حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
تاريخ الاستلام 13/12 تاريخ القبول 14/1
تاريخ النشر 25/4/2025
التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بوصفها محددات العدول في قرارات المحكمة الاتحادية
Political, Economic, and Social Changes as Determinants of
Change in Federal Court Decisions
د.عامر عبد رسن الموسوي
Dr. Amer Abdul Rasan Al-Mousawi
amer abdul @gamil.com
المستخلص:
يُعدُّ العدول عن الأحكام القضائية أو ما يعرف فقها (التحول عن الأحكام ) أحد الظواهر القضائية المهمة، والذي يعني: تغيير اتجاهات المحكمة القضائية وتبني حل أو مبدأ جديد متناقض مع مبدأ سابق تبنته. ولما كان من المتصور أن تتسـم بعض الأحكام الدستورية أو غيرها بالخطأ والقصـور، وبما أن الحياة في تطور وتغيير، فالسبيل الوحيد لتصحيح الأحكام الدســتورية ومواكبة التطور يكون عبر العدول في أحكام القضــاء الدســـتوري. كما أنه قد تطرأ من الأسباب السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ما يجيز للمحاكم الدستورية أو المحاكم الاتحادية العليا العدول عن تلك الأحكام والقرارات لعدم لعدم تماشي وتناغم طبيعتها مع تلك المتغيرات.
الكلمات المفتاحية: العدول، السوابق القضائية، المحكمة الاتحادية، الدستور.
Abstract
Reversing judicial rulings, or what is known in jurisprudence (reversing rulings), is considered one of the evolving judicial phenomena, which means: changing the directions of the judicial court and adopting a new solution or principle that contradicts a previous principle that it adopted. Since it is conceivable that some or other constitutional provisions will be characterized by errors and shortcomings, and since life is in continuous development, the only way to correct constitutional provisions and keep pace with development is through changing the provisions of the constitutional judiciary. Political, economic, or social reasons may also arise that allow the constitutional courts or the supreme federal courts to retract those rulings and decisions because they are not consistent, harmonious, or inherent in nature with those changes.
Keywords: withdrawal, case law, federal court, constitution.
أولاً: مقدمة
تُعدُّ المحاكم الدستورية من الضمانات الأكيدة والمهمة لأي نظام ديموقراطي، كما تُعدُّ ركيزة أساسية من ركائز دولة القانون، وضمانة مهمة تمنع انتهاك الدسـتور من قبل السلطات العامة من خلال وقوفها ضد أي اعتداء على النصوص الدستورية عن طريق إلغاء نصـوص القانونية المخالفة للدستور، وكذلك تفسـير نصـوص الدسـتور وإزالة غموضها.
وتنص غالبية دساتير العالم ولاسيّما الدستور العراقي الدائم لسنة (2005) في المـادة(94) على أن «تكون أحكـام المحكمـة الاتحـاديـة العليـا بـاتـة وملزمـة لجميع الســــلطـات العـامـة وغير قـابلـة للطعن بأي طريقة من طرق الطعن». استنادًاً إلى مبدأ السوابق القضائية وعدم تغييرها.
يُثار التساؤل هنا، عن الحل في حالة إصدار المحاكم الدستورية أو العليا أحكاماً وقرارات وتبينت بعد ذلك خطئها وعدم ملائمتها للتغيرات التي تحدث في المجتمع؟. فمن المتصور أن تتسـم بعض الأحكام دستورية أو غيرها بالخطأ والقصـور، وبما أن الحياة في تطور مستمر فالسبيل الوحيد لتصحيح الأحكام الدســتورية ومواكبة التطور يكون من خلال العدول في أحكام القضــاء الدســـتوري، إلاّ أن هذا الموضـــوع لا يمكن الأخذ به على إطلاقه فلا يمكن العدول من دون قيد أو شـــرط، فالعدول له شـــروط تتعلق بالجهة القضـــائية التي تقوم به هذا من جانب ومن جانب آخر شـــروط تتعلق بتغيير الظروف أو حدوث التطور في أحد جوانب الحياة كالسياسية والاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها.أو لغرض مواكبة الاوضاع السياسية وتغيراتها
لقد سبق للمحكمة الاتحادية العليا في العراق أن وضعت ضوابط العدول عن أحكامها بالقرار رقم (158/ اتحادي/ 2022) في 16 أغسطس 2022. واستندت هذه الضوابط إلى صياغة المادة (45) من قانون المحكمة الإاتحادية العليا رقم (1) من اللائحة الداخلية لعام 2022 والتي نصت على أنه (يجوز للمحكمة عند الضرورة ومتى اقتضت المصلحة الدستورية والعامة أن تخرج عن مبدأ سابق أقرته في أحد قراراتها على ألاّ يؤثر ذلك على استقرار الأوضاع القانونية والحقوق المكتسبة).
وحددت أهداف العدول بالآتي: تحقيق المصلحة العليا للوطن، ودعم الحقوق والحريات العامة، وحماية الأمن، وتعزيز وتقييم أداء السلطات الاتحادية، وضمان حسن سير المرافق العامة في الدولة. كما بين متطلبات مسوغات الانسحاب استجابة لتغيرات الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأخيراً، يجب أن يكون الانسحاب مستندأ إلى مبدأ قضائي سابق وألا يكون مرتبطاً بقرارات ذات طبيعة مماثلة. شخصية.
ثانياً: مشكلة البحث
تكمنُ مشكلة الدراسة في تعارض مبدأ السوابق القضائية من خلال أن أحكام المحاكم العليا ملزمة وباتة، وبين مبدأ العدول، كما تكمنُ المشكلة في كون مبدأ العدول بالنسبة للمحكمة الاتحادية العليا غير مستقر وغير واضح، مما يستتبع معه القول بإمكانية الخطأ والقصور في أحكامها المعدلة وكذلك الجور والموالاة استنادًاً إلى احتجاجها بأن أحكامها صادرة وفقاً للتغيرات الحادثة.
ثالثاً: أهمية البحث
تتبع أهمية الدراسة، من خلال التطرق لهذا المبدأ الحادث علي المحكمة الاتحادية العليا، وبيان ما به من ميزات وعيوب، فضلاً عن البحث والتدقيق في أثر المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤدية لمبدأ العدول.
رابعاً: تساؤلات البحث
يمكننا أن نلخص التساؤلات التي يدور في رحاها بحثنا، من خلال التساؤلات الآتية:
أ – ماهية مبدأ العدول؟
ب – وما هو موقف التشريع من مبدأ العدول؟
ت - ما هي التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي بالمحكمة الاتحادية العليا للعدول عن قرارتها؟
خامساً: أهداف البحث
تكمنُ أهداف البحث في الإجابة على التساؤلات السابق طرحها. والتي تتمثل فيما يأتي:
أ – التعرف على ماهية مبدأ العدول . ؟ من خلال تعريفه وعناصره وأسباب نشوئه وأهميته.
ب – بحث ودراسة وتحليل موقف التشريع من مبدأ العدول.
ت – بحث ودراسة التغيرات السياسية والإاقتصادية والاجتماعية المؤدية للعدول.
سادساً: منهج البحث
في إطار دراستنا لموضوع العدول عن السوابق الدستورية محل هذا البحث، سنتناول المنهج التأصيلي من خلال مناقشة وتقويض الحجج التي قيل بها لإنكار سلطة المحكمة في العدول عن سوابقها الدستورية من ناحية، وبيان الأسس الدستورية والقانونية والعملية لسلطة المحكمة العليا في هذا الخصوص من ناحية أخرى. نعتمد كذلك في مجال هذه الدراسة على المنهج التحليلي القائم على : تحليل أحكام وقرارات المحكمة الاتحادية العليا للوقوف على دور التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في عدول المحكمة الاتحادية العليا عن قرارتها.
سابعاً: خطة البحث
تتكون خطة البحث من مبحثين، يشتمل المبحث الأول علي مطلبين. والمبحث الثاني على ثلاثة مطالب. ويكون تقسيمها كما يأتي:
المبحث الأول: مفهوم العدول
المطلب الأول: ماهية العدول
الفرع الأول: تعريف العدول وعناصره.
الفرع الثاني: أسباب وجود مبدا العدول وأهميته.
المطلب الثاني: الموقف التشريعي من مبدأ العدول.
الفرع الأول: الاتجاه المنكر لمبدأ العدول.
الفرع الثاني: الاتجاه المؤيد لمبدأ العدول.
المبحث الثاني: المحددات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودورها في العدول
المطلب الأول: المحددات السياسية واثرها على العدول.
المطلب الثاني: المحددات الاقتصادية وأثرها على العدول.
المطلب الثالث المحددات الاجتماعية وأثرها على العدول .
المبحث الأول
مفهوم العدول
يٌعد دستور جمهورية العراق لسنة 2005م سابقاً في المادة (94) على إعطاء الحجية المطلقة للحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا، وعدم جواز إثارة المسألة التي فصلت فيها المحكمة مرة أخرى[1] إلا أنها قد عدلت عن ذلك وأقرت أخيرا بمبدأ العدول في أحكامها. كما أن المحكمة العليا لم تطبق هذا المبدأ بشكل جامد أو على النحو الذي يغلق الباب أمام عدولها عن أحكامها السابقة، بل اتسم تطبيقها لهذا المبدأ بمرونة شديدة، مكنها من العدول عن بعض سوابقها الدستورية تارة بهدف تصحيح بعض أخطاء الماضي، من أجل مواكبة المتغيرات في الظروف الواقعية تارة أخرى .[2]
ومن خلال حديثنا عن العدول، حري بنا أن نتناول أولا مفهوم هذا المبدأ في مطلبين. في المطلب الأول، ماهية العدول، وفي المطلب الثاني، أنواعه في التشريعات المقارنة.
المطلب الأول : ماهية العدول
بداية، من أجل معرفة مفهوم العدول، لا بُدَّ من أخذ نظرة سريعة عن السوابق القضائية في (الفرع الأول) ثم نتناول، تعريف العدول وعناصره في (الفرع الثاني). وفي الفرع الثالث، سنتناول، أسباب وجود مبدا العدول وأهميته.
