حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/kz7xp885

تاريخ الاستلام 11/11 تاريخ القبول 1/1

تاريخ النشر 25/٤/2025

مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي في قضاء المحكمة العليا الأمريكية

The principle of non-delegation of legislative jurisdiction

in the US Supreme Court

أ.د حسين جبر حسين الشويلي

الجامعة العراقية - كلية القانون والعلوم السياسية

Prof. Dr. Hussein Jabr Hussein Al-Shuwaili

Al-Iraqiya University - College of Law and Political Science

Hussein.jabir.hussein@aliraqia.edu.iq

المستخلص

يعد مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي أداة أساسية لضمان الفصل بين السلطات والحفاظ على التوازن الدستوري. ومع ذلك، فإن تطبيقه يتسم بمرونة تتغير وفق السياق التاريخي والسياسي. هذا البحث يسلط الضوء على قرارات المحكمة العليا الامريكية بخصوص مبدأ عدم التفويض والتحديات التي مرت بها المحكمة العليا لتكييف هذا المبدأ مع متطلبات الحكم الفعال الذي تمارسه السلطة التنفيذية دون المساس بمبادئ الدستور التي جعلت الاختصاص التشريعي بيد الكونغرس الأمريكي . وقد كان موقف المحكمة العليا الامريكية متذبذبا بخصوص مبدأ عدم التفويض غير أن التشدد من جانب المحكمة كان خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي خلال برنامج الاصلاح الذي اطلقه الرئيس روزفلت.

الكلمات المفتاحية : دستور المحكمة العليا اختصاصات سلطات

Abstract

 The principle of non-delegation of legislative authority is a fundamental tool for ensuring the separation of powers and maintaining constitutional balance. However, its application is characterized by flexibility that adapts to historical and political contexts. This study highlights the decisions of the U.S. Supreme Court regarding the non-delegation doctrine and the challenges the Court has faced in adapting this principle to the requirements of effective governance exercised by the executive branch, without compromising the constitutional principles that vest legislative authority in the U.S. Congress.

Key Words: Constitution Supreme Court Powers Authorities

مقدمة

تبنى الدستور الامريكي 1789، ضمنيا، مبدأ الفصل بين السلطات على نحو واضح. فقد خصصت المواد الثلاثة الاولى فيه لوضع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في ثلاث هيئات منفصلة. وقد وضع لكل من هذه الهيئات الثلاثة تنظيما مختلفا واجراءات مختلفة لاختيار اعضائها. ورغم ذلك فان الدستور لم يبين مدى قوة هذا الفصل بين السلطات. فمن قراءة بعض النصوص يتبين بان كل هيئة يجب ان تمارس اختصاصاتها حصريا وبمعزل عن باقي الهيئات، بينما من قراءة نصوص اخرى يمكن استنتاج وجود تعاون وتداخل بالاختصاصات بين هيئة واخرى.

وما يهمنا في هذا البحث هو الاختصاص التشريعي. فقد نص الدستور الامريكي صراحة في صدر المادة الاولى منه، والمخصصة للفرع التشريعي، على أن ((تناط جميع السلطات التشريعية الممنوحة هنا بكونغرس للولايات المتحدة يتألف من مجلس الشيوخ ومجلس للنواب.))، وهذا يعني بانه ليس من اختصاص السلطة التنفيذية او الرئيس الامريكي وضع اي قواعد ذات صفة تشريعية.

إشكالية البحث

السؤال المطروح هنا هو: هل يمكن الاخذ بمبدأ الفصل بين السلطات على اطلاقه؟ أم ان ذلك لا يمكن، لان ادوات السلطة التنفيذية في تطبيق القوانين يجب ان تتضمن اصدار لوائح تنفيذية تتضمن تفاصيل تطبيقية للتشريعات التي يصدرها الكونغرس. وهنا تبرز مشكلة تحديد المدى الذي تتضمنه هذه اللوائح التنفيذية.

أهمية البحث

ما دفعني الى البحث في هذه المسألة هو أن دستور جمهورية العراق 2005، نص في البند (ثالثا) من المادة (80) منه على ان من الصلاحيات المناطة بمجلس الوزراء ((اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات، بهدف تنفيذ القوانين)). ولذلك فان البحث في التجارب الدستورية العالمية التي سبقتنا في هذا المجال سيكون مفيدا في بيان الحدود التي يجب ان لا تتجاوزها السلطة التنفيذية في وضعها لهذه القواعد القانونية، على النحو الذي يجعلها تتعدى على اختصاصات السلطة التشريعية إذا ما تضمنت تلك القواعد التي تضعها مسائل جديدة لم تكن في نية المشرع تضمينها في القانون الذي وضعه.

منهجية البحث

وبالرجوع الى تفصيل مسألة تخويل الاختصاصات التشريعية في الولايات المتحدة الامريكية فقد استلزم البحث لاتباع المنهج التحليلي لقرارات المحكمة العليا الأمريكية بهذا الخصوص لبيان مدى حرية السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية في اصدار قوانين فرعية لتنفيذ قوانين الكونغرس.

خطة البحث

من اجل الإحاطة بهذا الموضوع قسمت هذا البحث على مبحثين. اتناول في الاول منهما مبررات مبدأ عدم التفويض التشريعي وتطوره التاريخي وفي الثاني منهما أهم قرارات المحكمة العليا الأمريكية بخصوص عدم التفويض التشريعي.

المبحث الأول

مبررات مبدأ عدم التفويض التشريعي وتطوره التأريخي

ينص مبدأ عدم التفويض على أن الكونغرس لا يجوز له تفويض سلطته التشريعية إلى الرئيس أو وكالة حكومية أو أي كيان آخر داخل الحكومة أو خارجها. ومن البديهي أن الكونغرس وحده هو الذي يمتلك السلطة الدستورية للتشريع. لذلك لا يمكن للكونغرس إصدار قانون يجيز لشخص آخر، مثل وكالة فيدرالية أو الرئيس أو منظمة خاصة أو لجنة تابعة للكونغرس، صياغة القوانين وإدراجها في قانون الولايات المتحدة.[1]

بهذا المعنى، تعتبر حقيقة ثابتة أن الدستور يمنع الكونغرس من تفويض سلطاته التشريعية، وقد أكدت القضايا المبكرة للمحكمة العليا الأمريكية ذلك صراحةً. ويهدف مبدأ عدم التفويض إلى منع الكونغرس من التهرب من هذا القيد الأساسي من خلال تفويض قدر كبير من السلطة التقديرية بحيث يصبح لدى شخص آخر فعليًا سلطة التشريع. سواء أكان هذا الشخص الرئيس أو وكالة من الوكالات التنفيذية او غير ذلك. وسنبين في المطلب الأول من هذا المبحث مبررات مبدأ عدم التفويض التشريعي بينما نبين في المطلب الثاني التطور التاريخي لهذا المبدأ في قضاء المحكمة العليا الأمريكية.[2]

