تاريخ الاستلام: 10/5/2024 تاريخ القبول: 14/6/2024 تاريخ النشر: 25 تموز 2024
حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
التكييف القانوني لجائحة كورونا باعتبارها قوة قاهرة أم حالة طارئة في القانون العراقي والمقارن
Legal adaptation of the Corona pandemic as a force majeure or an emergency in Iraqi and comparative law
م. م ساهر ناصر حسين العزاوي
كلية النخبة الجامعة- بغداد
أ. د سعيد يوسف سعيد البستاني
الجامعة الاسلامية – لبنان
Assistant Lecturer Saher Nasser Hussein Alazzawi
AL-NUKHBA University College
s.naser@alnukhba.edu.iq
PHD Saeed Yousef Saeed Al Bustani
Islamic University - Lebanon
iul@iul.edu.lb
المستخلص
لقد شكلت جائحة كورونا المستجد أزمة صحية عالمية غير مسبوقة، وامتدت آثار هذه الجائحة والتدابير الاحترازية لمواجهتها، لتطال عملية تنفيذ العقود بشكل عام وعملية تنفيذ العقود المدنية بشكل خاص، ويشكل القانون السلاح الأول والأقدر لمواجهة هذه الآثار، وذلك بتطبيق نظرية القوة القاهرة عندما يصبح تنفيذ العقد مستحيلا، أو بتطبيق نظرية الظروف الطارئة عندما يصبح تنفيذ العقد مرهقا لاطرف العقد، ولذلك قمنا بهذه الدراسة ببحث وتوضيح أهمية التكييف القانوني الدقيق والصحيح لهذه الجائحة وأثارها، سواء باعتبارها قوة قاهرة أو ظروف طارئة، خاصة أنه يوجد اختلاف في الآثار المترتبة على تطبيق كل من النظريتين.
تطرقنا في بحثنا هذا الى مفهوم الجائحة وتعريفها من الناحيتين البيولوجية والقانونية في الشريعة والقانون المقارن، لغرض معرفة التوصيف القانوني والشرعي للجائحة .
ولغرض معرفة هل ان جائحة كورنا تنطبق عليها نظرية القوة القاهرة قانونا ،كان لابد من تعريف القوة القاهرة وشروطها واثباتها والتمييز بينها وبين الظروف الطارئة ، ومدى انطباق شروط القوة القاهرة قانونا على جائحة كورونا .
واخيرا تم بحث نظرية الظروف الطارئة من خلال التعرف على مفهوم الظرف الطارئ وشروطه واساسه القانوني وموقف المشرع العراقي منه.
Abstract:
The emerging Corona pandemic has constituted an unprecedented global health crisis, and the effects of this pandemic and the precautionary measures to confront it have extended to the process of implementing contracts in general and the process of implementing civil contracts in particular, and the law constitutes the first and most capable weapon to confront these effects, by applying the theory of force majeure when the implementation of the contract becomes impossible, or by applying the theory of emergency circumstances when the implementation of the contract becomes burdensome for the contracting party, and therefore we have researched and clarified the importance of accurate and correct legal adaptation of this pandemic and its effects, whether as Force Majeure.
Keywords: Force Majeure , Legal adaptation, civil contracts, legal basis.
المقدمة:
لقد عانى العالم وحتى لحظة كتابة هذا البحث من تفشي فيروس كورونا (Covid19)، حيث أدى أنتشار هذا المرض بين البشر بشكل غير مسبوق الى إرباك في المشهد العالمي، لاسيما بعد ان انتشر بشكل كبير في معظم دول العالم، حيث كانت بداية ظهور الفيروس في جمهورية الصين الشعبية في نهاية 2019 ومن ثم أمتد لباقي دول العالم[1].
ان الارتفاع في معدلات الإصابة والوفيات حول العالم إضافة للتحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، وكذلك خوف الدول من زيادة انتشار الفيروس وخروجه عن السيطرة، كما حدث في إسبانيا وإيطاليا، كل ذلك ادى الى فرض معظم دول العالم إجراءاتها الوقائية، من هنا فقد رأينا أن بعض هذه الدول قد أعلنت حالة الطوارئ وفرضت من خلالها إغلاقاً شاملاً في محاولة للحد من تأثيرات الجائحة ومحاولة السيطرة على معدلات انتشار الفيروس.
وحيث ان العقود تسهم في تنظيم العلاقات بين البشر في شتى المجالات خصوصاً الاقتصادية منها، الامر الذي ادى الى وجود أنظمة متطورة في تبادل السلع والمنافع وتنمية الموارد، وتنقل الأفراد للعمل والعلاج والسياحة والدارسة وغيرها ،ورغم ذلك إلا أنه قد تقع حوادث استثنائية كالزلازل والفيضانات والحروب والأوبئة التي تعترض هذه العقود وتحول دون تنفيذها أو تجعل تنفيذها مرهقاً، ومن أبرز هذه الحوادث الاستثنائية ما عايشناه من انتشار فيروس كورونا حتى وصل حد الجائحة التي عمت الكرة الأرضية، وما نتج عنها من تأثير على أعمال ومصالح الأشخاص الطبيعية والمعنوية، مثل إغلاق الشركات والمطارات والحدود والموانئ، وتوقيف المواصلات وعدد من المهن والحرف.
وظل هذه الظروف الاستثنائية الضاغطة التي لا يمكن توقعها وكذلك لا يمكن دفعها اما ان تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وتسمى قوة قاهرة ، او ان يكون تنفيذ الالتزام ممكن لكنه مرهق وتسمى ظروف طارئة ، وكلا النظريتين تختلف في تأثيرهما على العقد وهذا يعني ان سلطة القاضي في مواجهة العقد تختلف بحسب تكييف الظرف الاستثنائي هل يمكن اعتباره ظروف طارئة ام قوة قاهرة.
أهمية البحث :
تتجلى أهمية البحث فيما يلي:
بيان التكييف القانوني لجائحة كورونا اما باعتبارها قوة قاهرة تجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلا ، او ظرفاً طارئاً يجعل من تنفيذ الالتزام أمراً مرهقا، حيث يتمكن القضاء المختص من إعادة التوازن لطرفي العقد من خلال مقارنة النصوص القانونية في القانون العراقي والمقارن .
مشكلة البحث :
نظرا لأهمية الالتزامات التعاقدية في العصر الحديث ، وفي ظل الخلاف حول اعتبار الجائحة التي ضربت العالم والناجمة فيروس كورونا قوة قاهرة او ظرف طارئ ، يثور تساؤل مركزي حول مدى تأثير جائحة كورونا على الالتزامات التعاقدية ، ومضمون سلطة القاضي في مواجهة ذلك ؟
أهدف البحث :
يتمثل هدف البحث بدراسة آثار جائحة كورونا على الالتزامات التعاقدية ، حيث ان الكثير من الأشخاص اصبحوا يدعون انهم غير قادرين على تنفيذ ما التزموا به .فلا بد من تسليط الضوء على ذلك في محاولة لبيان ان كل التزام عقدي يلزم ان لا يقاس على غيره تحقيقاً للعدالة .
خطة البحث :
قسُم هذا البحث الى ثلاث مباحث :
-المبحث الأول: يشمل مفهوم جائحة كورونا .
-المبحث الثاني :نظرية القوة القاهرة (تعريفها، شروطها واثباتها والتمييز بينها وبين الظروف الطارئة ومدى انطباق شروط القوة القاهرة على جائحة كورونا).
-المبحث الثالث: نظرية الظروف الطارئة (مفهوم الظرف الطارئ وشروط نظرية الظروف الطارئة واساس هذه النظرية وموقف المشرع العراقي والقانون المقارن منها، وأخيراً أحكام نظرية الظروف الطارئة).
المبحث الأول
مفهوم جائحة كورونا
مما لاشك فيه أن الفيروسات عموماً تؤدي إلى مشاكل صحية للإنسان، إلا أن بعضها يشكل خطراً أكبر على حياته وذلك نتيجة لانتشارها السريع، وهذا ما يترك آثار كبيرة على القطاعين الصحي والاقتصادي وذلك نتيجة للتدابير الوقائية التي تتخذها الدول في مواجهتها، ومن أبرز هذه الفيروسات وأخطرها فيروس كورونا المسبب لمرض(19-COVID) ، تم تقسيم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب، الاول منه تحديد المقصود بمطلق اصطلاح الجائحة ، والثاني دراسة الجائحة محل البحث بوصفها نوع من أنواع الكوارث الطبيعية ، اما المبحث الثالث فقد تناولنا فيه الشروط القانونية لاعتبار الجائحة.
المطلب الأول: تعريف الجائحة وشروطها
نتناول في هذا المطلب للتعريف بالجائحة ومن ثم نتناول شروطها في الفرعيين الآتيين:
الفرع الأول :تعريف الجائحة .
الجائحة لغة من (الجوح ) وهذا اللفظ يعني الاستئصال فيقال جاح الشيء إذا استأصله ، وجاحتهم واجتاحتهم إذا استأصلت أموالهم، وبذلك تفيد الجائحة معنى الشدة والنازلة العظيمة[2].
ونلاحظ في تراثنا الفقهي اطلاق عبارة الجائحة على كل آفة لا دور للإنسان في حدوثها كالريح والجفاف والجراد والاوبئة التي تصيب الثمار فتهلكها [3].
ولا يخفى التماثل في المفهوم بين تعبير الجائحة على الوصف المتقدم مع مفهوم الكارثة الطبيعية في الاصطلاح الحديث، وما يفيده هذا الاصطلاح الأخير من معنى النازلة العظيمة ،الناشئة عن أسباب طبيعية لا دخل للإنسان في حدوثها، فتؤدي إلى أضرار جسيمة في الأرواح او الممتلكات او كليهما [4].
وهذا يفسر لنا استخدام فقهاء القانون المدني لتعبير الآفة السماوية كمصداق لمفهوم القوة القاهرة التي من شانها قطع علاقة السببية بين الخطأ والضرر في مجال المسؤولية المدنية ،فنلاحظهم يشيرون في معرض بيانهم لذلك المفهوم بالأمثلة الواقعية من صور الكوارث الطبيعية كالأمطار والفيضانات والاوبئة والامراض.[5]
ويبدو ان هذا التوجه الفقهي قد القى بظلاله على الصياغة القانونية ،اذ استخدم المشرع المدني تعبير الآفة السماوية قاصدا بها المعنى المتمثل بكل قوة قاهرة لا تنسب الى فعل البشر[6].
أما منظمة الصحة العالمية بوصفها وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن تصدر الجهود الدولية وتعزيز التعاون بهدف تحسين الظروف الصحية في العالم [7]، لها مسلكها الخاص في استخدام المصطلحات، فتعبير الجائحة لديها له مدلول أكثر دقة يتعلق بنسبة انتشار مرض معين، إذ تستخدم هذه المنظمة تعبير الفاشية للدلالة على زيادة في عدد المصابين بمرض معين في منطقة جغرافية محددة أو مجتمع معين عن العدد المألوف والمتوقع ، بينما تطلق اصطلاح الوباء في حال تفشي ذلك المرض في منطقة جغرافية أكبر، قد تكون محصورة في دولة واحدة أو عدد قليل من الدول. أما إذا تفشى الوباء إلى عدة بلدان أو قارات كما هو شأن فيروس كورونا اليوم فإن المنظمة عندئذ تصف ذلك الوباء بانه اضحى جائحة[8].