الفرع الأول: مفهوم السوابق القضائية
تُعدُّ السوابق الدستورية أو ما يعرف بمبدأ السوابق القضائية Stare Decisis من المبادئ التي عرفتها وطبقتها نظم القانون العام Common Law systems أو النظم الأنجلو سكسونية. ويعود الأصل التاريخي لهذا المبدأ إلى نهاية القرن الخامس الميلادي، حين عرفته المحاكم البريطانية بوصفه مصدراً من مصادر القانون بجانب العرف، وذلك نظرا لندرة القواعد القانونية المكتوبة على نحو كبير في ذلك الوقت.[3] ثم ما لبث هذا المبدأ أن عرف طريقه للتطبيق في محاكم الولايات المتحدة من خلال المحاكم الموجودة في المستعمرات البريطانية بالقارة الأمريكية، حتى صار أحد أهم سمات النظام الفيدرالي القضائي في الولايات المتحدة.[4] ومصطلح Stare Decisis مصطلح لاتيني الأصل، والذي يعني ضرورة التزام المحكمة بالسوابق القضائية Legal Precedents وعدم المساس بما تم الفصل فيه.[5] والمقصود بالسوابق القضائية التي يتعين على المحاكم التقيد بها «مجموعة الأحكام القضائية التي أرست مبدأ أو قاعدة قانونية جديدة، بحيث تصبح هذه القاعدة أو هذا المبدأ أساسًا للفصل في جميع القضايا المشابهة في المستقبل»[6]، بينما السوابق الدستورية أو Constitutional Precedents فلا تعدو أن تكون أحد أنواع السوابق القضائية، ويقصد بها: «الأحكام القضائية التي أرست مبدأ أو قاعدة دستورية جديدة من خلال اتباع المناهج العلمية في التفسير الدستوري، بحيث تصبح هذه القاعدة أو هذا المبدأ أساسا للفصل في جميع القضايا المماثلة في المستقبل».[7] والسوابق الدستورية، وفقا للمعنى المتقدم، تختلف عما يسميه الفقه والقضاء بالسوابق التشريعية (Legislative Precedents ) إذ إن هذه الأخيرة، خلافاً للسوابق الدستورية، لا تتضمن أية تفاسير دستورية، وإنما تشتمل فقط على تفاسير لنصوص تشريعية [8] .
الفرع الثاني : تعريف العدول وعناصره
أولا: تعريف العدول:
العـدول لغـة: القصـد في الأمـور، خـلافاً للجـور. وعـدل الشـيء بالكسـر مثلـه مـن جنسـه. ومقـداره وعدلـه بـالفتح مـا يقـوم مقامـه ومنـه قولـه تعـالى: (أَوْ عَـدْلُ ذَلِـكَ صِـيَامًا) [9] وهـو بمعني الفدية، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ تـَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يـُؤْخَذْ مِنـْهَـا).[10] وعـدل عـن الطريـق عدولا، مال عنه وانصرف[11].
كما تستعمل كلمة عدل في اللغة ويراد بها عدم معاني، ومنها : عدل عن الشيء بمعنى: رجع عنه، وعدل إليه أي رجع إليه، ويقال: عدل عن الطريق حاد وإليه رجع[12].
«وعدل يعدل عدلاً سوى بينهما ، عدل يعدل : عدالة وعدولة ، كان عادلاً «عدل يعدل: عدلا وعدولا ، أي حاد عن الطريق ومال عنه ثم إليه رجع»[13].
وعليه فإن العدول لغة يعني: «التعديل أو التغيير أو التبديل ، فهو مأخوذ من الفعل (عَدَلَ) فيقال عدل عن الطريق عدولاً أي مال أو حاد عنه» [14]، «وعدلت الدابة إلى كذا أي عطفتها فانعدلت»[15].
1 - العدول اصطلاحا :
يعرف العدول من قبل الفقـه الفرنســـي بأنه «الحكم الـذي يفرض قاعدة جديدة مختلفة عن تلك المتبعة في قضــية ســـابقة»، كما يتم تعريفه بأنه «قاعدة أو مبدأ قضائي واضح ومحدد يحل محل تفسـير قضائي سـابق من خلال التناقض في الأسباب أو الحيثيات»[16].
أما فيما يتعلق بالفقه المصري فقد عرفه بأنه «تراجع عن مبدأ قررته المحكمة الدستورية العليا في بعض أحكامها السابقة»، ويعرفه جانب آخر بأنه « العدول عن مبدأ قانوني ســابق»[17].
أما على صــعيد الفقه الدســتوري العراقي فيعرّف العدول بأنه « التحول والتغير في المبدأ القضائي لقرار المحكمة واعتناق مبدأ جديد يناقض القرار الســابق ويتعارض معه في الحكم والمنطوق والحيثيات»[18] .
ولعل أدق التعاريف نعدها أكثر دقة في تعريف العدول، ما يعرفه بأنه: « إحلال إرادي واضــــح ومؤكد لحكم جديد محل حكم آخر في موضــــوع الدعوى نفســــها وحيثياتها الســــابقة».[19] وذلك من خلال تحديده لعناصر العدول التي نتطرق إليها لاحقاً.
2 - تعريف العدول القضائي عن السوابق الدستورية :
لم يولِ المشرّع أو القضاء أو حتى الفقه الأمريكي سوى القليل من الاهتمام لمحاولة تعريف مفهوم العدول القضائي. بل قاموا بدلا عن ذلك، في التركيز على البحث حول أسباب العدول القضائي عن السوابق الدستورية. ويرى بعض الفقهاء القانونيين أن مفهوم الخروج عن السوابق القضائية (العدول) يصعب تعريفه لأنه يرتكز على الواقع، وهذا هو السبب الرئيس وراء تردد المشرعين والسلطة القضائية في تبني تعريف واضح له[20].
وبالرجوع إلى معاجم اللغة الإنجليزية القانونية، نلحظ اشتمالها على تعريف عام يمكن إسقاطه على مبدأ العدول. حيث عرفت العدول عن السوابق أو Overruling a Precedent - كما يطلق عليه في النظام القانوني الأمريكي - بأنه « كل تغيير إرادي في أحكام القضاء، يعكس تناقضا واضحا بين حلين قضائيين، أحدهما قديم والآخر حديث، للإشكالية القانونية ذاتها ، مجردا بذلك الحل القديم من كل قيمة قانونية ملزمة»[21].
يعرف العدول القضائي في القضاء الدستوري العراقي بأنه: «استبدال معنى سابق للنص الدستوري بمعنى جديد مختلف عنه تبعا لتغير الظروف والأحداث ، بمعنى تحول القضاء الدستوري من معنى قرره في أحكام سابقة إلى معنی جدید آخر «[22] . بيد أن هذا التعريف يعتبر قد ضيق كثيرا في معنى العدول القضائي، وذلك لحصر العدول في اختصاص واحد، وهو تفسير النصوص الدستورية فقط. إذ أغفل إمكانية ممارسة القضاء الدستوري أيضا لفكرة العدول عن احكام وقرارات سابقة كان قد قررها.
ولعل غياب التعريفات القضائية أو التشريعية لفكرة العدول، تعتبر السمة العامة في غالبية النظم القانونية المقارنة[23].
ثانيا: عناصر العدول
هناك عناصر عديدة لا بُدَّ من توافرها في مبدأ العدول، نجملها في الآتي:
وضوح العدول وتأكيده: ويشترط لتحقيق هذا العنصــر، أن يكون هناك تعارض أو تناقض واضح بين الحكمين القضائيين (السابق واللاحق)، وأن يكون الحكم القضائي السابق واضـحا ومفسرا لإجراء العدول، فإذا ما كان المبدأ السـابق غامضـا أو غير واضـح، فإنه من الصعوبة بالإمكان أن نستشف العدول، فلا يٌعد عدولا، وأن مجرد تطوير القاضــي الدســـتوري لقضـــائه الســابق دون المســـاس بالمبدأ، علي سبيل المثال، فلا يٌعد عدولا، مجرد تعديل القاضـي الدسـتوري أسـباب الحكم القضائي أو حيثياته.[24]
أن يكون العدول صادراً عن إرادة وليس مفروضا: يجب أن يصدر العدول من خلال إرادة قضائية، أي بسـبب إرادة القاضـي وليس خارجا عن إرادته وليس مفروضا عليه، فلا يُعدُّ عدولا، إذا كان سبب العدول هو تعديل الدستور أو ضغط من قبل الأفراد أصحاب النفوذ أو بعض الأحزاب والجماعات، لكونه يفقد عنصر الإرادة لدى القاضي[25].
أن يكون العدول كليا وليس جزئيا: لا بُدَّ أن يكون العدول كليا أو تاما، حيث لا يقتصر المبدأ القانوني الذي أقره القاضي الدسـتوري على التغيير في حيثيات الحكم أو أسبابه فقط ، فلا يُعدُّ عدولا، العدول عن حكم قضائي مشروط أو جزئي، فلكي يتحقق العدول كلياً يجب أن يهجر القاضـي الدسـتوري بشكل كامل ونهائي مبدأ قضائياً أو تفسيرياً قديماً لصالح مبدأ قضائي أو تفسيري[26] .
وجود حكم قضــائي سابق للعدول : فمن البديهي لتحقيق مبدأ العدول أن يكون هناك حكماً أو قراراً قضائياً دستورياً سابقاً، حتي يتم العدول عنه بمبدأ قضائي حديث (أي حكم قضائي دستوري مشـــــابه للحكم الجـديد أو المبدأ الجـديد الذي تم من خلاله العدول عن المبدأ أو الحكم الســابق) في دعوى دستورية مشابهة لها من حيث الموضـوع والحيثيات. ويشترط في الحكميين القضائيين(السابق واللاحق) شروط عدة[27]:
وحدة الموضـوع: بمعني أن يكون هناك اتحاد في موضوع الدعوى التي تم الفصل فيها بحسب المبدأ القضائي الجديد مع الدعوى التي تم الفصل فيها بحسب المبدأ القضائي القديم.
وحدة الزمن: أي أن مدة زمنية محددة قد مضـت تكفل استقرار العمل بالمبدأ القضائي الجديد وتكفل عدم رجوع المحكمة إلى العمل بالمبدأ القضائي السابق.
إرادة التغيير: هنـا يتم البحـث عن إرادة القاضــي، هل هي للتحول أو تغيير المبدأ القضـــــائي القديم أم أن إرادته لم تذهب إلى ذلك وإنما هو مجرد خروج عرضي أو استثنائي عن المبدأ القديم أو الساب.
