حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/znckfr38

 

تاريخ التقديم 1/7    تاريخ القبول 12/8

تاريخ النشر 25/10/2024

تأثيرات الامراض العصبية والنفسية

على سير إجراءات الدعوى الجنائية

The effects of illness and psychological disorders

 on the course of criminal proceedings

م . حسين علاء عبد الصاحب

م . م . سارة سعد عبد حسن

الجامعة العراقية – كلية القانون والعلوم السياسية

Hussain Alaa Abdulsahib

Sarah Saad Abed

Iraqi University - College of Law and Political Science

المستخلص

إن سلوك الفرد يخضع لعوامل عديدة منها خارجية كالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنها داخلية كالعوامل النفسية والعقلية والصحية، هذه العوامل الداخلية تنعكس على سلوكه وتصرفاته، فينتج عنه خروج الفرد عن النظام العام، والتي قد تكون في نظر القانون فعلا مجرما يجعل الشخص محلا للمتابعة الجزائية ومن ثم تحميله للمسؤولية الجنائية، وتقوم الدعوى الجنائية عن طريق رفع شكوى من المدعي صاحب الشأن ضد المتهم ليتم أحالته الى التحقيق وإصدار الحكم بأدانته أو تبرئته، وأجراءات الدعوى مع المتهم المريض  نفسيا والمتهم الغير المريض هي ذاتها، من حيث الناحية الشكلية والموضوعية، الا ان الاختلاف يكمن في المسؤولية المترتبة على نتائج التحقيق، فتقوم المسؤولية الجنائية على أساس الإدراك والاختيار، وأن التشريع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية في المادة(236) أعفى المتهم الفاقد للادارك من المسؤولية.

الكلمات المفتاحية: الامراض النفسية والعصبية، الدعوى الجنائية، اجراءات الدعوى، التحقيق، النتائج.

Abstract

The behavior of the individual is subject to many factors, some of which are external, such as social, economic, and political conditions, and some of which are internal, such as psychological, mental, and health factors. These internal factors are reflected in his behavior and actions, resulting in the individual leaving the public order, which in the eyes of the law may constitute a criminal act that makes the person the subject of criminal prosecution. Then he is held criminally responsible, and the criminal case is initiated by filing a complaint from the plaintiff concerned against the accused in order to refer him to investigation and issue a ruling convicting or acquitting him. The procedures for the case with the mentally ill accused and the non-sick accused are the same, in terms of formality and objectivity However, the difference lies in the responsibility resulting from the results of the investigation, as criminal responsibility is based on awareness and choice, and the Iraqi legislator in the Code of Criminal Procedure in Article (236) exempted the accused who is unconscious from responsibility.

Keywords : psychological and neurological diseases, criminal case, lawsuit procedures, Investigation, Results.

المقدمة

أن الجريمة ظاهرة تقع في المجتمعات الإنسانية، وهي حـصيلة عوامـل ومـؤثرات داخليـة وخارجية اجتماعية ونفسية واقتصادية وغيرها من هذه العوامـل والمـؤثرات المختلفـة، والمجرم يتصف بصفات نفسية عديدة ومتنوعة تبدو في ضعف الوازع الـديني، وانعـدام القيم الأخلاقية، والاندفاع والتهور، والمزاج الحاد والغرور، وضعف الإحساس بآلام الغير وانعدام الشفقة والرحمة في قلبه، وفقدان الثقة في نفسه.

لما كان القانون يشترط أن يكون الفاعل مدركاً لفعله مختاراً له ليكون محـلاً للمسئولية الجنائية على فعله، لذا يستوجب أن يكون المسئول عاقلاً بالغاً مختاراً فإن لم يكن كذلك فلا مسئولية عليه؛ لأن غير العاقل لا يكون مدركاً؛ لأنه لا يعي ما يفعله، وكذا من لم يبلغ سن التكليف لا يكون تام الاختيار، وعلى هذا لا مسئولية علـى طفـل أو مجنـون أو معتوه أو فاقد الإدراك بأي سبب من الأسباب.

واليوم وقد انتشرت الأمراض النفسية وتنوعت، نتيجة للظروف التـي نعيـشها والتـي لا تخفى على أحد، من أمنية واجتماعية وسياسية واقتصادية إلى غير ذلك من هذه الظروف، تُطرح مسألة مهمة تحتاج إلى بيان وتوضيح، تتمثل في مسئولية المريض النفـسي عـن أفعاله الجنائية، سواء كانت على النفس أو الأعضاء أو الممتلكات والأموال، والجواب عـن هذه المسألة يحتاج إلى معرفة مدى إدراك المريض النفسي لما يقوم به من أفعال وأقوال، فهل المريض نفسياً وعصبيا يكون مدركاً لما يفعله مختاراً له فتلحقه المسئولية الجنائية عـن أفعالـه إذا ما اعتدى على غيره؟ أم أنه لا يدرك ما يفعل من المسئولية الجنائية؟ أم أن لديـه بعض الإدراك فيتحمل جزءاً من هذه المسئولية؟ ثم أي يعيب من هذه الأمراض النفـسية الـذي لا يؤثر على الإدراك فيتحمل كامل المسئولية؟ وأيها الذي يؤثر وما مقدار هذا التأثير؟

لأننا نعلم أن الحالة العقلية للمتهم تجعل المحكمة تعامله معاملة تختلف عن الشخص كامل الأدراك، وذلك بعد التثبت من وجود مرض عقلي، فالحالة العقلية المعتلة بلا شك من أحد موانع المسؤولية الجنائية إذ لا مسؤولية على من أرتكب الفعل المكون للجريمة من غير إدراك أو اختيار، وهناك نص قانوني آخر يخفف العقوبة على ناقص الإدراك أو الاختيار بسبب حالة مرضية، إذ بعد أن تتثبت المحكمة من وجود الحالة قد تحكم بعقوبة مخففة لنقص الإدراك، وربما تحكم بإيداع المتهم مأوى علاجياً، وتأتي هذه الدراسة لبيان مدى تأثير الامراض النفسية والعصبية للمتهم على سير اجراءات الدعوى الجنائية وفق ما جاء به قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقية رقم(23) لسنة 1971 وكذلك قانون العقوبات العراقي رقم(111) لسنة 1969.

