تاريخ التقديم 13/2     تاريخ القبول 26/2      تاريخ النشر 25/4

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: https://doi.org/10.61279/25ahrc25

القيمة القانونية لمبدأ التضامن الاجتماعي

(دراسة مقارنة)

The legal value of the principle of social solidarity

(A Comparative Study)

أ.م. د. أسامة طه حسين

 الباحثة: نبأ رسول غميس

الجامعة العراقية- كلية القانون والعلوم السياسية     

PHD.Assistant professor Osama Taha Hussein

Nabaa Rasool Ghmayas

Al-Iraqia UniversityCollege of Law and Political Science

osamah.t.hussein@gmail.com

Nabaarasol@gmail.com

المستخلص

اختلفت الدساتير في معالجة مبدأ التضامن الاجتماعي كما اختلف القضاء الدستوري والفقه في تحديد قيمته القانونية، وبالرغم من هذا الاختلاف الا أنه لا يمكن انكار الأهمية التي يتمتع بها هذا المبدأ، إذ يتمتع بدور مهم في إدراك حقوق الأنسان واعمالها إذ تبنى على أساسه العديد من الحقوق ولاسيما الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي يتمتع بها الفرد بصورة جماعية ، فضلاً عن دوره المهم في بناء المجتمعات وتطويرها بما يساهم في ضمان رفاهية المواطنين من خلال ضمان إعمال حقوق الأفراد وحرياتهم عن طريق السياسات التي تتبعها الدولة، وهذا ما يؤكد على أهميته في بناء دولة أكثر عدلاً وانصافاً.

الكلمات المفتاحية: التضامن الاجتماعي، مبدأ، قيمة دستورية، قضاء دستوري، الرفاه الاجتماعي.

Abstract

The constitutions differed in addressing the principle of social solidarity, as well as the constitutional judiciary and jurisprudence differed in determining its legal value, and despite this difference, there is no denying the importance of this principle, as it has an important role in the realization of human rights and their actions, as it is based on many rights, especially the social and economic rights enjoyed by the individual collectively, as well as its important role in building and Developing Societies in a manner that contributes to ensuring the welfare of citizens by ensuring the realization of individual rights and freedoms through the policies followed by the state, and this confirms its importance in building a more just state and in fairness.

Key words: social Solidarity, Principle, Constitutional value, Constitutional justice, social welfare.

المقدمة

للتضامن الاجتماعي أثر مهم في تخطي الأزمات والحد من أثارها، إذ يظهر مبدأ التضامن الاجتماعي بصوره أكثر وضوحاً خلال الأزمات وذلك من خلال الالتزامات التي يفرضها، الا أن تحديد قيمة الالتزامات التي يفرضها مبدأ التضامن الاجتماعي يتطلب أولاً تحديد القيمة القانونية لهذا المبدأ في سلم الهرم القانوني من أجل رسم حدود تقييد السلطة العامة به، وقد اختلفت الدساتير في معالجة هذا المبدأ وكذلك أختلف كل من القضاء والفقه في تحديد قيمته القانونية، وعلى الرغم من هذا الاختلاف فلا أحد يستطع انكار او الحد من أهميته ودوره في أدراك الحقوق والحريات وبناء مجتمعات أكثر عدالة ورفاهية.

أولاً: أهمية البحث

تبرز أهمية البحث في تحديد القوة التي يتمتع بها مبدأ التضامن الاجتماعي في سلم الهرم القانوني ومدى إمكانية تقيد السلطات العامة به لاسيما السلطة التشريعية ومدى امكانية اعمال متطلباته في التشريعات التي تسنها وهذا ما لا يمكن تحقيقه الا إذا كان لمبدأ التضامن الاجتماعي قيمة دستورية.

ثانياً: مشكلة البحث

تدور مشكلة البحث حول تساؤل أساسي مفاده ماهي القيمة القانونية لمبدأ التضامن الاجتماعي؟ والذي يتفرع الى عدة تساؤلات منها: ما هو موقف الدساتير من مبدأ التضامن الاجتماعي؟ وما هو موقف القضاء الدستوري منه؟ وما هو موقف الفقه منه؟

ثالثاً: فرضية البحث

اختلف الفقه في تحديد طبيعة التضامن الاجتماعي وهذا الخلاف انعكس على القيمة القانونية لهُ، إذ تصاغ فرضيتين: تتمثل الأولى أن التضامن الاجتماعي حقاً قائماً بذاته ويدخل في منظومة الحقوق التي يتمتع بها الفرد، اما الثانية فتتمثل بأن التضامن الاجتماعي يُعد مبدأً تستند اليه العديد من الحقوق والحريات.

رابعاً: منهجية البحث

تفرض طبيعة البحث اتباع المنهج الوصفي لبيان القيمة القانونية لمبدأ التضامن الاجتماعي، والاستعانة بالمنهج التحليلي لتحليل النصوص الدستورية والاحكام القضائية والآراء الفقهية مع بيان الرأي عند الزوم، فضلاً عن الاستعانة بالمنهج المقارن بين المانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الامريكية، للمقارنة مع العراق لبيان موقفها والاستفادة من تجاربها.

خامساً: خطة البحث

إذ سيتم تقسيم البحث الى ثلاثة مباحث: نبين في المبحث الأول موقف الدساتير من مبدأ التضامن الاجتماعي، ونبين في المبحث الثاني موقف القضاء الدستوري من مبدأ التضامن الاجتماعي، واما في المبحث الثالث فسنبين موقف الفقه من مبدأ التضامن الاجتماعي.

المبحث الأول

موقف الدساتير من مبدأ التضامن الاجتماعي

اختلفت الدساتير في تكريس مبدأ التضامن الاجتماعي فالبعض منها نص عليه بصورة صريحة أما البعض الأخر فقد نص عليه بصورة ضمنية، وبالتالي فإن السؤال هنا كيف عالجت الدساتير مبدأ التضامن الاجتماعي عند النص عليها صراحة؟ وفي حالة المعالجة الضمنية كيف يمكن أن نستشف القيمة القانونية للتضامن الاجتماعي؟ وللإجابة على ذلك سنقسم هذا المبحث الى مطلبين: نبين في الأول المعالجة الصريحة لمبدأ التضامن الاجتماعي بصورة صريحه، وفي الثاني المعالجة الضمنية لهذا المبدأ، وعلى النحو الاتي: -

المطلب الأول: المعالجة الصريحة لمبدأ التضامن الاجتماعي

نصت العديد من الدساتير ولاسيما الدساتير الحديثة على مبدأ التضامن الاجتماعي وأهميته في خلق وتعزيز التماسك بين الافراد داخل المجتمع، باعتبار أن التكريس الصريح لمبدأ التضامن الاجتماعي يعتبر وسيلة ضرورية لتعزيز العدالة خاصة عندما توجد التزامات متبادلة بين الأفراد داخل المجتمع، وبالرغم من المعالجة الصريحة لمبدأ التضامن الاجتماعي الا أن الدساتير اختلفت في موضع المعالجة داخل الوثيقة الدستورية وهذا الاختلاف يكشف مدى رغبة السلطة المؤسسة في إضفاء القوة على هذا المبدأ، فالبعض منها ذهب الى تكريسه من ضمن القيم والمبادئ الأساسية، والبعض الأخر كرسه ضمن الحقوق والحريات، واما البعض الأخر كرسه من ضمن الالتزامات والواجبات، وعليه سنقسم هذا المطلب الى ثلاث نقاط تباعاً، وعلى النحو الآتي : -

اولاً: - تكريس التضامن الاجتماعي من ضمن القيم والمبادئ الاساسية

نصت عدة دساتير على مبدأ التضامن الاجتماعي ضمن الباب المخصص للقيم والمبادئ التي تقوم عليها الدولة وبالرغم من ذلك اختلفت الدساتير في تحديد طبيعة الالتزامات التي يفرضها هذا المبدأ فذهبت بعض الدساتير باعتباره من ضمن القيم والمبادئ الأساسية ومنها الدستور الروماني على أن الالتزام يقع على عاتق الدولة بضمان وحدة الشعب الروماني وتضامنهم مع بعضهم البعض حيث نصت المادة (٤) على « الدولة تقوم على وحدة الشعب الروماني وتضامن مواطنيها»[1]، وكذلك الحال بالنسبة الى دستور اسبانيا حيث نص في المادة (٢) على «يقوم الدستور على وحدة الأمة الإسبانية التي لا تنفصل، وطن كل الإسبان الذي لا يقبل التجزئة؛ ويضمن ويعترف بحق الحكم الذاتي للقوميات والمناطق التي يتكون منها ويضمن ويعترف بالتضامن فيما بينها « إذ أكد بشكل أساسي على التضامن بين مختلف القوميات والمناطق في داخل اسبانيا [2].

اما دستور ألمانيا فقد نص في المادة (٢٣) على « تحقيقاً لأوروبا الموحدة، تساهم جمهورية ألمانيا الاتحادية في تطوير الاتحاد الأوروبي الذي يلتزم بالمبادئ الديموقراطية والاجتماعية والإتحادية، وسيادة القانون، ومبدأ التضامن، ويكفل مستوى من حماية الحقوق الأساسية يماثل في جوهره ما نص عليه هذا القانون الأساسي. وفي هذا الشأن، يجوز للاتحاد أن ينقل صلاحيات سيادية بموجب قانون يوافق عليه البند سرات .....، يحق لكل من البند ستاج والبند سرات رفع دعوى أمام محكمة العدل للاتحاد الأوروبي للطعن في أي قرار تشريعي للاتحاد الأوروبي ينتهك مبدأ التكافل. ويلتزم البند ستاج برفع تلك الدعوى إذا طلب ذلك ربع أعضائه» إذ أشار الى التضامن العابر للحدود مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل تطويره، وذهب الى السماح للسلطة التشريعية برفع دعوى أمام محكمة العدل الأوروبية في حال تشريع أي تشريع يخالف مبدأ التضامن الاجتماعي[3].

وقد تشير بعض الدساتير الى التضامن الاجتماعي جنباً لجنب مع المبادئ او على انه مكمل للمبادئ الأخرى، مثالاً على ذلك نص الدستور المصـري في المادة (٨) على « يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون « وعليه فإن المجتمع يقوم على أساسا التضامن الاجتماعي بالإضافة الى التزام الدولة بتحقيق العدالة بين المواطنين وعليه يعتبر التضامن الاجتماعي من السبل التي تحقق العدالة والانصاف بين المواطنين[4]، وكذلك الدستور الكولومبي حيث اكد في المادة الأولى منه على « كولومبيا دولة اجتماعية في ظل سيادة القانون، منظّمة على شكل جمهورية اتحادية، لامركزية، تتمتع باستقلالية وحداتها الإقليمية؛ ديمقراطية وتشاركية وتعددية، قائمة على احترام الكرامة الإنسانية وعمل وتضامن الأفراد الذين ينتمون إليها وسيادة المصلحة العامة» وعليه فإن كولومبيا دولة اجتماعية تقوم على أساس احترام الكرامة الإنسانية وتضامن مواطنيها[5].

ثانياً: - تكريس التضامن الاجتماعي من ضمن الحقوق

قد تكرس بعض الدول التضامن الاجتماعي من ضمن الحقوق باعتباره حقاً قائماً بذاته، إذ يذهبون الى أن التضامن ليس روحاً إيثارية بل حقاً قائماً ويعتبر التضامن الاجتماعي جزء من الحقوق التي يستحقها الفرد، وبما أن التضامن حقاً يتمثل بحماية حق الفرد من الا يستضعف داخل الجماعة، وبالتالي يكون أساساً معيارياً لفهم التضامن الاجتماعي كنوع من الوحدة التي تتوسط بين الفرد والمجتمع[6]،  فأن الحق بالتضامن هو حق معقول للإنسان ويجب أن يدرك للأفراد، ويتوجب حماية الفرد من الاستضعاف ويجب أن يضمن حماية هذا الحق من خلال التشريعات من قبل الدولة والتأكيد على أن التضامن حقاً أخلاقياً عندما يشرع في الدساتير والتشريعات، بالمقابل يتوجب على الدولة أن توفر سبلاً لضمان هذا الحق وحمايته وضمان ممارسته من قبل الأفراد وهذا يعني بالطبع وجود حقوق مشتقه من الحق بالتضامن وأن المجتمعات السياسية أو الدول تلتزم بحمايته حقوق الأفراد في المجتمع، وبالتالي وجود هذا الالتزام بأن لا يظلم الفرد بسبب التحيز لبعض المصالح في داخل المؤسسة السياسية وتعني أن حقوق الأفراد يجب أن لا تظلم بواسطة المجتمع [7].

