تاريخ الاستلام 16/3    تاريخ القبول 20/4       تاريخ النشر 25/7/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/6a1bhe44

أحكام الكنز في القانون والفقه - دراسة مقارنة-

Laws and Jurisprudence of Treasures

A Comparative Study

م.م عبد المحسن رعد عبد

وزارة الداخلية – المعهد العالي للتطوير الامني والإداري

Abdel Mohsen Raad Abd

Ministry of Interior- High Institute of Security and Administrative Development

المستخلص

يعد الإستيلاء احد أسباب كسب الملكية من خلال وضع الشخص يده على شي غير مملوك لأحد وقت الإستيلاء بنية تملكه , إلا أن هنالك أشياء لاتصح أن تكون محلاً للإستيلاء عليها لأن هذه الأشياء لم يتخل عنها صاحبها بنية النزول عنها وإنما خبئها عن اعين الناس عامداً ذلك ، كما الكنز والذي يتكون من أشياء ثمينة وقيمة اياً كان نوعها ذلك ويختلف الكنز بطبيعته عن الأرض أو البناء المخبئ فيه فيتميز بذاتية مستقلة عن العقار الذي يحويه، كما تختلف الاراء حول أحكام تملك الكنز في القانون والفقه العراقي ، فمنهم من يأخذ بمعيار التبعية سبباً للتملك وإن الكنز يتبع ملكية العقار الذي وجد فيه مهما إختلفت الجهة المالكة وآخرون يأخذون بمعيار الأفضلية  أو الاحقية ، فإذا لم يكن للكنز من يدعي ملكيته ويثبت ذلك في حال العثور عليه فتكون الأفضلية للمالك على غيره  بسبب ملكيته للعقار فهو آولى الناس به  وبالتالي يكون حقه أقوى من حق غيره بالتملك.

الكلمات المفتاحية : (( الكنز ، الإستيلاء، الحيازة، المالك، العقار، المنقول، التبعية، الأفضلية ))

Abstract

explores the concept of appropriation as one of the ways to gain ownership over something that is not owned by anyone at the time of appropriation. The act of appropriation involves a person physically taking possession of an item with the intention of making it their own. However, there are certain things that cannot be subjects of appropriation. These items were not abandoned by their owners with the intention of discarding them; instead, the owners intentionally concealed them from public view. A prominent example of such items is a treasure, which typically consists of valuable and precious objects of various kinds.

In Iraqi law and jurisprudence, opinions differ regarding the regulations surrounding the ownership of treasures. Some argue that the criterion of dependency should be used as a basis for ownership. According to this view, the ownership of the treasure follows the ownership of the property in which it was found, regardless of who the property owner is. On the other hand, others advocate for the criterion of preference or eligibility. Under this perspective, if a treasure is found, the original property owner is given preference over others in claiming ownership. This preference arises from the fact that the owner of the property was the first to possess the treasure, making their claim stronger than that of others.

The issue of treasure ownership in Iraqi law and jurisprudence remains a subject of debate and varies depending on the different perspectives and interpretations taken by legal experts.

Key words: treasure. appropiation. possession. owner. property. transferrd. dependency. preference

المقدمة

يقتضي بحث موضوع (أحكام الكنز في القانون والفقه) أن نقدم له بتسليط قليل من الضوء على جوهر فكرته ، وبيان أهميته ، وتحديد نطاقه، فضلاً عن أسباب إختياره  والأغراض التي يرمي إلى تحقيقها، كما يقتضي رسم منهج وهيكلية لبحثه ولهذا سنجعل من هذه المحاور تباعاً مادة هذه المقدمة.

اولاً: جوهر فكرة البحث

إن الكنز في الاصل هو منقول دفين ومودع في الأرض ولا يعتبر جزءاً منها ، بخلاف المعادن التي تعتبر غالبا جزء من الأرض وحسب ما جاء في المادة (1101) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل فإنه يوجد مجموعة من المستحقين لتملك الكنز وفقاً للمادة اعلاه وذلك في حال عدم ظهور شخص يدعي ملكيته له وبعكسه لايكون الشيء الذي عثر عليه كنزاً ويكون لصاحبه الحق فيه وله إسترداده في يد من تكون وتختلف التفسيرات حول أسباب إعطاء حق تملك الكنز للمستحقين وحسب المادة المذكورة ، فمنهم من يسند ذلك لمعيار التبعية وإن ملكية الكنز تكون لصاحب العقار الذي وجد فيها بإعتبار أن الكنز يتبع الأرض وآخرين لمعيار الأفضلية وبإن ملكية الكنز تؤول لصاحب العقار كونه المكان الذي وجد فيه الكنز إذا لم تثبت ملكيته لشخص ما  ، فضلاً عن إختلاف الاراء الفقهية حول شمول الكنز بملكية الأرض الموجود فيها من عدمها وهنالك عدة موانع قانونية تعرقل تملك الكنز من قبل الحائز أو من يعثر عليه  .

ثانياً: أهمية موضوع البحث

تأتي أهمية هذه الدراسة كونها تبحث عن أحكام الكنز من حيث المعنى، والشروط وكذلك التفسيرات القانونية ، و الاراء الفقهية  لهذه الاحكام ، فضلاً عن بيان الموانع التي تحول دون تملك الكنز، وإبراز أهميتها على صعيد القوانين والتشريعات المقارنة.

ثالثاً: نطاق البحث

إن دراستنا لأحكام الكنز بين القانون والفقه ستقتصر فقط على القانون الوضعي دون الفقه الإسلامي، فهذه الدراسة ترتكز في الأساس على ماورد من أحكام في نصوص القانون المدني العراقي و القانون المصري والتي تدخل ضمن نطاق البحث ،  والتي سنحاول إستعراضها بما لا يتجاوز القدر الضروري اللازم لتحقيق الترابط الموضوعي وإستيفاء مقتضيات البحث العلمي في هذا الموضوع.

رابعاً : مشكلة موضوع البحث

تنحصر مشكلة الدراسة الأساسية في كون موضوعها يتناول الإختلاف في أحكام تملك الكنز في القانون والفقه وكذلك الموانع القانونية التي تعيق مسالة تملك الكنز  ، مما يثير ذلك عدة تساؤلات أهمها:

1-هل يقتصر تملك الكنز على الأرض فقط دون البناء؟

2-هل يوجد إختلاف بين المادة القانونية الخاصة بالكنز في القانون العراقي مع القانون المقارن

3-هل تطابقت الاراء الفقهية من حيث أساس تملك الكنز؟

4- هل يقتصر المنع من تملك الكنز على الإستيلاء فقط؟

خامساً: منهجية البحث

إن المنهج الأقرب لطبيعة البحث ونطاقه ، هو المنهج التحليلي المقارن الذي يعتمد على تحليل النصوص في القواعد العامة ، والتي تخص أحكام تملك الكنز في القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل مع مقارنة أحكامه مع التشريع المصري والتي تدخل ضمن نطاق البحث.