أهداف البحث

نظرا لأنتشار الجرائم في المجتمع العراقي، وكثرة تداول عبارة ( قيام المتهم بجريمة معينة بسبب معاناته من أمراض نفسية وعصبية)، فأنه كان لا بد من وضع حد فاصل للامراض التي فعلا تؤدي الى خروج الانسان عن وعيه وادراكه وتقوده الى القيام بجرائم مخلة بالنظام العام وتأثر على المجتمع بشكل مباشر، وبين موقف المشرع العراقي من حالات التجريم لهذه الافعال تحت الظروف النفسية والعقلية الخاصة، من أجل محاولة تطوير التشريع العراقي أسوة بتشريعات الدول الاخرى كما فعل المشرع البريطاني.

مشكلة البحث

تكمن إشكالية البحث في مدى أمكانية تأثير كون المتهم المريض نفسيا أو عصبياً على سير اجراءات الدعوى الجنائية؟ بمعنى هل تتم المرافعة عن طريق معاملته بطريقة مختلفة عن الشخص غير المريض، أم هي ذات المعاملة وذات الاجراءات في سير الدعوى؟ وما هو موقف المشرع العراقي في قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقية رقم(23) لسنة 1971 من محاكمة متهم مريض نفسيا او عصبياً؟

منهجية البحث

ما هي تأثيرات الامراض العصبية و النفسية وكيف تؤثر على سير اجراءات الدعوى الجنائية؟ ان الاضطراب العصبي الذي يصيب المريض هو مصطلح جديد وواسع، يطلق عليه بعض العلماء اضطراب التحول في الشخصية، حيث ان الاعراض العصبية و النفسية للمريض لا يمكن وصفها بمرض نفسي او عصبي بطريقة سريعة بل تحتاج الى دراسة متأنية للوصول للسبب الحقيقي وراء المرض النفسي او العصبي الذي بدوره قد يؤثر على سير اجراءات الدعوى الجنائية امام المحاكم المختصة بنظر الدعوى.                          

تختلف مؤشرات المرض وأعراضه بحسب نوع الاضطراب العصبي

هيكلية البحث

من أجل الوصول الى الإهداف المرجوة من هذه الدراسة والإجابة عن التساؤلات المطروحة، تم تقسيم هذه الدراسة الى مبحثين، وعلى النحو الاتي:-

المبحث الاول: مفهوم المرض النفسي والعصبي في الدعوى الجنائية

المطلب الاول: مفهوم المرض النفسي والعصبي

المطلب الثاني: مفهوم الدعوى الجنائية

المبحث الثاني: سير إجراءات الدعوى الجنائية مع المتهم المريض نفسيا او عصبياً

المطلب الاول: موقف المشرع العراقي من ثبوت المرض النفسي أو العصبي للمتهم

المطلب الثاني: موقف التشريع العراقي من علاقة المرض النفسي أو العصبي بالسلوك الجرمي

المبحث الاول

مفهوم المرض النفسي والعصبي في الدعوى الجنائية

إن الإنسان يتعرض خلال فترة حياته الى الكثير من الازمات التى يصعب على الفرد تحملها ولا يستطيع الوصول إلى حل لها، لذلك يدخل البعض فى حالة من المرض والانعزال عن الآخرين فيصاب بمرض نفسى، فالمريض النفسى والعصبي يجب أن يتم معاملته بطريقة تختلف عما يتم التعامل بها مع الإنسان الطبيعى، حتى القانون يتعامل مع الشخص الذى يرتكب جريمة ويكتشف أنه مريض نفسى او عصبي عكس ما يتم التعامل مع المجرم الطبيعى الذى قام بتأدية ذات الجريمة وهو فى كامل قواه العقلية والصحية، ولاهمية الموضوع سنبين في هذا المبحث اهم المفاهيم التي تبين نطاق دراستنا وهي المرض النفسي والعصبي، ومفهوم الدعوى الجنائية وذلك في مطلبين وكما يلي:-

المطلب الاول: مفهوم المرض النفسي والعصبي

إن المرض النفسي والمرض العقلي يختلفان عن بعضهما  البعض من حيث الاسباب والاعراض، فان هناك اختلاف بينهما، فالمرض النفسي يعتبر حالة مرضية تصيب طريقة تفكير العقل البشري، أو طريقة و اسلوب حكمه على الأشياء، أو السلوكيات و التصرفات المتبعة، إلى حد يستوجب التدخل السريع لتقديم الرعاية الصحية لهذا الإنسان ومعالجته بالطرق الحديثة في سبيل تحقيق مصلحته أو مصلحة المجتمع ككل[1]، وكذلك يعرف بأنه حالة من عدم التوافق مع المجتمع، وعدم التطور بما يتناسب مع مرحلة النمو، وكراهية النفس والآخرين والعجز عن الإنجاز والركود رغبة في الوصول إلى الموت[2].

والمرض النفسي هو إضطراب في السلوك، تزيد وتنقص درجته من حالة لأخرى، ولا يفقد العقل بالكامل، بل يبقى الإنسان أحياناً قادراً على العمل والتواصل مع الناس، ولكن مع وجود بعض الاضطرابات والانحراف في سلوكه[3].

وفي تعريف اخر للمرض النفسي هي مجموعة من الانفعالات المركبة من الجانب اللاشعوري المكتسب من الاستعدادات النفسية للإنسان تضم كل منها ذكريات وخواطر انفعالية معينة مؤلمة أو منفرة، لا تستسيغها الذات الحسية فتكبتها في اللاشعور حيث تنشط في دفع الإنسان إلى مسالك شتى من السلوك الشاذ.[4]

وكذلك اضطراب وظيفي في الشخصية، يرجع أساساً إلى الخبـرات المؤلمـة، أو الـصدمات الانفعالية، أو اضطرابات الفرد مع البيئة الاجتماعية التي يتفاعل معها بـألوان مـن الخبـرات المؤلمة التي تعرض لها في الماضي والحاضر وأثرها في المستقبل.[5]

كما يعرف بانه اضطراب في السلوك يظهر لدى الشخص فيؤذيه، ويجرح صحته النفسية وكفايته الإنتاجية، وفائدته في المحيط الذي يعيش فيه من غير أن يجعله عاجزاً عن الإنتاج، ومن غيـر أن يجعـل الصلة بينه وبين المحيط حوله معطوبة.[6]

وهو حالة غير مستقرة تصيب العقل البشري، فتأثر عليه من الناحية الذهنية و البدنية، وتـسبب له ارتباكاً في طريقة تفكيره وإدراكه للأشياء، أو خلالاً في سلوكياته الحياتية و تصرفاته، ومزج غير طبيعي فـي انفعالاته ومشاعره، فبهذا يفقد أهليته أو تنقص هذه الاهلية.[7]

