تاريخ الاستلام 14/5     تاريخ القبول 17/6    تاريخ النشر 25/7/2024

حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/xp6e6b39

أثر وسائل الاعلام الرقمية في سلوك الناخبين:

بولندا إنموذجاً

The Impact of Digital Media in Electoral Behavior :

 Poland as Case Study

م.م. سارة أديب رشيد

الجامعة العراقية/ كلية القانون والعلوم السياسية

Assistant Lecturer. Sarah Adeeb Rasheed

Iraqia University/ College of Law and Political Science

Sarra.adeeb1201@Copolicy.uobaghdad.edu.iq

المستخلص

يهتم البحث بدراسة أثر وسائل الاعلام الرقمية في سلوك الناخبين، إذ تُعد وسائل الاعلام الرقمية مجموعة من الوسائل الحديثة كالانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها مما يُبث عن طريق الشبكات الرقمية ويصل الى اكبر قاعدة جماهيرية مُمكنة، نظراً لكون العالم اليوم يعتمد على هذه الوسائل اكثر من الوسائل التقليدية كالتلفاز والراديو وغيرها، والسبب يعود لكونها باتت امتداداً للوسائل التقليدية فهي لم تُلغِ دورها بقدر ما اسهمت بزيادة تأثيرها بسبب مزاياها التي اختصرت عاملي الزمان والمكان، والتأثير المناط هنا هو مدى انعكاس محتويات الرسائل الاعلامية -الموظفة من قبل مختلف الاطراف السياسية- على سلوك الافراد العام اي ردود فعلهم تجاه القضية (المحفزة) اولاً ومن اثر هذه القضية في سلوكهم الخاص الانتخابي، ويدرس الباحث الانموذج البولندي بعد الانتقال الديمقراطي إذ تتميز بولندا بهيمنة الاحزاب اليمنية الشعبوية على مدى اخر عقدين، بعد ان كانت كفة اليسار هي الارجح في العقد الاول من الانتقال، إذ يدرس الباحث الكيفية التي توظف السلطات من خلالها وسائل الاعلام الرقمية (دراسة توظيفها لعامل الهجرة) وفيما اذا كان مؤثراً بالفعل على سلوك الافراد عموماً وعلى سلوكهم الانتخابي خصوصاً.

الكلمات المفتاحية : ازمة الهجرة الاوروبية، سلوك الناخبين، وسائل الاعلام الرقمية البولندية.

Abstract

This research concentrate on the impact of digital media in electoral Behavior, digital media considered as a group of modern media resources such as the internet, social media, etc.whose transmit through the digital media and reaches to the largest possible audience base, given that world today depends on these resources much more than the traditional ones such as Tv, Radio, etc. Which goes back into these modern recourses as an extension of the traditional media, whereas these have not eliminated the role of the traditional ones as much as they contributed on increasing their influence; because of it’s characteristics which shortened the factors of time and place. The required impact here is the genuine reflection of media message content and it’s impact -which are hired by different political groups- on the individuals Behavior; there reaction towards the (triggered issue) at first, then the influence of this matter on their political Behavior (in elections). the researcher takes Poland case after the Democratic transition, furthermore, Poland known today by dominant of the far right-wing (populism) in almost last two decades, after a plenty of time when the left-wing parties was the ones who hold the power. The researcher tries to investigate how the governments use the digital media (on the immigration issue) and whether it actually effects the individuals behaviour in general and their electoral behavior in particular.

Keywords : The European Immigration Crisis, Electoral Behavior, Polands Digital Media.

مُقدمة

تزايد دور وسائل الاعلام الرقمية اليوم مع انتشار الانظمة الديمقراطية حول العالم، إذ اصبح بإمكان الناس أن يختاروا مصادر معلوماتهم حسبما يفضلون من دون الارتباط بوقت او مكان معين وما تخلقه بيئة الواقع الرقمي من افكار للمتلقين وسهولة توجيههم والتأثير عليهم الامر الذي دفع مختلف الاطراف السياسية والحكومية لاستخدام المعلومات والتقنية لغرض تطويع الافراد وجذبهم لما يخدم مصالحها الخاصة، وقد عدلت هذه الوسائل على طريقة استجابة الافراد للاشياء بما تعرضه عليهم من رسائل ويتراوح تأثير هذه الوسائل اما على مدى قصير او بعيد بحسب القضية المناطة والهدف الذي تصبو الى تحقيقه، وندرس هنا الانموذج البولندي بعد الانتقال الديمقراطي عام 1989 عبر دراسة اثر وسائل الاعلام الرقمية على الناخب البولندي لاسيما في فترة الحملات الانتخابية ومدى استخدام الاحزاب السياسية البولندية لهذه الوسائل عبر ما تبثه من من خطابات ورسائل معينة للتأثير على سلوك الناخبين البولنديين.

اهداف البحث

 يهدف البحث الى ايجاد الرابط المشترك بين وسائل الاعلام الرقمية وسلوك الناخبين ممن يتعرضون لتأثير وسائل الاعلام.

يهدف البحث للتوصل الى نتيجة فيما يخص سلوك الناخب البولندي الذي يتعرض محتوى معين من الوسائل الاعلامية ودور هذا المحتوى والاجندة الموظفة وفيما إذا كانت تحقق اهدافها ام لا.

مشكلة البحث

أن تطور البيئة الرقمية وزيادة استخدام وسائل الاعلام الرقمية حول العالم وسهولة التفاعل والاتصال ضمن هذه المنظومة الرقمية اسهم بالتأثير في حياة الافراد بشكل خاص وفي نمط حياة المجتمعات بشكل عام، ولما ارتبطت هذه الوسائل بدورها في مختلف مناحي الحياة كان الجانب السياسي وردود فعل الجماهير احد اهم الجوانب التي طالها العالم الرقمي مما يدفع مختلف الاطراف السياسية الى استخدام وسائل الاعلام الرقمية للتأثير على الافراد بشكل او بأخر والسؤال هنا هل أن استخدام وسائل الاعلام الرقمية سيؤثر بصورة فعلية ودقيقة في طريقة تفكير وفي سلوك الناخبين حين يتخذون قراراتهم التي تتعلق بعملية التصويت. فضلاً عن ذلك يطرح البحث سؤالين اخرين هما :

هل تغير رسائل المحتوى الاعلامي الموجهة من خطابات سياسية وحملات انتخابية واخبار وغيرها نتائج الانتخابات؟

هل أن صعود اليمين الشعبوي المتطرف في بولندا لاسيما في العقد الأخير مرتبط بزيادة تركيز وسائل الاعلام الأوربية عموماً والبولندية خصوصاً على قضية الهجرة؟

فرضية البحث

يفترض البحث وجود علاقة ما بين سلوك الناخب في الانتخابات وبين ما تبثه وسائل الاعلام وخاصة الرقمية منها التي تنشر اليوم رسائلها من دون قيود للزمان والمكان، لاسيما في فترة الحملات الانتخابية إذ توظف الاطراف السياسية قضية ما لتحفيز الناخب على المشاركة في التصويت بما يخدم مصالحها.       

منهج البحث

يستخدم الباحث المنهج التحليلي عبر تحليله لاثر وسائل الاعلام الرقمية في سلوك الناخبين من خلال متغيرات عديدة فضلاً عن استخدامه للمنهج الوصفي التحليلي.

هيكلية البحث

يتألف البحث من مبحثين وثلاثة مطالب، وهي كالآتي :

المبحث الاول : مدخل مفاهيمي في الاعلام الرقمي والسلوك الانتخابي.

المطلب الاول : ماهية وسائل الاعلام التقليدية والرقمية.

المطلب الثاني : مفهوم السلوك الانتخابي واهم نظرياته.

المطلب الثالث: الاعلام الرقمي وأثره في سلوك الناخبين.

المبحث الثاني : الانتخابات ووسائل الاعلام الرقمية في بولندا.

المطلب الاول : نظرة في الانتخابات البولندية بعد التحول الديمقراطي.

المطلب الثاني : السياسات المناهضة للهجرة ودورها في صعود اليمين المتطرف.

المطلب الثالث : وسائل الاعلام الرقمية وتأثيرها على الناخب البولندي.

المبحث الاول

مدخل مفاهيمي في الاعلام الرقمي والسلوك الانتخابي.

المطلب الاول : ماهية وسائل الاعلام التقليدية والرقمية.

اولاً : الاعلام التقليدي تعريفه ووسائله.

يُعرف الاعلام التقليدي بأنه عملية نقل المعلومات والثقافات الفكرية السلوكية بطريقةٍ ما عبر وسائل معينة (صحف، مجلات، اذاعة، تلفزيون) بهدف التعريف بما يحدث في العالم وعرضه بصورة اخبار وانباء في المجال السياسي او الاقتصادي اوالثقافي وغيره، وهو التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه.[1] ان الادبيات الانسانية كثيراً ما تنتاول الاعلام على شقين اولهما بتعريفه على انه عملية اتصال اي عملية تبادل المعلومات والحقائق والافكار والرسائل بين الافراد والجماعات، إذ يكون دور الاتصال هنا على انه الناقل الاساسي او الرابط للثقافة، اما الشق الثاني فينظر الى الاعلام بمعنى المنتج الاعلامي او مخرج من مُخرجات عملية الاتصال بما تحوي من معلومات واراء وافكار ورسائل ومضامين الانشطة والاحداث وهنا يكون الاعلام جزءاً من الثقافة او هو الثقافة نفسها. [2] وفي كل الاحوال أن عملية الاتصال تفترض وجود بيئة حاضنة لعملية الاتصال كي تقوم وسائل الاعلام بعملها ولغرض حدوث العملية بين المرسل والمتلقي ولغرض تحقيق تغذية راجعة، والاعلام ليس الا نتيجة من نتائج عملية الاتصال اي انه جزء من العملية وليس الكل ويهدف الى اطلاع المتلقي على حدثٍ ما عبر استخدامه لوسائلٍ عديدة.[3] وتعدد وسائله التي تخاطب الجمهور بصورةٍ مؤثرة وغير مباشرة (اي عن بعد) واهمها: [4]

الكتاب المطبوع : تنامى دور الكتب بعد اختراع الطباعة الا انه يمتاز ببطئ انتاجه وانتشاره رغم ان اثره اكثر عمقاً من غيره على مستوى تغيير القناعات والافكار لكنه محدود التدوال بين فئة محددة وهو وسيلة بصرية تخاطب العين من دون باقي الحواس، ويعد عالي التكلفة مقارنةً بغيره من الوسائل كالصحيفة الا انه وسيلة قابلة للتداول المستمر عكس الصحف التي يتم تداولها لاوقات محدودة.