ونلخص من كل ما تقدم ان الجائحة بالتعبير الدقيق هي آفة سماوية تتمثل بكارثة وباء تصيب عدداً من الدول او العالم كله .
الفرع الثاني : شروط الجائحة
بعد ان عرّفنا جائحة كورونا ،نجد ان من الضروري تحديد شروط اكتساب الحدث المفاجئ من مرض او غيره صفة جائحة ،بمعنى ما السبب الذي دفع منظمه الصحة العالمية الى اعتبار فيروس كورونا جائحة وصنفته كوباء عالمي؟ بالرغم من انها كانت تتردد في استخدامه في بدء ظهوره خوفاً من الذعر الذي يحدثه بين الجمهور عالميا [9].
للإجابة على هذا السؤال نجد أن رئيس منظمة الصحة العالمية (تيدروس اوهانوم غيبريسوس) قال: «ان المنظمة ستستخدم هذا المصطلح لسببين رئيسيين هما سرعة تفشي العدوى ،واتساع نطاقها والقلق الشديد إزاء قصور النهج الذي تتبعه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية للسيطرة على هذا التفشي للفايروس»[10] أي انه يشترط في الحدث حتى يكسب صفة الجائحة ما يلي :-
- عمومية الحدث سواء كان مرضا ام كارثة طبيعية .
- الانتشار الواسع وعدم اقتصاره على منطقة او بقعة معينه .
- تأثر الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالجائحة .
- عدم وجود حل سريع لمواجهة الحدث دون خسائر بشرية او مالية.
-عدم معرفة مدة بقاء الحدث المسبب للجائحة ، وهذا ما حصل فعلا في جائحة كورونا اذ لم يعلن انتهاء الوباء العالمي من قبل منظمة الصحة العالمية ووزا رة ا لصحة ا لعر ا قية.
المطلب الثاني: جائحة كورونا كارثة بيولوجية
ان الكارثة لغةً معنى النازلة العظيمة الشدة[11].
واصطلاحاً عرفت بأنها (ظاهرة بيئية مفاجئة بشدة الى حد الحاجة الى مساعدة خارجية).[12] وقيل انها حدث فجائي يتأثر به عدد كبير من الناس مسبباً خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والمصادر الطبيعية[13].
حاولت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة تعريف الأزمة الدولية أو الكارثة الدولية بالقول» إنها حدث فجائي يسفر عن خسائر واسعة الأنتشار في الأرواح ، أو يسفر عم معاناة والآم شديدة ........» [14].
اما قانوناً فقد عرفها المشرع العراقي بانها (الحدث الذي يهدد الموارد البشرية والمادية للمجتمع والذي تخرج إمكانية السيطرة عليه ومعالجة آثاره عن الموارد المتاحة في المحافظة او البلد )[15]. وفي نطاق القانون المقارن نجد ان المشرع الفرنسي يعرف الكارثة بأنها (اضرار مادية مباشرة يكون سببها القوة غير العادية لعامل من عوامل الطبيعة )[16].
ونلخص من كل ما تقدم الى أن لكارثة لغة واصطلاحاً ينصرف معناها إلى الحدث الاستثنائي الحدوث الذي يخلف خسائر جسيمة ذات طابع شمولي في التأثير على الصعيد الفردي والاجتماعي ولربما حتى السياسي.
وتنقسم الكوارث من حيث منشئها على فئتين ،الأولى كوارث جيوفيزيائية[17]،والثانية كوارث بيولوجية [18]. فتنطوي ضمن الفئة الأولى الكوارث الأرضية كالزلازل والبراكين ،والكوارث المائية كالأمواج البحرية التسونامي والانهيارات الثلجية ،والكوارث الجوية (كالأعاصير والعواصف الترابية..) .
اما الفئة الثانية فتنطوي ضمنها الامراض والاوبئة التي تصيب الانسان فتؤدي الى الوفاة او العلل والعاهات او التشوهات ،وكذلك تشمل الامراض التي تصيب الثروة الحيوانية التي قد تسري امراضها الى من حولها من البشر .كما يدخل ضمن نطاق هذه الفئة من الكوارث والاوبئة والآفات الزراعية التي تتلف النبات وتهلك المحاصيل او تؤدي الى ضعف نموها .
ومن هنا يظهر لنا انطواء وباء كورونا ضمن الكوارث البيولوجية ،فهي نتاج فيروس من سلالة الفيروسات التي تسبب الامراض للإنسان والحيوان ،وتتراوح حدة هذه الأمراض لدى البشر من نزلات البرد الشائعة الى الامراض الأشد وطأة كما هو الحال في كوفيد-١٩ المعدي والذي اضحى جائحة اثرت في مجمل بلدان العالم [19]. وتكمن أهمية تحديد جائحة كورونا، كارثة بيولوجية في تحديد الجهة المختصة بالكشف عن أسباب حدوث هذه الجائحة، والمكلفة باتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون انتشارها، والتخفيف من وطأة آثارها حال حدوثها.
في هذا الصدد نلاحظ أن المشرع العراقي قد حدد وزارة الصحة كجهة مسؤولة عن مكافحة الأمراض الانتقالية والأوبئة التي تصيب الإنسان فأناط بهذه الوزارة أمر السيطرة على تلك الأمراض والأوبئة وخصها بمراقبتها ومنع تسربها من خارج العراق إلى داخله أو من مكان إلى آخر، وأوكل إليها مهمة الحد من انتشارها في الأرض والمياه والأجواء العراقية [20].
وتفعيلاً لهذا الدور أصدر مجلس الوزراء نظام إجراءات الحجر الصحي الذي خول بموجبه الوزارة المذكورة ودوائرها المعنية باتخاذ (الإجراءات الوقائية المناسبة بشأن أية واسطة نقل تصل العراق للتأكد من خلوها ومحتوياتها من الأمراض الوبائية ومنع دخولها إليه)[21].
المطلب الثالث: موقف الفقه الإسلامي والقانوني من الجائحة
سنقسم هذا المطلب الى فرعين الأول موقف الفقه الإسلامي ،والفرع الثاني موقف الفقه القانوني .
الفرع الأول : موقف الفقه الإسلامي.
للجائحة تعريفات متعددة قال بها الفقهاء:
فقد عرفها الفقهاء الأحناف بأنها : «الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين احد مثل الريح والبرد ونحو ذلك « [22].
ومن فقهاء المالكية ( ابن قاسم ) عرفها بأنها :» ما لا يستطاع دفعه من امر سماوي كالبرد والثلج والغبار والسموم والجراد والفأر والنار ونحو ذلك «[23].
كذلك عرفها ابن عرفة من المالكية :»ما اتلف من معجوز عن دفعه عادة»[24].
وعند الحنابلة أنها: «كل آفة لا صنع للآدمي فيها « [25].
ولا تقع الجوائح تحت حصر ولذلك يحسن التعرض لبعض النصوص الفقهية الواردة في تلك المناسبة اذ بذلك تستطيع قدر الإمكان ان نحصر أنواع الجوائح .
فقد ورد في كتب الفقه ان «الجراد جائحة عند مالك وكذلك النار والبرد والمطر والطير الغالب تأتي فتأكل الثمرة والدود وعفن الثمار في رؤوس الشجر والسموم تصيب الثمرة والعطش من انقطاع الماء ..قال ابن قاسم ولو ان سارقا سرقها كانت جائحة وقال ابن نافع ليس السارق بجائحة وقال مالك في الجيش يأخذ ثمرة النخيل هو جائحة «[26] وورد ايضاً « ان الجائحة المعتبرة ان تكون سماوية لا صنع فيها لآدمي كالريح والمطر والبرد والجليد والصاعقة والحر وان اتلفه ادمي خير المشتري بين الفسخ او الامضاء ومطالبة المتلف «[27].
يتضح من النصوص السابقة ان الجائحة تشمل كل من النار والبرد والمطر والجراد والطير الغالب والدود وعفن الثمار الذي يحلل أنسجة الثمرة والريح والصاعقة والجليد والحر ..الخ . وإزاء هذا التعداد والتنوع للجائحة فلم تجتمع كلمة الفقهاء على ما يعد جائحة وما لا يعد كذلك ،اذ تفرقوا الى ثلاث مذاهب على النحو التالي :
المذهب الأول :
ذهب الاحناف والحنابلة الى قصر الجائحة على الامر السماوي فقط كالرياح والبرد[28]. وحجتهم فيما ذهبوا اليه هو قول الرسول( صلى الله عليه وسلم) :» أرأيت ان منع الله الثمرة « وقالوا إن المنع يرجع الى الله وليس الى فعل الانسان .
المذهب الثاني:
ذهب ابن القاسم في احد قوليه وبعض المالكية الى ان الجائحة تشمل النوازل السماوية وأفعال الادميين الغالبة اما افعالهم غير الغالبة كالسرقة فهي لا تعد جائحة لان من الممكن التحرز منها [29]. وحجتهم في ذلك ان أفعال الادميين الغالبة تشبه نوازل السماء لان كليهما عاجز عن دفعه ورده .
المذهب الثالث :
ذهب أبن القاسم في قول اخر وابن يونس من المالكية الى أن الجائحة تشمل كل ما يتلف الثمر سواء كان المتلف أمر سماوي أو بفعل آدمي طالما لم ترجع في مصدرها الى أي من المتعاقدين[30].
وحجتهم فيما ذهبوا اليه أن كان كل معجوز عن دفعه يصح وضع الجائحة فيه طالما لم ترجع في مصدرها الى أي من المتعاقدين يد في إحداثه.
الفرع الثاني : موقف الفقه القانوني.
الفقه القانوني بين أن هناك إحتمالين قانونيين للتعامل مع جائحة كورونا الأول أخذ بنظرية القوة القاهرة لتبرير التدابير والإجراءات المتخذة لمواجهة وباء فيروس كورونا باعتبار هذه الجائحة حدث غير متوقع ولا يد للإنسان فيه ،وتعفي من تنفيذ الالتزامات التعاقدية ويجوز معها فسخ العقد لاستحالة التنفيذ ،أما الاحتمال الثاني اعتبر هذا الظرف حالة طارئة كون ظهور الجائحة لاحقا على تكوين العقد وهي غير متوقعه الحصول اثناء التعاقد، ينجم عنها اختلال بين المنافع المتولدة عن العقد ، بحيث يصبح تنفيذ العقد مرهقاً وليس مستحيلاً .
المبحث الثاني
مفهوم القوة القاهرة
عملت الأزمات والظروف التي مر بها العالم بسبب جائحة كورونا على زيادة الاهتمام بموضوع القوة القاهرة التي تعتبر فكرة قديمة قانوناً، حيث تباينت آراء الفقهاء حول مفهومها ،كما أن معظم التشريعات قد نصت عليها لكنها لم تتطرق لوضع تعريف دقيق لها، الأمر الذي جعل تحديد مفهوماً موحداً لها امراً صعباً ،ونظراً لأثر القوة القاهرة الخطير على المجتمع يستوجب توفر شروط معينة حددتها التشريعات وكذلك الفقه والقضاء ،لوصف الحدث واكتسابه صفة القوة القاهرة ، عند تحقق هذه الشروط يمكن الدفع بالقوة القاهرة سواء في مجال الالتزامات التعاقدية والتي يعتبر العقد مصدر لها، حيث تتوقع الأطراف المتعاقدة أنه يتم تنفيذ عقدها على النحو الذي تفكر فيه عند إبرام العقد ،الا انه قد يتعذر على الشخص أن ينفذ الالتزام الواقع على عاتقه لأسباب خارجية لا يد له فيها مثل الحروب، الثورة ، الكوارث الطبيعية ، مما يؤدي الى إعفاء كلا الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما .
في نفس السياق تؤثر القوة القاهرة على الإجراء ،حيث لا يمكن توقعها أو دفعها مما يؤدي الى عرقلة سير الإجراءات في المواعيد المحددة لها ، والقوة القاهرة قد يختلط مفهومها مع بعض المصطلحات القانونية المشابهة لها ،مما يستوجب وضع معايير لتميز بينها وبين هذه المصطلحات .
تم تقسيم هذا المبحث الى مفهوم القوة القاهرة (مطلب اول) ،ثم الى مطلب ثاني تناولنا فيه شروط القوة القاهرة واثباتها والتمييز بينها وبين الظروف الطارئة
كما خصصنا المطلب الثالث الى مدى انطباق شروط القوة القاهرة على جائحة كورونا .
المطلب الأول: تعريف القوة القاهرة وإثباتها
تفيد دراسة نظرية القوة القاهرة في معرفة حدود التأثير الذي تُحدثه على قيام المسؤولية المدنية بُغية التوفيق بين مصالح الطرف المتسبب في الخطأ والطرف المتضرر ضحية هذا الخطأ، كذلك في توخي إنتاج أحكام وقرارات قضائية عادلة بين الأطراف المتخاصمة.
من هنا فقد تم التطرق بهذا المطلب الى تعريفات مختلفة للقوة القاهرة في كل من التشريع والفقه والقضاء وكيفية إثباتها وعلى النحو الآتي:-
الفرع الأول :التعريف التشريعي والفقهي للقوة القاهرة .
اولاً :التعريف التشريعي .
عرف المشرع الفرنسي القوة القاهرة في المادة 1148من القانون المدني :لا يكون هناك محل للتعويض والفوائد إذا منع المدين من الإعطاء اومن القيام بما هو مكلف بعمله ، او من عمل ما هو محظور عليه بفعل قوة قاهرة او حادث…»[31].
اما بالنسبة للمشرع العراقي فإنه لم يتطرق الى تعريف القوة القاهرة وإنما اعتبرها من ضمن صور السبب الأجنبي التي تمنع تنفيذ الالتزام حيث تُعرف بأنها «كل أمر يصدر عن حادث خارج إرادة المدين، لا تجوز نسبته إليه، من غير الممكن توقعه وغير الممكن دفعه، يجبر الشخص على الإخلال بالتزامه» [32] ، وكما نجد أن المشرع العراقي يستعمل مصطلح (لا يد للمدين فيه) في معرض الحديث عن السبب الأجنبي والقوة القاهرة إحدى صوره. إذ تنص المادة (168) من القانون المدني العراقي على إنه: (إذا استحال على الملتزم بالعقد أن ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه مالم يثبت إن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب اجنبي لا يد له فيه ).وكذلك تنص المادة (211) من القانون نفسه وفيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية على إنه( إذا ثبت الشخص ان الضرر نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه ).
وعرفه المشرع الجزائري تحدث عن القوة القاهرة في القانون المدني الجزائري المادة 127:»إذا أثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه كحادث فجائي أو قوة قاهرة أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص قانوني او اتفاق يخالف ذلك»[33]».
من خلال قراءة المادة 127من القانون المدني الجزائري نرى أن المشرع الجزائري لم يتناول تعريف القوة القاهرة وإنما ذكرها كسبب يعفي من المسؤولية ،كما نصت عليها في العديد من النصوص المتفرقة من القانون المدني الجزائري مثل المادة 138،168،307 واستعمل العديد من المصطلحات للتعبير عنها.
ثانياً: التعريف الفقهي .
عرفها الفقيه «Ulppien» بأنها «كل قوة لا يمكن مقاومتها «.[34]
كما جاء بعض الفقهاء بتعريفها على أنها :»كل فعل لا شأن للمدين فيه ولم يكن متوقعا ً بحيث يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً»[35].
وعرفها عميد فقهاء القانون «عبدالرزاق أحمد السنهوري «بأنها :”أمر غير متوقع الحصول وغير ممكن الدفع يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً دون أن يكون هناك خطأ في جانب المدين «.
اما الفقه الإداري المصري فعرف القوة القاهرة بأنها الحادث غير متوقع ،الذي لا يمكن دفعه والذي يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وعرفها آخرون بأنها «حادث مستقل عن إرادة الأطراف المتعاقدة وغير ممكن توقعه، وهو يحول بصورة مطلقة دون تنفيذ مجموعة الالتزامات العقدية او احد هذه الالتزامات[36]، وهذا التعريف متفق عليه بين فقهاء القانون الإداري .
وبالنسبة للفقه العراقي فقد عرفها البعض بأنها « الأمر الأجنبي عن الدائن والمدين والغير كالحروب بما ينجم عنها من احداث مادية وازمات اقتصادية او صدور تشريع او أمر اجنبي واجب التنفيذ أو وقوع زلازل او حريق او فيضانات او انتشار وباء»[37].
الفرع الثاني : التعريف القضائي.
عرف القضاء الفرنسي القوة القاهرة بأنها: (ذلك الحادث الأجنبي الذي يعفي المدين من تنفيذ التزاماته شريطة ان يكون غير متوقع ولا يمكن مقاومته )[38].
وبالنسبة الى دور القضاء في تعريف القوة القاهرة ، نجد اغلب الاحكام الصادرة لم تتطرق لتعريف القوة القاهرة بقدر ما تركز في احكامها على ترتيب اثارها الا في نطاق ضيق، فنجد القضاء العراقي تناول موضوع القوة القاهرة في احكام عدة لكنه لم يتطرق الى تعريفها في اغلب احكامه ، وترتب على وقوعها اعفاء المدعى عليه من المسؤولية ، فنجد في قرار لمحكمة التمييز في حكم لها من عدم اعتبار هطول الامطار رغم غزارتها قوة قاهرة لان الامطار حتى وان كانت غير متوقعة الا انه ممكنة الدفع وذلك بمعالجة تصريفها بواسطة انابيب التصريف بالقيام بتنظيفها ولكن شاغل الدار لم يفعل ، مما ادى الى تلف الجدران فاحدث ضرراً للمؤجر ، نرى من خلال هذه القرارات القضائية ان القضاء العراقي لم يقم بتعريف القوة القاهرة ، وانما اعتبرها سبباً يعفي المدين من المسؤولية وبالتالي من التعويض اذا ما توافرت فيها شروط القوة القاهرة على اعتبارها امر خارجي عن المدين وغير ممكن التوقع والدفع وان تكون هنالك علاقة سببية بين وقوع القوة القاهرة والضرر.
اما بخصوص القضاء الجزائري مجد أنه قد عرف القوة القاهرة من خلال القرار الصادر عن المحكمة العليا 1990والذي جاء فيه ما يلي : «حيث ان التعريف القانوني للقوة القاهرة هي أنها حدث تسبب فيه قوة تفوق قوة الانسان ،حيث لا يستطيع هذا الأخير أن يتجنبها او أن يتحكم فيها ،كما تتميز القوة القاهرة أيضا بطابع عدم قدرة الأنسان على توقعها».
الفرع الثالث: إثبات القوة القاهرة .
حتى يستفيد المدين من أحكام القوة القاهرة عليه اولاً إثباتها ،وعليه فإن المدين الذي تعذر عليه تنفيذ ما التزم به في العقد الذي يربطه بالدائن يمكنه ان يتخلص من ذلك التنفيذ نهائيا بل من المسؤولية المدنية كذلك لكن شرط ان يثبت ان المانع كان عبارة عن قوة قاهرة بمختلف الوسائل المتاحة[39].
ويترتب على هذا انه لا يمكن للقاضي بعد إثبات المدين لصورة من صور القوة القاهرة وبعد تحققه من شروطها ان ينفيها واذا ما عمد القاضي الى عكس ذلك فإنه يعرض حكمه لنقض لان هذه الحالة تدخل في اطار التكييف التشريعي للوقائع ،أي ان المشرع هو الذي اصبغ عليها صفة القوة القاهرة اذ يبقى من حق المدين ان يثبت كل واقعة جديدة تمثل بالنسبة اليه قوة قاهرة طبقا للقاعدة العامة في مجال الإثبات التي تقضي بأن البينة على المدعي[40].
المطلب الثاني: شروط القوة القاهرة والتمييز بينها وبين الظروف الطارئة
بعد الانتهاء من عرض المفاهيم السابقة للقوة القاهرة ، هناك شروط يجب أن تتوافر في الحدث حتى يكسب وصف القوة القاهرة وهي عبارة عن ثلاث شروط نبينها من خلال هذا المطلب والذي تطرقنا فيه الى التمييز بين القوة القاهرة والظرف الطارئ .
الفرع الأول : شروط القوة القاهرة.
لقد أختلف الفقه في تحديد الشروط اللازمة لاعتبار الحدث قوة قاهرة ، لكن نتناول ابرز ما اتفق عليه الفقه من شروط وهي :
اولاً: عدم إمكان التوقع او حدث غير مرتقب .
يجب أن تكون القوة القاهرة غير ممكنة التوقع ،وعدم إمكان التوقع لا يتصور أصلا إلا بالنسبة للحوادث التي لم يسبق وقوعها ، ولكن إذا أخذنا عدم امكان التوقع بهذا المعنى لخرجت حوادث كثيرة من دائرة القوة القاهرة كالزلازل والحروب ..الخ [41].
وعدم إمكانية التوقع يعني ان لا يكون المتعاقد قد تصور إمكانية حدوثها عند إبرام العقد ، فالصفة الملازمة للقوة القاهرة آنها غير مقدرة الوقوع اذ ان توقع الحدث او عدم توقعه يمثل الفاصل بين قدرة المتعاقد على تحاشي وقوع الحدث من خلال الاستعداد السابق لمواجهته اذا كان يتوقعه ،او عدم قدرة المتعاقد على ذلك متى لم يكن ذلك ممكنا بالنسبة اليه توقع الحدث .فالحرب والثورة والاضراب والحريق وغارات الجراد وانفجار الآلات يجب ان تكون غير متوقعة اما في غير تلك الأحوال فيقع عبء اثبات توافر هذا الشرط على المدين الذي يدفع مسؤوليته عن عدم التنفيذ بان احد الحوادث المذكورة قد حال دون قيامه بتنفيذ التزامه [42].
فشرط استقلال الحدث عن إرادة المدين وشرط عدم توقع الحدث وعدم إمكانية دفعه قد يتم تقديمها بأكثر من معيار وبطرق شتى .وقد يختلف معيار هذا التقدير من متعاقد الى اخر لذلك يكون من البديهي ان ينشب خلاف بين الأطراف حول مدى توافر هذه الشروط مجتمعة في الحدث .ويقع عندئذ على عاتق المحكمة او المحكم عبء فض النزاع بين الأطراف حول هذه الإشكالية [43].
ثانياً :ان يكون الحادث خارجاً عن إرادة المتعاقدين
ويقصد به ان يكون الحدث خارجاً عن إرادة المدين ،فلا يتسبب في حدوثه ولا يسبقه او يقترن به خطأ المدين ،ولا ينجم عن إهماله وتقصيره يفترض الا تكون من عمل الإدارة [44]. فإذا كان مرجعها الى فعل الإدارة فينبغي بطبيعة الحال التزام الإدارة بالتعويض ويجب ايضاً الا يكون للمتعاقد يد في احداث تلك الصعوبات. وان يثبت انه لم يكن في وسعه توقي آثار تلك الصعوبات بما بين يديه من وسائل.
