تاريخ الاستلام 13/5      تاريخ القبول 20/6   تاريخ النشر 25/7/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/5q6ahd45

الاخبار بوصفه سببا من اسباب الاباحة

في القانون الجنائي العراقي

Report a Crime as a Causes of non responsibility

In Iraqi criminal law

م.م. خلدون أحمد محمد

الجامعة التكنولوجية-قسم الشؤون القانونية

Assistant Lecturer: Khaldoon Ahmed Mohammed

University Of Technology- Legal Affairs Department

ahkhaldon80@gmail.com

المستخلص

إنَ الإخبار عن الجريمة ومرتكبيها هو واجب وطني وأخلاقي تفرضه القوانين والمبادئ الاخلاقية، وهو هدف سامي وتعاون كبير بين الفرد والحكومة في القضاء على الجرائم والحد من حدوثها والكشف عن تفاصيلها ومعرفة مرتكبيها والمخططين لها والحد من انتشارها عل اقل تقدير.

أثار موضوع الإخبار جدلا تشريعيا وفقهيا واسعا في القانون الجنائي، بسبب تضارب الاحكام القانونية والاختلاف في الآراء الفقهية، من اعتباره سببا من اسباب الاباحة، لذلك سنحاول تحليل النصوص القانونية والاشارة الى الآراء الفقهية وذلك من خلال الاستعانة بهذه الآراء الفقهية وبيان الرأي الراجح منها.

الكلمات المفتاحية ( الاخبار- اسباب الاباحة – الواجب – استعمال الحق).
 

Abstract

Informing about the crime and its perpetrators is a national and moral duty imposed by laws and moral principles, and it has a noble goal, which is the individuals cooperation with the authority in combating the crime, uncovering its cover, identifying its perpetrators, or limiting its spread at the very least.

The subject of the news has sparked a wide legislative and jurisprudential controversy in criminal law, due to conflicting legal rulings and differences in jurisprudential opinions, regarding it as one of the reasons for permissibility. Therefore, we will try to analyze the legal texts and refer to jurisprudential opinions by making use of these jurisprudential opinions and stating the most correct opinion among them.

Keywords (news - reasons for permissibility - duty - using the right).
 

المقدمة:

يُعدُ الإخبار عن الجَريمة مِن الحقوق التي ضمنتها جميع التشريعات الدولية والوطنية لكل انسان حتى إن هذا الجانب يصل الى مستوى كونه واجب في كثير من القوانين على كل فرد فضلا عن أنُه   واجب على كل موظف، فَمن يَقوم بِالإبلاغ عَن جَريمة مُعينة سوف يؤدي الى منع هذه الجريمة، بل ويمنع المخاطر التي قد تنتج عن هذه الجريمة، مما يؤدي الى الوصول الى حالة الثقة والاستقرار في المجتمع, غير ان الإبلاغ عن الجريمة بالرغم من كونه واجب على كل انسان فان هذ العمل قد يجر الى بعض المخاطر على المخبر وهذا بحسب ما جاء في نص التوصيات التي ذكرته الأمم المتحدة في مؤتمرها الرابع الدولي للحد من الجريمة ومعاملة المدانين الذي عقد في اليابان سنة 1970، والتي جاءَ فيها  : (« إذا كان الفرد لا يثق في النظام القضائي في البلاد أو ان هذا الفرد متخوف من ضياع وقته او أمنه من التهديد، فان ذلك يقود ان الشخص سوف يكون غير مستعدًللأدلاء بما يعرفه من معلومات حول الجريمة «)[1].

وأن كل عون يبذله المواطن للسلطات العامة في أداء مهمتها الأساسية في مكافحة الاجرام هو واجب يلتزم به كل مواطن صالح ، حيث يسهم في حماية المجتمع من الجرائم التي قد تؤثر على حياة المواطنين وعلى أمنهم واستقرارهم ، كما يسهم في حماية الدولة ومؤسساتها ولا سيما اذا كانت الجريمة التي تم البلاغ عنها تمس أمن الدولة الداخلي والخارجي.

وعلى كل مواطن أن يتمتع بحس المسؤولية العالي اتجاه وطنه، ويساهم في مساعدة السلطات العامة في مكافحة الجريمة بالإبلاغ عنها قبل وقوعها، أو أن يكون عونا لها في الادلاء بالمعلومات التي وصلت اليه عن الجرائم التي ارتكبت، حيث يساهم في الكشف عن ملابسات الجريمة وتقديم الجاني للقضاء لينال جزاءه العادل.

ومما تقدم فإنَ الإخبار الجزائي يعد من أهم من الوسائل التي لا غني عنها والتي يستعان بها من أجهزة الضبط القضائي بها في محاضر تحرياتهم والتي يقدمون من خلالها الأدلة التي تثبت ارتكاب الجرائم والكشف عن الجريمة فالغاية منه إحاطة الجهات الأمنية ذات الصلة بحدوث جرم في موقع ما لكي تقوم باتخاذ التدابير التشريعية التي تقود إلى إلقاء القبض على المجرمين واتخاذ الإجراء القانوني اللازم معهم[2].

اولا : أهمية موضوع البحث:

تتجلى اهمية البحث بكونه يساهم بشكل فعال ومؤثر في كشف الجريمة، الا انه قد يستغل من البعض من اجل تحقيق دوافع ومارب شخصية، لذلك على الجهات المعنية التعامل مع الاخبار والمخبر بصورة دقيقة من اجل عدم وقوع ظلم على اشخاص أبرياء، وكذلك من اجل صيانة القانون والجهات القضائية والتنفيذية من الوقوع بالخطأ الذي قد يتسبب به هذا الاخبار.

ثانيا : اشكالية البحث:

يمكن تلخيص المشكلة التي واجهتني والتي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع بالاتي: هل يمكن اعتبار الاخبار سببا من اسباب الاباحة خصوصا اذا كان من وقع الاخبار ملزما قانونا بعدم افشاء السر بسبب الوظيفة او بسبب المهنة ؟ وازالة الخلط الذي وقع به المشرع العراقي بين الجرائم والعقوبات عند تنظيم احكام الاخبار، فضلا عن التعرف على موقف المشرع من اباحة الاخبار على الملزمين قانونا بعدم إفشائه؟

ثالثا: أهداف البحث:

ونتيجة لذلك فإن ها البحث يهدف إلى ما يأتي:

بيان المقصود بالإخبار، وبيان الإجراءات القانونية لتلقيه.