الصحف المطبوعة : وهي من اقدم وسائل الاعلام الجماهيرية من بعد الكتب ومن خصائصها انها دورية الصدور يومياً او اسبوعياً وهي متاحة لجميع القراء ومتنوعة المحتوى، وتعالج قضايا معاصرة تتزامن مع وقت صدورها، وقد نجح الخطاب الاعلامي بفضلها بالوصول الى قاعدة جماهيرية اكبر وبسرعة قياسية وباتت عابرة للحدود بعد أن كانت محلية في بداية ظهورها وقد هيمنت الصحف على سائر وسائل الاعلام لحوالي ثلاثة قرون من دون ان تنافسها اي وسيلة جماهيرية اخرى.

وكالات الانباء : وهي احدى وسائل الاعلام السمعية-البصرية ومهمتها بحث وتقصي الاخبار ومن ثم تزويد مختلف وسائل الاتصال بها لغرض بث هذه الاخبار وتداولها ومنها الوكالات المحلية والدولية والاقليمية والعالمية، ويعود تأسيسها الى القرن التاسع عشر، اما في الوقت الحالي فأن معظمها تمارس عملها عن طريق البث المباشر للجمهور عبر الانترنت، ويمكن عدها جهازاً اعلامياً قائماً بذاته وذو قدرة على التواصل مع الجماهير بصورة مباشرة من خلال مواقع هذه الوكالات.

السينما : تعود نشأتها الى القرن التاسع عشر وتعد وسيلة سمعية-بصرية ويتعاظم اثر الرسالة التي تنقلها من الناحية الواقعية ومن ثم من الناحية الجمالية والاقناعية اما كبيئة اتصالية فهي بيئة فردية (مثل الكتب) ام مهمتها فهي ادبية اكثر مما هي اعلامية، لذا فأن تأثيرها الاعلامي اضعف من تأثيرها الثقافي والفني الا ان دورها ازداد بشكلٍ ملحوظ بعد ان تم توظيفها لغرض توثيق وترسيخ ونقل الافكار بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية.

الاذاعة : أن الاذاعة هي انتشار منظم ومقصود لمواد اخبارية وثقافية وتجارية وتعليمية وغيرها، يلتقطها المستمعين في وقت واحد بالمناطق التي يغطيها البث الاذاعي وهي وسيلة سمعية فقط، وقد بقيت الاذاعة اسيرة نموذجٍ احادي في الاتصال من دون قدرة المتلقي على التفاعل مع هذه الرسائل.

التلفزيون : هو الوسيلة الاعلامية الاولى التي جمعت ما بين نقل الصوت والصورة عبر مسافات شاسعة، إذ اصبح الخبر مسموعاً ومقروءاً ومرئياً بل قادراً على ان يخاطب الافراد والجماعات، وبات من اكثر الوسائل المؤثرة على الجماهير في القرن العشرين الا انه عملية الاتصال فيه احادية ذات دورٍ محدود فالمستقبل هو متلقي سلبي لا يملك الحق في التفاعل مع الرسائل.

ثانيا : الاعلام الرقمي مفهومه ووسائله.

ان الاعلام الرقمي هو نوع جديد من الاعلام يشترك مع الاعلام التقليدي في المفهوم والمبادئ العامة والاهداف الا انه يتميز عنه بكونه يستند على ميزة من ميزات الاعلام الحديث وهي الدمج بين جميع وسائل الاعلام التقليدية، ويتلخص هدفه بأيصال المحتوى المطلوب لاكبر عدد ممكن من البشر وباكثر الطرق تمييزاً وتأثيراً، فضلاً عن ذلك فأن مفهوم الاعلام الرقمي يشير الى طرق حديثة للاتصال في البيئة الرقمية، لذا فأن البيئة الرقمية تسمح للافراد والمجموعات بأن يقوموا بايصال اصواتهم واصوات مجتمعهم الى العالم.[5] ان الاعلام الرقمي نشأ بعد تطور شبكة الانترنت وتعود فكرته الى ستينيات القرن الماضي عندما توقعت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) وقوع كارثة او هجمة نووية تؤدي الى تعطيل الاتصالات، لذا كُلف مجموعة من الباحثين لحل هذه المشكلة في حال حدوثها واقترح هؤلاء تكوين شبكة انترنت مشتقة من المصطلح International Network اي الشبكة العالمية وهدفها هو وصل ملايين من اجهزة الحاسوب مع بعضها في معظم انحاء العالم، سواء كان مالكي هذه الاجهزة افراداً ام دوائراً حكومية ام جامعات او اي ممن يمتلكون اجهزة شخصية متصلة بالانترنت.[6] ويُعرف الاعلام الرقمي عموماً على انه مجموعة من الاساليب والانشطة الرقمية الجديدة التي تمكنت من انتاج المحتوى الاعلامي ونشره وتلقيه من خلال الاجهزة الالكترونية المتصلة بالانترنت بصورة عملية تفاعلية بين المرسل والمستقبل.[7] تتعدد التسميات التي اطلقت على الاعلام الرقمي إذ لم يتفق الباحثين على تسمية معينة وانما وضعوا عدة تسميات تترادف مع مصطلح الاعلام الرقمي، ومن ابرزها ما يلي : [8]

الاعلام التفاعلي : هو عملية الدمج آلاني والمتأني في اسلوب الاتصال بين المرسل والمستقبل ومحور الدمج هو المحتوى او الرسالة وهدفه ايصال فكرة معينة والاقناع بها.

الاعلام الالكتروني : هو نوع من انواع الاعلام الذي ينشط في فضاء افتراضي ويستخدم الوسائل الالكترونية كأدوات له تُدار من قبل دول ومؤسسات وافراد عبر امكانيات مختلفة تتباين حسب نوع المستخدم وهدفه من الاستخدام، ويمتاز بسرعة انتشاره وقلة تكلفته وشدة تأثيره.

اعلام المعلومات : هو نوع من الاعلام يدمج ما بين الحواسيب وعملية الاتصال بفضل ظهور نظام اعلامي حديث يستغل تطور تكنولوجيا المعلومات ويندمج معها.

المطلب الثاني : مفهوم السلوك الانتخابي واهم  نظرياته.

اولاً : مفهوم السلوك الانتخابي

يعرف السلوك الانتخابي على انه طريقة للتصرف او هو طريقة استجابة الافراد لعدة متغيرات فسلوك الانسان يعبر عن مجموعة من التصرفات التي تتكون بتأثير ثقافي وعاطفي وقيمي واخلاقي او بتأثير عوامل اخرى كالنفوذ والاقناع والاكراه وما الى ذلك، فالسلوك اذاً هو كل انواع الافعال الممكنة التي من الممكن ان يقوم الانسان بها استجابة لامر ما، والسلوك السياسي عموماً هو احد تفرعات السلوك الا انه يشير الى نشاط الافراد والجماعات وفاعليتهم في اشغال ادوار اجتماعية معينة يسهمون بموجبها في عملية تنظيم حياة المجتمع وتحديد مراكز السلطة والقوى فيه ومن ثم بتنظيم العلاقة بين القيادات والمجتمع.[9] اما السلوك الانتخابي فهو احد اشكال السلوك السياسي الذي يهتم بتفسير وتحليل والاجابة عن كيف ولماذا ولمن يصوت الناخب او يدرس الاسباب التي تدفع الافراد الى المشاركة في الانتخابات او الاسباب التي تدفعهم الى العزوف عن المشاركة بها. [10] يعد السلوك الانتخابي جزءاً من السلوك السياسي لان كلاهما عموماً يعكسان فعلاً سياسياً يبدر عن الافراد تجاه قضية سياسية معينة الا ان السلوك الانتخابي يختلف عن السياسي كونه  يختص بدراسة عملية الانتخاب وما يتعلق بها من سلوك انتخابي وانماط التصويت ومن ثم التنبؤ بنتائج الانتخابات، وتتعدد دلالات السلوك الانتخابي فمن الناحية السياسية يعد التصويت الشكل التقليدي للمشاركة السياسية بصورةٍ فردية، اما من الناحية النفسية فيهدف السلوك الى اشباع حاجة الناخب الطبيعية في بحثه عن الامن والاستقرار فالتصويت ليس الا وسيلة تحرر الناخب من قلقه الكامن في نفسه وتساعده على التخلص منه لاسيما في ظل سيادة حالة من عدم الاستقرار السياسي، اما من الناحية الاجتماعية فهو اثبات على انتماء الناخبين الى جماعة او وحدة اجتماعية يؤثرون ويتأثرون بها، اما من الناحية العقلانية فالسلوك الانتخابي هو دلالة على سعي الافراد الى تحقيق مصالحهم الشخصية او الجماعية او حتى تلك الاهداف التي تندرج ضمن المصلحة العامة، فسلوك الفرد يخصع لسلسلة من حسابات الربح والخسارة بهدف تحقيق اكبر قدر من المنافع ومن ثم تجنب اكبر قدر من الخسارة لذا ليس من المستبعد أن يتغير او يتقلب سلوك الناخب على طول النماذج الانتخابية ما دامت خصائصه الشخصية (الولاء والانتماء) والعقائدية والمجتمعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية عرضة بدورها الى التغيير. [11]

ثانياً : نظريات تفسير السلوك الانتخابي.

يمكن القول ان هناك ثلاثة نماذج رئيسة وضعها علماء الاجتماع منذ عام 1940 لفهم وتفسير السلوك الانتخابي، وهي كالآتي : [12]

نظرية النمط الاجتماعي السوسيولوجي (Socialogical model of voting behavior): هو نموذج وضعته المدرسة الكولومبية وتعد احدى اول المؤسسات السياسية في العلوم السياسية عالمياً إذ قدمت إنموذجاً لسلوك الناخبين عبر استخدامها لعدد من الدراسات الاحصائية للسلوك الانتخابي وفسرت دوافع سلوك الناخبين خلال عملية التصويت على انه يعود الى اسباب اجتماعية. [13] استخدمت هذه النظرية في مطلعها عام 1940 الاستبيان كأسلوب للتحقق من فاعليتها وتفسيرها لسلوك الناخبين واخذت الانتخابات الرئاسية الامريكية انموذجاً للتحليل وركزت على الاليات النفسية وعلى اثر وسائل الاعلام والدعاية على سلوك عامة الافراد إذ  تلخص هدفها بدراسة اثار تعرض الافراد او الناخبين للعوامل الاجتماعية المحيطة بهم، والدور الذي تؤديه وسائل الاعلام حتى يصل الناخبين الى قرار تصويت معين، وتوصلت الى ان الناخب يمكن ان يغير رأيه وخياره بتقسيمها للناخبين الى ثلاثة مجاميع اولها تشمل اولئك الذين قاموا بالاختيار مسبقاً الى من سيدلون باصواتهم، وثانيها اولئك الذين قاموا بالاختيار خلال عملية اتفاق الاحزاب السياسية وتشكيل الائتلافات، اما ثالثها فشملت اولئك الذين قاموا باختيار الى من سيدلون باصواتهم بعد مرحلة متقدمة من بدء الحملة الانتخابية، ومن هنا تلخص الافتراض الاساسي لهذه النظرية على ان فعل التصويت هو فعل فردي يتأثر بصورة اساسية بشخصية الناخب نفسها ومدى تعرضه للاعلام، الا ان الاستنتاج التحليلي لهذه النظرية توصل الى ان تأثير وسائل الاعلام على قرارات الناخبين في التصويت هو تأثير نسبي في حين التأثير الحاسم مناط بالانتماءات الاجتماعية والولائية لهؤلاء الناخبين او الافراد.[14]

النظرية النفسية الاجتماعية (Psychosocial Model of Voting Behavior) : يرجع اصل هذه النظرية الى جامعة ميشغان التي اجرت مسوحات خلال الانتخابات الامريكية الرئاسية 1948 وحللت نتائجها في كتاب (الشعب ينتخب رئيساً) لمؤلفيها كامبل وكان 1952، وبالرغم من كون هذه الدراسات المسوحية تندرج ضمن الدراسات الانتخابية الامريكية الوطنية (ANES) الا انها تعد مرجعاً في دراسة السلوك الانتخابي النفسي-الاجتماعي، وعبر عدة مؤثرات، وهي : [15]

أ- التحزب او الانتماء الحزبي (Partisanship) : يقوم هذا النموذج على أن السلوك الانتخابي للناخبين قائم على حقيقة تحزب الافراد فالامر يشابه فكرة التنشئة الاجتماعية الاستباقية التي تؤثر فيما بعد بتحديد مواقف وردود فعل الافراد إذ يختار هؤلاء جماعة ينتمون اليها، وتكتسب الحزبية من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تتأثر بدورها بقيم الاسرة والزملاء والاقرآن، فالانتماء الحزبي الذي يشعر الافراد به هو شكل من اشكال الهوية الاجتماعية.