حيث اوردت الاحصائيات السنوية لجمعية الطب النفسي والعقلي الاميركية لسنة ١٩٥٢ ان الامراض العقلية و النفسية التي تصيب الانسان هي عبارة عن خليط من السلوكيات المنحرفة التي لا تنتج عن خلل عضوي او خلل الانسجة الدماغية، انما هي حالة من عدم الاستقرار الوظيفي لجسد الانسان، تقلب في المزاجية، وكل هذا يرجع التجارب والخبرات التي يمر بها الانسان او الـصدمات التي قد يتعرض لها خلال حياته، او أي خلل قد يصيب الفرد في علاقاته مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش ضمنه، بالإضافة الى ذلك  قد ترتبط هذه الحالة بماضي الفرد وما تعرض له في مراحل نموه المبكرة.[8]

وفي القانون الخاص بالصحة النفسية رقم (1) لعام 2005 لم يتم تعريف الامراض النفسية بصورة صريحة و مباشرة انما فقط وردت عبارة (الاضطراب الذهاني) حيث نصت المادة رقم (1) في فقرتها الثالثة على التالي: (يقصد بالاضطراب الذهاني لأغراض هذا القانون : اضطراب القوى غير العقلية الحيوية الاساسية نتيجة خلل عضوي شديد او خلل وظيفي في الجهاز العصبي الدماغي المركزي للإنسان الذي يؤثر بدوره على تصرفات المريض وادراكه للأشياء بل وحتى طريقة تفكيره وسلوكياته ومشاعره اتجاه الاخرين.[9]

أما المرض العصبي هو اضطراب عضوي ينشأ من خلل يصيب الجهاز العصبي كالصرع والعته والجنون[10]، وكذلك هو مرض عقلي يتسبب في إصابة الإدراك والوعي للشخص باضطراب[11]، والاضطراب العصابي هو عبارة عن الصراعات الداخلية التي يعانيها الشخص المريض مما يؤثر حتماً على حالة استقراره النفسي وانفعالاته السلوكية وقدراته على التأقلم مع المجتمع .[12]

وبهذا نسنتنتج مما سبق ان المرض النفسي هو اضطراب سلوكي يصيب الفرد نتيجة تأثره بعوامل داخلية أو خارجية تؤثر على ادراكه ووعيه دون ان تؤدي الى فقدانه. والمرض العصبي هو اضطراب في الجهاز العصبي كالصرع والجنون يؤثر على ادراكه.

المطلب الثاني:  مفهوم الدعوى الجنائية

للدعوى الجنائية أهمية لدرجة لا يمكن لقواعد الإجراءات الجزائية أن تستغني عنها, والقول في نقيض ذلك سيجعل قانون الاجراءات الجزائية غير ذا اهمية لأنه يفتقر إلى وسائل الوصول إليه في حالة عدم وجود الدعوى الجزائية, وبانعدام وسيلة الوصول إلى الهدف تنعدم الحكمة من وجود نصوص القانون أصلاً. وفي تحديد طبيعة الدعوى الجنائية قد اختلف الفقهاء، فقد ذهب البعض إلى اعتبارها سلطة إجرائية وقال البعض الآخر بأنها تعتبر حقاً شخصياً, وتوسط البعض الآخر فقال بأنها حق شخصي عام تجاه القاضي يفرض عليه التزاماً بإصدار الحكم.[13]

فالدعوى الجزائية هي التي تحدد مدى سلطة الدولة في معاقبة الشخص المتهم, فبمقادير ما تملك الدولة من حقاً موضوعياً يتمثل في عقاب الجاني, فإنها تملك ايضا حقاً إجرائياً في الطلب من السلطات القضائية بتطبيق هذا الحق ضد شخص المتهم, وبدون هذا الحق الإجرائي فإن الدولة لا تستطيع على الإطلاق ممارسة سلطتها في العقاب, في حين أن الأمر في القانون المدني ليس كذلك, فلصاحب الحق الحصول على حقه دون اللجوء إلى إقامة الدعوى ولا يلجأ إليها إلا في الحالات الاستثنائية, وتطبيقاً لـ (مبدأ العقوبة بغير دعوى جنائية) فإنه لا يمكن معاقبة المتهم قبل اقامة الدعوى الجنائية أمام القضاء مما سوف يؤدي إلى القول بأن الحق في الدعوى الجزائية أمراً تحتمه سلطات الدولة فيما يتعلق بالعقاب.[14]

تعرف الدعوى الجزائية بأنها حق الدولة تتمثل في سلطات الاتهام التي تملكها الدولة في مطاردة فاعل الجريمة وتقديمه للعدالة لينفذ به الجزاء الجنائي, وهي بهذا المعنى موجودة وتترتب اثارها منذ اللحظة التي يقع فيها الفعل الجرمي, ولا يتوقف وجود الدعوى الجزائية على مباشرة أي من الاجراءات المتعلقة بها, ويستند هذا الرأي بأن فترة تقادمها تبدأ منذ ذلك الوقت[15].

ويتم تعرف الدعوى الجزائية من قبل فقهاء اخرين بأنها الحق في اصدار حكم قضائي, كوسيلة لضمان حماية حقوق المجني عليه, من اجل الحصول على الحماية القضائية», تم تعريفها ايضا بأنها «المطالبة بالحقوق عن طريق اللجوء الى عدالة القضاء.[16]

وبما أن مبدأ الشرعية الإجرائية ينص على أن الأصل براءة المتهم, لذا فإن الهدف من الدعوى الجنائية يتحدد بالدفاع عن المصالح الأساسية في المجتمع, فمصلحة المجتمع تتحقق بضمان حقوق أفراده وحرياته دون أن تتحقق هذه المعاني بإدانة الأبرياء والمساس بالحريات وإهدارها, يضاف إلى ذلك أن سلطة العقاب لا تبلغ هدفها في إصلاح المحكوم عليه عن طريق إعادة دمجه وتكيفه مع أبناء مجتمعه ما لم يتم تطبيق هذا العقاب على المجرم الحقيقي, وهذا بدوره ما يوجب على الدعوى الجنائية بأن تبقى مقيدة بهدف الوصول إلى الحقيقة المتمثلة بتبرئة البريء ومعاقبة المجرم الحقيقي, لان السعي إلى ضمان حرية المتهم البريء وحقوقه هدف جوهري ينبغي أن تبقى الدعوى الجنائية قاصدة له, فإذا تهاوت أدلة الاتهام أثناء سير الدعوى, كان لزاماً على الادعاء العام (النيابة العامة) أن  تطالب بتبرئة المتهم, أو تفوض الرأي للمحكمة على أقل تقدير.[17]