سادساً :هيكلية البحث

بغية الإحاطة بموضوع الدراسة من كل الجوانب فلقد أثرت تقسيم هذه الدراسة لثلاثة مباحث الأول المقصود بالكنز و المبحث الثاني فقد خصص لدراسة أحكام تملك الكنز أما المبحث الثالث فقد حدد لدراسة موانع كسب ملكية الكنز .

المبحث الأول

المقصود بالكنز

يعتبر الكنز أحد التطبيقات التي تندرج في باب  كسب الملكية بالإستيلاء  ، و يعد  من المنقولات ذات القيمة  والتي لها مالك من البداية  ، ولم يتخل عن ملكيته لها بل كان حريصاً على دفنها ، ويتميز الكنز عن غيره من المعادن الآخرى  ، فالمعادن هي ما يوجد في باطن الارض من بفعل الطبيعة خلافاً  للكنز فيكون بفعل الإنسان  أو على آثر حادث من الحوادث الطبيعية و لإعتبار الشيء كنزاً يجب أن تتوفر فيه شروط معينة فيجب أن يكون الشيء منقولاً  ، وكذلك أن يكون مخبوء أو مدفون  ، وأن لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته للكنز ولمعرفة المقصود بالكنز  سنقسم هذا المبحث على  مطلبين، سنبين في أولهما معنى الكنز ، وسنوضح فًي ثانٌيهما شروط الكنز ، وكما سيأتي.

المطلب الأول: معنى الكنز

في الحقيقة إن المشرع العراقي في المادة ((1101)) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل ، وكذلك المشرع المصري في المادة ((872)) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 لم يذكرا تعريفاً واضحاً  لمعنى الكنز و ماهي الأشياء التي يمكن إعتبارها من قبيل الكنز[1]

أما الإتجاه الفقهي العراقي فيعرف الكنز بإنه (( مال يعثر عليه مخبوء في الأرض أو البناء و لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له))[2]، ويعرفه ايضاً (( هو ما يوجد في باطن الأرض مما أودعه الإنسان نقوداً كان أو حلياً أو سبائك))[3]، وكذلك (( هو المنقول المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته))[4]،أما الكنز في الفقه المصري يعرف بإنه (( كل منقول مدفون أو مخبوء في عقار او منقول ولا يستطيع أحد ان يثبت ملكيته كالنقود والحلي والسبائك من ذهب او الفضة))[5]   

ويعرف ايضاً بإنه (( كل منقول مدفون أو مخبوء لا يعرف مالكه))[6]، وكذلك ((هو كل منقول ذو قيمة مخبوء أو مدفون ولا يعرف له مالك))[7]،فالكنز يتكون من أشياء ثمينة وقيمة  اياً كان نوعها و خبئها الإنسان عن أعين الناس عامداً ذلك ويختلف بطبيعته عن الأرض أو البناء المخبئ فيه ، و ينبغي التميز بين الكنز وبين المعادن فالمعادن هي ما يوجد في باطن الأرض من أصل الخلقة أو الطبيعة سواء كانت صلبة من الذهب والفضة والنحاس أو سائلة كالزئبق و النفط  ، أما الكنز فهو المدفون في باطن الارض بفعل أصحابه الأولين او على آثر حادث من حوادث الطبيعة يؤدي إلى طمر بلد في باطن الارض بما فيه من ثروات[8] و يتضح من التعاريف  الوارد ذكرها بأن الفقهاء إتفقوا أغلبهم على أن الكنز شيء منقول ، وكذلك مخبأ او مدفون ، و أن لا تثبت ملكيته لأحد إلا إن بعضهم إختلفوا على المكان الذي يخبا أو يدفن فيه الكنز فبعض الفقهاء يعتبر أن المكان الذي يخبأ أو يدفن فيه الكنز لا يقتصر على الأرض إنما يشمل البناء ، أما الطرف الآخر فقد إقتصروا على الأرض مكان لدفن الكنز، ونلاحظ بإن الأستاذ محمد طه البشير والأستاذ غني حسون طه في كتابهما الحقوق العينية كانا موفقين في تعريفهما للكنز عندما أوردا فيه امثلة وصور للكنز( كالنقود والحلي من الذهب او الفضة والسبائك....)  خلافاً لأغلب التعاريف الفقهية الاخرى التي جاءت خالية منها  ، ومن جانب آخر لم يصيبان في تعريفهما للكنز فجاء خالياً من الشرط الثالث لإعتبار الشئ كنزا (أن لايستطيع أحد إثبات ملكية الكنز) ، وكما مذكور في المادة القانونية الخاصة بالكنز معاكساً بذلك التعاريف الفقهية الآخرى و بعد كل ماسبق ذكره يمكن أن نعرف الكنز بإنه ( منقول ذو قيمة مادية أو معنوية خبأته اليد البشرية في الأرض أو البناء عمداً و لايستطيع أحد يثبت ملكيته كالنقود والحلي والسبائك الذهبية أو الفضية .....الخ ).

المطلب الثاني: شروط الكنز

جاء بالمادة (1101) من القانون المدني العراقي ((الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته يكون لمالك العقار أن كانت الارض مملوكه وللدولة إن كانت الأرض أميرية ولجهة الوقف إن كانت الأرض موقوفة وقفاً صحيحاً  )) ، وكذلك المادة (872) من القانون المدني  المصري((1- الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع أحد أن يُثبت ملكيته له، يكون لمالك العقار الذي وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته. 2- والكنز الذي يُعثر عليه في عين موقوفة يكون ملكاً خاصاً للواقف ولورثته )) و من الواضح إن النصوص القانونية أعلاه  أوجبت  توفر شروط معينة لإعتبار الشيء كنزاً : وهي       

اولاً - أن يكون منقولاً : إذ لو كان عقاراً لأصبح جزء من الأرض الذي وجد فيها بمعنى إنه لو وجد في باطن الأرض بناءاً متصل بها فلا يعد ذلك كنزاً[9] (1)  ، فالكنز منقول بطبيعته أي هو كل شيء يمكن نقله دون تلف من مكان إلى آخر كما إن الكنز بطبيعته يعد من المنقولات الماديه التي تكون ذات جسم محسوس أو أثر ملموس بغض النظر عن قيمته و حجمه وبعبارة آخرى ، فالمنقول هو كل شيء لاتتوافر فيه صفة الإستقرار والثبات ، ويمكن نقله بدون تلف ولاعبرة إذا كانت قابليتة للانتقال ذاتية او بفعل الغير[10].