بيان الطبيعة القانونية للإخبار.

بيان ما إذا كان الاخبار عن الجرائم سببا من اسباب الاباحة؟

ماهي الاثار القانونية المترتبة على الإخبار؟

بيان موقف القانون والقضاء في العراق من الاخبار؟

رابعا: منهج البحث:

تحقيقا لأهداف البحث، فقد اعتمدنا المنهج التحليلي لمعالجة مسألة الإخبار، وتحليلها تحليلا موضوعيا للوصول إلى النتائج المتوخاة.

خطة البحث:

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للإخبار الجزائي، المطلب الاول: الاحكام القانونية للإخبار الجزائي، الفرع الاول: تعريف الاخبار ، الفرع الثاني: الإجراءات القانونية لتَلقي الإخبار، المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإخبار، الفرع الاول: الاخبار استعمالا لحق أو انه اداء للواجب فقط، الفرع الثاني: الاخبار حق وواجب

المبحث الثاني: الاخبار باعتباره سببا من اسباب الاباحة، المطلب الاول: الإخبار باعتباره أداءً لِلواجب، الفرع الاول: تجريم الامتناع عن الاخبار فيما هو واجب، الفرع الثاني: تطبيقات الإخبار كأداء للواجب، المطلب الثاني: الإخبار باعتباره استعمالا للحق، الفرع الأول: شروط اعتبار الحق سبباً للإباحة، الفرع الثاني: تطبيقات الاخبار استعمالا لحق

الخاتمة، النتائج والمقترحات

المبحث الأول

الإطار المفاهيمي للإخبار الجزائي

تعد جرائم الحق العام ذات طبيعة مهمة بالنسبة للنظام الاجتماعي التي يتم تحريك الدعوى الجزائية فيها ولم يتصل علم جهات التحقيق فيها رغم معرفة البعض بها، ومن هنا فأن مطالبة الفرد بالقيام بدوره في الاخبار عن الجريمة يمثل واجباً قانونياً فضلا عن كونه واجباً أخلاقياً.

وعلى اساس ذلك فإنَ الإخبار يعد من أساليب منع حدوث الجرائم في حال تم اخبار الجهات الأمنية في البلد قبل وقوع الجريمة وبهذه الطريقة تكون علاجا وقائيا، أما إذا حصل التبليغ بعد حدوث الجرم فذلكيحقق هدف اخر وهو تحديد الجاني وعرضه على القضاء لينال جزاءه العادل.

ومما تقدم سنتناول في هذا المبحث الأحكام القانونية للإخبار الجزائي في المطلب الاول، اما المطلب الثاني فسوف نخصصه لبحث الطبيعة القانونية للإخبار. ووفق الاتي

المطلب الاول: الاحكام القانونية للإخبار الجزائي

يعدُ الإخبار الواسطة التقليدية للكشف عن بعض الجرائم والدلالة على فاعليها، أذ أن هناك الكثير من الجرائم الغامضة التي كشفت خيوطها عن طريق الاخبار.

فهو مِن الوسائل المهمة التي تُحرك بها الدعوى الجزائية، فَمن خِلاله يمكن للوقاية من الجريمة قبل وقوعها، وردع مرتكبها بعد وقوعها، فقد ترتكب الجريمة وتتأخر السلطات ذات الاختصاص بِاتخاذ الإجراءات اللازمة مما يؤدي إلى ضياع آثارها ،  فتكون هناك صعوبة في معرفة مرتكبها،  ومن هنا تأتي أهمية الاخبار بوقوع الجريمة وملابساتها وكيفية القيام بها منذ بداية حدوثها أو خلال فترة تنفيذها أو قبل حدوث تلك الجريمة.

وبناء على ذلك سنبحث من خلال هذا المطلب تعريف الاخبار وإجراءات تلقيه وفقا للاتي:

الفرع الاول: تعريف الاخبار:

يُعَرَّف الاخبار لُغةً: بِأنَهُ مَصدر («أخبر – أي أخبره الشيء أو أخبره بالشيء – أعلمه إيَاه أو أنبأهُ به، وهو فعل رباعي مصدره إخبار وإسم الفاعل منه مخبر»)[3].

اما قانونا فَلم  يعرف المشرّع العراقي  الاخبار وإنما استعمل مصطلح الإخبار والإبلاغ[4]، وإنَ هذان المصطلحان كلاهما يدل على معنى واحد وهو الاعلام عن الجريمة، وقد ذكر المشرع العراقي ذلك في تفاصيل التشريع الخاص بِالإخبار في الباب الثاني من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.

اما  تعريف الاخبار فقها فَيُعَرف الإخبار على أنه: (( الابلاغ الشفهي أو التصريح التحريري الذي على السلطات المختصة بقبوله والذي يكون في مضمونه الاخبار عن وقوع جرم جنائي ))[5]،

ويُعرف على أنه « ابلاغ الادعاء العام، وأعضاء الضبط القضائي، والسلطات التحقيقية بحدوث جريمة[6].

ويقصد بِهِ كَذلك («ابلاغ السلطة المختصة بوقوع جريمة او ان جريمة ستقع يعاقب عليها القانون بناء على اسباب معقولة»)[7].

كما يعرف بأنه :(«إبلاغ السلطات المختصة عن جريمة واقعة على شخص المخبر أو عن الغير أو عن الدولة أو مصالحها»)[8].

وقد عرفت مَحكمةُ التمييز العراقية في قرار لها الإخبار بِأنه : ( «مجرد الإعلان بوقوع الجريمة ولا يتطلب فيه كل ما يتعلق بها من معلومات» )[9].

ونتفق مع من يرى أنَ الإخبار يعني: («إحاطة السلطات المختصة علما بوقوع جريمة ما، أو أنها ستقع، من شخص لم يكن ضحية تلك الجريمة «)[10].

الفرع الثاني: الإجراءات القانونية لتَلقي الإخبار:

قد يكون الاخبار تحريرياً أو شفهياً، ويمكن أن يكون الإخبار عن طريق الهاتف أو البريد الالكتروني أو ايَ وسيلة اتصال اخرى. ولا يشترط فيهِ لُغة مُعينة ، المهم هو إبلاغ الجهات المختصة بحصول الجريمة[11]. أما إذا كان شفهياً فيجب  على الجهة التي تتلقاه ان تدون كل تفاصيله، ويقوم المخبر بالتوقيع على ما تم تدوينه حتى يتم الرجوع عليها في حال كان كاذبا[12].

