تاريخ الاستلام: 1/4/2024    تاريخ القبول:  12/5/2024      تاريخ النشر: 25 تموز 2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/p1806w81

   

دور السياسة الوقائية في

مواجهة جرائم الفساد المنظم

The Role of Preventive Policy in Combating Organized Corruption Crimes

م.م. رامي احمد كاظم

جامعة بغداد- كلية ابن رشد للعلوم الإنسانية

 Assistant Lecturer Rami Ahmed Kadhim

Ibn Rushd Colleg of Education- University of Baghdad

ramy.a@ircoedu.uobaghdad.edu.iq

المستخلص

يمثل المال العام أهمية كبرى لما له من مدخلية مباشرة في التنمية الاقتصادية للبلاد، وبظهور المحاصصة السياسية ظهر نمط مستحدث من جرائم الفساد العام يعرف بـ(الفساد المنظم) الذي يتمثل بمساهمة مجموعة من الموظفين رفيعي المستوى واستغلالهم الهيكل الإداري للمرفق الذي يعملون به، بغية إستنزاف مقدرات البلاد لمصالحهم الشخصية، مسببين بذلك آثار خطرة على استقرار الدولة من الجوانب السياسة، والإقتصادية، وحتى الاجتماعية.

وعلى الرغم من أن المشرع الكريم أحاط المصلحة العامة بالحماية الجنائية عن طريق تحديد السلوكيات التي تسبب ضرراً لأموال المرافق العامة والخاصة، فضلاً عن حمايته للمركز الوظيفي وشمول مؤسسات القطاع الخاص بأحكام قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2019 المعدل، إلا أن جرائم الفساد المنظم مستمرة بشكل واضحٍ للعيان.

وهذا ما دعانا الى أن نسلط الضوء على مواجهة تلك الجرائم وهي في مرحلة التكوين، عن طريق السياسة الوقائية بإعتماد الجهات المختصة منهجاً إستباقياً للتصدي إلى مقدمات هذا النمط من الجرائم، وذلك بإتخاذ جملة من الإجراءات كالشفافية في العمل، وتطوير أنظمة الرقابة الداخلية في المؤسسات كافة، فضلاً عن حث الموظفين والمكلفين بخدمة عامة على إخبار الجهات المختصة بوجود شبهات فساد مالي أو إداري في المؤسسات التي يعملون بها، إذّ أن هذه الإجراءات وغيرها من إجراءات المنهج الوقائي في الإحتراز من جرائم الفساد الإداري والمالي، تؤدي إلى إبعاد من تُنبأ سيرته الوظيفية أو صحيفة سوابقه الجزائية عن خطورة كامنة فيه لما تمثله من تهديد مباشر على المرفق الذي يروم تسنم إدارته، مما يحول دون تحقيق مشروعه الإجرامي. 

كلمات مفتاحية: السياسة الوقائية- جرائم الفساد- الفساد المنظم

Abstract.

      Public money is of great importance because it has a direct role in the country’s economic development. With the emergence of political quotas, a new type of public corruption crime emerged known as “organized corruption”. This type of corruption is characterized by the participation of a group of essential officials and their exploitation of the administrative function of the institution they work for in order to drain the country’s resources for their interests, causing severe effects on the stability of the state from all aspects: political, economic, and social.

     We have focused on preventing financial and administrative corruption crimes by adopting a proactive approach. The competent authorities have taken various measures, such as promoting transparency in work and developing internal control systems in all institutions. Additionally, employees and public service personnel are encouraged to inform the competent authorities of any suspicious activities related to financial or administrative corruption in their institutions. By adopting these preventive measures, we can exclude individuals whose resumes or criminal records indicate a potential danger to the facility they desire to manage, which can prevent them from achieving their criminal goals.

Keywords: preventive policy - corruption crimes - organized corruption

المقدمة

    باتت جرائم الفساد الشغل الشاغل للمجتمعات بشكل عام والمجتمع العراقي الكريم بشكل خاص، إذّ لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات على مختلف مراحل الزمن من جرائم الفساد الإداري والمالي، وقد دأبت الدول على مكافحة هذه الجرائم عبر مؤسساتها المتخصصة بهذا الأمر إلا أن جميع تلك الإجراءات لم تحد من تفاقم جرائم الفساد، مما جعلها تمثل خطراً صريحاً على الدولة بمختلف مؤسساتها الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، وذلك بظهور نوعٍ جديدٍ في أساليب ارتكابها متمثل بقيام كبار الموظفين بالمساهمة الجنائية  في ارتكاب جرائم الفساد متكئين على نظام المحاصصة والنفوذ السياسي والوظيفي، لتحقيق مآربهم بإستهداف مقدرات الدولة العامة والخاصة، لمصالحهم الشخصية، أو لمصالح الجهات التي تقف من ورائهم، وإذّ أن السياسة الجنائية للمشرع الكريم أحاطت هذه الجرائم بأهمية بالغة ترجمت على شكل تفريد قوانين خاصة معنية بمكافحة جرائم الفساد كقانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2011 المعدل، فضلاً عن بعض النصوص الجزائية المتفرقة بين مختلف القوانين المعنية بذات الأمر، إلا أن استمرار ارتكاب تلك الجرائم مازال مستمراً دون تراجع، مما يستوجب مراجعة آلية التصدي لهذه الجرائم واستئصال منابعها قبل أن تمس المصلحة المحمية وذلك عن طريق السياسة الوقائية بإتخاذ تدابير احترازية تحقق هذا المبتغى.

أولا: أهمية الموضوع وسبب اختياره:

تكمن أهمية الموضوع بتسليط الضوء على الدور الإستباقي للمشرع والجهات المختصة في مواجهة جرائم الفساد المنظم، لما يمثله من خطر كبير على مرتكزات الدولة الإدارية والإقتصادية، وانعكاسها على الإضرار بالوجود الاجتماعي والسياسي، إذّ أن فلسفة السياسة الوقائية لحماية تلك المرتكزات لا تتجه الى ضرب السلوك الإجرامي عند تحقق نتيجته، وإنما تسعى إلى ما هو أبعد من ذلك وأوسع عن طريق الضرب على منابع السلوك الإجرامي وهو في مرحلة التكوين، إذّ تؤدي إلى تأمين المصلحة في جرائم الفساد قبل المساس بها، وذلك عن طريق اعتراض خطوات الفاسدين المتجهة الى تحقق جريمتهم من منابعها.

كما تكمن أسباب اختيارنا لهذا الموضوع بما نشاهده من مقارعة كبرى بين الجهات المختصة بمكافحة الفساد من جهة، وبين أرباب الفساد المنظم في المؤسسات الهامة للدولة من جهة أخرى، إذّ أن شرعنة المحاصصة هيأت للفاسدين مكاناً خصباً توغلوا من خلاله للإثراء على حساب مقدرات البلد، مما يتوجب اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لمنع وصولهم الى تلك المقدرات تحت أي ذريعةٍ كانت.

ثانياً: إشكالية البحث: 

   يمكن تلخيص الإشكالية والتي تُعدُّ المرتكز التي يدور حولها نطاق البحث، بإعتماد الجهات المختصة بمكافحة الفساد بغالبية إجراءاتها على السياسة الجنائية المتمثلة بالتجريم والعقاب، وهو ما يعد منهجاً تقليدياً لا يؤتي أكله مع النمط الخاص بجرائم الفساد المنظم، لما تمتاز به تلك الجرائم من اعتماد أسلوب المساهمة الجنائية بتعدد الجناة على اختلاف المراتب الإدارية الرفيعة، وانتهاج الأسلوب الهرمي في إدارة عمليات الفساد الكبرى، مما يمكن للفاسدين الهروب بعد انتهاء مهامهم الوظيفية وصعوبة استردادهم أو معالجة اضرار الجرائم المرتكبة من قبلهم، وهو ما يمثل إشكالية بحثنا في هذا المقام، ساعين الى تسليط الضوء على أنتهاج منهج إستباقي وقائي لعدم تمكين هذه الفئة من تحقيق جرائمها وضرب السلوكيات المؤدية الى تلك الغاية وهي في مرحلة التكوين عن طريق منهج السياسة الوقائية.

ثالثاً: تساؤلات البحث

استدعت إشكالية البحث اثارة عدة تساؤلات يمكن أجمالها بالآتي:

1- ماهي السياسة الوقائية وماهي الخصائص التي تمتاز بها؟

2- ما هو الفساد المنظم، وماهي الأسباب التي ينشأ من خلالها؟ 

3- ما هو المنهج الوقائي الفعال للإحتراز من تحقق جرائم الفساد المنظم؟

رابعاً: منهجية البحث:

كإجابة على تساؤلات البحث اعتمدنا المنهج الوصفي التحليلي، إذّ سنتناول بالوصف والتحليل اجراءات الجهات المختصة في مواجهة جرائم الفساد، ولعل استخدام هذا المنهج يسهم في التعرف والوقوف على مواطن القوة والقصور والتناقض في الأحكام القانونية وتطبيقاتها المتعلقة بالسياسة الوقائية في مواجهة جرائم الفساد المنظم، وهو ما يمكّننا من اقتراح أنسب الحلول لمعالجة القصور وإزالة التناقض، مع تعظيم الاستفادة من مواطن القوة.

خامساً: تقسيم البحث:

إيفاءً بما تقدم سنقسم هذا البحث على مباحث ثلاثة:

نتناول في المبحث الأول: التعريف بالسياسة الوقائية وبيان خصائصها، مقسماً على مطلبين: افردنا المطلب الأول لبيان مفهوم السياسة الوقائية، أما المطلب الثاني فقد أفرد لتسليط الضوء على خصائص السياسة الوقائية.

وأما المبحث الثاني: فخصصناه للتعريف الفساد المنظم وبيان أسبابه مقسماً على مطلبين رئيسيين: المطلب الأول: خصص لبيان مفهوم الفساد المنظم، أما المطلب الثاني فقد تناولنا فيه أسباب الفساد المنظم.

ولغرض بيان المنهج الإستباقي في مواجهة جرائم الفساد المنظم أفردنا المبحث الثالث مقسماً على خمسة مطالب: تناولنا في المطلب الأول الشفافية في العمل الإداري، وفي المطلب الثاني الرقابة الداخلية، وأما المطلب الثالث فقد خُصص لبيان الإخبار عن جرائم الفساد، بينما خُصص المطلب الرابع لتسليط الضوء على إجراء كشف الذمة المالية، كما أفرد المطلب الخامس لبيان أهمية العقوبات الإنضباطية في السياسة الوقائية.