ثانياً- إن يكون مخبوء أو مدفون : ويستوي في الدفن أو التخبئة أن تكون قديماً أو حديثاً ، فالمنقول الثمين الذي يوجد في مكان ظاهر لا يكون كنزاً  بل يدخل في حكم الأشياء الضائعة أو اللقطة ،وإن دفن الكنز في الأرض أو في بناء (حائط) يعنى إننا بصدد منقول منفصل عن الأرض،فالأصل إن الكنز ليس جزء من الارض كما الاحجار والمعادن التي تعد جزء منها[11]

فيقتضي حتى يكون المنقول المدفون كنزاً ان تكون له ذاتية مستقلة عن العقار المدفون فيه ، فإذا لم يكن له ذاتية مستقلة عن المكان المخبئ فيه لايعتبر كنزاً [12](1).

ثالثاً- أن لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته للكنز: فان إستطاع شخص آخر أن يثبت ملكيته للكنز وإنه كان قد دفنه في باطن الأرض أو خبأه في البناء خوفاً عليه من السطو و المصادرة أو الطمأنينة على بقائه محفوظاً ، فإنه لايعتبر كنزاً  ، ويمكن للمالك أن يسترده بدعوى الإستحقاق [13]كونها من دعاوي حماية الملكية والتي تسري على العقار والمنقول.

وليس من الدقة أن يقال على الكنز بإنه منقول لا مالك له ، فالمنقول  الذي لا مالك له إما ليس له مالكا منذ البداية أو قد يكون تملكه شخص ثم تخلى عن ملكيته  ، والكنز ليس هذا ولا ذاك فهو له مالك ولم يثبت أن المالك قد تخلى عن ملكيته بل الظاهر إنه كان حريصاً عليه عندما دفنه أو خبأه بعيدا عن ناظر الآخرين[14] ومن الجدير بالإضافة إن الأستاذ محمد طه البشير والاستاذ غني حسون طه في كتابهما الحقوق العينية لم يذكرا بشكل واضح في الشرط الثالث من شروط الكنز بان المنقول لا يعتبر كنزاً و يفقد هذه الصفة إذا إستطاع أحد أن يثبت ملكيته لهذا المنقول ، ويمكن له بعد ذلك المطالبة به بناءاً على دعوى حماية أصل الحق (دعوى الاستحقاق) وإسترداده ممن عثر عليه سواء كان صاحب الأرض أو البناء أو غيره. ونرى إنهما لم يوفقا في عدم التوسع في هذا الموضع .

المبحث الثاني

أحكام تملك الكنز

يتميز الكنز بإعتباره منقولاً بأحكام خاصة عن باقي المنقولات الآخرى والمشرع العراقي بالمادة (1101) من القانون المدني بين أن يكون ملك الكنز للدولة إذا وجد في أرضها وكذلك لمالك الأرض أو لجهة الوقف بشرط أن يكون وقفها صحيحاً وذلك في حال عدم وجود شخص يدعي ملكيته للكنز ويثبت ذلك  ، كما إن التفسيرات القانونية إختلفت حول أسباب إعطاء ملكية الكنز للمستحقين وفقاً للمادة المذكورة اعلاه فضلاً عن تباين الاراء الفقهية في ذلك ولمعرفة آثر أحكام تملك الكنز سنقسم هذا المبحث على  مطلبين ، سنبين في أولهما إكتساب ملكية الكنز في القانون ، وسنوضح فًي ثانٌيهما إمتلاك الكنز في الفقه ، وكما سيأتي .

المطلب الاول: إكتساب ملكية الكنز في القانون

لقد نظم القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل أحكام الكنز من حيث شروطه وكيفية تملكه ، وكذلك وضح الجهات التي لها حق تملكه وطبقاً لما جاء بالمادة (1101)  ، فالكنز يمكن أن يكون ملك للدولة إذا وجد في أرضها وكذلك لمالك الارض أو لجهة الوقف بشرط أن يكون وقفها صحيحاً  ، وكل ذلك مشروط بعد وجود شخص يدعي ملكيته للكنز ويثبت ذلك علماً إنه يمكن لأي شخص إثبات ملكية الكنز بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن[15]، أما أسباب تملك الدولة أو صاحب الأرض أو جهة الوقف للكنز وفقاً للقانون فهنالك عدة تفسيرات وهي:   

الأول- التبعية : أن الكنز يتبع ملكية العقار الذي وجد فيه مهما إختلفت الجهة المالكة والحقيقة إن المشرع العراقي في المادة اعلاه يقيم قرينة قانونية بسيطة قابلة لإثبات العكس لإعطاء مالك الأرض الحق في تملك الكنز وهي فكرة التبعية، أي إن الكنز الموجود في العقار هو تابع لها وبذلك يستطيع مالك العقار التمتع به إذا لم يثبت من يدعي إن الكنز ملكاً له[16] ، و التبعية هي التابع لغيره في الوجود حقيقة أو حكماً ، وينسحب عليه حكم المتبوع فالتابع قد يكون متصلاً بالمتبوع  أو منفصلاً عنه لكن يتبعه لوجود نص أو عرف يقتضي ذلك ، لذا فان ما كان تابعاً لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم بل يدخل في الحكم مع متبوعه سواء كان جزء منه أو ضمنه أو من ضروراته ولوازمه أو فرعاً له ، فالحكم الذي يثبت للأصل المتبوع يثبت للفرع التابع[17] فإذا باع شخصاً أرض إلى شخص آخر و بعد ذلك وجد المشتري كنزاً فيكون ملكاً للمشتري تبعاً للأرض المبيعة إلا إذا وجد من يثبت ملكيته للكنز سواء كان البائع أو غيره وكذلك الحال إذا وجود إتفاق بين البائع والمشتري على أن مايوجد في باطن الأرض ليس من ضمن البيع وفي هذه الحال يمكن للبائع إستراده من المشتري فلا يدخل الكنز في البيع تباعاً [18]، كما إن وجود تابع ومتبوع لوحدهما ليكفي لتحقق التبعية فلابد من وجود علاقة تربط بينهما فالرابط بين الارض بإعتباره متبوع والكنز إعتباره تابع هو الإرتباط المادي القائم على وجود الكنز في العقار سواء كان ضمن طبقات الأرض التي تعود لمالك الارض إستناداً لملكية السفل فمالك الارض يملك طبقات الأرض التي تحتها بالقدر المفيد الذي يتيح له التمتع في ملكه أو إذا وجد الكنز داخل البناء (الحائط) التي تعود لمالك العقار إستناداً لملكية العلو ، فمالك الأرض يملك الفضاء الذي يعلو أرض بنفس بالقدر الذي يتيح له التمتع في ملكه ، وكما أسلفنا سابقاً وهذه العلاقة التبعية مرهونة بعدم وجود من يستطيع إثبات ملكيته للكنز.