ومن الامور التي قد تحصل أن المحقق قد يرى الحادث فعند ذلك يجب عليه التحقيق فيه إذا كان ذلك ضمن تخصصه أو الابلاغ عنه للجهات ذات الاختصاص لكي تقوم بعمل الإجراءات التحقيقية اللازمة في محل الحادث.

وينبغي على السلطات المختصة عند تلقى الإخبار عن جريمة ما، ان تقوم بتوثيق وقت الاخبار، وتاريخ وقوع الجريمة، حتى يتم تحديد الوقت الذي مضى على وقوع الحادث قبل ورود البلاغ ، ودراسة اثار الجريمة للوقوع على ماهية الابلاغ .

فقد يكون هناك ثَمة تأخير مُتعمد في الاخبار لأغراض التلاعب وإيهام السُلطات أنَ المُخبر كانَ قصدهُ حسن  الابلاغ ، ولكن في الحقيقة هناك مساعدة او تلفيق وغيرها من الامور المرتبطة بالجريمة التي تساعد المجرم في تضليل معالم الجريمة، وبعد التحقق من صحة البلاغ يتم التحرك باتجاه موقع الجريمة فوراً.

ولم تنص القوانين على شروط او اشكال معينة في الإبلاغ[13]، إذ انه من الممكن أن يكون الإبلاغ تحريرياً، أو شفوياً تم أرساله عن طريق البريد، أو من خلال أحد وسائل الاتصال المتاحة،    أو خلال منشوراً في صحيفة معينة [14]. دام ان الهدف من الاخبار هو تبليغ الجهات المختصة بحادثة تعتبر جريمة من الناحية القانونية ولا توجد أي صيغة او طريقة معينة يأتي بها الاخبار[15]، ومع ذلك فإن بعض التشريعات اشترطت الشكلية في الإخبار ومنها التشريع الفرنسي اشترط أن يكون الإخبار كتابياً ومقدماً إلى المدعي العام وأن يحرر من صاحبه، أو وكيله، أو المدعي العام إذا طلب إليه ذلك وأن يوقعه المخبر، أو وكيله وأن تؤخذ بصماته إذا كان لا يعرف الكتابة وعند الامتناع عن التوقيع يشار إلى ذلك في المحضر .[16].

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإخبار:

إن تحقيق التوافق بين أسس القانون الجنائي يتطلب موافقة الفعل الواقع استخداما لحق مرسخ مرتبط بنص قانوني، وان كان في الأصل خاضعا لنص الإدانة، حيث انه من غير الممكن أن يقرر المشرع فعلا ثم يجازي على الأفعال التي تم اقترافها استخداما لهذا الحق، وهناك شروطا معينة للحق تتعين في كون الحق محسوم بمقتضى القانون، وعلى ان يشكل الفعل والظروف التي تأثر فيها ضروريا لاستخدام الحق، علاوة على  ذلك أن يكون هذا الفعل ضمن القيود المحددة لاستعمال الحق[17].لقد اختلف الآراء الفقهية بِشأن الاخبار الجزائي،  بين من يرى أن هذا الاخبار هو استعمالاً لِحق، أو انه اداء لِواجب أو أنَه استعمالاً لِحق واداءً لِلواجب في ذات الوقت. وسوف نتطرق الى هذه الآراء الفقهية من خلال الفرعين الآتيين:

الفرع الاول: الاخبار استعمالا لحق أو انه اداء للواجب فقط:

اولا: الاخبار كونه استعمالا لحق: يكون الإخبار استخداما لحق عندما يكون للأفراد الحرية في الإبلاغ من عدمه من غير وجود إلزام قانوني يلزم بالإخبار، فالأمر متروك لإرادة الفرد، فله الاستقلال الكامل في تقدير الاخبار طبقا لما يراه مناسبا لظروفه الشخصية من غير قوة تضطره على ممارسته أو عدم ممارسته ذلك، دام ان ذلك يعد من حق الفرد في اتخاذ قرار الإخبار عما لديه من معلومات خاصة بالجريمة.

فالإخبار يأتي هنا بطابع الجواز، وعلى ذلك يترتب ان يكون الإعلام بالجريمة حقا له وليس فعلا واجباً على ذلك الشخص، مع عدم احقية أي جهة مسائلة ذلك الفرد في حالة عدم استغلال هذا الحق أو إثارة مسؤوليته الجزائية لغرض تحجيمه عن الإبلاغ دون اي سبب من الاسباب[18].

والحقوق التي يعد استخدامها سبب مباحاً متعددة وقد ورد نصوص قانونية عديده إضافة إلى تشريعات العقوبات وتشريعات أصول المحاكمات الجزائية، وطرق استخدام الحق كثيرة ومن ضمنها الحق في الاخبار عن الجرائم.

ويعتبر الإخبار عن الجرائم مسألة جوازيه يترك للمواطن الحرية المطلقة في أن يخبر أو لا يخبر عن الجريمة التي أدركها [19].

ومما سبق يتضح ووفقا لهذا الرأي ان الاخبار هو مسألة جوازيه للمواطن على اساس ما تفرضه عليه الواجبات الوطنية والاخلاقية والتي تحتم عليه الاخبار عن الجريمة وان لم تفرض عليه القوانين اي جزاء جرَاء عدم الاخبار.

ونرى ان هذا الرأي قد جانب الصواب حيث أعتمد على المثالية في إفراد المجتمع، وهذا الامر محل نظر إذ لو كان الافراد بهذه المثالية لما حصلت الجريمة اصلا، ولما احتجنا الى الاخبار من الاساس، فضلا عن كون عدم الاخبار قد يزيد من نسب ارتكاب الجرائم وبالأخص فيما يتعلق بجرائم الاعتداء على المال العام حيث يؤدي عدم الزام الموظفين او المكلفين بخدمة عامة بِالإخبار عن الجرائم من تزايد حالات ارتكابها دون أن يكون هناك رادعٍ لِمُرتَكِبِها[20].

ثانيا  : الاخبار اداءً لِواجب :توجب التشريعات الجزائية في بعض الجرائم  على الأفراد ضرورة الاخبار عنها ،وذلك لأنها تَمس الحُقوق أو مَصالح مُحددة، وهذا ما يحدد الأفعال المحظورة التي تأتي عليها تلك الواجبات بصورة مباحة [21]. ووفقا لهذا الرأي فأن القانون اوجب على الافراد الاخبار عن الجريمة عند العلم بوقوعها أو الاشتباه بوقوعها، وان عدم الاخبار عنها يعرضهم المساءلة الجزائية.