الفرع الثاني: أسباب وجود مبدأ العدول وأهميته
هناك مجموعة من الأسـباب التي تٌعد دافعاً للعمل بمبدأ العدول من قبل القضـــاء الدستـوري، كما أن لمبدأ العدول أهميته الخاصــة في تصحيح قرارات المحاكم الدستورية التي تصــبح للقضاة لإنقاذ أنفسهم من الأخطاء التي وقعوا فيها جراء إصـدار أحكامهم السـابقة، ومـن خلال حديثنا، سنتناول ، أسـباب وجود فكرة مبدأ العدول في القضاء الدستوري. ثم نعرج للحديث عن أهمية مبدأ العدول على النحو الآتي :
أولا: أسباب وجود العدول
هناك أسباب عديدة تدفع القاضـي الدسـتوري أن يتجه نحو تطبيق مبدأ العدول عن قراراته السابقة، التي منها علي سبيل المثال:
القصور والغموض في النص الدسـتوري:
ويحدث الغموض نتيجة عجز النص الدستوري عن استيعاب الأحداث والتطورات المتسارعة والجديدة، أو ينجم عن تعدد اللفظ، أي وضــع لأكثر من معنى وليس في صياغته ما يدل على أي من هذه المعـاني، ولابـد من وجود قرينـة خـارجيـة تبين مـا يراد بهـا.[28] لأن الأصل في النصوص الدستورية القانونية، أن تكون واضـحة ودالة على معناها وعلي الفكرة التي يبتغيها المشرع من وراء سنها، لذلك يتحتم على القاضي أن يبذل قصارى جهده في إزالة الغموض عن النص المراد تفسيره، كما ينبغي عليه أيضا، أن يستعين بالقرائن التي تساعده في تحديد المعنى الحقيقي الذي يقصده عند سنه لذلك التعديل الجديد.[29] وإن كان من الصعب ان يشتمل التشريع على التفاصيل الوافية لكل حالة من حالات العدول، فلا مناص من وجوب احتواء التشريع علي القواعـد العـامـة ويترك للقضـــــاء مهمـة تطبيق هـذه القواعـد على الـدعـوى الدستورية[30].
التعارض بين النصوص الدستورية:
ويقصد به، أن يتعارض نص دستوري مع نص دســـــتوري آخر بحيث لا يمكن الجمع بينهما، وقد يحـدث هذا التعارض أو التناقض في تشـــــريع واحـد أو تشـــــريعـات عدة، لذا وجب علي القاضي الدستوري في هـذه الحالـة، العمـل على رفض التناقض أو التعارض بينهما اذا لم يوجد بينهما ما يرجح أحدهما على الآخر في اللجوء إلى التفســير من قبل القاضي الدستوري، إذ إن تعارض النصوص الدستورية أمر وارد، كون الدسـتور يتم سنه بطريقة واحدة، من خلال العمل على تقسيم الدستور على أبواب وفصول وعليه يتم جمعها في النهاية تخرج بهيئة دستور مكتوب متكامل. مما يوجد احتمالية التعارض بين نصــوصــه، لذلك يعترف الفقه الدسـتوري أن التعارض بين النصوص الدستورية، من ضمن الأسـباب التي يقوم عليها مبدأ العدول[31].
التغير في الظروف الاجتماعية أو في هيئـة المحكمـة:
تُعدُّ التغيرات الســـــائدة في المجتمع، من ضمن الأسباب التي تدفع القاضــي الدستوري إلى العدول عن أحكامه، كظهور مستجدات نتيجة التغير المتواصل في الظروف الاجتماعية، تتطلب من القاضــي الدستـوري القيام بإعادة النظر في ذلك المبدأ. تماشياً مع التطور الحاصل في الأوساط الاجتماعية، إذ يستدعي هذا التطور المحكمة الدستورية، عند مبدأ معين يجعله غامضاً على الرغم من تغير الظروف، بيد أن حرية القاضـي هنا ليسـت مطلقة عند لجوئه إلى العدول عن أحكامه السابقة.
وكذلك من ضمن أسباب القاضي الدستوري الإتجاه لمبدأ العدول، هو تغير في هيئة المحكمة الدستورية. فربما ينضم قاضياً جديداً أو أكثر إلى عضوية المحكمة، أو يتم تشكيل هيئة جديدة، تحمل أفكارا وتوجهات جـديـدة ومخالفة مع توجيهات سابقيهم، وخير مثال علي ذلك، ما حـدث أبان حكم الرئيس الأمريكي (روزفلت) عندما تغيرت هيئة المحكمة الدستورية العليا الأمريكية، مما أدى إلى التغير في توجهات المحكمة التي كانت لديهم توجهات محافظة من قبل، إذ وقفوا ضـــــد القوانين الإصلاحية التي كان روزفلت يسعى إلى تمريرها.[32] وكذلك تغيير جميع أعضـاء هيئـة المحكمـة الاتحـاديـة العليـا العراقيـة عـام ( 2021) أثر تعـديـل قـانون المحكمـة، فوجدنا أن المحكمة الإتحادية بتركيبتها الجديدة قد عدلت عن بعض مبادئها وأحكامها الســـابقة نتيجة تشكيلتها الجديدة[33].
ثانيا: أهمية العدول
للعدول أهمية بالغة في تقويم أحكام المحاكم الدستورية، ويمكن تلخيص هذه الأهمية فيما يأتي :
ضمان الحقوق والحريات الأساسية للأفراد:
لا خلاف علي أن جميع الدساتير الديموقراطية في العالم تنص على حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وتمنع الســلطات العامة في الدولة من المساس بها. سواء أكان ذلك عبر إصدار تشريعات أو أنظمة أو قرارات قضــائية تمس حقوق وحريات الأفراد دون وجه حق، إذ يمثل القضـاء الدسـتوري ضمانة فعالة ومهمة في مواجهة تعسف وجور، سـواء من قبل السلطة التشريعية في حالة ما إذا ما أصدرت قانونا تمس به حقوق وحريات الأفراد، أم من قبل السـلطة التنفيذية، وذلك في الظروف الاعتيادية أو الاستثنائية عندما تخل بالتوازن المنشود بيـن حـقـوق وحـريـــات المـواطنين وبين ســـــلـطـــة الــدولــة في حمـــايـــة النـظـام العـام[34] .
وإذا عددنا أو أسلمنا أن القضـاء الدسـتوري ضمانة من الضمانات الأكيدة للحفاظ على حقوق وحريات الأفراد في مواجهة السلطة التشريعية وكذلك السلطة التنفيذية، فإن مبدأ العدول يشــكل ضمانة أخرى للحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. وتطبيقا لذلك، نجد أن «المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية» إذ قضت بدستورية تشــريع ســنته ولاية (أريزونا) وذلك في حكمها المسمى (V. Brown Board of education) « والذي كان ينص على تخصيص عربات للبيض وأخرى الســود في القطارات، ثم عدلت عن قرارها هذا ليشمل المساواة التامة بين البيض والسود إذ قضت هذه المحكمة أن المسـاواة في حماية التشـريعات تفرض قيودا على سـلطة الولايات فيما يخص التمييز بين الأفراد بســـــبب انتمائهم إلى فئات معينـة بمـا فيهـا التمييز بســـــبب العنصـــــر أو الجنس»[35].
العدول أداة لتصحيح أحكام دستورية سابقة :
لا شك أن أحكام القضاء الدستوري قد يعتريها أحيانا الخطأ والقصور؛ لأنها عمل إنساني، ومن المفترض أن يقوم القضــاء الدستوري بتقويم تلك الأخطاء من أحكامه.[36] فإن كان من الطبيعي، أن تنص معظم الدساتير العالمية صـراحه على تمتع أحكامها بحجية مطلقـة وغير قابلة للطعن والاعتراض وذلك كونها بمثابة ضـــــمـانة للحفاظ على اســـــتقرار المراكز القانونية ومنع التعارض بين أحكام القضــــاء الـدســـــتوري والحفاظ على هيبـة الدستور، إلاّ أن هذا يتعارض مع ما أسلفناه سابقا، من كون الدستور غير محصن تماماً من الخطأ وليس معصوماً من الخلل والقصور. لذا ينبغي على القضـــاء الدستـوري البحث عن إيجاد طريقة لتدارك الأخطاء التي وقع فيها ومن ثم القيام بتصـــيحها من خلال حكم دستوري جديد وذلك عن طريق مبدأ العدول[37].
المطلب الثاني : موقف الفقه من مبدأ العدول
لم يحظَ مبدأ العدول بقبول عام كما أنه لم يرفض من قبل الجميع. بل ينازع في قبول مبدأ العدول اتجاهين: الأول اتجاه منكر لهذا المبدأ، والآخر اتجاه مؤيد له. وبحديثنا عن موقف الفقه من مبدأ العدول، فسوف نقسم مطلبنا على فرعين: الفرع الأول، نتناول فيه الاتجاه المنكر لمبدأ العدول. والفرع الثاني، الإتجاه المؤيد لمبدأ العدول. وذلك من خلال وجهة نظر التشريعات المقارنة.
الفرع الأول: الاتجاهات الفقهية المنكرة لمبدأ العدول
وبحديثنا عن الاتجاهات المنكرة لفكرة العدول ، أهمها:، سنتناول علي سبيل المثال موقف كل من التشريع الأمريكي، والمصري والعراقي، بوصفه مثالاً تطبيقياً.
أولا: موقف الفقه الأمريكي
يرى أنصار هذا الاتجاه أن مبدأ السوابق القضائية Stare Decisis يفرض التزاماً على عاتق المحكمة العليا بضرورة التقيد بسوابقها القضائية وعدم الخروج عليها نهائيا. وهذا الالتزام - من وجهة نظرهم - هو التزام جامد Rigid لا يعرف أي استثناءات، ويعد مانعا بالتبعية لأي تحول قضائي، وذلك حتى في الأحوال التي تكون فيها هذه السوابق القديمة خاطئة أو غير عادلة .[38] ويستند أنصار هذا الرأي على عدد من الحجج لتبرير وجهة نظرهم، ومن أهمها :
تعارض فكره العدول عن السوابق الدستوريه لنصوص الدستور الاتحادي حيث يذهب انصار هذا الاتجاه إلى إ إن الزام المحكمة العليا بالتقيد بما هو مستقر عليه في سوابقها القضائية وعدم الحياد عنه يجد سنده في نصوص الدستور.
