بحثنا الموسوم ب (النموذج القانوني لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني) ,بجوانب عديدة ترتبط إرتباطا وثيقًا بالواقع السياسي والاجتماعي، فقد تناول البحث أهم ما جاء في قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022، ومن ثَمَّ بينا أهم الوسائل التي أسهمت في تحقق النشاط الإجرامي والمفاهيم العامة لجريمة التطبيع، وتطرقنا أيضًا إلى التجريم الوارد في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 لجريمة التطبيع في المادة 201 ,ومما أثار اهتمامنا بالأمر هو أنَّ القانون يحدد عقوبات تدريجية بل إفرد الفعل وجعل عقوبته الإعدام، ومن الأمور الأساسية التي اهتمت بها دراستنا هي استحداث إنموذجًا قانونيًا لجريمة التطبيع ابتداءً في وضع المفاهيم العامة للجريمة والأساس القانوني لها ,ومن ثَمَّ بيان أركانها والعقوبات المترتبة عليها ونطاق سريانها، وتوصل البحث إلى أهم النتائج إذ شَدَّد المشرع العراقي عقوبة التطبيع مع الكيان الصهيوني في حالات الحرب حصرًا ولم يحدد أي ظرف اخر بالمقابل، ولم يحدد نوع العقوبة المفروضة وجاء النص مطلق على النصوص العقابية جميعها، وقد أوصينا المشرع بإلغاء عقوبة السجن المؤبد والإبقاء على عقوبة الإعدام حصرًا على الفئات المذكورين في المادة (9) من القانون محل البحث، فمن غير الممكن أن يتساوى المركز القانوني لرئيس الجمهورية عند قيامه بالإنتماء لأي مؤسسة من مؤسسات الكيان الصهيوني مع المواطن الذي لا يملك أيّ وظيفة، فكلاهما تنطبق عليه عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد وكان من الأفضل على المشرع أن يجعل في العقوبة المفروضة للأشخاص محل الخلاف خصوصية وإنفراد بالعقاب.
الكلمات المفتاحية: نموذج، قانوني، جريمة ، تطبيع، كيان، صهيوني
Abstract
The attention of our research, tagged with (the legal model of the crime of normalization with the Zionist entity), was directed to many aspects closely related to the political and social reality. Criminal activity and the general concepts of the crime of normalization were achieved, and we also touched on the criminalization contained in the Penal Code No. 111 of 1969 for the crime of normalization in Article 201, and what aroused our interest in the matter is that the law defines gradual penalties, but rather singles out the act and makes its punishment death, and one of the basic matters that our study focused on It is the development of a legal model for the crime of normalization, starting with the development of general concepts of the crime and its legal basis, and then clarifying its elements, the penalties resulting from it, and its scope of application. He did not specify the type of punishment imposed, and the text was absolute on all punitive texts, and we recommended the legislator to abolish life imprisonment and keep the death penalty exclusively for the categories mentioned in Article (9) of the law in question. It is not possible for the legal status of the President of the Republic to be equal when he rises By belonging to any institution of the Zionist entity with a citizen who does not have any job, both of them are subject to the death penalty or life imprisonment.
Keywords: model, legal, crime, normalization, entity, Zionism
المقدمة
تَعدُّ الأفعال مباحة في اصلها جميعًا، ومن ثَمَّ يبدأ دور السلطة التشريعية في تقنينها لأجل التعايش السلمي بين أفراد المجتمع وإحترام الثوابت الإنسانية والمتمثلة بالثوابت الإسلامية والمبادئ العربية، وإنطلاقًا من مبدأ الوحدة العربية والدفاع عن إستقلال دولة فلسطين أراد الشعب العراقي والمتمثل بسلطته التشريعية أن يثبت للعالم أنَّه لايزال متمسكًا بمبادئه تجاه القضية الفلسطينية، فبادر المشرع بتشريع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022، ليقطع الطريق على من يحاول أن يَمدَّ يد الاستسلام للكيان الصهيوني.
وتكون القانون المذكور من ست عشرة مادة جاء في مقدمتها التعاريف في المادة الأولى، ومن ثُمّ لحقه في المادة الثانية الأهداف، وتلاه في المادة الثالثة نطاق سريان القانون، ومن ثُمّ الجرائم والعقوبات فقد خصص لها المواد (4 الى9) اما المواد المتبقية فكانت متفرقة، لذلك اعتمدت دراستنا على القانون المذكور بصورة أساسية، وتم تقسم الدراسة إلى مبحثين فقد تناولنا في المبحث الأول مفهوم جريمة التطبيع وأركانها، اما في المبحث الثاني فقد تناولنا عقوبة جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني ونطاق سريانها.
أولًا:- مشكلة البحث
إنفرد المشرع العراقي في سن قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ تضمن في ثناياه مجموعة من العقوبات الجنائية المختلفة كجريمة الإعدام أو جريمة السجن المؤبد أو المؤقت، ووضع مجموعة من الوسائل التي ترتكب الجريمة بوساطتها، ولغرض الإحاطة بما ورد في القانون من إشكاليات سنطرح أهم التساؤلات التي سنجيب عليها في طيات بحثنا وكما يأتي:-
ما هو الوضع القانوني لجريمة التطبيع قبل صدور قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022؟
ما هو مفهوم جريمة التطبيع وما هي أركانه؟
ما السبب الذي دفع المشرع لتشريع قانون التطبيع ؟
هل يمكن وقوع الشروع في جريمة التطبيع؟
ثانيًا:- أهمية البحث
تكمن أهمية البحث في موضوع جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني لأسباب عديدة، من بينها عدم وجود دراسات قانونية تهتم بهذا الجانب مما دفع الباحث إلى تأسيس نموذج قانوني لجريمة التطبيع، فضلًا عن ذلك ما اخذه الموضوع من حيز اجتماعي وثقافي لابل تعدى ذلك واصبح دوليًا، مما ادى إلى اهتمامنا بهذا الموضوع والبحث لأجل الوصول الى بعض التفاصيل المهمة والوقوف عند المستجدات في هذا الموضوع.