الثاني – الأفضلية : فإذا لم يكن للكنز من يدعي ملكيته ويثبت ذلك في حال العثور عليه فتكون الأفضلية للمالك على غيره  بسبب ملكيته للعقار فهو آولى الناس به  وبالتالي يكون حقه أقوى من حق غيره بالتملك [19]، كما إن سلطات المالك على أرضه كالإستغلال والتصرف قد تكون سبباً رئيسياً في الحصول على الكنز مما يجعل من الصدفة سبباً في عثور الغير على الكنز فمالك الارض قد يعثر على  الكنز في أرضه نتيجة حفر طبقاتها إستغلالاً لملكه، وكذلك الحال بالنسبة للمستأجر الذي يعثر على الكنز في أرض المؤجر نتيجة لإستعمال المؤجر (المالك) حقه في إستغلال الماجور ، وكذلك المنتفع أو المساطح لا يعثر على الكنز إلا عندما قرر صاحب الأرض التصرف بإرضه وبذلك يكون عثور (المنتفع أو المساطح أو المستاجر) على الكنز بطريق الصدفة فالإحراز هنا ليس بقصد التملك بل بالصدفة وبذلك ينتفي الشرط الثالث من شروط التملك بالإستيلاء أو الإحراز ،أما القانون المدني المصري في المادة(872) فان تفسير أعطاء ملكية الكنز لمالك العقار جاء مطابقاً لما ذكر أعلاه سواء بالتبعية أو الأفضلية[20]

وخلاصة ماتقدم وبالرغم من إختلاف وجهات النظر و الاراء فمنهم من يرجح معيار التبعية ، ومنهم من يرجح معيار الأحقية أو الأفضلية إلا إننا نلاحظ ان هنالك قاسم مشترك بين المعيارين إلا وهو الملكية الذي يستند على مكان وجود الكنز عند العثور عليه فمعيار التبعية يقوم بسبب وجود الكنز ضمن ملكية صاحب العقار سواء كان في طبقات الأرض أو مدفون في حائط البناء ، أما معيار الأحقية فيبنى على أساس وجود الكنز في ملك صاحب العقار وكل هذا الكلام مقرون بعدم إثبات ملكية الكنز من قبل شخص آخر ،كما يرتكز ايضاً على زمان وجود الكنز فمشتري العقار لايكون مسؤولاً أمام البائع عن الكنز الذي يجده بعد الشراء إلا إذا فسخ البيع فالبائع في هذه الحالة هو مالك الكنز حتى لو وجد الكنز في وقت كان فيه المشتري هو حائز العقار لأن المشتري يصبح كأنه لم يكن مالكاً للعقار في أي وقت[21] وحرياً بالذكر إن لمبدأ إستقرار المعاملات الوقع الكبير على المواد القانونية وإستقرارها فكلاهما يهدف لبث الطمانينة واليقين في نفوس الأشخاص  وإلى مصير معاملاتهم التي يقدمون عليها عبر المعرفة مقدماً بنتائج أفعالهم من خلال النطاق الخاص بهم[22] ، ومن الجدير بالإضافة فإنه لايوجد أي إختلاف في أحكام الكنز بين المادة (1101) من القانون المدني العراقي والمادة (872) من القانون المدني المصري سوى إن القانون العراقي إشترط الوقف الصحيح لتمليك الكنز لجهة الوقف لأن الأرض الموقوفة بشكل صحيح هي أرض مملوكة ، أما اذا كانت الأرض موقوفة وقفاً غير صحيح كالاراضي الأميرية أو صاحب الحق بالتصرف فيها فإذا وجد فيها الكنز فيكون للدولة وليس لجهة الوقف[23].

المطلب الثاني: إمتلاك الكنز في الفقه

إن الآراء الفقهية في العراق قد أتفقت جميعاً بأن الكنز في الأصل لايعتبر جزء من الأرض ،لإنه لم يوجد فيها من أصل الخليقة والطبيعة بل دفن بالارض بفعل أصحابه الآولين[24]إلا أنهم إختلفوا في ماجاء في النص القانوني الخاص بالكنز من عدة جوانب  وإنقسموا إلى إتجاهين: 

1- من حيث معيار تملك الكنز                                                          

 الإتجاه الأول-  أخذ بمعيار التبعية وإن ملكية الكنز تكون لصاحب العقار الذي وجد فيها بإعتبار ان الكنز يتبع الارض وبالتالي تعتبر جزء منها مع الأخذ بعين الإعتبار عدم وجود من يثبت ملكية الكنز له [25] .

الإتجاه الثاني- إستعان بمعيار الأفضلية أو الأحقية وبأن ملكية الكنز تؤول لصاحب العقار كونه المكان الذي وجد فيه الكنز إذا لم تثبت ملكيته لشخص ما[26].

2-من حيث تملك الكنز

الإتجاه الاول- أيد ماجاء فيه التشريع العراقي بالمادة (1101) فالكنز الذي لم تثبت ملكيته لإحد يكون لصاحب الإستحقاق فيه كالدولة او صاحب الارض او جهة الوقف[27].

الإتجاه الثاني- خالف ما جاء به التشريع العراقي في المادة (1101) بإن تكون ملكية الكنز التي لم تثبت ملكيته لأي شخص تكون لأصحاب الإستحقاق وهذا الرأي قائم على إعتبار أن  ملكية الأرض لاتتناول ملكية الكنز لأن الأخير ليس جزء من الأرض المدفون فيها [28]، والرأي الفقهي الأخير يطرح تساؤلاً مهماً وهو كيف يمكن لصاحب الأرض تملك شيء لايملكه أو يكون جزء من ملكه؟ اضف إلى ذلك أن هذا الرأي سوف يضفي شيئاً من الغموض واللبس فيعطي بذلك حقاً للحائز أو من وجد الكنز كالمنتفع أو المستاجر أو المساطح للدفع بقاعدة (الحيازة في المنقول سند الملكية) مدعياً أن الكنز لايعتبر جزءاً من ملكية صاحب الأرض فهو لم يتعدى على ملك غيره و قد يدعي بإنه وجد الكنز قبل مالك الأرض أو يعلم بمكانه أي ليس بمحض الصدفة فلو علم بمكانه صاحب الارض لأخذه ، وتاكيداً للقاعدة القانونية (المطلق يجري على إطلاقه مالم  يقيم دليل التقييد نصاً أو دلالة)[29]، فان القانون المدني العراقي لم يعطي لأحد حق تملك الكنز بالإستيلاء بمعنى أن تملك الكنز يعتبر إستثناءا من طرق كسب الملكية بالإستيلاء أو الحيازة إلا إذا أثبت من احرز الكنز إنه مالكه.

3-من حيث تطبيق قواعد العدالة

الإتجاه الأول- يرنو لتطبيق قواعد العدالة التي نادى بها القانون الفرنسي والتي تقتضي أن يكون لمن وجد الكنز نصيب فيه وأن لا يقتصر الكنز على صاحب العقار خلافاً للمادة القانونية المذكورة أعلاه [30] .