المطلب الأول: مبررات مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي

كما سنرى في الصفحات التالية، ان مبدأ عدم التفويض لم يمنع الكونغرس من منح قدر كبير من السلطة التقديرية للمسؤولين التنفيذيين. واليوم، يلتزم الكونغرس بمبدأ عدم التفويض من خلال تقديم معيار «التحديد الكافي» فقط لتوجيه تلك السلطة التقديرية. ويعني معيار التحديد الذاتي ان يضع الكونغرس اساسيات التشريع ويضع محددات واضحة لجهة التنفيذ عند اصدار اللوائح.[3]

والسبب وراء عدم اعتبار مبدأ عدم التفويض عائقًا كبيرًا أمام تفويض الكونغرس للسلطة التقديرية هو أن ممارسة السلطة التقديرية تعد جزءاً لا يتجزأ من تنفيذ القانون. وخاصة في الوقت الحاضر، مع مواجهة الحكومة لمشاكل أكثر تعقيدًا وأهمية، بحيث يصبح من المستحيل على الفرع التنفيذي تنفيذ القانون دون ممارسة بعض السلطة التقديرية.[4]

في جوهره، يحدد مبدأ عدم التفويض الحدود بين التشريع وتنفيذ القانون. ويستمد هذا المبدأ جذوره من مبدأ الفصل بين السلطات، حيث إنه إذا قام الكونغرس بتفويض سلطته التشريعية، فإن جهة أخرى تمارس سلطة تم تخصيصها دستوريًا للكونغرس .
غير أن التفويض، على عكس مشاكل فصل السلطات الأخرى، لا يتضمن استيلاء أحد الفروع على السلطة من فرع آخر (وهو ما يُطلق عليه غالبًا «التجاوز») أو التدخل في ممارسة فرع آخر لسلطاته.[5]

ففي القضايا المتعلقة بالتفويض، يكون الكونغرس قد قام طواعية بتفويض السلطة التقديرية إلى كيان حكومي آخر، مع احتفاظه بالقدرة على تضييق نطاق التفويض أو استعادته تشريعيًا. إذن، هل هناك سبب آخر بخلاف التمسك بالأصول الدستورية يثير القلق بشأن التفويضات التي يمنحها الكونغرس للفرع التنفيذي؟

السبب الرئيسي الذي يثير القلق بشأن التفويض المفرط يرتبط بالأساس العملي لفصل السلطات، وهو أن واضعي الدستور رأوا في فصل السلطات ضرورة للحفاظ على الحرية. فالسماح للكونغرس بالتفويض قد يجعل من السهل جدًا على الحكومة الفيدرالية سن قوانين جديدة. وذلك قد يؤدي إلى زيادة حجم القوانين وتقليل جودتها على النحو الذي يؤدي الى مصادرة الحقوق والحريات.[6]

السبب الاخر هو أن إحدى مزايا اشتراط مشاركة العديد من الأطراف، مثل مجلسي الكونغرس والرئيس، في عملية التشريع هي جعل عملية التشريع أكثر صعوبة. وصعوبة التشريع تسهم في الحفاظ على جودة التشريع من خلال تمرير كل تشريع عبر عملية مطولة تساهم في الحفاظ على تلك الجودة، وذلك يعد قيمة أساسية يقوم عليها النظام القانوني في الولايات المتحدة. وعلى خلاف ذلك فإن تسهيل عملية التشريع قد يضر بجودة القوانين، مما يسمح بتمرير قوانين ذات جودة منخفضة. اذ ان القوانين التي توضع بصورة مستعجلة دون مرورها عبر قنوات الكونغرس ستؤثر على جودة التشريع.[7]

وأخيرًا، وربما يكون السبب الأكثر جوهرية، أن التفويض المفرط يساهم فيما يمكن وصفه بـ»عجز الديمقراطية”.

فغالبًا ما تكون عملية التشريع التي تقوم بها الوكالات أي السلطة التنفيذية أقل ديمقراطية من تلك التي يقوم بها الكونغرس. فالوكالات في كثير من الأحيان تعمل بعيدًا عن أنظار الجمهور. وقد يكون للجماعات ذات المصالح الضيقة تأثير نسبي أكبر على صنع القوانين في الوكالات مقارنة بالكونغرس، حيث يكون التعرض الإعلامي في الكونغرس أكبر بكثير من الوكالات.

أي أن أعضاء الكونغرس عند عملهم في سن القوانين يأخذون بالحسبان إمكانية محاسبة جمهورهم لهم في الانتخابات عن طريق تغييرهم. بينما من يعمل في وكالات السلطة التنفيذية لا يتعرضون لهذه المحاسبة الديمقراطية.

مرتبطًا بذلك، فإن التفويض يمكّن أعضاء الكونغرس من التهرب من المساءلة عن أفعالهم. فقد يكونون على دراية تامة بما ستفعله الوكالة بمجرد حصولها على التفويض، ولكنهم مع ذلك يمكنهم إنكار المسؤولية بشكل مقنع وإلقاء اللوم على الرئيس أو مسؤولي الوكالة.[8]

المطلب الثاني: تطور مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي

ذكرت بعض القضايا المبكرة للمحكمة العليا الأمريكية أن الدستور يحظر بشكل مطلق تفويض السلطة التشريعية من الكونغرس إلى الفرع التنفيذي. ومع ذلك، لم يكن هذا يعني أن الكونغرس لا يمكنه منح السلطة التقديرية للفرع التنفيذي، بل كان يشترط فقط أن تكون السلطة المفوضة ذات طبيعة تنفيذية وليست تشريعية.[9]

هذا المبدأ لم يتغير بمرور الوقت. ما تغير هو التحليل الذي تطبقه المحكمة العليا الأمريكية لتحديد ما إذا كانت طبيعة أو نطاق السلطة المفوضة مسموحًا بها أم لا.

في القضايا الأولى، وبعد تأكيد القاعدة التي تنص على أن الدستور يحظر التفويضات، أيدت المحكمة التفويضات استنادًا إلى أن الكونغرس اتخذ القرارات التشريعية، وأن الفرع التنفيذي كان يقتصر على استكمال التفاصيل أو العمل بموجب تعليمات الكونغرس عندما يتم التحقق من وجود حقائق معينة. وفقًا لهذا التحليل، فإن السلطة التقديرية التي يمارسها المسؤولون التنفيذيون لم تكن تشريعية، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من تنفيذ القوانين.[10]

فالكونغرس لا يقوم بتفويض السلطة التشريعية لمجرد تمكين المسؤولين التنفيذيين من ممارسة السلطة التقديرية في إنفاذ القانون. طالما أن الفرع التنفيذي يقتصر على استكمال التفاصيل ضمن برنامج تم إنشاؤه من قبل الكونغرس، أي أن الإجراءات التنفيذية لم تتجاوز إلى المجال التشريعي الحصري للكونغرس.[11]