ثالثًا:- أهداف البحث:
تهدف دراستنا الموسومة بالنموذج القانوني لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني الى مجموعة من الأمور ومن أبرزها:-
تأسيس إنموذجًا قانونيًا للجريمة محل البحث.
رفد المكاتب العلمية بالدراسة لقلة الباحثين في هذا الجانب.
الكشف عن اللبس والغموض ومواطن الضعف والقوة إن وجدت في نصوص قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
رابعًا:- منهجية البحث
يقتضي موضوعنا في غايته المزج بين المناهج العلمية، للوصول الى نتيجة بحثية مفيدة، إذ سنتبع المنهج الوصفي عبر استعراض المفاهيم العامة للموضوع محل البحث، ومن ثم سنتبع المنهج التحليلي عبر تحليل نصوص قانون تجريم التطبيع رقم 1 لسنة 2022، وقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.
خامسًا:- نطاق البحث
اقتصر الباحث في نطاق بحثه بحدود التشريعات العراقية تحديدًا لقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وقانون تجريم التطبيع رقم 1 لسنة 2022.
سادساً:- هيكلية البحث
إنَّ الهيكلية المعتمدة في موضوعنا محل البحث هي التقسيمة الثنائية إذ سنتناول الموضوع عبر تقسيمه إلى مبحثين ولكلِّ مبحث مطلبان فسوف نخصص المبحث الأول لمعرفة ماهيَّة جريمة التطبيع، أما في المبحث الثاني سنتناول عقوبة الجريمة ونطاق سريانها
المبحث الأول
ماهية جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني واركانها
تَعدّ جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني صورة من صور التنصل عن العادات والتقاليد العربية الأصيلة، وتكمن فكرتها العامة بعدم إباحة الإتفاق مع المحتل الصهيوني، بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ومن أجل الاحاطة بماهيَّة جريمة التطبيع سنتناول هذا المبحث عبر مطلبين: سنتناول في المطلب الأول مفهوم جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، أما في المطلب الثاني سنتناول أركان جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
المطلب الأول: مفهوم جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني
وردت مفردة التطبيع في قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ حدد المشرع العراقي الفكرة العامة والعقوبات الجزائية بظروفها المختلفة للجريمة محل البحث، ومن أجل الاحاطة بالمفهوم الواسع للجريمة حل البحث سنتناول في هذا المطلب فرعان إذ سنخصص الفرع الأول لتعريف جريمة التطبيع أما في الفرع الثاني سنتناول الأساس القانون لجريمة التطبيع.
الفرع الأول: تعريف جريمة التطبيع
التطبيع لغةً يعني السجية التي جُبل عليها الانسان، وطبع تطبيعًا الشخص أي عوده إياه،[1] أما التعريف الفقهي والقضائي فلم يرد في الفقه او القضاء تعريف واضحًا وصريحًا لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ورغم ذلك فقد عُرف سياسيًا بأنّه العمل المبرمج والمخطط له بعناية بهدف إعادة العلاقات بين دولتين ذات سيادة الى سابق عهدها قبل نشوب الحرب او المقاطعة السياسية الطارئة على هذه العلاقة، مثال على ذلك التطبيع بين الولايات المتحدة وفيتنام،[2] وعُرف أيضًا بأنَّه أي اتفاق أو تعاون بشكل رسمي أو غير رسمي على مختلف الأصعدة الإقتصادية أو السياسية او التجارية بين أيّ دولة من الدول العربية، والكيان الصهيوني يهدف إلى تغير الثقافة العربية عبر الأساليب المختلفة وصولاً إلى رغبة الكيان المتجهة نحو تغير الإتجاه العربي ونظرته لأجل الاعتراف بدولة إسرائيل وكيانها المحتل لدولة اسرائيل[3] .
وعُرف كذلك بأنّه إحلال مجموعة من التفاعلات ذات الطابع التعاوني والسلمي محل مجموعة اخرى من التصرفات العدائية والتصادمية، على مختلف الاصعدة الاقتصادية و السياسية والثقافية، أي بمعنى أن يتحول الصراع والتصادم إلى حالة من الوئام والسلام وحسن الجوار[4] وعرف التطبيع قانونًا بأنّه « كلُّ فعل من شأنه أن يحقق مع الكيان الصهيوني أي صورة من صور التعامل أو يؤدي إليه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بهدف إقامة العلاقة مع الكيان الصهيوني»[5] وعُرف أيضًا بأنه تجريم أي علاقة طبيعية مباشرة او غير مباشرة مع اسرائيل واجهزتها ومواطنيها.[6]
ومما تقدم من تعاريف يمكن لنا أن نعرف جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني بأنَّها كلّ اتفاق يتم بطريقة مباشره أو غير مباشرة بين أي شخص يحمل الجنسية العراقية، أو شركة عراقية يتم تعاملها تعاملًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا مع الكيان الصهيوني، أو أي شخص يحمل الجنسية الاسرائيلية بصورة منفردة أو مع جنسية اخرى لأيِّ بلد كان أو أي شركة لها امتداد أو تعامل مع الكيان الصهيوني أو مواطن اسرائيلي وبأيِّ شكل من الاشكال يَعدّ مرتكبًا لنشاط اجرامي ويترتب عليه عقوبة جزائية مناسبة للنشاط المرتكب.
الفرع الثاني: الأساس القانوني لجريمة التطبيع
لم تكن جريمة التطبيع فعلًا مباحًا في منظور المشرع العراقي قبل صدور قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني فقد أوجد أساس تجريمها بما تضمنه قانون العقوبات العراقي , إذ نص على من «يعاقب بالإعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية بما ذلك الماسونية أو انتسب إلى أي مؤسساتها أو ساعدها ماديًا او ادبيًا أو عمل بأيِّ كيفية كانت لتحقيق اغراضها»[7] وبهذا فإنَّ المشرع العراقي لم يتدرج في العقوبة المقررة لمن يرغب بالتقرب الى الكيان الصهيوني بأيِّ شكلٍ من الأشكال بل جعل عقوبة الإعدام عامة دون تمييز بين فعل وآخر، ولم يمنح أي سلطة تقديرية للقضاء بشأن تخفيف العقوبة.