المبحث الأول

التعريف بالسياسة الوقائية وبيان خصائصها

إن الوقاية من الجريمة منهج جديد في السياسة الجنائية لم يتم تسليط الضوء عليه إجرائياً بشكلٍ يجعل المجتمع يروم الى الإتكاء عليه في مقارعة الإجرام، إذّ يتطلب التعريف بالسياسة الوقائية بيان مفهومها، وخصائصها التي تمتاز بها في الإحتراز من السلوك الإجرامي والتصدي الإستباقي للجريمة، وذلك فقاً لما يأتي من المطالب:

المطلب الأول: مفهوم السياسة الوقائية

تعد السياسة الوقائية إحدى أقسام السياسة الجنائية، التي تعني منهج المشرع في التجريم والعقاب، ويعد الفقيه الألماني (فويرباخ) أبرز من استخدم هذا المصطلح في مؤلفاته، إذّ عرف السياسة الجنائية بأنها «مجموعة من الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين و في بلد ما من اجل مكافحة الاجرام»[1]، إلا أن ما يؤاخذ على هذا التعريف بأنه قصر دور السياسة الجنائية على مكافحة الإجرام فقط، مما دعى بعض الفقهاء للخروج من هذا المفهوم الضيق، والإتجاه الى مفهوم أوسع للسياسة الجنائية ليشمل التصدي للجريمة والوقاية منها، إذّ تبنى الفقيه الإيطالي (كَراماتيكا) هذا الإتجاه، ونادى في مؤلفاته بأن الظروف التي خلفها المجتمع هي السبب الأساسي في انحراف الجاني، إذ يرى أن الهدف من السياسة الجنائية هو الوقاية من الإجرام، وأن العقوبة لابد من تسخيرها لخدمة هذا الغرض، الذي يمثل اصلاح الجاني واحترام شخصيته، مما يتطلب الإستعانة بالعلوم الأخرى التي تدرس شخصية المجرم في ذاته وفي علاقته بالمجتمع، لبيان درجة انحرافه، وقد اطلق على منهج (كَراماتيكا) بالمتطرف، إذّ حاول إلغاء كل دور لقانون العقوبات، وإعتماد التدابير الاجتماعية بدلا عنه[2]، وقد أيد هذا الاتجاه الفقيه (جرسبيني) عام 1932 الذي عرف السياسة الجزائية بأنها: «العلم الذي يدرس النشاط الذي يجب أن يطور الدولة من الناحية الوقائية والعقاب على الجريمة»[3].

وعلى إثر تلك المتبنيات الفلسفية عرفت السياسة الوقائية بتعاريف متعددة منها: «التصور الشامل للأهداف التي تكون قائمة في ذهن من يخطط لها، من أجل تحقيق الأمن والسلامة والإستقرار للمواطن داخل المجتمع»[4]، فهي تعني كل الوسائل والإجراءات الإحترازية التي يتم إتخاذها من قبل الدولة بسلطاتها المختلفة وأفراد المجتمع لغرض الوقاية من الجريمة وتأمين الضبط الإجتماعي وتوفير الرعاية المتكاملة لأفراد المجتمع[5]، كما أنها: «أي فعل مخطط يقام به تحسباً لظهور مشكلة معينة أو مضاعفات لمشكلة كانت قائمة أصلاً، وذلك بغرض الإعاقة الجزئية أو الكاملة للمشكلة أو لمضاعفاتها»[6]، إذّ يكمن الأساس الموضوعي للوقاية من الجريمة في تحييد الخطورة الإجتماعية والتي يقصد بها إحتمال إقدام شخص على إرتكاب الجريمة، وقد حاول (جاروفالو) أن يوسع من هذا المدلول فيضيف إلى معنى الإحتمال عنصراً ثانياً هو إمكانية تجارب مع المجتمع أي مدى توافر الظروف الإجتماعية لديه، حتى يتوقف لديه إحتمال إرتكاب الجريمة[7].

وبدورنا نعرف السياسة الجنائية الوقائية بأنها الدور الإستباقي للمشرع والجهات المختصة باعتماد مجموعة من الوسائل العلمية والإجراءات الفنية لتأمين المصالح المحمية للأشخاص، عن طريق تحييد الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص من يروم انتهاك تلك المصالح.

المطلب الثاني: خصائص السياسة الوقائية

تمتاز السياسة الوقائية بخصائص تمكنها من الإستحكام على الإعاقة الكاملة أو الجزئية للظاهرة الإجرامية وذلك بواسطة منهج مخطط يعتمده المشرّع لمنع وقوع الجريمة، وحماية المجتمع من آثارها، إذّ تتمثل تلك الخصائص بما يأتي:

الفرع الأول:الاستباقية

تتصدى السياسة الوقائية الى الجريمة قبل تحققها على أرض الواقع، وذلك بمعالجة الخطورة الإجتماعية للفرد إذّ تكون تلك الخطورة سابقة على ارتكاب الجريمة، في قبال الخطورة الإجرامية التي تعد لاحقة على الحالة التي تنشأ بعد ارتكاب فعل يعده القانون جريمة، إذ يذهب جانب من الفقه  الى أن الخطورة الإجرامية تمثل دلالة كشفية للإستعداد الإجرامي، فمتى ما ارتكبت جريمة فإنها تكون دالة على الخطورة الإجرامية لدى فاعلها، أي كانت دليلاً على احتمالية أن يكون فاعلها مصدراً لجريمة أخرى جديدة تقع منه مستقبلاً، والسبب في ذلك يعود الى أن الغالب في الأمور هو أن يكون المجرم مرة، مصدراً لجريمة يرتكبها مرة أخرى[8].

ومن جهة أخرى فأن الثابت من أبحاث علم النفس الجنائي أن تحقق سلوكاً ما لمرةٍ واحدة من شأنه أن يجعل المجهود اللازم لتكرار هذا السلوك مرة أخرى أقل مشقة، وأن النفس يوجد لديها ميل العودة الى ما سبق صدوره منها، وكل جريمة تستوجب مبدئياً توقيع الجزاء وهو ما يُعطي مجالاً للوظيفة الوقائية للعقوبة، وفي ضوء ذلك يمكن القول بأن المشرع يفترض الخطورة الإجرامية بالنسبة لمرتكبي الجريمة ولا يسمح بأثبات عكسها إلا استثناءً بالنسبة للجرائم التي لا تكشف عن خطورة مرتكبها حيث يجيز إما وقف التنفيذ بالنسبة للعقوبة أو عدم النطق بالعقوبة أصلاً واصدار عفوٍ قضائي عن المتهم[9].

الفرع الثاني: السياسية

يبتغي المشرع في تحديد سياسته الوقائية حماية مصلحة الدولة واستقرار النظام السياسي بالدرجة الأساس، وذلك عن طريق توعية افراد المجتمع بواجبات الدولة والمؤسسات العامة لتكوين قيم المواطنة لديهم، إذّ أن تحقق هذه القناعة لدى الأفراد تؤسس مجتمع متماسك، كاره للمضرة بالآخرين، والجدير بالذكر أن هنالك ارتباط وثيق بين السياستين العامة والسياسة الجنائية الوقائية، فالأخيرة معنية بإستقرار الحكم والنظام السياسي في البلاد، وهو من متبنيات مدرسة الدفاع الاجتماعي التي تدعو إلى الإهتمام بالأفراد وتحسين أحوالهم وتأهيلهم إجتماعياً[10]

أما سياسة الدفاع الإجتماعي الجديدة، فقد تبنت الإهتمام بالقيم الأدبية والاجتماعية المتعلقة بالإنسانية جمعاء، فضلاً عن ضمان النمو الحر للفرد وتأمين مصالح الانسان التي تعد تجسيداً لمصالح الفرد ازاء المجتمع[11]، مما ينعكس ايجاباً على انتظام وسلامة المجتمع وبالتالي تهبط نسبة الإجرام، في حين أن استناد نظام الحكم على أُسسٍ خاطئة وتوالي التغييرات الطارئة عليه تهيء الظروف المسببة لإختلال أمن وسلامة المجتمع، وبالتالي ارتفاع نسبة الإجرام فيه[12]

الفرع الثالث: العمومية

أن السياسة الوقائية لا تتعامل مع حالات فردية، وإنما تهدف إلى اتخاذ الإجراءات كافة لتحسين ظروف من يسعى إلى إرتكاب إيقاع الضرر بالمصالح المحمية، وفيما يخص جرائم الفساد فالسياسة الوقائية تشمل جميع من يتوقع منهم الضرر بمصالح الدولة، ولا يقتصر على فئة محددة كالموظفين أو المكلفين بالوقاية من الخطورة المتأتية من أعمالهم في مؤسسات الدولة، بل يشمل حتى مؤسسات القطاع الخاص والعاملين فيها، فلا يقتصر على تلك الوظيفة فحسب، وإنما يشمل العمل في مؤسسات القطاع الخاص كذلك، إذّ أن المشرع العراقي قد انضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، وذلك بموجب القانون رقم (35) ﻟﺴﻨﺔ ٢٠٠٧، التي تجرم كافة صور الفساد في مؤسسات القطاع الخاص كالرشوة والاختلاس والتزوير والاثراء غير المشروع، إذّ تكمن علة التجريم في هذا المقام من اشتراك القطاع الخاص في تنمية البلد الاقتصادية، مما يلزم احاطته بالحماية الجنائية بشكل عام والوقائية بشكل خاص بغية مراقبة النشاطات المنبثقة منه.

والجدير بالذكر أن التعديل الأول لقانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2019، قد حدد ضمن أحكام المادة (1/ثالثاً/ ب) منه نطاق جرائم الفساد في القطاع الخاص والتي تتمثل بـ (1-جرائم الفساد وبضمنھا خیانة الأمانة التي ترتكب من المنظمات غیر الحكومیة الممنوحة صفة النفع العام وفي الإتحادات والنقابات والجمعیات المھنیة التي تُسھم الدولة في أموالها، أو التي مُنحت أموالها صفة أموال عامة أو التي مُنح منسوبوها صفة المكلفین بخدمة عامة.  2- جرائم الرشوة في القطاع الخاص الوطني والاجنبي في الاعمال المتعلقة بالقطاع العام وجرائم رشوة الموظف الأجنبي).