فالدعوى الجنائية هي المطالبة بالحق أمام القضاء, كما تعني الحق في الحصول على حكم بمضمون محدد لمصلحة المجني عليه, وبهذا فمن حق المتضرر أن يقيم الدعوى الجزائية أمام القضاء من اجل اصدار حكم يحقق مصلحته. وما ينبغي التنبيه إليه هو أن الدعوى الجنائية ليست الخصومة الجنائية ذاتها فالأولى هي الطلب الموجه من الدولة (الادعاء العام) إلى القضاء الإقرار حقها في العقاب من خلال إثبات حدوث الفعل الجرمي والذي بدوره سوف يتم اتهام شخص معين به, أما الخصومة فتتضمن هذا الطلب وجميع الإجراءات الجزائية المتخذة من بعد ذلك لغاية انقضاء الدعوى عن طريق صدور حكم قطعي أو غيرها من الاسباب التي تسبب انقضاء الدعوى الجزائية, وعلى هذا الأساس قد يجتمع تحريك الدعوى الجنائية مع بدأ الخصومة الجنائية إذا كان تحريك القضية الجزائية ضد شخص بعينه, حيث يتم هذا التحريك ايضا قبل نشوء الخصومة القضائية إذا كان المتهم لا زال مجهولاً, وفي هذه الحالة تتحرك الدعوى الجنائية دون أن تكتمل الخصومة, وهذا التصور يشمل فقط مرحلة التحقيق الابتدائي, أما فيما يتعلق بانقضاء الدعوى الجزائية فإن الخصومة والدعوى تزول اثاراها القانونية في وقت واحد بصدور حكم قطعي.[18]

فان الخصومة الجزائية يتم المباشرة بها من وقت تحريك الدعوى الجزائية للمطالبة باقرار حق الدولة في العقاب في مواجهة فرد معين (المتهم), لذا فإن الإجراءات السابقة لتحريك الدعوى الجزائية لا يجوز اعتبارها من إجراءات الخصومة الجنائية, حيث ثار البحث عما إذا كانت إجراءات جمع الاستدلال والتحقيق الابتدائي تعد من إجراءات الخصومة الجنائية أم أنها غير ذلك؟ فقد ذهب اتجاه إلى أن الخصومة الجنائية تشمل سائر إجراءات اقتضاء حق الدولة في العقاب بما فيها إجراءات جمع الاستدلالات حرصاً منه على سحب الحماية  الجنائية للخصومة من تأثير النشر على مرحلة جمع الاستدلالات, ولكن هذا الرأي لا يقر به جانباً كبيراً من الفقه الجنائي لأن إجراءات الاستدلال التي يقوم بها مأموري الضبط القضائي لا تمثل تحريكاً للدعوى الجنائية وبالتالي جزء من الخصومة الجنائية, لأن تحريك الدعوى الجنائية لا يصدر في الأصل إلا من الجهة التي تملك ذلك نيابة عن المجتمع وهي الادعاء العام (النيابة العامة), ومن جهة أخرى يتعين مباشرة الدعوى أمام جهة قضائية وكل ذلك لا يتوافر في إجراءات الاستدلال, فإجراءات الاستدلال تباشر استناداً للسلطة التنفيذية للدولة والتي تهدف إلى التحري عن الجرائم, فهي تختلف عن الإجراءات الجنائية التي تباشر من قبل سلطات الدعوى بناءاً على السلطة القضائية للدولة, ومع ذلك فقد خول القانون مأمور الضبط القضائي في أحوال استثنائية سلطة تحريك الدعوى الجنائية عن طريق مباشرة بعض إجراءات التحقيق وهي القبض والتفتيش.[19]

أما الاتجاه الآخر فيجعل من نطاق الخصومة الجنائية يشمل إلى جانب ذلك مرحلة التحقيق, لكون قاضي التحقيق يعد طرفاً قضائياً في الخصومة أي حكماً بين المتهم والمجني عليه أو من يمثله قانوناً ويستندون في ذلك إلى أن قرار قاضي التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى يحوز حجية بصدد عدم جدية الادعاء, بينما قرار سلطة الادعاء بالحفظ لا يحوز حجية بهذا الصدد, كما يعتبر هذا الرأي أن التحقيق الذي تجريه السلطة الاتهامية في الجنايات يعد بمثابة درجة أولى من درجات التقاضي, وهو لازم قبل الإحالة إلى محكمة الجنايات, فهذا هو السبب في أن حكم محكمة الجنايات لا يقبل استئنافاً لا لكون قضاء الجنايات على درجة واحدة وإنما لأن المشرع يعتبر التحقيق في الجنايات بوجه خاص بمثابة درجة أولى من درجات التقاضي. وقد عارض هذا الرأي الدكتور عبد الفتاح الصيفي باعتباره موسعاً لنطاق الخصومة الجنائية.[20]

وفي قانون اصول المحكمات العراقية رقم(23) لسنة 1971 فأنه لم يتم تعريف الدعوى الجنائية، الا ان المادة(1) من نصت على(تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى حاكم التحقيق او المحقق او أي مسؤول في مركز الشرطة او أي من اعضاء الضبط القضائي من المتضرر من الجريمة او من يقوم مقامه قانوناً او أي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم الى أي منهم من الادعاء العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ويجوز تقديم الشكوى في حالة الجرم المشهود الى من يكون حاضراً من ضباط الشرطة ومفوضيها.).[21]

ونحن نرى ان الدعوى الجنائية تشمل الطلب المقدم من الجهات المختصة بذلك إلى القضاء, كما تشمل الحق في الحصول على حكم وما يستلزم الوصول إلى هذا الحكم من إجراءات جنائية (الخصومة).