ب- مسار او سلسلة السببية (Funnel of Causality) : يوضح هذا الانموذج العلاقة بين المتغيرات التي تدخل ضمن تعريف السلوك الانتخابي وهي سلسلة تفسر الحوافز التي تدفع الناخبين للتصويت بالصورة التي يصوتون بها، او هي سلسلة الاحداث التي تحفز الناخب ليصل الى قراره النهائي وهذه الحوافز هي اما عوامل طويلة المدى (عوامل اجتماعية-اقتصادية، عوامل تأريخية، عوامل تتعلق بقيم الافراد وتوجهاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية) او عوامل قصيرة المدى (قضايا معينة، المرشحين، الحملات الانتخابية، الاداء الحكومي، تأثير محيط العائلة والاصدقاء) وبحسب تفسير هذا النموذج فأن خصائص التحزب هي سايكولوجية واجتماعية، إذ يرى هذا المسار التحزب كنتيجة لمجموعة من العوامل الابتدائية وعوامل طويلة المدى ومن ناحية اخرى يقلل هذا الانموذج من آثر المتغيرات القصيرة المدى على سلوك التصويت.

ج- عوامل طويلة وقصيرة المدى (Proximal and Distal Factors) : ان حدوث التغيرات في العوامل الطويلة المدى يمكن أن يؤدي الى تغيرات في تحديد انتماءات (الهوية الاجتماعية) للناخبين، الا ان التغيرات التي تؤثر على تحديد هوية انتماءاتهم هي نادرة وغالباً ما تحدث كرد فعل على احداث ذات تأثير كبير، اذ يشير النموذج الى أن التغيرات في الولاء للحزب تحدث على المستوى الفردي حين يطرأ تطور في الوضع الاجتماعي للفرد (مثل تغير منطقة الاقامة، تغيير وظيفي، الحالة الاجتماعية كالزواج وغيره) او حدوث تغيرات اوسع نطاقاً اي تغيرات في النظام السياسي (كتغير النظام السياسي خاصة نهاية الانظمة الديكتاتورية وفيما يخص دول اوروبا الشرقية كالانضمام الى الاتحاد الاوروبي وانفكاك الاتحاد السوفيتي) وهو ما يعد تغيراً سياسياً كبيراً ومؤثراً الا أن تغيرات كهذه نادرة الحدوث نسبياً وبالرغم من ان التغيرات على المستوى الشخصي للافراد تحتاج الى جهد خاص منهم الا ان التغيرات السياسية لا تحتاج الى جهودهم الشخصية بصورة مباشرة وتكون التغيرات السياسية ذات تأثير اسرع واكبر على تغير سلوك الناخبين.

نظرية الخيار العقلاني (The Rational Choice Theory) : تعود جذور هذه النظرية الى خمسينيات القرن العشرين الا ان تطورها الحقيقي كان قد بدا ملحوظاً في التسعينيات، وتعد من المداخل النظرية الحديثة في الدراسات السياسية، ومن ابرز روادها انتوني دوانز إذ وضع اسس التحليل الاقتصادي للسياسة في كتابه (نظرية اقتصادية في الديمقراطية) ويتلخص اساسها في ان قرار الناخب بالتصويت ناتج عن حسابات عقلانية وفقاً لمصلحته الشخصية، إذ ترى النظرية أن العوامل الاقتصادية هي المحرك الاساسي لقرارت تصويت الناخبين. [16]

المطلب الثالث : الاعلام الرقمي وآثره في سلوك الناخبين

لما كانت الانتخابات هي احد اهم فروع المشاركة السياسية، فأن المشاركة هي روح الديمقراطية فهي التي تسوغ قبول الانسان ان يكون مُنقاداً وان يطيع السلطة التي تحكمه، وبالمقابل فهي تجعله مشاركاً باختيار هذه السلطة اما بصورة مباشرة او غير مباشرة عبر اختيار من يمثلهم في المجالس النيابية. [17] ولما كانت المشاركة السياسية هي احد المبادئ الجوهرية للنظام الديمقراطي فأن الاعلام الحر بدوره احد اهم مبادئ الديمقراطية، أن الاعلام والديمقراطية هما ثنائيتين متلازمتين بالرغم من اختلاف الباحثين حول اسبقية احدهما على الاخرى وعدم امكانيتهم بالجزم فيما اذا كان الاعلام الحر هو الذي ينتج الديمقراطية أم أن الديمقراطية هي من تنتج الاعلام الحر، بيد أن ما يمكن الجزم بشأنه هو أن حرية الاعلام لا يمكن ممارستها وضمان استمرارها بمناءى عن مبادىء الديمقراطية.[18] ورغم الجدل حول الاسبقية لأي منهما لكن من البديهي ان تسبق ديمقراطية المجتمع ديمقراطية الاعلام، إذ ان المنظومة الاعلامية في اساسها هي رهن للسلطة التابعة لها .[19] ان المنظومة الاعلامية باتت في حالة تغير مستمر تتواكب فيها مع التغيرات السياسية التي تحدث بالعالم وبمختلف الحقب الزمنية والتي تتغير بتغير المواقف السياسية وبتغير توجهات الدول نفسها الا انه بالامكان القول بأن التغيير الجذري كان جلياً في تغير وتطور الدور الذي شغلته وسائل الاعلام بعد تسعينيات القرن الماضي وانفكاك الاتحاد السوفيتي السابق ورواج النظم الديمقراطية حول العالم فلم تتحول النظم السياسية وحدها بل تحولت القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي بات الاعلام يعكسها على الجماهير وباتت الديمقراطية توظف وسائل الاعلام لاسيما الرقمية الحديثة منها لتحقق اهدافها،[20] من اهم الادوار التي تؤديها وسائل الاعلام في ظل النظم الديمقراطية هي :

وسائل الاعلام الرقمية كأدوات للتعبئة والتحشيد الجماهيري : ما دمنا بصدد الوسائل الاعلامية الرقمية فلابد من التحدث عن ذلك النوع من التعبئة الذي يكون افتراضياً، فتعرف التعبئة الافتراضية بأنها الدعوة الالكترونية للقيام بنشاط معين في الغالب يكون نشاطاً سياسياً او هو عبارة عن تحشيد الجماهير للقيام بنشاط سياسي ما كالدعوة الى التظاهرات على ارض الواقع في حين ان الدعوة الى النشاط تتم عبر الواقع الافتراضي، وباتت الشبكات الاجتماعية وسيلة هامة من وسائل الاعلام الرقمي في تعبئة وتحشيد الجماهير وتتم هذه التعبئة عبر فاعلين (نشطاء) وهم افراد يأخذون على عاتقهم مهمة انشاء الصفحات والمجموعات ومن ثم ارسال دعوات الى مجموعات اخرى على الصعيد الشبكي، وهنالك نمط من المتفاعلين يعرف بالجمهور المتعاطف ويشمل من يكتفون باستلام واستقبال الرسائل والاقتناع بها بدون ان يتحول من واقع افتراضي الى تحول على ارض الواقع، يمكن عد ثورة جورجيا المعروفة بثورة الزهور خير مثال عنها فقد نجحت بتحقيق اهدافها على ارض الواقع إذ كون مجموعة من طلاب جامعة تبليسي الحكومية مدونات سياسية لغرض الاحتجاج على رشاوي الجامعات الحكومية وكان هدف هذه المدونات الترصد للفساد وفضحه وظل الحراك افتراضياً طوال ثلاث سنوات حتى توسع ليشمل تقريباً كل فئات الشباب بجورجيا مكونين حركة (كمارا – اي كفى) عام 2003 بعد حالة واسعة من الامتعاض  لتزوير للانتخابات البرلمانية لعام 2003 وبذلك انتقل الحراك الى الشارع ونجح باسقاط النظام. [21]

وسائل الاعلام الرقمية كأداة للتحريض ونشر خطاب الكراهية : قد لا تكون وسائل الاعلام اداة لتحقيق اهدافاً سامية او ثقافية بالضرورة فقد تستخدم احياناً لتحقيق اغراض سيئة تبث من خلالها الكراهية او تقوم بتحريض مجموعة من الافراد على اخرى او مجتمعاً على آخر، وكل هذا ينطوي تحت مضمون علم الدلالة التلاعبي الذي يضم اساليب عديدة للتلاعب بالافراد عبر وسائل الاعلام وقد تستخدم كل هذه الاساليب مع بعضها او كلاً منها على حدا، وهذه الاساليب اما أن تتلاعب بمعنى الكلمات والمفاهيم التي تبث عبر وسائل الاعلام اهمية كبيرة للتلاعب بوعي الافراد، فعملية صياغة المصطلحات لا تعدو ان تكون اكثر من وسيلة المُستغل الدعائية وقد زاد استخدام هذه المصطلحات اليوم لاسيما في الخطابات السياسية فمثلاً كثيراً ما يلغى استخدام كلمتي (حرب،هجوم) ويتم التعبير عنها بدلاً عن ذلك بكلمات  محايدة كـ ( نزاع، عملية) أن التعابير السياسية المنمقة تبنى بمساهمة المصطلحات ويكون معناها دقيقاً واضحاً الا ان الجمهور ينقسمون انقساماً حاداً بين اولئلك الذين يميزون هذه المصطلحات وبين من لا يميزونها، فضلاً عن اسلوب التأكيد والتكرار فالتأكيد على اي مضمون معناه رفض اي مناقشة من شأنها أن تفقد سُلطة الفكرة بالنقاش لذا يقع على الجمهور قبولها بلا نقاش ومما يضمن فاعلية التأكيد هي عملية تكرار المضمون، والتكرار هو احد الخدع النفسية التي تُلثم الادراك وتؤثر في آليات اللاوعي واخيراً اسلوب التهشيم والفورية فهو اسلوب لتقسيم المشكلة الى عدة اقسام بهدف الا يدركها المتلقي ويربطها ببعضها ككل واحد يتحقق بجملة من الاساليب التقنية كأن يتم تقسيم المقال في الصحيفة الى اجزاء ويبث على اجزاء متفرقة ومختلفة. [22] اما خطاب الكراهية فبحسب تعريف الامم المتحدة له هو الكلام المسيء على مجموعة من الناس ويوجه اليهم بسبب خصائص متأصلة بهم (كالعرق، النوع الاجتماعي، النسب، وغيرها) وهذه الانواع من الخطابات تهدد السلم الاجتماعي وهو خطاب تمييزي عنصري يحتقر افراداً او مجموعة ويبث عبر مختلف وسائل الاعلام سواء السمعية او المرئية او البصرية ما دامت تحقق الغرض الذي انشئت من اجله. [23]