أهميه العدول عن السوابق الدستوريه في التضييق من مجال السلطة التقديرية للقضاة. إذ تلعب السوابق القضائية دورا هاما في التضييق من مجال السلطة التقديرية للقضاة فيما يعرض أمامهم من منازعات قضائية إذ يرى انصار ذلك الراي أن عدم وجود أي رقابه من جانب السلطة التنفيذية أو التشريعية على إعمال السلطة القضائية من ناحيه علاوة على الحصانة التي يكفلها الدستور للقضاة سواء أكان من حيث عدم المساس بمناصبهم أو رواتبهم من أحيان أخرى تقتضي لزوما الزام القضاة بالتقيد بالسوابق القضائية من مبادئ وقواعد خشيه أن يدفعهم عكس ذلك إلى الحكم وفقا لأهوائهم ومعتقداتهم الشخصية.
تعارض فكره العدول عن السوابق الدستوريه مع مبدا استقرار النظام القانوني ومبدا التوقع المشروع للقانون: حيث تتمثل الحجه الثالثة التي يستند اليها أنصار هذا الرأي لتبرير وجهه نظرهم في تعارض فكره العدول عن السوابق القضائية مع مبدأ استقرار النظام القانوني والتوقع المشروع للقانون واللذان يشكلان معا الركيزتين الأساسيتين للأمن القانوني في أي نظام ديمقراطي حيث يشمل المبدأ الأول منهما على مجموعة القواعد التي تكفي الوضوح واستقرار القواعد والمراكز القانونية وحمايتها من التغيرات المفاجئة أو المباغتة أما الثاني فيرمز إلى مجموعه القواعد التي تكفي لحماية توقعات الأفراد المشروعة والمسبقة للأثار القانونية التي تنجم عن أفعالهم وتصرفاتهم ومن ثم فان المصالح المحمية بموجب هذين المبدأين تقتضي لزوما تقيد المحكمة العليا بكل ما هو مستقر عليه في سوابقها القديمة وعدم العدول عن أحكامها[39].
ثانيا: موقف الفقه المصري من مبدأ العدول
ولعلنا نري جانبا من الفقه الدستوري المصري، يذهب إلى أن إلزامية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة وفق المادة (49) من القانون رقم (48 ) لســـنة (١٩٧٩) المعدل يتعين معها ثبوت الصـــفة النهائية القطعية والباتة لكل السلطات، ومن ثم فلا يجوز إعادة النظر في تلك القرارات والأحكام مرة أخرى إلا في حالة إجراء التعديل أو التغيير في النصـوص الدستورية[40].
ثالثا: موقف الفقه العراقي من مبدأ العدول
عبر إعمال النظر في دستور جمهورية العراق الدائم الصاــدر في ( ٢٠٠5) فإننا نري أن المشرع العراقي قد اتخذ منهجا سكوتيا أو صامتا بصـورة مطلقة عن معالجة موضـوع مبدأ العدول في أحكام المحكمة الاتحادية العليا السابقة، بل على العكس من ذلك، نلاحظ أن المادة (94) من الدستور تقضي بـإلزامية ونهائية القرار الصادر منها لجميع السلطات والأفراد، ومن ثم تتسع هذه الحجية لتشمل كل السلطات الرئيسة الثلاث، ومن بينها المحكمة الاتحادية العليا التي تعتبر جزءا من السـلطة القضائيـة، ونفس الشيء بالنسبة إلى قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم ( ٣٠) لـســــنـة (٢٠٠٥) المعـدل بـ القـانون رقم (٢٥) لســنـة ( 2021)[41]، وكذلك النظـام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم ( 1) لسنة (2005) السـابق، إذ( تنص المادة ٥/ثانياً من قانون المحكمة الاتحادية العليا على أن: « الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا باتة»، فيما تنص المادة ١٩ من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا على أن: « الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمـة بـاتـة لا تقبـل أي طريق من طرق الطعن»[42].
الفرع الثاني: الاتجاهات الفقهية المؤيدة لمبدأ العدول
كما يوجد اتجاه معارض لمبدأ العدول الدستوري، يوجد أيضا اتجاه مؤيد لهذا المبدأ. وعلي شاكلة الاتجاه المنكر لمبدأ العدول الدستوري، سنسير في تناول الاتجاه المؤيد لمبدأ العدول، من خلال التشريع الأمريكي، والمصري، والعراقي.
أولا:موقف الفقه الأمريكي من مبدأ العدول
على الرغم من عدم إنكار هذا الاتجاه لأهمية السوابق القضائية في التنظيم القضائي الأمريكي، إلاّ أنهم يرون أن هناك ثمة اعتبارات عملية تقتضي، في بعض الأحيان، العدول عما تضمنته هذه السوابق الدستورية من مبادئ. ويستشهد أنصار الاتجاه المؤيد، بالمحكمة العليا الأمريكية ذاتها، التي وإن كانت قد أكدت علي أهمية السوابق القضائية لتعزيز سيادة القانون، إلاّ أنها لم تجعلها أوامر مقدسة ونصوصاً جامدة يصعب مراجعتها وتقديرها[43].
ويرى هذا الاتجاه، أنه لا يوجد تعارض بين مبدأ العدول عن السوابق الدستورية وبين الدستور الأمريكي. « فعدول المحكمة العليا عن سوابقها الدستورية لا يتعارض مع أحكام الدستور، لاسيّما وأن الوثيقة الدستورية قد خلت من أي نص مباشر أو غير مباشر يحول دون إعمال هذا العدول . بل ويذهب البعض من أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن العدول عن السوابق في حالات الخطأ هو أمر تقتضيه نصوص الدستور ذاته، مؤكدين أن سلطة المحكمة العليا في العدول عن سوابقها الدستورية تجد سندها الدستوري في بند ضمان الحقوق Due Process Clause الوارد بالتعديل الخامس من وثيقة الحقوق، « والذي ينص على عدم جواز حرمان الأفراد من الحياة أو الحرية أو الممتلكات من دون إتباع الإجراءات القانونية الأصولية. إذ استقر قضاء المحكمة العليا على أن بند ضمان الحقوق يفرض قيدا عامًا على جميع المؤسسات الدستورية بما فيهم السلطة القضائية مفاده إخضاع جميع سلطات وتصرفات هذه المؤسسات للرقابة والمراجعة . ولما كانت هذه المراجعة أو الرقابة بخصوص الأحكام النهائية للمحكمة العليا في المنازعات الدستورية بهدف تدارك ما شابها من أخطاء غير متصورة عبر وسيلتين اثنتين لا ثالث لهما وهما؛ إما التعديل الدستوري أو الاعتراف للمحكمة بالحق في مراجعة سوابقها القديمة والعدول عنها، ونظرا لأن الوسيلة الأولي – كما تقدم من شروحات - صعبة التحقق في غالبية الأحوال بسبب صعوبة الإجراءات»[44].
ثانيا: موقف الفقه المصري من مبدأ العدول
ويذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أنه يجب إعادة النظر في الأحكام والقرارات السابقة للمحكمة الدستورية العليا المصرية، إذ اعترف غالبية الفقه إلي سـلطة المحكمة في العدول أو مراجعة بعض أحكامها السابقة، سواء أكان ذلك في القرارات التي مر على صدورها زمن طويل ولم تعُد تتناسب مع التطورات والتغييرات التي تحصــل في المجتمع، أو أنَّ الإبقاء على القرار السـابق من شأنه عدم تحقيق العدالة وذلك من خلال إلحاق الضرر بالأفراد أي إنها تشترط للعدول شروطاً عديدة منها مواكبة الأوضـاع السـياسـية والاجتماعية في المجتمع وعدم مخالفة المهام الرئيسة للدستور في حماية الحقوق والحريات[45].
ثالثا: موقف الفقه العراقي من مبدأ العدول
لقد سار المشرع العراقي علي خطى غالبية دساتير العالم في الأخذ بمبدأ العدول، وظهر ذلك جليا في آخر تعـديـل للنظـام الداخلي للمحكمـة الاتحـاديـة العليـا. إذ نجـد ان التعـديـل الأخير للمحكمـة الاتحـاديـة العليـا العراقية، يعترف بمبدأ العدول عن قراراتها الســـــابقـة، وذلـك طبقا لما هو منصوص عليه في المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة رقم (1) لسنة (2022)، إذ نصت هذه المادة على :» (المحكمة عند الضرورة، وكلما اقتضـت المصـلحة الدسـتورية العامة، أن تعدل عن مبدأ سـابق أقرته في إحدى قراراتها، على أن لا يمس ذلك استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة)»[46].
فبموجب قرارها بالعدد (158/اتحادية /2022) في 16 /8 /2022، بلورت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، ضوابط العدول الذاتية عن الأحكام مستندة في ذلك إلى نص المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 التي نصت على أن «( للمحكمة عند الضرورة وكلما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة أن تعدل عن مبدأ سابق أقرته في إحدى قراراتها على ان لا يمس ذلك استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة)»، إذ حدد دواعي العدول ومقتضياته العدول استجابة للظروف والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون هدف العدول تحقيق المصلحة العليا للبلد ودعم الحقوق والحريات العامة وحماية الأمن وتحسين عمل السلطات الاتحادية وتقويمها وضمان حسن سير المرافق العامة للدولة، وأن يكون العدول يتعلق بمبدأ قضائي سابق وغير متعلق بقرارات ذات طبيعة شخصية[47].
المبحث الثاني
المحددات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
ودورها في العدول
يمثل مبدأ العدول عن القرارات السابقة، إحد أوجه مواكبة القاعدة الدستورية للمجتمع واحتياجاته، فلا يمكن أن يبقى الرأي ملاصقاً للحياة العامة، وهنالك ظروف تستدعي أن يكون هنالك رأي جديد يحفظ حقوق وحريات الناس، وأمن الدولة واستقرارها.
كما أننا نجد أن المحكمة الإتحادية العليا، قد أقرت مبدأ قضائياً مقتضاه إمكانية عدول المحكمة عن قراراتها السابقة في حالات معينة، وأساس هذا التحول هو حصول تغيير في أوضاع المجتمع واعتناقه أفكار جديدة مما يؤدي إلى دفع المحكمة للتحول عن توجهاتها السابقة على ضوء هذه التغييرات. فالمحكمة الدستورية الألمانية مثلاً استندت في عدولها إلى الظروف التي تتطلب تقديراً جديداً، فيما ذهبت المحكمة النمساوية إلى أن العدول مرتبط بتبنيها أفكار وقيم جديدة معبرة عنها في الدستور ضمنا.[48] وبهذا تكون المحكمة الإتحادية العليا مستجيبة للعدول عن الحجية متى ما استجدت ظروف فرضت موازين جديدة لتعديل الأحكام السابقة أو الإضافة اليها [49] .