المبحث الثاني

سير إجراءات الدعوى الجنائية

مع المتهم المريض نفسيا او عصبياً

يتم تحرك الدعوى الجنائية من قبل المدعي، وفق قانون اصول المحاكمات الجنائية العراقي رقم(23) لسنة 1971 الى الحاكم او المحقق او أي مسؤول في مركز الشرطة ونص على ذلك المادة(1) منه، ونصت المادة(8) من القانون ذاته على (اذا اشترط القانون لتحريك الدعوى الجزائية تقديم شكوى فلا يتخذ أي اجراء ضد مرتكب الجريمة الا بعد تقديم الشكوى)، وبهذا فأن الشكوى من قبل المدعى هو بداية لتحريك الدعوى، ثم يأتي بعد ذلك دور الجهة المختصة بالتحقيق والمتمثل بقاضي التحقق او المحقق الجنائي اومسؤول مركز الشرطة ليقوم بالاستدلال ونص على ذلك المادة(1) من القانون ذاته، وبعد مرحلة التحقيق الجنائي يتم رفع نتائج التحقيق والتي تكون اما بالادانة او التبرئة الى القاضي المختص لأصدار الحكم اللازم، هذه هي الاجراءات الشكلية في الدعوى الجنائية بصورة عامة، الا ان محل دراستنا هو بيان سير اجراءات الدعوى الجنائية مع المتهم المريض نفسيا أو عصبياً، هل هي ذات الاجراءات؟ وأين يكمن الاختلاف مع المتهم الطبيعي الغير مريض؟ لذا سنتناول في هذا المبحث سير إجراءات الدعوى الجنائية مع المتهم المريض نفسيا وعصبياً وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم(23) لسنة 1971 وذلك في مطلبين وعلى النحو التالي:-

المطلب الاول: موقف المشرع العراقي من ثبوت المرض النفسي أو العصبي للمتهم

على الجهة المختصة بالتحقيق الجنائي التأكد من سلامة المتهم من الامراض النفسية أو العصبية التي تؤدي الى أعفاءه من المسؤولية، وفي حال ثبوت مرضه على قاضي التحقيق تدوين ذلك في محضر التحقيق، حيث نصت المادة(65) من قانون اصول المحكمات الجزائية العراقية على (على الحاكم او المحقق ان يثبت في محضر التحقيق ما يلاحظه على الشاهد مما يؤثر على اهليته لأداء الشهادة او تحملها بسبب سنه او حالته الجسمية او العقلية او النفسية)، وهذا النص يؤكد التزام المشرع العراقي بالاخذ بحالة المريض النفسية او العقلية بنظر الاعتبار في مرحلة التحقيق الجنائي، والذي يبنى عليه المسؤولية الجنائية.

وكذلك تم الاخذ بحالة المتهم النفسية أو العقلية عند المتهم الحدث، حيث نصت المادة(236) من القانون ذاته على (لحاكم التحقيق وللمحكمة التي تنظر دعوى الحدث ان تستعين في دعاوى الجنح والجنايات بمنظمات الخدمة الاجتماعية والصحية الرسمية وغيرها وبالخبراء والاطباء للتحقيق في حالة الحدث الاجتماعية والصحية والعقلية والنفسية والبيئة التي نشأ فيها والاسباب التي دعته الى ارتكاب الجريمة مع مراعاة النصوص الواردة في القوانين الاخرى التي توجب احالة الحدث الى جهات معينة للغرض المذكور.).

وان المشرع اخذ بهذا الاعتبار لانه يترتب على وجود الخلل العقلي الكلي أو الجزئي المؤدي إلى فقدان ملكتي الإدراك والإرادة أو إضعافهما وقت ارتكاب الجريمة، حيث يعد المتهم خارجا عن قواه العقلية، ويعد غير مسؤول عن تصرفه، ومن النص اعلاه يتبين ان ثبوت المرض النفسي هو من أختصاص لجنة طبية أو اجتماعية، أو خبراء في الصحة، ويتم رفع التقرير الى قاضي التحقيق الذي بدوره يدون في محضر التحقيق ليتم اقرار اعفاءه من المسؤولية، وسار على ذات النهج العديد من الدول ومنها المشرع السوري، أما المشرع المغربي فقد أخذ بمسؤولية محكمة الموضوع التأكد من مرض المتهم نفسيا أو عقليا.[22]

وبعد التأكد من مرضه نفسيا أو عصبيا اثناء قيامه بالجريمة للمحكمة أن تقرر وقف التحقيق مع المتهم، ونص على ذلك المادة(230) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على(اذا تبين اثناء التحقيق او المحاكمة ان المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه لاصابته بعاهة في عقله او اقتضى الامر فحص حالته العقلية لتحديد مسؤوليته الجزائية فيوقف التحقيق او المحاكمة بقرار من حاكم التحقيق او المحكمة ويوضع تحت الحراسة في احدى المؤسسات الصحية الحكومية المعدة للامراض العقلية اذا كان متهماً بجريمة لا يجوز اطلاق السراح فيها بكفالة. اما في الجرائم الاخرى فيوضع في مؤسسة صحية حكومية او غير حكومية على نفقته بطلب ممن يمثله قانوناً او على نفقة ذويه بكفالة شخص ضامن وتكلف هيئة طبية رسمية مختصة بفحصه وتقديم تقرير عن حالته العقلية).

وأن وقف التحقيق مع المتهم يؤدي الى عدم مسؤوليته جنائيا، ولم يتم تأجيل لحين شفاءه، لأن المتهم كان فاقدا للادراك في وقت الجريمة، وهو بذلك غير مسؤول، وهذا ما نصت عليه المادة (232) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي.[23]

وبهذا نستنتج مما سبق، أنه يتم التأكد من مرض المتهم لحظة قيامه بالجريمة من قبل لجنة طبية متخصصة، ويتم رفع التقرير الى قاضي التحقيق ليقوم بوقف أجراءات التحقيق، وأعفاءه من المسؤولية الجنائية.