 إذ نص الدستور الكوستاريكي في المادة (٦٤) على (تشجّع الدولة على إنشاء التعاونيات، كوسيلة لتسهيل ظروف حياة أفضل للعمال، كما تؤمّن تطوير التضامن كأداة لنموّ العمال الاقتصادي والاجتماعي، في القطاع الخاص والقطاع العام على حدّ سواء، بالطريقة نفسها، تعترف الدولة بحق أرباب العمل والعمال في تنظيم أنفسهم بحرية في جمعيات التضامن، من أجل تحقيق ظروف حياة أفضل وتنمية اقتصادية واجتماعية) على حقوق العمال في داخل الدولة من خلال تنظيم أنفسهم بالجمعيات التضامنية من أجل الحصول على ظروف حياة أفضل وتنمية اقتصادية واجتماعية[8].

ثالثاً: - تكريس التضامن الاجتماعي من ضمن الواجبات

غالباً ما يرتبط التضامن الاجتماعي بالواجبات ويتضح جوهرة في ذلك، وهذهِ الواجبات اما تقع على عاتق الدولة، إذ تُشير الدساتير عادة الى التضامن لتأكيد الواجبات الدولة بدلاً من الحقوق تجاه مواطنيها وهي الواجبات التي تفرض على أساس دستوري لخلق دولة الرفاهية او العدالة الاجتماعية من خلال اعترافها بالعديد من الحقوق الاجتماعية، وتفرض الواجبات بالمرتبة الأولى عل مؤسسات الدولة[9]، او قد تكرس الدول في بعض الأحيان التضامن الاجتماعي باعتباره واجباً يقع على عاتق الأفراد مثال على ذلك المادة (٢) من الدستور اليوناني « للدولة الحق في مطالبة جميع المواطنين بالوفاء بواجب التضامن الاجتماعي والوطني» [10]، وكذلك المادة (٧٥/١٠) من دستور جمهورية الدومينيكان على مسؤولية الأفراد القضائية والأخلاقية على عدة واجبات ومنها العمل وفقاً للتضامن الاجتماعي والاستجابة وفقاً للعمل الإنساني في حالات الكوارث العامة التي تعرض حياة وصحة الناس للخطر[11]، وأن ما يفسر اعتبار التضامن الاجتماعي واجب بانه مفهوماً جماعياً وبما انه مفهوم جماعي يفرض هذِ الواجبات واعباء مباشرة أو غير مباشرة لغرض تحقيق الصالح العام مما يعطي الأولوية للجماعة على حساب الفرد، وان ما يبرر هذا اقتران التضامن الاجتماعي بتعزيز العدالة الاجتماعية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي فإن وجود التضامن الاجتماعي ضروري لضمان تمتع الأفراد بالحقوق على قدر المساواة وبشكل شامل[12].

وفي المانيا انخرطت اللجنة الدستورية الألمانية في مناقشات مطوله في بدايات التسعينات من أجل اضافة تعديل دستوري من شأنه أن يدخل في القانون الأساسي الألماني بنودا عن التضامن في المادة (٢/أ)، وأن القصد من هذا الإصلاح الدستوري وفي ضوء التفاوتات الجذرية بين المانيا الشرقية والغربية  سابقاً أنتجت عبارة Solidaritatssteuer)) بما معنى (ضريبة التضامن) من أجل وصف سياسات إعادة التوزيع الاقتصادي لمعالجة التفاوتات الاقتصادية الهائلة بين المانيا الغربية والشرقية، حيث أدخلت العديد من الولايات الفدرالية في دساتيرها بنود عن التضامن الدستوري[13].

نخلص مما تقدم أن الدساتير قد عالجت التضامن الاجتماعي باتجاهات مختلفة، فبعضها قد كرسته التضامن الاجتماعي من ضمن القيم والمبادئ الأساسية والبعض الأخر من ضمن الحقوق أو من ضمن الواجبات، وعلى الرغم من ذلك يمكننا التأكيد على أهمية تكريس التضامن الاجتماعي مبدأً دستوري من المبادئ الأساسية التي يبنى عليها الدستور مما يترتب على ذلك انعكاسه بصوره واضحة على الحقوق والواجبات وخاصه عند تفسير الدساتير، لذلك فإن تكريسه من ضمن الحقوق والحريات سيؤدي الى تحديد التضامن الاجتماعي ضمن نصوص معينه. 

المطلب الثاني: المعالجة الضمنية لمبدأ التضامن الاجتماعي

قد لا تتضمن بعض الدساتير أشاره صريحة لمبدأ التضامن الاجتماعي، ويمكن الاستدلال عليه من خلال نصها الصريح على مبدأ التضامن الاجتماعي سواء باعتباره مبدأ أو حق قائماً بذاته، حينما الدساتير التي لا تتضمن نص صريح على مبدأ التضامن الاجتماعي يمكن الاستدلال عليه من خلال الاشارة الى الحقوق المشتقة على أساس مبدأ التضامن الاجتماعي مثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تسمى بحقوق التضامن، أو من خلال للواجبات التي تعكس التزامًا بالتضامن الاجتماعي، وعليه سنبين الإشارة الضمنية لهذهِ الالتزامات والحقوق من خلال البحث في كل من دستور جمهورية فرنسا ودستور الولايات المتحدة الامريكية ودستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥، سنبين ذلك في ثلاثة نقاط تباعاً وكما يأتي: -

اولاً: - دستور جمهورية فرنسا لسنة ١٩٥٨ المعدل

لم ينص دستور فرنسا بشكل صريح على التضامن الاجتماعي وانما من خلال الاستدلال على دستور جمهورية فرنسا ١٩٥٨ وإعلان حقوق الانسان والمواطن وديباجة دستور ١٩٤٦ فقد أضفى على مبدأ التضامن الاجتماعي قيمة دستورية، إذ تم الاشارة الى الإخاء بما معنى التضامن الاجتماعي في الديباجة وفي المادة الثانية حيث نصت على « شعار الجمهورية هو الحرية والمساواة والإخاء» والمقصود بالإخاء هنا هو مفهوم الأخوة الانسانية الذي يشير الى الأخلاق الاجتماعية حيث يرون أن جميع البشر أخوة ويمنحون لغيرهم ما يمنحوه لأسرهم وبالتالي يعبر عن استعدادهم لمساعدة الغير[14]، وبالتالي فإن «الإخاء» يُقصد بها التضامن الاجتماعي باعتبارها من الأسس الرئيسية لجمهورية فرنسا، فضلاً عن اشارة اعلان حقوق الأنسان والمواطن على مبدأ التضامن الاجتماعي باعتباره جزء من الكتلة الدستورية ، حيث أشار بأكثر من موضع الى التضامن الاجتماعي منها المادة الخامسة حيث أعطى الصلاحية للسلطة التشريعية أصدرا قانون يمنع الأعمال التي تضر بالمجتمع الفرنسي[15]، وأن المادة (١٣) حيث أوقعت التزام على عاتق الأفراد وهو الالتزام بدفع الضرائب بما يتناسب مع مقدرتهم[16]، وقد اشارة ديباجة دستور ١٩٤٦وذلك لما لها من قيمة دستورية داخل فرنسا حيث تم الإعلان فيها على « تعلن الأمة التضامن والمساواة لكل الفرنسيين في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث القومية»، وعليه ومن خلال الاستدلال على ما تقدم تم اضفاء القيمة الدستورية على التضامن الاجتماعي.

ثانياً: - دستور الولايات المتحدة الامريكية١٧٨٧ المعدل

يقوم دستور الولايات المتحدة الامريكية لعام ١٧٨٧ المعدل على أساس حماية الحريات الفردية واضفاء قيمة سامية عليها يجعل من الصعب في الوقت الحالي تحديد قيمة التضامن الاجتماعي في داخل دستور الولايات المتحدة الامريكية لأنه قد يضعف حماية الحقوق والحريات الا أنه هذه الحجة يمكن دحضها من خلال الموازنة بين الحقوق والتضامن الاجتماعي، وبالرغم من ذلك فأن استقراء هذا الدستور يكشف أضفاء قيمة دستورية على مبدأ التضامن الاجتماعي، إذ نجد الاشارة الضمنية لمبدأ التضامن الاجتماعي أبتدأً من الديباجة التي نصت على (نحن شعب الولايات المتحدة، رغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالا، وإقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الصالح العام وتأمين نِعَم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأميركية) ويلاحظ من خلال تفسير الديباجة انها تعبر عن وحدة المواطنين وتعاونهم من أجل تحقيق مجتمع أكثر عدالة والعمل على تحقيق الرفاهية في الوقت الحاضر وامتدادها للأجيال القادمة مما يعبر عن حماية حقوقهم على أساس مبدأ التضامن الاجتماعي، فضلاً عن نص الدستور على آليات تحقيق التضامن بين الحكومة المركزية والولايات،  حيث نصت المادة (١/ ثامناً) على ( تكون للكونغرس سلطة فرض وجباية الضرائب والرسوم والعوائد والمكوس لدفع الديون وتوفير سبل الدفاع المشترك والصالح العام للولايات المتحدة)[17] وعليه فإن الدستور قد أعطى للكونغرس السلطة فرض الضرائب لسداد الديون وتوفير الدفاع المشترك والرفاهية العامة، وعليه تسمح هذهِ لسلطة بتقديم المساعدات المالية لكل من الولايات والأفراد عند الحاجة ولاسيما في أوقات الأزمات، لا يشترط النص صراحة على هذا المبدأ للاعتراف بأهميته، ولا يعني أن عدم نص الوثيقة الدستورية يلغي قيمة أي مبدأ لمجرد عدم النص عليه صراحه.

ثانياً: - دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥

لم ينص دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ صراحة على مبدأ التضامن الاجتماعي وعلى لرغم من ذلك نلاحظ  أن فلسفة الدستور قريبة من الاشتراكية لأنه لم يتحرر من فلسفة الأنظمة السابقة وهذا يؤكد على إضفاء قيمة على مبدأ التضامن الاجتماعي ويمكننا توضيح ذلك من خلال استقراء الدستور للتأكيد على إضفاء قيمة دستورية على مبدأ التضامن الاجتماعي، أبتدأً من الديباجة إذ تُستهل بجملة (نحنُ ابناء وادي الرافدين....، فسعينا يداً بيد، وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل...، أن نمضي قُدماً لبناء دولة القانون، ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من ان نسير معاً لتعزيز الوحدة الوطنية، وانتهاج سُبُلِ التداول السلمي للسلطة، وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة، ومنح تكافؤ الفرص للجميع....، نحنُ شعبُ العراقِ الناهض توّاً من كبوته، والمتطلع بثقة إلى مستقبله من خلال نظامٍ جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي، عَقَدَنا العزم برجالنا ونسائنا، وشيوخنا وشبابنا، على احترام قواعد القانون وتحقيق العدل والمساواة...، نحنُ شعبُ العراق الذي آلى على نفسه بكلِ مكوناته وأطيافه ان يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه...، وإنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً).

وهذا ما عبر عن اعتناق المشرع الدستوري لمبدأ التضامن الاجتماعي وذلك من خلال تعبيره عن وحدة الشعب وتعاونهم وتكاتفهم باعتباره لهم مستقبل واحد مشترك، مما يساهم في تأسيس مجتمعاً أكثر ترابطاً وانسجاماً، فضلاً عن اعتناقه مبدأ التداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروات بين الأقاليم والمحافظات غير منتظمة بإقليم والعمل على تحقيق تكافؤ الفرص والاهتمام بالمواطنين ولاسيما كبار السن والنساء والأطفال وضمان حماية حقوقهم، على نحو ما سنوضحه لاحقاً، ولابد من الاشارة الى أن الدستور وعلى الرغم من إضفاء قيمة الدستورية على مبدأ التضامن الاجتماعي الا أنه لم يضع آليات لتحقيق التضامن بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات غير منتظمة بإقليم أو بين الإقليم والمحافظات غير منتظمة بإقليم وهذا ما نسعي الى توضيحه في الفصل الثاني.