هناك أمثلة بارزة عدة على قضايا أيدت فيها المحكمة التفويضات الممنوحة للفرع التنفيذي على أساس أن الكونغرس اتخذ القرار التشريعي وفوض السلطة التنفيذية للرئيس أو لجهة تنفيذية أخرى. ففي قضية أمام المحكمة العليا عام 1813 أيدت المحكمة تفويض الكونغرس للرئيس سلطة رفع الحظر التجاري عن أوربا إذا وجد أن الأطراف المشمولة بالحظر قد توقفت عن انتهاك التجارة المحايدة للولايات المتحدة.[12]

وقد هوجم القانون بحجة أنه يمثل تفويضًا غير دستوري للسلطة التشريعية لأن فعاليته تعتمد على إعلان يصدره الرئيس. وردت المحكمة على هذا الادعاء، بشكل غامض إلى حد ما، بالقول: «لا نرى سببًا كافيًا يمنع الهيئة التشريعية من ممارسة سلطتها التقديرية في إحياء قانون 1 مارس 1809، سواء صراحةً أو بشروط، وفقًا لما تراه مناسبًا.[13]

وفي القضايا المبكرة الأخرى اتبعت المحكمة العليا هذا النمط في تحديد الحد الفاصل بين التشريع وتنفيذ القانون، بناءً على فكرة أن السلطة التقديرية في التنفيذ كانت مقبولة عندما يضع الكونغرس معايير برنامج ما، بينما تقوم جهة حكومية أخرى باستكمال التفاصيل. فمثلا في قضية ( وايمان ضد ساوثارد عام 1825) ذهبت المحكمة الى أنه لم يتم التحديد بدقة للخط الذي يفصل بين الموضوعات المهمة التي يجب أن تنظم بالكامل من قبل الهيئة التشريعية نفسها، وبين الموضوعات ذات الأهمية الأقل، التي يمكن أن توضع لها أحكام عامة، وتُمنح السلطة لأولئك الذين ينفذون هذه الأحكام العامة لاستكمال التفاصيل.[14]

وفي أوائل القرن العشرين، ظل المبدأ الأساسي في عدم تفويض الاختصاص التشريعي كما هو فقد أيدت المحكمة، على سبيل المثال، في قضية ( فايلد ضد كلارك عام 1892) تفويض السلطة للرئيس لفرض تعريفات جمركية عندما يجد ضرورة لذلك بسبب المعاملة غير المتكافئة من دولة أخرى. [15] وفي قضية ( الولايات المتحدة ضد كريماود عام 1911) رفضت المحكمة طعن أحد المزارعين على غرامة فرضت عليه لانتهاكه لائحة تقيد الرعي، والتي وضعها وزير الزراعة بموجب سلطة تفويض واسعة لحماية الغابات الوطنية من الحرائق والتعديات.[16]

في جميع هذه القضايا وفي غيرها، قضت المحكمة خلال تلك الفترة بأن التفويض كان مقبولًا لأن السلطة المفوضة كانت تقتصر على استكمال التفاصيل.

في ثلاثينيات القرن العشرين اطلق الرئيس فرانكلين روزفلت سلسلة من البرامج والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة الكساد الكبير وقد سميت هذه البرامج والإصلاحات بالصفقة الجديدة وكان الهدف الأساسي لهذه السياسات هو انعاش الاقتصاد الأمريكي وتوفير فرص العمل وتخفيف معاناة المواطنين. وتعرض برنامج الصفقة الجديدة الى انتقادات من المحافظين الذين رأوا أنه يزيد من تدخل الحكومة في السوق الحرة . وأثناء تنفيذ برنامج الصفقة الجديدة، واجه الرئيس فرانكلين د. روزفلت تحديات كبيرة من المحكمة العليا الأمريكية، التي اعتبرت بعض برامج وإصلاحات الصفقة الجديدة غير دستورية.[17]

فقد قوبلت تشريعات الصفقة الجديدة بتشكك كبير من قبل المحكمة العليا، وكان مبدأ عدم التفويض أحد الأدوات التي استخدمتها المحكمة ضد ما اعتبرته تدخلاً مفرطًا للحكومة في الشؤون الاقتصادية الخاصة. واستندت المحكمة لأول مرة الى مبدأ عدم التفويض في الغاء قوانين فيدرالية. ففي الثلاثينيات، أبطلت المحكمة العليا بعض البنود القانونية الفيدرالية باعتبارها تنتهك مبدأ عدم التفويض.

أول قانون تم اعتباره مخالفًا لمبدأ عدم التفويض كان بندًا في قانون التعافي الصناعي الوطني الذي منح الرئيس سلطات واسعة لتنظيم الاقتصاد خلال فترة الكساد الكبير. فأحد أحكام هذا القانون منح الرئيس سلطة استبعاد المنتجات البترولية من التجارة بين الولايات إذا تم إنتاجها أو تسويقها بما يخالف القيود التي تفرضها الولايات.

وقد تم اعلان هذا الرفض من قبل المحكمة في قضية ( شركة مصافي بنما ضد ريان عام 1935) وتم إعلان هذا الحكم غير دستوري لأنه لم يتضمن أي معايير توجه قرار الرئيس بشأن ما إذا كان ينبغي استخدام سلطاته في حالة معينة.. وقد ذكرت المحكمة بأن الكونغرس لم يحدد أي سياسة، ولم يضع أي معيار، ولم يرسم أي قاعدة ولم يوجد أي شرط أو تعريف للظروف والأحوال التي يُسمح فيها بالنقل أو يُحظرذلك النقل. ورفضت المحكمة الدفاع عن القانون استنادًا إلى ضرورته، مؤكدة أن الضرورة لا يمكن السماح لها بتغيير البنية الدستورية.

وكانت المحكمة حريصة على التمييز بين قانون التعافي الصناعي الوطني وغيره من القوانين التي تفوض السلطة إلى الفرع التنفيذي على أساسين مرتبطين:[18]

الأساس الأول هو أساس موضوعي ويتلخص في أن التفويضات تعتبر دستورية عندما يضع الكونغرس معايير جوهرية، وتقوم الوكالات بوضع «قواعد فرعية... ضمن إطار السياسة التي حددها المشرع بشكل كاف وذلك ما يسمى بمعيار (التحديد الكافي) ويعني هذا المعيار بأن المشرع يجب أن يضع أسسا واضحة لتوجيه الجهة التي منحها التفويض.

الأساس الثاني كان إجرائيًا. فقد بينت المحكمة في القضايا التي فصلت فيها، بأنها كانت تصر على أن يكون اتخاذ القرار في الوكالات مقيدًا جوهريًا، وأن يحدد الكونغرس مسارًا معينًا للإجراءات التي يجب على الوكالة التي منحت التفويض اتباعها عند وضع معايير ملزمة فقد اشارت مبررات المحكمة إلى أن مشاكل مبدا عدم التفويض تتفاقم عندما يؤدي غياب القيود الإجرائية إلى إثارة مخاوف تتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة.