المطلب الثاني: موقف التشريع العراقي من علاقة المرض النفسي أو العصبي بالسلوك الجرمي

من المسلم في الفقه الجزائي أنّ المسؤولية الجزائية لا ترتبط إلا بالإنسان؛ امّا الجمادات و الكائنات الحية الأخری فلا جدال في اخراجها من إطار المسؤولية الجنائية، علی عكس ما كانت تأخذ به مجموعة التشريعات القانونية القديمة ، حيث تتجذر هذه القاعدة وتبريراتها في أن المخلوقات البشرية المتجسدة بالإنسان بصورة عامة تمتلك تلك الإرادة التي تكمن وراء الفعل و التي تضفي عليه صفة الجريمة من جهة و ان الشخص وحده من جانب اخر هو الذي يملك القدرة علی الإستجابة لأهداف المجتمع على تطبيق الجزاء الجنائي وعدم ارتكاب أي فعل جرمي يتم ادانته من خلاله.[24]

ان الحقائق تفترض ان المسؤولية الجنائية لها ركنان جوهريان، الخطأ والأهلية. فلا توجد مسؤولية جزائية دون وجود خطأ، كما لا توجد مسؤولية على الشخص الذي ليس لديه الاهلية الكاملة التي يستلزمها القانون لمعاقبته. ويشكل الخطأ الجنائي، و يتم تسميته ايضا بالخطأ الجرمي، فيعتبر هو الركن الأول لقيام المسؤولية الجزائية. فأن المسؤولية الجزائية تفترض وقوع فعل مجرم بشكل خاطئ من فاعل حيث ان هذا الجرم لا يقوم بفعل حادث خارج عن إرادته يمكن أن يُنسب إلی أي مصدر آخر غير هذا الفاعل بالذات. فأن جريمة القتل على سبيل المثال لا الحصر يمكن ان يتسبب بها شخص أراد إحداث الفعل الجرمي عن قصد للغير، كما يمكن أن تحصل بفعل اسباب طبيعية او خطأ غير متعمد ادى الى موت المجني عليه دون أن يكون لأي شخص دخل في إحداثه. و الخطأ الذي يحدث نتيجة لاتجاه إرادة الفاعل نحو ارتكابه و يدخل بالتالي ضمن مفهوم القصد الجرمي أو النّية الجرمية. أما الخطأ غير الإرادي فهو الذي يتولد بسبب تقصير وقلة احتراز أو عدم مراعاة الأنظمة و القوانين مرتكب الفعل الجرمي، ويطلق عليه عبارة الخطأ الجرمي لتميزه عن القصد الجرمي والذي نقصد به الركن المادي.[25]

تنتفي المسؤولية الجزائية اذا ما توافرت عناصر قانونية ترتبط بالجريمة إضافة الى أركانها , وتتمثل تلك العناصر بأسباب الإباحة , التي من شأنها ان تبيح السلوك فتهدم ركن الجريمة، المادي بإزالة صفه التجريم عن الفعل الذي سبق ان نص القانون على تجريمه،  وذلك لمصلحة اجتماعية تعلقت بمبدأين اولهما : مبدأ انتفاء الحق والذي يقوم على فكرة إزالة عنصر الاعتداء عن الفعل . فلم يعد يشكل عدواناً على حق او مصلحة يحميها القانون، فالطبيب المعالج لا يعتبر معتدياً اذا اخبر الأب بفقدان الأمل من بقاء ابنه حياً، مما أثر نفسياً في صحته او أصابه الإيذاء او الجرح الداخلي الذي قد ينهي حياته , او كذلك اذا أطلق عضو الضبط القضائي العيارات النارية فوق من صدر بحقه امراً بالقبض , بغية تخويقه واستتلامه وأدى ذلك الى لأصابته بأذى داخلي او حتى وفاته . والثاني: هو مبدا رجحان الحق الذي يستند على فكرة وزن المصالح وإعطاء الراجح منها القيمة الأكبر على حساب الاخرى , فالفعل بقي يشكل اعتداءا حتى حق او مصلحة يحميها القانون، لكن المجتمع يضحي بالمصلحة الأقل حفاظاً على المصاحة الأسمى .[26]

الا ان على القاضي المختص بالتحقيق التأكيد من حالة المتهم النفسية اثناء قيامه بالجريمة، أن اثبات تأثير هذا المرض على عدم مسؤلية الجانى عن الفعل الاجرامى أم ﻻ هو مظاهر الفعل من حيث دراسة القضيه الجنائيه من أدلة وقرائن وكذلك الأفعال . فالبنسبة للفعل أثناء صدوره من المتهم صدر فى صورة تدل على مرضه العقلى وقت الفعل الاجرامى، اصطحب ذلك ظروف وملابسات دلت على توافر المرض العقلى حيال ارتكاب الجريمه من خلال التقرير الطبي التي تصدر من اللجنة الطبية المتخصصة.[27]

فتنتفي مسؤولية شخص جزاتياً اذا ما مارس شخص حقه في الدفاع الشرعي باستخدام الفاظاً يشكل البعض منها قذفا باطلاً أو  سبآ للمعتدي , فأثار حفيظته واضطريت وتوترت اعصابه مما جرحه او ترتب بإيذائه وقد يؤدي ذلك بحياته , كما تنتفي المسؤولية الجزائية عندما تظهر عناصر قانونية من شأنها ان تبقي على الصفة المجرمة للفعل , ولكنها تمنع المسؤولية الجزائية عنه فقط وهي حالة توافر إحدى موائع المسؤولية الجزائية، والتي أقرت بها كافة التشريعات الجزائية ومنها قانون العقوبات العراقي المواد (65-60) .

فالمجنون او من أصابته عاهة في العقل والمكره ومن هو في حالة ضرورة او من أعطيت له قسراً او على غير علم مادة مخدرة او مسكرة اذا أدى تعرضه لإحدى الحالات أعلاه الى فقدانه الإدراك او الإزادة , كذلك صغير السن الذي لم يبلغ سن التاسعة من عمره والذي يعتبر حكماً فاقداً للإدراك , هم من تمتنع عنهم المسؤولية الجزائية اذا ما مارس من هو في وضع احدهم فعلاً من شأنه ان يوثر نفسياً في الغير فيمس بسلامة جسمه او حياته , فاذا ما صاح المجنون او من هو في حالة ضرورة بصوت مرتفع قرب شخص فافزعه مما احدث  له نوبة من مرض نفسي.[28]

نستنتج مما سبق، أن المشرع العراقي يعفي المتهم المريض بمرض نفسي او عصبي من المسؤولية الجزائية، ويقع عبء الاثبات على اللجنة الطبية المختصة.