ومن خلال حديثنا عن التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤدية بدورها للعدول، سنقسم مبحثنا على ثلاثة مطالب، وهي كما يأتي :
المطلب الأول : التغيرات السياسية وأثرها في العدول
لقد أعطت المادة (94) من دستور جمهورية العراق لعام (2005 ) حجية مطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة الإتحادية، مما يستتبع معه، عدم جواز إثارة المسألة التي سبق وأن فصلت فيها المحكمة مرة أخرى، أي أن قرارها يصبح حائزا على قوة الأمر المقضي فيه. ولكن ارتباك المشهد السياسي الحالي في العراق بسبب اجتهادات المحكمة الاتحادية في مواضيع تمثل عصب سير هذه الدولة، علي سبيل المثال: تشكيل الحكومة، وتفسير الكتلة الأكبر وموضوع الثلث المعطل، وما تسببت به هذه الاجتهادات من ارتدادات سيئة على الواقع السياسي أضرت بشكل كبير حياة المواطنين ومؤسسات الدولة يدفعنا إلى تساؤل مهم: هل يجوز للمحكمة الاتحادية العدول عن هذه الاجتهادات التي تسببت مراراً وتكراراً بخرق الدستور، بخاصة إذا أملت ضرورة الوضع السياسي الحرج الذي يعصف بالبلد؟ على اعتبار أن الضرورات تبيح المحظورات.
وبجانب هذه القرارات التي صدرت عن المحكمة الاتحادية العليا، هناك أيضا أمثلة عن قرارات ذات صبغة سياسية عدلت عنها المحكمة الاتحادية العليا نتيجة التغيرات السياسية المتعاقبة، منها علي سبيل المثال:
حكم المحكمة في القضية المرقمة (16/ اتحادية/ 2007) الذي صدر فيها قرار المحكمة الاتحادية العليا: « إعطاء الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم صلاحية التعيين والإقالة للأجهزة الأمنية».[50] وبعد استقراء المحكمة لنصوص الدستور لم تجد ما يشير إلى صلاحية التعيين والإقالة منوطة الى السلطات الاتحادية كما ورد في تسبيب القرار، وبما أن المادة (115) من الدستور تنص: (بأن كل ما لم ينص عليه في اختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم) وتأسيسا على ذلك بنت المحكمة حكمها.
ما لبثت أن عدلت المحكمة عن قرارها هذا بالقرار المرقم (74/ اتحادية/ 2009) عندما وردها استيضاح من محافظة ذي قار عن مدى صلاحية المحافظ بالإقالة والتنسيب والنقل بين دوائر الوزارات في المحافظة لأصحاب المناصب العليا. وقضت بعدم اختصاصها بذلك[51].
كذلك حكم المحكمة في القضية رقم (9/اتحادية/ 2007) التي تتعلق بصلاحية مجالس المحافظات بسن تشريعات محلية، إذ قالت: (من خلال تدقيق أحكام المادة 115 ومواد أخرى من الدستور تبين أن مجلس المحافظة لا يتمتع بصفة تشريعية لسن القوانين المحلية، ولكن يمارس صلاحياته الإدارية والمالية الواسعة استناداً إلى المادة 122 من الدستور).[52] ولكنها عدلت عن قرارها هذا حين أقرت صلاحية مجالس المحافظات لسن التشريعات المحلية بقرارها المرقم (13 / اتحادية/ 2007)[53].
وكذلك قرارها المرقم (7 وموحدتها 9 و10/ اتحادية /2022) في 3 /2 /2022 الذي عدلت فيه عن رأي سابق الذي يوجب قيام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً في الجلسة الأولى ، إذ ذهبت إلى عدم اشتراط تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر عددا في الجلسة الأولى ، إذ جاء هذا القرار استجابة للظروف السياسية التي رافقت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الذي يرشح بدوره رئيس الكتلة النيابية الأكبر عددا لتشكيل الكابينة الوزارية وما رافق ذلك من اضطرابات سياسية[54].
المطلب الثاني : التغيرات الإقتصادية وأثرها في العدول
يمكن أن تتأثر أحكام المحكمة الإتحادية العليا بشكل كبير بالتغيرات في الاقتصاد، بخاصة عندما تتعامل مثل هذه القرارات مع التنظيم الاقتصادي والسياسة والسيطرة على الموارد. فيما يلي بعض الطرق المهمة التي يتم من خلالها عكس أحكام المحاكم أو تشكيلها حسب التغيرات في الاقتصاد:
إدارة الموارد والسياسة الاقتصادية:
قد تؤثر الأهداف والسياسات الاقتصادية للدولة على كيفية تفسير المحاكم لإطارها القانوني. وفي دول مثل العراق، إذ يُعدُّ النفط أصلاً اقتصادياً مهماً، فإن القرارات المتعلقة بالإدارة وتخصيص عائدات النفط قد تؤدي إلى إلغاء الأحكام القانونية السابقة. إن أحكام المحكمة الإتحادية العليا في العراق التي تتناول صحة عقود النفط وتخصيص عائدات النفط تشير إلى السياسات الإقتصادية للبلاد والتعديلات على تكتيكات الحكومة لإدارة الموارد.
ففي عام 2022، قضت المحكمة الاتحادية العليا، بأن قانون النفط والغاز رقم 22 لعام 2007 الصادر عن حكومة إقليم كردستان غير دستوري[55] .
وسطرت قرارها كما يأتي: «الحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (۲۲) لسنة ۲۰۰۷ وإلغائه لمخالفته أحكام المواد (۱۱۰و ۱۱۱ و ۱۱۲ و۱۱۵ و ۱۲۱ و ۱۳۰) من دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥. مع إلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط منها وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية وتمكينها من استعمال صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره. فضلاً عن الحق بمتابعة بطلان التعاقدات النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان والمتمثلة بالمدعى عليه وزير الثروات الطبيعية مع الأطراف الخارجية دول وشركات بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره وبيعه. مع إلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بمراجعة العقود النفطية كافة المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه لغرض تدقيقها وتحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة حكومة إقليم كردستان من جراءها وأن يتم تحديد حصة الإقليم من الموازنة العامة وبالشكل الذي يضمن إيصال حقوق مواطني محافظات إقليم كردستان من الموازنة العامة الاتحادية وعدم تأخيرها بعد أن يتم تنفيذ فقرات هذا القرار كافة من قبل حكومة إقليم كردستان وإشعار الحكومة الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بذلك»[56].
وقد ارتكزت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في قرارها، على المادة 111 من الدستور بأن النفط والغاز هو ملك للشعب العراقي، أو تأسيساً على ذلك فإن إدارته هي من التجارة الخارجية، وبذلك يدخل ضمن اختصاص الحكومة العراقية المركزية وفق المادة 110 من الدستور.[57] كما ارتكزت على نص المادة (۱۱۱) من الدستور التى تنص علي: «النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات واستناداً لذلك فإن تعبير الشعب العراقي يشمل جميع العراقيين من دون استثناء من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بغض النظر عن القومية أو الدين وإن النفط والغاز في جميع أنحاء العراق هو ملك الشعب العراقي والذي لا يجوز لأية سلطة اتحادية أو السلطات المحلية للأقاليم والمحافظات تجاوز ذلك وإن ذلك موجب لتوزيع عائدات النفط والغاز على جميع أبناء الشعب العراقي بصورة متساوية وعادلة بغض النظر عن مناطق إنتاج تلك الثروات لكي لا يحرم أبناء المحافظات غير المنتجة منها كما أن ذلك يستلزم اطلاع ومعرفة أبناء الشعب العراقي بمقدار عائدات النفط والغازبوصفه هو المالك لها للوقوف على كيفية توزيعها فمن غير الممكن أن لا يعلم المالك بعائدات ملكه وكيفية توزيعها»[58].
كما ارتكزت لأحكام المادة (۱۱۲) (أولاً) من الدستور التي تنص علي: «تقوم الحكومة الإتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، لذا فإن إدارة النفط والغاز يعود إلى الحكومة الاتحادية بالتعاون مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة بما يؤمن توزيع وارداتها بشكل يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء العراق لتحقيق التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة»[59].
الاستثمار الأجنبي والاستقرار الاقتصادي:
قد يكون لضرورة جذب الاستثمار الأجنبي والحفاظ عليه تأثير على الاختيارات التي يتخذها القضاة. ومن أجل تحسين مناخ الأعمال للمستثمرين، تتمتع المحكمة الاتحادية العليا بسلطة إلغاء الأحكام السابقة. وقد تجلى ذلك في المحكمة الاتحادية العليا بالعراق في قراراها السابق المتعلق بإلزام حكومة الإقليم الكردستاني بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان [60]، إذ أثر القرار التي اتخذته المحكمة الاتحادية العليا على الشروط التي بموجبها تمارس شركات النفط العالمية أعمالها في إقليم كردستان. وقد تأثر هذا القرار بالحاجة إلى استقرار الإقتصاد الوطني من خلال ضمان تدفق عائدات النفط عبر الحكومة المركزية، وعليه التأثير على السياسة الخارجية وظروف الاستثمار.
المطلب الثالث : المحددات الاجتماعية وأثرها على العدول
تُعدُّ التغيرات الاجتماعية أحدى أهم العوامل التي تؤثر على مبدأ العدول في المحكمة الاتحادية العليا في العراق. إذ تدرك المحكمة الاتحادية العليا في العراق أهمية التغيرات الاجتماعية في تحديد مبدأ العدول، من خلال التوازن بين المصالح، المتعلقة بالأطراف في القضية، مع مراعاة التغيرات الاجتماعية التي حدثت منذ صدور الحكم.
وتدلُّ العلاقة بين التغيرات الاجتماعية وقرارات المحاكم في العراق على الطبيعة الديناميكية للقانون وترابطه مع المجتمع الذي يحكمه. فمع تطور المجتمع، يتطور المشهد القانوني أيضًاً، وغالبًاً ما يتطلب من السلطات القضائية التكيف وإعادة النظر في الأحكام السابقة لخدمة الاحتياجات والقيم المعاصرة للسكان بشكل أفضل.