وسائل الاعلام الرقمية وتوظيفها كأداوات (استقطاب) لغرض اقصاء او صعود احد الاطراف في العملية السياسية : ان استخدام تقنيات التسويق للاحزاب السياسية قد تزايد بشكل ملحوظ مؤخراً مما اثار جدلاً حول دور هذه التقنيات في عملية صنع القرار السياسي فقد عدها البعض عاملاً يحسن من كفاءة العملية السياسية بينما انتقدها اخرون كونها جزءً ضيقاً في عملية التواصل السياسي، إذ تضع هذه التقنيات المستخدمة الصورة قبل الجوهر وتقوض في النهاية مبادئ الديمقراطية، ان الترويج لصعود حزب سياسي معين هو امر حتمي في عالم تلعب وسائل الاعلام فيه دوراً اساسياً في ميدان السياسة فالتلفاز مثلاً بات وسيلة يصل بها السياسيون الى الناخبين لاسيما وسائل الاعلام الرقمية منها فالانترنت اليوم سهل الوصول الى الجماهير في الوقت والزمان المطلوبين من دون ادنى جهد، ومن جانب آخر تضع هذه الوسائل السياسيين تحت رقابة اعلامية وتغطية مستمرة  لاسيما بظل النظام الديمقراطي مما يلزم السياسيين تعلم الكيفية التي تمكنهم من استغلال وسائل الاعلام لاسيما الرقمية منها لبث الرسائل التي يرغبون بايصالها الى الجماهير بالطريقة التي لا تؤدي الى ايصال هذه الرسائل فقط بل وتزيد من تركيز انتباههم عليها، لتشكل النقطة الاخيرة اهمية حاسمة في العالم الديمقراطي اليوم حين يتزايد نفور الناس من السياسة وتزداد قلة ثقتهم بالسياسيين، ومن اشكال التسويق التي تبث في وسائل الاعلام في فترات الانتخابات مثلاً يبث المرشحون الرئاسيون اعلاناتهم بشكل علني وعبر جميع وسائل الاعلام على شاشات التلفاز وبتكاليف تصل الى نحو ملايين الدولارات وتستخدم الدعاية هنا كأحد الجوانب الاساسية للتسويق السياسي. [24]

توظيف وسائل الاعلام الرقمية في تشكيل الرأي العام في قضايا معينة : أن مسألة التعرف على مشاعر الناس تجاه القضايا مسألة هامة سياسياً، إذ أن التعرف على مشاعره الافراد تجاه قضايا معينة تحدد نتائج استطلاعات الرأي العام ونتائج هذه الاستطلاعات توضح مدى دور الجماهير في الحياة السياسية، مما يجعل معرفة قراءة مشاعر الناس وتحديد مواطن الضعف والقوة محلاً للتلاعب من قبل الساسة الذين يؤثرون على المشاعر وتغييرها او إعادة تشكيلها مع ما يخدم الاهداف التي يسعون اليها وازدادت قوة هذا العامل اكثر من غيره في عصر الديمقراطية عبر مساعدة وسائل الاعلام الرقمية وفي ظل الاخبار السريعة والفورية، إذ تضاعفت استطلاعات الرأي العام في اي موضوع او قضية ومن مصادر عديدة ومتنوعة. [25]

وسائل الاعلام الرقمية والحملات الانتخابية : أن الحملة الانتخابية بالاساس هي طريقة تهيأة المرشح والحزب السياسي لافكاره ومواقفه بشأن القضايا، ويقوم بعرضها على جمهور المواطنين قبل الانتخابات ومن هنا فهم يقومون باستخدام وسائل الاعلام للاتصال بالناخبين، ووسائل الاعلام هذه تتولى اعلام المواطنين بماهية الاحزاب السياسية المتنافسة وماهية برامجها ومن هم مرشحيها واخيرا تسهل في تشكيل الرأي العام للناخبين، أن الهدف الرئيسي من التغطية الاعلامية خلال الحملات الانتخابية الديمقراطية يتلخص في اعلام وتقرير والنشر بصورة نزيهة، الا أنه قد يتم التلاعب بوسائل الاعلام احياناً من قبل الحزب الحاكم (اذا كان يمتلك وسائل الاعلام) ليبث ما هو بصالحه، وهذا التلاعب قد يحدث اثناء التقارير الاخبارية او الاخبار وبرامج النقاش بل واحياناً حتى في البث غير الاخباري وفي العروض الترفيهية، فقد يتم بث الدعاية كمعلومة موضوعية من جانب الحكومة او من منافسيها. [26]

المبحث الثاني

الانتخابات ووسائل الاعلام الرقمية في بولندا.

المطلب الاول : نظرة في الانتخابات البولندية بعد التحول الديمقراطي.

اولاً : مدخل تأريخي للديمقراطية في بولندا

ان دراسة التجربة الديمقراطية 1989 في بولندا تعني دراسة حالة من إعادة بناء الديمقراطية وليس بناء ديمقراطية جديدة، لأن المؤسسات الديمقراطية كانت موجودة بالفعل في بولندا قبل الحرب العالمية الثانية ويعود اصل نظام الحكم المعاصر الى القرن الخامس عشر عندما تم تأسيس حكم طبقة النبلاء في الجمهورية الاولى وانتهى بتقسيم بولندا في اواخر القرن الثامن عشر بين روسيا وبروسيا والامبراطورية النمساوية المجرية، وقبل تقسيمها بفترة قصيرة تبنت دستوراً كان ثاني دستور يتم وضعه في العالم بعد دستور الولايات المتحدة الامريكية، اما الجمهورية الثانية فقد أُعيدت بعد استقلال بولندا مع نهاية الحرب العالمية الاولى الا انها لم تدم لفترة طويلة، إذ ادى اندلاع الحرب العالمية الثانية الى فقدان بولندا استقلالها مرة ثانية إذ قُسمت اراضيها ما بين المانيا النازية والاتحاد السوفيتي وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اصبحت الجمهورية الشعبية البولندية التابعة للاتحاد السوفيتي، اعتمد فيها على الدستور الشيوعي لعام 1952 وتعرضت خلالها السلطة الشيوعية الى تحديات عديدة عبر احتجاجات ومظاهرات داخلية في الاعوام 1956 و1968 و1976 و1980-1981 وبعد اربعين عام من حكم الحزب الشيوعي البولندي (حزب العمال البولندي المتحد PZPR) وقد جاءت الجمهورية الثالثة بعد تزامن عوامل خارجية تمثلت بانهيار الاتحاد السوفيتي في الكتلة الشرقية وانهيار جدار برلين وعوامل داخلية عديدة التي تمثلت بصعود نقابة تضامن والتدهور الاقتصادي المستمر والفساد السياسي وانهيار الايمان بالايديولوجية الشيوعية وتأثير الكنيسة الكاثوليكية وغيرها، ويعد عام 1989 نقطة تحول مهمة في التأريخ البولندي إذ انتهت معه سطوة الحكم الشيوعي وبدأ عهد ديمقراطي جديد جاء عبر تفاوضات عرفت بـ(مفاوضات الطاولة المستديرة) وهي مفاوضات بين السلطة الشيوعية والمعارضة المتمثلة بحركة تضامن والتعديلات الدستورية اللاحقة وغيرها.[27]

ثانياً : القانون الانتخابي والانتخابات في بولندا.

إن محور الانظمة الديمقراطية هي الانتخابات الحرة التنافسية وكانت الانتخابات الانتقالية حرة جزئياً اما اول انتخابات حرة فعلاً في بولندا هي الانتخابات الرئاسية لعام 1990.[28] اما البرلمان البولندي فيتألف من مجلس النواب وعدد اعضاءه 460 نائب ومجلس الشيوخ الذي يتألف من 100 عضو، وينتخب كلا المجلسين في وقت واحد كل اربع سنوات وفقاً للمادة (95) من الدستور البولندي، ويمارس كلا المجلسين السلطة التشريعية الا ان المشرع الاساسي هو مجلس النواب مع منحه لمجلس الشيوخ صلاحياتٍ مُحددة فعلى سبيل المثال لا تدخل مسألة مساءلة الحكومة ضمن صلاحيات مجلس الشيوخ ولا تعود الا لمجلس النواب وحده، ويمثل النظام البولندي حالة من ضعف النظام الثنائي إذ يهيمن مجلس النواب على معظم الصلاحيات والسلطات التشريعية، وينتخب كلا المجلسين عبر الاقتراع السري. [29] اما فيما يخص الصيغة الانتخابية انتخاب مجلس الشيوخ فقد اتبعت نظام الاغلبية المطلقة (50+1) الا انه تم تعديلها فيما بعد الى اغلبية بسيطة وكان اخر تعديل على انتخاب مجلس الشيوخ في 2011 ايضاً والذي قضى باتباع طريقة الانتخاب الفردي بدلاً عن الانتخاب بالقائمة وهنا يفوز المرشح الحاصل على اكبر عدد من الاصوات. [30]

ثالثا : الاحزاب السياسية في بولندا.

يمكن تقسيم الاحزاب السياسية البولندية بعد عملية التحول الديمقراطي الى قسمين : [31]

الاحزاب السياسية بعد الشيوعية : وهي احزاب يسارية تقع في وسط اليسار على خارطة الطيف السياسي ومن ابرز اطراف هذا الاتجاه هو حزب الفلاحين البولندي (PSL) وتحالف اليسار الديمقراطي (SLD) الذي يعد الخلف التنظيمي للحزب الشيوعي وضم غالبية مؤيديه السابقين وتأسس التحالف قبل الانتخابات البرلمانية لعام 1991 وكان التكتل الاكبر في البرلمان (1993-1997) وحزب المعارضة الرئيسي (1997-2001) ودخل بعد عام 2001 الى ائتلافات عديدة وانشق عنها بعد النتائج الانتخابية وفقده لشعبيته الجماهيرية اما حزب الفلاحين البولندي (PSL) فقد كانت اكبر نسبة تمثيل حصل عليها هي 15,4% عام 1993 وبدأت بالتناقص منذ ذلك الحين، ويمكن القول أن الاحزاب اليسارية فقدت الكثير من قاعدتها الجماهيرية بعد عام 2004 مما ادى الى بروز احزاب اليمين الشعبوي وتصاعد شعبيتها.