ويعتبر هذا القرار والقرارات الأخرى التي اتخذتها المحكمة في فترة برنامج الصفقة الجديدة، مجتمعة، ذروة تاريخ مبدأ عدم التفويض. فحتى ذلك الحين، لم تعلن المحكمة العليا عن دستورية أي قانون اتحادي استنادًا إلى مبدأ عدم التفويض، ولم يحدث ذلك قبل ذلك ولا بعده، رغم العديد من الفرص التي اتيحت أمام المحكمة.

فقد كانت فترة الصفقة الجديدة فترة توسع هائل في التنظيم الفيدرالي للاقتصاد. وتُظهر الآراء في هذه القضايا العداء تجاه ما اعتبره غالبية القضاة تدخلًا في حقوق الملكية الخاصة وحقوق العقود، وكذلك التوسع في السلطة الفيدرالية في مجالات كانت تُنظم سابقًا فقط من قبل الولايات. لذلك، قد يكون التوسع المؤقت في مبدأ عدم التفويض قد نشأ بشكل أكبر بسبب القلق العام بشأن التنظيم الحكومي المفرط وتوسع السلطة الفيدرالية أكثر من كونه نابعًا من القيم التي يستند إليها مبدأ عدم التفويض.[19]

سرعان ما أعادت الرياح السياسية المتغيرة والتغيرات في تكوين المحكمة العليا القانون إلى مبدأ عدم التفويض التقليدي المتساهل. في أول قضية بعد فترة الصفقة الجديدة، أيدت المحكمة تفويضًا واسعًا نسبيًا للسلطة التقديرية لوكالة إدارية واستخدمت مبررات تتلخص في أن للسلطة التنفيذية أن تملأ التفاصيل الواردة في القوانين التي يضعها الكونغرس . وقد جاء ذلك في قضية ( ياكوز ضد الولايات المتحدة).[20] وذهبت المحكمة في هذه القضية وفي غيرها من القضايا اللاحقة الى أن أساسيات الوظيفة التشريعية تتمثل في تحديد السياسة التشريعية وصياغتها وإصدارها كقاعدة سلوك محددة وملزمة ويتم الحفاظ على هذه الأساسيات عندما يحدد الكونغرس الشروط الأساسية المتعلقة بالوقائع، والتي يتم تحديد وجودها أو حدوثها من خلال بيانات ذات صلة بواسطة وكالة إدارية معينة، ويوجه الكونغرس بأن يصبح أمره التشريعي نافذًا بناءً على ذلك. أي أن الوكالات الإدارية يمكن ان تصيغ سياسات إدارية فرعية ضمن الاطار القانوني المقرر. وبذلك فإن ممارسة الوكالات التنفيذية لبعض من السلطة التقديرية عند تنفيذ البرامج التي يضعها الكونغرس لا تعد متعارضة مع مبدأ عدم التفويض.[21]

وقد كان اتجاه المحكمة في كل القضايا التي تنظر بخصوص مبدأ عدم التفويض هو الموافقة على التفويض بمجرد وجود توجيه كافي . أي ان المحكمة تعمل وفق معيار التحديد الذاتي . ومن ثم فان المحكمة توافق على ممارسة الوكالات التنفيذية سلطة تقديرية وهي بصدد تنفيذ قوانين الكونغرس.

وأصبحت المحكمة متساهلة بخصوص مبدأ عدم التفويض لعدة أسباب منها:[22]

 صعوبة تحديد مبدأ دقيق: قد تجد المحكمة أنه من المستحيل بناء مبدأ دقيق بما فيه الكفاية لتطبيقه، كما أشار القاضي سكاليا. وقد أدى ذلك إلى ترك المحكمة تنفيذ هذا المبدأ إلى تقدير الكونغرس بشكل كبير، بدلاً من تطبيقه بشكل صارم.

 عدم وجود خطر من الاستحواذ على السلطة : فعلى عكس قضايا الفصل بين السلطات الأخرى، لا ينطوي مبدأ عدم التفويض على قيام فرع من الحكومة بالاستيلاء على السلطة من فرع آخر. يتيح الكونغرس طواعية للفرع التنفيذي حرية التصرف ولديه القدرة على سحب هذا التفويض في أي وقت، مما يقلل من احتمال التجاوز.

 تعقيد الحوكمة الحديثة : بالنظر إلى التعقيد المتزايد في الحوكمة المعاصرة، قد تكون المحكمة قد خلصت إلى أن التفويض ضروري للقيام بوظائف الحكومة بشكل فعال. بدون منح وكالات تنفيذية السلطة الكبيرة اللازمة لتنفيذ القوانين، قد تواجه الحكومة صعوبة في معالجة التحديات الحالية.

 الضمانات البديلة: قد تعتقد المحكمة أيضًا أن وجود ضمانات قانونية وسياسية بديلة يمكن أن يخفف من المخاطر المرتبطة بالتفويض. على سبيل المثال، جادل القاضي براير بأن التفويض إلى الرئيس قد يقلل من مخاوف عدم التفويض بما أن الرئيس هو شخصية مرئية وقابلة للمسائلة سياسيًا. إن مسؤولية الرئيس أمام الجمهور والكونغرس تعمل كآلية رقابة على السلطة التنفيذية.

المبحث الثاني

أهم القضايا التي تضمنت مبدأ عدم التفويض

أمام المحكمة العليا الأمريكية

سبق وأن بينا بأن المحكمة العليا لم تكن متشددة في تفويض الاختصاص الا في الفترة التي عاصرت برنامج الصفقة الجديدة الذي طرحه الرئيس روزفلت. فالمحكمة العليا لم يسبق لها أن الغت قوانين قبل هذا البرنامج لمعارضتها مبدأ عدم التفويض، كما أن المحكمة متساهلة أيضا في الوقت الحالي بخصوص هذا المبدأ. وسنتناول أهم القضايا التي طرح فيها مبدأ عدم التفويض في مطلبين. المطلب الأول سيكون للقضايا التي قضت فيها المحكمة بدستورية القوانين والمطلب الثاني للقضايا التي قضت فيها المحكمة بعدم الدستورية استنادا الى مبدأ عدم التفويض.

المطلب الأول: الحالات التي قضت فيها المحكمة بدستورية القوانين

نتناول في هذا المطلب أربع حالات طعن فيها ببعض القوانين لمخالفتها مبدأ عدم التفويض، غير أن المحكمة قضت بدستورية تلك القوانين استنادا الى أن السلطة التنفيذية لم يكن لها دور تشريعي وانما كان دورها يقتصر على ملئ التفاصيل للقوانين التي وضعها الكونغرس.

