تاريخ التقديم 16/1    تاريخ القبول 20/2       تاريخ النشر 25/4

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/dttg2t93

دور القواعد الحمائية في تحديد القانون الواجب التطبيق في حماية المستهلك

The role of protective rules in determining the applicable law in consumer protection

أ.د. نظام جبار طالب

جامعة القادسية - كلية القانون 

أ.م.اسامة محسن جاسم

جامعة سومر - كلية القانون

 phd.professor Nizam Jabbar tialb 

 Qadisiyah University - College of Law                

e. dr.nidam80@gmmail.com

Assistant professr Osama Mohsen Jassim  

Sumer UniversityFaculty of Law               

   e. o.mohsin196@gmail.com          

المستخلص

نتيجة التطور التشريعي الذي ظهر في الآونة الأخيرة على الكثير من الصيغ التعاقدية التي لم يكن لها وجود في الواقع العملي ، وفي كل مجالات الحياة وخاصة في مجال السياحة  لذلك ظهر نظام المشاركة الزمنية الذي يبيح للمستفيدين من الانتفاع وقضاء العطل والاجازات في المنتجعات السياحية او الاماكن الدينية، مما يستلزم بحث ودراسة هذا النظام التعاقدي ومدى توافقه مع الأحكام القانونية المستقرة في القواعد العامة سواء في نظرية العقد أم في العقود المسماة . وابراز دور القواعد الحمائية في حماية المستفيد المستهلك واختيار القانون المناسب والاقرب لمصلحته واستبعاد القوانين الاخرى التي تضر بمصلحته اذا ما تم فرضها عليه من قبل صاحب الشركة او حق الانتفاع .

الكلمات المفتاحية: القواعد الحمائية ، عقد المشاركة الزمنية، مبدأ سلطان الارادة ، حماية المستهلك، النظام العام، الغش نحو القانون. 

Abstract

is the result of the legislative development that has recently appeared on many contractual formulas that did not exist in practice, and in all areas of life, especially in the field of tourism, so the time sharing system appeared, which allows the beneficiaries to benefit and spend holidays and vacations in tourist resorts or religious places, which requires research and study of this contractual system and its compatibility with the legal provisions stable in the general rules, whether in the theory of the contract or in the named contracts. And highlight the role of protective rules in protecting the consumer beneficiary, choosing the appropriate law and closest to his interest, and excluding other laws that harm his interest if they are imposed on him by the owner of the company or the usufruct right.

 Keywords: protective rules, temporal sharing contract, principle of will, consumer protection, public order, fraud towards the law.

المقدمة

اولا: التعريف بفكرة البحث

تعد العقود الدولية وخاصة (عقد المشاركة الزمنية) اداة لتسيير التجارة الدولية ووسيلة للمبادلات الاقتصادية عبر الحدود ووجود هذه العقود يؤدي الى اثارة مشكلة تنازع القوانين حيث هذه المشكلة لا تنشأ في العقود الداخلية ولكنها قاصرة على العقود الدولية. فمستوى التطور التشريعي يختلف في هذا المجال من دولة الى اخرى وهذا ما يؤدي الى تعدد عوامل او ضوابط الاسناد، التي يجري على اساسها تحديد القانون الواجب التطبيق الا ان الذي يهمنا بهذا الصدد هو دور القواعد الحمائية في تحديد القانون الواجب التطبيق بالنسبة للمستهلك باعتباره الطرف الذي يستحق الحماية في عقد المشاركة الزمنية. ويعتبر مبدأ قانون الارادة من المبادئ المستقرة في مختلف النظم القانونية . حيث ترك القانون للأفراد حرية تنظيم عقودهم وتضمينها الشروط التي تكفل تحقيق مصالحهم وهذا هو مبدأ «سلطان الارادة» في علاقات القانون الداخلي فأن هذه الحرية انتقلت الى العلاقات ذات العنصر الاجنبي فلهم في نطاق العقود الدولية حرية اختيار القانون الذي يحكم تصرفاتهم الارادية، فهذه العقود تخضع في تكوينها وشروطها واثارها لقانون او نظام قانوني معين وهو مسألة قانون مبدأ الارادة في العقود الدولية واذا كان هذا المبدأ قد استقر في الفكر القانوني لدى سائر النظم القانونية الوضعية وهذا ما يتقاطع مع مصلحة المستفيد في عقد المشاركة الزمنية .

ثانياً: اهمية موضوع البحث:

يعد عقد المشاركة الزمنية من العقود التي يتضمن مزايا متعددة تتحقق للمستفيد، فهو يوفر له ما قد يعجز عنه عقد الإقامة الفندقية (استئجار شقة) ، لان العقد الأخير يصطدم بأوقات الذروة السياحية ومن ثم فقد لا يستطيع المستفيد الحصول على وحدة سكنية يقضي فيها عطلته أو إجازته أو مراسمه الدينية في مثل هذه الأوقات ، ومن هنا فان عقد اقتسام الوقت يعد البديل والحل الناجع لهذه المشكلة. وتكمن أهمية الموضوع في أن التعامل بعقد المشاركة بالوقت أصبح ظاهرة عالمية إذ انتشر التعامل به في أكثر دول العالم ، كذلك تعدد الصيغ القانونية التي يبرم بها هذا العقد، بالإضافة إلى تعدد الحقوق والمراكز القانونية الناشئة عن هذا العقد ، بسبب التعدد في الطبيعة القانونية. لذلك لا بد من تسليط الضوء على هذا النظام لسد جزء من النقص في المكتبة القانونية خاصةً وان بلدنا يعد من البلدان السياحية.

ثالثاً: اشكالية البحث

تكمن اشكالية البحث في طرح التساؤلات الاتية وبيان موقف المشرع العراقي والتشريعات الاخرى في مدى حرية الاطراف في عقود المشاركة الزمنية ذات الطابع الدولي من حرية الارادة في اختيار القانون الذي سيحكم نزاعهم في ظل وجود القواعد الحمائية في حماية المستهلك ؟ اومن  الممكن ان تقيد هذه الحرية في اختيار قانون محدد وموجه  الذي سيحكم العقد بوجود سند قانوني يبيح لهم ذلك ؟ . وما هو دور فكرة النظام العام في استبعاد القانون الاجنبي في حال اذا كان هناك مانع من تطبيقه في دولة القاضي الذي ينظر الدعوى ؟  وفي حال عدم اختيار الاطراف لقانون معين هل ستكون القواعد ذات التطبيق الضروري  حاضرة وتطبق بشكل مباشر دون المرور بقاعدة الاسناد؟ جميع هذه الاشكاليات والتصورات سنبحثها في بحثنا هذا .

رابعاً: نطاق البحث

ينحصر نطاق البحث باستعراض اراء الفقه ومناقشتها وموقف التشريعات في حماية المستهلك (المستفيد) في عقد المشاركة الزمنية واختيار انسب القوانين لحمايته، على اعتبار ان العلاقة التعاقدية ليست على قدم المساواة وهذا الاختلال يأتي من المركز الاقتصادي القوي الذي يشغله احد الاطراف في مواجهة الطرف الاخر. وعقد المشاركة الزمنية يعد بمثابة عقد اذعان كما يصفه البعض الامر الذي يقتضي توفير الحماية خاصة للطرف المذعن المستفيد .

خامساً: منهجية وخطة البحث

تعتمد دراستنا على المنهج التحليلي بالاعتماد على اراء الفقه ونصوص التشريعات كالقانون المدني العراقي والقانون المدني المصري، والقانون الدولي الخاص السويسري لعام 1987م الذي نظم عقود المستهلك على اعتبار ان عقد المشاركة الزمنية من عقود الاستهلاك التي تقدم خدمات للمنتفع فضلا عن الاستعانة بالقرارات القضائية . لذلك نقسم بحثنا هذا الى مبحثين فالمبحث الاول جاء بعنوان اثر القواعد الحمائية على مبدأ سلطان الارادة باختيار القانون واجب التطبيق اما المبحث الثاني دور فكرة النظام العام والقواعد ذات التطبيق الضروري في حماية المستهلك .

المبحث الاول

اثر القواعد الحمائية على مبدأ سلطان الارادة

باختيار القانون واجب التطبيق

بالرغم من ان مبدأ سلطان الارادة كما رأينا هو المبدأ الاساس وضابط اسناد رئيسي في العقود الدولية والذي يعد من ضرورات التجارة الدولية، الا ان هناك من يرى ان هذا المبدأ قد يشكل خطورة على العقود التي تظم طرفا ضعيف بصفة عامة وعلى العقود المبرمة بواسطة المستهلكين بصفة خاصة وذلك كون هذا المبدأ يعد وسيلة للضغط من جانب الطرف القوي تجاه المستهلك، ويؤدي احيانا مبدأ سلطان الارادة الى فقدان التوازن بين الاطراف في العقد كما يصفه اصحاب هذا الاتجاه [1]. وهو ما يمكن حدوثه في عقود المشاركة الزمنية من تضليل تجاه المستهلك، وازاء خطورة هذا المبدأ  فقد واجه اصحاب هذا الرأي انتقادات عديدة في هذا المجال على اعتبار ان مبدأ سلطان الارادة من المبادئ المسلم بها دوليا في التعاقدات التي تخص الافراد . وعلى ذلك نستعرض تلك الآراء الفقهية والحجج الذي يستندون اليها في مطلبين مستقلين، فالمطلب الاول حماية المستهلك عن طريق الاستبعاد الكلي لمبدأ سلطان الارادة اما المطلب الثاني حماية المستهلك بالسماح للأطراف باختيار محدود لقانون العقد.

المطلب الاول: حماية المستهلك عن طريق الاستبعاد الكلي لمبدأ سلطان الارادة

ثار جدل فقهي بشأن مبدأ سلطان الارادة حول امكانية الافراد في اختيار قانون العقد أيا كانت تلك العقود داخلية او ذات صبغة دولية مراعاة المصالح العليا للمجتمع. عليه فلا بد ان نقسم مطلبنا هذا لفرعين الفرع الاول الاستبعاد الكلي لسلطان الارادة وتطبيقاتها اما الفرع الثاني رفض مبدأ الاستبعاد الكلي لسلطان الارادة .