كما يمكن للحركات الاجتماعية المتزايدة والتحولات في الرأي العام أن يكون لها شديد الأثر على المحكمة لإعادة النظر في أحكامها السابقة. ويشكل هذا أهمية خاصة في بلد مثل العراق، إذ تتطور الأعراف والقيم المجتمعية بسرعة في مناطق مختلفة، مما يعكس وجهات نظر مختلفة حول قضايا مثل العلمانية في مقابل القوانين الدينية، وحقوق الأقليات. وخير مثال على ذلك:
قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (189/ اتحادية/ 2021) والمشكل بتاريخ 27/3/2023م. والذي ينصب على طلب الحكم بعدم دستورية المادة (۲۸)[61] من قانون المشروبات الروحية رقم (3) لسنة ۱۹۳۱ (والخاص بمنع بيع وشراء المشروبات الروحية إلاّ بناءً على إجازة من جهة رسمية) لكونها وحسب ادعاء المدعي تتعارض مع مجموعة من المواد الدستورية وهي المواد (۱) و (۲) أولاً ب، ج) و (۱۷) / أولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة ۲۰۰۵ باعتبار أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والطوائف وأن نظرة الأديان ليست واحدة ازاء التعامل بالمشروبات الروحية وأن الدستور لم يسمح بتشريع قوانين تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور وأن تحريم التعامل بالمشروبات الروحية يتعارض كذلك مع حق الفرد في الخصوصية الشخصية[62].
وقد صدر قرار المحكمة، برد الدعوي الطالبة بعدم دستورية المادة (28) من قانون المشروبات الروحية رقم (۳) لسنة ۱۹۳۱، وذلك لعدم تعارضها مع نصوص الدستور التي أشار إليها المدعي في عريضة دعواه[63].
نلحظ من القرار السابق، أن المحكمة الاتحادية العليا قد ردت دعوى عدم دستورية نص المادة (28)، وذلك تأكيداً منها وقبولا للقانون ولتداول وتصدير وصناعة المشروبات الروحية (الخمور) شريطة أن يكون بترخيص صادر عن الجهة المختصة. ورأت أن نص هذه المادة لا يخالف نصوص الدستور التي ذكرها المدعي. دونما مراعاة للعادات والتقاليد الاجتماعية والنصوص الدينية.
ثم ما لبثت أن عدلت المحكمة الاتحادية العليا عن قرارها السابق، بالقرار رقم (35/ اتحادية/ 2023) وموحداتها (37، 40، 45، 47، 48، 50، 57، 58، 66، 99/ اتحادية/ 2023) والتي طالب فيها المدعين، الطعن بعدم دستورية قانون واردات البلديات رقم (1) لسنة ۲۰۲۳ المنشور في جريدة الوقائع بالعدد (٤٧٠٨) في 20/2/2023 وخصوصا نص المادة (14) منه، والتي تنص على: « يحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها بداعي مخالفتها للدستور».[64] واستند المدعين علي أن الدستور لم يجز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ولا مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور. كما أن المادة (۳) من الدستور أقرت إن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، ومعنى هذا أن سكانه منهم من تسمح لهم أعرافهم وتقاليدهم بالتعامل بتلك المشروبات، وإن منعها يشكل تقييد لهم وتضييق عليهم، وبذلك تقييد حقوقهم وحرياتهم التي حماها الدستور.
إذ جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا، برد دعوي المدعين، واستندت في قرارها هذا علي أسس عديدة وقواعد تتمثل في التمسك بالتقاليد والعادات ونصوص الدين الإسلامي الحنيف. إذ جاء في حيثيات قرارها: « أنه ليس من بين الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، تأمين تجارة وبيع الخمور ذلك لأن من صلاحية المشرع وفق صلاحياته الدستورية منع دخول وتجارة مواد معينة لأسباب يقدرها هو وفق ما يتراءى له، ولهذا نجد وجود تشريعات كثيرة تمنع المتاجرة بسلع ومواد معينة أما لأضرارها الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية أو غيرها، وحيث إن المنع الوارد في المادة (١٤) من القانون المطعون به ينسجم مع النصوص الدستورية بأن لا يُشرع قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام استناداً للمادة (٢ / أولا/أ) من الدستور، ومن ثوابت الإسلام التي أجمع عليها جميع فقهاء المسلمين هو حرمة شرب الخمر، أذ قال تعالى في سورة المائدة (۹۰-۹۱): (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَان أن يُوقع بينَكُمُ العدوة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصْدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاة - فهل أنتم منتهون) ، وأما من السنة النبوية قال الرسول صلى الله عليه وأله وسلم : (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وقال صلى الله عليه وأله وسلم أتاني جبريل فقال يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها كل هذه الأدلة القاطعة في ثبوتها ودلالتها تدل على حرمة شرب الخمر، وعليه حرمة الأعمال الموصلة لذلك[65].
نستنتج من ذلك، أن المحكمة الإتحادية قد انتهجت نهجا يغلب عليه النزعة الدينية في عدولها، نتيجة التغيرات الاجتماعية الحادثة في المجتمع العراقي حاليا، وعليه فإن الدراسة تستنتج أن المحكمة في قرارها هذا قد جانبت الصواب، وأن قرارها المعدول عنه، كان بداية عدول تدريجي لقرارها الحالي.
الخاتمة
يبين البحث أن أحكام المحكمة الاتحادية العليا العراقية تأثرت بشكل كبير بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فهو يوضح كيف تؤثر هذه العناصر على النظام القانوني والتشريعات العراقية، حسب على الطريقة التي يتم بها تفسير القوانين وتطبيقها من خلال الفحص الشامل لقضايا المحكمة. وينعكس تأثير الديناميكيات المعقدة للمجتمع العراقي وتطوره في عكس بعض الأحكام. وعبر ما تقدم ذكره، نستطيع القول إن المحكمة الاتحادية العليا تستطيع العدول عن تفسيراتها السابقة ووفقاً لنص المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة رقم 1 لسنة 2022م. ومن خلال بحثنا نستطيع استخلاص بعض النتائج الهامة وهي كما يأتي :
لا شك أن مبدأ العدول يعد الوسيلة الوحيدة لتصحيح الأحكام الدستورية كما أنه وسيلة لتفادي إنكار العدالة، إذ قد تصدر احكام دستورية تقضي بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظر الدعوى ويكون العدول وسيلة لتفادي هذا الإنكار.
ليس بالضرورة أن يكون العدول القضائي الدستوري تعبيرا عن خطأ في التفسير القضائي للنص الدستوري تقوم من خلاله المحكمة العليا بالعدول عنه بعد فترة من الزمن، وإنما هو إعادة تكييف للنص القانوني مع متطلبات وتحولات المجتمع، من خلال إعادة فهم النص القانوني فهما صحيحا ومرتبطا زمانيا ومكانيا وواقعيا مع المجتمع.
كان لبعض التغيرات (علي سبيل المثال التغيرات السياسية)، مثل تغيير الأنظمة الحكومية، تأثيراً مباشراً على الأحكام الدستورية، مما يشير إلى تغليب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية الصرف في بعض الأحيان. وهذا ما حدث في بعض قرارات المحكمة العليا.
كان لبعض التغيرات أيضا (علي سبيل المثال التغيرات الاقتصادية) الأزمات الاقتصادية والتغييرات في سياسات الدولة الاقتصادية أثرت بشكل ملحوظ على تفسيرات القانون، خاصة فيما يتعلق بقضايا العقود والاستثمار.
أسهمت التغييرات الديموغرافية والاجتماعية، مثل الحركات الاحتجاجية والتغير في التركيبة السكانية، والنزعة الدينية، في إعادة تقييم القوانين وأحياناً في تغيير التفسيرات الدستورية لتلبية الاحتياجات المجتمعية الجديدة.
المقترحات :
وجوب أن يكون العدول صادراً ونابعاً من إرادة قضائية سليمة، خالية من الأهواء والضغوط والمؤثرات الخارجية. ينبغي أيضا أن يكون العدول مسوّغاً لإسباغ صفة الشرعية عليه ولا يكون بسبب إرادة القاضي المحضة دون مبرر يسوغها.
ضرورة وجود قضاء مستقل ونزيه بوصفه شرطاً مهماً وأساسياً من شروط العدول، من خلال استقلال السلطة القضائية من تأثير السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبخاصة الصراعات السياسية، إذ تقف على قدم المساواة معهما فلا تتدخل أي من السلطتين في عملها أو تخصصها. وأن يكون العدول تعبيراً صادقاً عن رغبة المحكمة الاتحادية في أن تعكس التغيرات في المشهد الاجتماعي والسياسي للمجتمع العراقي وأن المحكمة ستستمر في الاستجابة لهذه التغييرات بسلطتها القضائية، مدركة تماما أهمية تحقيق الاستقرار الاجتماعي والقانوني عبر متابعة الأحكام والتفسيرات السابقة، ما لم يكن من شأن ذلك الإخلال بشكل واضح بمصالح اجتماعية كبرى، أو خلق مشاكل قانونية ودستورية لا داعي لها، أو يؤدي إلى تناقض منطقي، خالقاً عيباً يصبح من المستحيل الحفاظ عليه وفرضه على المجتمع.
أن يظل هذا العدول في الحالات التي يتم فيها محافظا على الخط الأساس الذي تبنته المحكمة الاتحادية العليا منذ نشأتها، وهو خط حراسة الشرعية الدستورية، وإعلاء كلمة القانون، وصيانة الحقوق والحريات.
علي المحكمة العليا، أن تضع في الحسبان، الموازنة الدقيقة بين الأضرار الناتجة عن هذا العدول، والأضرار الناتجة عن استمرار المحكمة في تفسيراتها السابقة ثبت عدم صلاحيتها، أو تغيرت أسباب الحكم ودواعيه الصادر فيها نتيجة تغيير الظروف والاعتبارات.
يرى الباحث، بوجوب تعديل نص المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة رقم 1 لسنة 2022م، باشتراط غالبية موصوفة للمحكمة عند عدولها، وإجراءات خاصة تؤدي لمزيد من الاستقرار القانوني والدستوري، وتجعل محكمتنا الموقرة تفكر كثيرا قبل العدول عن سوابقها، ولا تقدم على ذلك إلاّ إذا كانت هذه السوابق غير منتجة فعلاً، أو أصبحت غير مناسبة للتطورات التي طرأت على المجتمع في الميادين المختلفة.