الخاتمة

ان هدف البحث هو التعرف على الصحة النفسية للمتهم المعروض امام القضاء وأهم العوامل التي تؤثر عليها، وذلك أثناء سير الدعوى الجزائية، فتمثلت أدوات الدراسة في مقياس الصحة النفسية والمقابلة والملاحظة الخاصة بالمتهمين المعروضين امام القضاء، وتوصلت الدراسة الى وجود متغيرات في الحالة الاجتماعية لها تأثير كبير على الصحة النفسية للمتهم أثناء سير الدعوى الجنائية وحتى الاجراءات التحقيقية التي تسبق المحاكمة. كما توصل الباحث بأنه لا يوجد أثر معنوي لمتغير العمر على الصحة النفسية أثناء سير الدعوى الجنائية الخاصة بالمتهمين سواء على مستوى الجنح او الجنايات، واليوم مع انتشار الأمراض النفسية بشكل واسع وتنوعها، نتيجة للظروف التـي نعيـشها والتـي لا تخفى على أحد، من أمنية واجتماعية وسياسية واقتصادية إلى غير ذلك من هذه الظروف، تُطرح مسألة مهمة تحتاج إلى بيان وتوضيح، تتمثل في مسئولية المريض النفـسي عـن أفعاله الجنائية، سواء كانت على النفس أو الأعضاء أو الممتلكات والأموال، والجواب عـن هذه المسألة يحتاج إلى معرفة مدى إدراك المريض النفسي لما يقوم به من أفعال وأقوال اثناء ارتكاب الفعل المجرم وفق النصوص القانونية، فأن العلاقة بين الاضطرابات النفسية والعقلية لا تزال تتطور بشكل مستمر حيث ان هذه العلاقة بين هذه الأنواع من الاضطرابات النفسية و العصبية وأثرها على الجريمة يشكل خطر على المجتمع ككل ، حيث أنها تؤثر على الفرد وتدفعه لارتكاب الافعال الجرمية ، مما يؤثر على شخصيته ، ونفسيته وحتى طريقة تفكيره ، وبالتالي قد يؤدي إلى عدم السيطرة على افعاله مما يدفعه ان يرتكب سلوكًا إجراميًا نتيجة لتلك الضغوطات النفسية و العصبية ومن خلال ذلك توصل الباحث الى مجموعة من الاستنتاجات و التوصيات والتي تتمثل على النحو التالي:

اولا: الاستنتاجات

ان المرض النفسي هو اضطراب سلوكي يصيب الفرد نتيجة تأثره بعوامل داخلية أو خارجية تؤثر على ادراكه ووعيه دون ان تؤدي الى فقدانه. والمرض العصبي هو اضطراب في الجهاز العصبي كالصرع والجنون يؤثر على ادراكه.

ان الدعوى الجنائية تشمل الطلب المقدم من الجهات المختصة بذلك إلى القضاء, كما تشمل الحق في الحصول على حكم وما يستلزم الوصول إلى هذا الحكم من إجراءات جنائية (الخصومة).

يتم رفع التقرير الى قاضي التحقيق ليقوم بوقف أجراءات التحقيق، وأعفاءه من المسؤولية الجنائية.

أن المشرع العراقي يعفي المتهم المريض بمرض نفسي او عصبي من المسؤولية الجزائية، ويقع عبء الاثبات على اللجنة الطبية المختصة.

عدم توفر مصحات نفسية كافية تستوعب عدد المرضى النفسيين داخل البلاد.

ثانيا: التوصيات

السعي الحثيث من قبل الفقه الجزائي وبخاصة ممن قدر لهم التدريس في المعاىد القضائية , نحو توجيه نظر القضاء العراقي بالاخذ بفكرة الوسيلة النفسية  في اثبات العلاقة السببية في جرائم الافعال الخطيرة مثل الاعتداء على حياة سلامة الافراد .

ضرورة النص بشكل صريح في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم(23) لسنة 1971 على الحالات التي يكون المريض معفى من المسؤولية.

المتابعة المستمرة من قبل الجهات الرسمية و المؤسسات المعنية بهذا الشأن بهدف حل المشاكل النفسية للمتهمين وايجاد الحلول لها.

انشاء مستشفيات متخصصة جديدة تختص بعلاج الامراض النفسية و تدريب كوادرها وفق احدث الوسائل العلاجية الحديثة.

محاولة تشخيص الحالات النفسية و العصبية التي تحتاج الى علاج من قبل المؤسسات المعنية قبل تفاقمها وتحول تصرفات الاشخاص الى افعال جرمية.

المصادر

رسائل واطاريح

بحوث

 أحمد فتحي سرور, الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية, المجلد الأول, دار النهضة, القاهرة, 1981.

 أكرم، نشأت إبراهيم، علم النفس الجنائي، عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1998.

 آمال الدين العطيفي, الحماية الجنائية للخصومة من تأثير النشر, رسالة دكتوراه, كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1964.

 أنور محمد عاشور، لموسوعة في التحقيق الجنائي، عالم الكتب، القاهرة، بلا سنة طبع.

جمال إبراىيم الحيدري، شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات , مكتبة السنهوري،  بغداد، 2011.

 حسني، محمود نجيب؛ النظرية العامة للقصد الجنائي، الطبعة الأولى، قاهرة: دار¬النهضة العربية، 1974م.

 رؤوف عبيد, مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري, ط12, مطبعة جامعة عين شمس, القاهرة 1978.

 شحاتة ربيع، جمعة سيد يوسف، معتز عبد االله، علم النفس الجنائي ،دار غريب للطباعة والنشر ،القاهرة.

 عباس محمد عوض، الموجز في الصحة النفسية، دار المعارف، مصر، 1977.

عبد الرحمن العيسوي، علم النفس ومشكلات الفرد، دار النهضة، بيروت، 1992.

11. عبد العزيز،القوصي، أسس الصحة النفسية، مصر، 1952.

12. عبد الفتاح الصيفي, النظرية العامة للقاعدة الإجرائية الجنائية, دار المطبوعات الجامعية’, الإسكندرية, (بلا سنة طبع).

13. عوض محمد عوض, المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية, دار المطبوعات الجامعية, الإسكندرية 1999.

14. كريستين مايلز، التربية المختصة للرعاية الصحية، ط1، ورشة الموارد العربية والتنمية، عمان الأردن، ،1994.

15. كرينغ وآخرون، علم النفس المرضي، ترجمة أمثال هادي الحويلة وآخرون، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر، ،2017 .

16. مصطفى فهمي، الانسان وصحته النفسية، مكتبة الانجلون القاهرة، 1972.

17. ممدوح خليل البحر, مبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان 1998.

18. ورود محمد الشريف , جريمة القتل المعنوي , المؤسسة الحديثة لمكتاب , بيروت، 2015.