وبعد ذلك جاء المشرع العراقي مرة اخرى ليؤسس لجريمة التطبيع اساسًا قانونية أوسع وأشمل مما ورد في قانون العقوبات، إذ شرع قانون خاص تحت عنوان (قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022) ويتكون متن القانون المذكور من ست عشرة مادة ,إذ خُصصت المادة الاولى للتعاريف، والمادة الثانية تضمنت الأهداف، أما المادة الثالثة فقد اشتملت على نطاق السريان وخُصصت المواد المتبقية للعقوبات الاصلية والعقوبات التبعية.
ومن الجدير بالذكر إنَّ المشرع لم يشدَّد بالعقوبات الواردة في القانون محل البحث اذا ما قورنت بما ورد في قانون العقوبات , بل نرى أنّه قد خفف من العقوبة عندما منح القاضي سلطة تقديرية في حرية اختيار العقاب بين الإعدام او السجن المؤبد او المؤقت فعند مراجعة نص المادة 201 من قانون العقوبات تحديدًا عندما ذكر تترتب عقوبة الإعدام لكل من «انتسب الى أي مؤسسة تابعة الى الكيان الصهيوني أو ساعدها ماديًا او ادبيًا، فهنا نجده قد حدد عقوبة الإعدام ولا يمكن ايقاع غيرها أما بالنسبة للقانون الجديد فقد وردة فيه « يعاقب بالإعدام او السجن المؤبد او المؤقت كل من ينتمي لأي مؤسسة من مؤسسات الكيان الصهيوني.[8] وهنا نجد أنَّ المشرع قد منح مساحة واسعة لتقدير العقوبة المقررة وقد تصل الى خمسة عشر عام على فعل مفاده الانتماء , بينما حدد عقوبة الإعدام في النص السابق في حالة الانتساب او المساعدة المادية أو الأدبية، هذا جانب وهنالك امرًا اخر لا يقل اهمية مما تم ذكره ففي حالة الترويج للأفكار الصهيونية او المبادئ والايديولوجيات فقد خصص عقوبة الإعدام في ما كان عليه في قانون العقوبات أما في القانون الجديد فقد اعطي المجال للقاضي في اختيار عقوبة الاعدام او السجن المؤبد[9]، وبرأينا نجد أنَّ الاساس القانوني الوارد في قانون العقوبات كان كافيًا لتجريم التطبيع ليس هذا وحسب , بل نجد أنَّ القانون الجديد قد منح سلطة تخفيف للقاضي الجنائي عندما ورد في العقوبات جميعها صفة التخيير على العكس مما كان عليه .
المطلب الثاني: أركان جريمة التطبيع
نظم المشرع العراقي جريمة التطبيع في قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022، وورد فيه مجموعة من النصوص التي تجرم الفعل ومن أجل ذلك ولغرض الإحاطة بالجريمة لابد أنّ نبين أركانها، لذا سنتناول في الفرع الأول الركن المادي للجريمة، اما في الفرع الثاني سنتناول الركن المعنوي للجريمة .
الفرع الأول: الركن المادي
يقوم الركن المادي في جريمة التطبيع على ثلاثة عناصر ,إذ يعتمد على السلوك الإجرامي المتمثل بالتعامل مع الكيان الصهيوني والنتيجة الإجرامية المتمثلة بالتطبيع والعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة لذا سنتناول الركن المادي من خلال الاتي:-
اولًا:- السلوك الإجرامي في جريمة التطبيع: يتمثل السلوك الإجرامي في جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني بالعديد من الأنشطة التي يقوم بها الجاني ومن أهمها التعامل مع الكيان الصهيوني بأيِّ شكلٍ من الأشكال ففي حال ثُبت وجود تعامل ملموس على أرض الواقع مع أيِّ جهة تابعة للكيان الصهيوني بأي طريقة كانت سواء مباشرة أو غير مباشرة بغية تحقيق التطبيع فهنا نكون أمام مسؤولية جزائية بمعنى اخر أن يتم التعامل عبر الذهاب مباشرةً إلى سفارة الكيان الصهيوني أو أيّ مؤسسة تمثل الكيان الصهيوني بغية التعامل معها، أو قد يكون التعامل بصورة غير مباشرة كالتخابر أو التواصل عن طريق الوسطاء وما إلى ذلك، فإنَّ الأنشطة الإجرامية متساوية جميعها على حدٍ سواء، ومن َثَمَّ هنالك أسلوب اخر للتعامل فقد يمارس الجاني السلوك الإجرامي عن طريق الترويج أو نشر المؤلفات أو المطبوعات داخل الدولة أو أيِّ وسيلة أخرى فهنا يعبر الجاني بنشاطه عن حقيقة التطبيع ورغبته بنشر الثقافة على نطاق واسع، ولا يقتصر الأمر عند النشر بل حتى وإن لم يتمكن من نشر المطبوعات فعندما يتم ضبطها عند الجاني هذا يكفي لتحقق السلوك الاجرامي[10]، ولا يشترط أن يمارس النشاط بصورة علنية بل يكفي ان يتم بأيِّ شكلٍ من الاشكال حتى وإن كان بصورة سرية [11]
ثانيًا:- النتيجة (تحقق جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني) إنَّ النتيجة المتحققة من السلوك الإجرامي لجريمة التطبيع هي بمثابة التجاوز على المحذور الذي جرمه القانون ومنع إرتكابه صراحة، فيَعدّ المحذور في جريمة التطبيع هو القيام بالارتباط والإنتماء إلى الكيان الصهيوني التي يؤمن بمبادئه ويطمح في إعمامها ونشرها في أنحاء المعمورة بأكملها وبمجرد بدأ الجاني بتحقيق النتيجة الإجرمية جاز انطباق النص العقابي بقدر تعلق الأمر بهذا العنصر ,ولم يشترط المشرع العراقي أنَّ تتحقق النتيجة الإجرمية بصورة مباشرة بل يكفي أن تتحقق بصورة غير مباشرة،[12] ولا يشترط شيوعها في العلن بتحقق النتيجة فيكفي لترتب المسؤولية الجزائية عند ثبوت الإرتباط بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