ويبدو مما تقدم ان هناك تعارض واضح بين فكرة إهمال المدين وفكرة القوة القاهرة حيث لا يمكن الجمع بينهما ، فلا وجود للقوة القاهرة مع وجود إهمال ينسب لإدارة ،إذ ان تحقق الإهمال في جانب الإدارة يهدم شرط استقلال الحدث عن إرادة المدين .ورغم ما تقدم فان هناك بعض الحالات تنشأ من اتفاق الأطراف وتغطي فيها القوة القاهرة بعض الاحداث التي لا تبتعد كثيرا عن إرادة المدين في حدوثها. كما لو اتفق الأطراف على ان يعفى احدهما من التعويض اذا تعذر عليه تنفيذ التزامه بسبب الاضراب .ففي مثل هذه الحالة يفسر القضاء مثل هذه الاتفاقات للإعفاء من المسؤولية على نحو ضيق بحيث تحقق اقل فائدة للمدين المهمل وبالتالي لا يتوسع في تفسيرها كما لا يمكن القياس عليها[45].
ويجب أخيرا ان يثبت ان المتعاقد لم يخرج عن شروط العقد اثناء قيامه بتنفيذ التزامه[46] ، مثل ذلك ان تخل صحيفة بالتزامها من نشر اعلان تعاقدت على نشره، ويكون السبب في إخلالها بالالتزام قوة قاهرة هو حكم بوقف الصحيفة ،ولكن تبين ان الوقف كان مبنيًا على مخالفة الصحيفة للقانون فالقوة القاهرة هنا سبقها خطأ المدين فلا تعفيه من المسؤولية . كذلك إذا اعذر المدين ،ثم هلك الشيء في يده بقوة قاهرة فإنه يكون مسؤول عن الهلاك لان الخطأ في جانبه قد سبق القوة القاهرة ،إذ تأخر عن التسليم وثبت هذا التأخير بالإعذار [47] .
ثالثاً :استحالة الدفع ( عدم إمكانية تلافي الحدث)
لا يكفي عدم امكان توقع حصول الامر ،بل يجب ايضاً اذا حصل الا يكون بالإمكان دفعه ،أي مستحيل الدفع .اما اذا امكن دفع الحادث حتى ولو استحال توقعه لم يكن قوة قاهرة ،كما يجب ان تجعل تنفيذ العقد مستحيلا [48] .ويعد هذا الشرط في الواقع شرطا بديهيا تقضيه طبيعة الفكرة التي تقوم عليها القوة القاهرة .لذلك لم يدرج المشرع صراحة في تشريعات معظم الدول هذا الشرط ضمن مقومات القوة القاهرة. فالقانون المدني العراقي لم يشر بعبارة صريحة الى شرط عدم القدرة على الدفع .وكذا موقف العديد من التشريعات العربية والأجنبية [49] .
ومن الملاحظ ان هذا الشرط يميز نظرية القوة القاهرة عن نظرية الظروف الطارئة ،فالقوة القاهرة تعفي المتعاقد من متابعة التنفيذ لاستحالة التنفيذ اما نظرية الظروف الطارئة فإن المتعاقد ملزم بمتابعة التنفيذ رغم الصعوبات التي تعترضه[50].
نستنتج مما تقدم ، أن الاستحالة التي تنجم عن القوة القاهرة وتؤدي الى إنتفاء مسؤولية المدين هي الاستحالة المطلقة سواء كانت مادية او قانونية .الا ان الكثير من النظم القانونية لا تستعمل مصطلح الاستحالة المطلقة وتكتفي باستعمال مصطلح استحالة التنفيذ ،من ذلك القانون المدني العراقي حيث نصت المادة 168(اذا استحال على الملتزم بالعقد ان ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب اجنبي لا يد له فيه، وكذلك يكون الحكم اذا تأخر الملتزم في تنفيذ التزامه). كذلك تنص المادة 425 على ( ينقضي الالتزام اذا اثبت المدين ان الوفاء به اصبح مستحيلا لسبب اجنبي لا يد له فيه). فالمشرع العراقي في النصوص المتقدمة استعمل مصطلح استحالة التنفيذ الذي لا يدل الا على الاستحالة المطلقة .فالمصطلحان مترادفان لا تمييز بينهما .
الفرع الثاني :التمييز بين القوة القاهرة والظروف الطارئة
تصعب التفرقة بين النظريتين لان معظم شروطهما واحدة ،فكلاهما حادث عام غير متوقع لا يستطيع دفعه ، غير ان الفرق يكمن في النقاط التالية :
أولا: اختلاف النظريتين من خلال تأثير الحادث على تنفيذ الالتزام .
تكتفي نظرية الظروف الطارئة بالإرهاق بتنفيذ الالتزام ،في حين تتطلب نظرية القوة القاهرة ان يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة .
حيث تنص المادة( 146/1) على انه» اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي، وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان تنقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك».
ثانياً: اختلاف النظريتين من حيث الحكم الذي يقرره القاضي .
ففي نظرية الظروف الطارئة يتم توزيع عبء الظروف الطارئة بين المدين والدائن، حيث يرد الالتزام عن الحد المعقول ،اما بخصوص نظرية القوة القاهرة فهنا يتحمل الدائن كل العبء إذ تؤدي الى انقضاء التزام المدين وعدم تحمله العبء لعدم تنفيذ التزامه بحيث يكون الفسخ للعقد لاستحالة التنفيذ العقدي.
ثالثاً اختلاف النظريتين من خلال مدى ارتباطهما بالنظام العام .
من حيث أحكام الظروف الطارئة من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ،في حين في نظرية القوة القاهرة أجاز المشرع الاتفاق مسبقا على تحمل المدين لتبعتها .
المطلب الثالث: مدى انطباق شروط القوة القاهرة على جائحة كورونا
لقد عرف العالم العديد من الأوبئة والآفات الصحية التي انعكست سلبا على التعاقدات والتعاملات التجارية والاقتصادية، ومثال ذلك وباء SRAS و EBOLA، ما يثير وبإلحاح اليوم التساؤل حول أثر جائحة كورونا على الالتزامات التعاقدية التي نتجت قبل ظهوره وتفشيه .
ان ما يزيد من أهمية هذا التساؤل هو دفع العديد من المتعاملين الاقتصاديين اليوم في مختلف دول العالم بوجود حالة قوة قاهرة تمنعهم من الوفاء بالتزاماتهم، وظهور العديد من الآراء [51] ، التي تقول بتكييف جائحة كورونا على أنها إحدى حالات القوة القاهرة . كل ذلك يدفعنا لتحديد الآثار القانونية لهذه الجائحة على الالتزامات التعاقدية .
أثر فيروس كورونا على الالتزامات التعاقدية في عقود القانون الخاص .
لقد أكدت هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية أنها ستمنح شهادات القوة القاهرة للشركات الدولية التي تكافح من اجل التأقلم مع تأثيرات عدوى فيروس كورونا خاصة الشركات التي ستستطيع تقديم مستندات موثوقة لإثبات التأخير او تعطل وسائل المواصلات وعقود التصدير وإعلانات الجمارك وغيرها [52].
ان القانون المدني العراقي النافذ في المادة (211) منه نصت على الاتي « إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كافة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة او فعل الغير او خطا المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك». واعتبرت محكمة التمييز الاتحادية انتشار فايروس كورونا قوة قاهرة اذ اصدرت الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية قرارها المرقم 14/الهيئة العامة / 2020 المتضمن : (...ومن مصاديق القوة القاهرة انتشار وتفشي وباء فايروس كورونا في جميع العالم ومنها العراق ان كل ذلك قد إقترن ذلك بعدم وجود لقاح او دواء مخصص له مما احدث حالة من الرعب والخوف والهلع وقد حتم ذلك على دول العالم ومنها العراق اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية للحد من انتشاره وواحدة من هذه التدابير فرض الحظر الشامل حيث يعتبر فرض الحظر الشامل وما نتج عنه من ايقاف الدوام الرسمي في العالم نتيجة انتشار فايروس كورونا قوة قاهرة ومن الاثار التي ترتبت عليها وقف المدد القانونية ومنها مدة الطعن في الاحكام والقرارات ومنها الطعن التمييزي).
بالرجوع الى القانون المدني الجزائري نجد المادة 121تنص على انه «في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه ،انقضت معه الالتزامات المقابلة له ويفسخ العقد بقوة القانون «. يتضح لنا من خلال هذه المادة ان شرط استحالة التنفيذ هو شرط جوهري لفسخ العقد بقوة القانون، ولو ان هذه المادة لم تحدد الشرطين الاخرين للقوة القاهرة والمتمثلان في الخروج عن إرادة المتعاقدين وعدم التوقع، الا ان ذلك لا يمنع من اشتراطهما باعتبارهما من المبادئ العامة للقانون المعمول بها في هذا الشأن.
وبإسقاط هذا الحكم على جائحة كورونا نجد انها حدث خارج عن إرادة المتعاقدين، كونها وباء صحي لا دخل لاحد في حدوثه ،كما انها حادث غير متوقع كونها ظهرت بشكل فجائي في أوائل سنة 2020 دون إمكانية توقع حدوثها من طرف أي من المتعاقدين ،بشرط نشوء الالتزام التعاقدي قبل ظهور هذا الوباء. كما انها حادث يستحيل دفعه بحيث انها وباء خفي لا علاج له لحد الان . تبعا لذلك الاسقاط فإن البعض يظن ان جائحة كورونا تعتبر حالة من حالات القوة القاهرة التي تؤدي لفسخ العقود بقوة القانون. لكننا لا نأخذ بهذا الطرح على عمومه ،فرغم ان كل شروط القوة القاهرة تنطبق على جائحة كورونا الا ان الاختلاف يكمن في أثر هذه الجائحة على الالتزام التعاقدي ،او بمعنى اخر هل تجعل هذه الجائحة الالتزام مستحيلا ام لا ؟
إن الإجابة على هذا التساؤل لا تكون بشكل جامع لكل الالتزامات التعاقدية ، بل لا بد من دراسة اثر فيروس كورونا على كل حالة على حدة ،وهي المهمة التي تناط بالقاضي المدني اذا ما عرض عليه أي نزاع في هذا الشأن. ويظهر تفاوت اثار فيروس كورونا على الالتزامات التعاقدية من مجال لآخر واضحا في الحياة العلمية .كما ان اثر هذا الفيروس على بعض الالتزامات التعاقدية لم يكن في جعلها مستحيلة بل جعلها فقط صعبة التنفيذ، كدور شركات النظافة التي أصبحت تنفذ التزاماتها ولكن بنفقات واتعاب إضافية توقيا من هذا الفيروس ،ففي هذه الحالة لا مجال لأعمال نظرية القوة القاهرة لان الالتزام لم يعد مستحيلا بل تطبق نظرية الظروف الطارئة .
وخلاصة القول ان جائحة كورونا لا تعتبر من تطبيقات القوة القاهرة الا اذا أدت لاستحالة تنفيذ العقد وهي حالة نسبية تختلف من التزام تعاقدي لآخر ، وتترك لتقدير قضاة الموضوع تصديا لكل نزاع قد يطرأ في هذا المجال.