كما عدّت المادة (19/ ثامناً) مرتكب أحد الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون مكلفاً بخدمة عامة لأغراض تطبيق أحكام هذا القانون وقانون العقوبات، إذّ أن الغاية وحسب ما جاء بالأسباب الموجبة للتعديل هو )مد صلاحية هيئة النزاهة إلى الجرائم المرتكبة في الإتحادات والنقابات، والمنظمات غير الحكومية والجمعيات المهنية، واستجابة لإلتزامات العراق الدولية([13].

الفرع الرابع: الجمع ما بين الطابعين العلمي الاجتماعي

تستمد السياسة الوقائية معطياتها من نظريات علم الإجرام المعاصر التي تحيط المشرع بالنظريات العلمية المفسرة للسلوك الإجرامي، والتي يدور محورها في بيان أسباب الجريمة ودوافعها، فضلاً عن آثارها الخطرة على الواقع الإجتماعي، وفي ضوء نتائج تلك النظريات يضع  المشرع مبادئ سياسته الوقائية التي تستهدف عرقلة ارتكاب الجريمة، إذّ أن نجاح المشرع بتأمين حماية المجتمع وتأهيل أفراده منوط بمدى استجابته للنتائج الواقعية للنظريات الحديثة في علم الإجرام المعاصر، كما تنطلق السياسة الوقائية لتلبية محاورها العامة من واقع وقيم المجتمع التي تسعى إلى تأمينه وحمايته، إذّ يعتمد المجتمع على مجموعة معايير تمثل ميزاناً مرجعياً يقاس به ماهو مقبول وماهو مرفوض اجتماعياً، ليبتعد عنه الفرد ويتجنب اللوم الإجتماعي، ويأتي على رأس تلك المعايير (المعيار الأخلاقي) الذي يمتلك من الخصائص ما لا يمتلكه أي معيارٍ آخر، فكل سلوكٍ يبرر ارتكاب الجريمة أو يمهد لها يكون بذلك مخالفاً للمعيار الأخلاقي، ويُعدُّ مجرماً بنظر المجتمع بغض النظر عن جسامته وضرره، فالمهم في هذا المقام هو حالة الخطورة المتأتية من هذا السلوك[14]، وهو ما يسعى المشرع لتحييده وإلغاء الزيادة التي تخلقها ظروف أو عوامل معينة[15] عبر سياسته الوقائية.

المبحث الثاني

التعريف بالفساد المنظم وبيان أسبابه

الفساد بشكل عام داءٌ اجتماعي ينخر اللبنة الأساسية للمجتمع، ويهدد استدامته على مختلف الأصعدة، وتبلغ خطورته اقصى مداها عند دخول عنصر التنظيم في هذا النوع من الجرائم، مما يسبب دماراً للبنية الإدارية والإقتصادية في البلاد، إذّ يتطلب التعريف بالفساد المنظم تسليط الضوء على مفهومه، وبيان الأسباب التي ينطلق منها اربابه، وفقاً لما يأتي من المطالب:

المطلب الأول: مفهوم الفساد المنظم

يعرّف الفساد بأنه: «استخدام الوظيفة العامة والسلطة للحصول على مكاسبٍ بطريقة غير مشروعة»[16]، وبتعريف مشابه يعرف بأنه: «إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مصالح شخصية، مادية كانت أم معنوية من خلال انتهاك القواعد الرسمية»[17]، وجاء في المحتوى(2) من الأمر (55) لسنة 2004، الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة تحت عنوان (تفويض السلطة فيما يتعلق بالمفوضية العراقية المعنية بالنزاهة العامة) تعريف الفساد بأنه: “آفة تصيب الحكومة الصالحة بالهلاك وتلحق البلاء بالرخاء والازدهار”

إذّ تحصر هذه التعاريف إساءة استعمال السلطة واستغلالها بما يحدث في أروقة الوظيفة العامة، وهو خلاف الواقع من الناحيتين التشريعية والواقعية، فالفساد لا يقتصر على استغلال الوظيفة العامة فحسب بل يشمل كذلك ما يرتكب من جرائم فساد في مؤسسات القطاع الخاص، وشمول تلك الجرائم بالتجريم كان ناتجاً عن مصادقة العراق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، وفقاً لقانون رقم (35) ﻟﺴﻨﺔ ٢٠٠٧، إذّ تجرم تلك الإتفاقية صور الفساد الإداري والمالي التي ترتكب في مؤسسات القطاع الخاص، مما يعني أن هذه الإتفاقية أصبحت من متبنيات المشرع في سياسته الجزائية بمكافحة الفساد الإداري والمالي.

وتكمن علّة تجريم الفساد في هذا القطاع لمساهمته في التنمية الاقتصادية للبلاد، فضلاً عن سهولة ارتكاب اربابه لجرائم الفساد كغسل الأموال والتزوير والتهرب الضريبي، والاثراء غير المشروع، مما ألزم المشرع الى مراقبة نشاط القطاع الخاص بدقة والتصدي للجرائم المرتكبة من خلاله.

وكما أن القانون يشترط توافر الركن المفترض المتمثل في الموظف او المكلف بخدمة عام في جرائم الفساد المرتكبة داخل المؤسسات الرسمية او شبه الرسمية، فإنه يشترط أيضاً أن يكون مرتكب الجريمة في القطاع الخاص مستخدماً خاصاً في مشروعات تخص تلك الجرائم[18]، ويذهب رأي نخالفه إلى أن السلوك المجرّم في القطاع الخاص يجب أن يكون بغير رضا صاحب العمل، وعلة ذلك أن رب العمل هو الأقدر على تحديد ما يمس نزاهة العمل في مشروعه[19].

إذّ أن هذا الرأي يجانب حقيقة الفساد المنظم في القطاع الخاص، فرب العمل قد يكون مساهماً في جرائم الفساد المرتكبة داخل مؤسسته، من خلال اخفاء البيانات المالية الصحيحة عن ديوان الرقابة المالي، أو التلاعب ببيانات المستخدمين لديه للتهرب من نسب الضمان الاجتماعي، أو التلاعب في الموارد المالية لغرض اختلاس الفروقات المالية المتلاعب ببياناتها لحسابه الخاص، مما يعني أن العلة بالتجريم تكمن بالسلوك المجرّم قانوناً، دون الإلتفات إلى رضا رب العمل من عدمه.

وعلى الصعيد الدولي عرّف الفساد وفقاً لمرشد الأمم المتحدة الخاص بمواجهة الفساد بأنه: (سوء استعمال السلطة العامة للحصول على مكاسب شخصية يضر بالمصلحة العامة) [20] وعرفته الهيأة المستقلة لمكافحة الفساد بأنه: (جريمة ضد المجتمع ومصلحته وأنه مخالفة لثقة المجتمع ويؤدي إلى عدم التساوي بين المواطنين والى إهدار الاموال العامة ويعد الفساد خروجاً على القانون والنظام، أو استغلال المال العام من أجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية أو اجتماعية للفرد أو لجماعة معينة)[21].

إذّ يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن الفساد هو مجموعة الاختلالات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع[22]، وهذا التعريف محل ترجيح لدينا إذّ لا يجب حصر الفساد فيما يمثل انتهاك القواعد القانونية الرسمية فحسب، بل يمتد ايضاً إن لم يكن ابتداءً بشكلٍ جوهري من إنتهاك القواعد الأخلاقية والإجتماعية، مما يؤدي بالفرد الى اللامبالاة في إنتهاك القواعد القانونية، انطلاقاً من تبريرات مزيفة لإرتكاب تلك الجرائم.    

أما الفساد المنظم فقد عُرّف بأنه: “الفساد الذي يتم من خلال جماعات إجرامية، وهذا يعني أن أطراف جريمة الفساد محددين، ويعملون وفق خطط مرسومة مسبقاً، حتى وإن لم تأخذ صفة الطابع المؤسسي، فهو فساد متكرر ويوفر كسباً مربحاً”[23]، كما يعرفه آخرون بأنه: « نوع من الفساد يقوم على الاستغلال المنظم للمركز الوظيفي بأن ينظم الفاسدون أنفسهم بإتباع سياسة وخطط معينة لإستجلاب عائدات عملياتهم الفاسدة، وهو فساد يمارسه عدد من الموظفين الفاسدين في ظل استراتيجية معينة يُتفق عليها صراحةً أو ضمناً»[24]

    وبدورنا نعرّف الفساد المنظم بأنه المساهمة الجنائية بإستغلال الهيكل الوظيفي للمؤسسة التي يترأسها ويعمل فيها الجناة، وتوظيف هذا الهيكل لأعمال الفساد على إختلاف أنماطه.

   إذّ أن آلية الفساد المنظم تتجسد بشبكة وحلقات متعددة من كبار الفاسدين يقوم أعضاؤها بحماية افراد الحلقات، وهؤلاء بدورهم يقومون بتقديم الخدمات إلى أعضاء الشبكة ويساعدونهم على اخفاء الفساد الذي يقومون به، وفي الغالب تتألف تلك الشبكات من كبار الموظفين الفاسدين أصحاب الدرجات العليا، الذين يديرون علميات الفساد من خلف الكواليس كونهم أصحاب القرارات الهامة في الدولة، إذّ نجد الإنحرافات التي تقع داخل المؤسسات تكون في بعض الأحيان مستشرية وموزعة بشكلٍ متناسقٍ من أعلى الهرم الوظيفي فيها وحتى أدنى مستوىٍ في السلّم الوظيفي، ويتوزع في فواصل المؤسسة على شكل شبكةٍ مرتبطة بعضها ببعض[25].

المطلب الثاني: أسباب الفساد المنظم

تقف وراء جرائم الفساد المنظم مجموعة عوامل تتناسب طردياً في شدتها مع تنامي هذه الجرائم وتهديدها لمؤسسات الدولة، إذّ تنطلق تلك الجرائم من أسباب عديدة منها السياسية وأخرى اقتصادية، فضلاً عن الأسباب الاقتصادية والإجتماعية، إضافة إلى الأسباب النفسية، وبيان ما تقدم من الأسباب فيما يأتي:

الفرع الأول: الأسباب السياسية

يُعدّ الفساد السياسي من أكثر أنواع الفساد إضراراً بمؤسسات الدولة، لأنه يؤثر في خلخلة النظام ضمن أجهزة الدولة كافة، بل ويجعل من القائمين عليه يتصرفون به بشكلٍ علني وبلامبالاة بالنتائج المترتبة عنه قانونية كانت أم إدارية، وذلك بسبب تقسيم أرفع المناصب الإدارية على أساسٍ محاصصاتي، وبالتالي سيؤدي ذلك التقسيم إلى فتور الدور الرقابي  تتمثل الأسباب السياسية باتفاق أرباب الفساد على تمرير صفقات الفساد ضمن المحاصصة المتفق عليها مسبقاً، مما ينتج انحرافاً في سلوك الموظفين وخرق الأنظمة والقوانين[26]، بل الأخطر من ذلك يؤدي إلى اللامبالاة في النتائج المترتبة على تلك الجرائم، حتى وصل الحال الى عرض وزارات سيادية للبيع، مما يجعل من التوصيف الوظيفي مشوهاً  بحسب مزاجية الملاّك الجدد لتلك الوزارات[27].