ثالثاً:- العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة : يَعدُّ الركن المادي مكتملاً إذا توافرت الصلة التي تربط بين السلوك الإجرامي وهو فعل التعامل مع الكيان الصهيوني والنتيجة الإجرمية وهو التطبيع الفعلي والإنتماء الفكري للكيان الصهيوني، فعند تحقق النتيجة المذكورة تتحقق المسؤولية الجزائية بحق الفاعل أما إذا لم تتحقق النتيجة الإجرمية فيّعدّ الفعل شروع في الجريمة إذا كان السلوك عمدي أما إذا لم يكن الجاني متعمدًا فلا شروع في الجريمة.[13]
الفرع الثاني: الركن المعنوي
عندما تتحقق ماديات الجريمة لا يعني تحقق المسؤولية الجزائية بحق الجاني ، فلابد من تحقق متطلبات أخرى كالإرادة والإدراك بمعنى أن تكون الماديات صادرة عن إرادة كاملة وحرة ومريدة للفعل المرتكب ومن أجل ذلك فلابد أن يتوافر الركن المعنوي لتحقق المسؤولية الجزائية، فإذا كانت الجريمة عمدية يكون الركن المعنوي قائمًا على أساس القصد، أما إذا كانت الجرمية غير عمدية يكون الركن المعنوي قائمًا على أساس الخطأ.[14]
ونظرًا لوجود فرض تشريعي بعدم القيام بالتطبيع مع الكيان الصهيوني بأيِّ شكلٍ من الأشكال لذ تَعدّ جريمة التطبيع من الجرائم العمدية ومن أجل تحقيقها يجب أن يتوافر عنصريّ العلم والإرادة:
اولا:- العلم: يتمثل العلم في جريمة التطبيع بمجموعة من الشروط التي من شأنها أن تحقق المسؤولية الجزائية وكما يأتي:
أن يكون الشخص عالمًا بأنَّ الجهة التي يتعامل معها مرتبطة ارتباطاً مباشرًا او غير مباشر مع الكيان الصهيوني.
أن يكون الشخص عالمًا بأنَّ فعله سيؤدي إلى ارتباطه مع الكيان الصهيوني ويتم ذلك كأثر لفعله المرتكب.
علم الجاني بخطورة الفعل المرتكب ومدى تأثيره على المبادئ الوطنية والإسلامية والثوابت الوطنية ورغم ذلك أصر على ارتكابه للفعل.
ثانيًا:- الإرادة: إنَّ اتجاه إرادة الجاني إلى إرتكاب جريمة التطبيع، هو أساس القصد الجنائي في إرتكاب الجريمة، فإنَّ الإتجاه الإرادي بهذا الجزء يُبنى على أساس علم الفاعل بماديات الجريمة فضلًا عن إصراره على إرتكاب الفعل، ولغرض تحقق المسؤولية الجزائية يجب أن يتم اثبات إتجاه إرادة الفاعل بكامل حواسه الإدراكية إلى إرتكاب فعل التطبيع، ومثالاً على ذلك شخص يملك شركة إستيراد وتصدير بدأ بالتعامل مع شركة تابعة إلى الكيان الصهيوني، وهو يعلم بجنسية الشركة أو أصول اموالها وإستمر وبدأ بالإنجراف نحو المبادئ الماسونية والإيمان بها والإرتباط بالكيان الصهيوني فهنا نكون أمام جريمة مكتملة الأركان[15] أما إذ كان الشخص حَسُن النيَّة بالتعامل ولم يعلم بأنَّ الجهة التي يتعامل معها مرتبطة بالكيان الصهيوني فلا جريمة على ذلك لإنتفاء القصد الجنائي ومثال على ذلك قيام شخص بإستيراد السيارات من الامارات العربية المتحدة، وتبين بعد إتمام الصفقة أنَّ الشركة الموردة تعود إلى الكيان الصهيوني ,ونظرًا للعلاقة السياسية المتقاربة بين دولة الامارات والكيان الصهيوني والسماح للشركات التجارية اليهودية بالعمل داخل الامارات مما أدى إلى عدم اكتشاف الشركة ومصدرها، بالتالي لا ينطبق النص الذي منع إقامة العلاقات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني لإنتفاء القصد الجرمي[16] .
ومن الجدير بالذكر أنَّ القانون محل جعل العقوبات الواردة في نصي المادة 4-5 اخف من العقوبات الواردة في نصوص المواد 6-7-8-9 والحكمة من وراء ذلك أنَّ الأفعال الأولى لم تكن تامة أي لم تتحقق النتيجة الاجرامية (التطبيع) وبمجرد التعامل جعلها جريمة تامة بسبب توافر القصد الجنائي مع وضع عقوبة متدرجة تتناسب مع الفعل المرتكب حسب وجهة نظر المشرع.
المبحث الثاني
عقوبة جريمة التطبيع ونطاق سريانها
لقد حَدَّد المشرع العراقي عقوبة لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وحدد نطاق لسريانها، إذ أوجد مجموعة من النصوص التي ترتب عقوبة الإعدام وعقوبة السجن المؤبد والمؤقت، لمن يرتكب الجريمة محل البحث ,لذا سنقسم هذا المبحث الى مطلبين سنتناول في المطلب الأول عقوبة جريمة التطبيع، أما في المطلب الثاني سنتناول نطاق سريان الجريمة.
المطلب الاول: عقوبة الجريمة
قرر المشرع العراقي مجموعة من العقوبات على جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ جعل عقوبة أصلية تفاوت بتحديدها، وجعل حالات إعتيادية، وشدَّده البعض الاخر وحدد عقوبة تبعية وأعفى بعض الحالات .