قضية شركة هامبتون ضد الولايات المتحدة[23]

وتتلخص وقائع هذه القضية في أن شركة جيه. دبليو. هامبتون، جونيور وشركاه قامت باستيراد بعض البضائع إلى ميناء في نيويورك وتم فرض معدل جمركي أعلى مما هو محدد بموجب القانون. فقد قام جامع الجمارك في الميناء بفرض الزيادة استنادًا إلى نص إعلان صادر عن الرئيس الأمريكي. وكان أساس التعريفة قانونًا صادرًا عن الكونغرس ينشئ لجنة التعريفة الجمركية تحت السلطة التنفيذية للحكومة. وقد منح القانون الرئيس الأمريكي سلطة تحديد وتغيير الرسوم على الواردات بعد إجراء تحقيق من قبل اللجنة وتقديم إشعار لجميع الأطراف المعنية لتقديم الأدلة. وكان ذلك يعرف ببند التعريفة المرنة. علما أن قانون الكونغرس قد نص على أن الزيادة أو النقصان في الرسوم الجمركية لا يجوز أن تتجاوز 50% من المعدل الذي حدده الكونغرس. وادعت شركة هامبتون أن القانون يمنح الرئيس سلطة التشريع وبالتالي يعد غير دستوري.

وكان السؤال المطروح أمام المحكمة هو هل يسمح القانون الذي يمنح الرئيس صلاحية تعديل التعريفات الجمركية المحددة بتفويض غير صحيح للسلطة التشريعية؟

وقد قضت المحكمة بأن القانون لا يعد تفويضا تشريعيا. فقد رأت المحكمة أن التمييز الحقيقي يكمن بين تفويض السلطة لوضع القانون، والذي يتضمن بالضرورة حرية تقدير لما يجب أن يكون عليه، ومنح سلطة أو حرية تقدير لتنفيذه، بحيث تُمارس وفقًا للقانون وبموجب أحكامه. وهنا لا يمكن القيام بالأول، أما الثاني، كما هو الحال هنا، فهو صالح ولا يمنح تفويضا تشريعيا.

وأشارت المحكمة إلى المنطق المستخدم في (قضية فيلد ضد كلارك عام 1892) لدعم النقطة التي تفيد بأن الكونغرس لم يفوض سلطات تشريعية للرئيس، لأنه لم يُترك للرئيس أي شيء يتعلق بمضمون القانون ليحدده. وقد تمت ممارسة السلطة التشريعية عندما أصدر الكونغرس قانونًا أنشأ بموجبه لجنة التعريفة كجزء من الفرع التنفيذي، ووضع سلطة تنفيذ القانون في يد الرئيس، ووضع الكونغرس القواعد العامة التي يجب أن يتبعها كل من اللجنة والرئيس.[24]

فما كان مطلوبًا من الرئيس القيام به كان مجرد تنفيذ لقانون الكونغرس. ولم يكن ذلك وضعًا للقانون. بل كان الرئيس مجرد وكيل للجهة التشريعية لتحديد وإعلان الحدث الذي ستُنفذ إرادتها المعبر عنها بناءً عليه.

قضية الولايات المتحدة ضد شركة كورتيس - رايت للتصدير[25]

تتلخص وقاع هذه القضية بأن شركة كورتيس-رايت للتصدير قامت ببيع أسلحة إلى بوليفيا، وهي دولة كانت تشارك في نزاع مسلح في منطقة تشاكو بأمريكا الجنوبية. وُجهت إلى الشركة تهمة انتهاك القرار المشترك للكونغرس الذي يمنح الرئيس سلطة حظر بيع أي مواد حربية إلى الدول المشاركة في نزاعات مسلحة إذا كان هذا الحظر سيعزز السلام بين الأطراف المتحاربة. ثم أصدر الرئيس الأمريكي إعلانًا بموجب هذا القرار، وجعل انتهاكه يعاقب عليه كجريمة.

وكان السؤال المطروح أمام المحكمة هو هل يُعتبر هذا القرار المشترك للكونغرس تفويضًا غير قانوني للسلطة التشريعية إلى الرئيس؟

وقد أجابت المحكمة بأن هذا القرار لا يعد تفويضا تشريعيا غير قانوني، وذهبت في حيثيات حكمها إلى التفريق بين دور الرئيس الداخلي ودوره في ممارسة السياسة الخارجية ذاهبة الى أن من المهم أن نتذكر أننا نتعامل هنا ليس فقط مع سلطة ممنوحة للرئيس بموجب ممارسة للسلطة التشريعية؛ بل مع هذه السلطة بالإضافة إلى القوة الحساسة والشاملة والحصرية التي يتمتع بها الرئيس كونه العضو الوحيد في الحكومة الفيدرالية المسؤول عن العلاقات الدولية وهي سلطة لا تتطلب كأساس لممارستها قانونًا صادرًا عن الكونغرس، ولكنها بالطبع، مثل أي سلطة حكومية أخرى، يجب أن تُمارس في إطار الأحكام الدستورية ذات الصلة. ومن الواضح تمامًا أنه إذا كان من الضروري، في سياق الحفاظ على علاقاتنا الدولية، تجنب الإحراج الذي قد يكون خطيرًا في بعض الأحيان، وتحقيق النجاح في أهدافنا، فإن التشريعات الصادرة عن الكونغرس التي تُنفذ من خلال التفاوض والمتابعة في المجال الدولي يجب أن تمنح الرئيس درجة من الحرية والتقدير بعيدة عن القيود القانونية على نحو يختلف عما إذا كانت الشؤون الداخلية وحدها هي المعنية.[26]

فالكثير من قوانين الولايات المتحدة تحتوي على نص أو أكثر أو قرارات مشتركة من الكونغرس تخول الرئيس اتخاذ إجراءات تتعلق بموضوعات تؤثر على العلاقات الخارجية، إما بترك ممارسة السلطة لتقديره غير المقيّد، أو بتوفير معيار أكثر عمومية بكثير مما كان يُعتبر دائمًا ضروريًا فيما يتعلق بالشؤون الداخلية.

إن ممارسة تشريعية مثل التي أمامنا هنا، والتي لا تقتصر على حالات متفرقة، بل تتميز بتواتر مستمر على مدى قرن ونصف من الزمن، تسير بعيدًا في إثبات وجود أساس لا يمكن دحضه لدستورية هذه الممارسة، يمكن العثور عليه في أصل هذه السلطة وتاريخها، أو في طبيعتها، أو في كليهما معًا.[27]

قضية ياكوس ضد الولايات المتحدة [28]

جاء في وقائع هذه القضية بأنه تم محاكمة المدعي وإدانته بتهمة بيع قطع لحم البقر بالجملة بأسعار تجاوزت الأسعار القصوى التي حددتها لوائح الأسعار الصادرة عن المسؤول الفيدرالي عن تنظيم الأسعار، وذلك بموجب سلطة قانون التحكم الطارئ في الأسعار الصادر في 30 يناير 1942، والمعدل بموجب قانون مكافحة التضخم الصادر في 2 أكتوبر 1942.

وقد ذهبت المحكمة الى أن القانون المذكور لا يتضمن تفويضًا غير دستوري لمدير الأسعار بسلطة الكونغرس التشريعية للتحكم في الأسعار.