الإتجاه الثاني- أخذ بما جاء به التشريع العراقي في المادة (1101) بأن يكون الكنز لأصحاب الإستحقاق فقط إذا لم يثبت ملكية الكنز لأحد فلا ينال من يجد الكنز أي نصيب فيه[31]، علاوة على ذلك فأن النصوص القانونية المكتوبة والتي تصدرها السلطة المختصة بوضع التشريع تعد المصدر الأصلي والأول في القانون مقارنة مع المصادر القانونية الآخرى ، بمعنى إن التشريع  هو المصدر الأول الذي يتعين تطبيقه قبل أي مصدر آخر ، أما المصادر الآخرى فجميعها  إحتياطية ليرجع اليها إذا لم يسعفنا المصدر الأصلي إذ لامساغ للإجتهاد في مورد النص [32]

وحسناً فعل المشرع العراقي في عدم إعطاء شيء للحائز أو من يعثر على الكنز لأن الكنز له أحكامه الخاصة التي تميزه عن المنقولات الآخرى وبإعطاء من يجده نسبة من الكنز سوف يعتبر الأخير من قبيل الأشياء الضائعة أو المفقودة وبذلك تتشابه مع أحكام اللقطة.

أما الرأي الفقهي في مصر فقد جاء موافقاً للفقه العراقي ، وإنقسم بين مؤيد لمعيار التبعية وآخر لمعيار الأحقية أو الأفضلية[33]، كما أتفق مع ماجاء بالرأي الأول من حيث إن ملكية الكنز تؤول إلى مالك الأرض في حال لم تثبت ملكية الكنز لشخص ما[34]، وكذلك إختلفت الاراء بينهم من حيث تطبيق قواعد العدالة فمنهم من بين إغفال المشرع المصري لها وكان عليه أن يعطي نصيب لمن يعثر على الكنز متاثراً بما جاء في نصوص القانون الفرنسي[35]، وآخرون لم يؤيدوا ذلك[36] .

المبحث الثالث

موانع كسب ملكية الكنز

لم يذكر المشرع العراقي في نصوص القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 ماهي الموانع التي تحول دون تملك الكنز وخاصة في المادة (1101) لكن المادة (1098) والخاصة بالإستيلاء بينت بصورة غير مباشرة بأن الإستيلاء أحد موانع تملك الكنز على الرغم من تنظيم أحكام الكنز في باب التملك بالاستيلاء ، وكذلك الحال في المادة (1163) من القانون المدني والتي بينت بشكل مجازي إعتبار الحيازة عائقاً لتملك الكنز وماهي الأسباب التي تجعل من هذه الموانع عائقاً للتملك ولمعرفة موانع كسب ملكية الكنز سنقسم هذا المبحث على  مطلبين ، سنتطرق في أولهما إلى الإستيلاء ، وسنوضح فًي ثانٌيهما الحيازة ، وكما سيأتي:

المطلب الأول: الإستيلاء

يعد الإستيلاء سبباً قديماً من أسباب كسب الملكية وعرفته البشرية منذ زمن سحيق ، بل كان المصدر الأول لكسب الملكية وبالرغم من تضاؤل هذا المصدر في كسب الملكية في المجتمع المعاصر ، إلا إنه لايزال مصدراً وسبباً لكسب الملكية مادام هنالك طير في السماء وسمك في البحار وكلأ في الطبيعة ، فالإستيلاء هو وضع اليد على شيء مادي لامالك له بنية تملكه[37]  ومن صور الأشياء التي يمكن تملكها بالإستيلاء و إستعرضها المشرع في القانون المدني هي الماء والكلأ والمرعى والصيد واللقطة .....الخ [38] ، فالمنقول الذي يمكن الإستيلاء عليه هو المنقول الذي ليس له مالك من البداية كالإشياء المشتركة مثل الطير في الهواء أو السمك في الماء ..... الخ [39]، وكذلك المنقول الذي يكون له مالك من البداية ثم يتخلى عن ملكيته بقصد النزول عنها وبذلك يصبح المنقول لامالك له ويمكن تملكه بالإستيلاء ويشترط في تخلي المالك عن ملكيته للمنقول توفر عنصرين أحدهما مادي أي ترك المنقول يخرج من حيازته ، والآخر معنوي يتمثل في نية النزول عن ملكية المنقول وتستخلص هذه النية من الظروف كما في القاء الشي على قارعة الطريق[40] كما إن المادة 1098 من القانون المدني العراقي وضعت شروط معينة يجب توافرها  لتملك الأشياء بالإستيلاء[41]وهي :                     

1-الإحراز : هو وضع اليد على الشي للسيطرة عليه ، والإحراز نوعان  أحدهما حقيقي والآخر حكمي والإحراز الحقيقي بوضع اليد على الشيء حقيقة كالإحتطاب في الغابات وإقتطاف الفاكهة من الأشجار ، أما الآخر فهو الإحراز الحكمي ويتحقق بتهيئة سبب الإحراز كما في وضع الإناء لجمع مياه الامطار ، وتختلف طريقة الإحراز حسب طبيعة الشي المراد تملكه فالمياه تحرز في الأواني أو القناني المعدة لها أما الحيوانات فتحرز في الأقفاص أو الشباك[42]

2- أن يكون الشيء منقولاً مباحاً: يجب أن يرد الإحراز على منقول مباح[43] ، فكسب الملكية بالإستيلاء يرد حقيقة على المنقول دون العقار[44]ويدخل في ذلك الأشياء المشتركة التي يفيد الناس كافة ولايستطيع أحد أن يستأثر بها بشرط عدم الإضرار كما في الماء والنار والكلأ ، وينصرف شرط عدم الإضرار إلى الحالات التي يضع فيها القانون قيوداً في الإستيلاء على بعض المنقولات المباحة كالقوانين التي تمنع صيد الحيوانات البرية في مواسم معينة أو في أماكن محدد حفاظاً على التنوع الطبيعي[45]، وإن إشتراط أن يكون المنقول مباحاً يخرج طائفة الأشياء التي يحظر القانون التعامل بها  حتى لو توفرت شروطه كالإحراز والتملك فلا يجوز تملك الأسلحة الحربية بوضع اليد عليها إذا كان القانون يحضر ذلك[46]

ولا يجوز الإستيلاء  على  المواد المخدرة  بقصد تملكها إذا القانون لم يجز ذلك[47] ،وبالإضافة الى ماتقدم فالأشياء الضائعة أو المفقودة التي خرجت من يدي مالكها غفلة أو بغير إرادة لاتعتبر من قبيل المنقولات المباحة التي لايمكن الإستيلاء عليها لأنها تبقى مملوكة لإصحابها .