الفرع الاول:  الاستبعاد الكلي لسلطان الارادة وتطبيقاتها

طالما ان مبدأ سلطان الارادة هو السبب الرئيسي للإجحاف بالمستهلك حسب ما يرون اصحاب هذا الرأي باعتباره الطرف الضعيف غالبا في العلاقة التعاقدية، فقد يبدو للوهلة الاولى ان افضل وسيلة لحمايته هو حرمان الاطراف بشكل كلي من الية اختيار القانون الذي يحكم العقد  هذه الحالة يتم تعيين القانون الواجب التطبيق وفقا لضابط اسناد موضوعي يحدده المشرع مقدما او يستخلصه القاضي من ملابسات العلاقة التعاقدية[2] . ويبررون اصحاب الرأي المتقدم حججهم باستبعاد قانون الارادة في مجال حماية المستهلك في عقد المشاركة الزمنية للأسانيد الاتية :

اولا - فكرة عقود الاذعان: العقود التي يبرمها المستهلكون في غالبها عقود اذعان ومن المعروف ان هذه العقود تكون مبرمة تحت ضغط الحاجة وتتميز بعدم التكافؤ في القوى بين طرفي العقد وهو ما يؤدي ايضا الى عدم التكافؤ بشأن التفاوض على شروط العقد، حيث يفرض الطرف القوي شروطه وعلى المستهلك ان يقبل العقد او يرفضه جملة وهنا من السهولة ان يفرض على المستهلك مسألة القانون الواجب التطبيق، اضافه الى انه من الممكن ان يغفل الاخير انه امام عقد دولي ولذلك فأن شرط تحديد هذا القانون قد لا يجذب انتباه المستهلك[3] .

ويلاحظ ان المهني الذي يبرم العقد مع المستهلكين يستغل مركزه وخبرته القانونية في ادراج الشروط التي تحقق مصالحه ويستعين في ذلك بمستشاريه القانونيين في اعداد هذه العقود كما انه يستغل مبدأ سلطان الارادة في اعطائه الفرصة لاختيار القانون الملائم له ليطبقه على العقد[4]. وقاعدة التنازع التي تقوم على معيار نفسي وهو ارادة الاطراف يكون لها نتائج واثار خطيرة على حماية الطرف الضعيف ذلك لان سلطان الارادة في المجال الدولي مبني اساسا على مصلحة الاطراف التي يرونها في اختصاص معين وقد يؤدي الامر هنا الى تطويع قاعدة التنازع بحيث تؤدي الى خدمة مصالح الطرف الذي يدير العملية التعاقدية، وهو الطرف القوي على حساب مصالح الطرف الضعيف واذا احتفظت الارادة بالدور الكامل الممنوح لها كقاعدة تنازع في مجال عقود المستهلكين فان ذلك يؤدي الى اضعاف حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص[5].

ثانيا: استبعاد حماية قانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك او قانون القاضي : من المتصور ان يؤدي مبدأ سلطان الارادة الى استبعاد تطبيق قانون البيئة الاجتماعية للمستهلك في العقود المبرمة بواسطة المستهلكين وبتلك المثابة يؤدي شرط اختيار القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة الى حرمان المستهلك من الحماية التي يوفرها له قانون محل اقامته المعتاد[6] . كما ان مثل هذا الاختيار قد يلزم الطرف المهني القوي بالتعامل مع عدد كبير من القوانين يتناسب مع عدد الدول التي ينتمي اليها المستهلكون بوصفهم زبائن يتعاقد معهم، وقد يتوزعون في دول مختلفة خاصةً اذا كان هذا الطرف المهني يمارس نشاطه في اكثر من دولة[7] . يستنتج من ذلك ان هذه القواعد هي قوانين اقليمية فبهذا يتم استبعاد المنهج الارادي كمنهج يمكن الرجوع اليه في حالة الصفة الدولية لحسم النزاع الذي يخص عقد المشاركة الزمنية وذلك لعدم التوافق بين فكرة الاقليمية وفكرة سلطان الارادة، وهذا ما يؤثر على العلاقات الخاصة الدولية وجعل الدولة حبيسة الحدود وفي عزلة تامة عن العالم . كما تباينت مواقف التشريعات الوطنية من مبدأ حرية الاطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على عقدهم  سيما في العقود الدولية بين رافضا لهذا المبدأ وبين مؤيدا له،  فمن التشريعات التي ترفض استبعاد المبدأ اعلاه المادة (25 /فق1) من القانون المدني العراقي[8].  وذهبت العديد من التشريعات العربية الى ما ذهب اليه المشرع العراقي والتي تأخذ بنفس الحكم كالمادة(19) من القانون المدني المصري من حرية الاطراف باختيار قانونهم الذي يحكم نزاعهم . ولكن هذا الاتجاه هل يلائم عقود المشاركة الزمنية سيما وان المادة (25/فق2) مدني عراقي تقضي بتطبيق قانون موقع العقار على العقود التي ابرمت بشأنه ؟ هنا اصبح لدينا تناقض في هذه المسألة .

بينما نجد مبدأ استبعاد سلطان الارادة في اختيار القانون حماية للمستهلك مقننا في التشريعات الحديثة فقد نصت المادة (117) من مشروع القانون الدولي الخاص السويسري في فقرتها الثانية على ان « يستبعد اختيار القانون عندما يكون تطبيق قانون معين مفروضا بالنظر الى الحاجة لحماية احد الاطراف» وهو ما يعني استبعاد اختيار القانون الواجب التطبيق من جانب الاطراف في العقود التي تكون في حاجة خاصة لحماية احد اطرافها مثل عقود المستهلكين، وذلك ما اكدته المادة (120 فق/2) من مجموعة القانون الدولي الخاص السويسري الحديثة الصادر في 18 ديسمبر 1987م في مجال العقود المبرمة بواسطة المستهلكين حيث نصت» ان الاختيار يكون مستبعدا « وعلى هذا اذا تم اختيار قانون اخر غير القانون السويسري من جانب الاطراف فأن هذا الاختيار لا يعتد به متى عرضت منازعة على القضاء السويسري متعلقة بعقد من عقود الاستهلاك وفقا لما حددته المادة 120/1 من القانون الدولي الخاص السويسري اي العقود التي تبرم وتكون من اجل استعمال شخصي او عائلي للمستهلك ولا ترتبط بنشاط مهني او تجاري له[9] .وعلى ذلك فأن القانون الدولي الخاص السويسري الجديد قد استبعد حق المتعاقدين في عقود الاستهلاك في اختيار القانون الواجب التطبيق بحيث لا يطبق الا قانون محل الاقامة المعتاد للمستهلك[10] .               

الفرع الثاني: رفض مبدأ الاستبعاد الكلي لسلطان الارادة

يذهب اصحاب هذا الرأي[11]  الى اتجاه مغاير تماما عن سابقه حيث يرون ان استبعاد دور الارادة في تحديد القانون الواجب التطبيق يؤدي الى نتيجة تتعارض مع حماية العاقد نفسه، ويذكر ان قاعدة خضوع العقد للقانون الذي تحدده ارادة الاطراف لم تظهر بشكل مفاجئ وانما قد مر بتطور تاريخي طويل الامد امتد من القرن الثالث عشر واستمر بالتفاعل مع الآراء الفقهية والقضائية حتى يومنا هذا . اضافة الى اعتراف اغلب قوانين البلدان فعلياً بمبدأ استقلال الاطراف في مجال القانون الدولي الخاص وامكانية الاطراف من اختيار القانون الواجب التطبيق مع مراعاة بعض القيود الطفيفة[12] .عليه يمكننا ان نبين اهم الاسباب الذي يستدون اليها اصحاب هذا الرأي بخصوص رفضهم لفكرة الاستبعاد الكلي لمبدأ سلطان الارادة  :

اولا: تعطيل مبدأ سلطان الارادة والاضرار بمصالح التجارة الدولية : اذا كان تعطيل مبدأ سلطان الارادة قد يجد تفسيرا له في مجال علاقات العمل في القانون الدولي الخاص وبدرجة اقل في قانون العلاقات الدولية للاستهلاك حيث ان خصوصية هذه العقود عقد العمل الفردي وعقود الاستهلاك «عقود المشاركة الزمنية» تتطلب عدم التطبيق الكامل للمبادئ العامة في القانون الدولي الخاص والتي تطبق على العقود الاخرى والتي من بينها الاسناد الرئيسي لمبدأ سلطان الارادة[13] . فأنه لا يمكن مطلقا تبرير تقييد الحرية التعاقدية فيما يتعلق بالمعاملات التجارية مع ما يترتب على ذلك من الاخلال بالأمان القانوني في مجال هذه المعاملات وتهديد نموها وتطورها، فالواقع ان مبدأ سلطان الارادة يقف وراء تطور وتقدم التجارة الدولية وتعطيل المبدأ المشار اليه يعيق عمليات التجارة الدولية والتبادل للخدمات خاصة وان «عقد المشاركة الزمنية» يعد من العقود التجارية القائمة على تقديم الخدمة للسائحين لذلك يكون من غير المقبول استبعاد المبدأ مطلقا في العقود التي تظم عاقدا ضعيفا كما ان تعطيل دور الارادة كليةً في تعيين القانون الذي يحكم هذا النوع من العقود قد يؤدي الى تجاوز الهدف المنشود وهو تحقيق الحماية للطرف الضعيف نفسه في العقد[14] . والسؤال الذي يمكن ان يطرح هنا هل تعد الارادة حرة ام مقيدة في اختيار القانون الواجب التطبيق على «عقد المشاركة الزمنية» فيما لو اشترى اجنبي حصة شائعة او حصل على حق انتفاع في وحدة اقامة سياحية وكان العقار واقعا في العراق ؟ .

الاصل ووفق المنهج الحمائي  ذات التطبيق الضروري[15]  ان يرجع القاضي الى القواعد الامرة في بلده ويطبقها على النزاع المطروح امامه بشكل مباشر وفي حال عدم وجودها، يرجع الى قواعد الاسناد  حيث نصت المادة (25/1) مدني عراقي على حرية الارادة باختيار قانون العقد الذي يحكم نزاعهم  ولكن في نفس المادة و بفقرتها الثانية[16] هنا تشكل استثناء في  تطبيق الفقرة الاولى و تعتبر من القواعد الاسناد الحمائية التي يجب تطبيقها ومنع الافراد من اختيار القانون بمحض ارادتهم، على اعتباران قانون موقع العقار من المبادئ المسلم بها دوليا في الحفاظ على الثروة الوطنية ومصالح الدولة العليا. فهنا سيكون القاضي العراقي مضطرا باستبعاد قانون الارادة وتطبيق قانون موقع العقار فيما لو نظر الدعوى الخاصة بعقد المشاركة الزمنية. لذلك يرى جانب من الفقه[17] ان الحل التقليدي بتطبيق قانون موقع العقار غير مقبول على الاطلاق بشأن حل تنازع القوانين في عقد المشاركة الزمنية وذلك لسببين اولها ان مبدأ اختصاص قانون موقع العقار لا يتلاءم مع الطبيعة الذاتية لهذه العقود على اعتباران عقود المشاركة الزمنية اشبه بعقود الفندقة او الايجار المفروش، ويتضاءل بشأنها الحق العيني بخصائصه المعروفة من تخصيص واستئثار ودوام كما انها تنصب على انتفاع قصير المدة حيث تستغل الوحدة السكنية لأسبوع او لبضعة اسابيع سنويا. اما السبب الاخر ان مبدأ اختصاص قانون العقار قد بدأ يتراجع في الفكر القانوني الحديث الذي يقرر ان ذلك الاختصاص يجب قصره على الاثر العيني ونقل الملكية فقط، وفيما عدا ذلك يجب ان يخضع تكوين واثار وانقضاء العقود التي تبرم بشأن العقار للقاعدة العامة في اختصاص قانون الارادة. وقد تبنت عدد من الدول في تشريعاتها [18]. هذا المبدأ والتي يجب ان يكون لها صدها في النظام القانون العراقي .