وجاء في حيثيات حكم المحكمة بأن جوانب الوظيفة التشريعية الأساسية تشمل تحديد السياسة التشريعية وصياغتها وإعلانها كقاعدة محددة وملزمة للسلوك—وهنا القاعدة، مع عقوبات جزائية، تنص على أن الأسعار لا يجوز أن تتجاوز تلك المحددة في لوائح الأسعار القصوى التي تتماشى مع المعايير وتسعى لتعزيز السياسة التي وضعها الكونغرس. ويتم الحفاظ على هذه الجوانب عندما يحدد الكونغرس الشروط الأساسية للوقائع التي يتم التحقق من وجودها أو حدوثها بناءً على بيانات ذات صلة من قِبَل هيئة إدارية معينة، ويوجه بأن يكون أمره القانوني نافذًا بناءً على ذلك.[29]

وأضافت المحكمة بأن ليس هناك اعتراض على أن تحديد الوقائع والاستنتاجات المستخلصة منها في ضوء المعايير القانونية وإعلان السياسة يتطلب ممارسة الحكم، وصياغة سياسة إدارية فرعية ضمن الإطار القانوني المحدد.

ان المعايير المنصوص عليها في القانون الحالي، مع الاستعانة بـ»بيان الاعتبارات» المطلوب تقديمه من قِبَل المدير، دقيقة وواضحة بما يكفي لتمكين الكونغرس والمحاكم والجمهور من التحقق مما إذا كان المدير، عند تحديد الأسعار المحددة، قد التزم بتلك المعايير. ولذلك، لا نجد في هذه المعايير تفويضًا غير مصرح به للسلطة التشريعية.[30]

قضية ميستريتا ضد الولايات المتحدة[31]

تتلخص وقائع هذه القضية في أن قانون إصلاح الأحكام لعام 1984 أنشأ لجنة للأحكام تتألف من سبعة أعضاء يعينهم الرئيس، من بينهم ثلاثة قضاة فيدراليين. بعد توجيه تهمة بيع الكوكايين إلى السيد ميستريتا، طعن في اللجنة باعتبارها انتهاكًا لمبدأ فصل السلطات وتفويضًا مفرطًا للسلطات التشريعية. رفضت محكمة مقاطعة أمريكية في ولاية ميزوري هذا الطعن، واستأنف الطرفان القضية أمام المحكمة العليا الأمريكية قبل أن تصدر محكمة الاستئناف للدائرة الثامنة حكمها.

وقد قضت المحكمة العليا بأن القانون الذي أنشأ لجنة الأحكام لم يفوض سلطة تشريعية غير مقبولة وبأن انشاء لجنة الاحكام لا يعد انتهاكاً لمبدأ الفصل بين السلطات.

وقد جاء في حيثيات حكم المحكمة بأن لجنة الأحكام قد تم انشاؤها بعد الإعراب عن مخاوف بشأن التفاوت الكبير في الأحكام وعدم اليقين الذي يسببه هذا التفاوت. وقد صُممت اللجنة لوضع مثل هذه الإرشادات. وان مبدأ عدم التفويض لم يوضع لمنع الكونغرس من «الاستعانة بفروعه التنسيقية». فهذا المبدأ لا يحظر جميع أنواع التفويض، بل يشترط ببساطة أن يوفر المشرّع «مبدأً واضحًا يتضمن تحديدا كافيا يجب على الشخص أو الهيئة المخولة بممارسة السلطة المفوضة الالتزام به.[32]

وفيما يتعلق بفصل السلطات، فإن الدستور لا يفرض فصلًا تامًا بين السلطات، ولكن هذا المبدأ صُمم لمنع التراكم المفرط للسلطة داخل فرع واحد. ولذلك فان المخاوف المتعلقة بلجنة الأحكام تُعتبر مجرد ضجة أكثر مما هي قضية جوهرية. [33]

المطلب الثاني: الحالات التي قضت فيها المحكمة بعدم دستورية القوانين

سبق وأن بينا بأن المحكمة كانت متشددة بخصوص مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي في حقبة برنامج الإصلاح الذي أطلقه الرئيس روزفلت في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين. وسنتطرق هنا الى أهم حكمين قضت فيهما المحكمة العليا الامريكية بعدم دستورية القوانين استنادا الى مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي.

قضية شركة مصافي بنما ضد ريان [34]

تتلخص وقائع هذه القضية في أن المادة 9 (ج) من قانون التعافي الصناعي الوطني (NIRA) تنص على منح الرئيس الأمريكي سلطة منع نقل النفط عبر التجارة بين الولايات إذا تم إنتاجه أو سحبه من التخزين بطريقة تخالف قوانين الولاية.

رفعت شركة مصافي بنما ، بصفتها مالكة لمصفاة نفط في ولاية تكساس، دعوى قضائية لمنع المسؤولين الفيدراليين من تنفيذ لوائح صادرة عن وزارة الداخلية بناءً على قانون التعافي الصناعي الوطني. و استندت الشركة في دعواها إلى أن المادة 9 (ج) من القانون غير دستورية فالشركة زعمت أن هذه المادة تخالف مبدأ عدم التفويض إذ إنها منحت الرئيس سلطة واسعة دون توجيه أو معايير واضحة لضمان تطبيق القانون بما يتماشى مع الدستور.[35]

وقد قررت المحكمة بأن المادة 9 (ج) من قانون التعافي الصناعي الوطني تعد تفويضًا غير دستوري للسلطة التشريعية إلى الرئيس.

وقد بررت المحكمة قرارها بأن القانون لم يحتوي على أي تعريف للظروف أو الشروط التي يجب أن يتم بموجبها السماح بالنقل أو منعه. بعبارة أخرى، كانت سلطة الرئيس تقديرية بالكامل. فلم يكن عمل الرئيس هنا يقتصر على ملء التفاصيل الخاصة بسياسة تشريعية، حيث لم يتم وضع أي سياسة تشريعية لتوجيهه أو تقييده. في حين يمكن تفويض سلطات تنظيمية إدارية واسعة للرئيس، يجب أن تكون أي سياسة تشريعية محددة بما يكفي لمنع ممارسته لسلطة تقديرية بحتة. أما المادة 9 (ج) من قانون التعافي الصناعي الوطني فتفوض فعليًا سلطة التشريع للرئيس، وبالتالي فهي غير دستورية وباطلة.[36]

وتعرف هذه القضية باسم «قضية النفط الساخن” (Hot Oil Case) نسبة إلى النفط الذي تم إنتاجه أو سحبه من التخزين في انتهاك لقانون الولاية. وكانت هذه أول قانون من قوانين الصفقة الجديدة يُعلن بطلانه باعتباره تفويضًا غير دستوري للسلطة. وكانت القاعدة المعروفة بأن (السلطة المفوضة لا يمكن تفويضها مرة أخرى) هي الأساس لهذا القرار.[37]

قضية شركة سكيجتر للدواجن ضد الولايات المتحدة [38]

كانت شركة سكيجتر للدواجن تعمل في مجال تجارة الدواجن في مدينة نيويورك. في إطار تطبيق قانون التعافي الصناعي الوطني (NIRA) الذي تم سنه في فترة الكساد الكبير، تم إنشاء ما يسمى بـ “كود الدواجن الحية” أو “Live Poultry Code”، وهو مجموعة من القواعد واللوائح التي تم وضعها لتنظيم صناعة الدواجن في الولايات المتحدة، وتحسين ظروف العمل، وضبط المنافسة في هذه الصناعة.