3-قصد التملك : إن الإحراز لايكفي لوحده لكسب ملكية الأشياء المباحة، وإنما يجب ان تقترن به نية التملك فبغير قصد التملك لاتثبت الملكية للشخص[48]فمن يضع آنية خارج البيت دون قصد جمع الماء فيه لايملك الماء الذي تجمع فيه ، ويترتب على هذا الشرط أن المجنون والصغير الغير مميز لايمكنهم تملك المنقولات المباحة بالإستيلاء على الرغم أن الإستيلاء واقعة مادية لاتتطلب الأهلية ، إلا إن هذه الواقعة مختلطة بإرادة التملك وهذه الإرادة معدومة لدى المجنون والصغير الغير مميز[49]وبصورة عامة فإن إنعدام أهلية الشخص لاتحرمه من حق تملك الأشياء المباحة فيمكن أن يقوم قصد التملك لمن يمثله قانوناً كالولي أو الوصي أو القيم[50] ، ومن الجدير بالذكر إن المشرع لم يشترط وقت معين لنشوء القصد بالتملك فقد يكون عند وضع  اليد على الشي أو بعد ذلك[51]أما الكنز فلا يمكن كسب ملكيته بالإستيلاء ، لأن صاحبه فقد حيازته المادية له فقط لكنه لم يتخل عن ملكيتها فيبقى ملكاً له وبذلك سيفتقد من أحرز الكنز بالإستيلاء إلى أحد شروطه وهي أن يكون المنقول مباحاً[52]

علاوة على ذلك فإن المشرع العراقي والمصري لم يمنحان واجد الكنز شيئاً منه إذا لم يكن من أصحاب الإستحقاق فيه كمالك الأرض أو الدولة او جهة الوقف ، فالإستيلاء ليس سبباً لكسب ملكية الكنز .

المطلب الثاني: الحيازة

لقد أدى تطور الأنظمة القانونية الخاصة التي تنظم الملكية تاريخياً لظهور الحيازة وعلى الرغم من إنها مجرد حالة واقعية ، إلا إن لها في النظام القانوني دوراً مهماً ووظائف خطيرة تحتل بها الصدارة كسبب من أسباب كسب الملكية ، فالحيازة هي السيطرة الفعلية على شيء يجوز التعامل فيه مع إنصراف النية إلى إستعمال حقه عليه[53]  والأصل في الحيازة إجتماع السلطة الفعلية على الشيء التي تكون الحيازة والسلطة القانونية التي تتمثل بحق الملكية ، إلا إن الحيازة مستقلة عن الحق فمن الممكن أن تقوم بدونه حيث لايكون للحائز أي حق على الشي الذي يحوزه،  كما إن الحيازة لاتتسع إلا الحقوق العينية  فلا ترد على الحقوق الشخصية والأشياء الغير مادية أو مجموع الأموال القانونية كالتركات أو الفعلية كالمحال التجارية وأن كانت مفرداتها قابلة للحيازة[54] ، خلافاً للسندات لحاملها التي تصح ان تكون محلاً للحيازة طبقاً لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية[55] (3) وللحيازة عنصرين أحدهما مادي وهو السيطرة المادية أو الفعلية على الشيء وتتمثل هذه السيطرة بالأعمال المادية التي تدخل في مفهوم الحق العيني الذي يظهر الحائز بمظهر صاحب الحق فالعبرة أساساً بالأعمال المادية التي تدخل في مضمون الحق [56]وهذه  الأعمال يستنبطها القاضي حسب طبيعة الشيء[57] ، والآخر معنوي يراد به أن يكون للحائز نية إستعمال الشي المحاز بإعتباره صاحب الحق عليه كمالك أو صاحب حق عيني متفرع من حق الملكية[58] ويشترط في الحيازة بشكل عام عدة أمور وهي:

1- أن تكون هادئة : بمعنى أن لاتكون الحيازة قائمة على إستعمال القوة والعنف أي بدون إكراه كي تنتج آثارها بشكل قانوني وصحيح.

2- أن تكون الحيازة ظاهرة : أي ليست خفية ويمارس الحائز حقه على الشي كأنه المالك أو صاحب الحق وبشكل صريح وعلني.

3- أن لا تكون الحيازة غامضة : أي لا لبس فيها فيتوفر الركن المادي لها دون المعنوي وبالتالي لاتنتج الحيازة الغامضة آثارها[59] .

وكما هو معروف إن حيازة المنقول وفقا للقاعدة القانونية (الحيازة في المنقول سبب الملكية ) تشترط لتطبيقها توفر عدة عوامل وهي :

اولاً- أن يكون هنالك منقول يمكن نقله من مكان إلى الآخر دون تلف .

ثانياً- أن يخضع المنقول لحيازة صحيحة أي بتوفر الركنين المادي والمعنوي معاً .

ثالثاً- السبب الصحيح فيتلقى الحائز المنقول معتقداً إنه تلقاه من مالكه بتصرف قانوني.

رابعاً - حسن النية وهذا الشرط يكاد لايختلف عن ما جاء في الشرط السابق بل يعتبر السبب الصحيح أحد عناصر حسن النية وليس بشرط مستقل لتطبيق القاعدة القانونية المذكورة [60].

وبناءاً على ماتقدم فلا يمكن تطبيق القاعدة القانونية (الحيازة في المنقول سند الملكية) على الكنز بإعتباره من المنقولات ، لأن  شروط الحيازة وفقاً للقاعدة أعلاه غير متوفرة بإكملها ، فالسبب الصحيح كأحد شروط هذه القاعدة منعدم كون الحائز لم يتلق المنقول (الكنز) من مالكه الأصلي وبصورة قانونية لأن الكنز يعتبر منقول له مالك إلا أن الآخير غير معروف،  وعلم الحائز بذلك يجعل من حيازته سيئة النية فيستطيع المالك إسترداده من الحائز طالما مدة التقادم العادي لم تنتهِ بعد[61] 

ومن الجدير بالذكر ايضاً فأن الحائز بحيازته للكنز سوف يفقد أحد شروطها العامة الواجب توافرها وهي العلنية وعدم الخفاء كون هذا الشرط يتوفر في المنقولات لسهولة إخفائها[62]، فقد يعمد الحائز سواء أكان مستاجر أو منتفع او مساطح إلى إخفاء الكنز الذي حازه وعدم إظهاره بشكل علني للعامة ، لأنه ليس مالكه الاصلي ولا صاحب الإستحقاق فيه  كمالك الارض أو الدولة أو جهة الوقف.