المبحث الثالث
نظرية الظروف الطارئة
تعتبر نظرية الظروف الطارئة استثناء على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين وقد مرت النظرية بتطور تاريخي حتى وصلت الى ما وصلت اليه الان من نظرية متكاملة البناء وعامة التطبيق على الرغم من ان هناك اتجاها في القانون المدني يرفض وبشدة الاخذ بهذه النظرية وينبغي لتطبيق النظرية توافر عدة شروط منها ما يتعلق بالعقود التي يجوز تطبيقها عليها حيث كان هناك اختلاف حول كل من العقود الاحتمالية المحددة الزمنية والفورية وهناك شروط اخرى تتعلق بالظرف الذي يؤدي الى تطبيقها فينبغي ان يكون استثناءً عاما ليس في الامكان توقعه او دفعه واخيرا ان يحصل الالتزام مرهقا. ونتناول في هذا المبحث ما هو المقصود بنظرية الظروف الطارئة بالوقوف على تحديد مفهوم الظروف الطارئ من حيث الأصل اللغوي للعبارة والاصل الاصطلاحي لها وموقف القضاء العراقي لذا سنتناول الأساس القانوني في المطلب الأول ،وموقف القضاء في المطلب الثاني ومن ثم احكام نظرية الظروف الطارئة في مطلب ثالث .
المطلب الأول: مفهوم نظرية الظروف الطارئة وشروطها
تطرقنا في هذا المطلب الى ما المقصود بنظرية الظروف الطارئة بالوقوف على تحديد مفهوم الظرف الطارئ من حيث الاصل اللغوي لها والاصل الاصطلاحي ايضاً ،ومن ثم تناولنا مضمون هذه النظرية في تحديد الشروط اللازمة والضوابط التي حددتها التشريعات من اجل الوصول الى التطبيق السليم لهذه النظرية .
الفرع الأول : تعريف الظرف الطارئ .
ان الظروف ترجع في اصلها اللغوي الى كلمة ظرف والتي جمعها ظروف، ولها معان متعددة في اللغة :
(أ)الوعاء :ومنه ظروف الزمان والمكان عند النحويين [53]:
1-وظرف الشي وعاءه ،فالظرف وعاء كل شيء ،أي ما يقع فيه الشيء ويحويه زمانا ومكانا [54].
2-البراعة وذكاء القلب :وحسن العبادة والهيئة والحذف بالشيء[55].
(ب) الطارئة :هذه الكلمة تؤول الى اصلها الاشتقاقي طرأ ، وتعني ما حدث وخرج فجأة ويقال طرأ على القوم أي اتاهم من مكان بعيد فجأة ،كما يقال للغرباء الطراء ،والطارئة هي كلمة مؤنثة لكلمة الطارئ والطارئ جمع طوارئ وطارئات بمعنى الداهية [56].
اصطلاحاً:
ان التشريعات الغربية لم تتطرق لتحديد مفهوم نظرية الظروف الطارئة انما اكتفت بذكر أمثلة تطبيقية لهذه الظروف ومنها الحرب والوباء وهلاك المحصول سواء كان كلياً ام جزئيا وغير ذلك من الكوارث الطبيعية.
اما بالنسبة للتشريعات العربية ، وخاصة التشريع المدني المصري الحديث كان الاسبق في ذلك في المادة 147 التي جاء فيها (1-العقد شريعة المتعاقدين ،فلا يجوز نقضه ولا تعديله الا باتفاق الطرفين او للأسباب التي يقرها القانون.
2-ومع ذلك اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ،جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان يرد الالتزام المرهق الى الحدث المعقول .ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك).
وبذلك تكون التشريعات العربية سباقة في وضع هذا الضابط والمعيار المهم ، وتركت هذا الامر(تحديد الظروف الطارئة دون حصرها) للفقه والفقهاء .
فقد عرف فقهاء القانون الظرف الطارئ بانه (كل حادث عام لاحق على تكوين العقد ،وغير متوقع الحصول اثناء التعاقد ينجم عنه اختلاف بيّن في المنافع المتولدة عن عقد يتراخى تنفيذه الى اجل او آجال بحيث يصبح تنفيذ المدين لالتزامه كما اوجبه العقد يرهقه ارهاقا شديدا ويتهدد بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف في خسارة التجار ،وذلك كخروج سلعة تعهد المدين بتوريدها من التسعيرة وارتفاع سعرها ارتفاعا غير مألوف ولا متوقع)[57].
وعرفها اخرون بانها (تلك الحوادث التي لا تؤدي الى جعل تنفيذ التزام المدين مستحيلا لأنه لو اصبح مستحيلا لانقضى الالتزام وانفسخ العقد ولم يكن هناك مجالا لتعديله)[58].
يرى الباحث بانه لا نستطيع تحديد وحصر حالات وصور الظروف الطارئة بسبب التغيير المستمر والسريع والتطور التكنلوجي في هذا الكون الذي نعيش وانتشار الأوبئة والامراض والسموم وبذلك ان ما يعد ظرف طارئ ام لا ،يرجع الى كل حالة على حدا حسب ما يحيط بها من ظروف سواء كانت ظروف زمنية او مكانية.
الفرع الثاني: شروط نظرية الظروف الطارئة
ان اختلال التوازن الاقتصادي في العقد بسبب الظروف الطارئة يرجع الى وقوع حوادث استثنائية عامة غير متوقعة لا يمكن دفعها والتي تجعل تنفيذ الالتزام مرهق للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ،حيث يمكن إعادة هذا التوازن عن طريق تطبيق النظرية كما في نص المادة (146) من القانون المدني العراقي.
الشرط الأول : ان يكون العقد الذي تثار النظرية في شأنه متراخيا.
هذا الشرط يتطلب مرور فترة زمنية بين اللحظة التي فيها إبرام العقد وبين تلك التي يبدا فيها تنفيذه ،وعليه لتطبيق هذه النظرية يفترض وجود عقد يتراخى فيه تنفيذه او امتد الى وقت يجيء في المستقبل.
ان العقود المتزامنة هي عقود المدة او العقود الزمنية سواء كانت هذه العقود ذات تنفيذ مستمر كعقد الإيجار او ذات تنفيذ دوري او متقطع كعقود التوريد ، والعقود الفورية المؤجلة التنفيذ والتي هي بالأصل فورية التنفيذ لكن يحدث أحيانا وباتفاق الطرفين تأجيل بعض او كل الالتزامات احد او كلا المتعاقدين الى وقت لاحق لإبرام العقد. مثل تأجيل الثمن او تقسيطه او تأجيل الاستلام والتسليم .
لذا فأن الذي يسعفنا في اعتبار كافة عقود المدة سواء تلك التي تتطلب تنفيذ مستمر او تلك العقود الدورية او متقطعة او العقود الفورية مؤجلة التنفيذ جميعها يطبق عليها نظرية الظروف الطارئة هو ان نص المادة 147 من القانون المدني المصري ونص المادة 205 من القانون المدني الأردني لم يحددان نوعا معينا من العقود وانما وردت بصورة عامة ومطلقة على جميع العقود.
اما بالنسبة للعقود المحددة والعقود الاحتمالية فقد اتفق فقهاء القانون على جواز تطبيق نظرية الظروف الطارئة على العقود المحددة والتي يحدد بها وقت تمام العقد القدر الذي اخذ والقدر الذي اعطى حتى لو كان القدران غير متعادلين[59].
أي انه العقد الذي يعلم فيه كل متعاقد وقت التعاقد بوضوح مقدار ما سيأخذه ومقدار ما سيعطيه ،أي يعرف مقدار ما هو ملتزم به ومقدار ما هو مستحق عليه.
الشرط الثاني :ان يطرأ بعد صدور العقد حادث استثنائي وعام .
ومن هذه الاوصاف ان يكون الظرف استثنائيا وعاما ،ويحدد معظم الفقه العربي الاستثنائية بندرة وقوع الظرف الطارئ او خروجه عما الفه الناس حسب السير العادي للأمور[60]. ومن الظروف الطارئة ما يكون بطبيعته استثنائياً الا في النادر القليل ، كاندلاع الحرب ووقع الزلازل . وقد عرف الأستاذ عبد الحي حجازي خاصية الاستثنائية في الظروف الطارئة بقوله (الحادث الاستثنائي هو الحادث الذي لا يندرج في عداد الحوادث التي تتعاقب وتقع وفقا لنظام معلوم )[61].
وعلى ما تقدم نرى ان الظرف ذاته ممكن ان يكون استثنائية في أحوال معينة وفي أحوال أخرى لا يعتبر استثنائية مثل ذلك الفيضان ودودة القطن في مصر من الأمور المألوفة وغير استثنائية وتكون في مكان اخر استثنائية وهذا ما قضت به محكمة السين التجارية في فرنسا في حكمها الصادر في 10 من أكتوبر سنة 1894 بان حالة الحرب لا تعتبر امرا استثنائيا وانما تعتبر امرا مألوف في بعض مناطق أمريكا اللاتينية.
اما الوصف الاخر لظرف الطارئ ان يكون هذا الظرف عاما ولقد لجأ المشرع لوضع هذا الوصف يضع ضابطا لتحقيق نظرية الظروف الطارئة ، فعمومية الظرف الطارئ تحدد من الناحية الشخصية ومن الناحية الإقليمية او بالاثنين معا ، فأما من الناحية الشخصية فيحدد العمومية بعدد الأشخاص الذين يتأثرون بهذا الظرف واما من الناحية الإقليمية يحدد العمومية على أساس المساحة او مدار المساحة الإقليمية التي تأثرت بذات الظرف.
ويرى الباحث ان هذا الشرط قد يحرم المدين المرهق من ميزة الالتجاء الى تطبيق نظرية الظروف الطارئة للتحقق من ارهاقه وذلك بسبب انه لم يلحق بغيره ، على الرغم ان الأساس الذي تقوم عليه النظرية والذي هو خروج عن مبدأ حرية التعاقد (وشريعة العقد) هو تحقيق العدالة وهي التي تقضي ان تطبيق النظرية في حدود العلاقة العقدية المتأثرة بالظروف الطارئة ، وبغض النظر عما عداها من العلاقات .
الشرط الثالث : ان يكون هذا الحادث الاستثنائي ليس في الوسع توقعه .
ان نظرية الظروف الطارئة لا تنظر الى مفهوم التوقع كمصطلح فني ، فتوقع الحادث وفقا لهذه النظرية ليس هو ما يتمثل في الذهن وبصورة عابرة لحظة ابرام العقد ، وإنما يجب ان يكون توقع حدوثه في المستقبل بدرجة كبيرة لإثناء عزم المتعاقد عن ابرام العقد في الأصل او ابرامه ولكن بشرط مغايرة .
وبالتالي فان عنصر التوقع يمكن تعريفه بانه « الظن السائغ المقبول المؤيد بمعطيات الواقع لاحتمال وقوع او عدم وقوع حادث معين في المستقبل يجعل تنفيذ الالتزام مرهقا « [62] .
وعليه فان مفهوم التوقع هو مفهوم نسبي، وان فكرة عدم التوقع لا تقدر بذاتها وانما بعلاقاتها بالظروف الأخرى المعاصرة للعقد، وان لشرط عدم التوقع علاقة واضحة بغيره من الشروط ، فقد يكون هذا الشرط محور جميع الشروط التي تطلبها تطبيق نظرية الظروف الطارئة .