مما يؤدي بالنتيجة إلى استدامة الفاسدين في مناصبهم لفترة طويلة من الزمن، وحتى بعد انتهاء تلك الفترة يستمر هذا الفساد عن طريق المساهمين الآخرين المتغلغلين في الجهاز الوظيفي بسبب تكوينهم لشبكة مصالح تشمل الأقارب والأبناء[28]

ومن المخاطر المترتبة على هذا النوع من الفساد هو ضعف المواجهة الجزائية له بسبب تقييد السلطة القضائية في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كبار الفاسدين ضمن هرم السلطة، فيصبح مبدأ الفصل بين السلطات عنوان دون معنون بسبب التدخلات السياسية في اعمال القضاء، حتى وصل الأمر إلى ابتزاز السلطة القضائية عند القيام بعملها لتحقيق أسس العدالة في المجتمع، وانعكس ذلك على نظرة السلطة القضائية حول تجربة النظام البرلماني في العراق التي وصفها السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى بأنها فاشلة وأن هذه التجربة ستؤدي إلى تكريس المحاصصة[29].

الفرع الثاني: الأسباب الاقتصادية

يذهب جملة من الباحثين إلى أن العامل الاقتصادي يُعدُّ أمراً جوهرياً في تفشي جرائم الفساد، وإن تأثير تلك الجرائم يختلف كماً وكيفاً باختلاف الظروف الاقتصادية، إذّ أن تدني دخل الفرد بشكل لايؤمن أبسط مقومات العيش الكريم جرّاء عدم وضع سياسة اقتصادية صحيحة، مع استمرار الاختلاسات الكبرى في أموال البلاد، كل هذا وغيره أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد جرّاء قلق الموظف الناتج عن الضيق الإقتصادي، مما يدفعه لارتكاب انحرافات وظيفية مثل السرقة والاختلاس والرشوة والتزوير[30].

ونرى أن هذا الرأي المتقدم بيانه له جانب من الصحة في إطارٍ محدود، إذّ أن الفقر يعد مشكلة خاصة بالفقير تثيره وتولد لديه شحنة الخيبة والعجز، بسبب البطالة وارتفاع أسعار المواد الضرورية، بسبب ارتفاع سعر الصرف، مما يؤدي إلى اضطراب الوضع المعاشي للفرد، وبالتالي يُدفع إلى أن يسلك تلك السلوكيات المجرّمة قانوناً، إلا أننا أمام جرائم فساد كبرى تجتاز مسألة سد الاحتياجات المالية للموظف، فالفساد ليس رهناً بضغط ظروفٍ اقتصاديةٍ سيئةٍ في وقتٍ ما بقدر ما هو رهن باستدامة جرائم الفساد وتنظيم ارتكابها بشكل مستمر، والواقع يثبت أن أغلب جرائم الفساد ارتكبت من قبل اشخاص يتمتعون بوضع اقتصادي ممتاز، وبالرغم من ذلك الوضع فقد انحرفت سلوكياتهم الى المحاباة، والوساطات، والعمولات، فضلاً عن السرقات العملاقة، وخير مثال معاصر على ذلك ما يعرف بجريمة (سرقة القرن)  التي تم من خلالها سرقة (2.5) مليار دولار، من أموال الهيئة العامة للضرائب، والجدير بالذكر لم تثبت التحقيقات قيام موظفين صغار في هذه الجريمة، أو من ذوي الدخل المحدود، بل على العكس من ذلك ارتكاب تلك الجريمة من كبار الموظفين، إذّ اقتصرت أولى الإجراءات التحقيقية المتخذة من قبل محكمة تحقيق الكرخ بوضع الحجز الإحتياطي على ما يقارب (55) عقاراً في بغداد، فضلاً عن حجز أسهمٍ مالية عائدة للمتهمين وعوائلهم تقدر قيمتها بـ(167.650.000.000) مائة وسبعة وستين مليار وستمائة وخمسون مليون دينار، فضلاً عن أرصدة نقدية بقيمة (108.000.000.000) مائة وثمانية مليارات دينار عراقي، فضلاً عن أسهمٍ تقدر قيمتها بـ (100.000.000.000) مائة مليار دينار عراقي في احد المولات التجارية في بغداد!![31].

وأمثال هذه الجرائم عديدة منها قضية العقارات في محافظة الأنبار أُرتكبت بمبالغٍ خياليةٍ لا دخل لتدني المستوى المعيشي للموظف فيها، بل أن وفرة الأموال مع وجود شبكات الفساد المنظم، قد لا تنعكس خيراً على اقتصاديات البلد ونظمها الإقتصادية، وهو ما يعرف بـ(لعنة الموارد) التي تؤدي الى تعميق الفساد والطغيان والقمع[32]

الفرع الثالث: الأسباب الإدارية

تعود الأسباب الإدارية للفساد الى سوء التنظيم الإداري وعدم وجود توصيف وظيفي وفقاً لمعايير الجودة، مما يؤدي الى بيروقراطية إدارية وروتينٍ شالًّ لحركة التطور الإداري في المؤسسات كافة، سواء التي ترتبط بالوظيفة العامة، أم التابعة للقطاع الخاص.

إن تلك البيروقراطية جعلت القرار الإداري محلاً للإلغاء في عددٍ ضخمٍ من الدعاوى المقامة أمام المحاكم الإدارية، فضلاً عن التبعات الجزائية الناتجة عن عدم إمتثال الإدارة للقرارات القضائية، إذّ يتم معاقبة الموظف الممتنع عن تنفيذ تلك القرارات بالحبس وبالغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، وفقاً لأحكام المادة (329) من قانون العقوبات العراقي[33]، فضلاً عن تعمد تضبيب الإجراءات الإدارية وعدم ايضاحها أمام المواطن، وإعتماد الإجتهادات في العمل الإداري، مما يؤدي إلى شلّ حركة العمل وهدر الوقت اللازم للمواطنين في إتمام أعمالهم مما يدفعهم إلى انتهاج الفساد الإداري لإنجاز مهامهم، فضلاً عن تضخم الجهاز الإداري في مؤسسات الدولة من قبل غير المختصين وذلك عن طريق إسراف بعض القيادات الإدارية والسياسية في تعيين بعض الأنصار والأتباع، والأقارب، بصرف النظر عن مستوى كفاءتهم، وحاجة المؤسسة الإدارية إليهم[34].

الفرع الرابع: الأسباب الاجتماعية

يذهب المتخصصون في علم الإجتماع إلى أن الأسباب المؤثرة على تفاقم جرائم الفساد تكمن في المرحلة الإنتقالية التي يمر بها أفراده المجتمع، وهذه المرحلة تُعدُّ المنطقة الوسطى بين المعيارية واللامعيارية، أي تكون بين حالة كائنة وأخرى يتم السعي إلى إيجادها فيحدث صراع جيلي مفادها السعي الى مواكبة متطلبات العصر، بغية تحقيق شروط التنمية المستدامة بكل تفاصيلها ومهما كان الثمن[35].

وفي هذا المقام يذهب رائد علم الاجتماع (ابن خلـدون) إلى ربط التغيـر الاجتماعي بعمــر الدولــة، بوصفهــا موجهــة للفعــل السياسي والاجتماعي  نشــوءاً وتطـوراً، وضعفـاً وانهياراً، إذّ يؤكـد أن التغيـر سـمة ثابتـة مـن سـنن العمـران البـري، ولازمـة أساسـية مـن لوازمه، ولا يحصـل تطـور الأفراد والمجتمعات الا بها، يقول: « إن أحـوال العالم والأمم وعوائدهــم ونحلهــم لا تــدوم عــلى وتـيـرة واحــدة ومنهــاج مسـتقر، إنـما هـو اختـلاف عـلى الأيام والأزمنة، وانتقـال مـن حـال إلى حـال، وكـمـا يكــون ذلــك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلــك يقــع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول»[36]، ناهيك عن تغليب الولاء للعشيرة على حساب الدولة والقانون فيتم استخدام الجهاز الإداري لتحقيق هذه المسائل مما يخلق بعض التعارض الجوهري داخل أجهزة الدولة[37].

إن للعادات والتقاليد والأعراف أثراً مهماً في انتشار جرائم الفساد الإداري والمالي، لأن هناك بعض الممارسات تحكمها المنظومة الاجتماعية عن طريق تبرير الجريمة، فمثلاً عندما يأخذ الموظف الرشوة مقابل إنجاز بعض الأعمال، وتصبح هذه العملية مقبولة من جانب الراشي والمرتشي، كون أن الراشي يدفع لكي يمكنه إنهاء عمله والموظف يأخذ الرشوة معتقداً أن هذا هو حقه الطبيعي لإسراعه في إنجاز معاملات المواطن (الراشي) وبذلك تنتفي صورة الانحراف الاجتماعي وإن بقي الانحراف القانوني، مما يؤدي الى ضعف عمليات الاخبار عن الرشوة ومن ثم صعوبة الكشف عنها[38]، كما أن من الأسباب الاجتماعية لجرائم الفساد الإداري والمالي هو توظيف الانتماءات الإقليمية والعرقية وعلاقات القربى في التعامل الرسمي ومنها عمليات التعيين ومنح الرخص والوكالات وغيرها، والسبب في ذلك يعود إلى أن الموظف داخل الجهاز الإداري يتطلع إلى من يحميه خارج أوقات الدوام الرسمي من أبناء عشيرته، فيتجه بذلك إليهم لتأمين الحماية المجتمعية له في الحيز المكاني الذي يقوى فيه النفوذ العشائري[39].