وعليه أن تم تفسير النصوص الدستورية بما يتفق مع المبادئ والقيم العامة فأن للتضامن الاجتماعي أهمية خاصة فيما يتعلق بتفسير الحقوق والواجبات الدستورية إذ في أغلب الأحيان تتضمن الدساتير نصوصاً أحكاماً تحدد محتوي الحقوق والواجبات التي يمكن من خلال تطبيق التضامن الاجتماعي لإرشادنا الى من يحق لهُ أن يتمتع بحقوق دستورية معينة ومن مُلزم بواجبات دستورية معينة بالإضافة الى تحديد محتوى هذهِ الحقوق والواجبات والمصالح العامة [18].

نستخلص مما تقدم، لقد تم إضفاء القيمة الدستورية على مبدأ التضامن الاجتماعي سواء تمت المعالجة بصورة صريحة من خلال الإشارة الواضحة لمبدأ التضامن الاجتماعي مثال على ذلك إشارة  كل من دستور جمهورية المانيا وجمهورية مصر وغيرها من الدساتير لمبدأ التضامن الاجتماعي، أو المعالجة بصورة ضمنية من خلال وجود مفاهيم أو اعتناق مبادئ تؤدي الى تحقيق التضامن الاجتماعي او منح حقوق أو فرض التزامات على أساسه وهذا ما يدل على المعالجة الضمنية لمبدأ التضامن الاجتماعي مثال على ذلك الإشارة الضمنية في كل من دستور جمهورية فرنسا و الولايات المتحدة الامريكية ودستور جمهورية العراق، بما يؤكد على أهمية مبدأ التضامن الاجتماعي واضفاء القيمة الدستورية عليه.

المبحث الثاني

موقف القضاء الدستوري من مبدأ التضامن الاجتماعي

للقضاء الدستوري دور مهم في حماية الحقوق والحريات والمحافظة على المجتمع من خلال حماية القيم الديمقراطية، وضمان عدم اصدار أية تشريعات تخالف القيم والمبادئ الواردة في الدستور، فضلاً عن تفسيره وفك التعارض بين نصوصه، إذ ساهم القضاء الدستوري في تبلور العديد من المبادئ والمفاهيم القانونية المهمة، وعليه يثار تساؤلاً مفاده ما هو دور القضاء الدستوري في تعزيز التضامن الاجتماعي داخل المجتمع؟ وسيتم الاجابة عليه من خلال تقسيم هذا المبحث الى مطلبين: نبين في الأول: موقف القضاء الدستوري في الأنظمة المقارنة، وفي الثاني: موقف المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الا أن ما ينبغي توضيحه قد أختل التوازن في هذا المبحث بين المطلبين بسبب قلة القرارات في المحكمة الاتحادية العليا في العراق، وكما يلي: -

المطلب الأول: موقف القضاء الدستوري في الأنظمة المقارنة

تبلور مبدأ التضامن الاجتماعي من خلال قرارات القضاء الدستوري وبشكل واضح في داخل الاتحاد الأوروبي، مما دفعنا للبحث في اهم القرارات التي ساهمت في تبلور مبدأ التضامن الاجتماعي في كل من جمهورية المانيا الاتحادية، جمهورية فرنسا، الولايات المتحدة الامريكية، وجمهورية مصر العربية، مع الإشارة الى بعض قرارات محكمة العدل الأوروبية باعتبارها أساس التزام القضاء الدستوري في دول الاتحاد الأوروبي، وفي أربع نقاط تباعاً، وعلى النحو الآتي: -

اولاً: - المحكمة الدستورية الاتحادية في المانيا

التضامن الاجتماعي في داخل ألمانيا مبني على ركائز عديدة، أولها دولة الرفاه في ألمانيا مبنية على نموذج تقليدي مصاغ على فكرة نظام الضمان البسماركي (( Bismarkain Social Insurance System ، حيث يوفر هذا النظام حماية كبيرة للأفراد من السوق وحمايته وصون المنافع الاجتماعية، وبالتالي يقتصر هذا التضامن علي نطاق ضيق لأنه لا يمنح الا للأفراد  الذين يحتاجون اليه، اما الركيزة الثانية التي يقوم عليها التضامن الاجتماعي تقوم على مؤسسات الرفاه الاجتماعي(Social Welfare Organsiation)، ويستند على وجهات نظر متعددة ومتنوعة دينية وعرقية وتوفر هذهِ المساعدات لأي شخص يحتاج اليها وخاصة المرضى والمحتاجين وللأطفال والنساء واللاجئين، والركيزة الأخيرة هي التضامن داخل الأسرة باعتبارها الملتجئ الأول للتضامن باعتباره تقليد سائد داخل المانية حيث تقدم الأسر المساعدات لغيرها من الأفراد والجماعات[19].

فقد تناول القضاء الدستوري في ألمانيا قضايا عديده ومتنوعة تتعلق بمبدأ التضامن الاجتماعي ومن بينها قضية Hartz IV في السنة ٢٠١٠، والتي تتعلق بخدمات الرفاه الاجتماعي ومدى نفعها للأسر داخل المجتمع، وتخص هذهِ القضية الضمان الأجتماعي الذي يتلقاه أفراد بموجب برنامج Hartz IV)) والذي قدم في عام ٢٠٠٣ بوصفه جزءً من الأصلاح في سوق المال، حيث أبدل البرنامج منافع البطالة بضرائب موحدة في مجال السكان والدخل، وخاص من يسكن في مناطق ثرية ومن لديهم أُسر كبيرة، طعن بهذا البرنامج من جهات وذلك بسبب احتواءه علي شروط مقبولية صعبة مثل مقدار نشاطه في البحث عن عمل وهذا من شأنه أن يجعل الحصول على منفعة من هذا البرنامج صعبة، وعليه بينت المحكمة أن البرنامج لم يقم بحساب فوائد وتكلفة المعيشة، وأكدت على ضرورة احتساب كلفة المعيشه في هذا التشريع، وعلى ضرورة توفير الحكومة سبلاً لمنح هذهِ الخدمات بطريقة أكثر مرونة وسلاسة من أجل تسهيل تقديم المعونات وبرامج لتدريب العمال وسبلاً لايجاد العمل لهم، وبينت المحكمة ضرورة أعادة تعديل هذا البرنامج بطريقة تكون فيها الفوائد والمنافع محسوبة من قبل الجميع وألزمت الحكومة بواجب حماية فرص المواطنيين بالعمل وحماية كامتهم، بالإضافة على تأكيدها على ضرورة تعزيز وحماية مبدأ العدالة الاجتماعية ومبدأ التضامن الاجتماعي في ألمانيا[20].   

ومن القضايا الأخرى المتعلقة بمبدأ التضامن الاجتماعي تلك القضية التي امام المحكمة الدستورية من قبل مجموعة من اللاجئين في السنة ٢٠٠٩، والذي رفض طلبهم بالوصول لخدمات الرفاه الاجتماعي بموجب قانون لم يوفر هذه الخدمات ألا للمواطنين الألمانيين، حيث بين اللاجئين أن القانون انتهاك مبدأ التضامن الاجتماعي، الذي يضمن لجميع للمواطنين نفس الحقوق والخدمات بغض النظر عن امتلاكهم الجنسية من عدمه، وأن عدم وصولهم الي حقوق الرفاه الاجتماعي يشكل انتهاك لمبدأ عدم التمييز، وعليه حكمت المحكمة لمصلحة اللاجئين مبينه أن القانون الذي رفض وصولهم الي الفاه الاجتماعي يشكل انتهاكاً لحقهم بالكرامة الإنسانية والذي محمي بموجب الدستور الألماني، بالإضافة الي انتهاكه لمبدأ التضامن الاجتماعي الذي يضمن للجميع حق الوصول لخدمات الرفاه الاجتماعي بغض النظر عن امتلاكهم للجنسية من عدمه[21].

وعلى هذا النحو، صدر قرار من المحكمة الدستورية المتعلقة بتوفير الرعاية الصحية للاجئين في ألمانيا، حيث أصدرت الحكومة قانوناً يُقيد الرعاية الصحية للاجئين من أجل الحصول على علاج طارئ او في حال الأمراض والحالات الخطرة، لقد طعن بدستورية القانون أمام المحكمة الدستورية، مبينين أن القانون ينتهك مبدأ التضامن الاجتماعي الذي يجد مصدره في روح دستور ألمانيا، حكمت المحكمة لمصلحة المدعيين مبينه أن رفض وصول اللاجئين للرعاية الصحية تنتهك حقهم بالكرامة الإنسانية بموجب دستور أالمانيا، وأن مبدأ التضامن الأجتماعي يضمن لكل فرد حق الرعاية الصحية للأفراد بغض النظر عن حصولهم على الجنسية من عدمه وأكدت علي أن الحرمان من الرعاية الصحية لا تشكل انتهاكاً لحقوق الافراد فحسب بل خطراً على الصحة العامة، وأن حماية مبدأ التضامن الاجتماعي أمر جوهري وضروري[22].

يتبين لنا مما تقدم أن المحكمة الدستورية الألمانية قد استرشدت بمبدأ التضامن الاجتماعي في اصدار العديد من أحكامها، إذ أنها قد اعتمدت عليه وبشكل واضح باعتباره مبدأً دستورياً قد نص عليه في داخل الدستور وكذألك كمبدأ في القانون الدولي العام بناءً على التزامها الدولي بالاتحاد الأوروبي تستند عليه في العديد من تفسيراتها وقراراتها.

ثانياً: - المجلس الدستوري الفرنسي

في واقع الأمر تعتبر فرنسا من بين الدول السابقة في التضامن الاجتماعي، إذ يمتد التضامن في العديد من المجالات من بينها حقوق المهاجرين، مثالها القضية رقم (٨٧١- ٢٠١٨) حيث أصدرت الحكومة تشريعاً يطلب من اللاجئين أن ينتظروا مدة ثلاثة أشهر قبل أن يحصلوا على السكن والرعاية الصحية، حيث طعن بدستورية هذا القانون من قبل العديد من المنظمات مثل عهدة حقوق الانسان الفرنسية ومجلس اللاجئين الفرنسي، واكدوا أن القانون أنتهك الحق بالحماية الاجتماعية ومبدأ المساواة ومبدأ التضامن الاجتماعي، وأن اللاجئين قد تمت معاملتهم بشكل غير منصف، وأن القانون يتعارض مع واجبات فرنسا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، أكد المجلس الدستوري على أهمية حماية حقوق الأفراد بغض النظر عن حالتهم، ولكن وضح المجلس الدستوري في نفس الوقت أنه توجد قيوداً في فترة زمنية محددة وذلك نتيجة لعدد اللاجئين الكبير، وأكد المجلس وأكد المجلس الدستوري على أن القانون قد وضع من أجل منع إرهاق النظام الفرنسي وضمان حصول الجميع على الفوائد الاجتماعية وأن مدة الانتظار ثلاثة أشهر لا تعتبر مطلقة بموجب القانون، ويمكن أن يتحصل اللاجئين على الرعاية الاجتماعية والطبية الطارئة، وأكد علي أن القانون ذو طبيعة طارئة، وأكد ايضاً على أن القانون قد وضع بطريقة تضمن حماية الأفراد وكرامتهم في آن واحد، وبرر أن القانون يحمي التضامن الاجتماعي ويوازن بين مصالح الأفراد والمجتمع[23].

وكذلك نلاحظ في مجال قانون التقاعد حيث أكد المجلس الدستوري في القضية رقم (٦٢٥ لسنة ٢٠١٠ ) على أهمية مبدأ التضامن الاجتماعي وحماية حقوق الافراد، حيث تم اصدار تشريع رفع سن التقاعد من ٦٠ الى ٦٢ عام، ولقد طعن بدستورية هذا القانون وذلك لأنه قد انتهك مبدأ المساواة والحق بالتقاعد، ورأت المنظمات أن هذا القانون يؤثر على صحة العمال في الأعمال التي تتطلب صحة بدنية جيده، وأن هذا القانون ينتهك مبدأ التضامن الاجتماعي من حيث أنه يضر بالعمال ويضع عليهم أعباء أكبر، وبالتالي يساهم بالأضرار بنظام الرفاهية الاجتماعية، أصدر المجلس الدستوري حكمة مؤكداً على أهمية مبدأ التضامن الاجتماعي وحماية حقوق الأفراد، ولكن بين أن نظام الرفاهية في فرنسا يواجه بعض لتحديات المالية وخاصة وأن سن التقاعد لم يرفع منذ عام ١٩٨٢، وأن القانون يبرر ويحمي نظام الرفاهية الاجتماعية ويتسق مع مبدأ التضامن الاجتماعي، وأكد على ضرورة التأكد من لياقة العمال ومدى مناسبتهم للعمل، ولهم الحق بالحصول على الرعاية والدعم الصحي[24].