تم إصدار هذا الكود بموجب أمر تنفيذي من الرئيس في إطار تطبيق قانون NIRA، وكان يهدف إلى تنظيم عدد من الجوانب في صناعة الدواجن مثل:[39]

الحد من المنافسة غير العادلة: كان الكود يهدف إلى تحديد أسعار الحد الأدنى والأقصى لبيع الدواجن، بالإضافة إلى تحديد سلوكيات تجارية معينة لمنع الاحتكار والممارسات التي تضر بالاقتصاد.

ظروف العمل: كان الكود يتضمن أيضًا شروطًا تتعلق بالأجور الدنيا وساعات العمل القصوى، بهدف تحسين شروط العمل للعمال في صناعة الدواجن.

ممارسات صحية: فرض الكود معايير صحية وإجراءات لضمان سلامة الدواجن أثناء النقل والبيع.

رفضت شركة سكيجتر للدواجن الامتثال لكود الدواجن الحية، وزُعم أنها انتهكت العديد من القواعد المنصوص عليها في الكود. تم اتهام الشركة بانتهاك مجموعة من القواعد المتعلقة بالأجور وساعات العمل، بالإضافة إلى قوانين أخرى تتعلق بالممارسات التجارية.[40]

تمت محاكمة الشركة في محكمة المقاطعة الأمريكية للمنطقة الشرقية من نيويورك، حيث تمت إدانتها في ستة عشر تهمة متعلقة بانتهاك كود الدواجن. ومع ذلك، تم إلغاء الإدانة في تهمتين تتعلقان بالحد الأدنى للأجور وساعات العمل، حيث اعتبرت محكمة الاستئناف أن هذه القضايا تقع خارج نطاق سلطة الكونغرس وفقًا لقانون التعافي الصناعي.[41]

ثم قررت الشركة الطعن في الحكم أمام المحكمة العليا الأمريكية، متسائلة عما إذا كان قانون التعافي الصناعي وكود الدواجن الحية يتفقان مع الدستور الأمريكي، وتحديدًا فيما يتعلق بتفويض السلطة التنفيذية في وضع مثل هذه القوانين دون إشراف مباشر من الكونغرس.

كما تم تحديده في إطار قانون التعافي الصناعي الوطني، كان الكود عبارة عن مجموعة من القواعد والمعايير التي تم وضعها لتنظيم صناعة الدواجن في الولايات المتحدة. الكود كان جزءًا من نظام أكبر من الأكواد التي كانت تهدف إلى تنظيم الصناعات المختلفة، مع مراعاة تحسين ظروف العمل، وضبط السوق وحماية المنافسة العادلة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل أزمة الكساد الكبير.

كان من المفترض أن يكون لكل صناعة “كود» خاص بها، وإذا لم تقم صناعة ما بوضع كود خاص بها، كان يُمنح الرئيس السلطة لتحديد هذا الكود بشكل مباشر. في هذه القضية، كانت شركة سكيجتر للدواجن قد تجاهلت الامتثال لهذه القواعد، مما أدى إلى رفع القضية للمحكمة العليا.

وقد قررت المحكمة العليا الامريكية في هذه القضية بأن القانون يعد تفويضا غير قانوني للسلطات التشريعية. كما قررت بأن الدواجن في هذه القضية لا تعتبر ضمن نطاق سلطة التجارة بين الولايات التي هي من اختصاص السلطات الاتحادية.[42]

وذهبت المحكمة في حيثيات حكمها الى أن القانون لم يحدد أي معيار أو قواعد للسلوك يجب اتباعها. وكان بيانًا واسعًا جدًا، مما ترك للرئيس مساحة كبيرة من التقدير. فقد ترك القانون المجال السياسي تقريبًا دون تغيير. وفي حال وافق الرئيس على كود معين، كان بإمكانه فرض شروطه الخاصة. أي أن ذلك كان تفويضًا غير دستوري للسلطة التشريعية. فالدستور ينص على أن «جميع السلطات التشريعية الممنوحة هنا يجب أن تكون مُنقولة إلى كونغرس الولايات المتحدة، الذي يتكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب»، ويُخول الكونغرس «بإصدار جميع القوانين التي تكون ضرورية ومناسبة لتنفيذ» سلطاته العامة. وذلك لا يسمح للكونغرس بالتخلي عن وظائفه التشريعية الأساسية أو نقلها إلى الآخرين.[43]

وبخصوص عدم وقوع الدواجن في نطاق التجارة بين الولايات ذهبت المحكمة الى أنه على الرغم من أن الدواجن كانت تأتي من ولايات مختلفة، إلا أنه عندما وصلت إلى نيويورك بقيت هناك وتمت معالجتها. كان بإمكان الكونغرس تنظيمها حتى وصلت إلى نيويورك؛ وبعد ذلك أصبحت تجارة داخلية ولا يمكن للكونغرس التحكم فيها.

الخاتمة

وجدنا من خلال البحث بأن مبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي يعد مبدأً مهماً أساسه الحفاظ على الفصل بين السلطات. وذلك لأن الدستور في الدول الديموقراطية ومنها الولايات المتحدة جعل من الهيأة التشريعية المنتخبة هي المختصة بوضع التشريعات. غير أن تعقد واتساع دور السلطة التنفيذية جعل من المستحيل تطبيق ما تضعه السلطة التشريعية على نحو مباشر دون ان تضع لوائح وقرارات تنظيمية تملأ التفاصيل التي تتركها السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية. ومن خلال تتبع قرارات المحكمة العليا الامريكية وجدنا ان المحكمة في بواكير اعمالها كانت تتحفظ في تفسير هذا المبدأ على النحو الذي يسمح للسلطة التنفيذية بممارسة سلطة تقديرية واسعة في وضع تشريعات فرعية. غير أن هذا المسار للمحكمة العليا قد تغير في فترة الكساد الكبير في منتصف القرن العشرين بالتزامن مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه الرئيس روزفلت. حيث نجد في هذه الفترة بأن المحكمة قد الغلت بعض القوانين استنادا الى مبدأ عدم التفويض. وفي الوقت الحاضر نجد ان المحكمة العليا تلجأ الى التطبيق المتساهل لمبدأ عدم تفويض الاختصاص التشريعي، حيث نجدها لا تمتنع تفويض هذا الاختصاص الى السلطة التنفيذية إذا كانت السلطة التشريعية وضعت الخطوط الأساسية ووضعت تحديدا كافيا وواضحا للسلطة التنفيذية في ممارسة هذا الاختصاص.