الخاتمة

في غضون دراستنا لموضوع (أحكام الكنز في القانون والفقه - دراسة مقارنة ) ، تطرقنا في المبحث الأول المقصود بالكنز  ، والقينا الضوء في المبحث الثاني على أحكام تملك الكنز، ووضحنا في المبحث الثالث موانع تملك الكنز ، من خلال ماتقدم يمكن أن نحدد أهم الإستنتاجات و المآخذ و المقترحات بمايلي:

الإستنتاجات

1- لم يرد في نصوص القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل في المادة (1101) تعريفاً صريحاً للكنز ، وماهي الأشياء التي يمكن إعتبارها من قبيل الكنز.                           

2- إن تعريف الكنز في الكتاب المنهجي لمادة الحقوق العينية إقتصر على ذكر الأرض كمكان لدفن الكنز ولم يشمل البناء ، خلافا لما ورد في المادة (1101) التي شملت الملكية العقار أي الأرض وكذلك البناء الموجود فيها وكذلك لم يتطرق التعريف الى الركن الثالث لإعتبار الشيء كنزاً وهو (أن لايستطيع أحد إثبات ملكية الكنز).

3- لم يذكر في الكتاب المنهجي للحقوق العينية بشكل واضح  في الشرط الثالث من شروط الكنز بأن المنقول لايعتبر كنزاً  ويفقد هذه الصفة إذا تم إثبات ملكيته لأي شخص ويصبح صاحب الحق فيه.

4- إن الأختلاف في أحكام الكنز بين المادة (1101) من القانون المدني العراقي والمادة (872) من القانون المدني المصري هو أن القانون العراقي  إشترط الوقف الصحيح لتمليك الكنز لجهة الوقف لأن الأرض الموقوفة بشكل صحيح هي أرض مملوكة ، أما أذا كانت الأرض موقوفة وقفاً غير صحيح كالاراضي الأميرية أو صاحب الحق بالتصرف فيها فإذا وجد فيها الكنز فيكون للدولة وليس لجهة الوقف.

5- إن الاراء الفقهية إختلفت بخصوص المعيار الذي يطبق على إحكام الكنز ففريق أخذ بمعيار التبعية ، والآخر إتفق ومعيار الأحقية أو الافضلية.

6- إن الإتجاه الفقهي الذي لايتفق مع ماذهبت له المادة (1101) من القانون المدني العراقي وإعتبر وبشكل مطلق أن ملكية الأرض لاتشمل  الكنز المخبئ فيها وبالتالي لايدخل في ملكية صاحب الأرض وإن قواعد العدالة تقتضي أن يكون للحائز أو الذي يعثر على الكنز نصيب فيه خلافاً للكسب بالاستيلاء ، هو ما موجود حالياً في الكتاب المنهجي والمعتمد في كليات القانون في العراق.     

7- تعتبر الملكية هي القاسم المشترك بين معيار التبعية والأفضلية وتستند على مكان وجود الكنز وكذلك زمان وجوده أو العثور عليه في العقار  .

8- لا يمكن كسب ملكية الكنز بالإستيلاء لأن صاحبه فقد حيازته المادية له فقط لكنه لم يتخل عن ملكيتها فيبقى ملكاً له ،  وبذلك سيفتقد من أحرز الكنز بالإستيلاء إلى أحد شروطه وهي أن يكون المنقول مباحاً. 

9- لا يمكن تطبيق القاعدة القانونية (الحيازة في المنقول سند الملكية) على الكنز بإعتباره من المنقولات ، لأن شروط الحيازة وفقاً للقاعدة أعلاه غير متوفرة بأكملها فالسبب الصحيح كأحد شروط هذه القاعدة منعدم كون الحائز لم يتلق المنقول (الكنز) من مالكه الأصلي وبصورة قانونية ، لأن الكنز يعتبر منقول له مالك إلا إن الآخير غير معروف وعلم الحائز بذلك يجعل من حيازته سيئة النية ، فضلاً عن فقدان أحد الشروط العامة الواجب توافرها  في الحيازة وهي العلنية وعدم الخفاء كون هذا الشرط يتوفر في المنقولات لسهولة إخفائها.

التوصيات    

1- نهيب بالمشرع العراقي إضافة تعريف صريح يبين معنى الكنز في القانون المدني العراقي ، وكذلك الأشياء التي تعتبر من قبيل الكنز .

2- حذف العبارة (لايعتبر الكنز جزء من الأرض المدفون فيها و لايتناوله ملكها)  الواردة في الكتاب  المنهجي  في الحقوق العينية المعتمد في كليات القانون ، والتي جاءت مطلقة جداً ، ومخالفة لما أخذ به القانون المدني العراقي في المادة (1101) ، أو الإضافة لها وجعلها كالاتي (( لايعتبر الكنز جزء من الأرض المدفون فيها ولا يتناوله ملكها إذا وجد من يثبت ملكيته للكنز غير صاحب العقار)) .

3- نأمل إضافة عنوان ((حالات خاصة تستثنى من كسب الملكية بالإستيلاء)) في الكتاب المنهجي وتندرج ضمنها الحالات التي إستثناها المشرع العراقي من الكسب بالإستيلاء كالكنز والآثار.

4- نحث المشرع العراقي على إضافة عبارة ( ويعتبر الكنز والآثار القديمة حالات مستثناة من الكسب بالإستيلاء) الى نص المادة (1101) من القانون المدني العراقي  لتصبح المادة اعلاه اكثر دقة ووضوح .

 

[1] القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المادة (1101) ((الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع احد ان يثبت ملكيته يكون لمالك العقار أن كانت الارض مملوكه وللدولة ان كانت الارض اميرية ولجهة الوقف ان كان الارض موقوفة وقفاً صحيحاً  ))، القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 المادة (872)  ((1- الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع أحد أن يُثبت ملكيته له، يكون لمالك العقار الذي وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته. 2- والكنز الذي يُعثر عليه في عين موقوفة يكون ملكاً خاصاً للواقف ولورثته ))

[2] حامد مصطفى ، الملكية العقارية في العراق ، معهد الدراسات العربية العالية ،مصر ،ج1 ،1964، ص272

[3] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، الحقوق العينية ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2018 ، ص192

[4] د. حسن علي الذنون ، الحقوق العينية الاصلية ، شركة الرابطة ، بغداد ،1954، ص113

[5] د. لاشين محمد يونس, اسباب كسب الملكية في القانون المدني، دون ذكر الناشر،مصر،دون ذكر سنة النشر، ص8

[6] د.نبيل ابراهيم السعد ،الحقوق العينية الاصلية ،منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ،2003 ،ص354

[7] د. رمضان ابو السعود ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية ،،منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ،2002 ،ص27

[8] د. عبد الكريم زيدان ، المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية ، مكتبة القدس ، بغداد ، 1989، ص213

[9] د. محمود جمال الدين زكي ، الحقوق العينية الاصلية ، مطبعة جامعة القاهرة ، مصر ، ف148، دون ذكر سنة النشر،ص 271

[10] د. حسام الدين الاهواني ،مبادى القانون ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،1975، ص 379