فإذا كان الحادث متوقع يكون مألوف وغير استثنائي وعلى العكس من ذلك يكون اذا كان الحادث غير متوقع يكون استثنائيا. لذا نجد بعض الفقه قد نادى بأن اشتراط كون الحادث غير متوقع يعني عن اشتراطه كونه استثنائي[63]. ولقد انقسم الفقه والقضاء في تحديد معيار التوقع لان ذلك ليس بالأمر السهل واليسير ويعتبر تحديد درجة التوقع من اصعب المواضع التي تثيرها تطبيق نظرية الظروف الطارئة فهناك عدة معايير لتحصر درجة التوقع منها معيار شخصي ومعيار موضوعي ومعيار مختلط . فالمعيار الشخصي يقوم على تقدير وتحديد درجة التوقع بالنظر الى شخص المتعاقد نفسه بالإضافة الى ظروفه الخاصة وبذلك يختلف هذا المعيار باختلاف الأشخاص وبحسب تفاوتهم في القدرات الطبيعية والمكتسبة .
والمعيار الموضوعي :يجري تقدير وتحديد معيار التوقع بالنظر الى الظروف والاحوال الموضوعية التي أحاطت بالعملية العقدية فان ما يطلبه هذا المعيار هو عن ما قد يتوقعه او لا يتوقعه الشخص العادي .
اما المعيار المختلط فقد يجري تقدير التوقع بالنظر الى شخص المتعاقد ولكن في ضوء ما يسلكه شخص اخر يكون في مستوى هذا المتعاقد او نظيرا له (معيار الشخص المتوسط او المعتاد).
الشرط الرابع : ان جعل هذا الحادث تنفيذ الالتزام العقدي مرهقا لا مستحيلا .
شرط الإرهاق هو اهم الشروط التي يجب توفرها لإمكان تطبيق نظرية الظروف الطارئة ،وكانت تسمى نظرية الظروف الطارئة بهذا الشرط (التنفيذ المرهق) وهو الشرط العملي الذي يذهب بالنظرية من نطاقها النظري الى نطاقها العملي والتطبيقي .ويعتبر هذا الشرط هو الشرط الوحيد الذي ينتج عن العقد نفسه بخلاف بقية الشروط التي تكون خارجة عن نطاق العقد المبرم بين عاقديه وليس لها علاقة بهذا العقد الا من خلال الأثر الذي تحدثه في هذا العقد. وهذا الأثر هو صعوبة تنفيذ الالتزام محل التعاقد الذي يؤدي الى ارهاق المدين بتنفيذ هذا الالتزام وتهديده بخسارة فادحة ،بحيث يختل التعادل الذي كان موجودا عند التعاقد بين الالتزامات التبادلية الناشئة عن العقد ، فيصبح تنفيذ التزام احد المتعاقدين مرهقا له ومريحا للمتعاقد الاخر بنفس درجة الإرهاق ،فكلما زاد إرهاق المتعاقد كلما زاد تبعا له ربح المتعاقد الأخر مما يضطر المتعاقد الاخر طلب تطبيق نظرية الظروف الطارئة[64].
وان المعيار المعتمد في تحديد الارهاق هو معيار موضوعي أي يتعلق بموضوع العقد فيكون المقصود بالخسارة الفادحة .
المطلب الثاني: أساس نظرية الظروف الطارئة وموقف المشرع العراقي من هذه النظرية
تناولنا في هذا المطلب الاساس القانوني لنظرية الظروف الطارئة ، وما هو موقف المشرع العراقي من هذه النظرية في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: أساس نظرية الظروف الطارئة
ان أساس نظرية الظروف الطارئة هو سبيل إعطاء تكييف قانوني يصلح لإقناع القاضي بنظرية الظروف الطارئة اذا سوف نبين ماهي الأسس التي اتجه اليها الفقهاء:
اولاً: السبب كأساس النظرية
يعتبر السبب ركن من اركان العقد ويترتب على انتفائه بطلان العقد وقال أصحاب هذا الأساس ان الالتزام العقدي اذا تجاوز الحد المتوقع لدى المتعاقدين واصبح مرهق بسبب ظروف طارئة فحينها يصبح التزاما لا يستند الى سبب كامل فيتعين انقاصه لان القدر الزائد في عبء الالتزام والناتج عن الظرف الطاري هو في منطق هذا التعريف من الفقه قدر لا يقابله شيء من السبب[65].
ان سبب التزام احد المتعاقدين في العقود الملزمة لجانبين هو التزام المتعاقد الاخر فإذا حدث وأن تغيرت الظروف اللاحقة على نشوء هذا الالتزام تعين إعادة النظر في قيمة الالتزام المقابل وقد انتقد البعض هذا الرأي بحجة انه لا يقوم على تصوير سليم او فهم صحيح لفكرة السبب فلا يجوز أن نوصف تلك الفكرة بأنها ناقصة او زائدة حيث أنها تقوم على مقايس معينة ولا شأن لها بمسألة القيمة او الحكم كما لا يشترط في نظرية السبب وجود التعادل الاقتصادي وأن وجد فلا يشترط استمراره والا لكان الغبن سبب في ابطاله[66].
ثانياً: القوة القاهرة كأساس النظرية
أنتشر هذا الاساس في أوقات الحرب حيث أدت الصعوبات الشديدة الناجمة عن حالة الحرب بشأن تنفيذ العقود وما أحدثته هذه الحالة من اضطراب شديد في قيم الأشياء والنقود الى تشجيع الحالة البعض على بذل محاولات جادة في التقريب بين فكرة الظروف الطارئة والقوة القاهرة وتم بناء عليه ألحاق حكم القوة القاهرة وهو انفساخ العقد للاستحالة بالحالات التي يصبح فيها تنفيذ العقد بسبب الظروف الطارئة مرهق .
الا أن هذا الاساس أنتقد لان الالحاق الذي قيل به يقوم على خطئين فنيين، فأولاً من حيث أثر الحادث في كل منهما يلاحظ أن القوة القاهرة تتطلب نتائج اكبر بمعنى حتى يكون هنالك مجالا لتطبيق حكما لابد أن يترتب عليها استحالة تنفيذ الالتزام مرهقا، وثانيا من حيث الجزاء في كل من الفكرتين فالجزاء في فكرة القوة القاهرة انفساخ العقد أما الجزاء في الظروف الطارئة فهو تعديل شروط العقد[67].
ثالثاً: حسن النية كأساس النظرية
يدعو أنصار هذا الاساس الى القول بأن النظرية تقوم على أساس المبدأ القاضي بأن العقود ينبغي أن تنفذ بحسن نية فإذا أصبح التزام المدين مرهقا نتيجة ظروف طارئة لم تكن في حسبان لم يكن من حسن النية أن يقوم الدائن به طالبة المدين بتنفيذ وتعرض هذا الاساس لنقد لأنه لا يمكن وصف الدائن بأنه سيء النية كونه طالب مدين بحق خوله له العقد لمجرد أن في الحصول على هذا الحق تهديد للمدين بخسارة فادحة[68].
رابعاً: الإرادة الضمنية للمتعاقدين كأساس النظرية
ان مضمون هذا الأساس هو افتراض شرط ضمني في كل عقد وهو تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد مرهون ببقاء الظروف التي ابرم العقد في ظلها على حالها فأن تغيرت تلك الظروف على نحو جعل تنفيذ المدين لالتزامه مرهق تعين اعفائه من تنفيذ .وقيل في نقد هذا الأساس انه يقوم على افتراض و وهم فكيف يفترض وجود نية مشتركة للمتعاقدين تهدف الى الاعفاء من تنفيذ الالتزام لوجود ظروف طارئة تجعل مرهقا اذ قد تكون مصلحة احد المتعاقدين في هذا الاعفاء مع أن مصلحة الطرف الاخر هي في استمرار تنفيذ الالتزام[69].
خامسا ً: مبدأ الاثراء بلا سبب كأساس النظرية
حاول البعض تشبيه حالة الظروف الطارئة بحالة الاثراء بلا سبب مشروع حيث أن ما ينجم عن وقوع الظروف الطارئة من اختلال في التوازن الاقتصادي يؤدي الى اثراء الدائن بلا سبب مشروع على حساب المدين فأن حدث وترتب على الظروف الطارئة ارتفاع قيمة الالتزام العقدي لصالح الدائن وتمسك الاخير بتنفيذ العقد في مواجهة المدين رغم ذلك التنفيذ إرهاق المدين وتهديد له بخسارة فادحة تعين على المحكمة التدخل لتعديل العقد وضع الدائن من الاثراء بلا سبب مشروع فحجة ارجاع أساس نظرية الظروف الطارئة الى مبدأ الاثراء بلا سبب أن تنفيذ العقد رغم وجود الارهاق الناشئ عن الظروف الطارئة يخلق وضعا يثري فيه الدائن على حساب المدين بلا سبب[70].
سادساً: العدالة كأساس النظرية
يرى المنادون أن العدالة هي الاساس الذي ينبغي أن تستند اليه نظرية الظروف الطارئة وأن العدالة كمبدأ أخلاقي فوق الارادة وما الارادة الا أداة لخدمة العدالة ويرفض أخرون هذا القول بحجة أن استقرار التعامل ينبغي أن يقدم على العدالة حيث أن العدالة ليست هي الغاية الوحيدة للقانون فليس كل قاعدة قانونية تحقق مصلحة عامة[71].
سابعاً: مبدأ التعسف في استعمال الحق كأساس النظرية
كان راي البعض منهم أن بعض أساس نظرية الظروف الطارئة هو مبدأ التعسف في استعمال الحق فإذا أنشأت ظروف طارئة لم تكن متوقعة لدى المدين وترتب عليها أن اصبح تنفيذ التزامه مرهقا فأن الدائن يكون متعسفا في استعمال حقه له طالب مدين بتنفيذ التزامه في ظل تلك الظروف وتعرض هذا الاساس لنقد بأنه لا ذنب للدائن أن طالب المدين بتنفيذ العقد طالما أن الاخير ارتضى التنفيذ بالعقد لمدة معلومة فعلية ما عليه من العقد وماله منه[72].
ونرى أن الاساس الذي ينبغي أن تقوم عليه النظرية الظروف الطارئة هو بقاء التوازن يبين التزامات كل من المتعاقدين كما كانت لحظة ابرام العقد لذلك كلما وجدت ظروف تخل بهذا التوازن يصبح لزاما على المشرع أن يتدخل ليعيد التوازن بين الالتزامات من خلال تطبيق نظرية الظروف الطارئة.