 ووفقا لذلك فَإن الاخبار يقع قياما لواجب تفرضه القوانين بالنسبة للأشخاص كافة، وبالتالي أصبح القيام بالواجب دافعا عاما للإباحة، فهو يتمثل في كونه عاماً يجيز كل عمل يقع فعلاً بضرورة ينص عليها القانون، وتام لانتفاع كل الافراد ممن ينطبق عليهم القانون للعمل بذلك الواجب[22].

الفرع الثاني الاخبار حق وواجب:

تعطي كثير من التشريعات الجزائية الحق لأي شخص في الإفادة عن الجرائم، ويرتكز ذلك الحق إلى أصل التعاون الاجتماعي ما بين مكونات المجتمع وهذا الأساس يتطلب من افراد المجتمع التكاتف فيما بينهم للحفاظ حرماتهم وأموالهم وأرواحهم ، ومن أشكال التكاتف الإبلاغ عن الجريمة ومن قام بارتكابها حتى يتم تقديمهم الى العدالة [23].

يذهب هذا الرأي الى ان الاخبار يعد استعمالا لحق وأداءً لواجب في الوقت ذاته، ومعنى ذلك ان القانون يعطي للأفراد الحق في الاخبار عن بعض الجرائم دون تعرضهم لأي مسائلة قانونية، وبذلك فهم يتمتعون بحرية مطلقة.

ومن جانب اخر عد الاخبار واجبا في بعض الجرائم وان عدم القيام به يعرض الافراد الى المسائلة الجزائية في حال كونهم يعلمون بوقوع الجريمة أو انها ستقع ولم يقدموا على الإبلاغ عنها دون سبب أو مبرر قانوني [24].

وقد أعتمد هذا الراي على معيار جسامة الجريمة وشخصية المخبر، وجدير بالملاحظة أن المشرع العراقي قد أوجب الاخبار عن بعض الجرائم كونها تمس المصلحة العامة للدولة كالجرائم الماسة بأمنها واقتصادها، كما انها فرضت على الموظفين او المكلفين بخدمة عامة الاخبار عن بعض الجرائم كونها تمس مصلحة الدولة وكيانها، فالمادة 219 من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 قد نصت على أنه: (يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ولم يخبر السلطات العامة بأمرها... .)

وكذلك الأمر بالنسبة لقانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم (14) لسنة 2008 المعدل، حيث نصت المادة (31) منه على أنه: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة واحدة إذا أهمل المافوق مراقبة المادون أو لم يخبر بالجرائم التي ارتكبها المادون أو لم يقم بإجراء التعقيبات القانونية بحقه).

كما ذهب الى ذلك المشرع العراقي في المواد (34 ، 35/سابعاً، 47/ثانياً، 73، 76/ثالثاً) من قانون العقوبات العسكري رقم (19) لسنة 2007.

ومما سبق يتضح لنا ان المشرع العراقي قد سار على هذا المعيار في  تقنين نصوص الجزائية، فقد اوجب القانون العراقي  الاخبار عن بعض الجرائم وتحديداً على بعض الافراد، في حين لم يوجب ذلك في جرائم اخرى[25]

المبحث الثاني

الإخبار بِاعتباره سببا من اسباب الاباحة

إنَ القَوانين والتشريعات المُختلفة كما اقرت حقوقا لكل شخص فقد فرضت عليه التزامات. إلاّ ان إتِهام أيَ شخص بِارتكاب جَريمة ، أو أنَه ارتِكابها فعلاً، يَجعل من هذه الحقوق المقررة للأشخاص عرضه للانتهاك، ويبيح كشف الاسرار، وذلك من اجل الوقاية من الجريمة وتتبع الجاني وتقديمه للعدالة[26].

تفترض عوامل الإباحة على انه يوجد فائدتين يحتم التوافق بينهما، فالتشريعات تضمن حق الفرد حياة ومال وممتلكات الفرد وعرضه عندما يكون التعدي على الحقوق جرم يجازي عليه القانون، ولكن هناك بضع ظروف أجاز القانون التعدي عليها من اجل تأمين مصلحة يعتبر المشرع فيها على انها ذات أهمية اكبر من مصلحة الفرد الذي واجه الاعتداء[27].

ومما تقدم سنبحث الاخبار باعتباره اداء للواجب او استعمالا لِحق من خلال المطلبين الآتيين:

المطلب الاول: الاخبار بِاعتباره أداءً لِلواجب

تضم التشريعات مجموعة من القواعد التي تلزم المواطنين او الموظفين العامين بشكل خاص على واجبات رغم إنها أحياناً قد تؤدي الى التعدي على مصالح أو حقوق نصت القوانين على حمايتها[28].

ويُعرفُ الواجِبُ بأنه سلوك يفرضه القانون على شخص يتضمن القيام بعمل او الامتناع عن عمل، والواجب المقصود به هنا، الاخبار عن الجرائم[29].

لقد أوجب  القانون على الأفراد بِصورة عامة وافراد الضبطِ القضائي بِصورة خاصة  بِأداء واجبات ضمن  ظُروف مُعينة،  فقد يكون مِن مُقتضيات  الواجب ارتكاب جريمة مِن أجل تنفيذ امر القانون[30].

ومما تقدم سنتناول تجريم الامتناع فيما هو واجب، وتطبيقات الاخبار فيما هو واجب من خلال الفرعين الآتيين:

الفرع الاول: تجريم الامتناع عن الاخبار فيما هو واجب

تعد جريمة الامتناع عن الاخبار من الجرائم التي ترتب المسئولية الجزائية على مرتكبها من خلال قيامه بسلوك معين كان من شأن القيام به الحيلولة دون تحقق النتيجة التي يجرمها القانون، ويترتب على الامتناع حدوث النتيجة التي يحظرها هذا القانون وذلك دون أن يصدر عن الشخص أي سلوك إيجابي، وعلى اساس ذلك فَقد  نصت  أغلب  القوانين الجنائية على اعتبار الامتناع عن الاخبار في حالات مُعينة جَريمة يُعاقب  عَليها القانون، خصوصا عندما يكون هناك واجب قانوني يلزم بالإخبار، اذ يفترض في الامتناع وجود نص قانوني يجرم هذا الامتناع ويلزم القيام بهذا الفعل[31].