المراجع

انديريو زاجا، النفط الساخن والهواء الساخن – تطور مبدأ عدم التفويض خلال صفقة نيو ديل»، مجلة هاستينغ للقانون الدستوري الفصلية، المجلد 35:4، 2008.

برنارد بيل، ميت مرة أخرى: مبدأ عدم التفويض، معضلة القواعد/المعايير وحق النقرة الجزئية»، مجلة فيلانوفا للمراجعة القانونية، المجلد 44، 1999.

برينر فيسيل، عدم التفويض والقانون الجنائي»، جامعة جورج ميسون، 2019.

سينيثيا فارينا، تفكيك عدم التفويض»، مجلة هارفارد للقانون والسياسة العامة، المجلد 33، 2010

ديفيد بارون والينا كاجان، مبدأ عدم التفويض في شيفرون»، مراجعة المحكمة العليا، المجلد 2001، 2001

ديفيد شونبورد، قوة بلا مسؤولية – كيف يسيء الكونغرس استخدام التفويض ضد الشعب»، مطبعة جامعة ييل، نيو هافن ولندن، 1993.

ديفيد شونبورد، مبدأ التفويض: هل يمكن للمحكمة أن تضفي عليه مادة؟»، مجلة قانون ميشيغان، المجلد 83، 1985

ادوارد جوردن، مبدأ مفهوم دوليًا يقارن بين مبدأ عدم التفويض في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. نظرة على الفيدرالية»، المجلد 7، العدد 2، 2015.

جاك بيرمان، داخل القانون الإداري – ما الذي يهم ولماذا»، ولترز كلور، نيويورك، 2011

كينيث غولب دافيست، نهج جديد للتفويض»، مجلة قانون جامعة شيكاغو، المجلد 36، 1969

لاري ألكسندر وسايكريشنا براكا، التفويض يسيطر حقًا»، مجلة قانون فرجينيا، المجلد 93، 2007

ليزا شولز بريسمانت، شيشتر في الألفية: مبدأ التفويض للدولة الإدارية»، مجلة قانون ييل، المجلد 109، 2000

بيتر اراسون واخرون، نظرية التفويض التشريعي»، مجلة قانون كورنيل، المجلد 68، 1982.

بيتر شوك، التفويض والديمقراطية: تعليقات على ديفيد شونبورد»، مجلة قانون كاردوزو، المجلد 20، 1999

ريتشارد ابستين، تفويض الصلاحيات – تحليل تاريخي ووظيفي»، مجلة قانون تشابمان، المجلد 24-3، 2021

وليم فونك وريتشارد سيمون، القانون الإداري، الطبعة الخامسة»، ولترز كلور، 2016.

 

[1] Jack M. Beerman, Inside Administrative Law- What Matters and Why, Wolters Kluwer, New York, 2011, P 21.

[2] Ibid, p 22.

[3] David Schoenbord, Power without Responsibility- How Congress Abuses the People Through Delegation, Yale University Press, New Haven and London,1993, p 10.

[4] Ibid, p 11.

[5] Kenneth Culp Davist, A New Approach to Delegation, The University of Chicago Law Review, Volume 36, 1969, p713.

[6] Peter H. Arason and others, Theory of Legislative Delegation, Cornell Law Review, Volume 68, 1982, P6.

[7] William F. Fonk and Richard H. Seamon, Administrative Law, Fifth Edition, Wolters Kluwer, 2016, p 28.

[8] Ibid, p 29.

[9] Lisa Schultz Bressmant, Schechter Poultry at the Millennium: A Delegation Doctrine for the Administrative State, The Yale Law Journal, Volume 109. P1403.

[10] Ibid, p 1405.

[11] Edward Grodin, An Internationally Intelligible Principle Comparing the Nondelegation Doctrine in the United States and European Union. Perspective on Federalism, Volume 7, Issue 2, 2015, p60.

[12] The Brig Aurora (11 U.S. (7 Cranch) 382 (1813. Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/11/382/

[13] Ibid

[14] Wayman v. Southard, 23 U.S. (10 Wheat.) 1 (1825). Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/23/1/

[15] Field v. Clark (143 U.S. 649 (1892). Avilable at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/143/649/

[16]United States v. Grimaud (220 U.S. 506 (1911). Avilable at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/220/506/

[17] Richard A. Epistein, Delegation of Powers-A Historical and Functional Analysis, Chapman Law Review, Volume 24-3, 2021, P 663.

[18] Ibid, p 667.

[19] Ibid, p 669.

[20] Yakus v. United States, 321 U.S. 414 (1944). Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/321/414/

[21] David J. Barron and Elena Kagan, Chevrons Nondelegation Doctrine, The Supreme Court Review, Volume . 2001 (2001), p. 212

[22] Ibid, p 215.

[23] J.W. Hampton, Jr. & Co. v. United States, 276 U.S. 394; 48 S. Ct. 348; 72 L. Ed. 624 (1928). Avilable at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/276/394/

[24] Bernard W, Bell, Dead Again: The Nondelegation Doctrine, the Rules/Standards Dilemma and the Line Item Veto, Vilanova Law Review, Volume 44, P 193

[25] United States v. Curtiss-Wright Export Corp., 299 U.S. 304 (1936). Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/299/304/

[26] Cynthia A. Farina, Deconstructing Nondelegation, Harvard Journal of Law and Public Policy, Volume 33, 2010, p 93.

[27] Ibid, p 94.

[28] Yakus v. United States, 321 U.S. 414 (1944) Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/321/414/

[29] Brenner M. Fissell, Nondelegation and Criminal Law, George Mason university, 2019, p 10.

[30] Ibid, p 11

[31] Mistretta v. United States, 488 U.S. 361 (1989),available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/488/361/

[32] Peter H. Schuck, Delegation and Democracy Comments on David Schoenbrod, Cardozo Law Review, Volume 20, 1999, p 778.

[33] Ibid, p 780.

[34] Panama Refining Co. v. Ryan, 293 U.S. 388 (1935). Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/293/388/

[35] Larry Alexander and Saikrishna Prakash, Delegation Really Running Riot, Virginia Law Review, Volume 93. 2007, p 1038.

[36] Ibid, p 1039.

[37] Andrew J. Ziaja, Hot Oil and Hot Air-The Development of Nondelegation Doctrine Through the New Deal, Hasting Constitutional Law Quarterly, Volume 35:4, 2008, p 923.

[38] A. L. A. Schechter Poultry Corp. v. United States, 295 U.S. 495 (1935). Available at: https://supreme.justia.com/cases/federal/us/295/495/

[39] James O. Freedman, Delegation of Powers and Institutional Competence, The University of Chicago Law Review, Volume 43, 1976, p 309.

[40] Ibid, p 310.

[41] David Schoenbrod, The Delegation Doctrine: Could The Court Give It Substance, Michigan Law Review, Volume 83, 1985, p1225.

[42] Andrew J. Ziaja, Op. Cit., p 925.

[43] A. L. A. Schechter Poultry Corp. v. United States, 295 U.S. 495 (1935). Op. Cit.