ثانيا: ليس القانون المختار ضارا دائما بالمستهلك: قد يؤدي الاستبعاد الكلي لدور الارادة في تحديد القانون الواجب التطبيق الى نتيجة تتعارض مع حماية العاقد الضعيف فعلى سبيل المثال وبصدد عقد العمل قد يساهم مبدأ سلطان الارادة في تحقيق مصالح العامل، عندما يوجد في وضع اقوى في التفاوض بشأن شروط عمله وعند اذن يجب الابقاء على مبدأ سلطان الارادة[19] ويرى البعض[20] ان استبعاد مبدأ سلطان الارادة في مجال عقود المستهلكين يؤدي الى نتيجة تتعارض مع هدف الحماية في الاحوال التي يكون فيها طرفي العقد على قدم المساواة، مما يجعل من غير المجدي بل ومن الضار حماية احدهما. لذلك نتحفظ على فكرة الاستبعاد المطلق لقانون الارادة في مجال عقود الاستهلاك لأنه الهدف من وراء الاستبعاد لقانون الارادة في مجال العقود المبرمة بواسطة المستهلكين والتي يبرمها هؤلاء من اجل الانتفاع بسلعة او خدمة وبغرض الاستخدام الشخصي او العائلي «كعقد المشاركة الزمنية» هو حماية هؤلاء في مواجهة المهنيين او التجار، وحيث يفترض في العقود عدم وجود توازن في القوى بين طرفي العقد مما يستلزم حماية الطرف الضعيف «المستهلك» اما في حالة وجود الاطراف على قدم المساواة خاصة عندما يزاول المهني نشاطه خارج نطاق مهنته فأن مسألة استبعاد قانون الارادة تعد غير مطروحة لانتفاء الحاجة للحماية في هذه الحالة. ويعد من غير المبرر حرمان المستهلك من امكانية اختيار قانون قد يكون اكثر صلاحية له من قانون محل اقامته المعتادة، واذا كانت حماية المستهلك امرا ضروريا بالنظر الى انه الطرف الضعيف في العقد فليست من ضرورات الحماية حرمانه من حريته في الاختيار ومعاملته كشخص مسؤول[21] . فأن كانت حماية المستهلك هي مهمة القواعد الامرة في القانون الداخلي فأن ذلك لا يعني ان هذه القواعد هي الافضل دائما لحماية المستهلك، بل على العكس قد يتضمن القانون المختار نصوصا اكثر حماية للمستهلك من النصوص الامرة في قانون محل اقامته المعتادة [22]. وقد يؤدي الاستبعاد الكلي لمبدأ سلطان الارادة في مجال العقود المبرمة بواسطة المستهلكين الى حرمان المستهلك من مزايا كبيرة قد لا تتحقق بتطبيق القانون المختص موضوعيا . وهكذا يختتم اصحاب الآراء المتقدمة بوصفهم ان تدخل المشرع المتزايد الذي لا يقتصر فقط على القانون الداخلي وانما يتعداه الى المجال الدولي يؤدي الى تكديس النصوص التشريعية .

المطلب الثاني: حماية المستهلك بالسماح للأطراف باختيار محدود لقانون العقد

اذا طرحنا جانبا الحل الذي يتمثل في حرمان المتعاقدين كليا من حرية اختيار القانون الواجب التطبيق فأن حماية العاقد الضعيف يمكن ان تتحقق عن طريق تقييد هذه الحرية ووفقا لهذا المنهج  يقوم المشرع وبطريقة مسبقة بتحديد عدد من القوانين يكون للعاقدين ان يختاروا من بينهم في قانون عقدهم[23] . كما يخضع النطاق الفعلي لحرية الاطراف لقيدين اولهما لا يكون الاختيار الاطراف للقانون الواجب التطبيق المفعول استبعاد تطبيق القواعد الالزامية ، وثانيهما لا يطبق القانون المختار على جميع القضايا الناشئة فيما يتعلق باتفاقهم [24] .ولغرض استكمال الفائدة نقسم مطلبنا الى فرعين، الفرع الاول تطبيق قانون محل الاقامة المعتادة المستهلك، اما الفرع الثاني تطبيق القانون الاكثر صلاحية للمستهلك .

الفرع الاول: تطبيق قانون محل الاقامة المعتادة المستهلك

تتلخص مبررات تطبيق قانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك في استخدام هذا الاسناد لتفادي الصعوبات الناتجة عن تطبيق نظرية الاداء المميز[25] وحماية رضاء المستهلك وتوقعاته المشروعة وكذلك مراعاة مصلحة الدولة والهدف الحمائي للتشريعات التي وضعتها بالإضافة الى تفادي مشاكل الاسناد الجامد ومراعاة عدالة القانون الدولي الخاص. فمن ناحية تجنب الصعوبات الناجمة عن تطبيق نظرية الاداء المميز انه من الممكن تطويع هذه النظرية لحماية المستهلك والطرف الضعيف في العقد بصفة عامة وذلك اذا اعتبرنا ان اداء هذا الاخير هو الاداء المميز في العقد[26] . بيد انه من الممكن التوصل الى هذه الحماية بدون اللجوء لنظرية الاداء المميز وما تثيره من صعوبات عملية في تطبيقها، وذلك عن طريق الاسناد لقانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك ليحكم العقود التي يبرمها المستهلك مع الطرف الاخر الذي يتصرف في اطار نشاطه المهني او التجاري وهو ما يغني عن اللجوء لنظرية الاداء المميز ثم تطويعها لحماية المستهلك في علاقته التعاقدية الدولية[27] . ومن ناحية ثانية يؤدي هذا الاسناد الى تفادي مشكلات الاسناد الجامد وتحقيق العدالة في القانون الدولي الخاص فقد ينجم عن تطبيق ضوابط الاسناد الجامد (محل ابرام العقد، محل تنفيذه) صعوبات تتعلق بتحديد هذه الاماكن خاصة اذا كان التعاقد بين غائبين[28] كما هو الحال البيوع بالمراسلة او ارسال كتالوجات او عبر النت سيما في عقد المشاركة الزمنية فأغلب التعاقدات تكون بهذا الشكل. ويؤيد جانب من الفقه[29]  الى اقرار الصفة الدولية وبصفةً عامة بجميع العقود التي تتم عبر الشبكة الدولية للمعلومات «الانترنت» وذلك بالاستناد الى ان السمة الدولية للوسط الذي يتم في ظله العقد بحيث يعتبر الانترنت بمثابة وسط او مجال دولي جيد.

ويعد قانون موطن او محل اقامة الطرف الضعيف هو اقدر القوانين على حمايته خاصة اذا كان العاقد مستهلكا لأنه حماية المستهلك كانت محل اعتبار المشرع عند وضع التشريعات الحمائية التي تهدف الى حفظ التوازن بين طرفي العقد[30] . وان تحديد الموطن المشترك ومفهومه وتحديد محل ابرام العقد تعتبر من مسائل التكييف اللازمة لأعمال قاعدة التنازع ويخضع بالتالي لقانون القاضي[31] . اخيرا فيما يتعلق بحماية التوقعات المشروعة للمستهلك وحماية رضائه نجد ان قانون محل الاقامة المعتاد للمستهلك يحقق الحماية له، فهو قانون المكان الذي يعيش فيه مما يسهل عليه توقع النتائج المترتبة على تطبيقه فالقانون الواجب التطبيق يجب ان يكون هو القانون الذي يضعه المستهلك في حسبانه عند ابرام العقد حيث انه يجنبه عنصر المفاجأة بتطبيق قانون اخر لا يعرفه ويجهل النتائج المترتبة على تطبيقه[32] .

ويبرر هذا الحل بالإضافة الى مراعاة ضعف المستهلك امام الشركات السياحية  في عقد المشاركة الزمنية ان رضاء المستهلك في عقود الاستهلاك يكون منقوصا تحت ضغط اجراءات الدعاية والاعلان من جانب المتعاقد الاخر، حيث يندفع المستهلك الى التعاقد لإشباع حاجاته والحاح العائلة في قضاء العطل خلال اوقات متفاوته من السنة دون ان يفكر انه في صدد علاقة دولية غير انه مع ذلك قد يدرك انه محكوم بقانون محل اقامته المعتاد وهو ما يستوجب مراعاة توقعاته وحماية رضائه بتطبيق القانون الذي يوفر له الحماية التي ينتظرها[33]

لذلك يرى جانب من الفقه[34] ان الاسناد لقانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك اسنادا عادلا في العقود المبرمة بواسطة المستهلكين وذلك بالنظر الى انه يتم تطبيق قانون يعرفه هؤلاء وهو قانون يهدف الى تحقيق نتيجة موضوعية في حماية المستهلك والتي يأمل هذا الاخير في تحقيقها ايضا. اما نص الفقرة (2من المادة 120) من القانون الدولي الخاص السويسري فقد استبعد هذا القانون حق المتعاقدين في عقود المستهلك في اختيار القانون الواجب التطبيق بحيث لا يطبق الا قانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك، وكان مشروع هذا القانون والمعد بواسطة المجلس الفيدرالي لعام 1982م قد تبنى نفس الحل اذ ان المادة (117) من هذا المشروع بعد ان عينت القانون الذي ينعقد له الاختصاص في مجال عقود الاستهلاك استبعدت كليا اي دور للإرادة في هذا الصدد . وقد جاء في الاعمال التحضيرية على هذه المادة ان هذا الاستبعاد قد اقتضته ضرورة تطبيق القانون الذي ارتكن الطرف الضعيف بحسن نية وعلى ضوء جميع الظروف التي احاطت بالعقد[35] . وخلاصة القول ان اتفاقية روما والقانون الدولي الخاص السويسري قد تبنيا نصوصا تتضمن قواعد اسناد حمائية خاصة ببعض عقود المستهلك الدولية يمكن وصفها استثنائية بالمقارنة مع النصوص حددت القانون الواجب التطبيق على العقود بصفة عامة وان هذه القواعد الاسنادية لا تقبل التطبيق الا في اطار عقود معينة يكتسب احد طرفيها صفة المستهلك كونه يتصرف خارج نطاق مهنته في مواجهة طرف اخر وهو المهني.