الاحزاب المناهضة للشيوعية (ما بعد تضامن): تكون هذه الاحزاب ذات ايديولوجية يمينية تقع غالباً في وسط اليمين على جدول الاطياف السياسي وتتفاوت رؤاها السياسية ما بين المتشددة والمعتدلة ومن ابرز اطرافها الائتلاف الانتخابي لحركة تضامن (AWS) وحزب المنبر المدني (PO) وحزب القانون والعدالة (PIS) وغيرهم، كانت شعبية تضامن الجماهيرية في العقد الاول بعد عملية الانتقال إذ سرعان ما بدأت بالتراجع في مطلع الالفية ولاسيما في انتخابات 2001، اما حزب المنبر المدني فيدعو هذا الحزب الى التحديث السياسي والاقتصادي على غرار اوروبا الغربية ويدعم الاندماج الاوروبي وغالب مؤيديه هم من الطبقة الوسطى من المتعلمين ذوي الدخل المحدود ويتبع الحزب سياسات توافقية قابلة للمساومة على العكس من حزب القانون والعدالة الذي يتبع سياسات اكثر حدية وشدة لاسيما فيما يتعلق بالاندماج الاوروبي والهجرة إذ يعد حزباً يمينيا متشدداً يقع في اقصى اليمين وتأسس الحزب عام 2001 وفاز رئيسه بمنصب رئاسة الدولة عام 2005 ، ويعد الحزب المهيمن وصاحب الشعبية الاكبر في بولندا في الوقت الحالي فقد نجح الحزب بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2015 بتكوين اغلبية مطلقة في البرلمان من دون تشكيل حكومة مع طرف اخر، وبموجب هذا التطور فقد التوازن في السلطة السياسية الامر الذي قلل من اهمية المعارضة بعد ان باتت مقاعد البرلمان لحزب واحد، مما وضع الاحزاب السياسية البولندية امام البحث عن استراتيجيات جديدة بظل هذه التطورات.

المطلب الثاني : السياسات المناهضة للهجرة ودورها في صعود اليمين المتطرف.

اولاً : ازمة اللاجئين الاوربية لعام 2015 وسياسات الاتحاد الاوروبي لمواجهتها.

لا تعد ازمة 2015 في الحقيقة هي البداية لوفود اعداد كبيرة من المهاجرين من الشرق الاوسط وافريقيا نحو اوروبا إذ تعد احداث 11 سبتمبر 2001 منعطفاً هاماً للتركيز على قضايا الهجرة وخاصة (غير الشرعية منها) التي دفعت اوروبا الى تبني سياسات لمواجهتها لتقليل نسبة المهاجرين على اراضيها.[32] عموماً يحاول الاتحاد الاوروبي منذ عام 2015 وضع تشريع حول قضية اللجوء وقام بالفعل بسن ميثاق (الهجرة واللجوء) وهو اتفاقية حددت إطاراً تعاونياً بين دول الاتحاد تبنت من خلاله سياسات مشتركة حول قضية الهجرة واللجوء ولتعامل مع تحديات الهجرة ووضع هذا الميثاق (23 هدف) لإدارة قضية الهجرة بافضل صورة محلياً واقليمياً وعالمياً.[33] الا أن الاتحاد اجرى تعديلات على الميثاق اثارت جدلاً واسعاً وكان ذلك في يونيو/2020، فقد عزز بموجب التعديل الضوابط المفروضة على دخول الحدود الاوروبية للحد من الدخول اللاشرعي الى اراضيها ولغرض تشجيع الهجرة القانونية اما قاعدة (دخول البلد الاول) بقيت من دون تغيير الا ان الاتحاد جعلها الزامية بعد أن كانت طوعية، فقد فرض على دول الاتحاد استقبال عدد معين من اللاجئين ويتعين على الدول المتخلفة عن هذا الشرط دفع غرامة مالية تقدر باكثر من عشرين الف يورو عن كل مهاجر لم تستقبله بعد أن كان الشرط في السابق يقتضي تقديم مساهمة مالية طوعية او اي نوع من انواع الدعم المادي او البشري للبلد الذي يستقبل اكبر عدد من الوافدين، الا أن هذه الآلية لاقت جدلاً واسعا في العديد من دول الاتحاد، فضلاً عما سبق، قام الاتحاد بتبني آلية جديدة (اقل حماية) لطالبي اللجوء عبر تمديده لمدة الاحتجاز على الحدود الخارجية لدول الاتحاد.[34]

ثانياً : ابرز سياسات الحكومات البولندية مع قضية الهجرة والمهاجرين.

أن التحول الديمقراطي لعام 1989 لم يكن لحظة تأريخية للسياق السياسي وحده بل شمل جوانباً اخرى كانت قضية الهجرة من ضمنها، إذ تغيرت البلاد المغلقة ورفعت القيود امام تدفقات الهجرة الدولية، الا انه انذآك كانت توجه الهجرة الاكثر شيوعاً هو قصير الامد اي من الدول الشيوعية السابقة المجاورة لها، إذ دخل العديد الى بولندا كونهم «سائحين مزيفين» يبحثون عن عمل غير منتظم قصير الاجل او ممن قاموا باستخدام البلاد كمحطة عبور نحو اوروبا الغربية، وبالفعل سهلت بولندا هذه التحركات عبر اتفاقيات ثنائية بلا تأشيرة انذآك، الا أن هذه الحركات المؤقتة تطورت لاحقاً الى تسوية طويلة الاجل وعمالة منتظمة، فبحلول عام 2000 كان اكثرمن 70% من المهاجرين ممن حصلوا على تصاريح امنية هم من الاتحاد السوفيتي السابق، وعلى العموم كانت طلبات اللجوء الى بولندا خلال التسعينيات تُقدر بالمئات الا انها سرعان ما بدأت تتصاعد منذ بداية الالفية للقرن الحادي والعشرين حتى وصلت الى 4000 طلب بحلول عام 2004، اما نقطة التحول الاخرى في مسألة الهجرة بدأت بأنضمام بولندا الى الاتحاد الاوروبي عام 2004 إذ ارتفعت نسبة المهاجرين بصورة واضحة وسريعة، إذ بدخوله الاتحاد الذي يتبع بدوره سياسات لتسهيل الهجرة الواسعة النطاق الى اراضي الدول الاعضاء الاخرى، اذ بحلول عام 2017 سجلت بولندا اكثر من 2,5 مليون مهاجر اي ما يعادل 5% من نسبة السكان.[35]  اما نقطة التحول الثالثة فقد حدثت في سبتمبر 2015 بعد الانتخابات البرلمانية التي فاز بها حزب القانون والعدالة باغلبية مطلقة وبالرغم من عداء الاخير الشديد تجاه الهجرة الا ان سياسات الحزب في الاشهر الاولى لم تختلف كثيرا عن سياسات الحكومة السابقة حزب المنبر المدني وحزب الشعب البولندي (2011-2015) والتي وافقت خلال فترة حكمها على قبول 2000 لاجئ خلال عامين فقط وصوتت في مطلع عام 2015 لصالح خطة إعادة التوطين في مجلس المفوضية الاوروبي والتي بموجبها اعطي لبولندا حصة بتوطين 5000 لاجئ، إذ كانت سياسة حزب القانون والعدالة في البداية على نهج ما سبقها فقد اعدت مشروعاً لاستقبال 4000 لاجئ في مطلع عام 2016، الا انها سرعان ما غيرت موقفها في نهاية العام نفسه بعد اصدارها بياناً مشتركاً (مع دول اخرى من مجموعة فيسيغراد) اعربت فيه عن موقفها السلبي تجاه برنامج إعادة التوطين الامر الذي اظهر بوضوح نية الحكومة بعد الايفاء بالتزاماتها تجاه الاتحاد الاوروبي وهو ما حصل بالفعل فيما بعد، إذ رفضت الحكومة البولندية استلام اي لاجئ في إطار خطة إعادة التوطين مما ادى الى تصادمها مع المفوضية الاوروبية التي رفعت دعوى ضدها (وضد كل من المجر والتشيك ايضاً) امام محكمة العدل الاوروبية.[36]  وحسب الاحصاءات فأن ترتيب بولندا هو السابع من حيث الدول الاكثر حصولاً على طلبات اللجوء من اصل 28 دولة في الاتحاد خلال الفترة (2010-2019) إذا تناقصت تأشيرات الدخول خلال هذه الفترة تباعاً حتى وصلت الى نسبة 73 لاجئ لكل مليون نسمة من البولنديين، كما هو موضح في الجدول الاتي :

الجدول رقم (1) نسبة اللاجئين لكل مليون نسمة من البولنديين (2010-2019)

عدد طلبات اللجوء لكل مليون نسمة 2015

عدد طالبي اللجوء لكل مليون نسمة من البولنديين 2019

العدد الكلي لطلبات اللجوء في بولندا (2010-2019)

270

73

85,155

Source : Jasper Stroback & othersunderstanding Midea discourse about attitudes Toward Migration in Europea chapter in a book calledMidea and public attitudes towards migration in Europe”, Routledge, New York, 2021, p (12).