المراجع
أولاً: المراجع العربية
ابن منظور، لسان العرب ، بيروت، دار صادر، ج ١١ .
أبو الحسن أحمد بن فارس. «معجم اللغة»، ط ۱، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، ٢٠٠٥ .
أحمد طلال عبد الحميد البدري. «المحكمة الاتحادية العليا وضوابط العدول الذاتية عن الأحكام القضائية - تعليق على قرارها المرقم (158/اتحادية/2022) في 16 /8 /2022» مقالة منشورة علي الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، تاريخ النشر، 28/9/2022، تاريخ الدخول، 2/5/2024. متاح علي الرابط التالي،
https://www.iraqfsc.iq/news.4871
أحمد كمال أبو المجد. « الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والإقليم المصري» مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 2003.
إسلام إبراهيم شيحه. « العدول عن السوابق الدستورية في القضاء الأمريكي» مجلة العلوم الاقتصادية والقانونية ، مجلد 2، عدد 1 السنة الثانية والستون، 2020.
المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية، القاهرة، مادة (ع د ل)، ٥٨٨/٢.
جبران مسعود. «الرائد» ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ١٩٩٢.
سـعد ممدوح نايف. «الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح»، دار أبو المجد للطباعة، القاهرة، 2006.
صلاح الدين فوزي. «الدعوى الدستورية» ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1993.
عادل الطبطبائي. «الحدود الدســـتورية بين الســـلطتين التشـــريعية والقضـــائية»، مجلس النشـــر العلمي الكويت، 2000.
عادل طالب. «العدول عن مبدأ السوابق القضائية»، بحث منشور في مجلة الحقوق، كلية القانون، جامعة بغداد، عدد 41، 2013.
عبد الحفيظ الشيمي. «التحول في أحكام القضاء الدستوري دراسة مقارنة»، دار النهضة العربية للتوزيع والنشر، ۲۰۱۰.
عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي. « كتاب العين» ، ط ۱ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ۲۰۰۱.
عصمت عبد المجيد بكر. «مشكلات التشريع» ، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٤ .
علي الفيومي. «المصباح المنير» ، ساحة رياض الصلح، بيروت- لبنان ، 1990.
عواد حسـين ياسـين العبيدي. «تفسـير النصـوص القانونية باتباع الحكمة التشريعية من النصوص»، المركز العربي للدراسات والبحوث العلمية، القاهرة،2019.
عوض المر. «الرقابة القضـائية على دسـتورية القوانين في ملامحها الرئيسـية» ، مركزرينيه، جان دبوي للقانون والتنمية، 1988.
قرار مجلس القضاء لإقليم كردستان : المحكمة الاتحادية لا تملك صلاحية إلغاء قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كوردستان. الموقع الرسمي لحكومة كردستان، تاريخ النشر، 24/6/2022، تاريخ الدخول، 1/5/2024، متاح علي الرابط الآتي:
كريم يوسـف أحمد كشـاش. «الحريات العامة في الأنظمة السـياسـية المعاصـرة»، منشـأة المعارف، الإسكندرية، 1987.
محمود احمد زكي. «الحكم في الدعوى الدستورية» دار النهضة العربية ، القاهرة، ط2 ، 2005.
مروان حسين عطية العيساوي. «الإرادة الضمنية للسلطة التأسيسية الأصلية -دراسة مقارنة» ،أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة كربلاء ، ۲۰۲۰.
منير حمود الشامي. «هل يحق للمحكمة الاتحادية العليا العدول عن مبادئ أو تفسيرات لنصوص دستورية سبق وإن قررتها سابقا» مقالة منشورة علي موقع، الحوار المتمدن، تاريخ النشر، 6/8/2022، تاريخ الدخول، 1/5/2024. متاح علي الرابط الآتي:
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=764497&r=0
هادي عزيز علي. « جواز العدول عن حجية الحكم القضائي الدستوري» مقالة منشورة علي موقع، صحيفة المدي، تاريخ النشر، 6/4/2022، تاريخ الدخول، 29/4/2024، متاح علي الرابط التالي،
https://almadapaper.net/view.php?cat=262428
هديل محمد حســن. «العدول في أحكام القضاء الدستوري في العراق، دراسة مقارنة» أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة النهرين ، 2015.
همـام محمـد محمود زهران. «المـدخـل إلى القـانون،النظريـة العـامـة للقـانون، دار الجـامعـة الجـديـدة للنشر الإسكندرية، 2006.
وائل منذر البياتي. «المظلة التشريعية للعدول القضائي في قرارات المحكمة الاتحادية «، مقالة منشورة علي موقع الزمان، تاريخ النشر، 3/9/2022، تاريخ الدخول، 30/4/2024، متاحة علي الرابط الآتي:
يحيى الجمل. «القضاء الدستوري في مصر»، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011.
ثانيا: المراجع الأجنبية
Black's Law Dictionary, Third Pocket Edition, Thomson West , 2006, 517. Available at: https://thelawdictionary.org/overrule/.
Gerhardt, Michael J. “Role of Precedent in Constitutional Decision-making and Theory.” Geo. Wash. L. Rev. 60 (1991): 68.
Kozel, Randy J. “Precedent and Constitutional Structure.” Nw. UL Rev. 112 (2017): 789.
Black's Law Dictionary, p. 1059 (5th ed. 1979). And, Monaghan, Henry Paul. “Stare decisis and constitutional adjudication.” Colum. L. Rev. 88 (1988): 723.
Burns, Thomas. “The Doctrine of Stare Decisis.” (1893).
Burton, Steven J. “The Conflict Between Stare Decisis and Overruling in Constitutional Adjudication.” Cardozo Law Review 35 (2014): 1687.
Cooper, Charles J. “Stare decisis: precedent and principle in constitutional adjudication.” Cornell L. Rev. 73 (1987): 401.
Gerhardt, Michael J. “The Irrepressibility of Precedent.” North Carolina Law Review 86.5 (2008).
Noland, Jon D. “Stare Decisis and the Overruling of Constitutional Decisions in the Warren Years.” (1969).
Strauss, David A. “The irrelevance of constitutional amendments.” Harv. L. Rev. 114 (2000).
ثالثا: القرارات والأحكام
النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم ( 1) لسنة (2022).
قانون رقم ٢٥ لسنة ٢٠٢١التعديل الأول الأمر رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ قانون المحكمة الاتحادية العليا.
قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (158/اتحادية /2022) الصادر في 16 /8 /2022.
قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (189/ اتحادية/ 2021) والمشكل بتاريخ 27/3/2023م.
قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم ( ٥٩ / اتحادية / ۲۰۱۲ وموحدتها ۱۱۰ / اتحادية / ۲۰۱۹) في ٢٠٢٢/٢/١٥.
قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم ٣٠ لـســــنـة ٢٠٠٥المعـدل بـالقـانون رقم (٢٥) لســنـة 2021.
قرارا المحكمة الاتحادية العليا رقم (74/ اتحادية/ 2009) بتاريخ 3/12/2009.
قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (35/ اتحادية/ 2023) وموحداتها (37، 40، 45، 47، 48، 50، 57، 58، 66، 99/ اتحادية/ 2023)، المنشور بتاريخ: 27/8/2023م.
قرارا المحكمة الاتحادية العليا رقم (9 / اتحادية/ 2007) بتاريخ 11/9/2007.
قرارا المحكمة الاتحادية العليا رقم (13 / اتحادية/ 2007) بتاريخ 31/7/2007.
قرارا المحكمة الاتحادية العليا رقم (16/ اتحادية/ 2007) بتاريخ 11/9/2007.
قرار المحكمة الاتحادية العليا رقيم (189/ اتحادية/ 2021) والمشكل بتاريخ 27/3/2023م.
[1] منير حمود الشامي.»هل يحق للمحكمة الاتحادية العليا العدول عن مبادئ أو تفسيرات لنصوص دستورية سبق وإن قررتها سابقا» مقالة منشورة علي موقع، الحوار المتمدن، تاريخ النشر، 6/8/2022، تاريخ الدخول، 1/5/2024. متاح علي الرابط الآتي :
[2] Burton, Steven J. “The Conflict Between Stare Decisis and Overruling in Constitutional Adjudication.” Cardozo Law Review 35 (2014): 1687., pp. 1687- 88.
[3] Cooper, Charles J. “Stare decisis: precedent and principle in constitutional adjudication.” Cornell L. Rev. 73 (1987): 401., pp. 401-406.
[4] Gerhardt, Michael J. “The Irrepressibility of Precedent.” North Carolina Law Review 86.5 (2008)., p. 1279, 1283.
[5] Burns, Thomas. “The Doctrine of Stare Decisis.” (1893)., p. 6.
[6] Black’s Law Dictionary, p. 1059 (5th ed. 1979). And, Monaghan, Henry Paul. “Stare decisis and constitutional adjudication.” Colum. L. Rev. 88 (1988): 723., 763-767.
[7] Gerhardt, Michael J. “Role of Precedent in Constitutional Decision-making and Theory.” Geo. Wash. L. Rev. 60 (1991): 68., pp. 68,74.
[8] Strauss, David A. “The irrelevance of constitutional amendments.” Harv. L. Rev. 114 (2000):, pp. 1457- 59.
[9] ينظر : سورة المائدة الآية 95.
[10] ينظر : سورة الأنعام، الآية 70.
[11] ينظر : علي الفيومي. «المصباح المنير» ، ساحة رياض الصلح، بيروت- لبنان، ، 1990، ص 150.
[12] ينظر : المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، مادة (ع د ل)، ٥٨٨/٢.
[13] ينظر : جبران مسعود. «الرائد» ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ١٩٩٢ ، ص ٥٤٣.
[14] ينظر : أبو الحسن احمد بن فارس. «معجم اللغة» ، ط ۱ ، دار أحياء التراث العربي ، بيروت ، ٢٠٠٥ ، ص ٤٦٢ .
[15] ينظر : عبد الرحمن الخليل بن احمد الفراهيدي. « كتاب العين» ، ط ۱ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ۲۰۰۱ ، ص ٤٠٩ .