إنَ جريمة الامتناع عن الإخبار من الجرائم السلبية المترتبة على عدم القيام بواجب، والملاحظ ان أداء الواجب لا يعني إطلاقاً أنه يشكل مصدر لجريمة سلبية فقط، فمن الممكن أن تنشأ عنه جريمة إيجابية بهذا الخصوص كما لو بادر شخص ما إلى الإخبار عن جريمة تنفيذاً للواجب المفروض عليه قانوناً إلا أنه تعمد تضمين إخباره عبارات مخالفة للواقع، وفي هذه الحالة نكون أمام جريمة إيجابية وليس سلبية وبالتالي يخضع مرتكبها لنص المادة (245) من قانون العقوبات العراقي ويطلق عليها جريمة الامتناع[32].

الفرع الثاني: تطبيقات الاخبار كأداء للواجب

يُعَدُّ الاخبار كأداء للواجب في القانون العراقي اذا كان موضوع الاخبار مَصدره أداء واجب نص عليه القانون وفرضه على الأشخاص، وقد جاء ذلك في نص المادة (39) من قانون العقوبات العراقي والتي تنص أنه: («لا جريمة إذا وقع الفعل قياماً بواجب يفرضه القانون» ) ، وقد ذكرت أيضا المادة (40) من القانون أعلاه أنه («لا جريمة اذا وقع الفعل من موظف او شخص مكلف بخدمة عامة في الحالات التالية:

اولا – إذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذا لما أمرت به القوانين او اعتقد ان اجراءه من اختصاصه. ثانيا – إذا وقع الفعل منه تنفيذا لأمر صادر اليه من رئيس تجب عليه طاعته او اعتقد ان طاعته واجبه عليه. ويجب في الحالتين ان يثبت ان اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنيا على اسباب معقولة وانه لم يرتكبه الا بعد اتخاذ الحيطة المناسبة ومع ذلك فلا عقاب في الحالة الثانية إذا كان القانون لا يسمح للموظف بمناقشة الامر الصادر اليه.»).

وقد جاءت النصوص في ان الأشخاص الذين يمتنعون عن الابلاغ عن الجرائم بِذاتها، على ان ذلك الفعل يُعد بِمثابة جُرم يُعاقب عليه القانون. كما في نص المادة (186) من قانون العقوبات العراقي[33]، وكذلك ما نصت عليه المادة (219) من قانون العقوبات العراقي[34]. وكذلك ما نصت عليه المادة (247) من قانون العقوبات العراقي[35].

ونستخلص مما تقدم أن النصوص التي توجب الاخبار أو تجرم الامتناع عن الاخبار هي بمثابة قواعد ملزمة يجب على المخاطبين الالتزام بها ويترتب على عدم الالتزام بها المسألة القانونية من قبل السلطات العامة. كما ان النصوص التي توجب الإخبار او تجرم الامتناع عن الإخبار هي بمثابة قواعد ملزمة يجب على المخاطبين الالتزام بها ويترتب على عدم الالتزام بها المسألة القانونية من قبل السلطات العامة.

المطلب الثاني: الإخبار باعتباره استعمالا للحق

من المعلوم ان القانون هو الذي يقرر الحقوق للأشخاص وهو الذي يرخص لهم بممارسة العمل ويستفاد من ذلك ضمنا اباحة كافة الافعال التي من شأنها ممارسة ذلك الحق او الذي يقوم عليها ذلك الترخيص[36].

وقد جاء في تعريف (الحق) على انه (الاستئثار الذي ينص عليه القانون للفرد، ويصوغ له بواجبه التسلط على شيء او لزوم فعل معين من فرد اخر) وقد جاء ايضاً على أنه (مصلحه تتوفر لها الحماية الكاملة من القانون). وايضاً على أنه(حكم طوعي يخوله القانون للفرد على ان يكون ضمن نطاق معلوم[37]).

وبناء على ذلك سنتناول شروط التي يجب توافرها في الحق باعتباره سببا من اسباب الاباحة وتطبيقاته القانونية من خلال الفرعين الاتيين:

الفرع الاول: شروط اعتبار الحق سببا للإِباحَة:

ان الفعل لا يعتبر سببا من أسباب الإباحة الا اذا كان الفعل الذي يباشر استعمالا لحق في نطاق دائرة الاباحة. وكذلك اذا استوفى الشروط العامة التي تتحقق بها علة الاباحة وهي كما يلي:

ان يتم تقديم الإخبار الى السلطة القضائية أو الادارية[38]:

يَجب ان يقدم الإخبار الى السلطة القضائية او السلطة الادارية حتى يعتبر من اسباب اباحة الفعل ويقصد بالسلطة القضائية: هي السلطات او الجهات المختصة اصلا واستثناء بتلقي او قبول الإخبار ات عن الجرائم ذات الطابع الجنائي[39]، والسلطة الادارية وهي الجهات ذات العلاقة بالإدارة والمسؤولة عن تلقي الإخبار ات بخصوص الجرائم ذات الطابع التأديبي وهذه الجهات هي رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والهيئات الغير مرتبطة بوزارة[40].

فإذا ما تم تقديم الإخبار إلى السلطات المختصة حتى ان كانت هذه السلطات قضائية أم ادارية وتوفرت الشروط الأخرى التي ذكرها القانون فإنه يكون عملا مسموحا، ويعتمد عليه قانونا [41].

ان يتصل الإخبار بالجريمة التي يعاقب على فعلها وتحرك من غير شكوى:

حتى يكون الإخبار ذا قيمة قانونية معتبرة، اي ان القانون يضفي عليه الحماية، وهو ما يعرف بالحق، حيث يلزم بداهه لقيام اباحة هذا الفعل التحقق من وجود هذا الحق وفق القانون[42].

أي جواز استعمال حق الإخبار وبعبارة اخرى فان الإخبار يجب ان يتعلق بالجرائم المعاقب عليها وذلك لأنه غير جائز في الأفعال المباحة، وهذا امر طبيعي لان الاصل في هذه الافعال هو الاباحة، لذلك يتضمن الإخبار اسناد واقعة الى الغير من شأنها ان تستوجب العقاب[43].