أن مسألة إعادة توطين المهاجرين المفروضة من الاتحاد الاوروبي اثارت نقاشاً عاماً عنيفاً في بولندا لأول مرة منذ عام 1989 فيما يتعلق بالهجرة، إذ سرعان ما اتخذ الحوار حول اللاجئين صورة احادية الجانب، فضلاً عن ذلك فقد ربط السياسيون اليمينيون المهاجرين واللاجئين بالمسلمين دون غيرهم وعدهم مصدراً للتهديد الامني والوطني، وقد بدا هذا جلياً في سلوك عامة الناس تجاه الهجرة إذ ببداية عام 2015 كان 72% من البولنديين يؤيدون استقبال اللاجئين الا ان موقفهم سرعان ما تغير بعد تسلم حزب القانون والعدالة دفة الحكم متأثرين بالخطاب اليمني المتطرف الذي استمر في زرع الخوف في نفوسهم وباتت فكرة (التهديد الاسلامي) بمثابة الحس السليم الجماعي، وسرعان ما غدت الهجرة عنصراً في الخطاب السياسي العام في بولندا حالها حال باقي دول اوروبا الغربية، ولم يكتفِ حزب القانون والعدالة بلفت انتباه الرأي العام الى قضية الهجرة وربطها بالامن القومي بل علاوة على ذلك ربطها بالمسلمين الذين اصبحوا بدورهم هدفاً للتمييز العنصري.[37] اما في الوقت الحالي فأن ابرز ما يمكن ملاحظته هو استخدام الهجرة كعامل محرك للحملة الانتخابية من قبل حزب القانون والعدالة الذي خسر عدد كبير من مؤيديه منذ عام 2019، وقد اعلن رئيس الحزب كاتشيكي في 15 يونيو 2023  انه سيتم اجراء استفتاء يخص إعادة توطين المهاجرين تزامنا مع الانتخابات القريبة القادمة (للعام نفسه) بالرغم من كون الاستفتاء لا يجرى الا نادراً في بولندا وفقط فيما يتعلق بالامور ذات الاهمية الخاصة للبلد بحسب المادة 125 من الدستور، واخذت الحكومة البولندية شهرين حتى اعلنت عن اسئلة الاستفتاء والتي كان من ضمنها سؤالين فقط (الثالث والرابع) من اصل اربعة يتعلقان بالفعل بقضية الهجرة،[38]ويوضح الجدول التالي هذين السؤالين ونتائج الاستفتاء عليهما :

الجدول رقم (2) : استفتاء الهجرة البولندي ونتائجه لعام 2023

السؤال

نسبة المشاركين

 (نعم)

 (كلا)

السؤال(3) : هل تؤيد ازالة الحاجز على الحدود ما بين بولندا وبيلاروسيا؟

(الاستفتاء غير ملزم)

لم يصوت اكثر من نصف الناخبين ممن يحق لهم التصويت

3.96%

96.04%

السؤال (4) : هل تؤيد قبول الالاف من المهاجرين من الشرق الاوسط وافريقيا عبر الآلية المُلزمة من المفوضية الاوروبية البيروقراطية؟

3.21%

96.79%

Source : National Electrol Commission, “Result of voting in nationwide Referndum 2023”, Available at : https://referendum.gov.pl/referendum2023/en/wyniki/pl.

يمكن ملاحظة أن السؤال الثالث في الاستفتاء مرتبط بالجدار الذي اقامته بولندا على الحدود البولندية-البيلاروسية استجابة للازمة الانسانية على حدودها إذ بنت حاجزاً طويلاً امتد الى نحو 180 كم2 واتمت بناءه في يونيو 2022، في حين أن السؤال لم يذكر المهاجرين حينما اعلن عنه بل بدلاً عن ذلك اشار الى الخطر الذي يشكله الرئيس الروسي بوتين على الجدار واورد ذكر الحدود الشرقية لبولندا عدة مرات وكأن الهدف من اقامة الجاجز هو الدفاع عن بولندا ضد روسيا، اما السؤال الرابع في الاستفتاء فهو سؤال متحيز للغاية يتناسب تماماً مع الخطاب السياسي لحزب القانون والعدالة إذ يلاحظ من طريقة صياغة السؤال (الالآف) والذين هم من (الشرق الاوسط وافريقيا تحديداً) وبالاشارة الى الالزام المفروض من (المفوضية الاوروبية البيروقراطية) وقد طلب حزب القانون والعدالة من مؤيديه الاجابة بـ(كلا) عن جميع اسئلة الاستفتاء، وبالرغم من ان الاعلان عن الاستفتاء جاء كونه يخص الهجرة الا انه لم يتعامل مع الهجرة باعتبارها محوره الاساسي.[39] أن خسارة حزب القانون والعدالة قاعدة كبيرة من مؤيديه الا ان الناخبين ممن خسرهم الحزب لم يحولوا اصواتهم الى اطراف اخرى بل عزموا عن الامتناع عن التصويت مما دفع الحزب الى ابراز موضوع الهجرة كأحد العناصر الدعائية لحملته الانتخابية لعام 2023 لغرض استعادة هؤلاء الناخبين، وقد حمل حزب القانون والعدالة حزب المنبر المدني مسؤولية السياسات الفضفاضة للاتحاد الاوربي بعده جزءً منها، فخلال فترة حكم الاخير (2011-2015) وافقت حكومته آنذاك على قبول 6200 مهاجر تبعاً لمخطط الاتحاد الاوروبي للنقل الاجباري وهو ما يراه حزب القانون والعدالة كجزء من صراع واسع بين الثقافات وان اهميته السياسية والرمزية ابعد من اعداد معينة فهو يهدد سيادة البلاد وهويتها الوطنية، ولا يزال (PIS) يؤكد في خطاباته على ان السماح بالهجرة الجماعية من البلدان ذات الاغلبية (المسلمة) يهدد مكانة بولندا باعتبارها احد اكثر البلدان امناً في اوروبا، يمكن القول أن الهجرة هي موضوع مثير للمشاعر ومن ابرازها على الدوام على المستوى الانتخابي اذ استغلها (PIS) كوسيلة دعائية لحشد مؤيديه واقناع ناخبيه السابقين المُحبطين للعودة الى صفوفه.

المطلب الثالث : وسائل الاعلام الرقمية وتأثيرها على الناخب البولندي.

لم يسترعِ انتباه وسائل الاعلام الاوروبية سواء الرقمية منها ام التقليدية خلال العقد الاخير قضية كالهجرة بسبب ازمة اللاجئين لعام 2015، إذ ان موقف الجماهير والسلطات والصورة التي عكست من وسائل الاعلام في بادئ الامر اتسمت بالتعاطف مع اللاجئين لاسيما على خلفية الحوادث التي اودت بحياة الكثيرين على شواطئ اوروبا ونجد ذلك جلياً في خطاب المستشارة الالمانية ميركل ورئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين انذآك الذي قال اكد ان اوروبا لا تبني جدرانها للمحتاجين بل هي تحتضنهم، الا ان الموقف العام سرعان ما تغير وكانت نقطة التحول آنذاك حين قررت الحكومة المجرية في نهاية عام 2015 أن توقف تمرير طلبات اللجوء اليها، واغلقت حدودها مع صربيا باسيجة من الاسلاك الشائكة، ثم سرعان ما تبعتها باقي دول اوروبا تباعاً بسياسات اكثر تقييداً تخص اللاجئين.[40] اما في بولندا فقد اختلف الخطاب حول الهجرة بعد عام 2015 عما قبله اختلافاً كبيراً، إذ حاولت الاخيرة بعد عام 2015 ثني طالبين اللجوء المحتملين اليها، بل واكثر من ذلك، انكرت السلطة البولندية في العديد من خطاباتها السياسية حق اللاجئ الوجودي في الحماية الدولية، ورفضت تسميته بـ (اللاجئ) ودعت الى استبدالها بـ (لاجئ اقتصادي) وتسميات اخرى، وقد اظهرت الاستطلاعات الدورية التي اجريت في بولندا أن نسبة المعارضين لقبول اللاجئين قد ارتفعت بالفعل بعد عام 2015 إذ ارتفعت من 21% في مايو/2015 الى 38% في اغسطس/2015 ومن 53% في يناير/2016 الى 61% في ابريل/2016 وتراوحت ما بين 52%  الى 60% في 2018 وانخفضت الى 48% في سبتمبر 2021. [41]  يمكن القول أن موضوع الهجرة في بولندا وتناوله على وسائل الاعلام عموماً اقل حضوراً في الخطابات الاعلامية مقارنة بباقي دول الاتحاد الاوروبي الا ان تغطيته ازدادت بعد عام 2015 بشكل ملحوظ، ولعل السبب في ايلاءه اهمية اقل تعود الى قلة طلبات اللجوء والوافدين اليها من جانب ومن ثم ارتبط تزايد تغطيته اعلامياً بعد عام 2015 بصعود حزب القانون والعدالة والذي رفض قبول حصته من المهاجرين المفروضة من الاتحاد الاوروبي من جانب اخر،[42]  في حين انه على المدى البعيد  يتسم الرأي العام البولندي بالتذبذب تجاه المهاجرين فبحسب التقرير الخاص لمنظمة التنمية لما وراء البحار (Overseas Development Institute/ODI) وباعتمادها على استطلاعات الرأي العام البولندية السنوية الصادرة عن مركز ابحاث الرأي (CBOS) أنه خلال التسعينيات كان الموقف البولندي اكثر ايجابية خاصة بما يتعلق بعمل الاجانب داخل بولندا إذ في عام 1990 كان كل واحد من اصل عشرة بولنديين ضد ان يكون احد جيرانه مهاجراً او اجنبياً ووصولاً الى عام 1997 ارتفعت النسبة إذ بات كل واحد من اصل خمسة بولنديين يعارض وجود مهاجر او اجنبي بجواره، وكان كبار السن (ممن هم فوق الخمسين عاماً) هم الاكثر معارضة مقارنة بباقي الفئات العمرية، ويمكن القول أن موقفاً اكثر تحديداً بات بارزاً بعد عام 2000 اذ باتت المواقف الايجابية اكثر استناداً الى تلك الاستطلاعات نفسها، ففي عام 2009 اكثر من نصف البولنديين 52% اعتقدوا ان اللاجئين جعلوا من بولندا مكاناً افضل للعيش وهي نسبة اكبر من نسبة بريطانيا بل وحتى المانيا. [43]  يمكن القول ان الخوف من الاخرين (هم) الذي بدا واضحاً بعد عام 2015 ارتبط بقوة بعوامل قومية وعنصرية ودينية وثقافية الى جانب اللامبالاة بالحجج والقضايا الانسانية وهو الامر الذي استمر الخطاب السياسي البولندي بتنميته بعد عام 2015 واستغل حدثين بارزين في ذلك هما اولاً ازمة الهجرة الاوروبية ومن ثم الازمة الانسانية على الحدود البولندية البيلاروسية عام 2021، فخلال الحملة الانتخابية لعام 2015 حذر رئيس حزب القانون والعدالة كاتيشكي من قبول اللاجئين إذ هم مصدر رئيس للارهاب ولاسيما المسلمين، إذ سرعان ما باتت المواقف تجاه المهاجرين تعبر عن نفور عام وصريح، فضلاً عن ذلك فقد اثبتت الدرسات الاستقصائية التي اجريت من عام 2002 أن البولنديين يكرهون بشدة المجتمعات القومية والدينية وازدادت مشاعر النفور والكراهية بصورة ملحوظة بعد عام 2015 لاسيما تجاه المسلمين إذ تراوح مؤشر الرفض ما بين 67% في 2016 الى 46% في عام 2022. [44] على العموم لا يوجد هنالك ما يثبت أن الناخب البولندي يعتمد على اثارة موضوع الهجرة في اختياراته للتصويت، وبحسب احدث الاحصاءات الاوروبية التي استطلعت عن اربع خصائص ومدى اهميتها للناخبين في عملية التصويت عبر سؤالهم (ما هو المهم وغير المهم بالنسبة لك في عملية التصويت؟) في عام 2019 فأن 49% من المستجيبين يولون الاهمية الاكبر للبرنامج الحزبي للحزب خلال اتخاذ قراراتهم للتصويت في حين اعتبره 11% ذو اهمية ضيئلة، ويعتقد 31.1% ان قيم ومبادئ الحزب السياسي هم الاهم بينما وجدها 9.4% اقل اهمية، في حين يولي 10% من المستجيبين أن المرشح عن الحزب هام بالنسبة لهم و34% منهم عدوه عنصراً غير هاماً. [45] فيما يخص اعتماد المواطن البولندي على وسائل الاعلام الرقمية كمصدر للمعلومات في استطلاع أُجري من قبل مركز استطلاعات الرأي العام البولندي في عام 2023 وكان السؤال هو ( ما هو مصدرك الرئيسي لتلقي الاخبار والمعلومات عن بولندا والعالم اليوم؟) وكانت النتائج كالآتي :

الجدول رقم  (3) مصادر الاخبار والمعلومات للمواطن البولندي 2023

الوسيلة

(مصدر المعلومات)

نسبة الاعتماد %

الوسيلة (مصدر المعلومات)

نسبة الاعتماد %

التلفاز

49%

صحف مطبوعة

1%

الانترنت

37%

مصدر اخر

1%

الراديو

6%

لا اعرف/ يرفض الاجابة

2%

لفراد اخرين

3%

-

-

Source : Public Opinion Research Centre, Available at : 068_23.pdf (cbos.pl).