وفي قرار أخر للمجلس الدستوري المرقم (٧١٨-٧١٧) لعام ٢٠١٨، المتعلق بالإقامة غير الشرعية للاجئين، حيث قدم بالأولوية الدستورية من قبل محكمة النقض الجنائية بعدم دستورية الفقرة الأولى والرابعة من المادة ٦٢٢  في حال تقديم أي شخص المساعدة بشكل مباشر او غير مباشر  لتسهيل الدخول غير القانوني او التنقل او الإقامة لمواطن اجنبي في فرنسا معرض للسجن لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها ٣٠ ألف يورو من قانون دخول ورعاية الأجانب والحق في اللجوء، لانتهاكه مبدأ التضامن الاجتماعي بمنع الأفراد من تقديم المساعدة او القيام بالأعمال الإنسانية للمقيمين غير الشرعيين، وتعارضها مع مبدأ الضرورة والتناسب، حكم المجلس الدستوري بعدم دستورية القانون جزئياً ووسع الإعفاءات من المسؤولية الجنائية من خلال إبطال جزء من القانون وتقديم تفسير مفصل للجزء الآخر، واستند في هذا الحكم الى المادة الثانية من دستور الجمهورية فرنسية» أن مبدأ الجمهورية الفرنسية يجب أن يكون الحرية والمساواة والأخوة»[25]، مما أكد أن مبدأ الأخوة (التضامن الاجتماعي) مبدأ دستوري، حظي هذا القرار بأهمية داخل أوروبا وذلك بسبب تفعيل المجلس الدستوري للتضامن الاجتماعي باعتباره مبدأ دستوري وخطوه مهمة نحو فهم عالمي ووضع هذا المبدأ موضع التنفيذ وإضفاء المعنى الجوهري عليه بدلاً من تركه مجرد أعلاناً رمزياً، وأن هذا القرار مهماً لإنه يوضح أن التضامن الاجتماعي ليس غامضاً بحيث لا يكون لهُ اي معنى قانوني وأنه يلعب دوراً مهماً ومركزياً في الاحكام الدستورية[26].

ثالثاً: - المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية

لا يتعبر التضامن الاجتماعي مصطلح شائع الاستخدام في الولايات المتحدة الامريكية، ولكن في نفس الوقت يوجد اهتمام كبير بالتماسك الاجتماعي وكيفية إيجاد سبل لتحقيقه، مر التضامن الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية بمرحلتين: تجسدت المرحلة الأولى بإعادة توزيع الدخل والسعي لتحقيق دولة الرفاه والتي نبعت من برنامج الاتفاق الجديد الذي ظهر بعد فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة الامريكية، اما المرحلة الثانية تركز بها على الروح الفردانية والتي يراها العديد من الأفراد كمضاد للتضامن الاجتماعي، وشهدت هذهِ الفترة انهيار فكرة إعادة توزيع الدخل والانسحاب السريع للحكومة بشكل سريع، وكذلك ضعف حماية المنظمات الحكومية والجماعية في مجالات حقوق العمال، وبالتالي عادت الدولة للاهتمام مجدداً بمفهوم التنافس الاقتصادي في السوق، مما شهد تقهقر حقوق العمال المستضعفين وخاصه وأن الشركات لا تميل لتسجيل العمال ولا تنظيم حياتهم ولا مساعدتهم بشكل جيد، وقد همشت العديد من الحكومات المحلية حقوقهم بقيود وتشريعات عديدة قيدت حقوقهم وحرياتهم وزادت نسبة العمالة غير المسجلة في الولايات المتحدة الامريكية وبلغت مقدارا ً٥-٧٪ من العمال، مما أعاق وصول المساعدات للفقراء[27].

وعلى الرغم من عدم وجود مفهوم التضامن الاجتماعي في القضاء الأمريكي بشكل مباشر الا أنه توجد بعض القضايا التي تضمن الحكم فيها على وجود فكرة التضامن الاجتماعي من دون الإشارة اليه بشكل صريح، مثال ذلك قضية (Brown v. Board of Education) في العام ١٩٥٤، حيث تم على أساسها الغاء الفصل العنصري في داخل المدارس العامة، وتتمثل وقائع الدعوى برفع أسرة من أصول أفريقيا-أمريكية دعوى في منطقة توبيكا في ولاية كنساس، والذين اعتقدوا أن أولادهم يتعرضون للتمييز العنصري بالإضافة الى عدم تحصلهم علي فرص التعليم المتساوي بسبب مذهب «مفصولون لكن متساوون» Separate but Equals الذي يسمح بالفصل العنصري في داخل المدارس، وفي العام 1954 اصدرت المحكمة العليا قراراً بالاجماع والذي أقر على أن الفصل العنصري في المدارس يعتبر غير دستوري، وأن الفصل في المؤسسسات التعليمية بجوهوة يخالف المساواة ولهُ أثار سلبيه على الأطفال من ذوي البشرة الملونة مما ينتهك التعديل الرابع عشر والذي منح ضمانة التعامل المصف لكل المواطنين بموجب القانون[28]، وعليه يمكن اعتبار التضامن الاجتماعي من السبل الأساسية التي تتبعها الحكومات لمكافحة العنصرية وعدم المساواة.

وفي قضية أخرى، قضية (Gideon v. Wainwright) في عام ١٩٦٣، والتي تتعلق وقائعها بعرض مرتكب جنحة علي المحكمة من دون محامي، ،لم يكن لدى الجاني أي أموال لتوكيل محامي دفاع، ولكونه لا يملك أي مال فطالب المحكمة بتوكيل محامي، رفضت المحكمة طلبه لان القانون لا يُلزم بتعيين أي محامي للمدعى عليه وتم اسناد التهمة اليه، بعد ذلك طعن بالقرار مبيناً انه حرم من أحد حقوقه المنصوص عليها في الدستور الأمريكي، عرضت الدعوى على المحكمة العليا، وبينت في حكمها أن التعديل السادس يضمن لأي فرد حق الاستشارة القانونية في جميع التهم الجنائية، وكذلك يضمن للمدعي عليهم الذين ليس لديهم أموالاً بتعيين مستشار قانوني الا إذا تنازل المتهم بنفسه أن يتخلى عن هذا الحق بشكل صريح، وأن هذا الحق ملزم لجميع الولايات بحكم التعديل الرابع عشر، وعليه تم العدول عن السابقة القضائية Betts v. Brady U.S 455 (1942) [29].

ومن القضايا الأخرى، قضية  (National Federation of independent Business v. Sebelius) في سنة ٢٠١٢، حيث تتعلق وقائع القضية بتمرير الكونجرس قانون سمي بقانون حماية المرضى والرعاية الميسورة او ما يسمى بقانون رعاية أوباما، والذي طالب الحكومة بتوفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية للأفراد الذين لا يحصلون على الرعاية من قبل القطاع الخاص أو البرنامج الحكومي، فأن الأفراد الذين لا يلتزمون بهذا القانون يتوجب عليهم أن يدفعوا غرامة للحكومة وسميت الغراة باسم الضريبة في القانون، رفع الاتحاد الوطني للإعمال المستقلة ومجموعة من الأفراد دعوى يطعنون بدستورية هذا الإلزام والتوسع بالرعاية الصحية، رأت محكمة الاستئناف أن هذا القانون يدخل ضمن صلاحيات الكونجرس وفي نفس الوقت بينت بأن فرض هذهِ العقوبة بطريقة غير دستورية، وحينما عرضت الدعوي علي المحكمة العليا، رأت أن للكونجرس صلاحية فرض مثل هذا القانون ولهُ صلاحية فرض العقوبة في سبيل تحقيق ذألك وأن تسمية الغرامة في هذا القانون ضريبة عوضاً عن الغرامة لا يغير من طبيعتها ولا ينتهك أحكام الدستور[30]، وعلى الرغم من عدم الإشارة الصريحة لمبدأ التضامن الاجتماعي في الاحكام الا انه يلاحظ من خلال الغاء الفروقات والتمييز العنصري بين المواطنين مما يساهم في تعزيز التماسك والوحدة بين الأفراد في داخل المجتمع، بالإضافة الى حماية حقوقهم وضمان تمتعهم بها.

رابعاً: - المحكمة الدستورية العليا في مصر

استند المحكمة الدستورية العليا في مصـر منهجاً واضحاً في اعتمادها على مبدأ التضامن الاجتماعي في العديد من احكامها ففي حكمها الصادر عام ١٩٩٥[31]، إذ عرفت التضامن الاجتماعي في منطوق حكمها « يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددا، أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسؤوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق من بينهم أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها - عدوانا - أكثر علوا، ولا أن يحرم من بعضها بهتانا، بل يتعين أن تتضافر جهودهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق»، و تتعلق وقائع القضية لأب لثلاثة أولاد طالب برد المبالغ التي دفعها مقابل التأمين الصحي لأولاده الثلاثة لعدم دستورية قانون النظام التأمين الصحي على الطلاب رقم( ٩٩) لسنة (١٩٩٢) في المادة الثالثة منه حيث أن المادة نصت على زيادة الاشتراكات السنوية لطلاب المدارس الاهلية عن تلك التي تتسلمها الدولة من طلاب المدارس الحكومية ومعاهد الأزهر وعلى الرغم من استحصالهم ذات الخدمات، مما يخل بمبدأ المساواة أمام القانون وأن هذا التمييز لا يقوم على روابط منطقية وحقهم في تلقي الرعاية بغض النظر عن المدارس التي يلتحقون بها، حيث حكمت المحكمة بعدم دستورية النص القانوني أ من المادة الثالثة من القانون المذكور بالاستناد على المواد (٧،١٨، ٤٠) من الدستور، واعتبرته مخلاً بالتعليم المجاني الذي نصت عليها العديد من المواثيق الدولية منها الإعلان العالمي لحقوق الانسان والميثاق الأفريقي لحقوق الأنسان والشعوب، بالإضافة الى اخلاله بالتضامن الاجتماعي وهذا ما نص عليه الدستور في المادة (٨) منه، وعرفت التضامن الاجتماعي ايضاً في حكمها الصادر في عام ٢٠٠٤[32] وحكمت بعدم دستورية المادة ( ١٦) من القانون الأحكام الخاصة بالتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم( ١٣٦) لسنة ( ١٩٨١) حيث توجب المادة الاستمرار بالعين المؤجرة بالشروط والأجرة المنصوصة بالعقد متى ما كانت العين المؤجرة لاستعمال المدارس او أقسام داخلية لإيواء الدارسين بها، وذلك لمخالفتها للنصوص (٨، ٣٢، ٣٤، ٤٠، ٤١) لأخلالها بمبدأ المساواة والتضامن الاجتماعي وحرية التعاقد والحرية الشخصية.