References

Theses, Dissertations & Researches

Ahmed Fathi Sorour, The Mediator in the Criminal Procedure Law, Volume 1, Dar Al-Nahda, Cairo, 1981

Akram, Nashat Ibrahim, Criminal Psychology, Amman: Dar Al-Thaqafa Library for Publishing and Distribution, 1998

Amal Al-Din Al-Atifi, Criminal Protection of the Litigant from the Influence of Publication, PhD Thesis, Faculty of Law, Cairo University 1964

Anwar Muhammad Ashour, Encyclopedia of Criminal Investigation, Alam Al-Kutub, Cairo, no year of publication

Jamal Ibrahim Al-Haidari, Explanation of the Provisions of the Special Section of the Penal Code, Al-Sanhouri Library, Baghdad, 2011

Hosni, Mahmoud Naguib; The General Theory of Criminal Intent, First Edition, Cairo: Dar Al-Nahda Al-Arabiya, 1974

Raouf Obeid, Principles of Criminal Procedure in Egyptian Law, 12th ed., Ain Shams University Press, Cairo 1978

Shehata Rabie, Gomaa Sayed Youssef, Moataz Abdullah, Criminal Psychology, Dar Gharib for Printing and Publishing, Cairo

Abbas Mohamed Awad, A Brief on Mental Health, Dar Al Maaref, Egypt, 1977

Abdel Rahman Al-Eisawi, Psychology and Individual Problems, Dar Al Nahda, Beirut, 1992

Abdel Aziz Al-Qawsi, Foundations of Mental Health, Egypt, 1952

Abdel Fattah Al-Sayfi, General Theory of Criminal Procedural Rules, Dar Al-Matbouat Al-Jamia, Alexandria, (no year of publication)

Awad Mohamed Awad, General Principles of Criminal Procedure Law, Dar Al-Matbouat Al-Jamia, Alexandria 1999

Christine Miles, Specialized Education for Health Care, 1st ed., Arab Resources and Development Workshop, Amman, Jordan, 1994

Kring et al., Psychopathology, translated by Hadi Al-Huwaila et al., Anglo-Egyptian Library, Cairo, Egypt, 2017

Mustafa Fahmy, Man and His Mental Health, Anglo-Egyptian Library, Cairo, 1972

Mamdouh Khalil Al-Bahr, Principles of the Jordanian Criminal Procedure Code, Dar Al-Thaqafa for Publishing and Distribution, Amman, 1998

Wurood Muhammad Al-Sharif, The Crime of Moral Murder, Modern Library Foundation, Beirut, 2015

 

[1] عبد الرحمن العيسوي، علم النفس ومشكلات الفرد، دار النهضة، بيروت، 1992، ص231.

[2] مصطفى فهمي، الانسان وصحته النفسية، مكتبة الانجلون القاهرة، 1972، ص19.

[3] عباس محمد عوض، الموجز في الصحة النفسية، دار المعارف، مصر، 1977، ص49.

[4] عبد العزيز القوصي، أسس الصحة النفسية، مصر، 1952، ص114.

[5] محمد شحاتة ربيع - جمعة سيد يوسف - معتز عبد االله، علم النفس الجنائي ،دار غريب للطباعة والنشر ،القاهرة ،ص.402

[6] أكرم، نشأت إبراهيم، علم النفس الجنائي، عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1998، ص107.

[7] انور محمد عاشور، لموسوعة في التحقيق الجنائي، عالم الكتب، القاهرة، بلا سنة طبع، ص131.

[8] المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للامراض (ICD)  تصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية، منظمـة الـصحة العالمية، المكتب الاقليمي للشرق الاوسط، ص5.

[9] المادة (1\ثالثا) من قانون الصحة النفسية رقم (1) لسنة 2005 .

[10] كريستين مايلز، التربية المختصة للرعاية الصحية، ط1، ورشة الموارد العربية والتنمية، عمان الأردن، ،1994ص7.

[11] كرينغ وآخرون، علم النفس المرضي، ترجمة أمثال هادي الحويلة وآخرون، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر، ،2017 ص495.

[12] المادة (1) من قانون الصحة النفسية رقم (1) لسنة 2005.

[13] أحمد فتحي سرور, الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية, المجلد الأول, دار النهضة العربية, القاهرة, 1981, ص212.

[14] ممدوح خليل البحر, مبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان 1998, ص45.

[15] عوض محمد عوض, المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية, دار المطبوعات الجامعية, الإسكندرية 1999, ص21.

[16] رؤوف عبيد, مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري, ط12, مطبعة جامعة عين شمس, القاهرة 1978, ص35.

[17] ممدوح خليل البحر, المرجع السابق, ص46.

[18] حمد فتحي سرور, الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية، مصدر سابق، ص30.

[19] آمال الدين العطيفي, الحماية الجنائية للخصومة من تأثير النشر, رسالة دكتوراه, كلية الحقوق/جامعة القاهرة 1964, ص149 وما بعدها, 

[20] عبد الفتاح الصيفي, النظرية العامة للقاعدة الإجرائية الجنائية, دار المطبوعات الجامعية’, الإسكندرية, (بلا سنة طبع)., ص37.

[21] المادة(1) من قانون اصول المحكمات العراقية رقم(23) لسنة 1971

[22] الفصل (76) من مجموعة القانون الجنائي الذي ينص على(ذا تبين لمحكمة الموضوع وبعد إجراء خبرة طبية..).

[23] تنص المادة(232) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على (اذا تبين من تقرير اللجنة الطبية ان المتهم غير مسؤول جزائياً لاصابته وقت ارتكاب الجريمة بعاهة في يعقله فيقرر الحاكم عدم مسؤوليته وتصدر المحكمة حكماً بعدم مسؤوليته مع اتخاذ أي اجراء مناسب في تسليمه الى احد ذويه لقاء ضمان لبذل العناية الواجبة له.).

[24] حسني، محمود نجيب؛ النظرية العامة للقصد الجنائي، الطبعة الأولى، قاهرة: دارالنهضة العربية، 1974، ص86.

[25] أحمد فتحي سرور, الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية, المجلد الأول, دار النهضة العربية, القاهرة, 1981, ص217.

[26] جمال إبراىيم الحيدري، شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات , مكتبة السنهوري،  بغداد، 2011، ص98.

[27] ورود محمد الشريف , جريمة القتل المعنوي , المؤسسة الحديثة لمكتاب , بيروت، 2015، ص106.

[28] جمال إبراىيم الحيدري، شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات , مكتبة السنهوري،  بغداد، 2011، ص110.