ان يكون الإخبار صادقا وبحسن نية:

يتألف هذا الشرط من شقين احدهما ذات طابع موضوعي يتعلق بمادة لإخبار وهي حقيقته ومضمونة، والاخر طابع شخصي يتعلق بنية مقدم الإخبار وهي ان تكون نية مقدم الإخبار حسنة[44]، وهذا ما جاء في قانون العقوبات العراقي في نص المادة (246) بقولها (لا جريمة اذا اخبر شخص بالصدق او مع انتفاء سوء القصد السلطات القضائية او الادارية بأمر يستوجب عقوبة فاعله.).

وتطبيقا للقواعد العامة فان شرط حسن النية يأتي لإباحة استعمال الحق، وهي ضرورة مباشرتها استهدافا للغاية التي قررها القانون لحق، اما اذا استهدف الحق غاية اخرى بغير حسن نية سقطت عنه الإباحة[45].

فقد يستخدم الشخص الحق المقرر قانونا كالإخبار لمجرد الاضرار بغيرة او لتحقيق مصلحة غير قانونية، فقد يكون ذلك خرج بالحق من غرضه المشروع، فلا يكون فعله مباحا حتى وان التزم حدود حقه[46].

اما اذا لم يلتزم الشخص بالحدود القانونية يعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه وهذا التعسف يكون غير جديرا بالحماية ولا بإقرار القانون[47] يتبين من ذلك: انه يتوافر الشروط المشار اليها سلفا فان عدمه توافرها يجعل فعل المخبر غير مباحا ولا يترتب عليه اي مسؤولية قانونية على فاعله.

الفرع الثاني: تطبيقات الاخبار استعمالا لحق:

جاء ضمن قانون العقوبات العراقي ما نصت عليه المادة (246) في نصها انه («لا يعتبر الاخبار جريمة اذا اخبر الشخص بالصدق او مع غياب القصد الجهات ذات الصلة بأمر يقتضي عقاب فاعله»).

والملاحظ ان المشرع العراقي استعمل في بداية المادة انفة الذكر لفظ (« لا جريمة») وهذا اللفظ يدل على إرادة المشرع في إباحة فعل الإخبار وهذا التعبير الذي يلجأ اليه غالبا في صياغة اسباب الاباحة، إلا انه لم يترك اباحة فعل الإخبار على اطلاقها، وانما وضع لها متطلبات معينه من دافع ان القانون لا يقبل حقوقا تامة وان دافع البوح هي قضية عارضه على صيغة التجريم في قانون العقوبات [48].

وقد جاء في نص المادة (« 1/ فق 1») من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي الحق لأي فرد في المجتمع له دراية بحدوث جرم أن يقوم بأخبار السلطات ذات الاختصاص بما رأى أو سمع به أو حتى في حال كان ذلك تحسس بوجود جريمة وقعت [49]، وتطبيقا لذلك قررت محكمة التمييز في قرار  لها على تأكيد جواز الإخبار جاءَ فيه :  (« أي فرد في المجتمع علم بحصولها بمقتضى المادة الاولى من قانون أصول المحاكمات الجزائية»).

وقد أكد ذلك ما جاء في قانون أصول المحاكمات العراقي في نص المادة (47/1) على انه: (« لمن وقعت عليه جريمة ولكل من علم بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى او علم بوقوع موت مشتبه به ان يخبر قاضي التحقيق او المحقق او الادعاء العام او احد مراكز الشرطة).

مما تقدم نستخلص ان القانون العراقي ضمن الحق للأشخاص بان يقدموا على الإخبار عما يعلموا به من الجرائم الى الجهات ذات الصلة والمتمثلة الجهات القضائية والادارية. والاهم في ذلك ان يعلم الفرد في الاخبار انه حق مضمون لكل مواطن وهو واجب عليهم لتوفير الامر والحفاظ على المصلحة العامة، سواء أكان الجرم تأديبياً او جنائياً [50]. حيث تعتبر الظاهرة الإجرامية من اخطر الظواهر المؤثرة في بقاء المجتمع ومستقبل أفراده في العيش بأمان.

إن الدولة مهما كانت قوية من الناحية الامنية فلا يمكنها السيطرة على وقوع الجريمة والاجرام دون مساعدة وتعاون الافراد داخل المجتمع معها، وغني عن البيان ان الحق يعتبر من قبيل المواضيع القانونية التي تستوجب الحماية القانونية لتحقيق مصلحة المجتمع وليس مصلحة الفرد فقط[51]، وذلك على اساس قيام الدولة بحماية المصالح الأساسية عن طريق نظامها القانوني سواء كانت هذه المصالح عامة او خاصة[52].

الخاتمة :

إن الأخبار هو واجب أخلاقي ويتوجب على كل شخص ومن منطلق الشعور بالمسؤولية وبالحس الوطني، أن يساهم في حماية وطنه، وأفراد مجتمعه، وذلك بمكافحة الجريمة بالإبلاغ عنها عند علمه بها، وأن يكون عوناً للسلطة العامة بالإبلاغ عن المعلومات التي علم بها، والتي قد تساهم في سرعة الكشف عن ملابسات الجريمة، والقبض على الفاعلين أو منع الجريمة من الوقوع، ويعزز عند الأفراد الشعور بالانتماء والتضامن من أجل حماية مجتمعهم حيث أن حماية المجتمع وأفراده لاتقع على عاتق السلطة العامة فقط بل يتوجب على جميع أفراد المجتمع أن يكونوا عوناً للسلطة العامة وشركاء لها حتى تستطيع القيام بواجبها في المحافظة على أمن المجتمع وحمايته وتحقيق العدالة على أكمل وجه وفي أقصر وقت.

كما أنه يتوجب عدم التعسف في استعمال حق الاخبار الذي كفله القانون، وذلك بهدف تحقيق غايات غير شريفة أو وسيلة لابتزاز الآخرين أو إلحاق الأذى بأفراد المجتمع وإضاعة وقت السلطة. وفي ختام هذا البحث توصلنا الى عدد من النتائج والتوصيات والتي نختم بها بحثنا  والتي نَعرضُها تِباعا.

اولا: النتائج :

اتضح لنا ان الإخبار قد يكون أداء لواجب عندما يفرض القانون على الشخص الإخبار عن الجرائم التي يعلم بها ويترتب على عدم قيامه بذلك المسؤولية القانونية.

تبين لنا ان الجرائم قد يكون استعمالاً لحق في الإخبار عن الجرائم، وذلك عندما يعطي القانون للشخص الحق في الإخبار عن الجرائم التي يعلم بها ولا يرتب مسؤولية قانونية تجاهه في حال امتناعه عن الإخبار إلا إذا قدم إخباره وتعمد الكذب فيه.