الفرع الأول: العقوبة الاصلية
أورد المشرع العراقي في قانون تجريم التطبيع عقوبات مختلفة من المادة (4 -9) إذ حدَّد عقوبة السجن المؤبد او المؤقت في المادة (4 البند اولاً والمادة 5) ونعتقد أنَّ علَّة التخفيف في المواد المذكورة هي أن المشرع فرض العقوبة على الأفعال المجردة دون تحقيق النتيجة (التطبيع ، وأضاف عقوبة الاعدام للعقوبات المذكورة في المادة (6) وأزال عقوبة السجن المؤقت في المواد (7-8-9)، حيث إنَّ المشرع قد تفاوت بالعقوبات والعلّة في ذلك أنَّ الجرائم المذكورة في المواد أنفة الذكر هي جرائم تامة متحققة الحصول ولبيان هذا التفاوت بصورة أكثر شمولية سنقسم العقوبات وفقًا للظروف الاعتيادية، في البند الأول والظروف المشددة في البند الثاني.
اولا:- الظروف الاعتيادية للجريمة:- نص المشرع العراقي في المادة (4) البند اولاً من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني على أنَّ « يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت كل من سافر الى الكيان الصهيوني أو زار احدى سفاراته او مؤسساته في دول العالم كافة او اتصل بأي منها»[17]، وحيث إنَّ المشرع قد حدَّد عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت, بمعنى أنَّ للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة في حال سافر إلى الكيان الصهيوني أو زار أحد سفاراتها أو مؤسساتها أو اتصل، وهنا ينقدح سؤال كيف يمكن أن يتعامل القاضي في إختيار الجزاء؟ وهل كان التسلسل بالأنشطة الإجرامية مبني على أساس الفعل الأقوى ثُمَّ الأقل؟ وللإجابة على هذا التساؤل نرى أنَّ الأسبقية كانت مبنية على أساس منطقي حيث إنَّ الذهاب إلى الكيان الصهيوني لا يتساوى مع الذهاب إلى أحد سفارته في دولة ثانية ولا يتساوى مع الاتصال لذا نرى أنَّ التدرج كان منطقيًا ويمكن للقضاء أن يتبنى هذه الفكرة عند التطبيق للنص محل البحث.
ويبدو أنَّ المشرع في المادة المذكورة وضع استثناء جدير بالذكر إذ جاء في البند ثانيًا من المادة المذكورة، لا تسري أحكام هذه المادة على الزيارات الدينية المقترنة بموافقة مسبقة من وزارة الداخلية العراقية، بمعنى أنَّ النص الذي جرم الزيارات إلى الكيان الصهيوني، لم يكن مطلقًا بل قُيد بإستثناء الزيارات الدينية المرخصة، ونرى أنَّ الإستثناء لم يكن دقيقًا ويمكن إتخاذه ذريعة لغرض التواصل مع الكيان الصهيوني تحت غطاء التواصل الديني أو زيارة المعالم الدينية، وبالعودة إلى النص الذي جرم التطبيع سابقًا[18] نجد أنَّه منع صراحةً أيّ صورة من صور التواصل لذا نوصي المشرع بمراجعة النص والغاء البند ثانيًا من المادة لمعالجة الثغرة وعدم السماح لأيِّ شكل ٍمن اشكال التواصل .
أما في المادة (5) فقد ورد فيها « يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من قدم أي نوع من أنواع المساعدات أو التبرعات أو الهبات أو قَبِل أيًّ منها، من الكيان الصهيوني أو مؤسساته»، وعند النظر إلى النص المذكور نجد أنَّ المشرع لم يضف شيء جديد للعقوبة بل كرر العقوبات الواردة في النص السابق، واقتصرت الاضافة على مجموعة من الأفعال، ويرى الباحث من الأفضل على المشرع أن يدمج كلا النصين في نص واحد للابتعاد عن التكرار غير المبرر، ليكون بالشكل الاتي:
*يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت كل من سافر إلى الكيان الصهيوني أو زار إحدى سفاراته أو مؤسساته في دول العالم كافة أو اتصل بأي منها، أو قدم أي نوع من أنواع المساعدات أو التبرعات أو الهبات أو قبل أيّ منها من الكيان الصهيوني أو مؤسساته.
ومن الجدير بالذكر أنَّ المشرع لم يقتصر استثناؤه في مجال الإعفاء من العقاب الوارد في المادة (4) البند ثانيًا، بل استثنى مجموعة من الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة (9) من التخفيف الوارد في المواد (4-5) وشدد عقوبتهم لتكون الإعدام او المؤبد.
ثانيا:- الظروف المشددة للجريمة:- لقد شدد المشرع العراقي عقوبة التطبيع مع الكيان الصهيوني في حالات الحرب حصرًا ولم يحدد أي ظرف اخر بالمقابل ولم يحدد نوع العقوبة المفروضة أيضًا، وجاء النص مطلق على جميع النصوص العقابية[19] وقد أورد عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكلِّ شخص يرتكب فعلاً من الأفعال الواردة في المواد (6-7-8-9) من قانون تجريم التطبيع ,إذ نص في المادة السادسة منه على أن «يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد كلّ من أقام أي علاقة مع الكيان الصهيوني، دبلوماسية أو اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو امنية أو ثقافية أو أي علاقة من نوع اخر»[20]، وعند النظر في الأفعال فيمكن عدها بمثابة نتيجة متحققة لنشاط إجرامي قائم، إذ وضع مساحة تقديرية للسلطة القضائية في إختيار العقوبة المناسبة بين الإعدام، والسجن المؤبد، كذلك وضع عبارة «أي علاقة من نوع اخر» وهذه الجملة عامة تشمل العديد من التصرفات ممن لم يرد إستثناء عليها، ونستنتج أنَّ التصرفات المذكورة في النص لم ترد على سبيل الحصر بل وردت على سبيل المثال.