وفي حكم أخرى صادر في عام ١٩٩٦[33]، اعتمدت بها المحكمة على التفسير التكاملي للنصوص الدستورية وتتلخص وقائع القضية قدم المدعين دعوى الى محكمة القضاء الإداري في القاهرة مطالبين بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية الذي ينص على دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية، ووقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الداخلية بشأن المادة (٧٦) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم (٤٣) لسنة ١٩٧٩ بشأن أرفاق المرشح مع طلب الترشيح صورة من قائمة الحزب الذي ينتمي اليه مدرج فيها اسمه، وإن المادة (٧٦) من القانون المذكور تخالف الدستور،   أمرت محكمة القضاء الإداري بإحالة الدعوى الى المحكمة الدستورية العليا وذلك لعدم اختصاصها، ونصت المادة (٧٥) من القانون المذكور على انتخاب أعضاء المجالس الشعبية عن طريق الجمع بين نظامين الانتخاب بالقوائم الحزبية والانتخاب الفردي يناقض احكام الدستور على ضوء قرار المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر رقم(٣٧) لسنة (٩) والذي حكمت فيه بعدم دستورية نص المادة الخامسة من قانون مجالس الشعب رقم (٣٨) لسنة ١٩٧٢، وفي تقدير المحكمة ان هاذين النصين متماثلان ويتعلقان مباشرة بنطاق الحقوق السياسية للمواطنين مما يجدر ضبطهما بميزان واحد اعمالاً لمبدأ المساواة أمام القانون حيث ان الأصل في النصوص الدستورية انها تفسر بعضها باعتبارها مكمله لبعضها البعض، وان موضوع النزاع الحقوق السياسية الذي يثيره النزاع الراهن يتحدد على ضوء اتصال هذهِ الحقوق بمبدأ تكافؤ الفرص، وبأعمال مبدأ المساواة أمام القانون ودون الأخلال بالمقومات الأساسية للمجتمع وبالأخص ما يتعلق بها بالتضامن الاجتماعي وهو ما يعني وحدة الجماعة في بنيانها وتداخل مصالحها لا تصادمها، بالإضافة الى التأكيد علي حرية التعبير عن الرأي وحق الاقتراع حق تكوين الأحزاب السياسية وان يكون اختيار أعضاء هذهِ المجالس عن طريق الجمع بين هاذين النظامين لا المزج بينهما بل يقوم كل منهما مستقلاً عن الآخر  وكان من الأفضل أن تتكافأ فرص المواطنين جميعاً في الفوز بمقاعد تلك المجالس، يتعين ابطال المواد(٣، ١٠، ٣٩، ٤٧، ٥٩، ٦٦، ٧٥) من القانون المشار اليه  لمخالفتها لأحكام المواد (٧، ٨، ٤٠، ٦٢) من الدستور وان يتعين انتخاب عضو واحد، أي لكل مجلس عضو واحد في طريقة الانتخاب الفردي، وان يكون اختيار باقي الأعضاء بالقوائم الحزبية.

وعليه فأن المحكمة الدستورية العليا في مصـر قامت بتكريس التضامن الاجتماعي في العديد من أحكامها منذ تسعينات القرن الماضي، بالإضافة الى تفسيرها لنص المادة الثامنة من الدستور  بأكثر من قرار ويلاحظ من خلال استقراء قرارات المحكمة دائماً ما يتم الإشارة الى مبدأ التضامن الاجتماعي جنب لجنب مع مبدأ المساواة ومبدأ الانصاف.

المطلب الثاني: موقف المحكمة الاتحادية العليا في العراق

يعتبر القضاء الدستوري في العراق حديث النشأة مقارنة بالدول الأخرى، وعلى الرغم من ذلك سعت المحكمة الاتحادية العليا لما تتمتع بهِ من صلاحيات الى تحقيق الاستقرار السياسي والقانوني، وعلى الرغم من عدم الإشارة الصريحة للتضامن الاجتماعي الى انها سعت في قراراتها لتعزيز الوحدة والتعاون بين المواطنين والمحافظة على وحدة العراق واستقراره.

 ففي حكمها الصادر في عام ٢٠٢٢[34]، أصدرت المحكمة قرارها برد الدعوى ١٣٢ وموحداتها/ اتحادية/٢٠٢٢ لعدم اختصاصها، وأكدت على أن نظام الحكم في العراق جمهوري نيابي برلماني بالاستناد لأحكام المادة (١) من الدستور على أن نظام الحكم يقوم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة وشرعيتها من أجل بناء مجتمع ديمقراطي يقوم على أساس المساواة دون تمييز، وإن الغاية من تكوين السلطات الاتحادية هو تنفيذ ما جاء بهِ الدستور من أجل ضمان المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الدستور وحماية الحقوق الحريات العامة بما يضمن سلامة الأفراد وحماية وحدة البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات بهدف القضاء على الفقر بما ينسجم مع ثروات العراق وتحقيق تكافؤ الفرص لجميع العراقيين دون تمييز، إن اعضاء مجلس النواب بعد انتخابهم لا يمثلون أنفسهم ولا كتلهم السياسية وانما يمثلون الشعب ولذا كان من المقتضـى عليهم العمل على تحقيق ما تم انتخابهم لأجله وهي مصلحة الشعب ولا يكونوا سبباً في تعطيل مصالحه وتهديد سلامته وسلامة البلد بالكامل، ، وتتلخص وقائع القضية بتقديم عدد من أعضاد مجلس النواب دعوى على كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء، وذلك بسبب مخالفتهم لأحكام الدستور بشأن حل مجلس النواب نفسه استعداداً لإجراء الانتخابات المبكرة وتجاوز الحكومة للمدد المحددة في الدستور مما أثر على مصالح الشعب وتهديد سلامتهم وسلامة البلاد بشكل كامل، وبالتالي أكدت المحكمة على وحدة الشعب وعمل السلطات الاتحادية على المحافظة على وحدة البلاد وحماية الأفراد بالإضافة الى تحقيق الصالح العام.

وفي قرار أخر لها صادر في عام ٢٠١٩[35]، الذي أكدت المحكمة فيه على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي يسعى الى إزالة التمييز وجميع المعوقات بين المواطنين مما يحقق العدالة حيث أصدرت قرارها بإبطال القرار التشريعي (٤٤ لعام ٢٠٠٨) لمخالفة لإحكام الدستور بسبب منحه الامتيازات لجماعات معينة مما منع الأخرين وهذا ما ينتهك التمثيل العادل وينتهك حقوق جميع المواطنين العراقيين في المشاركة على قدم المساواة، وتتلخص وقائع قد شرع مجلس النواب قرار تشريعي رقم (٤٤ لعام ٢٠٠٨) وذهب المدعي الى أن النص موضع الطعن قد شرع من قبل القوائم والكتل السياسية من أجل استحواذها على المناصب والدرجات الخاصة مما سيؤدي الى حرمان غيرها وهذا خلافان لما نص عليه الدستور.

وفي قرار أخر صادر في عام ٢٠١٧[36]، أكدت فيه المحكمة الاتحادية على الحفاظ على وحدة العراق واستقراره، إذ أصدرت المحكمة قرارها بعدم دستورية الاستفتاء الذي اجري بشأن استقلال إقليم كردستان والمناطق الأخرى المجاورة لعدم استناده الى نص دستوري ويعتبر مخالفاً لأحكام الدستور والغاء كافة الأثار والنتائج المترتبة عليه، وتتلخص الوقائع في أصدرا رئيس إقليم كردستان الأمر الإقليمي المرقم (١٠٦) في تاريخ ٩/٦/٢٠١٧ بأجراء استفتاء في اقليم كردستان والمناطق المجاورة له وقد جاء الاستفتاء بنص سؤال ( هل توافق على استقلال إقليم كوردستان والمناطق الكردستانية خارج أدارة الإقليم وانشاء دولة مستقلة) حيث سعى كل من رئيس إقليم كوردستان ومحافظ كركوك الى استقلال الإقليم والمناطق المجاورة لهُ وانشاء دولة مستقلة خارج النظام الاتحادي لجمهورية العراق، حيث فسرت المحكمة الاتحادية العليا المادة (١) من الدستور والتي خلصت منها أن الدستور لا يجيز انفصال أي مكون من مكونات نظامه الاتحادي المذكورة في المادة (١١٦) وألزمت السلطات الاتحادية بالمحافظة على وحدة العراق واستقراره وسلامة أراضي وسيادته ونظامه الاتحادي، وهذا ما يؤكد على أهمية مبدأ التضامن الاجتماعي باعتباره واجب يقع على الدولة والافراد في حماية وحدة البلاد والمحافظة عليه.

وفي قرار أخر صادر في عام ٢٠١٩ [37]، أصدرت قرار بعدم دستورية قانون شركة النفط والغاز الوطنية رقم (٤) لعام ٢٠١٨ لتعارضه مع أحكام الدستور، إذ أكدت المحكمة فيه على أن إدارة النفط والغاز المستخرج للحكومة المركزية والاقاليم والمحافظات المنتجة على إن تتوزع الواردات بشكل منصف تبعاً لتوزيع السكان مع مراعاة المناطق المتضررة، وهذا ما يؤكد على أن جمهورية العراق دولة اتحادية موحدة بما يضمن حقوق جميع المواطنين بمختلف انحاء البلاد بشكل عادل ومنصف.

وعليه نلاحظ أن المحكمة الاتحادية العليا لم تشر صراحه الى مبدأ التضامن الاجتماعي، إلا أنها قد حرصت على وحدة العراق واستقراره باعتباره دولة اتحادية واحده بعيداً عن التقسيم والمحاصصة وإن نظام الحكم في العراق جمهوري نيابي برلماني وإن الشعب هو مصدر السلطة وشرعيتها لبناء مجتمع ديمقراطي يقوم على أساس المساواة دون تمييز، فضلاً عن تأكيدها على وحدة الشعب وعمل السلطات الاتحادية على المحافظة على النظام العام، وعليه ندعو المحكمة الاتحادية العليا للسير على نهج القضاء الدستوري المقارن في تفسير الدستور في ظل مبدأ التضامن الاجتماعي لما لهُ من دور وأهمية في بناء المجتمع.

المبحث الثالث

موقف الفقه من مبدأ التضامن الاجتماعي

اختلف الفقه في تحديد طبيعة التضامن الاجتماعي وهذا الخلاف انعكس على القيمة القانونية لهُ، وبرزت عدة اتجاهات فالبعض يرى أن التضامن الاجتماعي حقاً قائماً بذاته ويدخل في منظومة الحقوق التي يتمتع بها الفرد، في حيث ظهر اتجاه آخر يرى أن التضامن الاجتماعي يُعد مبدأً تستند اليه العديد من الحقوق والحريات وسنبين هذين الاتجاهين في مطلبين تباعاً وعلى النحو الاتي: -

المطلب الأول: التضامن الاجتماعي حق قائم بذاته

يرى (برونخورست Bronkhors) «أن التضامن ليس رحمة انما حق»، وآخرون يتفقون معه، أي أن التضامن الاجتماعي يُعد حقاً قائماً بذاته وجزء من حقوق الأفراد، وأن الأفراد جزءً من المجتمع، إذ يشكلوا جزء من الدولة أو جزءاً من المجتمع الدولي، وعليه حينما نتكلم عن الحق بالتضامن نقصد بهِ الحق الفردي بالتضامن، بكونه جزء من حقوق الأفراد باعتباره جزء من الحقوق التي يستحقها الفرد، إذ يذهبون الى أن التضامن ليس روحاً إيثارية بل حقاً قائماً بذاته، ويتمثل التضامن بحماية حق الفرد من الا يستضعف داخل الجماعة، وبالتالي يكون أساساً معيارياً لفهم التضامن الاجتماعي كنوع من الوحدة التي تتوسط بين الفرد والمجتمع، ويوصف هذا الحق بانه حقاً سلبياً مع وجود بعض الالتزامات الإيجابية على الدولة، ولا يعتبر هذا الحق جزءاً من الحصول على الموارد، وانما هو الحق بالحصول على المعونة الاجتماعية بوصفه حقاً سلبياً[38].

وعليه فإن الحق بالتضامن هو حماية الأفراد بواسطة المجتمع وعدم أعاقتهم في ممارسة حقوقهم، وهذا الحق ضروري للعيش  في داخل المجتمع وهو حق يمكن أن يطالب بهِ من قبل الأفراد والمؤسسات ويحمى بواسطتهم، وعليه ينجو الفرد من القيود التي تجعله مظلوماً ومستضعفاً في داخل المجتمع، وهذهِ القيود قد تمنع الأفراد من الاشتراك والمساهمة في المجتمع، إذ لا يتصور بأن يضحي أحد بحقوقه الاجتماعية من دون أن يتصور أن يتلقى حقوقاً تجعله مستضعفاً، إذ يعتبرون التضامن حقاً لأنه يتلاءم مع طبيعة الحق إذ يعتبر ضرورياً لتنمية الفرد [39]، و يساهم الحق بالتضامن بحماية  الفرد من الظلم والاستضعاف في المجتمعات بسبب العيوب التي تعتري النظم الاجتماعية والتي لا دخل للفرد فيها ، إذ تم تضمينه في ميثاق الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي، وترتبط بهِ العديد من الالتزامات الأساسية التي تقابلها احتياجاتهم من العناية الصحية والرعاية الاجتماعية [40].