الفرع الثاني: موقف القضاء العراقي من نظرية الظروف الطارئة
استقر قضاء محكمة التمييز على أن نص المادة(146)من القانون المدني العراقي النافذ و الخاص بالظروف الطارئة لا ينطبق الا حيث يكون الحادث الاستثنائي الذي يتسبب عنه الإرهاق قد طرأ في فترة من الزمن تفصل بين ابرام العقد وبين تنفيذ الالتزام الذي رتبه فإذا كان الالتزام قد نفذ فأنه ينقضي وعندئذ يمتنع انطباق نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها في القانون لأنها انما ترد على التزام قائم لم ينفذ بعد فضلا عن ان تنفيذ الالتزام فيه الدلالة الكافية على انتفاء الارهاق ويلاحظ من ناحية أخرى أنه لغرض تطبيق أحكام النظرية يطلب القضاء من المتعاقد
الذي يعاني الإرهاق عدم التوقف عن تنفيذ التزامه فقد قضت محكمة التمييز أن يستمر المتعاقد الذي يشكو الإرهاق في تنفيذ التزاماته حتى يستعيد من تدخل القضاء لتخفيف حدة الإرهاق فإذا لجأ الى فسخ التعاقد من جانبه يتوقعه عن تنفيذ الالتزام كله او بعضه فأن حقه في التمسك بأعمال نظرية الظروف الطارئة والتماس تدخل القضاء لأنقاص التزاماته الى الحد المعقول يكون ممتنعا.[73]
المطلب الثالث: احكام نظرية الظروف الطارئة
اذا توافرت شروط نظرية الظروف الطارئة كان للقاضي تبعا للظروف الحاصلة وبعد الموازنة بين حقوق والتزامات الطرفين ان يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ومن ثم فان دور القاضي لا يصل الى حد إزالة الإرهاق كليا بل يرده الى الحد المعقول تاركا للدائن حق القبول او الفسخ[74]. ويقسم هذا المطلب الى فرعين الأول ( اثار نظرية الظروف) والثاني ( سلطة القاضي في مواجهة الظروف الطارئة).
الفرع الأول: اثار نظرية الظروف الطارئة
ان توافرت الشروط النظرية الطارئة وتحققت تلك النظرية مما سيتتبع تحقق اثارها. وهو ما نصت عليه المادة 146 بمعنى انه يجوز لقاضي ان يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك بما له من سلطة تقديرية استثنائية لتعديله فما هي طبيعة تلك السلطة التقديرية وما هي حدودها إزاء العقد الذي حدث اثناء تنفيذه ظرف استثنائي طارئ يؤدي الى تعرض المدين لخسارة فادحة ؟
اولاً: طبيعة السلطة التقديرية للقاضي
تتجاوز السلطة التقديرية للقاضي عند تطبيقه لنظرية الظروف الطارئة حدود المهمة التقليدية الموكلة اليه تجاه العقد المتمثلة بتفسير العقد وتحديد نطاقه وتكييفه ضمن الضوابط المحددة وذلك بان يعدل القاضي العقد من خلال الالتزام المرهق للمدين الى الحد المعقول حيث يتمتع القاضي بحرية واسعة ولا قيد على سلطة القاضي في اختيار نوع التعديل الذي يدخله على العقد الا ما يمليه عليه تحقيق بين مصلحة العاقدين، غير ان هناك كما يبدو قيدا موضوعيا يحدد سلطة القاضي يتمثل في وجوب اقتضاء العدالة في تعديل الالتزام المرهق برده الى الحد المعقول اذا لم يترك امر للقاضي بتقديره تقديرا شخصيا[75].
ثانياً: مدى سلطة القاضي التقديرية إزاء تعديل العقد نتيجة للظروف الطارئة
يحظى القاضي بسلطة تقديرية تمكنه من تعديل الالتزام وذلك على النحو التالي:
1-زيادة الالتزام المقابل للالتزام المرهق .
ان بإمكان القاضي وضمن السلطة التقديرية ان يزيد من الالتزام الذي يقابل الالتزام الذي اصبح مرهق للمدين فيبنى ما يعد زيادة مألوفة في عبء الالتزام على المدين ولا يوزع الا الزيادة غير المألوفة على طرفي العقد .
2-انقاص الالتزام المرهق ذاته الى الحد المعقول .
بإمكان القاضي ان ينقص الالتزام المرهق للمدين فلا يجوز له ان يوزع على العاقدين سوى الزيادة غير المألوفة .
3-وقف تنفيذ العقد حتى زوال اثر الظرف الاستثنائي.
عندما يثبت للقاضي ان الظرف الاستثنائي مؤقت وسرعان ما ينتهي وان الدائن لا يلحقه ضرر كبير جراء وقف تنفيذ العقد فانه يقرر وقف تنفيذ العقد الى حين زوال اثر ذلك الظرف الطارئ ،وان القاضي رغم تمتعه بكل تلك السلطة التقديرية الا انه لا يملك الحق في فسخ العقد وتبرير ذلك هو ان الفسخ سيؤدي الى ان يتمثل الدائن وحدة تبعة الظروف الطارئة مع ان أساس النظرية هو التضحية من قبل كل من الطرفين العاقدين ثم انه قد يمتد العقد الى ما بعد زوال اثر الظرف الطارئ فتعود للعقد قوته الملزمة وهذا الامر لا يجوز ان يتحول دون وقوعه افراد الفسخ[76].
الفرع الثاني: سلطة القاضي في مواجهة الظروف الطارئة
ان ضرورة الابقاء على العقد لتحقيق الأهداف التي إبُرم من أجلها ،وضرورة إقامة الالتزامات بين المتعاقدين ذلك التوازن الذي يؤمن للعقد الحياة المفيدة للمجتمع ،ويقتضي إعطاء القاضي سلطة تقديرية واسعة تمكنه من معالجة التوازن الاقتصادي المختل وإعادة النظر في بعض شروط العقد ومنحة دور جديد لتحقيق الهدف الذي ابرم من اجله ، ولا شك ان منح القاضي هذه السلطة التقديرية الواسعة وهو أمر خطير في حد ذاته لا يبيحه المشرع ألا في حالات يبدو فيها أن العقد قد اصبح مخالفا للعدل مخالفه صارخة تقتضي التدخل في الوقت ذاته.
ومن ذلك نلاحظ ان الدور الذي يقوم به القاضي في تطبيق نظرية الظروف الطارئة يبرر ذلك في حالتين:
اولاً: تعديل العقد وينصب دور القاضي هنا اما على تعديل قيمة الالتزامات المتبادلة الناشئة او قدرها او نقص او وقف تنفيذ العقد لمدة معينة الى ان يزول الحادث الطارئ اذا كان الحادث وقتي يقدر الزوال بعد فترة قصيرة فينصب التعديل على موعد الوفاء .
ثانياً: بالرجوع الى النصوص المتعلقة بنظرية الظروف الطارئة في مختلف القوانين المدنية العربية والأجنبية نجدها لم تتفق على راي واحد حول الاخذ بجزاء فسخ العقد فإذا كان المشرع قد أعطى للقاضي السلطة التقديرية في رد الالتزام المرهق الى الحد المعقول فهل يجوز له الحكم بفسخ العقد للظروف الطارئة فالنسبية للقوانين المدنية والاجنبية نجد القانون البولوني أجاز للقاضي فسخ العقد لمصلحة المدين على ان يكون للمتعاقد الاخر الحق في ان يدرأ طلب الفسخ بان يعرض تعديلا لشروط العدل يتفق مع العدالة[77]. من خلال كل ما ورد يتضح ان نظرية الظروف الطارئة تتناول العقود المتراخية والمستمرة ، والتي تتسبب بالإرهاق للمدين لا يصل الى درجة الاستحالة المطلقة التي ينطبق عليها نظرية القوة القاهرة ، وعليه بتطبيق جائحة كورونا على الالتزامات التعاقدية ، او ما تسببت به الجائحة من اشكاليات ، فان كل العقود التي تنطبق عليها شروط الظروف الطارئة وتسبب الارهاق للمدين دون الاستحالة المطلقة في ظل جائحة كورونا يمكن اعتبار الجائحة ظرف طارئة ونطبق عليها احكام نظرية الظروف الطارئة ، اما ما تتسبب به الجائحة من اشكاليات تصل الى استحالة تنفيذ العقد ، فهنا يمكن تطبيق احكام نظرية القوة القاهرة عليها .
الخاتمة
في ختام بحثنا الموسوم بـ التكييف القانوني لجائحة كورونا فإننا قد وقفنا على العديد من النتائج والتوصيات كان من أهمها ما يلي :
أولا: النتائج
لا يمكننا اطلاق وصف القوة القاهرة او الظرف الطارئ على حادث معين كجائحة كورونا بالنسبة لكل الالتزامات التعاقدية ،وانما يجب ان نُخضع كل التزام تعاقدي بعينه الى هذا الحادث ،فقد نجد ان الحادث الاستثنائي ليس له أي تأثير على العقد وبالتالي يبقى العقد واجب النفاذ ، وقد نجد انه يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً وفي هذه الحالة يمكن اعتبار الحادث قوة قاهرة ،واخير قد نجد ان الحادث قد يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً وبذلك يمكن اعتبار الحادث ظرفاً طارئاً .
ان سلطة القاضي تنحصر في مواجهة القوة القاهرة بثلاث خيارات هي : الاول منها الإعفاء من تنفيذ الالتزام بسبب الاستحالة المطلقة ،والثاني هو وقف تنفيذ الالتزام اذا كانت الاستحالة وقتية ويتوقع زوالها في وقت قصير، اما الخيار الثالث فهو عدم اعفاء المدين من المسؤولية التعاقدية اذا اتفق المتعاقدين على عدم الاعفاء من المسؤولية حتى لو توفرت القوة القاهرة .
ان سلطة القاضي تنحصر في مواجهة الظروف الطارئة في ثلاث خيارات وهي : الخيار الاول هو وقف تنفيذ العقد اذا كان الظرف الطارئ وقتياً ويتوقع زواله في وقت قصير ،اما الخيار الثاني هو انقاص الالتزام المرهق للمدين ورده الى الحد المعقول ،او زيادة إلتزام الدائن المقابل للالتزام المرهق للمدين ،والخيار الثالث هو انه على الرغم من السلطات السابقة الا انه لا يجوز للقاضي فسخ العقد وانما تعديله حتى يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول .
أجاز المشرع للمتعاقدين الاتفاق على استبعاد اثار القوة القاهرة على العقد ،بينما منعهم من الاتفاق على استبعاد تأثير الظروف الطارئة على العقد .
ثانياً: التوصيات :
يوصي الباحث ان تكون هنالك نصوص تشريعية عاجلة لمواجهة جائحة كورونا لتحديد طبيعتها القانونية وعدم تركها الى الاجتهادات الفقهية والقضائية لتاثير الجائحة على الكبير على العقود المدنية.
يقترح الباحث تعديل المادة المتعلقة بالقوة القاهرة بحيث توضح ان القوة القاهرة غير مقصورة على الآفة السماوية .
يوصي الباحث تبني المشرع العراقي تنظيم القوة القاهرة في نص تشريعي وذلك نظراُ للتأثير الكبير لهذه القوة في تنفيذ العقد ،ويشمل التنظيم الناحية الموضوعية والاجرائية .
ضرورة قيام السلطة التشريعية بمنح القاضي سلطة فسخ العقد في حالة الظروف الطارئة ،اذا تبين له ان الاستمرار في العقد لا يحقق مصلحة لأي من الطرفين وان لا يعتمد حلاً موحداً لجميع الحالات وانما يراعي الحالة ويقدر الموقف وفقا للعدالة الاجتماعية التي تراعي الطرف الضعيف في العقد لا العدالة المجردة .
[1] ياسر عبد الحميد الإفتيحات ، جائحة فيروس كرونا وأثرها على تنفيذ الالتزامات العقدية ، مقال منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة الثامنة – ملحق خاص – العدد 6 – 5 حزيران 2020.
[2] أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري، لسان العرب، الجزء الأول ، مراجعة وتدقيق يوسف البقاعي وإبراهيم شمس الدين ونضال علي ،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ،2005،ص692.
[3] محمد الغروي ،فقه السنة وفقه الشيعة، الجزء الثالث ،الطبعة الأولى ،دار الهادي ،بيروت ،2003،ص176.