الفرع الثاني: تطبيق القانون الأكثر صلاحية للمستهلك

يؤدي الاسناد الى القانون الاكثر صلاحية للمستهلك الى تفعيل دور قاعدة التنازع وتطويع مبدأ سلطان الارادة لحماية المستهلك وارساء دور الاسناد التخييري في حماية الطرف الضعيف كما يعمل ايضا على امكانية الاستغناء عن الوسائل التي تعالج قصور قاعدة التنازع. فمن ناحية تفعيل دور قاعدة التنازع ودور القاضي في هذا الصدد فأنه يجب ان يكون لقاعدة التنازع دوراً فعالاً في حماية المستهلك والطرف الضعيف في العقد بصفة عامة، والا يقتصر دورها على تحديد القانون الواجب التطبيق بطريقة ألية وبغض النظر عن النتائج التي ستترتب على تطبيق قانون معين وعما اذا كان هذا الأخير سيضمن حماية مناسبة للطرف الضعيف ام لا. واذا كان الهدف من وراء معايير الاسناد المختلفة هو التوصل في النهاية الى تطبيق القانون الأكثر صلاحية وحماية للعاقد الضعيف فيجب ان يتاح للقاضي فرصة البحث عن القانون الأكثر صلاحية للطرف الضعيف من بين القوانين التي ترتبط مع العقد برابطة وثيقة[36]. فهذا الاسناد يتسم بالبساطة والوضوح ويضمن تطبيق القانون الأكثر حماية كذلك فهو يغني عن اللجوء لبعض الوسائل التي تستخدم لعلاج قصور قاعدة الاسناد عن تحقيق الهدف الحمائي مثل الدفع بالنظام العام واعمال منهج القواعد ذات التطبيق الضروري[37].

ومن ناحية تطويع دور الارادة في اختبار القانون الواجب التطبيق لصالح المستهلك فقد رأينا ان ارادة الأطراف يمكن ان تؤدي دورا فعالا في مجال حماية الطرف الضعيف عندما تؤدي الى اختيار قانون أكثر صلاحية لهذا الأخير، وهنا يكون لسلطان الارادة دوراً هاماً في تحقيق حماية الطرف الضعيف. ويؤدي تدخل المشرع المتزايد (كما اشرنا سابقا) الى تكدس النصوص التشريعية التي قد تأتي على حساب الطرف الضعيف بتقييد حريته في الحكم على مصالحه. ولذلك فقد اضحت لازماً وبالنظر الى مصلحة العاقد الضعيف ترك حرية الاختبار لهذا العاقد اذا ادى الاختيار الى توفير حماية افضل له وعلى ذلك فأن الغاء دور مبدأ سلطان الارادة في اختيار القانون الواجب التطبيق قد يأتي على حساب مصلحة الطرف الضعيف في العقد على حين ان حماية خذا الأخير قد تبدو متوافقة مع مبدأ سلطان الارادة[38].

في حالة اختيار قانون افضل واصلح له ولا يوجد اي سبب يمكن معه تبرير حرمان الطرف الضعيف من الحماية التي يوفرها له القانون المختار بواسطة الأطراف والتي لا يجب اهدارها عن طريق اسناد اخر لا يوفر هذه الحماية. وانما يجب اعطاء الأولوية والأفضلية للأسناد الذي يؤدي الى توفير حماية مؤكدة للطرف الضعيف وذلك حتى ولو تم تحديد القانون الواجب التطبيق عن طريق اللجوء لمبدأ سلطان الارادة مع ما يحمله هذا المبدأ من خطورة على مصلحة الطرف الضعيف بصفة عامة والمستهلك بصفة خاصة، الا انه لا يجب ان يفترض دائما سوء النية في جانب الطرف القوي في العقد. فقد يكون القانون المختار محققا لمصلحة الطرفين وموفرا للحماية اللازمة للطرف الضعيف في أنٍ واحد وفي هذه الحالة لا يكون هناك خشية من جانب الطرف القوي على الطرف الضعيف في العقد. ومن ناحية ارساء دور الاسناد التمييزي في تطبيق القانون الأكثر صلاحية للعاقد الضعيف نقول انه يمكن التوصل الى تطبيق القانون الأكثر صلاحية للمستهلك عن طريق الاسناد التخييري وتشتمل قاعدة التنازع في هذا النوع من الاسناد على اكثر ضابطي اختيار وتشير الى اختصاص اكثر من قانون يمكن اختيار احدهما للتطبيق على محل النزاع[39]. ومن جانبنا فإننا نؤيد منهجية تجمع بين الاسلوبين وتقوم على مبدأ السماح للأفراد بحرية اختيار قانون العقد لأنه من عدم الصواب النظر دائماً الى المستهلك على انه قاصر في حاجة الى الرعاية لأن هذه النظرة من شأنها دفع المستهلك الى التكاسل وعدم الاحتراز في معاملاته، كما ان ذلك الاسلوب يتعارض مع الواقع اذ ان المستهلك في بعض الفروض تتوفر لديه الخبرة القانونية والفنية التي تجعله في غير حاجة الى الحماية ومن ثم يمكنه عن طريق التفاوض التوصل الى حلول افضل من تلك التي يوفرها له القانون. ويترتب على ذلك عدم جواز الحجر على حرية المستهلك في اختيار قانون العقد بصفة دائمة وفي جميع الفروض. وعلى ذلك فأننا نكون قد وضعنا في الاعتبار بالسماح للمتعاقدين بحرية اختيار محددة وموجهة وكذلك مراعاة قانون محل قامة المستهلك واعتبار ان الحماية المقررة فيه تمثل الحد الادنى الذي لا يجوز النزول عنه. وكذلك القاضي له الرخصة باختيار قانون اخر اذا كانت الحماية المقررة فيه افضل وذلك حتى لا يكون الاستعانة بضابط موضوعي محدد عقبة امام اختيار قانون اخر اكثر ملائمة للمستهلك. وبالنسبة لموقف التشريعات نذكر من التشريعات الوطنية التي ارست منهج الاسناد الى القانون الأكثر صلاحية للمستهلك المادة (41) من القانون الدولي الخاص النمساوي لعام 1978[40] والتي اوجبت في فقرتها الثانية استبعاد اختيار الاطراف للقانون الواجب التطبيق في العقود التي تبرم مع المستهلكين وذلك في حالة كون الاختيار ضارا بالمستهلك[41]. ويتضح من نص هذه المادة وجوب الابقاء على اختيار الاطراف للقانون الواجب التطبيق عندما يكون القانون المختار اصلح للمستهلك ويحقق له حماية افضل من الحماية التي يوفرها له قانون محل اقامته المعتادة وهذا الاخير يطبق بصورة اخرى في حالة عدم وجود اختيار من جانب الأطراف[42]. حيث لا يوجد في هذه الحالة مجال للمقارنة لاختيار القانون الاصلح للمستهلك.

اما بالنسبة لموقف اتفاقية روما لعام 1980م حيث نجد تطبيقا للأسناد للقانون الاكثر صلاحية للمستهلك في المادة الخامسة في فقرتها الثانية[43]. حيث تتضمن تخييرا بين القانون المختار بواسطة الأطراف وقانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك ويطبق القانون المختار بواسطة الاطراف عندما يكون أكثر صلاحية للمستهلك. فإذا وجد اختيار من جانب الأطراف لقانون معين فلا يمكن تطبيق هذا القانون عندما تكون نصوص قانون محل الاقامة المعتادة للمستهلك اكثر صلاحية وحماية لهذا الاخير. حيث تفرض المادة 5/ 2 تطبيق النصوص الأمرة في قانون محل الاقامة المعتادة في هذه الحالة[44]. وبالرغم من اهمية هذا الضابط في مجال حمية المستهلك الا انه تعرض للنقد من جانب الفقه وهو نقد لا يقلل مطلقاً من اهمية الاسناد للقانون الأكثر صلاحية للمستهلك ودوره في تحقيق حماية فعالة للمستهلك .

المبحث الثاني

حماية المستهلك باستخدام منهج النظام العام

والقواعد ذات التطبيق الضروري

بينا فيما سبق دور الارادة في تحديد القانون الواجب التطبيق وانتهينا الى تأكيد الدور الفعال لقانون محل اقامة المستهلك في تحقيق الحماية المطلوبة باعتباره ممثلا للحد الادنى لحماية المستهلك مع امكان تطبيق قانون أخر اكثر صلاحية وحماية للمستهلك من قانون محل اقامته المعتادة. غير ان اعمال هذا القانون قد يصطدم ببعض العقبات وهي فكرة النظام العام والمثال على ذلك في امكانية اطراف عقد المشاركة الزمنية في اختيار قانون اجنبي ولكن هنا يستبعد في ظل وجود فكرة النظام العام كأداة فعالة حمائية للمستهلك . وفي حال عدم اختيار الاطراف لقانون يحكم نزاعهم سيتم اللجوء الى قواعد أمرة حمائية على العقود المبرمة بواسطة مستهلكين أيا كان القانون واجب التطبيق على العقد من اجل مراعاة مصالح الدولة وكذلك تطبيق القانون الاكثر حماية للمستهلك تحديدا في عقد المشاركة الزمنية. عليه ومما تقدم نقسم مبحثنا هذا الى مطلبين فالمطلب الأول موانع تطبيق القانون الاجنبي اما المطلب الثاني تطبيق منهجية القواعد ذات التطبيق الضروري .

المطلب الاول: موانع تطبيق القانون الاجنبي

قد يكون القانون الاجنبي الواجب التطبيق على عقد المشاركة الزمنية متعارضا مع الأسس الاقتصادية والاجتماعية السائدة في دولة القاضي والخاصة بحماية بعض فئات المجتمع (كالمستهلكين) فيثور السؤال حول مدى تدخل النظام القانوني الحمائي في دولة القاضي الذي ينظر النزاع في مواجهة نتائج واثار تطبيق هذا القانون الاجنبي؟ سواء باعتباره دفعاً يؤدي الى التطبيق الاستثنائي لقانون القاضي أم باعتباره ضابطاً للأسناد لصالح قانون (موقع العقار) في محل عقد المشاركة الزمنية، ام باعتباره ضابطا للأسناد لصالح قانون القاضي وذلك من خلال فكرة النظام العام الاقتصادي، او ممكن ان يستبعد القانون الاجنبي نتيجة غش او تحايل من قبل الاطراف في التهرب من القواعد الامرة في الدولة . لذلك علينا تقسم المطلب الى فرعين الفرع الاول مخالفة القانون الاجنبي للنظام العام اما الفرع الثاني الغش نحو القانون .

الفرع الاول: مخالفة القانون الاجنبي للنظام العام

تعد فكرة النظام العام فكرة مرنة متغيرة بتغير الزمان والمكان ولم يضع المشرع العراقي  تعريفاً لها وترك المهمة لتحديد مضمونها للفقه والقضاء، كون النظام العام يلعب دوراً أساسياً في تشكيل النظام القانوني لكل دولة حيث يتواجد في داخله مجموعة من القواعد الاساسية التي يتعين تطبيقها على الأفراد بصورة أمرة، ومن الملاحظ ان فكرة النظام العام ليست فكرة ثابتة فهي تخضع للتطور السائد في الدولة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا فإن ما يعد متعلقا بالنظام العام في دولة ما قد لا يعد بالضرورة كذلك في دولة اخرى كما انه من الصحيح ايضا القول بأن ما يعد من النظام العام في وقت او زمن ما في الدولة قد لا يعد كذلك في وقت او زمن لاحق في ذات الدولة[45]. وتتميز القواعد المتعلقة بالنظام العام بأنه ليس في امكان الأفراد الاتفاق على ما يخالفها وذلك بالنظر الى الاهمية القصوى لأفراد تطبيقها داخل النظام القانون المرتبطة به.