الا أن هذا لا يعني أن الحق بالتضامن سيضمن رفاه مطلق للأفراد، فمثلاً عتد وجود حق بالتضامن للفرد (أ) فهذا يعني أن الفرد (ب) يفرض عليه واجباً أن لا يظلم (أ) ويقع على عاتق (أ) أن يوظف الوسائل الملائمة لضمان التضامن من (ب) وهذا يحاكي نظرية تقليدية للتضامن كواجب أخلاقي وليس حق فقط، ويعني هذا انه يقع على (ب) التزام أخلاقي لبقية الأفراد والمجتمع ككل، وعليه فإن وجود أساس أخلاقي للحق يفرض التزامات على الأفراد بإن يسمحوا للآخرين بالتمتع بهذا الحق، وهو يجادل بأن لا يوجد أي معنى للتميز بين الحقوق الإيجابية والسلبية، إذ يرتبط أي حق بعدة واجبات وهي واجب حماية الفرد من حرمانه من التمتع بالحق، وواجب مساعدة الفرد الذي حرم منه وبتطبيق وجهة النظر هذهِ يعني الحق بالتضامن يرتبط بعدة واجبات، وهي حماية حامل هذا الحق من أن لا يقيد حقه في التضامن وحماية الفرد الذي يتعرض للحرمان من هذا الحق وحماية الفرد الذي تضرر منه وعليه ترتبط واجبات إيجابية وسلبية مع الحق بالتضامن، مما يتوجب على المجتمع حماية الفرد من الظلم والاستضعاف وذلك من خلال عدم حرمانه من حقه بالتضامن[41].

وهنالك سببين أساسين يستندوا اليها أصحاب هذا الرأي من أجل تبرير الحق بالتضامن للأفراد، وهما: -

اولاً: - الكرامة الإنسانية و الحاجة للتنمية الإنسانية، أو بسبب الآثار الإيجابية لها، فجميعها تصلح لأن تكون سبباً لاعتبار التضامن الاجتماعي حقاً إذ يمكن استخدامها لتبرير حق التضامن والتي تتضمن بعض التلميحات الصريحة للتعاون بين الأفراد والتضامن الاجتماعي، بالإضافة الى وجود سبباً أخر مفاده أن الأفراد يعيشون في داخل مجتمع أنساني وأن التعاون بين الأفراد والمجتمعات سواء كانت بين الأفراد او المؤسسات أو الدول أمراً طبيعياً وهذا ما نجد أساسه في نظرية العقد الاجتماعي لدى روسو  إذ يري أن المجتمع واحد فإن الترابط المتبادل في نظريته يصلح بأن يكون أساس مناسب لتفسير أكثر عالمية لحقوق الأنسان ومنها التضامن[42].

ثانياً: - الاستضعاف داخل المجتمعات يتولد عن هيكلية المجتمع ذاته، وظروفه ومؤسساته، التي تجعل بعض الأفراد بحالة سيئة وتحط من قدراتهم على اتخاذ القرارات مقارنة بغيرهم من الأفراد، فعلى سبيل المثال فإن هيكلية الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية تُتيح لبعض الشركات اتخاذ بعض القرارات في مجال براءة الاختراع تجعل المرضى الذين لا يتوفر لديهم تأمين صحي أو عدم قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج مما سيؤدي الى تدهور حالتهم الصحية لعدم قدرتهم على ذلك، وعليه فأن سن قوانين تشتمل على عدم المساواة وكذلك التفاوتات الاجتماعية بشكل غير متعمد تساهم في تدمير وأضعاف العدالة والتضامن في داخل المجتمعات إذ تسعى المجتمعات الحديثة اليوم الى الحد من اللامساواة من خلال تقديم المساعدات للأفراد الذين يعانون من أوضاع صعبه إذ يُسعى الى تقليل هذهِ الفروقات وان ضعف هيكلية المجتمع تؤدي الى خلق فروقات بين الأفراد وغياب التعاون بينهم، وعليه يساهم في تعزيز الاستضعاف في داخل المجتمعات نتيجة لفشل المجتمع في ضمان حقوق هؤلاء الأفراد، وقد تساهم القيم الاجتماعية في بعض الاحيان في مثابة المؤسسات و هيكليات المجتمع في زيادة الظلم الاجتماعي وعليه لن يتمكن الأفراد بالوصول الى الموارد او العمل او الحصول على المعلومات وهذا بسبب هيكلية المجتمع، ومثال على ذلك المجتمعات التي تظلم المرأة في داخل المؤسسة الزوجية مما يؤدي الى اضعاف حقوق الزوجة، وبالتالي لن يفضي الحق بالتضامن لإقصاء اللامساواة والظلم ولكنه سيساهم في بناء مؤسسات تقلل من الظلم واللامساواة في داخل المجتمع إذ يمنع التفاوتات بينهم من أن تصبح نقاط ضعف اجتماعية التي تؤثر على قدرة  الفرد على المشاركة على قدم المساواة مع الآخرين في داخل المجتمع، إذ يؤدي الضعف داخل المجتمعات الى اضعاف حقوق المواطنة ويشكل أعباءً على أصحاب هذهِ الحقوق، وعليه توجد  هنالك مجتمعات تعطي الهيمنة لفرد على حساب الآخر، مما يصعب عليه ممارسة حقوقه وبالتالي يرهق صاحب الحق وهذا الإرهاق قد يكون طويل أو قصير الأمد [43].

ويرى ) بريان أوريند (Brian Orend أن الحقوق هي أسباب لمعاملة الأفراد في طريقة معينة والتصرف معهم بمسؤولية وبشكل معقول ومنصف وبالتالي فأن الحق بالتضامن موجود من أجل تحقيق الانصاف لجميع حاملي الحق في داخل المجتمع، وأن هذا الحق يفرض الواجب بالإنصاف وذلك لضمان أن الفرد لن يتضرر ولا يكون مستضعفاً، ويتشارك بهذا الحق مع الجميع مما يعني تقع حمايته هذا الحق عليهم جميعاً، ويتوقع الجميع من الحكومة أن تعاقب من ينتهك هذا الحق وكذلك توفي سبل ممارسته، وبالتالي فأن الحق بالتضامن هو حق معقول للإنسان ويجب أن يدرك للأفراد، ويتوجب حماية الفرد من الاستضعاف ويجب أن يضمن حماية هذا الحق من خلال التشريعات من قبل الدولة والتأكيد على أن التضامن حقاً أخلاقياً عندما يشرع في الدساتير والتشريعات، بالمقابل يتوجب على الدولة أن توفر سبلاً لضمان هذا الحق وحمايته وضمان ممارسته من قبل الأفراد وهذا يعني بالطبع وجود حقوق مشتقه من الحق بالتضامن وأن المجتمعات السياسية أو الدول تلتزم بحمايته حقوق الأفراد في المجتمع، وبالتالي وجود هذا الالتزام بأن لا يظلم الفرد بسبب التحيز لبعض المصالح في داخل المؤسسة السياسية وتعني أن حقوق الأفراد يجب أن لا تظلم بواسطة المجتمع [44].

ويرى هؤلاء الفقهاء أن الحقوق بمفهومها التقليدي ترتكز على جانبين الفردي والذاتي، وتركز بشكل أساسي على حماية الافراد من المجتمع والدولة، وان جميع هذه الحقوق ترتكز على إمكانية نجاة الافراد من دون المجتمع[45]،الا ان التضامن الاجتماعي واقعة مستمرة لا يمكن انكارها الغاية الأساسية منه ان يعيشوا الافراد في مجتمع عادل وحياة مشتركة تقوم على أساس التعاون ومساعدة بعضهم البعض من اجل اشباع حاجاتهم المختلفة وتخطي التحديات والأزمات[46]، بما انه التضامن الاجتماعي حقاً قائماً بذاته فهذا يعني أنه من ضمن المبادئ الفوق الدستورية إذ أن الحقوق لها مكانه فوق الدستوري من حيث أنه لا يمكن تغيرها حتى بتعديل الدستور إذ أن الدساتير تؤمن حماية هذهِ الحقوق[47]، وعليه بما أن التضامن الاجتماعي حقاً قائماً وفقاً لهذا الاتجاه وبما انه حق فلهُ قيمة دستورية لدخوله في منظومة الحقوق حتى وأن لم ينص عليها الدستور باعتبارها مبادئ فوق الدستورية.

المطلب الثاني: التضامن الاجتماعي مبدأً دستوري

يوجد خلاف في الفقه القانوني لتحديد طبيعة مبدأ التضامن الاجتماعي أي ما إذا كان مبدأ لهُ قيمة دستورية أو فوق الدستورية أو مبدأً دولي، وللإجابة على ذلك يتوجب أولاً أن نوضح في بادئ الأمر الفرق بين القواعد والمبادئ الدستورية في داخل النظام القانوني.

إذ توجد في الدساتير مبادئ وقيم وقواعد، علينا أولاً التمييز المبادئ عن القواعد إذ انها تمثل أساس النظام القانوني للدولة، وعليه فأن دور المبادئ محورياً في النظام القانوني، ويمكن أن تشتق القواعد القانونية منها وبمعنى أخر تكون أساساً لمجموعة من القواعد، بالإضافة الى أنها تطبق وتفسر بشكل مستقل، إذ تطبق بمستويات مختلفة وتحدد بما يعاكسها من قيم ومبادئ معاكسة لها، قد لا تدرك في ظروف وسياقات معينه الا بعد موازنتها بالقيم والمبادئ الأخرى وعليه تحدد أهميتها بالإضافة الى عدم تعارضها مع بعضها البعض لأنها متزامنة، اما القواعد فتدرك كما هي من دون زيادة ونقصاً، وهذا لا يعني أن المبادئ والقيم التي لا تدرك ليس لها قيمة، بل أن الظروف استدعت ترجيح قيمة أو مبدأ آخر، واما بالنسبة للقواعد القانونية فحينما تتعارض فأما قد تكون أحداهما غير صحيحة أو لا تطبق على هذهِ الحالة[48].

وتكون هذهِ المبادئ نابعه من المجتمع وعرفه، أي أن المجتمع وعرفه يوافق على هذهِ القاعدة ولا يمكن لسلطات الدولة مخالفتها، مثال على ذلك لا يمكن تشريع قانون يفضي الى مخالفة مبدأ حسن النية، لان هذهِ المبادئ قد نشأت قبل النظام القانوني نفسه وطبقت منذ قرون ولهذا من الصعب تصور التخلي عنها بسهولة، بالإضافة الى أن طبيعة المبادئ تكون عامة وحكماً معيارياً للنظام القانوني بينما تنطبق التشريعات والقواعد القانونية على مجال محدد من النظام، مثال على ذألك يرتبط مبدأ حسن النية بكافة النظام القانوني بينما ترتبط القواعد المنظمة لعمل المحكمة الدستورية بالمحكمة الدستورية ذاتها، وعليه فإن المبادئ تكون أكثر عمومية[49].

اولاً: - التضامن مبدأ لهُ قيمة قانونية

يرى كل من (إيتل T.Eitel  ، ويلينز K.Wellens) أن التضامن الاجتماعي مبدأ عاماً أساسياً في القانون يؤدي العديد من الوظائف المهمة وأن وظيفته ليست مؤقتة وانما دائمة لا رجعة فيها، كمبادئ العدل والانصاف فهما مبادئ مهمة في النظام القانوني، وعليه فإن التضامن الاجتماعي مبدأً هيكلياً يستمد أهميته من الوظائف المتعددة التي يقدمها، بالمقابل يرى ( بيرلين U. Beyerlin) لا يمكن وصف التضامن الاجتماعي من مبادئ القانون العام وإن التضامن الاجتماعي لا يعتبر ملزماً قانونياً بل هو قيمة عليا تنبعث من الأخلاق وإن الأنظمة الأخلاقية تختلف عن النظم القانونية، ومما لا شك فيه أهمية التضامن الاجتماعي باعتباره فكرة أخلاقية مهمه، وهو مجرد للغاية وغير محدد من حيث المضمون مما يجعله من الصعب جداً أن يصبح مفهوماً معيارياً ينتج عنه أثار مباشرة في العلاقات القانونية، وبالتالي فإن التضامن الاجتماعي مصدراً مهماً للقيم والمبادئ بما في ذلك القواعد القانونية المُلزمة، وإن أدخال القيم الأخلاقية الى القانون يجعل من الصعب جداً التمييز بينها[50].

يدفع (ويلينز K.Wellens) بإن التضامن الاجتماعي مبدأً لهُ قيمة قانونية لان احد الوظائف التي يقوم بها هي تفسير القواعد القانونية، فضلاً عن الوظائف المهمة الأخرى التي يؤديها مبدأ التضامن الاجتماعي، ومثال على ذلك استخدام المبدأ بطريقة غير تفسيرية لحل النزاع بين الدول من قبل المفوضية الأوروبية في منظمة التجارة، لذلك فإن المعايير تختلف بين فروع القانون وهذهِ هي أحد نقاط البداية لتحليل أي مبدأ داخل النظام القانوني، وإن التضامن الاجتماعي قد وثل لمراحل معينة من التطور[51] .