الفرع الخامس: الأسباب النفسية

إن المفهوم النفسي للجريمة بشكلٍ عام يعتمد على ميكانيزيم العلاقة بين المثير والاستجابة، إذّ أن الجريمة ظاهرة نفسية بالأساس قبل أن تكون اجتماعية، لإرتباطها بغريزة حفظ الذات ورد العدوان[40]، والأسباب النفسية للجريمة على عكس الجوانب القانونية أو الاجتماعية، لا يمكن الفصل بين مكوناتها عملياً كالبواعث، والدوافع، والميول، والعواطف، والاعتقادات، والأفكار، والمشاعر والأحاسيس، والاستعدادات، وغيرها، فكل مكونٍ لا يعمل منفرداً، بل هو في حالة تفاعلٍ مستمر وهي صفة العمليات النفسية، إذّ يتراكم تأثير تلك المكونات وصولاً إلى لحظة إنتاج الجريمة، أي القفز من مدار الفكرة الى مدار الفعل[41].

إن الأسباب النفسية تذهب الى أن العدوان يتمثل بما يثير الفرد من حالات الضغط النفسي المتولد عن تردي الوضع المادي، وعدم التوازن بين الوضع المادي وما يقدمه رأس هرم الفساد في المؤسسة الإدارية، مما ينتج حالة صراعية بين تبرير السلوك الاجرامي والمشاعر الإنسحابية منه، إذّ أن التبرير هو ما يبين به المرء وجهة نظره في تصرفٍ أو رأيٍ معترض عليه[42]، وهذا الأمر يُعدُّ من أخطر مراحل السلوك الاجرامي بالنسبة لجرائم الفساد المنظم، إذّ يجعل من تلك الجرائم مبررة ومقبولة، وربما يضفي الى أكثر من ذلك فيجعل الجريمة ثقافة منتشرة في هالة المرفقين العام والخاص التي ينتمي اليهما الموظف الفاسد، الذي تترسخ لديه قناعة بأن سلوكه مقبول من وجهة النظر المنطقية، حتى يستطيع بعد ذلك أن يمضي قدماً بهذا السلوك، فعملية التبرير هي جوهر ومضمون الركن المعنوي، إذّ تشكل بمضمونها الوحدة المعنوية بين الفاسدين في ارتكاب جرائمهم.

وفي هذا المقام يذهب رأي سيكولوجي مفاده: « أن الأفراد إذا كانوا متعاونين، أو ودودين، أو إذا عبروا عن اتجاهات متشابهة فإن هذه العلاقة تبشر بالاستمرارية، إذّ يثاب الأفراد من خلال هذا التفاعل، وعلى العكس من ذلك إذا كانت العلاقة مبنية على القلق والشك ما بين الأفراد أو إظهار العداوة برفض التعاون مثلاً، فإن تلك التبادلية الناشئة بينهم قد تنتهي بسبب تصدع العلاقة التي يجلبها هذا الارتباط» [43]  مما يعني أن تلك التبادلية تبقى مستمرة باستمرار الإشباع المتبادل بين الأفراد، نتيجة فوائد جرائم الفساد المنظم التي يحصلون عليها بسبب مساهمتهم الجنائية بتلك الجرائم، وفي حالة إنحدار فوائد هذا التبادل سنكون أمام أنانية تؤدي في أغلب الأحيان إلى قيام احد المساهمين بجرائم الفساد بتحرير اخبار سري عن تلك الجرائم، وهو ما نشاهده في واقعنا العملي في المحاكم المتخصصة بقضايا النزاهة، إذّ أن أغلب الإخبارات في هذا المقام تقدم من قبل احد المساهمين بعمليات الفساد، اذ يكون تقديمهم للإخبار بسبب التقدم بالإخبار لعدم حصوله على ما يبتغيه من المنافع.

المبحث الثالث

المنهج الإستباقي في مواجهة جرائم الفساد المنظم

يتمثل المنهج الإستباقي في مواجهة جرائم الفساد المنظم بإتجاه المشرع والجهات المختصة بمكافحة الفساد إلى منع تحول المشروع الإجرامي من مدار الفكرة الى مدار الفعل، وذلك من خلال التجريم الوقائي للحالات الخطرة، وبالرغم من أن القانون لا يعتد بالنوايا، إلا أننا نتحدث عن تجريم الافعال التي تنتج البواعث، و تبرر الجرائم على المستوى الإجتماعي وتحديداً حالات التعرض الجنائي العام والضمني منه تحديداً، أي غير مباشر الذي يتخذ شكل التعبير عن الرأي، أو الممارسات التي تضمنت تنميطاً أو استبعاداً أو تمييزاً، والاعتماد بشكل أكبر في تعريف الإرادة الإجرامية على البواعث والغايات كوسيلة لتصنيف الجرائم بحسب الخطورة الإجرامية للجاني، والخطورة الجرمية للسلوك[44]، استناداً الى محددات اجتماعية تتجاوز الأثر المباشر الذي وقع على شخص ما، اي التوسع في التمييز بين موضوع الجريمة والمصلحة التي تم الاعتداء عليها.

المطلب الأول: الشفافية في العمل الإداري

تُعدّ الشفافية أحد أهم الإجراءات الوقائية في تقويض ومحاربة الفساد الإداري والمالي، إذّ تعني عمل الإدارة بشكل مكشوف أمام الرأي العام ليتم مراقبة ومتابعة اعمال الإدارة، وابتعادها عن هدر المال العام، أو أي مخالفات متعلقة بجرائم الفساد الإداري والمالي[45]، مما يجعل هذا المبدأ معياراً لنجاح المؤسسات في عملها من عدمه، فبوجوده تتمكن المؤسسات من اختزال الفساد والتلاعب في موارد الدولة بشكل كبير بسبب رقابة الرأي العام فضلاً عن الجهات الرقابية على اعمال الإدارة  ومدى نجاحها او فشلها في مواجهة مسؤولياتها، وعند تدني مستوى مبدأ الشفافية يُخلق مناخاً مناسباً لتفشي الفساد الإداري والمالي، عن طريق استغلال النفوذ والسلطة واللجوء إلى الشطط في استعمالها، لذلك يهدف مبدأ الشفافية الى:

محاربة الفساد وكشف الفاسدين الذين يلجؤون الى الرشوة.

تشخيص المحسوبية والمحاباة في تعيين الموظف، بناءً على العلاقات الإجتماعية وعلى حساب المصلحة العامة.

تعزز استقلالية الموظفين أثناء قيامهم بأداء واجباتهم الوظيفية، وهذا ما يجعل الموظفين أكثر مصداقية في أداء عملهم، مما يُعزز دور الرقابة الذاتية بدلاً من الرقابة الإدارية.

تقديم أفضل الخدمات للمتلقين والتي من شأنها تغيير الثقافة التنظيمية السائدة في المؤسسات الحكومية نحو الافضل.

تبسيط إجراءات العمل الإداري، إذّ أن تعقيد تلك الإجراءات تزيد من البيروقراطية الإدارية، مما يدفع الأفراد الى دفع رِشاً من أجل إتمام معاملاتهم والتخلص من تلك الإجراءات[46].

المطلب الثاني: الرقابة الداخلية

للرقابة الداخلية دور جوهري في كشف جرائم الفساد بشكل عام والفساد المنظم بشكل خاص، وذلك عن طريق التثبت من مطابقة إجراءات السلطة الإدارية مع القوانين والأنظمة والتعليمات، إذّ يلعب المدقق المالي الداخلي دوراً هاماً في بيان المخالفات المالية المرتكبة داخل المؤسسة التي يعمل بها، وذلك عن طريق اعتماد معادلة حسابية بين كلفة العمليات والإجراءات المستخدمة ومقارنتها بالمنافع المتوقع استحصالها، وهو ما يطلق عليه محاسبياً الكلفة والمنفعة[47]، كما يقع على عاتق المدقق الداخلي مهمة إبداء الرأي الفني المحايد استنادا الى المعايير الحسابية والمستندات الثبوتية عن عدالة القوائم المالية للمؤسسة التي يعمل بها، وما تفصح عنه من مركزٍ ماليٍ سليم ضمن فترة زمنية محددة ، فضلاً عن التأكد من صحة البيانات المالية المثبتة في السجلات الحسابية، واكتشاف حالات التلاعب فيها، وهو ما يفيد الإدارة العامة للإحتياط من تحول تلك المخالفات الى جرائم فساد منظم.

ولا ينحصر دور المدقق الداخلي على بيان المخالفات المالية فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل المخالفات الإدارية كذلك، وتحديداً جرائم التزوير والتلاعب بالمستندات الإدارية، إذّ يقع على عاتق السلطة الإدارية توفير التسهيلات التي  تتيح للمدققين التأكد بصورة كافية من صحة المستندات والعقود المقدمة قبل دفع أقيامها، فضلاً عن المساهمة في التحقيقات الخاصة بجرائم الغش والتزوير، وعدم الإذعان للضغوط والتأثيرات واعلام إدارة المؤسسة ولجنة التدقيق بالنتائج[48]، مما يوفر حماية وقائية لحماية ممتلكات وموارد المؤسسة من الضياع، وسوء الاستعمال، والجدير بالذكر أن للرقابة الداخلية طرائق ثلاثة في مواجهة الفساد المنظم، وفقاً لما يأتي:

اولاً: الرقابة الوقائية:

وهي مجموعة من الإجراءات والطرائق التي تهدف إلى تجنب الخطأ قبل وقوعه، إذّ تعمد هذه الرقابة على تحديد أشكال الفساد الإداري والمالي وبيان أسبابه وآثاره، وفي ضوء ما تقدم توضع جملة إجراءات تمنع ارتكاب جرائم الفساد، مما تعد أهم أداة إستباقية لتجنب خطر تلك الجرائم قبل ارتكابها.

ثانياً: الرقابة الكاشفة:

هي مجموعة أساليب وإجراءات ملازمة للعمليات الإدارية والمحاسبية، والتي لها تصور كافٍ عن مجريات أنشطة المؤسسة واعمالها، مما يمكنها من المساهمة في اكتشاف الفساد أثناء ممارسة العمل، وتمثل وسيلة ردع ذات أبعاد ادارية[49]، إذّ تؤدي إلى كشف المخالفات المالية وعدم إتمام جرائم الفساد المرتكبة داخل المؤسسة، مما يعكس حالة من الردع الخاص والعام داخل أروقة العمل.