تبين لنا إن المشرع العراقي لم يفرق بين من كان ملزماً قانوناً بالإخبار عن الجرائم وبين من كان ملزماً بالإخبار عن أمور واجب عليه الإخبار عنها إلا إنها قد لا تشكل جريمة بحد ذاتها فأخبر إلا إنه تعمد الكذب في إخباره.

وسع المشرع العراقي في المادة (247) من قانون العقوبات من دائرة الإعفاء للشخص الذي يحجم عن الإخبار حيث أعفى كل من زوج الجاني وأصله وفرعه وإخوته وأخواته (« وكل من كان في منزلة هؤلاء من الأقارب بحكم المصاهرة»  ).

أجاز المشرع سماع شهادة المخبر بعد أداءه اليمين القانونية شريطة أن لايكون قد تلقى أجراً أو مكافأة على أخباره كما أنه حتى لو تلقى أجرا  أو مكافأة يمكن سماع شهادته إذا لم يعترض أي من أطراف الدعوى إذ يمكن عندها سماع أقواله على سبيل المعلومات.

ثانياً ـ المقترحات:ـ

نقترح على المشرع العراقي أن ينص على شمول المشتكي صراحة اذا تعمد الكذب بعقوبة الاخبار الكاذب ليكون نص المادة (243) من قانون العقوبات بالشكل الآتي («كل من قدم شكوى أو إخباراً كاذباً إلى إحدى السلطات القضائية أو الإدارية...»).

 نقترح على المشرع العراقي تعديل نص المادة (243) من قانون العقوبات العراقي  بشأن الاخبار الكاذب  لتكون بذات عقوبة الجريمة التي اخبر عنها مع  اعطاء القاضي السلطة التقديرية في اختيار العقوبة المناسبة حسب ظروف كل جريمة.

 نقترح على المشرع العراقي تعديل المادة (247) عقوبات عراقي بإضافة فقرة خاصة بمسؤولية الشخص الذي يمتنع عن الإخبار عن جريمة علم بها رغم الإلزام القانوني له بذلك.

 نقترح على المشرع العراقي رفع القيد المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائيةالمادة (136/ج) بشأن عدم تحويل المخبر بجريمة الإبلاغ الكاذب أو جريمة الإحجام عن الإخبار إلى المحكمة المختصة إلا بعد صدور إذن من المحكمة أو سلطة التحقيق التي وقع الإخبار الكاذب أو الإحجام عن الإخبار أمامها لأنه يشكل عائقاً أمام المحاكم في سرعة حسم الدعاوى وتأخير بالإجراءات ولأن هذه الجرائم من الجرائم المخلة بسير العدالة.

 نقترح على المشرع العراقي أن ينص على إعفاء الجاني إذا بادر إلى إخبار الجهات المختصة بكذب إخباره قبل الشروع في التحقيق والملاحقة، واعتبار تراجع المخبر عن إخباره بعد التحقيق وقبل صدور قرار نهائي حول موضوع الإخبار ظرفاً مخففاً للعقاب.

 

[1] منشور على الموقع الالكتروني:

https://www.https://www.google.com/search?s

تاريخ الاطلاع 1/10/2023.

[2] علي السماك، الموسوعة الجنائية، القضاء الجنائي العراقي، ج1، مطبعة الجاحظ، ط2، بغداد، 1990، ص115.

[3] لويس معلوف، المجد في اللغة، ط35، دار المشرق، بيروت، 1996، ص176.

[4] تنظر المواد (« 59 , 187 , 218 , 311 «) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

[5] سامي النصراوي ،  دِراسة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، ج2، مطبعة دار السلام، بغداد، 1977  , ص328.

[6] عبد الامير العكيلي وسليم حربة ,شرح اصول المحاكمات الجزائية في الدعوى الجزائية ,ج1,بغداد ,1987. 1975، ص74.

[7] محمد علي سليمان الحلبي، الوجيز في اصول المحاكمات الجزائية، ط1، دار الثقافة والتوزيع والنشر، عمان، 2009،ص129.

[8] براء منذر كمال عبد اللطيف، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، ط2، دار ابن الأثير، الموصل، 2009، ص18.

[9] قرار محكمة تمييز العراق رقم 578 /ج /1937 في 23 / 7 / 1937 مشار إليه في كتاب عباس الحسني وكامل السامرائي: الفقه الجنائي في قرارات محاكم التمييز، مطبعة الأزهر، بغداد، 1969، ص 184.

[10] صَباح مِصباح محمود، التكييف القانوني للاخبار الجرمي في قانون العقوبات العراقي، بحث، منشور في مجلة كلية الحقوق جامعة النهرين، المجلد 14، العدد1، السنة 2012، ص 65.

[11] رزكار محمد قادر، شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية، ط1، مطبعة منارة، اربيل،2003، ص47.

[12] وقد عاقب المشرّع العراقي من يمتنع عن الإخبار بالحبس أو الغرامة في المادة 243 من قانون العقوبات العراقي والتي نصت= =على انه (تعدلت هذه المادة بموجب المادة (2) من قانون تعديل قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، رقمه 15 لسنة 2009، واصبحت على الشكل الاتي:( « كل من أخبر كذبا إحدى السلطات القضائية أو الإدارية عن جريمة يعلم أنها لم تقع أو أخبر إحدى السلطات المذكورة بسوء نية بارتكاب شخص جريمة مع علمه بكذب أخباره أو أختلق أدلة مادية على ارتكاب شخص ما جريمة خلاف الواقع أو تسبب باتخاذ إجراءات قانونية ضد شخص يعلم براءته وكل من أخبر السلطات المُختصة بأمور يعلم أنها كاذبة عن جريمة وقعت : يُعاقب بالحد الأقصى لعقوبة الجريمة التي أتهم بها المُخبر عنه إذا ثبت كذب أخباره وفي كل الأحوال أن لا تزيد العقوبة بالسجن عشر سنوات» ).

[13] تنظر المواد  (47 , 48) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي.

[14] عباس الحسني، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد، مطبعة الإرشاد، بغداد،1971, ص92.

[15] عماد عوض عدس: التحريات كإجراء من إجراءات البحث عن الحقيقة, دار النهضة العربية, القاهرة, 2007, ص265.

[16] محمد عودة الجبور، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط (دراسة مقارنة)، ط1، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 1986، 157.