ومن ثَمَّ ذكر في المادة السابعة من القانون ذاته على أنَّ « يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من طبع أو تخابر مع الكيان الصهيوني أو روج له لأيِّ أفكار أو مبادئ أو ايديولوجيات أو سلوكيات صهيونية أو ماسونية بأيِّ وسيلة كانت علنية أو سرية في ذلك المؤتمرات أو التجمعات أو المؤلفات أو المطبوعات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أيِّ وسيلة اخرى» لقد منح المشرع للقاضي عند فرض العقوبة سلطة تقديرية عندما وضع أو التخيير بين الجرائم ومن ثَمَّ نجد أنَّ النص المذكور قد عبر به المشرع عن الوسائل الإجرامية المتبعة في جريمة التطبيع، ولكن ذكر عبارة (طبع) وعدَّها في النص وسيلة من الوسائل الإجرامية، ولكن عند العودة إلى بدأ تحديدًا في نص (1) بند ثانيًا نجد أنَّه ذكر تعريف التطبيع وبين مفهومه بالمجمل عندما ذكر كل فعل من شأنه أن يحقق مع الكيان الصهيوني أي صورة من صور التعامل بالتالي نرى أنَّ العبارة تضم الافعال جميعها ولا داعي لذكرها فهي النتيجة الحتمية للافعال جميعًا وهي أوسع من ان يتم ذكرها كوسيلة .[21]
فضلًا عن ذلك أنَّ النص أورد مجموعة من الوسائل وكان الذكر على سبيل المثال وليست على سبيل الحصر إذ نجد في النص المذكور «أيّ وسيلة اخرى» بالتالي نجد أنَّ المشرع قد وسع من نطاق المسؤولية الجزائية بالمقابل منح للقاضي سلطة تحديد الوسائل المستجدة في جريمة التطبيع.
ومن ثَمَّ ذكر في المادة الثامنة من القانون ذاته « يعاقب بالإعدام أو المؤبد كل من ينتمي لأيِّ مؤسسة من مؤسسات الكيان الصهيوني» وهنا قصد المشرع جريمة الإنتماء الفعلي لمؤسسات الكيان الصهيوني، وأضاف في المادة التاسعة ايقاع عقوبة الإعدام أو المؤبد على كل من رئيس الجمهورية أو نوابه أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو رئيس مجلس النواب أو نائبيه أو رئيس مجلس القضاء الأعلى أو نوابه أو رئيس المحكمة الاتحادية العليا أو نائبه أو رؤساء الأقاليم أو نوابهم أو رؤساء الحكومات في الأقاليم أو نوابهم أو رؤساء برلمانات الأقاليم أو نوابهم أو الوزراء ومن بدرجتهم أو أعضاء مجلس النواب أو وزراء حكومات الأقاليم أو أعضاء برلمانات الأقاليم أو رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية أو رئيس وأعضاء جهاز الادعاء العام أو رئيس وأعضاء هيئة الإشراف القضائي أو أعضاء المحكمة الاتحادية أو القضاة كافة أو وكيل وزارة ومن بدرجته أو المديرين العامين ومن بدرجتهم أو رؤساء الأحزاب والكيانات السياسية أو منتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية أو المحافظين أو نوابهم أو رئيس وأعضاء مجالس المحافظات والمجالس المحلية في المحافظات غير المنتظمة في إقليم أو السفراء،[22] ويتضح من النص أنَّ المشرع قد خص الاشخاص على سبيل الحصر وشَدَّد العقوبة بحقهم حتى في المواد (4-5) لم يشملهم في السجن المؤقت بل جعل العقوبة في الأحوال جميعها مشددة والمتمثلة بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد .
ويبدو لنا من النصوص المذكورة أنَّ المشرع قد كرر النصوص بصورة غير مبررة فعندما استعرضنا المواد (6-7-8) وجدنا بالإمكان أنَّ يتم الدمج في مادة واحدة متفرعة الى ثلاثة بنود وذلك لتطابق العقوبة مع الافعال المذكورة جميعها.
الفرع الثاني: العقوبة التبعية والتكميلية
لقد جاء في مدار فكرة العقوبة التبعية الحاق المحكوم عليه بحكم القانون دون الحاجة الى النص عليه ويتضمن ذلك الحرمان من بعض الحقوق والمزايا، اما العقوبة التبعية فهي التي لا تفرض على المدان الا بعد النص في قرار الادانة[23] .
ولم يرد في قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني أيّ عقوبة تبعية، فقد اكتفى المشرع بالعقوبات الأصلية الواردة في المواد(4-5-6-7-8-9) ولكن ليعني ذلك عدم وجود عقوبة تبعية، فقد نص على تطبيق احكام قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المسائل التي لم يرد نص بها، وعند العودة إلى قانون تجريم التطبيع نجده قد نص على عقوبة السجن المؤبد او المؤقت وبالرجوع الى قانون العقوبات نجد أنَّ العقوبة المذكورة يتبعها عقوبات تكميلية إذ أشار القانون إلى أنَّ يتبع الحكم بالسجن المؤبد أو المؤقت حرمان المحكوم من الوظيفة التي كان يتولاها، وعدم السماح له ان يكون ناخبًا او منتخبًا أو أن يكون عضوًا في المجالس المحلية او الإدارية، ولا يمكن أن يكون وصيًا أو قيماً أو ناشراً أو رئيسًا للتحرير،[24] ونص كذلك على « الحكم بالسجن المؤبد أو المؤقت يستتبعه بحكم القانون من يوم صدوره إلى تاريخ انتهاء تنفيذ العقوبة أو انقضائها إلى سبب آخر حرمان المحكوم عليه من إدارة أمواله أو التصرف فيها بغير الإيصاء والوقف إلا بإذن من محكمة الأحوال الشخصية أو محكمة المواد الشخصية، حسب الأحوال، التي يقع ضمن منطقتها محل إقامته، وتعين المحكمة المذكورة بناء على طلبه أو بناء على طلب الإدعاء العام أو كل ذي مصلحة في ذلك، قيما لإدارة أمواله ويجوز لها أن تلزم القيم الذي عينته بتقديم كفالة ولها أن تقدر له أجراً ويكون القيم تابعاً وترد للمحكوم عليه أمواله عند انتهاء مدة تنفيذ العقوبة أو انقضائها إلى سبب آخر ويقدم له القيم حساباً عن إدارته[25].