ثالثاً: الرقابة التصحيحية:

تتمثل هذه الرقابة بمجموعة من الإجراءات العملية التي تعمل على حل الأخطاء المكتشفة والمتمثلة بجرائم الفساد الإداري والمالي بعد إتمام العمليات الحسابية، وتتضمن عدداً من الإجراءات الخاصة بتحديد مسببات تلك المخالفات وطرق معالجتها، والعمل على الحد من حدوثها في المستقبل[50].

المطلب الثالث: الإخبار عن جرائم الفساد

يُعرّف الإخبار عن الجرائم بشكل عام بأنه: «اخطار السلطات العامة بنسبة واقعة الى شخص وهو من حيث الجوهر نشاط من شأنه إتاحة علم السلطات العامة بواقعة»[51] وفيما يخص جرائم الفساد فهو اخطار الجهات المتخصصة وقوع جريمة فساد مالي او اداري في إحدى المؤسسات، إذّ يعد الإخبار اجراء من الإجراءات الوقائية التي تحد من تفاقم جرائم الفساد، ويتضامن مع الرقابة الداخلية في كشف مواطن تلك الجرائم، فتارةً يكون وقائياً عند الاخبار عن جريمة الفساد وهي في أولى مراحل ارتكابها، وتارةً أخرى يكون كاشفاً عن التلاعبات في المستندات المالية والإدارية، كذلك يقع الاخبار بعد إتمام جريمة الفساد كالرشوة او الاختلاس او التزوير وإبلاغ السلطات المختصة عن وقوعها وبيان الأشخاص المتورطين بها.

والاخبار عن جرائم الفساد من المسائل الوجوبية الملزمة للموظف او المكلف بخدمة عامة سواءٌ أكان عملهم في مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية، أو أن يكون عملهم في مؤسسات القطاع الخاص، وتكون هيئة النزاهة ومحاكم التحقيق المتخصصة بقضايا النزاهة هي الجهة المختصة بتلقي الإخبارات والشكاوى عن جرائم الفساد وفقاً لأحكام المادة (1/ثالثاً) من قانون هيئة النزاهة الإتحادية والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2011 المعدل، التي جعلت الاختصاص النوعي لهيئة النزاهة ينعقد بتلقي الإخبارات حول جرائم الفساد المتعلقة بـ (سرقة أموال الدولة، الرشوة، الإختلاس، الكسب غير المشروع، تجاوز الموظفين حدود وظائفهم وفق المواد «328 ،329 ،330 ،331، 334، 335، 336، 338، 340، 341» من قانون العقوبات العراقي، فضلاً عن جرائم الرشوة وخيانة الأمانة التي ترتكب من قبل المنظمات غير الحكومية الممنوحة صفة النفع العام، والاتحادات والنقابات والجمعيات المهنية التي تساهم الدولة في أموالها أو التي منحت صفة أموال عامة، أو التي منح منسوبوها صفة مكلفين بخدمة عامة).

ويترتب على عدم إخبار الموظفين او المكلفين بخدمة عامة ممن علموا بجريمة فساد مالي او اداري بسبب وظيفتهم او بمناسبتها، إيقاع عقوبة الحبس او الغرامة وفقاً لأحكام المادة (247) من قانون العقوبات، كما وردت نصوص أخرى في غير قانون العقوبات تعاقب الممتنع عن اخبار السلطات المختصة بوقوع جريمة، كما هو الحال في قانون ديوان الرقابة المالية المرقم (31) لسنة 2011، إذّ ينص في المادة (16) منه على أن: (يلتزم الديوان بإخبار الادعاء العام أو هيئة النزاهة أو الجهات التحقيقية المختصة، كل حسب اختصاصه لكل مخالفة مالية يكتشفها إذا ما شكلت جريمة)  أي أن وجوب الإخبار غير محصور بالأفراد من الموظفين او المكلفين بخدمة عامة فحسب، بل يتعداهم الى الجهات الرقابية ايضاً.

ولغرض إعطاء الدافعية للمخبرين عن جرائم الفساد اعتمدت هيئة النزاهة بمنهجية إجرائية تؤمن للمخبر انسيابية تقديم الاخبار بشكل سريٍ دون ان يتعرف أحد على بياناته، فإذا ما أقدم شخص على الاخبار عن جريمة فساد ما، وطلب من هيئة النزاهة عدم كشف هويته، يتبنى مدير مديرية التحقيقات هذا الأمر ويكلف أحد المحققين بتدوين أقواله والاحتفاظ بسرية البيانات الشخصية للمخبر، كما بإمكانه أن يذهب الى قاضي التحقيق المتخصص بقضايا النزاهة ويطلب ذات الأمر منه، فضلاّ عن إمكانية ارسال الاخبار الى هيئة النزاهة بواسطة البريد الالكتروني للهيئة دون التصريح باسمه أو معلوماته الشخصية[52].

وهو اتجاه وجيه من قبل هيئة النزاهة في تعزيز الدافع النفسي للمخبر للإقدام على خدمة العدالة واحاطتها بالمعلومات التي تحد من جرائم الفساد، مما يمكن الجهات المختصة من الوقاية من تهريب رؤوس الأموال الى خارج البلاد، كما ضمن قانون حماية الشهود والخبراء والمخبرين والمجني عليهم رقم (58) لسنة 2017 في المادة (3) منه بأن: (للمشمول بأحكام هذا القانون ان يطلب وضعه تحت الحماية المنصوص عليها في هذا القانون إذا كان هناك خطر على حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الاساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية أو مصالحهم الاساسية إذا ما أدلى بشهادته أو خبرته أو أقواله في دعوى جزائية أو دعوى ارهابية تمس امن الدولة وحياة المواطن).

المطلب الرابع: الكشف عن الذمة المالية

عرّف البنك الدولي إقرار الذمة المالية بأنه: « إفصاح مالي يفرض على الموظفين العموميين بواسطة القانون، للكشف عن المعلومات المتعلقة بأملاكهم ومصادر دخلهم وما يملكون من أسهم وأصول مالية»[53]

إذّ يفيد هذا الإجراء بيان الموارد المالية ومصادر الصرف لدى المشمولين بالكشف عن الذمة المالية، كما أنه يفيد في نقل عبء الإثبات من سلطة الإتهام الى عاتق المتهم بجريمة الفساد، إذّ تكمن فلسفة هذا الإجراء الوقائي فيما إذا طرأ تغيير جوهري في موارد الموظف او المكلف بخدمة عامة من المشمولين بأحكام الكشف عن الذمة المالية، ولا يوجد دليل على ارتكابه لجريمة فساد، فينطلق المشرع من مبدأ افتراض وقوع جريمة الفساد انطلاقاً من مبدأ (الراجح غالب الوقوع)، ولغرض استنتاج الواقعة مجهولة الدليل من الواقعة المعلومة، مما يعني إعفاء سلطة الاتهام من عبء اثباتها[54]، وبالتالي إذا عجز الموظف او المكلف بخدمة عامة عن إثبات مصادر الزيادة الطارئة على أمواله واموال زوجته وابنائه بعد توليه الوظيفة قرينة على وقوع الفساد المالي والإداري عن طريق الكسب غير المشروع، وهو ما قرره المشرع في  نص المادة (1/سابعاً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشـروع رقم (30) لسنة 2011 المعدل بقولها أن: (كل زيادة تزيد على20% سنوياً في أموال المكلف او أموال زوجه او أولاده لا تتناسب مع مواردهم الاعتيادية، ولم يثبت المكلف سبباً مشروعاً لهذه الزيادة، ويُعدّ كسباً غير مشروع للأموال التي يثبت حصول الشخص الطبيعي عليها بالاشتراك مع المكلف بقرار قضائي بات)، كما نصت المادة (17/سابعاً) من ذات القانون على (منح المكلف مدة لا تتجاوز تسعين يوماً لإثبات المصادر المشـروعة لتلك الأموال) إذّ يُلزم المكلف خلال تلك المدة ببيان ما يملكه وأفراد أسرته من أصول نقدية وممتلكات عينية، مما يرتب على عاتق المكلف بهذا الإجراء تفنيد قرينة الإتهام يقع على عاتق المكلف تفنيد قرينة الاتهام بواسطة اثبات مشروعية مصادر أمواله، وبخلافه تعد تلك الأموال ناتجة عن جريمة فساد، مما يجيز تحريك دعوى جزائية بحقه وفقاً لأحكام المادة (12) من تعليمات كشف الذمة المالية رقم (2) لسنة 2017 التي تنص على أن: (تحرك الدعوى الجزائية من الهيئة ضد المكلف في الأحوال الآتية: أولاً: إذا تعمد المكلف إخفاء معلومات مطلوبة في الاستمارة. ثانياً: إذا تعمد المكلف تقديم معلومات كاذبة في الاستمارة.  ثالثاً: إذا امتنع المكلف عن تقديم الاستمارة بدون عذر مشروع. رابعاً: إذا كان هناك تضارب للمصالح المالية للمكلف أو زوجه أو أحد أولاده القاصرين أو غير المتزوجين ومن لم يستقلوا عنه مالياً ولو كانوا قد تزوجوا أو بلغوا سن الرشد. خامساً: إذا ثبت ان لديه كسباً غير مشروع)

المطلب الخامس: العقوبات الانضباطية

لم تكن فلسفة المشرع بسن القوانين الإنضباطية تعتمد الشدة أو القسوة في مواجهة المخالفات الإنضباطية، بل أن سياسته كانت تسعى الى تحقيق ما يفيد ارشاد الموظفين وتقويمهم وذلك بمراجعة سلوكياتهم التي لا تنسجم ومنهج الدولة في الإرتقاء بمؤسساتها، وإن تراتبية العقوبات المندرجة ضمن أحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل، انطلقت من توجه المشرع لمعالجة الخطورة المتمثلة بسلوك الموظف، وإنعكاس ترجمانها على التأثير في سير أعمال المرفق العام،  فإذا ما ثبت تجاوز الموظف حدود وظيفته، أو الخروج عن مقتضياتها مما يفصح عن خطورة ومساس في النظام الوظيفي، فإن ذلك موجب لإتخاذ إجراءات فاعلة لمواجهته من قبل السلطة المختصة في ممارسة الاجراءات الانضباطية[55]، والمتمثلة بلجنة التحقيق الإداري التي تشكل وفقاً لأحكام المادة (10) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام -آنف الذكر- إذّ يعد التحقيق الاداري وسيلة فعالة في حماية النظام الوظيفي للدولة من الموظفين الفاسدين، ويحفظ سير وديمومة المرافق العامة بانتظام وإطراد، ويجعل الإدارة في نظر الرأي العام  نزيهة قادرة على تحقيق مهامها في تقديم أفضل الخدمات، وهو ما يقوي ثقة المجتمع بالإدارة واشخاصها[56].