على ان هذا المفهوم لقواعد المتعلقة بالنظام العام في نطاق العلاقات الداخلية البحتة لا يمكن اعماله في مجال العلاقات الخاصة الدولية فلا يمكن تمسك كل دولة بأن تطبق في مجال القانون الدولي الخاص القواعد الأمرة المطبقة في نطاق القانون الداخلي لأن من شأن خلق تعريض العلاقات الخاصة ذات الطابق الدولي للشلل او الضعف بصورة محسوسة نتيجة حرص كل دولة على تطبيق قواعدها[46]. الأمر الذي يقود الى احجام الأفراد والشركات من الانتقال الى الدول الأخرى خشية من تطبيق قواعد لا تتناسب مع تلك التي اعتادوا عليها من قبل وبالتالي فأن من شأن ذلك تقييد التجارة الدولية[47].

يستنتج مما تقدم ان فكرة النظام العام  تسعى الى تحقيق النتائج الاتية:

1- استبعاد القانون الاجنبي الأقل حماية للمستهلك: اذا كان القانون الاجنبي يتم استبعاده اذا تعارض مع المفاهيم الاساسية في دولة القاضي فأنه يستبعد ايضا عندما يتضمن حماية غير كافية للطرف الضعيف في عقد المشاركة الزمنية على اعتبار عدم وجود عدالة وهذا لا يمكن قبوله. فالدفع بالنظام العام لا يسمح فقط بأبطال نتائج الاختيار البارع المفروض بواسطة الطرف القوي ولكن ايضا يسمح لمحكمة الدولة بأن تأخذ بمستوى حماية تحكم به كحد ادنى[48].

2- تطبيق قانون القاضي الذي يوفر الحماية الفعالة للمستهلك: يؤدي اعمال الدفع بالنظام العام الى تطبيق قانون القاضي بل والتوسع في مجال تطبيق هذا القانون ويمكن ان يفرض النظام العام تطبيق القواعد الأمرة الحمائية للمستهلك في قانون القاضي فكأن هذا المنهج يعمل لصالح قانون القاضي ولا يؤدي لتطبيق القوانين الأجنبية الحمائية[49]. واذا قام القاضي باستبعاد تطبيق القانون الاجنبي على هذا النحو لتعارضه مع النظام العام فأن التساؤل يثور لماذا يتم تطبيق قانون القاضي ولا يتم تطبيق انسب القوانين او اكثرها ملائمة؟ .

وفقاً للاتجاه الغالب في التشريعات المعاصرة يقوم القاضي بتطبيق قانون دولته لسهولة الرجوع اليه من قبل القاضي وسهولة تفسيره على اعتبار ان قانون القاضي يتمتع باختصاص مساعد في التطبيق عندما لا يوجد قانون يطبق على النزاع ذو الطابع الدولي، الا ان هذا الأمر قد تعرض للانتقاد ذلك انه من المقرر ان قواعد تنازع القوانين تهدف الى اسناد الرابطة القانونية الى انسب القوانين لحكمها[50]. ويرى جانب من الفقه[51] ان تدخل النظام العام يؤدي الى حل حمائي للطرف الضعيف بتشجيع توظيف الاسناد لقانون معين اكثر حماية للطرف الضعيف بواسطة قاعدة التنازع ومن اجل التوصل الى هذه النتيجة يجب ان يتضمن قانون القاضي مبدأ النظام العام الحمائي للطرف الضعيف. فقد تشير قاعدة التنازع في دولة القاضي الى قانون اجنبي يوفر حماية فعالة للمقترض في عقد القرض او لطالب العلم في عقد التعليم بالمراسلة وفي هذه الحالة لا ينال تطبيق القانون الأجنبي من حماية المستهلك المقترض او طالب العلم ولا يتعارض مع النظام العام في دولة القاضي. اما اذا انتقص القانون الاجنبي من الحماية التي يضمنها قانون القاضي للمستهلك فيجب على القاضي ان يستبعده ويطبق قانونه. ومما تقدم وبالرغم من اهمية فكرة النظام العام ودورها في مجال حماية المستهلك الا انها تعرضت الى انتقادات وخاصة في دورها التقليدي كدفع يستبعد به القانون الاجنبي لصالح القاضي وذلك في امرين : اولها ان اعمال الدفع بالنظام العام قد يؤدي الى الاضرار بحماية المستهلك فلا يجب اعمال الدفع بالنظام العام الا اذا كان القانون الاجنبي لا يتضمن حماية غير كافية للطرف الضعيف ولذلك يجب البحث عن مضمون هذا القانون قبل استبعاده[52]. وثانيهما ان قانون القاضي ليس هو الافضل دائما لحماية المستهلك فاذا كان اعمال الدفع بالنظام العام قد يؤدي الى استبعاد القانون الاجنبي في حالة تعارضه مع المبادئ الاساسية في دولة القاضي وكذلك استبعاد القانون الاجنبي الذي لا يوفر الحماية الفعالة للمستهلك وتطبيق قانون القاضي الا ان القانون الاجنبي قد يتجاهل مسألة معينة في قانون القاضي ولكنه لا يخلو في الوقت ذاته من الحماية المنشودة في هذا القانون. فقد يفضل القانون الاجنبي على سبيل المثال مسألة السكوت التدليس ولكنه يعرف في نفس الوقت اساس التدليس وهنا فأن القانون الاجنبي لا يعد متناقضا مع الهدف الحمائي في قانون القاضي ويؤدي اعمال الدفع بالنظام العام في هذه الحالة الى مضاعفة فروض تدخل النظام العام وهو ما يعطل اعمال قاعدة التنازع[53]. ولغرض التخفيف من الأثار السلبية للدفع بالنظام العام لاسيما المتعلقة بهدر قاعدة الاسناد الوطنية في حالة اشارتها الى اختصاص قانون اجنبي او اختيار الاطراف لقانون معين، فقد اسهب الفقه في محاولاته لضبط وتقييد استخدام فكرة النظام العام في نطاق العلاقات الخاصة الدولية نظرا لخطورتها فهذه الفكرة كما يصفها الفقه «سلاح ذو حدين» يجب الاعتدال في استخدامه من قبل القاضي، فكما هي صمام الامان للمحافظة على الاسس والمبادئ الجوهرية في دولة القاضي فهي بالمقابل تطيح بالتوقعات المشروعة للأفراد واي اغراض في استخدامها يؤدي الى انهيار التنظيم القانوني للتنازع في الدولة[54].

الفرع الثاني: الغش نحو القانون

سبق ان بينا ان القانون الذي تخضع له العقود العقارية الواردة على الوحدات السكنية بنظام المشاركة الزمنية هو قانون موقع العقار ونظرا لخصوصية العقود الاخيرة على اعتبار انها تنصب على انتفاع قصير الامد، حيث تستغل تلك الوحدات لفترة اسبوع او بضعة اسابيع سنويا ولكون الخدمات التي يقدمها مالك المنشأة السياحية او مستغلها قد تفوق العنصر العقاري بالنسبة للوحدة السكنية فهذا يؤدي الى عدم ملائمة اختصاص قانون موقع العقار لحكم هذه العقود وكذلك ان اختصاص هذا القانون اخذ يتراجع في الفكر القانوني الحديث الذي يقرر قصر هذا الاختصاص على الاثر العيني ونقل الملكية فقط[55] .اما فيما يتعلق بتكوين واثار وانقضاء العقود العقارية فأنها تخضع لاختصاص قانون الارادة ولكن في حال قيام اطراف العقد اختيار قانون اجنبي بقصد الغش او التحايل على القانون سيكون مستبعدا كونه مبنيا على غش ومخالفا للنظام العام وتطبيقه سيشكل مساس بكيان الدولة التي يوجد فيها هذه الوحدات السكنية . فاذا قام الشخص بتغيير عنصر من عناصر الاسناد التي يتوقف عليها تحديد القانون واجب التطبيق وادى هذا الى تغيير القانون الواجب التطبيق عليه فأن التوصل الى تطبيق القانون واجب التطبيق في هذه الحالة يكون بطريق الغش والتحايل طالما ان لدى صاحب الشأن نية استبعاد قانون الدولة الذي كان سيطبق عليه اذا لم يلجأ الى الغش[56] .ولا يعد الدفع بالغش على هذا النحو مقصورا على القانون الدولي الخاص ففي جميع فروع القانون موجود ومن المقرر انه لا يمكن لمرتكب الغش الاستفادة من النتيجة المترتبة على الغش وذلك وفق القاعدة التي تقرر ان الغش يفسد كل شيء[57] .

وهناك فرض يثير تساؤل الفقه يتمثل حول العمل بالغش كمانع وهل يكون اذا وجه نحو قانون قاضي النزاع فقط ام يمكن ان يعمل به سواء كان موجه نحو قانون قاضي النزاع ام القانون الاجنبي؟ الاتجاه الراجح يذهب الى التوسيع من نطاق العمل بهذا المانع سواء كان الغش مرتكب اتجاه قانون القاضي ام قانون دولة اخرى ذلك لان قاضي النزاع لا يحمي فقط قوانينه من الغش انما هو مكلف بحماية كل قانون ترتكب في مواجهته حالة الغش، ويقوم هذا الاتجاه على مبرر وهو تحقيق التعاون الدولي بين الدول في المجال التشريعي والقضائي اضافة الى ان ذلك يضمن تحقيق العدالة ومحاربة الغش اينما كان لان الغش يفسد كل شيء وعدم تمكين مرتكب الغش للاستفادة منه ومحاربة التطبيق الانتقائي للقانون[58] . ويتعين علينا ان نحدد شروط اعمال الدفع بالغش والتحايل على القانون:

تغيير القانون واجب التطبيق نتيجة استخدام قواعد الاسناد : يعتبر تغيير القانون واجب التطبيق هو شرط او العنصر المادي للدفع بالتحايل ويتطلب هذا الشرط ان يكون تغيير قواعد التنازع بإرادة صاحب الشأن ولهذا اذا لم تكن لإرادة الشخص اي دخل في تغيير قاعدة التنازع فلا يمكن اعمال الدفع بالتحايل ولو افاد الشخص من جراء هذا التغيير الغير ارادي . فلو تصورنا مثلا ان شخصا ينوي للتهرب من تطبيق قانون الموطن المتواجد في انكلترا نقل موطنه الى الدولة التي يتمتع بجنسيتها ولتكن فرنسا، وقبل قيامه بنقل الموطن حدث تعديل تشريعي في قواعد الاسناد في الدولة ترتب عليه هجرها لمعيار الموطن باعتباره القانون الشخصي وتبنيها لمعيار الجنسية فان قيام صاحب الشأن بنقل موطنه بعد ذلك لا يمكن معه اعمال الدفع بالتحايل على الرغم من توافر نية الغش لديه[59] .