[4] محمد إبراهيم ارباب ،الاخطار والكوارث الطبيعية ،الطبعة الأولى ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،1998،ص33.
[5] عبدالمجيد الحكيم ،الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ،الجزء الأول ،الطبعة الثالثة ،ص541.
[6] انظر الى المادة (211)من القانون المدني العراقي .
[7] مقال منشور على الموقع الالكتروني لمنظمة الصحة العالمية على الرابط:
www.who.int/ar/health-topics/coronavirus
[8] الباحثون السوريون ،الفرق بين الوباء والجائحة والفاشية ،مقال متوفر على الموقع الالكتروني على الرابط :
[9]مقال منشور على موقع يورو نيوز الالكتروني على الرابط :
[10] مقال منشور على موقع بي بي سي عربي الالكتروني على الرابط:
https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/arabic/science-and-tech-
[11] إبراهيم مصطفى واخرون ،المعجم الوسيط ، الجزء الثاني ، المكتبة العلمية، طهران ،ص788.
[12] Kristi L. Koenig and Carl H. Schultz, Disaster Medicin, Cambridg.
[13] خلف حسين الدليمي ،الكوارث الطبيعية والحد من اثارها ، الطبعة الأولى ، دار صفاء ، عمان ،الأردن ،2009،ص29.
[14] إدارة مخاطر الكوارث للتراث العالمي ،اصدار منظمة اليونسكو ،حزيران 2016،متاح على الموقع الالكتروني رابط
[15] المادة (1/خامسا)من قانون الدفاع المدني العراقي رقم 44لسنة 2013 منشور في الوقائع العراقية عدد(4297) في 11/11/2013.
[16] المادة 1 من قانون تعويض ضحايا الكوارث الطبيعية (82-600) لسنة 1982
[17] الجيوفيزياء علم يعنى بدراسة الأرض وطبيعتها والمناخ المحيط بها .
[18] البيولوجيا علم يعنى بدراسة الكائنات الحية من حيث طبيعتها والقوانين التي تحكم ظروف عيشها.
[19] مرض فيروس كورونا :سؤال وجواب ،مقال متوفر على موقع منظمة الصحة العالمية ، وعلى الرابط :
[20] انظر المادة (2/ثالثا) من قانون وزارة الصحة العراقي رقم 10 لسنة 1983 وكذلك المادة (30/ثالثاً) من قانون الصحة العامة العراقي رقم 89 لسنة 1981.
[21] المادة 1من النظام المذكور رقم 6 لسنة 1992 منشور في الوقائع العراقية عدد 2396.
[22] فتاوي ابن تيمية، جزء الثالث ،ص263.
[23] بلغة السالك لأقرب المسالك لمذهب الامام المالك ،جزء الثالث،ص525.
[24] المرجع السابق،ص523 .
[25] المغني لابن قدامة ،الجزء الرابع ،ص.216
[26] المدونة الكبرى للإمام مالك ،جزء12،ص 37-38.
[27] الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي.
[28] البحر الرائق شرح كنز الدقائق للطوري ،ج5،ص300 ،كشاف القناع على متن الاقناع ،ج3،ص230 .
[29] المدونة الكبرى ،الجزء12 ،كتاب الحوائج 37/38 ، القوانين الفقهية لابن جزي ،الكتاب الثالث ،ص225.
[30] بلغة السالك ،الجزء الثاني ،ص252.
[31] عبدالحكيم فودة ،آثار الظروف الطارئة والقوة القاهرة على الاعمال القانونية ،منشأة المعارف، الطبعة الأولى الإسكندرية، مصر،1999،ص169.
[32] حسن علي ذنون، النظرية العامة للفسخ في الفقه الإسلامي والقانون المدني، رسالة دكتوراه، كليه الحقوق، جامعة فؤاد الأول، مطبعة النهضة ، مصر، القاهرة،1946،ص57 و حسن عكوش، المسؤولية المدنية العقدية والتقصيرية في القانون المدني الجديد، ط1،دار الفكر العربي ،،القاهرة ،1973، ص22.
[33] امر رقم 75-58 المؤرخ في 26 ايلول سنة 1975، القانون المدني الجزائري ، جريدة رسمية عدد 78 .،صادر في 30 ايلول سنة1975 المعدل والمتمم.
[34] مروك احمد، شروط إعادة التفاوض في عقود التجارة الدولية ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة الجزائر بن يوسف بن خدة ،الجزائر،2014/2015،ص145 .
[35] عبدالله فداق، نظرية الظروف الطارئة في القانون المدني الجزائري ،مذكرة تخرج لنيل شهادة ماستر تخصص قانون خاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة عبدالحميد بن باديس مستغانم، 2017/2018 ،ص27.
[36] سعاد الشرقاوي ،العقود الإدارية ، دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ، 1998/1999، ص410.
[37] عبد المجيد الحكيم ،الموجز في شرح القانون المدني ،ج1مصادر الالتزام ،ط5،مطبعة نديم ، بغداد ،1997،ص538.
[38] مروك احمد، مرجع سابق ،ص10.
[39] عبدالرشيد طبي ،القوة القاهرة واثرها على التشريع والقضاء فيروس كوفيد-١٩ ،الجزائر ،ص8، مقال منشور على الموقع الالكتروني
[40] نظرية القوة القاهرة-الشروط والاثبات ،مقال منشور على الموقع الالكتروني
[41] نسيمة امال حيفري ، الحالات المستثناة لمسؤولية الناقل البحري في القانون الجزائري والقانون المقارن ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،كلية الحقوق ، جامعة وهران ،2010/2011،ص26.
[42] د. سليمان مرقص ،احكام الالتزام ،دار الكتب القانونية ،شتات -مصر ،ط6، المنشورات الحقوقية ،بيروت ،1998،ص153.
[43] اكدت محكمة النقض المصري ،في الطعن رقم 1565في جلسة2011/10/7 على هذا الامر حيث قضت بان شرطا توافر القوة القاهرة ،عدم امكان توقع الحادث واستحالة دفعه يعتبر استخلاص توافرها واقع تستقل محكمة الموضوع بتحصيل فهمه.
[44] علي ضاري خليل، السبب الأجنبي واثره في نطاق المسؤولية التقصيرية ،رسالة ماجستير ، كلية القانون ،جامعة بغداد 1999،ص41.
[45] محسن شفيق ، نظرية الحروب كقوة قاهرة وأثرها في عقد البيع التجاري ،دار الاسراء للنشر والتوزيع ،عمان-الأردن ، 1998،ص7.
[46] سليمان محمد الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي ،ط5، 1991، ص967.
[47] عبدالرزاق احمد السنهوري ،نظرية العقد، ،ط2، منشورات الحلبي الحقوقي ، 1998 الجزء الثاني ، ،ص967.
[48] نفس المصدر،ص964.
[49] ومنها القانون المدني المصري ،والقانون المدني المغربي ،والقانون المدني الجزائري ،والقانون الفرنسي.
[50] ماجد راغب الحلو ،العقود الإدارية ، دار الجامعة الجديدة، القاهرة ،2010،ص146.
[51] هي آراء مختلفة للعديد من الباحثين في عدة دول العالم ،الا انها للأسف ليست عبارة عن دراسات علمية منشورة في مجلات محكمة ،بل تم نشرها فقط على بعض الصحف والمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي ،بإعتبارها مجرد وجهات نظر لأصحابها .
[52] مقال منشور على الموقع الالكتروني الاتي:
https://kenanahnews.com/
[53] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، ابي نصر اسماعيل بن حماد الجوهري، دار الحديث القاهرة ،مصر ،سنة2003،ص863.
[54] ابن منظور ،لسان العربي ، ص320 .
[55] معجم مقاييس اللغة ،احمد بن فارس بن زكريا أبو الحسن ،الجزء الثالث ،تحقيق عبدالسلام محمد هارون ، دار الفكر ،بيروت ،لبنان لسنة 1979 ،ص474.
[56] مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز ابادي القاموس المحيط -تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر اشراف نعيم العرموسي ،ط8 ،2005،ص46.
[57] عبدالرزاق احمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مصادر الالتزام المجلد الأول، منشورات الحلبي ،ط3، 2015 ،ص705.
[58] سمير عبد السيد تناغو و محمد حسين منصور القانون والالتزامات ،نظرية القانون ،نظرية الحق ،نظرية العقد احكام الالتزام، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ،مصر ،1997، ص156.
[59] عبد الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد الجزء الأول ،منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت، ط2 ، 1998 ،ص139.
[60] عبدالرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط المرجع السابق نفسه، فقرة 240 ،643.
[61] عبد الحي حجازي ،النظرية العامة للالتزام ،الجزء الأول ،المطبعة العالمية القاهرة ،1962،فقرة 369 ،ص584.
[62] د.محمد محي الدين إبراهيم سليم ، نظرية الظروف الطارئة بين القانون المدني والفقه الإسلامي،ص268.
[63] د.عبد الحي حجازي ، النظرية العامة للالتزام ،مرجع سابق ،فقرة 369، ص585 .
[64] محمد عبد الجواد محمد ،شرط الإرهاق في تطبيق نظرية الظروف الطارئة ،مطبعة جامعة القاهرة ،1963،ص16.
[65] مصطفى عبدالحميد عدوي ،النظرية العامة للالتزام ،مصادر الالتزام ، الطبعة الأولى ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع 1996،ص253-254 .
[66] المصدر السابق نفسه ، ص253-254
[67] مصطفى جمال ،شرح احكام التقنينات العربية المستمدة من الفقه الغربي والمستمدة من الفقه الإسلامي وتطبيقاتها القضائية ،الإسكندرية ،الفتح للطباعة والنشر ،مصر،1991،ص229.
[68] مصطفى جمال ،شرح احكام التقنينات العربية المستمدة من الفقه الغربي والمستمدة من الفقه الإسلامي وتطبيقاتها القضائية ،الإسكندرية نفس المصدر،ص229.
[69] د. هبة محمد الديب ،اثر الظروف الطارئة على العقود المدنية ،مذكرة ماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الازهر ، غزة ،2012 ص9 ومابعدها .
[70] د. هبة محمد الديب ،المصدر السابق ،ص27.
[71] نفس المصدر السابق،ص27.
[72] نفس المصدر السابق،ص28ومابعدها.
[73] د. عصمت عبدالمجيد بكر، نظرية الظروف الطارئة ودور القاضي في تطبيقه ،دار الحرية للطباعة، بغداد ،ص19 ومابعدها .
[74] بلحاج العربي ،مصادر الالتزام في ضوء قواعد الفقه الإسلامي والأنظمة السعودية والاجتهادات القضائية الفرنسية ،الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ،2015 ص496.
[75] ياسين محمد الجبوري ،الوجيز في شرح القانون المدني الأردني ، الجزء الأول ،مصادر الحقوق الشخصية مصادر الالتزام ، دراسة مقارنة ،الطبعة الأولى ، 2008، الطبعة الثانية 2011، النشر والتوزيع 2011 ،ص399 وما بعدها .
[76] اثر الظروف على العقود المدنية ،دراسة تحليلية في مشروع القانون ،مقال منشور على الموقع الالكتروني رابط :
[77] عبدالرزاق احمد السنهوري ،مصادر الحق -دراسة الفقه الغربي ،الجزء السادس ،الطبعة الثانية ، منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت،1975 ،ص350.