وإذّ أن الفساد المنظّم يدور رحاه في إطار المراتب العليا في الإدارة، فإن للعقوبات الإنضباطية دور كبير في تقويم الموظف وردع غيره، إذّ يحرص المشرع بقدر أو بآخر على تحقيق موازنة بين سلطة الإدارة في إيقاع العقوبات من جهة، وحماية الموظف من تعسف هذه السلطة من جهة أخرى، وهو ما يحقق بالنتيجة  موازنة عادلة بين فاعلية الإدارة بأداء واجباتها في إدارة المرفق العام، وضمانات الموظف وصولاً الى أداء أمثل وإنتظام أفضل.

كما يبرز دور العقوبات الإنضباطية بتقديم احصائيات كاملة وبيانات وافية للإدارة العامة، عن عدد المخالفات المرتكبة من قبل الموظف وبيان مدى جسامتها وتأثيرها على المرفق العام، وبالتالي تقدم تلك الإحصائيات رؤية كاملة للإدارة العامة عمّن يرشح لتسنم منصب إداري رفيع المستوى ومؤثر في المرفق العام، إذّ أن جسامة المخالفة وتكرار ارتكابها من ذات الموظف يكشف عن خطورته على المرفق العام، وعدم كفاءته لتسنم المنصب، مما يتوجب قانوناً احالته على التقاعد بدرجة أدنى، أو نقله من وظيفته بدرجة ادنى من الدرجة التي كان يشغلها قبل تعيينه بصفة مدير عام، إستناداً لأحكام القرار التشريعي رقم (880) في 7/12/1988، والجدير بالذكر أن مجلس الدولة أفتى بـأن (الحكم على الموظف عن جريمة السرقة يستتبعه بحكم القانون عزله من الوظيفة وعدم اعادته اليها بغض النظر عمّا إذا كان المال المسروق مال عام أو خاص)[57]، وذلك استناداً لأحكام القرار التشريعي رقم (18) في10/2/1993، الذي ينص على أن: (الحكم بالعقوبة في جرائم الرشوة أو الاختلاس أو السرقة يستتبعه بحكم القانون عزل الموظف من الخدمة وعدم جواز إعادة تعيينه في دوائر الدولة والقطاع العام)، بينما لذات المجلس قرار سابق  يقضي بأن (الحكم على الموظف بعقوبة بـ(الحكم على الموظف بعقوبة عن جريمة مخلة بالشرف لا يستتبعه عزله من الوظيفة ما لم تشكل تلك الجريمة قرينة على أن بقاءه في الخدمة مضراً بالمصلحة العامة)[58]، وهذا خلاف صريح القرار التشريعي رقم (18) لسنة 1993 آنف الذكر، مما يسبب تناقضاً في المبادئ القضائية الخاصة بقضايا الوظيفة العامة والتي يفترض استقرارها حماية للمرفق العام.

وفي مقابل ذلك ذهبت رئاسة مجلس الوزراء إلى إعتماد منهجٍ وقائيٍ في إبعاد كل ما من شأنه أن يشكل خطورة على المرفق العام، إذّ قُرر الإبقاء على مؤشرات هيئة النزاهة، وعدم الغائها في حالة شمول المرشح لمنصب مدير عام فما فوق، وذلك لإطلاع السيد رئيس مجلس الوزراء على نوع القضايا السابقة بحق المرشحين الذين جرى شمولهم بقانون العفو، مما يمكن مجلس الوزراء من إتخاذ القرار المناسب في تعيين المشمول بالوصف المذكور[59].

الخاتمة:

في ختام بحثنا نصل الى الإستنتاجات الآتية:

تمثل السياسة الوقائية المنهج الأمثل في تحييد الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المجرم بشكل عام والفاسد بشكل خاص مما يؤدي الى منعه من الإضرار بالمصلحة المحمية لمقدرات الدولة.

يمثل الفاسد المنظم خطورة بالغة على الإستثمار والتنمية الاقتصادية للدولة، فضلاً عن ركود الأداء الوظيفي في المؤسسات كافة بسبب احتكار المناصب الإدارية وتدويرها ضمن منهجية المحاصصة المقيتة.

بالرغم من وجود جهات رقابية متخصصة بمقارعة جرائم الفساد كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالي، وقدموا في سبيل ذلك سيل من الشهداء، إلا أن تلك الجهات لم تستطع أن تحد من جرائم الفساد المنظم بسبب النفوذ الذي يتمتع به المساهمين بتلك الجرائم وتأمين مسائلتهم لفترة من الزمن.

تمثل الشفافية في العمل أهم الإجراءات التي تقوض هذا النوع من الفساد لم تجعله من وضع اعمال الإدارة تحت رقابة الرأي العام.

إن العقوبات الإنضباطية تقدم الى الإدارة العامة قاعدة بيانات متكاملة تفيد الإطلاع على الخطورة الإجرامية لمن يروم تسنم المناصب المتقدمة في المرافق الإدارية.

عدم استقرار المبادئ القضائية الإدارية فيما يخص الوقاية من الموظف الذي لديه خطورة إجرامية على الوظيفة لما ارتكبه من جرائم ماسة بالشرف وتحديداً تلك التي لها مساس بأعمال الموظف كجرائم   السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الامانة والرشوة.

وفي ضوء هذه الاستنتاجات نوصي بما يأتي:

انتهاج مبدأ السياسة الوقائية في كافة التعاملات الإدارية الخاصة بتسنم الموظفين المناصب العليا في عن طريق تدقيق سيرتهم الوظيفية، والتثبت من جسامة المخالفات المرتكبة من قبلهم في السابق، لبيان مدى خطورتها على مستقبل المنصب الذي يرومون ادارته.

ضرورة استقرار المبادئ القضائية على التطبيق الفعلي للسياسة الوقائية، وذلك بإبعاد من تفصح حالته بالخطورة على المؤسسة التي يعمل بها.

على ديوان الرقابة المالية القيام بدوره الفعال بتشخيص المخالفات المالية في القطاعين العام والخاص واخبار الجهات المختصة فبل أن تترجم تلك المخالفات الى جرائم عابرة للحدود عن طريق تهريب أموال البلد الى الخارج، أو هروب الفاسدين خارج البلاد.

على الكتل السياسية الإبتعاد عن منهجية المحاصصة تحت عنوان الاستحقاقات الانتخابية، لما لتلك المنهجية من أثر مباشر بجرائم الفساد المنظم، وترشيح من يشغل المناصب العليا في المرافق الإدارية ممن يشار لهم ببنان الكفاءة والنزاهة.

اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الممتنعين عن الكشف عن ذممهم المالية ضمن التوقيتات القانونية، 

حث الموظفين والمكلفين بخدمة عامة على اخبار الجهات المتخصصة بقضايا الفساد والجريمة الاقتصادية في حالة وجود شبهة فساد ملي واداري، مع ايضاح الضمانات القانونية والحماية الادارية والجنائية التي كفلها المشرع للمخبر عن جرائم الفساد وفقاً لأحكام المادة (329/ثالثاً) من قانون العقوبات، واحكام قانون حماية الشهود والخبراء والمخبرين والمجنى عليهم رقم (58) لسنة 2017.

 

[1] د. احمد فتحي سرور، أصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية، مصر، 1972، ص13.

[2] د. فوزية عبد الستار، مبادئ علم الاجرام والعقاب، دار النهضة العربية، بيروت، 1978، ص302 وما بعدها.

[3] د. واثبة السعدي، الأسس النظرية لعلمي الاجرام والسياسة الجنائية، قطبة ديانا، بغداد، العراق،1990، ص113.

[4] محمود السعيد التركي، د. نسيغة فيصل، مجلة البحوث والدراسات، مج (15)، ع (1)، 2018، ص 236.

[5] د. مصدق عادل، محاضرات في السياسة الجنائية وتطبيقاتها في العراق، بيروت، دار السنهوري للطباعة والنشر، 2019 ص44.

[6] د. رمسيس بهنام، علم الوقاية والتقويم، د.ط، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986، ص25

[7] د. احمد فتحي سرور، أصول السياسة الجنائية، مصدر سابق، ص ص263-264.

[8] د. رمسيس بهنام، علم الإجرام، ج١، د.ط، منشأة المعارف، الإسكندرية، ١٩٧٨، ص 104 .

[9] د. مأمون محمد سلامة، اصول علم الاجرام والعقاب، القاهرة، 1979، ص 724 .

[10] منذر كمال عبد اللطيف، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي، ط2، مطبعة الأديب البغدادية، بغداد 1979، ص7.

[11] د. احمد فتحي سرور، أصول السياسة الجنائية، ص 88. و د. منذر كمال عبد اللطيف، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي، مصدر سابق، ص7.

[12] د. صباح مصباح محمود، نادية عبد اللطيف احمد، ماهية السياسة الوقائية، مجلة جامعة تكريت، مج(2)، ع(1)، ج(1)، 2017، ص65.

[13] إذّ تتمثل الالتزامات الدولية في تعديل هذا القانون بتبني مسار موحد للسياسة الجزائية في مكافحة الفساد ابتداءًا من انضمام العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، وذلك عبر قانون رقم (35) ﻟﺴﻨﺔ ٢٠٠٧، ومروراً بتشريع قوانين لهيئة النزاهة ومكافحة الكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2011 المعدل، وقانون حماية الشهود والخبراء والمخبرين والمجنى عليهم رقم (58) لسنة 2017، وانتهاءً بقانون تعديل قانون النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2019 الذي شمل مؤسسات القطاع الخاص بأحكام هذه القوانين.

[14] د. فراس عبد المنعم، رامي احمد كاظم، عناصر معيار تجريم العنف الأسري، عدد خاص لبحوث التدريسيين وطلبة الدراسات العليا، ج4، مج36، كانون الأول،2021، ص 569.

  https://doi.org/10.35246/jols.v36i4.516

[15] د. احمد فتحي سرور، أصول السياسة الجنائية، مصدر سابق، ص258.

[16] بوادي حسنين المحمدي، الفساد الاداري لغة المصالح، دار المطبوعات الجامعية، ط1، الإسكندرية، مصر، 2008، ص17.