توافر نية استبعاد القواعد الامرة في القانون واجب التطبيق : ويعد هذا الشرط هو الشرط الرئيسي في مجال الدفع بالتحايل على القانون واذا كان الشرط السابق شرط مادي فأن الشرط الحالي يعد معنوي تكون العبرة فيه بالنية والقصد وليس بشيء مادي معين وهذا يستنتجه القاضي من خلال الظروف المحيطة بأطراف العلاقة [60] . كما ان مسألة تقدير الغش نحو القانون من عدمه هي مسألة متروكة لقاضي الموضوع تشترك في هذا مع مسألة تقدير مخالفة القانون الاجنبي للنظام العام في قانون القاضي[61] .

المطلب الثاني: طبيق منهج القواعد ذات التطبيق الضروري

اثارت نظرية القواعد ذات التطبيق الضروري في افقها جدلا فقهيا للوقوف على حقيقتها وضبطها ضبطا دقيقا الامر الذي جعل القاضي هنا مخيرا للاجتهاد لتحديد هكذا نوع من القواعد وبالطريقة التي يراها مناسبة ، وهذا ما زاد في غموضها واقرب مثال على ذلك موقف  المشرع العراقي حيث لم يكن موقفه واضحا بشأن تلك القواعد، الذي لا يؤكد رفض هذا المنهج ولا يشير الى امكانية تطبيقه، وهذا ما يدفع القاضي الى اعتماد منهج التنازع، مما دفع الفقه للبحث في مضمون تلك القواعد وابراز دورها الفعال في حسم منازعات عقود المشاركة الزمنية.

ولجلاء مضمون قواعد ذات التطبيق الضروري يتعين تسليط الضوء على الملامح الرئيسية لها من خلال بيان مفهومها، وكيفية اعمالها في منازعات عقد المشاركة الزمنية من خلال  الاستعانة بقاعدة اسناد خاصة لتطبيق تلك القواعد او انتفاء الحاجة لقاعدة الاسناد وهذا ما نستعرضه في  فرعين الفرع الاول مفهوم القواعد ذات التطبيق الضروري اما الفرع الثاني وسيلة اعمال القواعد ذات التطبيق الضروري .

الفرع الاول: مفهوم القواعد ذات التطبيق الضروري

يقصد بالقواعد ذات التطبيق الضروري مجموعة القواعد الموضوعية في الانظمة القانونية الوطنية بحيث يبلغ طابعها الامر يقتضي اعمالها على المسائل التي تدخل في مجال سريانها بصرف النظر عن نوع العلاقة سواء كانت ذات طابع وطني ام دولي [62].

كما عرفها الفقيه Franciscka’s بأنها القوانين التي تكون مراعاتها ضرورية من اجل حماية التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة ويتمثل المعيار المميز لها في فكرة التنظيم . فبهذا قد اعتمد معيارين اولهما معيار « غائي» ينطلق من الهدف والغاية التي ابتغاه المشرع من اصدار القاعدة القانونية والتي احتدم الجدل حول تحديد طبيعتها وكذلك نطاقها المكاني، والتي عادةً ما تتصل بمصلحة الجماعة ويكون المجتمع الوطني لدولة القاضي، عليه فالقواعد ذات التطبيق الضروري هي ما اتصلت بالمصلحة القومية التي تهم المجتمع بعمومه[63].

اما المعيار الاخر “المادي” حيث يتخذ من تنظيم الدولة مرتكزا له فمن خلال شكل القاعدة القانونية وصفتها باعتبارها متعلقة بتنظيم العلاقات المرتبطة بتنظيم الدولة والتي تمس المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فإذا كانت كذلك فإنها تعتبر من القواعد ذات التطبيق الضروري ومثالها القواعد المتعلقة بحماية القصر وعديمي الاهلية وقواعد التشريعات الجنائية والادارية وغيرها[64] . ان هذا التعريف تعرض الى الانتقاد سواء بالنظر الى طبيعة هذه القواعد او بالنظر للهدف من وراء تطبيقها، والحقيقة ان ما اعتمد عليه التعريف من معايير لم يكن بالأمر الجديد وانما قد تم استعمال تلك المعايير والقول بها من قبل وان لم يكتب لها النجاح والانتشار فالمعيار الغائي والذي اعتمد هدف القاعدة القانونية محددا له قد نادى به البعض للتفرقة بين القوانين المتعلقة بتحقيق الغاية الاجتماعية والقوانين التي تهدف  الى حماية المصلحة الفردية كما نادى البعض بتمييز القوانين السياسية وجعلها هي المحددة لمفهوم القانون العام وقوانين البوليس حيث انتقد هذا المعيار بأنه يتضمن خلطا بين القواعد ذات التطبيق الضروري وقواعد القانون العام ذلك ان اي قاعدة من قواعد القانون العام تهدف الى حماية التنظيم السياسي والاقتصادي للدولة[65] .

وهناك من يرى[66] القواعد ذات التطبيق الضروري بأنها قواعد داخلية تتسم بطابع الامر يفرض تطبيقها الضروري على المراكز التي تدخل عقلا في نطاق سريانها الذي يتطلبه مضمونها والاهداف التي تسعى ادراكها وسواء كانت هذه المراكز ذات طابع داخلي بحت او اتسمت بالصفة الدولية، فهي على هذا النحو تجلب الاختصاص الدولي للنظام القانوني الذي تنتمي اليه دون حاجة الى قواعد تنازع القوانين . كما عرفت المادة (3/ فق3) من اتفاقية روما 1980 والخاصة بالقانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية القواعد الامرة بأنها «القواعد التي لا يقوى قانون العقد الذي اختاره المتعاقدان على مخالفتها شريطة ان يكون العقد اكثر اتصالا بالدولة التي تنتمي اليها تلك القواعد” .

وبصدد تلك التعريفات نرى بأن القواعد ذات التطبيق الضروري هي مجموعة القواعد القانونية الواجبة التطبيق من قبل القاضي بصورة مباشرة على النزاع ذات العنصر الاجنبي المعروض امامه دون اللجوء الى قواعد الاسناد لتحديد القانون الواجب التطبيق وذلك رغبة المشرع بالحفاظ على النظام العام وحماية المصالح الحيوية للدولة وكذلك حماية الطرف الضعيف في العقود كونه مستهلكا . وبالنسبة لموقف التشريعات من هذا المنهج فالقانون الدولي الخاص السويسري نص في المادة (18) منه على « يجب مراعاة النصوص الامرة في القانون السويسري والتي تكون بالنظر الى هدفها الخاص واجبة التطبيق أيا كان القانون الذي يحدده القانون الحالي» ويتبين من هذا النص انه على القاضي المعروض عليه النزاع ان يطبق القواعد ذات التطبيق الضروري في قانونه الوطني أيا كان القانون الواجب التطبيق على العقد حيث تعتبر هذه القواعد جزءً لا يتجزأ من القانون الواجب التطبيق وتطبق القواعد المادية الداخلية من هذا القانون وفي مقدمتها القواعد الضرورية [67] .اما موقف المشرع العراقي من منهج القواعد ذات التطبيق الضروري غير واضح وهذا ما اشرنا اليه سابقا، ذلك ان القواعد التي تبناها القانون المدني العراقي لا تؤكد رفض هذا المنهج كما انها في الوقت نفسه لم تشر الى امكانية تطبيقه، وهذا ما يدفع القاضي الى اعتماد منهج التنازع وتحديد القانون المختص بموجب قواعد الاسناد التقليدية خاصة في عقد المشاركة الزمنية .

الفرع الثاني: وسيلة اعمال القواعد ذات التطبيق الضروري

تعد القواعد ذات التطبيق الضروري بأنها قواعد وطنية مباشرة  لا تدخل في تزاحم مع القوانين الاخرى، والسؤال الذي يتبادر لدينا هنا كيفية اعمال هذا المنهج امام القضاء الوطني والدولي؟ وبعبارة ادق ما هي الوسيلة الفنية  التي يتعين على القاضي الاستعانة بها لحل موضوع النزاع هل يستوجب توسط قاعدة اسناد ام لا، او ان القاضي يقوم بتطبيق القواعد الضرورية بشكل مباشر ولا يسعى الى البحث عن القانون الاكثر ملائمة ؟ هذا ما سنحاول الاجابة عليه من خلال استعراض اراء الفقه والقضاء  في فقرتين متتاليين ففي الفقرة الاولى سنبحث ضرورة وجود قاعدة اسناد خاصة اما الفقرة الثانية انعدام الحاجة الى قاعدة الاسناد .

اولا: ضرورة وجود قاعدة اسناد خاصة : يتجه البعض من الفقه الحديث وفي مقدمتهم الاستاذة الفرنسية F. Deby Gerard  القول بأن القواعد فورية التطبيق لا يمكن ان يعملها القاضي الوطني، اي يحدد حالات ونطاق اختصاصها من حيث المكان بغير الاستعانة بقاعدة اسناد، فإذا كان حل التنازع الدولي للقوانين يتم بتحديد القانون الواجب التطبيق من بين القوانين المتنازعة وذلك عن طريق اسناد العلاقة الى القانون الذي ترتبط به صلة جدية وثيقة، فأن اختصاص قواعد البوليس والامن الوطنية او القواعد ضرورية التطبيق لا يتم الا عن طريق تحديد ضابط الاسناد الذي يعمل لصالح قانون القاضي ويقرر له الاختصاص التشريعي[68] . فتقرير اختصاص القواعد ذات التطبيق الضروري في قانون القاضي يقتضي وجود قواعد اسناد خاصة[69] وهذه القواعد الخاصة تكون مزدوجة الجانب تعتمد على ضوابط اسناد مماثلة لتلك التي تقوم عليها قاعدة الاسناد العادية، وهذه الضوابط يمكن ان تكون اقليمية كمحل ابرام العقد او وجود المال في اقليم دولة معينة، او ضوابط شخصية كالجنسية الوطنية لأطراف النزاع فالأمر اذن لا يختلف عن ضوابط الاسناد المتعارف عليها في قاعدة الاسناد العادية[70] .

ووفقا للرأي المتقدم ان فكرة القواعد ذات التطبيق الضروري غير قادرة بذاتها على تحديد نطاق سريانها من حيث المكان وان ما يقال عنه بقواعد ذات التطبيق المباشر انما يشكل صورة من صور الاسناد[71] .فالنقطة الاساسية التي يستندون اليها  ان اعمال القواعد ذات التطبيق الضروري بموجب قاعدة اسناد خاصة يستوجب تفسير الاخيرة على انها قاعدة مزدوجة الجانب. الا ان الاتجاه السابق الذي يذهب الى ان تطبيق القواعد الضرورية يتم عن طريق قواعد اسناد خاصة مزدوجة يواجه العديد من الصعوبات، فمنها لا يمكن التعرف على قاعدة الاسناد الخاصة والضابط الذي تقوم عليه في جميع الحالات التي يخلو منها قانون القاضي من قواعد التطبيق المباشر، وتعليل ذلك واضح فالتعريف على قاعدة الاسناد الخاصة المزدوجة لا يتم الا بعد تكييف العلاقة القانونية فمثلا اذا تعلق النزاع بقواعد الرقابة على النقد توضحت لنا قاعدة الاسناد الخاصة التي تعطي الاختصاص للقانون الاقليمي والذي قد يكون قانون القاضي او قانون دولة اجنبية، فإذا  تعذر وجود مثل هذا الوصف تعذر اكتشاف قاعدة الاسناد الخاصة وتعذر الاعمال المزدوج لها[72] .