[11] د. محمد حسين منصور ، الحقوق العينية الاصلية ، دار الجامعة الجديدة ، مصر ، 2007، ص353

[12] د. درع حماد ، الحقوق العينية الاصلية ، دار السنهوري ، بيروت ، 2018 ،ص 205

[13] د. عبد المنعم فرج الصدة ، حق الملكية ، مطبعة مصطفى البابي ، القاهرة ،1967، ف250 ،ص368

[14] د. عبد الرزاق السنهوري ، اسباب كسب الملكية ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ،ج9، 1964 ، ص 28

[15] محمد كامل مرسي ، الحقوق العينية الاصلية ، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1952 ، ص 15

[16] د. حسن علي الذنون ، مصدر سابق ، ص115

[17] فواز يوسف صالح ، معيار التبعية في القانون المدني ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية ، عدد خاص ،ج4، مج36 ،2021  ، ص 65

[18] شاكر ناصر حيدر ، الوسيط في شرح القانون المدني ، مطبعة المعارف ، ج1 ، بغداد ،1959 ، ص647

[19] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، مصدر سابق ، ص193

[20] د.حسن كيرة ، الموجز في احكام القانون المدني ، منشاة المعارف ، مصر،1994 ،ص 424 ، د. اسماعيل غانم ، مذكرات في الحقوق العينية الاصلية ، دون ذكر الناشر ، ج2 ، مصر ، 1958،  ص48 

[21] محمد كامل مرسي ، مصدر سابق ، ص 24

[22] علي حميد كاظم ، استقرار المعاملات المالية دراسة مقارنة، اطروحة دكتوراه، جامعة كربلاء ، 2014 ،ص 31

[23] د. حسن علي الذنون ، مصدر سابق ، ص116

[24] شاكر ناصر حيدر ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية  ، مطبعة العاني ، ج1 ، بغداد ،1969 ، ص215،د. درع حماد ، مصدر سابق ،ص 204

[25] د. سعيد مبارك ، الحقوق العينية الاصلية ، مطبعة الحرية ، بغداد ،1973، ص128 ،د. حسن علي الذنون ، مصدر سابق ، ص115

[26] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، مصدر سابق ، ص193

[27] شاكر ناصر حيدر ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية  ،مصدر سابق ،ص216 ، د. سعيد مبارك ، مصدر سابق ، ص128

[28] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، مصدر سابق ، ص192

[29] القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المادة (160) ((المطلق يجري على اطلاقه مالم  يقيم دليل التقييد نصا او دلالة ))

[30] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، مصدر سابق ، ص 194، د. درع حماد ، مصدر سابق ،ص 204

[31] حسن علي الذنون ، مصدر سابق ، ص 113 ومابعدها، شاكر ناصر حيدر ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية  ،مصدر سابق ،ص215 ومابعدها

[32] المحامي فوزي المياحي ، القانون المدني فقها وقضاءا ،مطبعة السيماء ،بغداد ،2016 ، ص16

[33] د.نبيل ابراهيم السعد ، مصدرسابق ،ص355 ، د.عبد الرزاق السنهوري ، مصدر سابق ، ص 31،

[34] عبد المنعم فرج الصدة ، مصدر سابق ،ص250 ، د.محمد حسين منصور ، مصدر سابق ،ص 353

[35] د. شفيق شحاتة، النظرية العامة للحق العيني، دون ذكر الناشر، مصر،1959،ص418، د. عبدالرزاق السنهوري، مصدر سابق، ص30

[36] د. رمضان ابو السعود ، مصدر سابق ، ص27،28 ، د لاشين محمد يونس ، مصدر سابق ، ص8

[37] د.حسن كيرة ، مصدر سابق ،ص 424

[38] د. درع حماد ، مصدر سابق ،ص 197

[39] د. عبد الرزاق السنهوري ، مصدر سابق ،ص 13

[40] د. عبد المنعم البدراوي ، الحقوق العينية الاصلية ، 1956 ، ص415

[41] القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل المادة (1098) (( 1- كل من احرز بقصد التملك منقولا مباحا لامالك له ملكه ))

[42] د. درع حماد ، مصدر سابق ،ص 192

[43] د.عبد الرزاق السنهوري ، مصدر سابق ، ص 17

[44] د.حسن كيرة ، مصدر سابق  ،ص 424،425

[45] قانون صيد الحيوانات البرية لسنة 2010 المادة (3) (( لوزارة الزراعة في سبيل حماية الحيوانات البرية اتخاذ الاجراءات التالية  ثانيا- حصر وتنظيم مناطق الصيد المحمية  ثالثا- منع الصيد بصورة دائمة او مؤقتة وفقا لاحكام القانون ))

[46] قانون الاسلحة رقم (51) لسنة 2017 المادة (3)(( يمنع استيراد او تصدير الاسلحة الحربية او اجزائها او عتادها او حيازتها او احرازها ....  ))

[47] قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لاقم50 لسنة 2017 المادة (9) (( لايجوز استيراد او تصدير او نقل اوزراعة او انتاج او صنع او تملك او حيازة او احراز او بيع او شراء او تسليم مواد مخدرة او منؤثرات عقلية))

[48] د. منصور مصطفى منصور ، حق الملكية في القانون المدني ،دون ذكر الناشر ،القاهرة ،1965، ص273

[49] د. درع حماد ، مصدر سابق ،ص 196

[50] المصدر السابق نفسه ، ص 204

[51] د. محمد شكري سرور ، موجز تنظيم حق الملكية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، دون ذكر سنة النشر، ص31

[52] د. رضا عبد الحليم ، الوجيز في الملكية و الحقوق العينية ، جامعة بنها ، مصر، دون ذكر سنة النشر، ص245

[53] د. لاشين محمد يونس ، مصدر سابق ،ص89

[54] المصدر السابق نفسه

[55] د. حسام الدين الاهواني ، اسباب كسب الملكية في القانون المدني ، شركة ذات السلاسل ، الكويت ،1987، ص 225

[56] د. رمضان ابو السعود ، مصدر سابق ، ص 301

[57] د. رضا وهدان ،مصادر الملكية ، دون ذكر الناشر ، مصر، 1995 ،ص95

[58] د. درع حماد ، مصدر سابق ،ص 277،278

[59] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، مصدر سابق ،ص248،252

[60] د.عبد الرزاق السنهوري ، مصدر سابق ، ص 1126 ومابعدها

[61] د. محمد طه البشير، د غني حسون طه ، مصدر سابق ،ص307 ،  القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل المادة (1163) (( 1- من حاز وهو حسن النية منقولا او سند لحامله مستندا الى حيازته لسبب صحيح فلا تسمع عليه دعوى الملك من احد))

[62] د. لاشين محمد يونس ، مصدر سابق ،ص102