وعليه فإن التضامن الاجتماعي مبدأ معياري للقانون العام يقوم بعدة وظائف، لا يمكن مقارنته بالمفاهيم الأخرى مثل المساعدة والرعاية والاحسان والتعاطف ولا يمكننا حصر التضامن الاجتماعي بالسلوك البشري، وإنما التضامن الاجتماعي مبدأ قانوني وعرف سياسي لارتباطه بالقواعد والحقوق والالتزامات وإن تم التحليل الدقيق لدور التضامن في المؤسسات العامة هو أمر بالغ الأهمية مما سيؤدي الى توضيح الحقوق الاجتماعية والمدنية والالتزامات البارزة أو الهامشية، وعلى الرغم من أهمية هذا المبدأ الا أنه مبدأ مثيراً للجدل إذ يصعب تحديد  نطاق الحقوق والالتزامات التي يجب تحديدها بناءً على مبدأ التضامن الاجتماعي[52].

وهكذا نلاحظ ازدياد أهمية التضامن الاجتماعي من خلال الإشارة اليه بشكل صريح وواضح في فروع القانون المختلفة، وعلى الأخص في القانون الدستوري من خلال الإشارة اليه في العديد من الدساتير الحديثة، والجدير بالذكر أن هذا المفهوم يجد أساسه وبشكل كبير في فروع القانون الدولي، وتغلغله في عدد من قواعد لغرض تحقيق اهداف مشتركة عن طريق فرض التزامات،  وبشكل كبير في القانون الدولي للكوارث بالإضافة الى دور هذا المبدأ في ظهور ثلاثة حقوق وهي الحق في تلقي المساعدة والحق في عرضها بالإضافة الى الحق في الوصول للضحايا[53]، ولغرض حماية القيم الأساسية في المجتمعات مما أدى الى منحه مكانة دستورية، إذ أن البعد الأخلاقي للتضامن كقيمة أساسية منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وبالأخص تعلقه بالسلم والأمن الدوليين والقانون الإنساني، وهذا ما وضحته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الآونة الأخيرة كقيمة أساسية وكمبدأ مكرس بالميثاق نفسه[54]، بالإضافة الى تكريسه في عدد من المواثيق الدولية لحقوق الأنسان منها الاعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر عام ١٩٤٨م، فقد تم التلميح للتضامن الاجتماعي بشكل ضمني من خلال الإشارة الى بعض الحقوق الفردية في المواد (٢٢و٢٥)[55]، وكذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عام ١٩٨١م، إذ أشار الى تعزيز التضامن الاجتماعي والوطني باعتباره واجب يقع على عاتق كل فرد اتجاه المجتمع، والمحافظة عليه من كل ما يهدده في المادة (٢٩/ رابعاً)[56]، وهكذا يتبين أن التضامن الاجتماعي مبدأً تبلور في نهاية القرن العشـرين مبدأ ذا أهمية ساهم في أدراك وخلق العديد من الحقوق والحريات الفردية بالإضافة الى دوره المهم في ظهور طائفة جديدة وهي الحقوق الاجتماعية.

ثانياً: - التضامن الاجتماعي مبدأ لهُ قيمة دستورية

يذهب البروفيسور ( وولفروم wolfrum) إلى إن التضامن الاجتماعي أساس تحول القانون الدولي الى نظام قانوني وإن التضامن الاجتماعي مبدأ متعدد الوظائف يؤدي أكثر من وظيفة إذ ينعكس بشكل أساسي في منظمة الأمم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين، ويعمل في خلق أهداف مشتركة من خلال فرض التزامات مشتركة في القانون البيئي الدولي وجميع فروع القانون الدولي ولاسيما دوره المهم في تحقيق الحماية الاجتماعية إذ انهُ مصدر المسؤولية عن الحماية وهذا يشكل أساساً لإضفاء الطابع الإنساني على القانون الدولي، وإن الحقوق الفردية تتطلب لأعمالها التزاماً جماعياً بالحماية وهو واجب يقع على جميع الدول [57].

وهكذا يتضح التعبير عن المفهوم القانوني للتضامن الاجتماعي داخل الدولة في أكثر من مجال، إذ يتم منح حقوق الانسان المنصوص عليها في الدساتير على أساس مبدأ التضامن الاجتماعي، مما يحقق الرفاهية داخل الدولة بمعنى أخر يساهم في بناء دولة الرفاهية الوطنية، وبالتالي يتغلغل مبدأ التضامن الاجتماعي بالآليات التي تقدمها الدولة لمساعدة المواطنين على حماية هذهِ الحقوق، مثال على ذلك البرامج الوطنية التي توفر الخدمات الصحية والاجتماعية، اما المجال الأخر التي يستخدم فيها آليات قائمة على التضامن بشكل أكبر هي حالات الطوارئ والأزمات، الا إن التضامن الاجتماعي من المبادئ المعقدة التي تحتاج الى تفسير، إذ توجد بالقانون الدستوري مبادئ لا يمكن تطبيقها بسهولة من دون وجود مواد إضافية وهذا لا يجعلها أقل أهمية مما يتطلب تفسير القواعد الدستورية في ضوء هذا المبدأ فإنه مبدأ معياري وليس مبدأ أخلاقي أو سياسي [58].

وهذا ما يضفي على التضامن الاجتماعي قيمة دستورية إذ يبرز دوره في السياق الاجتماعي وفي ظل الظروف الإنسانية ولا يكون لهذهِ القيمة أدنى دور الا في ظل وجود الجماعة، أي أن الروابط الاجتماعية هي التي تجعل القيم الدستورية ذات قيمة، وهذهِ القيمة تجد أساسها بالاستناد الى الأخوة بين البشر ومحبتهم لبعضهم البعض والحاجة للتعاون فيما بينهم أو التعايش، وبالتالي يكون التضامن الاجتماعي وفقاً لهذا المفهوم مبدأً ذا قيمة دستورية[59]، وأن الاعتراف بالقيمة الدستورية لمبدأ التضامن الاجتماعي يساهم في خلق وتعزيز مجتمعات أكثر عدالة، وخاصه حينما توجد التزامات متبادلة بين الأفراد في داخل المجتمع، إذ تتبع الدساتير نهجاً اجرائياً قائماً على القواعد والإجراءات من أجل تحقيق العدالة، وفي حال ما رأى القضاء الدستوري لدولة ما بأن التضامن الاجتماعي لهُ قيمة دستورية فإن هذا القرار دوراً كبيراً في تفسير الحقوق والواجبات التي يتضمنها الدستور[60]، وهذا ما يؤيده (روبرت ألكسي Robert Alexy) إذ يرى أن التضامن الاجتماعي من المبادئ الأساسية في الدستور الاتحادي الألماني لما ينطوي على مضموناً أخلاقياً، مما يساهم في مراعاة العدالة القانونية داخل المجتمعات[61].

وإما التضامن الاجتماعي بوصفه مبدأً، يفرض التزامات على عاتق السلطات والأفراد بالقيام بالتزامات محددة بموجب الدستور، وفي هذا المفهوم لا يوجد أي تعريف رسمي للتضامن الاجتماعي بوصفه مبدأ عام وشامل، وعند معاملة التضامن الاجتماعي بوصفه مبدأ قانوني بالوقت ذاته يعتبر من أعلى درجات الواجب، مما يجعل الفرد الذي يفرض عليه هذا الواجب مقتنع بأدائها وذلك لما لها من قبولاً اجتماعياً، وعليه حينما يوصف التضامن الاجتماعي بوصفه مبدأ دستوري فلا حاجة لذكره في النصوص الدستورية، إذ من المفترض أن قيمته الدستورية تكون مشتقة من النظام القانوني وبالتالي يكون مُلزماً لكافة سلطات الدولة، حتى وأن لم يتم النص عليه في الدستور[62].

وبالرغم من أهمية المبادئ الدستورية في إصدار الاحكام والتفسير الا ان في أغلب الأحيان قد يتعرض القضاة للنقد خاصه عند اللجوء للمبادئ التي لم يتم الإشارة اليها في الدستور، وتحذر )نيومي راو Neomi Rao) من استيرادا القيم الاوربية الى دستور الولايات المتحدة الامريكية مما يؤدي الى أضعاف حماية الحقوق وتقيدها، وهذا الكلام يرتبط بالتضامن الاجتماعي ، أي لو تصورنا أن للتضامن الاجتماعي مبدأ لهُ قيمة دستورية لأصبحت حمايته أعلى من باقي الحقوق، وعليه ستعتبر بنوده تقيداً للحقوق والحريات وبالتالي فإن التركيز عليه سيضعف حماية الحقوق[63]، وعليه لا يمكننا اعتماد هذا الرأي لأن التضامن الاجتماعي ظاهرة لا يمكن انكارها ولا يمكن أن تكون محلاً للجدل أو الغموض لها أهداف واضحة قد تم معالجته في العديد من الدساتير سواء بصورة صريحة او ضمنية وأن مبدأ التضامن الاجتماعي لا يتعارض مع الحقوق والحريات وانما يهدف الى تعزيزها وادراكها، فضلاً عن ضمان مجتمعات أكثر عدلاً بالإضافة الى دوره المهم في الأزمات والاضطرابات الاجتماعية لأنه يساهم في تعزيز التعاطف والرحمة بين الأفراد داخل الجماعة لتجاوز الأزمات والحد من أثارها. 

نذهب مع الاتجاه الذي يؤيد بأن التضامن الاجتماعي مبدأ قانوني لهُ قيمة دستورية، مما يؤكد على أهمية التعاون بين الأفراد داخل الجماعة، إذ تتجه غالبية الدول الى تكريس هذا المبدأ في دساتيرها سواء بصورة صريحة أو ضمنية مما يلزم السلطات التشريعية مراعاة هذا المبدأ عند أصادرها التشريعات والقواعد القانونية ويساهم في تعزيز علاقات الأفراد ببعضهم البعض بالإضافة الى مسؤوليتهم عن رفاهية بعضهم البعض ومسؤولية الدولة عن تحقيق مجتمعات أكثر رفاهية وعدالة لمواطنيها.

نستنتج مما تقدم أن التضامن الاجتماعي مبدأ قانوني لهُ قيمة دستورية يتمتع بأهمية بالغة بسبب الوظائف المتعددة التي يقوم بها، إذ تم معالجة هذا المبدأ سواء بصورة صريحة أو ضمنية حيث ذهبت العديد من الدساتير الى تكريسه من ضمن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الدستور مما يؤكد على أهميته في النظام القانوني داخل الدولة، فضلاً  الى اعتماد من قبل العديد من المحاكم الدستورية من خلال تكريسه في احكامها سواء في تفسير النصوص الدستورية او أزاله التعارض بينها، وعليه فإن مبدأ التضامن الاجتماعي مبدأً دستورياً ذا أهمية بالغه حتى وأن لم ينص عليه صراحة إذ يجد أساسه في طبيعته العلاقات البشرية ويستمد الزامه من النظام القانوني في داخل الدولة.

الخاتمة

بعد الانتهاء من البحث في (القيمة القانونية لمبدأ التضامن الاجتماعي) فقد توصنا الى مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات سنبين أهمها في نقطتين تباعاً، وعلى النحو الاتي:

أولاً: - الاستنتاجات

نستنتج مما تقدم أن التضامن الاجتماعي مبدأ قانوني مستقل لهُ قيمة دستورية يتمتع بأهمية بالغة بسبب الوظائف المتعددة التي يقوم بها، ويتوجب على السلطة العامة التقيد به في تصرفاتها، بما يعزز التضامن داخل الدولة.

اختلفت الدساتير في معالجة التضامن الاجتماعي باتجاهات مختلفة، فمنها من عالجته بصورة صريحة ضمن المبادئ الأساسية او ضمن الحقوق والحريات وهذا ما يعكس اهتمام السلطة المؤسسة به ومثال على ذلك معالجة دستور المانيا لعام ١٩٤٩ المعدل ودستور جمهورية مصر٢٠١٤ المعدل، وهنالك دساتير عالجته بصورة ضمنية من خلال الإشارة الى مفاهيم قانونية تعكس التضامن الاجتماعي أو الاشارة اليه بصورة ضمنية من خلال النص على مجموعة من الحقوق والالتزامات التي تقوم على أساسه أو الإشارة الى مفاهيم تستند اليه مثل دستور جمهورية فرنسا لعام ١٩٥٨المعدل، دستور الولايات المتحدة الامريكية لعام١٧٨٧ المعدل، ودستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥.