وكما هو الحال في شأن تطبيق قاعدة الاسناد العادية حينما تتخذ منذ البداية علاقة قانونية معينة تكون خاضعة للقانون الوطني فأنه يترك الباب مفتوحا لتطبيق القوانين الاجنبية بنفس الشروط، الا انه في اطار نظرية قواعد التطبيق المباشر يجري  الاهتمام قبل كل شيء بتطبيق القانون الوطني وتحديد نطاقه وفقا للمتطلبات الوطنية الخاصة الامر الذي يصعب معه تصور الازدواجية التي عرفناها بصدد نظرية قاعدة الاسناد[73] .

ولتفادي الانتقادات المتقدمة يذهب انصار قاعدة الاسناد الخاصة المزدوجة الى ضرورة عدم المبالغة في النتائج المترتبة على تطبيق هذه القاعدة فبإمكان القاضي الوطني ان لا يعمل على تطبيق قواعد التطبيق المباشر الاجنبية في الحالات التي لا تكون لها صلة مباشرة بالنزاع المعروض.

الا ان هذا التعديل لا يخفف من كم النقد الموجه لقاعدة الاسناد الخاصة المزدوجة ذلك لان الانطلاق من معايير موجودة في قانون القاضي لغرض تطبيق قواعد التطبيق الضروري الاجنبية يعني  في الواقع تقسيم لمجالات تطبيق القوانين لذلك يكون من المفارقة القول بعدم تطبيق قواعد الضرورية الاجنبية اذا انعقد لها الاختصاص[74] .

مما تقدم يتبين لنا ان قاعدة الاسناد الخاصة المفردة عاجزة عن تقديم حل في حال تزاحم القوانين وادعائها لنفسها الاختصاص، الامر الذي دفع الفقيه Wenglen [75] الذي يرى بهذا الصدد ان النزاع يمكن ان يرتبط بنظام قانوني معين تابع لدولة معينة الامر الذي يستلزم تطبيق هذا القانون بهدف تحقيق مصالح هذه الدولة، وليس فقط تحقيق رغبة المشرع الذي اصدره وانما بسبب وجود محكمة تلزم الخصوم بضرورة احترام رغبة المشرع هذه .

ثانيا : انعدام الحاجة الى قاعدة الاسناد: لما كانت القواعد الضرورية ذات التطبيق المباشر هي قواعد حددها المشرع صراحة في نطاق تطبيقها المكاني او ضمنا من خلال استخلاص ارادته من مضمون القاعدة والاهداف التي تسعى الى ادراكها، فهنا القاضي يتوجب عليه ان يكون مذعنا لإرادة مشرعه في هذا المجال دون ان تكون له سلطة تقديرية للتحقق من مدى وجود صلة ذاتية او عقلانية بين مضمون هذه القواعد واهدافها من ناحية وبين نطاق تطبيقها من ناحية اخرى[76]. ويكون ذلك التطبيق قبل ان يتطرق القاضي الى قواعد الاسناد في قانونه وتحديد القانون الواجب التطبيق[77] .وهذا ما نصت عليه عدد من تشريعات الدول للقانون الدولي الخاص[78] اضافة الى اتفاقية روما لعام 1980م بشأن القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية[79]. فهنا يقوم القاضي بتطبيق كل قاعدة امرة في قانونه متى كانت ذات تحديد مكاني وفي هذه الحالة يمكن للقاضي ان يأخذ بالتحديد التشريعي لنطاق تطبيق القاعدة القانونية كمعيار لتحديد هذه القواعد، فالغالب ان يحدد المشرع لهذه القوانين نطاقا مكانيا يقوم على معيار الاقامة او التوطن او محل تنفيذ العمل او محل اصدار السند، فهي معايير يثبت بمقتضاها الاختصاص لقانون القاضي وقواعده الامرة ذات التطبيق المباشر في نطاق اوسع[80]. ونجد هذا التحديد بصفةً خاصة بصدد التشريعات المتعلقة بالرقابة على النقد وتشريعات العمل والتأمينات الاقتصادية وتشريعات ضد الاحتكار والقوانين الخاصة بحماية المستهلك والقوانين المنظمة لعمليات البنوك[81].

ان اتساع مفهوم القواعد الامرة في قانون القاضي راجع ايضا الى عدم التزام الاخير بترشيح القانون الاكثر ملائمة وعدالة للنزاع المعروض امامه، وانما كان الاهتمام بتأكيد فاعلية القواعد الامرة وذلك من خلال تطبيقها بصورة مباشرة على المسائل التي تدخل في نطاق سريانها رغم خضوع الرابطة العقدية في مجموعها لقانون اجنبي متى كانت هذه القواعد ذات تحديد مكاني لنطاق تطبيقها اقليميا او متعلقة بالنظام العام[82] . ويترتب على اتساع مفهوم القواعد الامرة في قانون القاضي قياسا مع مثيلاتها في القوانين الاجنبية اختلاف القواعد الامرة من حيث درجة الالزامية بين مجرد قاعدة امرة ذات تطبيق مباشر وقاعدة امرة دولية تسري على العلاقات القانونية الداخلة في نطاق سريانها مهما كان القانون الواجب التطبيق او القاضي المرفوع امامه النزاع، فعندما يلتزم القاضي بتطبيق كافة القواعد الامرة ذات التطبيق المباشر في قانونه فهو مذعن لأوامر مشرعه فليس هناك ما يلزمه بتطبيق كافة هذه القواعد في القوانين الاجنبية سوى القواعد الامرة الدولية ذات الاهداف الاقتصادية والاجتماعية[83] .

وبناءً على ما تقدم فان قواعد ذات التطبيق الضروري تشكل منهجا مستقلا عن المنهاج الاخرى وهذا ما اشرنا اليه سابقا، وهذا يعني وفق الرأي المتقدم ان تطبيق قواعده لا يتم بناءً على قاعدة اسناد خاصة مزدوجة كانت او مفردة الجانب بل ان هذا التطبيق يتم بصورة مباشرة وتلقائية،

ختاما نحن نرى بأن الاصل في اعمال القواعد ذات التطبيق الضروري يكون بشكل مباشر ولا يوجد قانون ينافس هذه القواعد وهذا ما اشرنا اليه سابقا وذلك حتى قبل معرفة هل الامر يتعلق بنزاع ذات عنصر اجنبي ام وطني فالقواعد ضرورية التطبيق ترسم بذاتها نطاق اختصاصها وتطبيقها المكاني، فهي ليست بحاجة الى ان يتم تحديد هذا النطاق بواسطة قاعدة اسناد ذاتية او خاصة. ولكن من الممكن اللجوء لقواعد الاسناد استثناءً لتفعيل دورها في حال خلو النظام القانوني للدولة من الاشارة الى تطبيق القواعد ذات التطبيق الضروري بشكل مباشر واقرب مثال على ذلك ان المشرع العراقي في القانون المدني لم ينص صراحة على تطبيق القواعد ذات التطبيق الضروري او رفضها مما يدفع القاضي الى اعتماد منهج التنازع وتحديد القانون المختص بموجب قواعد الاسناد التقليدية.

الخاتمة

بعد ان انتهينا من بحثنا هذا الموسوم ( دور القواعد الحمائية في تحديد القانون الواجب التطبيق لعقد المشاركة الزمنية ) توصلنا الى عدد من النتائج والمقترحات نستعرضها تباعاً .

النتائج :

يعد عقد المشاركة الزمنية من العقود الدولية والذي يسمح بتداول الوحدات دولياً، من خلال الشركات الدولية المتخصصة في التبادل الدولي للإجازات واوقات الفراغ ويكون احد اطرافه مستهلكاً (المستفيد) الذي يستوجب الحماية  في مواجهة الطرف المهني .

تلعب الارادة دوراً هاماً في مختلف فروع القانون الدولي الخاص وهذا ما اهتم به الفقه الحديث في مجال تنازع القوانين ولكن قيدت تلك الارادة نوعاً ما في ظل وجود القواعد الحمائية تحديداً في عقد المشاركة الزمنية لعدم تكافؤ اطراف العلاقة اقتصادياً.

للقواعد الحمائية (الامرة) الدولية دور في حماية الطرف الضعيف اقتصادياً في نطاق القانون الدولي الخاص والذي يتم تطبيقها من قبل القاضي بصورة مباشرة، بصرف النظر عن القانون الذي تعينه قواعد الاسناد (مزدوجة الاثر) وهذه القواعد تزداد كلما تدخلت الدولة في تنظيم العلاقات الدولية الخاصة بتشريعات امرة لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف احكمها ، الا اذا اكان الاتفاق يصب في مصلحة المستهلك واختيار افضل وانسب القوانين لحمايته  في عقد المشاركة الزمنية .

ان التطبيق المباشر للقواعد الامرة في مجال العقد الدولي يغني عن العمل بنظرية الغش او التحايل على القانون في حال تعمد الطرف القوي اقتصادياً في وضع شروط ضمن العقد تمنع المستفيد في عقد المشاركة الزمنية من الاستفادة من ذلك القانون ، اضافة الى توفير الوقت والاقتصاد بالنفقات قياساً الى استخدام الدفع بالنظام العام لأجل استبعاد القانون الذي يتعارض مع الاسس الجهورية في قانون القاضي .

المقترحات :

نهيب بالمشرع العراقي بضرورة تنظيم عقد المشاركة الزمنية بتشريع مستقل عن القواعد العامة لأهميته وان يتضمن مبدأ حرية اختيار القانون الواجب التطبيق على ان لا يؤدي هذا القانون الى حرمان المستهلك من الحماية التي توفرها له القواعد الامرة في قانون محل اقامته لمسايرة مستجدات الحياة المعاصرة والانماط القانونية الحديثة، وتشديد الرقابة على الشركات العاملة في عقود اقتسام الوقت.

نوصي بضرورة فصل حلول التنازع التشريعي وكذلك القضائي عن القانون المدني العراقي، ليضمها تقنين مستقل يجمع بين دفتيه كافة مباحث القانون الدولي الخاص تحل محل الافكار الاقليمية ووجوب اسناد الالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية الى القانون الاوثق صلة بالرابطة المطروحة .