ولعقوبة الاعدام ايضًا عقوبة تكميلية إذ أورد قانون العقوبات عقوبة تكميلية تفيد إلى حرمان المحكوم من يوم الحكم حتى يوم التطبيق من بعض الحقوق والمزايا، وكذلك مراقبة الشرطة بعد إنتهاء الحكم بالنسبة لعقوبة السجن المؤبد او المؤقت.[26]
ولم يكتفِ المشرع بفرض العقوبة التبعية على جريمة التطبيع بل فرض العقوبات التكميلية بموجب أحكام قانون العقوبات العراقي[27] وقانون التطبيع ذاته إذ نص على أن « تصادر المطبوعات والمؤلفات او أي وسيلة أخرى تروّج للتطبيع مع الكيان الصهيوني، دون الإخلال بالمسؤولية الجزائية لمرتكب الجريمة بموجب هذا القانون.[28]
المطلب الثاني: نطاق تطبيق سريان قانون تجريم التطبيع
إنَّ قانون تجريم التطبيع تشريع بالغ الاهمية ، ويرتب قيود على الأفراد جميعهم، فمن الواجب تحديد نطاق تطبيقه وبيان مدى إخضاع الأفراد إليه، وحيث إنَّ القانون محل البحث ليس له نطاق مطلق بل محدد بحدود موضوعية و شخصية ، ومن أجل الإحاطة بالحدود المذكورة سنقسم هذا المطلب الى فرعين ، سنتناول في الفرع الاول النطاق الموضوعي ، وفي الفرع الثاني النطاق الشخصي.
الفرع الاول: النطاق الموضوعي
ويُراد به أن يشمل هذا النطاق كل جريمة تلامس فكرة التطبيع وموضوعه، وقد حدَّد القانون مجموعة من المواضيع التي شملها قانون تجريم التطبيع، فقد خص بالذكر موضوع حظر وتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، أي منع صراحة أي اتفاق أو تعامل يهدف إلى الاندماج مع الكيان الصهيوني، ومن ثّمَّ ذكر القانون محل البحث منع العلاقات مع الكيان الصهيوني جميعها بأيِّ شكلٍ من الاشكال سواء كانت مباشرة او غير مباشرة، ومنع السفر إلى الكيان الصهيوني، زيارة السفارات والاتصال بأيٍّ منها، فمن يزاول هذه الأنشطة يكون تحت مرمى قانون تجريم التطبيع[29].
ومن الجدير بالاهتمام فقد يرد تساؤل؛ ما المقصود بالاتصال الوارد في نص المادة (4) البند اولاً ؟ ونرى أنَّ دلالة المعنى تشير الى التواصل الالكتروني للمؤسسات والكيان الصهيوني فلو أراد أن يقصد بالاتصال فكرة التواصل لاكتفى بعبارة زار في النص المذكور، ومن ثَمَّ شمل القانون من حيث الموضوع كلَّ أشكال المساعدات التي تقدم الى الكيان الصهيوني او المؤسسات التابعة له، ولم يتوقف نطاق القانون لهذا الحد بل امتد ليشمل موضوع إقامة العلاقات بأيِّ شكلٍ من الأشكال سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي أو أيِّ علاقة اخرى[30].
كذلك شمل النطاق الموضوعي لجريمة التطبيع التخابر مع الكيان الصهيوني أو الترويج للأفكار الماسونية وغيرها، ونعتقد أنَّ القصد من التخابر هو نقل المعلومات من العراق إلى الكيان الصهيوني أي بمعنى القيام بالتجسس واخيرًا يسري قانون التطبيع على موضوع الإنتماء الفعلي إلى الكيان الصهيوني [31].
الفرع الثاني: النطاق الشخصي
ويُراد بالنطاق الشخصي هو شمول الأشخاص الذين يحملون الجنسية العراقية جميعًا بغض النظر عن تمتعهم بجنسية اخرى[32] ويعني ذلك أن لا يمنع من امتداد النطاق وشمولهم بالعقوبة الواردة في قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد أورد في القانون محل البحث؛ أن يسري النطاق الشخصي على العراقي سواء كان شخصية طبيعية أو شخصية معنوية ولا فرق إن كان داخل حدود الدولة أو خارجها بمعنى أنَّ ما ورد في قانون العقوبات بشأن مبدأ الاختصاص الشخصي[33] يسري على قانون تجريم التطبيع.
كذلك امتد النطاق الشخصي ليشمل فئات عديدة إذ ورد في القانون محل البحث سريانه على مؤسسات الدولة العراقية والسلطات الاتحادية كافة، ورئاسة وحكومة الاقاليم في العراق ومجالس الاقليم البرلمانية ومجالس المحافظات والمؤسسات كافة، وشمل أيضًا الإدارات المحلية للمحافظات غير المرتبطة بإقليم ومجالس المحافظات والمجالس المحلية والمؤسسات التابعة لها، ولم يقتصر الأمر على الفئات المذكورة بل شمل الإعلام الذي يحمل الجنسية العراقية داخل العراق ام خارجه .
وقد أضاف القانون امرًا جديرًا بالاهتمام وهو يحظر على الأجنبي الوافد الترويج داخل الاراضي العراقية لصالح الكيان الصهيوني أو قيامه بالدعوات لصالح الكيان لغرض إقامة علاقة بأيِّ شكلٍ من الاشكال،[34] وقد يرد سؤال هل يسري هذا القانون على الاشخاص الأجانب الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية كما هو الحال بالنسبة لقانون العقوبات إذ نص على عدم سريان القانون على الاشخاص المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية؟[35] وللإجابة على هذا التساؤل يمكن القول بأنَّ قانون تجريم التطبيع لم يذكر عقاب الاجنبي الوافد بل ذكر عبارة (منع) بمعنى قد يتم اجلائه من العراق أو أي أسلوب آخر ونعتقد بأنَّ المنع يسري على من يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ولا مانع من ذلك.
الخاتمة
وفي ختام بحثنا بموضوع النموذج القانوني لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ارتأينا أن نورد أهم النتائج والتوصيات لعلَّها تأخذ طريقها وينظر بها مشرعنا العراقي من أجل الإرتقاء بأحكام قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وكما يأتي:-
النتائج:
إنّ قانون تجريم التطبيع جاء بصورة عامة بشكل غير متزن ولم يتم النظر به قبل أن يرى النور من قبل جهات مختصة فقد كان نص المادة 201 من قانون العقوبات أكثر جدية في التعامل مع جريمة التطبيع .