جاء القضاء الدستوري المقارن مؤكداً على القيمة الدستورية التي يتمتع بها التضامن الاجتماعي في كل من المانيا وفرنسا ومصر من خلال إلغاء القوانيين التي تتناقض مع متطلباته، اما بالنسبة للقضاء الدستوري في الولايات المتحدة الامريكية فلم يتضمن إشارة صريحة لمبدأ التضامن الاجتماعي في احكامه الا انه يلاحظ من خلال استقراء احكام المحكمة الاتحادية العليا انها اعتمدت عليه ضمناً في توجهاتها.

إن المحكمة الاتحادية العليا في العراق وعلى الرغم من مرور مدة زمنية طويله على انشائها الا انها لم تشر صراحه الى مبدأ التضامن الاجتماعي، الا انها اشارت ضمناً الى مفاهيم ذات صله به مثل المساواة وتكافؤ الفرص.

ثانياً: - التوصيات

نوصي المشرع الدستوري بأن ينص الدستور صراحة على مبدأ التضامن الاجتماعي ضمن الباب الأول المخصص للمبادئ الأساسية لما لهُ من أهمية في تحديد الأسس التي تبنى عليها الدولة العراقية والعلاقة بين هيئات الحكم وكذلك علاقة الدولة مع الأفراد، مما يؤدي الى انعكاسه بصوره واضحة على جميع نصوص الدستور وعلى الأخص الحقوق والواجبات وخاصه عند تفسير الدستور.

نأمل من المحكمة الاتحادية العليا في العراق الاعتماد على مبدأ التضامن الاجتماعي في قراراتها والاشارة اليه صراحة بما يحقق وحدة العراق واستقراره، وعليه ندعو المحكمة الاتحادية العليا للسير على نهج القضاء الدستوري المقارن في تفسير الدستور في ظل مبدأ التضامن الاجتماعي لما لهُ من دور وأهمية في بناء المجتمع.

نوصي الحكومة باتباع سياسات وإجراءات تعزز التضامن الاجتماعي مثل تنفيذ السياسات التي تعزز الاندماج الاجتماعي والمساواة، ودعم السياسات التي تعزز العدالة الاجتماعية داخل الدولة من خلال إعادة توزيع الموارد والثروات بشكل عادل ومنصف بين المواطنين وعلى الأخص للفئات المستضعفة أو المحتاجة، لحماية الأفراد ومعالجة الأسباب الجذرية للفقر وعدم المساواة لتوفير ظروف أفضل للعيش، وفضلاً عن دعم النمو الاقتصادي والاندماج الاجتماعي لتحقيق التماسك والوحدة والتعاون داخل المجتمع.

 

[1]  المادة (٤) من دستور جمهورية رومانية لسنة١٩٩١ المعدل.

[2]  المادة (٢) من دستور مملكة اسبانيا لسنة ١٩٧٨ المعدل.

[3]  المادة (٢٣) من دستور جمهورية ألمانيا لسنة ١٩٤٩ المعدل.

[4]  المادة (٨) من دستور جمهورية مصر لسنة ٢٠١٤ المعدل.

[5]   المادة (١) من دستور جمهورية كولومبيا لسنة ١٩٩١ المعدل.

[6]   S. J. Scholz, Solidarity as a Human Right, Archiv Des Völkerrechts, Vol. 52, Iss. 1 , P. 54.

[7]   Ibid, P.59 and 60.

[8]   المادة (٦٤) دستور جمهورية كوستاريكا لسنة ١٩٤٩ المعدل.

[9]   T. Hostovsky Brandes, Solidarity as a Constitutional Value, Buffalo Human Rights Law Review, Vol. 27, Article 2, P.77 and 82.

[10]  المادة (٢) دستور جمهورية اليونان لسنة١٩٧٥ المعدل.

[11]  المادة (٧٥/١٠) دستور جمهورية الدومينيكان لسنة.

[12]  T. Hostovsky Brandes, Op. Cit, P.77 and 82.

[13]  Pensky, MaxThe ends of solidarity: Discourse theory in ethics and politics. State University of New York Press, 2009, P.132.

[14]   S. Stjerno, Solidarity in Europe The History of an Idea, Cambridge University Press, First Published, 2005, P.60 and 61.

[15]  المادة (5) من إعلان حقوق الانسان والمواطن لسنة 1789(يحق للقانون أن يمنع فقط تلك الأعمال التي تضر المجتمع. لا يجوز منع ما لم يحظر قانونا، ولا يجوز إجبار أحد على فعل ما لم يأمر به القانون).

[16]   المادة (13) من إعلان حقوق الانسان والمواطن لسنة 1789.

[17]  المادة (١/ ثامناً) من دستور الولايات المتحدة الامريكية ١٧٨٧ المعدل.

[18]   T. Hostovsky Brandes, Op. Cit, P. 73 and 81.

[19]  Ulrike Zachch, Solidraity in Germany, Research from: Verionica Fedrico and Chirstian Lahused, Solidarty as Public Virtue Law and Public Polices in the European Union, Nomos, First Published, Volume 4, 2018, P. 72 and73.

[20]   BVerfG, 1 BvL 1/09, 9 February 2010:(https://www.bundesverfassungsgericht.de), Accessed at (17/04/2023)

[21]  BVerfG, 1 BvL 10/02, Judgment of 18 July 2012, the link:

( https://www.bundesverfassungsgericht.de ) , Accessed at (18/04/2023).

[22]  BVerfG, 2 BvL 6/16, Judgment of 6 June 2018, the link:

( https://www.bundesverfassungsgericht.de), Accessed at (18/04/2023).

[23] Constitutional Council decision n° 2018-761 QPC of December 21, 2018, the link: =

=(https://www.conseil-constitutionnel.fr/en). Accessed at (17/04/2023).

[24]  Constitutional Council decision n° 2010-625 DC of October 9, 2010, the link:

(https://www.conseil-constitutionnel.fr/en). Accessed at (17/04/2023).

[25]  Constitutional Council decision n° 2018-717/718 QPC of July 2018, the link:

(https://www.conseil-constitutionnel.fr/en). Accessed at (24/04/2023).

[26]   T. Hostovsky Brandes, Op. Cit, P.87.

[27]   M. J. Piore, Recent Developments in Solidarity in the United States, Preliminary and Incomplete Not for Quotation or Attribution, Prepared for Presentation at Colloquium onAvatars of Solidarity, College de France Paris, France, P.1 and 2.

[28]   Brown v. Board of Education U.S, 483 (1954), the Link:(https://www.supremecourt.gov), Accessed at (19/04/2023).

[29]   Gideon v. Wainwright, 372 U. S 335 S. Ct 792 (1963), the link:(https://www.supremecourt.gov ), Accessed at (19/04/2023).

[30]    National Federation of independent Business v. Sebelius 519 U. S 132 S. Ct 2566 (2012) , the link:  (https://www.supremecourt.gov), Accessed at (19/04/2023).

[31]   الدعوى رقم (٤٠) لسنة (١٦) بجلسة ٢/٩/١٩٩٥، منشورة على الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية العليا،

 https://www.sccourt.gov.eg/SCC/faces/PortalHome.jspx،

 تاريخ زيارة الموقع ٢٤/٤/٢٠٢٣.

[32]   الدعوى رقم (٤٧) لسنة (٢١) بجلسة ٤/٤/٢٠٠٤، منشورة على الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية العليا، متاحه على نفس الموقع، تاريخ زيارة الموقع ٢٤/٤/٢٠٢٣.

[33]   الدعوى رقم (٢) لسنة (١٦) بجلسة ١٩٩٦/٢/٣، منشورة على الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية العليا، متاحه على نفس الموقع، تاريخ زيارة الموقع ٢٠٢٣/٤/٢٤.

[34]   الدعوى ١٣٢/ اتحادية/ ٢٠٢٢، بجلسة ٢٠٢٢/٩/٧، منشور على الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، متاحه على نفس الموقع، تاريخ زيارة الموقع ٢٠٢٣/٤/٢٥.

[35]   الدعوى ٨٩/ اتحادية/ ٢٠١٩، بجلسة ٢٨/١٠/٢٠١٩، منشور على الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، متاحه على نفس الموقع، تاريخ زيارة الموقع ١٨/١٠/٢٠٢٣.

[36]   الدعوى ٨٩/ اتحادية/ ٢٠١٧ وموحداتها، بجلسة ٢٠/١١/٢٠١٧، منشور على الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، متاحه على نفس الموقع، تاريخ زيارة الموقع ١٨/١٠/٢٠٢٣.

[37]   الدعوى ٦٦ / اتحادية/ ٢٠١٨وموحداتها، بجلسة ٢٣/١/ ٢٠١٩، منشور على الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، متاحه على نفس الموقع، تاريخ زيارة الموقع ١٨/١٠/٢٠٢٣.

[38]    S. J. Scholz, Op. Cit, P. 54.

[39]   (Ibid, P.57 and 58.

[40]   Ibid, P. 57 and 58.

[41]  S. J. Scholz, S. J, Op. Cit, P. 58 and 59.

[42]   Ibid, Op. Cit, P.57.

[43]   S. J. Scholz, Op. Cit, P.55 and 56.

[44]   S. J. Scholz, Op. Cit, P.59 and 60.

[45]  C. Wellman, Solidarity, the Individual and Human Rights, Human Rights Quarterly, Volume 22, Number 3, 2000, P. 642.

[46]   د. منذر الشاوي، الانسان والعدالة، مصدر سابق، ص٢٧٠.

[47]   Y. Roznai, The Theory and Practice ofSupra-ConstitutionalLimits on Constitutional Amendments, International & Comparative Law Quarterly Vol. 62, P. 562.

[48]   M. Luisa Fernandez Esteb, Constitutional Values and Principles in the Community Legal Order. Maastricht Journal of European and Comparative Law, Vol. 2, Iss. 2, P. 130 and 131.

[49]   Dr. Jordan DACI, Legal Principles, Legal Values, and Legal Norms: are they the same or different?, Academicus - International Scientific Journal, MMX-2, P. 112.

[50]   R. Wolfrum and Ch. KojimaOp. Cit, P.40, 42 and 45.

[51]   R. Wolfrum and Ch. Kojima, Solidarity: a structural principle of international law. Ed. Chie Kojima,Heidelberg: Springer, 2010, P. 45.

[52]    Federico, Veronica, and Christian LahusenSolidarity as a Public Virtue?. Nomos Verlagsgesellschaft mbH & Company KG, 2018, P. 18.

[53]    Ibid, P. 13 and 14.

[54]    Ibid, P.5 and 6.

[55]   آلان سوبيو، الإنسان القانوني بحث في وظيفة القانون الأنثروبولوجيا، ترجمة عادل بن نصر، ط١، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،٢٠١٢، ص ٢٤٤.

[56]   المادة (٢٩/رابعاً) تنص على (المحافظة على التضامن الاجتماعي والوطني وتقويته وخاصة عند تعرض هذا التضامن لما يهدده).

[57]   R. Wolfrum and Ch. KojimaOp. Cit, Pp.10- 13.

[58]   Arban, Erika, Exploring the principle of (federal) solidarity, Vol. 22, 2017.P.244 and 245.

[59]   Th. Tzimas, Solidarity as a Principle of International Law: Its Application in Consensual Intervention Groningen Journal of International Law, International Legal Reform Solidarity as a Principle of International Law: Its Application in Consensual Intervention vol 6, Iss.2, P.334.

[60]   T. Hostovsky Brandes, Op. Cit, P.71 and 74

[61]   روبرت ألكسي، فلسفة القانون مفهوم القانون وسريانه، ترجمة د. كامل فريد السالك، ط٢، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ٢٠١٣، ص١٢٧ و١٢٨.

[62]  د. محمد سليمان الأحمد، فلسفة الحق، ط١، منشورات زين الحقوقية، ٢٠١٧، ص٦١٥؛

 Th. Tzimas, Op. Cit, P.335

[63]  T. Hostovsky Brandes, Op. Cit, P.72 and 73.