[17] محمد سامر دغمش، استراتيجيات مواجهة الفساد المالي والإداري والمواجهة الجنائية والاثار المترتبة على الفساد المالي -دراسة مقارنة-، منشورات مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، ط 1، القاهرة، مصر، ص26.

[18] د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، المرجع السابق، ص70

[19] د. محمد علي سويلم، السياسة الجنائية في مكافحة الفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية وقوانين مكافحة الفساد، ط2 دار المصرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2018، ص127.

[20] United Nations, Unti-Corruption Tool Kit, 2001.

[21] د. عثمان سلمان غيلان العبودي، النظام التأديبي لموظفي الدولة، ط2 ،2007، بلا ناشر، بلا مكان طبع، ص60.

[22] عمر موسى جعفر القريشي، اثر الحكومة الالكترونية في الحد من ظاهرة الفساد الاداري، منشورات دار الحلبي للنشر والتوزيع، ط1، بيروت، لبنان،2015 ، ص102.

[23] د. يوسف حسن يوسف، الفساد الاداري والاقتصادي والكسب غير المشروع وطرق مكافحته، منشورات دار التعليم  الجامعي، ط1، الاسكندرية، مصر، 2014، ص9.

[24] محمد حسن سعد، وسائل القانون الدولي لمكافحة جرائم الفساد، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، عمان-الأردن، 2019، ص69.   

[25] اياد كاظم سعدون، الصور الجرمية للفساد الإداري والمالي في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل، مجلة جامعة بابل- العلوم الإنسانية، مجلد (23)، عدد(3)، سنة 2015، ص1049.

[26] د. صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي، دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق، أطروحة دكتوراه، كلية القانون جامعة بغداد، 2008، ص132.

[27] تقرير بعنوان: بيع الوزارات «عرف سياسي سائد قبل تشكيل الحكومات العراقية»، منشور على موقع  اندبندنت عربية، عبر الرابط الإلكتروني:

 https://www.independentarabia.com/node/384996/

تاريخ الزيارة: 29-9-2023.

إذّ يتضمن هذا التقرير تصاريح لبعض أعضاء مجلس النواب عن عرض بيع وزارة الدفاع بمبلغ (75) مليون دولار، موضحين الى أن الوزرات يرتفع سعرها حسب أهميتها، وقد يشترك في شراء الوزارة أكثر من شخص فيكون التوصيف الوظيفي في هذه الوزارات مشوها تبعا لتحكمات ملاّك الوزارة.

[28] د. كريم خميس خصباك، المظاهر القانونية للفساد الإداري وإستراتيجية مكافحته، ط1، بغداد، 2010، ص17.

[29] حوار السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى المحترم مع مركز البيدر للدراسات والتخطيط، منشور عبر موقع مركز البيدر للدراسات والتخطيط، عبر الموقع الالكتروني:

 https://www.baidarcenter.org/posts/2068

تاريخ الزيارة 29/9/2023.

[30] ينظر: القاضي ياسر محمد سعيد قدو، الحماية الجنائية للمال العام وأسباب الفساد وسبل المكافحة والعلاج، ط1، المركز العربي للنشر والتوزيع، مصر، 2018، ص102، و د. صباح عبد الكاظم الساعدي، دور السلطات في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت،2016، ص243.

[31] تقرير حول سرقة القرن، منشور على الموقع الرسمي لمجلس القضاء الأعلى العراقي عبر الرابط الإلكتروني

 https://www.sjc.iq/view.70563/

تاريخ الزيارة 1/10/2023.

[32] د. طالب حسين حافظ، لعنة الموارد النفطية والتجربة النرويجية، بحث منشور في مجلة كلية القانون والعلوم السياسية، الجامعة العراقية، المجلد1، العدد2، 2019، ص13.

[33] في هذا أصدرت مجموعة من القرارات القضائية على كبار المسؤولين منها: قرار محكمة الجنح المختصة بقضايا النزاهة وغسيل الأموال، المرقم (130/ج/2017) في 16/4/2017، الصادر بحق رئيس ديوان الوقف السني السابق لامتناعه عن تنفيذ قرار المحكمة الإدارية العليا القاضي بإلزامه بتنفيذ قرار مجلس الوزراء بتعيين أحد المدراء العامين ليكون وكيلاً عنه.

[34] صلاح الدين فهمي محمود، الفساد الإداري كمعوق لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1994، ص 113.

[35] ففي هذه المرحلة قد ينفصم المجتمع، وقد يتمزق الفرد بين المرجعية القيمية السابقة، والمرجعية الجديدة، ومرد هذا الإنفصام والتمزق يكمن في نية التخلص من القواعد القديمة، مع عدم القدرة على ذلك من الناحية السيكولوجية، وكذلك في التأسيس لقواعد جديدة مع عدم التمكن من استيطانها.

يُنظر: علي المزغني، وسليم اللغماني، مقالات في الحداثة والقانون، دار الجنوب للنشر، تونس 1994، ص25.

[36] ابو زيد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد الإشبيلي، مقدمة ابن خلدون، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 2008، ج1، ص33

[37] د. محمود محمد معابرة، الفساد الإداري وعلاجه في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة، عمان، ط1، دار الثقافة، 2011، ص114.

[38] د. خالد المهايني، الفساد الإداري والمالي، مظاهره واسبابه ومدخل الرقابة الحكومية لمكافحته، بحث منشور في مجلة رماح للبحوث والدراسات، تصدر عن مركز البحث وتطوير الموارد البشرية، الأردن، العدد (4)، 2008، ص24.

[39] د. مهدي حسن زويلف، و د. سليمان أحمد اللوزي، التنمية الادارية والدول النامية، ط1، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، 1993، ص39.

[40] د. فراس عبد المنعم عبد الله، القانون الجنائي والحاجة إلى الفلسفة، مجلة العلوم القانونية، كلية القانون، جامعة بغداد، العدد الثاني، 2019، ص85.

[41] رامي احمد كاظم، معيار تجريم العنف الأسري، رسالة ماجستير، كلية القانون- جامعة بغداد، 202، ص51.

[42] جميل صليبا، المعجم الفلسفي، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982، ج 1 ص 237.

[43] يُنظر: وليم و. لامبرت، وولاس إ. لامبرت، علم النفس الاجتماعي، ترجمة د. سلوى الملا، دار الشروق، القاهرة، ط2 1993، ص162.

[44] إن فكرة الخطر الاجرامي تتشابه مع فكرة الخطورة الإجرامية في معنى واحد هو (احتمال العدوان)، إلا أن كلتا الفكرتين تختلفان في أن الخطر وصفٌ يلحق بالنتيجة التي تعد عنصراً في الركن المادي للجريمة، وبخلاف الخطورة فأنها وصف يلحق بالفاعل، ومن ناحية أخرى فأنه بينما يعد الخطر فكرة قانونية في الجريمة وعنصراً فيها فأن الخطورة ليست إلا فكرة إجرامية لا يقتضي توافرها وقوع الجريمة.

    ينظر في هذا المقام: د. قدري عبد الفتاح الشهاوي، الخطورة الإجرامية، الموسوعة الشرطية القانونية، عالم الكتب، 1977، ص79.

[45] د. عبد إرزيج اسود، رافد محمد حماد، الشفافية الإدارية في العراق وطرق تعزيزها، مجلة جامعة الانبار للعلوم القانونية والسياسية، مجلة علمية محكمة تصدر عن كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة الأنبار، مج(12)، ع(2)، ج(1)، 2022،  ص283.

[46] عبد النعمان الشريف، الحكومة الإلكترونية كإستراتيجية لإعادة صياغة دور الدولة ووظائف مؤسساتها الواقع والتحديات (دراسة حول مجلس التعاون الخليجي)، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 2009، ص70.

[47] حازم هاشم الآلوسي، الطريق إلى علم المراجعة والتدقيق، الجامعة المفتوحة، ليبيا، 2003، ص20.

[48] أنور عباس ناصر، دور التدقيق الداخلي في مكافحة الفساد المالي والإداري، مجلة الدنانير، مجلة علمية محكمة تصدر عن كلية الإدارة والاقتصاد- الجامعة العراقية، ع(13)، 2018، ص497.

[49] د. مجيد الشرع، الرقابة الداخلية ودلالاتها في الحد من الفساد المالي، مجلة المنصور، مجلة علمية محكمة تصدر عن كلية المنصور الجامعة، ع(14) ج1، 2010، ص68.

[50] نوري جبار عريمش، دور الرقابة الداخلية في الحد من الفساد الاداري والمالي، بحث مقدم الى مجلس كلية القانون -جامعة بغداد، لنيل شهادة الدبلوم العالي المهني في مكافحة الفساد الإداري والمالي، 2022، ص34.

[51] د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، ط5، دار المطبوعات الجامعية،2017، ص822.

[52] ينظر: الفقرة (أ) من الفصل الأول-المحور الاجرائي للإعمام المرقم (ش ط/7112) في 13/7/2017، والصادر عن هيئة النزاهة- دائرة التحقيقات/ شعبة التخطيط والتطوير.

[53] Financial Disclosure Posted on the website http://web.worldbank.org

[54] د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982، ص70.

[55] د. عثمان سلمان غيلان العبودي، المرشد العملي في مهارات التحقيق الاداري، دار الكتب والوثائق، ط3، بغداد، 2012، ص10.

[56]  د. عمار عباس الحسيني، دليل الموظف والادارة الى التحقيق الإداري واجراءاته، دار السنهوري، ط2، بيروت، 2019، ص16.

[57] ينظر:  كل من القرارين (122/2018) في 16/12/2018، والقرار (17/2029) في 10/2/2019، منشور في قرارات مجلس الدولة وفتاواه لعام 2019، الصادرة عن مجلس الدولة، مطبعة الوقف الحديثة، د.ط، د.م.ط، د.ت، ص57.

[58] ينظر قرار مجلس الدولة المرقم (78/2014) في 10/7/2014 منشور على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل عبر الرابط الإلكتروني

 https://www.moj.gov.iq/view.1163/

 تاريخ آخر زيارة 30/9/2023

[59] كتاب مكتب رئيس الوزراء المرقم (م.ر.و/ د 7/26/3117) في 13/8/2020، الموجه الى الدائرة القانونية للأمانة العامة لمجلس الوزراء، وكتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء المرقم (ق/2/5/8/42/2478) في 18/7/2018 الموجه الى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، المتضمن:( ابعاد كل من صدر بحقه حكم بدعوى النزاهة وشمل بأحكام قانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016 من منصب مدير عام فما فوق)