لا يمكن تشبيه القواعد ذات التطبيق المباشر بالقواعد الموضوعية في القانون الدولي الخاص التي تتعلق بحل المنازعات التجارية لذلك لا بد من تشريع هكذا قواعد حمائية.

 

[1]  f.pocar: la protection …. ,cours precite, p373.

 مشار اليه لدى د. خالد عبد الفتاح محمد، حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2009م، ص95.

[2]   د. احمد محمد الهواري، حماية العاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000م، ص91.

[3]    د. خالد عبد الفتاح محمد ، مرجع سابق، ص96.

[4]    د. عبد الحكيم مصطفى، حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997م، ص25.

[5]    د. خالد عبد الفتاح محمد ، مرجع سابق، ص96وما بعدها.

[6]    د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، المرجع السابق، ص104.

[7]    د. بدران شكيب عبد الرحمن، عقود المستهلك في القانون الدولي الخاص «دراسة مقارنة»، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الموصل، 2005م، ص180.

[8]     تنص هذه المادة في فقرتها الاولى» يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي وجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين اذا اتحدا موطنا فًذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد مالم يتفق المتعاقدان او تبين الظروف ان قانونا اخر يراد تطبيقه».

[9]     د. ابو العلا النمر، حماية المستهلك في العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي ، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998م ، ص29؛ د. خالد عبد الفتاح محمد خليل، المرجع السابق، ص107.

[10]    د. احمد عبد الكريم سلامة، علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع اصولا ومنهاجا، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، القاهرة،1996م، ص 1112 وما بعدها.

[11]    د. ابو العلا النمر، مرجع سابق، ص29؛ د. خالد عبد الفتاح محمد ، مرجع سابق، ص107.

[12]    د. نظام جبار طالب، تطور قواعد تنازع القوانين التقليدية “ دروس مستفادة من التحكيم التجاري الدولي»، بحث منشور في مجلة الكوفة، العدد 37، السنة 2018م، ص148.

[13]    د. خالد عبد الفتاح محمد ، المرجع السابق، ص108.

[14]    د. احمد محمد الهواري، حماية العاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص96.

[15]   هناك خلاف فقهي حول الاصل والاستثناء في الاولوية للتطبيق بين كلا المنهجين وسنشير الى هذه الآراء فيما بعد من بحثنا هذا .  

[16]    تنص المادة (25/فق2) على « قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي ابرمت بشأنه».

[17]     د. احمد عبد الكريم سلامة، القانون الدولي الخاص النوعي، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، القاهرة، ، ص175.

[18]     القانون الدولي الخاص الاسباني لعام 1974 فبعد ان نصت الفقرة الاولى من البند 5 من المادة (10) من القانون المدني على ان تخضع العقود الدولية للقانون الذي يختاره الاطراف اضافت الفقرة الثانية « يحكم العقود الواردة على اموال عقارية وعند انعدام الخضوع الصريح، قانون موقعها ...». فكأن هذا النص الاخير يقرر اعمال مبدأ قانون الارادة بشأن العقود العقارية، ولا يطبق قانون موقع العقار الا اذا انعدم اختيار المتعاقدين لقانون العقد. والقانون الدولي الخاص الالماني 1986 البند الاول من المادة (27) ايضا نفس المعنى. اشار اليهما د. خالد عبد الفتاح محمد ، مرجع سابق، ص116.

[19]   د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص108 وما بعدها.

[20]    د. ابو العلا النمر، مرجع سابق، ص29.

[21]    د. احمد محمد الهواري، مرجع سابق، ص96.

[22]    د. ابو العلا النمر، مرجع سابق، ص33.

[23]   د. ابو العلا النمر، مرجع سابق، ص103.

[24]    د. نظام جبار طالب، مرجع سابق، ص149.

[25]    تنطلق هذه النظرية من نقطة اساسية مفادها البحث في الطبيعة الخاصة بكل عقد من عقود التجارة الدولية لغرض اسناده لقانون الوسط الذي يباشر فيه وظيفته الاساسية دون ان يكون هناك عبء على القاضي في تحليل كافة ظروف التعاقد وملابساته. للمزيد حول هذه النظرية ينظر د. عصام الدين القصبي، النظام القانوني للعمليات المصرفية الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993م، ص92 وما بعدها.

[26]    د. احمد محمد الهواري، مرجع سابق، ص115.

[27]    د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص179 وما بعدها.

[28]    د. احمد عبد الكريم سلامة، علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع، مرجع سابق ، ص110.

[29]    د. طوني ميشال، التنظيم القانوني لشبكة الانترنت، الطبعة الاولى، مؤسسة ناشرون، لبنان، 2001م، ص249.

[30]    د. احمد محمد الهواري، مرجع سابق، ص103 وما بعدها.

[31]    ينظر نص المادة (17) من القانون المدني العراقي، والمادة (10) من القانون المدني المصري، للمزيد عن تفاصيل التكييف د. محمد سليمان الاحمد، اهمية الفرق بين التكييف القانوني والطبيعة القانونية في تحديد نطاق تطبيق القانون المختص، بحث منشور في مجلة الرافدين، كلية الحقوق، جامعة الموصل، السنة 9، مجلد 1، العدد العشرون، اذار 2004م، ص87.

[32]    د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص180.

[33]    د. ابو العلا النمر، مرجع سابق، ص40.

[34]    د. خالد عبد الفتاح محمد، المرجع السابق، ص182.

[35]    د. احمد محمد الهواري، مرجع سابق، ص95.

[36]    د. خالد عبد الفتاح، مرجع سابق، ص201.

[37]   د. احمد محمد الهواري، مرجع سابق، ص162.

[38]   د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص202.

[39]   د. احمد عبد الكريم سلامة، علم قاعدة التنازع، مرجع سابق، ص95.

[40]   نصوص هذا القانون منشورة في Rev.crit.1979,P174.

[41]   وقد جاء نص الفقرة القانونية من المادة 41 كالتالي:

“2. Dans  Ia me sure ou il seagit de Prescriptions imperatives de ce droitoun choix du droit applicable desvantagux pour le consommateur ne doit pas etre respect

[42]     د. عبد الحكيم مصطفى، مرجع سابق، ص28.

[43]    تنص المادة 5/ 2 على «لا يجوز ان يحرم اجتبار الأطراف للمستهلك من الحماية المقررة بالنصوص الامرة في قانون محل الاقامة المعتادة».

[44]   “Lartcl 5-2 impose donc Iapplication des dispositions imperatives du pays de la residence habituelle du consommatur, mais siles dis positions de laloi de residence du consommateur, om pouvait retnir ce choix, .t. murlel: La Portection du consommateur, Op.Cit, P.30.

[45]    د. اشرف وفا محمد، الوجيز في القانون الدولي الخاص، مركز جامعة القاهرة للطبع، القاهرة، 2018م، ص53.

[46]    د. عبد الله فاضل حامد، القواعد الأمرة وتطبيقاتها على العقد الدولي «دراسة مقارنة»، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2019م، ص109 وما بعدها.

[47]    د. اشرف وفا محمد، المرجع السابق، ص54.

[48]    د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص230 وما بعدها.

[49]    د. عبد الله فاضل حامد، مرجع سابق، ص110.

[50]   د. اشرف وفا محمد، مرجع سابق، ص56.

[51]   د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابقـ ص232.

[52]   د. اشرف وفا محمد، مرجع سابق، ص56.

[53]   د. خالد عبد الفتاح محمد، مرجع سابق، ص237 وما بعدها.

[54]   د. هشام علي صادق، دروس في القانون الدولي الخاص، الكتاب الثاني، تنازع القوانين، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2004م، ص196.

[55]   د. احمد عبد الكريم سلامة، القانون الدولي الخاص النوعي، مرجع سابق، ص176.

[56]   د. اشرف وفا محمد، مرجع سابق، ص60.

[57]   د. ابو العلا النمر، مرجع سابق، ص78.

[58]   د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي، القانون الدولي الخاص، دار السنهوري، بيروت، 2018م، ص364.

[59]    د. اشرف وفا محمد، مرجع سابق، ص61.

[60]    د. ممدوح عبد الكريم، مرجع سابق، ص 320.

[61]    د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، مرجع سابق، ص326.

[62]   د.هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، مرجع سابق، ص515.

[63]   د. احمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري ، مرجع سابق، ص171.

[64]    د. احمد قسمت الجداوي، مرجع سابق، ص10.

[65]   عبد الحميد عبد الله سعيد القرشي، مرجع سابق، ص30 وما بعدها .

[66]   د. هشام علي صادق ، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، مرجع سابق، ص 634.

[67]    د. اشرف وفا محمد، المبادئ العامة لتنازع القوانين، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004م، ص75.

[68]    د. احمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985م، ص92 وما بعدها.

[69]    سميت قواعد اسناد خاصة وذلك لغرض تمييزها عن قواعد الاسناد العادية. اذ تتعلق الاولى بتحديد نطاق قواعد التطبيق المباشر .

[70]    Toubia no. Op. cit . no229, p.232.

مشار اليه لدى صادق زغير محيسن، القواعد ذات التطبيق المباشر في القانون الدولي الخاص، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 1997م، ص41 وما بعدها .

[71]   د. عنايت عبد الحميد ثابت، مبتدأ القول في احكام فض تداخل مجالات انطباق القوانين في القانون اليمني، لا يوجد دار نشر، 1993م، ص343.

[72]    صادق زغير محيسن، مرجع السابق، ص42.

[73]    د. احمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، مرجع سابق، ص43.

[74]    صادق زغير محيسن، مرجع سابق، ص43 وما بعدها.

[75]    مشار اليه لدى صادق زغير محيسن، مرجع سابق، ص46.

[76]    د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، مرجع سابق، ص675.

[77]    د. احمد عبد الكريم سلامة، القانون الدولي الخاص النوعي ..، مرجع سابق، ص184.

[78]    نشير هنا الى نص المادة (34) من القانون الدولي الخاص الالماني الصادر 1986م والتي تنص» اعمال القانون المختص بمقتضى قواعد الاسناد التي قررها هذا القانون لا ينال مع ذلك من النصوص الامرة في القانون الالماني التي تحكم المركز محل النزاع بصرف النظر عن القانون الذي يحكم العقد». وكذلك القانون الدولي الخاص السويسري الصادر في 1987م في المادة (18) منه.

[79]    نصت المادة (7فق2) من الاتفاقية على « نصوص هذه الاتفاقية لا تنال من التطبيق القواعد الداخلية الامرة في قانون القاضي والتي تحكم المركز محل النزاع بصرف النظر عن القانون الواجب التطبيق على العقد».

[80]    د. احمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، مرجع سابق، ص51.

[81]    د. عبد الله فاضل حامد، مرجع سابق، ص165.

[82]    د. نادر محمد ابراهيم، مركز القواعد عبر الدولية امام التحكيم الاقتصادي الدولي، دار الفكر العربي، الاسكندرية، 2002م، ص492.

[83]    د. عبد الله فاضل حامد، مرجع سابق، ص155.