في حين يوضح الشكل رقم (2) مدى ابراز قضية الهجرة عبر وسائل الاعلام على مدى العقدين الاخيرين في بولندا :

 

Source : Jasper Stroback & othersMidea and public attitudes towards migration in Europe”, Routledge, New York, 2021, p (111).

ويوضح الشكل إعلاه في دراسة لست دول اوروبية كانت بولندا احدها مدى تناول وسائل الاعلام لقضية الهجرة في الاخبار والمقالات للمدة من 2003-2017 ونلاحظ الوتيرة المتقاربة منذ عام 2003 حتى عام 2013 إذ بدأت الاخبار تتصاعد بشكل ملحوظ وقد يعزى ذلك الى ازمة اللهجرة الاوروبية من جانب وبعد عام 2015 الى تسلم حزب القانون والعدالة اليمني المناهض للهجرة زمام الحكم بصورة مطلقة، عموماً بلغن نسبة المقالات التي تناولت موضوع الهجرة سواء المطبوعة منها او الالكترونية خلال هذه الفترة 11.107 مقالاً وكان ترتيب بولندا من بين ست دول اوروبية هو الثالث ، أن مصير النقاش السياسي والمجتمعي حول الهجرة في اوروبا عموماً وبولندا اعتمد جزئياً على رؤى الناس في باقي دول الاتحاد الاعضاء وعلى ما يقراؤنه، إذ تعد وسائل الاعلام بالنسبة للعديد من الناس مصدراً وطنياً وعالمياً لتلقي الاخبار خاصة فيما يتعلق بقضايا عالمية كالهجرة، إذ تلعب وسائل الاعلام دوراً هاماً في الربط ما بين السياسة والهجرة إذ من الممكن أن تتشكل مواقف الناس تجاه المهاجرين بتأثير الخطابات السياسية المعلنة عبر وسائل الاعلام الا أن هذه التغطية قد لا تعكس الواقع بالضرورة، فالعديد من الاحصاءات تظهر أن وسائل الاعلام في كل دولة من دول اوروبا تقوم بالتركيز على اللاجئين وتناول الاخبار وتغطيتها بحسب جنسية هؤلاء ومن اين جاءوا، في حين تولي اهتماماً اقل لاشكال اخرى من الهجرة كالهجرة داخل دول الاتحاد وغيرها .في حين يوضح الجول رقم (4) الاحزاب السياسية البولندية ونسب تمثيلها من قبل الافراد ومواقفها تجاه قضية الهجرة  :

الجدول رقم (4) الاحزاب السياسية البولندية، ايدلوجياتها ونسب تمثيلها للناخبين (1991-2023)

الانتخابات

(برلمانية)

مشاركة الناخبين

الحزب

نسبة تمثيله

الايدلوجية

سياساته تجاه الهجرة

1991

43.2%

ائتلاف تضامن(AWS)

5.05%

وسط اليمين

-

حزب الشعب البولندي(PSL)

8.67 %

يسار

+

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

12%

يسار

+

الاتحاد الديمقراطي (UD)

12.3%

يسار

+

1993

52.1%

الاتحاد  الديمقراطي (UD)

10.95%

يسار

+

حزب الشعب البولندي(PSL)

15.4%

يسار

+

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

20.41%

يسار

+

1997

47.9%

ائتلاف تضامن(AWS)

33.8%

وسط اليمين

-

حزب الشعب البولندي(PSL)

7.31%

يسار

+

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

27.1%

يسار

+

اتحاد الحرية (UW)

13.3%

يمين

+

2001

46.3%

تحالف اليسار(SLD) + الاتحاد الديمقراطي(UD)

41.4%

يسار

+

حزب المنبر المدني (PO)

12.86%

وسط اليمين

+

حزب القانون والعدالة (PIS)

9.5%

يمين متشدد

-

حزب الشعب البولندي(PSL)

8.98%

يسار

+

2005

40.6%

حزب المنبر المدني (PO)

24.14%

وسط اليمين

+

حزب القانون والعدالة (PIS)

26.99%

يمين متشدد

-

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

11.31%

يسار

+

2007

53.9%

حزب المنبر المدني (PO)

41.51%

وسط اليمين

+

حزب القانون والعدالة (PIS)

32.11%

يمين متشدد

-

حزب الشعب البولندي(PSL)

8.91%

وسط اليمين

_

2011

48.9%

حزب المنبر المدني (PO)

39.18%

وسط اليمين

+

حزب القانون والعدالة (PIS)

29.89%

يمين متشدد

-

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

8.24%

يسار

+

حزب الشعب البولندي(PSL)

8.36%

وسط اليسار

+

2015

50.9%

حزب المنبر المدني (PO)

35%

وسط اليمين

+

حزب القانون والعدالة (PIS)

37.6%

يمين متشدد

-

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

7%

يسار

+

2019

61.7%

حزب المنبر المدني (PO)

29%

وسط اليمين

+

حزب القانون والعدالة (PIS)

45%

يمين متشدد

-

تحالف اليسار الديمقراطي (SLD)

5%

يسار

+

2023

74.38%

حزب القانون والعدالة (PIS)

35.4%

يمين متشدد

-

تحالف الحرية والاستقلال الكونفدرالي(KO)

29%

يمين متشدد

-

المصدر : من إعداد الباحث بالاعتماد على عدة مصادر

)Anna Gwiazda, Democracy in Poland : Representation, Partiicipation, Competition and accountablity since 1989, 1st publish, Routledge, London, 2016, P.P (55, 59-63) + https://www.politico.eu/europe-poll-of-polls/poland/. + Poland: electoral turnout in parliamentary elections 1989-2023 | Statista  , Entering at : 13/4/2024.(

نلاحظ في الجدول اعلاه أن التسعينات اتسمت باكتساح الاحزاب اليسارية للبرلمان، فيما بدأ التحول نحو اليمين في بولندا مشهوداً منذ انتخابات 2005 إذ عُد تحولاً جذرياً، على العموم وكما ذكرنا سابقاً فأن التسعينيات اتسمت بمواقف اكثر ايجابية تجاه الهجرة لانها ارتبطت بالعامل الجغرافي والثقافي اكثر من غيره، في حين التحول الملحوظ وفوز حزب القانون والعدالة بنسبة اعلى من باقي الائتلافات والاحزاب السياسية على مدى العقد الاخير اي في الانتخابات البرلمانية الثلاث الاخيرة لم يشفع له، إذ نلاحظ خسارته لعدد كبير من مؤيديه في الانتخابات الاخيرة رغم زيادة نسبة مشاركة الناخبين ورغم استخدام الاخير (استفتاء الهجرة) الذي ذكرناه مسبقاً للتأثير على الناخبين، الا ان النتائج كانت عكسية. فضلاً عن ذلك تؤكد الاستطلاعات أن معظم مؤيديه لم يتحولوا الى احزاب معارضة بل فضلوا الامتناع عن التصويت وقد استخدم الاخير الاستفتاء كسياسة لاسترجاع ناخبيه.[46] ومن خلال ما سبق طرحه في هذا المطلب نستنج أن مواقف الافراد تتأثر بطرح وسائل الاعلام حول الهجرة وهم يتأثرون بالفعل بالافكار المطروحة من احزابهم السياسية الا أن هذا التأثير لا يمتد ليؤثر على سلوك الناخب البولندي، فالفرد البولندي يهتم نسبياً وتبعاً لانتماءه السياسي بالعنصر الجغرافي والثقافي للمهاجر طوال ما يتم استنفار المخاطر الامنية والهوياتية التي يشكلها الاخير على الامن الوطني، في حين أن الناخب البولندي لا يولي موضوع الهجرة الاهمية التي تجعله يفضل هذا الحزب على غيره، وهذا يظهر جلياً في الحملة الانتخابية الاخيرة لحزب القانون والعدالة التي اعتمد فيها كما ذكرنا سابقاً على (قضية الهجرة) واستخدم خطاباً مناهضاً شديداً تجاه المهاجرين والاتحاد الاوروبي وسرعان الا ان الحزب خسر مؤيديه السابقين بدلاً عن كسب مؤيدين جدد. يمكن القول ان الخطاب السياسي المناهض للهجرة وتناول وسائل الاعلام وبثها للمحتوى السلبي يحفز مشاعر الظلم والسلبية لدى الفئة المستهدفة، ولما كانت التغطية الاعلامية لوسائل الاعلام لاسيما الرقمية لسهولة بثها والوصول اليها تختلف على اختلاف الميول السياسية (التحيز الاعلامي) يبقى تأثير هذه الوسائل فردياً ونسبياً لا يكاد يعدو ليحقق تغيير فعلي في سلوك الناخب.