[17] د. سعد إبراهيم الأعظمي: موسوعة مصطلحات القانون الجنائي، ج1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2002، ص68.

[18] ضياء عبد الله الأسدي و عمار عباس الحسيني : التنظيم القانوني لمكافأة المخبرين، دراسة في قانون مكافأة المخبرين رقم 33 لسنة 2008، بحث منشور في مجلة رسالة الحقوق العلمية، كلية القانون، جامعة كربلاء، ع 1، 2009 , ص77.

[19] د. محمد عودة الجبور ،  الاختصاص القضائي لمأموري الضبط، مرجع سابق ، ص162.

[20] صفاء عبد الرحمن يعقوب النعيمي، المخبر السري وأثره على المتهم وعقوبة السجن مدى الحياة في التشريع العراقي، أطروحة دكتوراه، جامعة سانت كليمنتس العالمية- فرع العراق، 2012، صفحة 16-18.

[21] د. سعد إبراهيم الأعظمي: موسوعة مصطلحات القانون الجنائي، ج1، مرجع سابق، ص63.

[22] د. محمد عودة الجبور: الاختصاص القضائي لمأموري الضبط، مرجع سابق ، ص163.

[23] د. إبراهيم حامد طنطاوي، التحقيق الجنائي من الناحيتين النظرية والعملية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص85.

[24] د. سليم الزعنون، التحقيق الجنائي،ج1،ط4، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001، ص106.

[25] تنظر المواد (47- 48) اصول جزائية عراقي .

[26] محمد نعيم فرحات، النظرية العامة لعذر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي، ، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981، ص8 .

[27] اشرف توفيق شمس الدين وعلي حمودة,شرح قانون العقوبات العام ,دار النهضة العربية,ط2 , القاهرة، 2004. ص368

[28] عادل يحيى قرني، الوجيز في شرح قانون الجزاء العماني،ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007، ص248.

[29] نوار دهام الزبيدي، الحق في الاخبار عن الفساد في ضوء احكام التشريع العراقي، مرجع سابق،ص3.

[30] صباح مصباح. التكيف القانوني. مرجع سابق، ص66.

[31] محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني، مرجع سابق، 275.

[32] سعد إبراهيم الأعظمي، موسوعة مصطلحات القانون الجنائي، ج1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2002، ص25.

[33] نصت المادة (186) من قانون العقوبات العراقي على انه :  (« يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار او بإحدى  هاتين العقوبتين من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ولم يبلغ امرها الى السلطات العامة. ولا يسري حكم هذه المادة على زوج مرتكب الجريمة واصوله وفروعه واخته واخيه» ).

[34] والتي نصت على أنه: (يعاقب بالحبس والغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ولم يخبر السلطات العامة بأمرها. ولا يسري حكم هذه المادة على زوج مرتكب الجريمة واصوله وفروعه واخته وأخيه.).

[35] والتي نصت على أنه: (يعاقب بالحبس او الغرامة كل من كان ملزما قانونا بإخبار احد المكلفين بخدمة عامة عن امر ما او اخباره عن امور معلومة له فامتنع قصدا عن الاخبار بالكيفية المطلوبة وفي الوقت الواجب قانونا. وكل مكلف بخدمة عامة منوط به البحث عن الجرائم او ضبطها أهمل الاخبار عن جريمة اتصلت بعلمه وذلك كله ما لم يكن رفع الدعوى معلقا على شكوى او كان الجاني زوجا للمكلف بالخدمة العامة او من اصوله او فروعه او اخوته او اخواته او من في منزلة هؤلاء من الاقارب بحكم المصاهرة.).

[36] حمودي الجاسم. دراسة مقارنة في اصول المحاكمات الجزائية، ج1، مطبعة العاني بغداد 1962 ص144.

[37] لمزيد من التفاصيل ينظر :د. عبد الفتاح مراد، دروس في مبادئ القانون الجنائي، القسم العام، مطابع كلية الشرطة، القاهرة، بدون سنة طبع، ص216. نبيل ابراهيم سعد، المبادئ العامة للقانون، نظرية القانون، نظرية الحق، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2013، ص133ومابعدها.

[38] يمارس الضبط في الدول الحديثة وظيفتين متباينتين بواسطة نوعين متميزين من النشطة وهما وظيفتا الضبط القضائي والاداري وحيث تتجه الوظيفة الاولى الى تعقب الجريمة بعد وقوعها، تتجه الوظيفة الثانية الى اتخاذ التدابير الامنية لمنع الجريمة. لمزيد من التفاصيل انظر: حلمي الدقدوقي، رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لا عمال الضبط الاداري، دراسة مقارنة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1989، ص85.

[39] صباح مصباح، التكييف القانوني للإخبار، مرجع سابق، ص7.

[40] غازي فيصل مهدي، شرح احكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991، 2004، ص29 وما بعدها.

[41] صباح مصباح، التكييف القانوني للإخبار، مرجع سابق، ص8.

[42] براء منذر كمال عبد اللطيف : شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، مرجع سابق، ص26.

[43] صباح مصباح، مرجع سابق، ص9.

[44] براء منذر كمال عبد اللطيف : شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، مرجع سابق، ص26.

[45] صباح مصباح محمود :مرجع سابق، ص67.

[46] اشرف توفيق شمس الدين، علي حمودة، شرح قانون العقوبات، مرجع سابق ،  ص204.

[47] عوض محمد عوض، قانون العقوبات، القسم العام، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1996، ص99.

[48] صباح مصباح، التكييف القانوني للإخبار،  مرجع سابق، ص10.

[49] القرار رقم 182/هيئة موسعة أولى /1980 في 27/6/1981، اشار اليه القاضي إبراهيم المشاهدي: المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز مرجع سابق، ص195.

[50] محمد زكي ابو عامر، الحماية الجنائية للحريات الشخصية، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1979، ص100. محمد مصطفى، التحقيق والأثبات في القانون الجنائي، مطبعة الزمان، بغداد، 2004، ص70. احمد محمد بونة، اسباب الاباحة واسباب تخفيف العقاب، دار شتان للنشر والبرمجيات، القاهرة، 2010، ص 50.

[51] رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1995، ص500. احمد محمد راشد السعدي، الاباحة في جرائم القذف، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2011، ص146.

[52] مجيد خضير السبعاوي، نظرية الغلط في قانون العقوبات المقارن،، ط1 المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2013، ص177.