إنَّ المشرع لم يقتصر استثنائه في مجال الإعفاء من العقاب الوارد في المادة (4) البند ثانيًا، بل استثنى مجموعة من الاشخاص الوارد ذكرهم في المادة (9) من التخفيف الوارد في المواد (4-5) وشَدَّد عقوبتهم لتكون الإعدام أو المؤبد.
لقد شَدَّد المشرع العراقي عقوبة التطبيع مع الكيان الصهيوني في حالات الحرب حصرًا ولم يحدد أي ظرف اخر بالمقابل لم يحدد نوع العقوبة المفروضة وجاء النص مطلقًا على النصوص العقابية جميعها.
لم يذكر القانون في الجزء الخاص بالجرائم والعقوبات الأفعال المجرمة على سبيل الحصر بل جعل المساحة لدى القاضي واسعة غير مقيدة مثل ما جاء في نص المادة (6) من أقام علاقة اقتصادية أو ثقافية أو سياسية مع الكيان الصهيوني أو أيّ نوع اخر فلم يقتصرها على العلاقات المذكورة بل جعل المجال واسعًا فيما اذا استجدت علاقات اخرى.
التوصيات:
نوصي المشرع بمراجعة نص المادة 4 والغاء البند ثانيًا من المادة؛ لمعالجة الثغرة وعدم السماح لأيِّ شكلٍ من اشكال التواصل فضلًا عن ذلك دمج نص المادة 4 و5 من قانون تجريم التطبيع ووضعهم في نص واحد للابتعاد عن التكرار غير المبرر، ليكون بالشكل الاتي: *يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من سافر إلى الكيان الصهيوني أو زار احدى سفاراته أو مؤسساته في دول العالم كافة أو اتصل بأيِّ منها، أو قدم أي نوع من أنواع المساعدات أو التبرعات أو الهبات أو قبل أيّ منها من الكيان الصهيوني أو مؤسساته..
عندما استعرضنا المواد (6-7-8) من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني تبين لنا وجود تكرار غير مبرر فالعقوبة واحده والأفعال متعددة لذا نوصي أن يتم الدمج في مادة واحدة متفرعة الى ثلاثة بنود وذلك لتطابق العقوبة مع الافعال المذكورة جميعها والإبتعاد عن التكرار غير المبرر.
نوصي بإلغاء عقوبة السجن المؤبد والإبقاء على عقوبة الإعدام حصرًا على الفئات المذكورة في المادة 9 من القانون محل البحث، فمن غير المنطقي أن يتساوى المركز القانوني لرئيس الجمهورية عند قيامه بالإنتماء لأيِّ مؤسسة من مؤسسات الكيان الصهيوني مع المواطن الذي لا يملك أي وظيفة، فكلاهما ينطبق عليهما عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد وكان من الأفضل على المشرع أن يجعل في العقوبة المفروضة للأشخاص محل الخلاف خصوصية وتفريد بالعقاب.
نوصي بإعادة النظر في نص المادة 12 لتكون بالشكل الاتي : *تترتب عقوبة الإعدام على كلِّ شخص يرتكب فعل من الأفعال الواردة في هذا القانون اثناء حالة الحرب.
[1] توفيق أبو بكر، المثقفون العرب والاستمالة السياسية، عمان: مركز جنين للدراسات الاستراتيجية، 1998.
[2] سعيد يقين داود، التطبيع بين المفهوم والممارسة، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت – فلسطين سنة 2002 ص8.
[3] انظر: حسين عبيدات، ورقة بحيثية القيت في المؤتمر العاشر للصحفيين العرب ، عام 2004م
[4] إبراهيم البحراوي، القضية الثقافية في زمن التسوية السياسية، مصر القاهرة الهيئة العامة للكتب المصرية، سنة 1997 ص33.
[5] نص المادة (1) ف ثانياً قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
[6] انظر نص المادة 1 من مشروع قانون تجريم التطبيع التونسي لسنة 2020.
[7] نص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
[8] نص المادة 8 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
[9] انظر نص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي والمادة 7 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني .
[10] انظر: لكلٍّ من نص المادة 1 البند ثانياً والمادة 10 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وانظر الى د علي حسين الخلف و د. سلطان عبد القادر الشاوي ( المبادئ العامة في قانون العقوبات ) دار السنهوري – بغداد – ط1 سنة 2015 ص139.
[11] نص المادة 7 من القانون ذاته.
[12] انظر نص المادة 1 البند ثانياً من القانون ذاته.
[13] انظر :د محمود نجيب حسني (شرح قانون العقوبات – القسم العام ) ط 1سنة 2018 ص304.
[14] انظر: د جمال الحيدري، قانون العقوبات - القسم الخاص مكتبة السنهوري- بغداد سنة 2015، ص55
[15] انظر : د ماهر عبد شويش الدرة ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص المكتبة القانونية بغداد سنة 1988 ص 134.
[16] انظر نص المادة 6 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
[17] نص المادة 5 اولاً من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
[18] انظر نص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 .
[19] انظر نص المادة 12 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
[20] نص المادة 6 من القانون ذاته .
[21] انظر نصوص المواد 1 -7 من القانون ذاته.
[22] نص المادة 9 من القانون ذاته.
[23] انظر: ا.د جمال ابراهيم الحيدري علم العقاب الحديث، الطبعة الاولى ، دار السنهوري، سنة 2015 ص 82-83.
[24] انظر نص المادة 96 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
[25] نص المادة 97 من القانون ذاته.
[26] للمزيد انظر نص المادة 98-99 من القانون ذاته.
[27] للمزيد انظر نص المادة 100 من القانون ذاته.
[28] نص المادة 10 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022.
[29] انظر نص المادة 1-2 من قانون تجريم التطبيع رقم 1 لسنة 2022.
[30] انظر نص المادة 5-6 من القانون ذاته.
[31] انظر نص المادة 7-8 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
[32] للمزيد انظر نص المادة 10 البند ثانيًا من قانون الجنسية العراقي رقم 26 لسنة 2006.
[33] للمزيد انظر: نص المادة 10 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
[34] نص المادة 13 من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني .
[35] نص المادة 11 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.