الخاتمة

أن الرسائل الاعلامية  التي تبثها وسائل الاعلام الرقمية تؤثر سياسيا في تنشيط افكار معينة للجماهير دون أن ترتقي في اغلب الاحيان الى التأثير في سلوكياتهم السياسية وخاصة فيما يخص الانتخابات بشكل اساسي، يمكن القول فيما يخص إنموذجنا هنا فأن التغطية الاعلامية التي صورت المهاجرين سواء بالصورة الايجابية او السلبية بامكانها تنشيط الصور النمطية الموجودة مسبقاً تجاه الفئة المستهدفة، إذ أن الرسائل الاعلامية التي تصور المهاجرين بصورة سلبية كونهم تهديد امني هي تؤثر بالفعل على الافراد الذين يعتقدون مسبقاً بأن هؤلاء يقوضون الامن الوطني او يهددون الثقافة والهوية الوطنية، إذ أن التعرض السلبي المتكرر للرسائل الاعلامية التي تلقي اللوم على اللاجئين لا تخلق مواقفاً سلبية فعلية بقدر ما تنشط تلك المواقف الموجودة بالفعل، وكلما زاد تكرار هذا العرض كلما غدت الصور الذهنية السلبية متاحة بصورة اكبر بين المتلقين، وبات الخطاب الاعلامي اليوم في نقلة نوعية عن المهاجرين من وصفهم كـمعرضين للخطر ومن ثم سرعان ما باتوا هم مصدر هذا الخطر، أن هذه النقلة النوعية التي اختصت بها اوروبا اكثر من غيرها حفزت ردود الفعل السلبية تجاه هؤلاء الناس لاسيما تجاه المسلمين الذين ربطتهم وسائل الاعلام والاجندات السياسية بالارهاب، الا انه رغم كل شي تتعدد الاولويات لدى الناخب في عملية تفضيله طرف على اخر، وتعتمد بشكل اساسي على انتماءه الاجتماعي والسياسي إذ ان سلسلة الاسباب التي تدفع الناخب نحو سلوك معين والتي تكون القضايا التي تثار من ضمنها (فلنفترض اثارة قضية الهجرة) هي عوامل تأثير على المدى القصير كما ذكرنا في المبحث الاول، لذا من الصعب أن تخلق تغييراً سياسياً او تحولاً نوعياً في سلوك الناخبين ما دامت القضية المثارة محدودة بمدى زمني يتحفز بدوره بالاعتماد على عوامل اخرى، ومن هنا وكما لاحظنا من خلال استطلاعات الرأي العام البولندية المتناولة سابقاً أن الاراء السلبية تجاه المهاجرين لاسيما المسلمين منهم قد تزايدت بنسبة ملحوظة منذ عام 2015 وحتى كمية الاخبار المتداولة عن الهجرة بدأت بالاتفاع منذ عام 2015 حتى بلغت اوجها في عام 2017 الا انها سرعان ما انخفضت تباعاً بعد ذلك، بالرغم من الزيادة المسبقة نلاحظ أن سلوك الناخب البولندي لم يتغير تغيرا ايجابياً تجاه الاحزاب التي تستهدف قضية الهجرة وتضعها على رأس اجندتها السياسية.

الاستنتاجات

توصلت الدراسة الى استنتاجات عديدة، وهي كالآتي :

أن تأثير وسائل الاعلام الرقمية على الناخبين هو تأثير نسبي غير حاسم، إذ أن الافراد يعتمدون على التغيرات السياسية الكبيرة او تلك التي تؤثر عليهم بصورة مباشرة فيما يخص قراراتهم خلال عملية التصويت.

أن دراسة سلسلة النتائج للسلوك الانتخابي للافراد قد لا تعطي استنتاجات واضحة ودقيقة طالما يبدي الافراد سلوكيات متذبذبة من انتخابات الى اخرى مما يصعب من عملية البت بما قد يبدونه من ردود فعل مستقبلية تجاه القضايا المثارة.

أن الرابط الدقيق ما بين وسائل الاعلام الرقمية والسلوك الانتخابي للافراد يتمثل في تزايد استخدام الاطراف السياسية اليوم لهذه الوسائل بشكل ملحوظ لغرض التأثير على الجماهير وبالتالي زيادة تعرض الافراد لما تبثه من رسائل اعلامية الا ان اثارها تكون ذات مدى قصير على الاغلب يمتد على طول المدة الزمنية المناطة للتركيز على هذه القضية دون غيرها.

يمكن القول أن وسائل الاعلام الرقمية لا تؤثر بصورة حقيقية في سلوك الناخب البولندي فيما يخص قضية الهجرة اكثر مما تؤثر وتستهدف العوامل النفسية والاجتماعية المناطة بهذه القضية وما تثيره من مخاوف تتعلق بالامن الوطني والثقافي.

 

[1] اسماء لقيقط، سلامي اسعيداني، «وسائل الاعلام التقليدية في ظل زمن المكاشفة»، مجلة المجتمع والرياضة، جامعة عبد الحميد مهري (الجزائر)، العدد (2)، 2021، ص 324.

[2] فاروق ابو زيد، الاعلام والديمقراطية، عالم الكتب، القاهرة، 2010، ص62.

[3] حارث عبود، مزهر العاني، الاعلام والهجرة الى العصر الرقمي،دار الحامد، الاردن، 2015، ص.ص 19-21.

[4] المصدر السابق، ص.ص 26-37.

[5] علي خليل شقرة، الاعلام الجديد : شبكات التواصل الاجتماعي، ط1، دار السلامة للنشر والتوزيع، عمان، 2014، ص 52.

[6] المصدر السابق، ص.ص 48-50.

[7] فاضل محمد البدراني، الاعلام الرقمي في عصر التدفق الاخباري، ط1، منتدى المعارف، بيروت-لبنان، 2017، ص 11.

[8] وسام فاضل راضي، مهند حميد، الاعلام الجديد: تحولات اتصالية ورؤى معاصرة، ط1، دار الكتاب الجامعي، الامارات، 2017 ، ص 80-81.

[9] محمود عبد الرحيم اليازوردي، السلوك السياسي والرأي العام، ط1، الاردن، دار اليازوردي، 2020، ص21،15.

[10] المصدر السابق، ص25،24.

[11] شاعة محمد، « التحليل العلمي للسلوك الانتخابي : مدخل مفاهيمي ونظري»، مجلة البحوث السياسية والادارية، العدد 9 ، جامعة محمد بوضياف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، كانون الاول/ ديسمبر، 2016، ص47،46.

[12] Eduardo Munoz, “ Modeling Electrol Psychology : Understanding Voting Behavior in the 21 Century”, Journal of Mexican political and Social Sciences, vol (245),  National Autonomous University of Mexico, 2021, p 471.

[13] Ibid, p 471.

[14] Rui AntunesTheoretical Models of Voting Behaviour”, Article based on a Chapter of the authers Doctoral Thesis presented to the University of Coimbra in a titleParty Identification and Voting behavior: structural factors, attittudes and changes in voting”, politc institute of coimbra- Higher education school of Coimbra, 2010, p.p 146-147.

[15] Ibid, p.p. 153-156.

[16] وليد بن نايف السديري، العقلانية في سلوك التصويت الانتخابي، ط1، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ابو ظبي، 2012، ص.ص 24-26.

[17] محمد حسن دخيل، علم الاجتماع السياسي، ط1، دار السنهوري، بيروت-لبنان، 2017، ص.ص 321-328.

[18] شيماء الهواري، اللوبي الاعلامي وتأثيره في صناعة القرار السياسي، ط1، المركز الديمقراطي الغربي، برلين، 2023، ص12.

[19] فاورق ابو زيد، مصدر سبق ذكره، ص30 -31.

[20] امينة رزق عوض، الاعلام الدولي ودوره في صناعة الازمات، ط1، دار العلم والايمان ، مصر، 2023، ص 23-24.

[21] محمد مصطفى رفعت، الرآي العام في الواقع الافتراضي وقوة التعبئة الافتراضية، ط1، دار العربي للنشر والتوزيع، القاهرة-مصر، 2018، ص.ص (205-208).

[22] سيرجي قره – مورزا، ترجمة عياد عيد، التلاعب بالوعي، بلا ط، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب-وزارة الثقافة، دمشق-سوريا، 2012، ص.ص (456-470).

[23] خطاب الكراهية، الامم المتحدة، الدخول: 6/2/2024 في 11:45 ص، متوفر على :

 https://www.un.org/ar/hate-speech/understanding-hate-speech/what-is-hate-speech.

[24] Barrie Gunter and others, “The Changing Nature of party Election Broadcasts: the growing influence of political marketing”, Journal of Political Marketing, University of Leicester, June 2006, p8.

[25] محمد سعد ابو عامود، الرأي العام والتحول الديمقراطي، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2010، ص.ص (101-107).

[26] رائدة عاشور، الحملات الانتخابية عبر الاعلام الجديد، ط1، المكتب العربي للمعارف، القاهرة-مصر، 2017، ص.ص (33-37).

[27]  Anna Gwiazda, Democracy in Poland : Representation, Partiicipation, Competition and accountablity since 1989, 1st publish, Routledge, London, 2016, P (4-5).

[28] George Sanford, Democratic Government in Poland, 1st publish, Palgrave Macmillan, New York, 2002, P (175).

[29]  Sabrina P. Ramet & others, Civic and Uncivic Values in Poland, CEU Press, Budapest-Hungary, 2019, p 62-63.

[30] George Sanford, op.cit, p (175-176)

[31] سارة أديب، اثر السياسات الاقتصادية على الاستقرار السياسي : بولندا إنموذجاً، رسالة ماجستير منشورة، جامعة بغداد-كلية العلوم السياسية، 2022، ص.ص (114-120).

[32] بن بو عزيز آسية، « سياسة الاتحاد الاوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية»، مجلة دراسات وابحاث، العدد (7)، جامعة باتنة-الجزائر، 2015، ص 30.

[33] عبد الحاكم عطوات، «السياسات الاوروبية لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية»، مجلة الباحث الاكاديمي في العلوم القانونية والسياسية، العدد (2)، جامعة قاصدي مرباح-الجزائر، 2019، ص121.

[34] شارلوت بوانيو، « الاتحاد الاوروبي: ماهي اهم نقاط الخلاف حول الميثاق الجديد للهجرة»، 11/12/2023، تم الدخول في 4/4/2024- 11:42 ص، متاح على : الاتحاد الأوروبي: ما هي أهم نقاط الخلاف حول الميثاق الجديد للهجرة؟ - مهاجر نيوز (infomigrants.net).

[35] Karen Hargrave & others, “public narratives and attitudes towards refugees and other migrantsODI Country Study, January/2023, P (2-4).

[36] krzysztof Jaskulowski, The Everyday Politics of Migration Crsis in Poland between Nationalism fear and Empathy, Palgrave Macmillan, Warsaw, 2019, p.p (36-38).

[37] Ibid, p(38-39).

[38] Grazyna Baranowska, “ Polands Sham Migration Referndum”, 11/10/2023, entering in 10/4/2024- 1:27 pm, Available at : https://verfassungsblog.de/polands-sham-migration-referendum/.

[39] Ibid.

[40] Jasper Stroback, & othersunderstanding Midea discourse about attitudes Toward Migration in Europea chapter in a book calledMidea and public attitudes towards migration in Europe”, Routledge, New York, 2021 ,p 4.

[41]  Artur Gruszcak, “The Problem of Otherness: Polands Immigration Policy and the Virtues of Parochialism”, Journal of Studies in European Affairs, July/2022, Vol (26), Issue (2), P (114).

[42] Jasper Stroback, Op.Cit, p 111

[43] Karen Hargrave & others, Op.Cit, p 16-17.

[44] Artur Gruszcak, Op.Cit. p 117-118.

[45] statista, “What is important or unimportant for you in the election campaign?”, Entering : 13/4/2024 at 3:33 pm, Available at: Poland: important factors during the election campaign 2019 I | Statista.

[46]            NFP, “ Why has Migration developed into major issue in the Polish election”, Op.Cit.