[16] ينظر : هديل محمد حســن. «العدول في أحكام القضاء الدستوري في العراق، دراسة مقارنة» أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة النهرين ، 2015، ص 65.
[17] ينظر : صلاح الدين فوزي. «الدعوى الدستورية» ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1993، ص3.
[18] ينظر : عادل طالب. «العدول عن مبدأ السوابق القضائية»، بحث منشور في مجلة الحقوق، كلية القانون، جامعة بغداد، عدد 41، 2013، ص3.
[19] ينظر : هديل محمد حســــن. مرجع سابق، ص65.
[20] ينظر : د. عبد الحفيظ الشيمي. «التحول في أحكام القضاء الدستوري دراسة مقارنة»، دار النهضة العربية للتوزيع والنشر، ۲۰۱۰، ص ١٤-١٦
[21] Black’s Law Dictionary, Third Pocket Edition, Thomson West , 2006, 517. Available at: https://thelawdictionary.org/overrule/.
[22] ينظر : مروان حسين عطية العيساوي. «الإرادة الضمنية للسلطة التأسيسية الأصلية -دراسة مقارنة» ، أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة كربلاء ، ۲۰۲۰ ، ص ۱۷۹
[23] ينظر د. عبد الحفيظ الشيمي. مرجع سابق، ص ١٤-١٦.
[24] ينظر : محمود أحمد زكي. «الحكم في الدعوى الدستورية» دار النهضة العربية ، القاهرة، ط2 ، 2005، ص4.
[25] ينظر : المرجع السابق، ص4.
[26] ينظر : عبد الحفيظ علي الشيمي. مرجع سابق، ص3.
[27] ينظر : هديل محمد حسن. مرجع سابق، ص87.
[28] ينظر : همـام محمـد محمود زهران. «المـدخـل إلى القـانون،النظريـة العـامـة للقـانون، دار الجـامعـة الجـديـدة للنشر الإسكندرية، 2006، ص ٥.
[29] ينظر : د . عصمت عبدالمجيد بكر. «مشكلات التشريع» ، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٤ ، ص٢١.
[30] ينظر : عادل الطبطبائي. «الحدود الدســـتورية بين الســـلطتين التشـــريعية والقضـــائية»، مجلس النشـــر العلمي الكويت، 2000، ص ٣.
[31] ينظر : عواد حسـين ياسـين العبيدي. «تفسـير النصـوص القانونية باتباع الحكمة التشريعية من النصوص»، المركز العربي للدراسات والبحوث العلمية، القاهرة،2019، ط1، ص105.
[32] ينظر : د . يحيى الجمل. «القضاء الدستوري في مصر»، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011، ص 8.
[33] ينظر : قانون رقم ٢٥ لسنة ٢٠٢١التعديل الأول الأمر رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ قانون المحكمة الاتحادية العليا.
[34] ينظر : كريم يوسـف احمد كشـاش. «الحريات العامة في الأنظمة السـياسـية المعاصـرة»، منشـأة المعارف، الإسكندرية، 1987، ص 300- 301.
[35] ينظر : عوض المر. «الرقابة القضـائية على دسـتورية القوانين في ملامحها الرئيسـية» ، مركزرينيه، جان دبوي للقانون والتنمية، 1988، ص 77.
[36] ينظر : هديل محمد حسن. مرجع سابق، ص93.
[37] ينظر : المرجع السابق، ص 93.
[38] Noland, Jon D. “Stare Decisis and the Overruling of Constitutional Decisions in the Warren Years.” (1969)., pp. 101-104.
[39] ينظر : د/ إسلام إبراهيم شيحه. «العدول عن السوابق الدستورية في القضاء الأمريكي» مجله العلوم الإقتصادية والقانونية ، مجلد 2، عدد 1 السنه الثانية والستون، 2020 ص ١٨٩٢-١٨٩٩.
[40] ينظر: سـعد ممدوح نايف. «الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح»، دار أبو المجد للطباعة، القاهرة، 2006، ص129.
[41] ينظر : راجع في ذلك: قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم ٣٠ لـســــنـة ٢٠٠٥المعـدل بـالقـانون رقم (٢٥) لســنـة 2021.
[42] ينظر : انظر: النظـام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم ( 1) لسنة 2005 السـابق.
[43] Kozel, Randy J. “Precedent and Constitutional Structure.” Nw. UL Rev. 112 (2017): 789., p. 811.
[44] ينظر : د . إسلام إبراهيم شيحه. مرجع سابق، ص ١٩٠٢ -١٩٠٤
[45] ينظر : أحمد كمال ابوالمجد. «الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والإقليم المصري»، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 2003، ص 1.
[46] ينظر : المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم ( 1) لسنة (2022).
[47] ينظر : قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (158/اتحادية /2022) الصادر في 16 /8 /2022.
[48] ينظر : المظلة التشريعية للعدول القضائي في قرارات المحكمة الاتحادية – وائل منذر البياتي، مقالة منشورة علي موقع الزمان، تاريخ النشر، 3/9/2022، تاريخ الدخول، 30/4/2024، متاحة علي الرابط التالي،
[49] ينظر : هادي عزيز علي. « جواز العدول عن حجية الحكم القضائي الدستوري» مقالة منشورة علي موقع، صحيفة المدي، تاريخ النشر، 6/4/2022، تاريخ الدخول، 29/4/2024، متاح علي الرابط التالي،
[50] ينظر : للمزيد راجع: قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (16/ اتحادية/ 2007) بتاريخ 11/9/2007.
[51] ينظر : قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (74/ اتحادية/ 2009) بتاريخ 3/12/2009.
[52] ينظر : قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (9 / اتحادية/ 2007) بتاريخ 11/9/2007
[53] ينظر : قرارا المحكمة الاتحادية العليا رقم (13 / اتحادية/ 2007) بتاريخ 31/7/2007
[54] ينظر : د. أحمد طلال عبد الحميد البدري. «المحكمة الاتحادية العليا وضوابط العدول الذاتية عن الأحكام القضائية - تعليق على قرارها المرقم (158/اتحادية/2022) في 16 /8 /2022» مقالة منشورة علي الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، تاريخ النشر، 28/9/2022، تاريخ الدخول، 2/5/2024. متاح علي الرابط التالي،
[55] ينظر : جدير بالذكر، أن مجلس قضاء اقليم كردستان، قد عارض قرار المحكمة الاتحادية العليا ولم يعترف به، مستندا إلي أن نصوص قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان - العراق رقم (22) لسنة 2007، يتماشى مع أحكام الدستور العراقي ولا يتعارض معها. كما أنه بموجب المادة 92/2 من الدستور العراقي، يتعين على مجلس النواب إقرار قانون لإنشاء المحكمة الاتحادية العليا، ورغم ذلك، لم يتم تمرير مثل القانون حتي تاريخه، مما يستتبع القول معه بعدم وجود محكمة اتحادية في العراق = =تأسست استناداً إلى الدستور، إذ إن المحكمة التي أصدرت قراراً في 15 شباط 2022 بإلغاء قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كوردستان رقم (22) لسنة 2007، لا تملك أي سلطة دستورية، وبالتالي لا يزال قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان سارياً. للمزيد حول ذلك راجع: قرار مجلس القضاء لإقليم كردستان : المحكمة الاتحادية لا تملك صلاحية إلغاء قانون النفط والغاز الخاص بإقليم كوردستان. الموقع الرسمي لحكومة كردستان، تاريخ النشر،24/6/2022، تاريخ الدخول، 1/5/2024، متاح علي الرابط الآتي:
https://gov.krd/arabic
[56] ينظر : قرار رقم ( ٥٩ / اتحادية / ۲۰۱۲ وموحدتها ۱۱۰ / اتحادية / ۲۰۱۹ ) في ٢٠٢٢/٢/١٥.
[57] تنص المادة (110) من دستور العراق 2005 علي: « تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية: رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية. وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وإدارتها لتأمين حماية وضمان أمن حدود العراق، والدفاع عنه . رسم السياسة المالية والكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وإنشاء بنك مركزي وإدارته . تنظيم أمور المقاييس والمكاييل والأوزان . تنظيم امور الجنسية والتجنس والإقامة وحق اللجوء السياسي. تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد. وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية . تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه وتوزيعها العادل داخل العراق . وفقا للقوانين والأعراف الدولية . الاحصاء والتعداد العام للسكان «.
[58]ينظر : قرار صادر عن المحكمة الاتحادية العليا رقم ( ٥٩ / اتحادية / ۲۰۱۲ وموحدتها ۱۱۰ / اتحادية / ۲۰۱۹ ) في ٢٠٢٢/٢/١٥. جريده الوقائع العراقيه، عدد 4668 ، سنة 2022 السنة الثالثة والستون، ص ٥-٦. متاحة على الرابط الآتي:
[59] ينظر : المرجع السابق، ص 3-4.
[60] ينظر : قرار رقم ( ٥٩ / اتحادية / ۲۰۱۲ وموحدتها ۱۱۰ / اتحادية / ۲۰۱۹ ) في ٢٠٢٢/٢/١٥.
[61] ينظر : تنص المادة (28) علي: «كل من يصنع مشروبات روحية أو ينقلها أو يستوردها أو يصدّرها أو يبيعها أو يستلمها أو يحتفظ بها عالما أو لديه ما يدعو إلى الاعتقاد بان عمله مخالف لاحكام هذا القانون أو لأية أنظمة أو أوامر وزارية صدرت بموجب المادتين (25 او 44) من هذا القانون يرتكب جرماً يعاقب عليه بغرامة لا تزيد على الألف وخمسمائة دينار أو بالحبس بمدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بكلتا العقوبتين».
[62] ينظر: قرار المحكمة الاتحادية العليا رقيم (189/ اتحادية/ 2021) والمشكل بتاريخ 27/3/2023م.
[63] ينظر : واستندت المحكمة الاتحادية في قرارها علي: «أن تنظيم التعامل بالمشروبات الروحية من قبل المشرع ليس فيه مساس بمبادئ الديمقراطية ولا الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور، كما أن ممارسة الحقوق والحريات والخصوصية الشخصية يكون مقيدا بحقوق وحريات الآخرين وبالنظام العام والآداب العامة، ومن جهة أخرى فإن المشرع لم يمنع مطلقاً التعامل بالمشروبات الروحية، ولكن الموضوع يتمثل بتنظيم كيفية التعامل بتلك المشروبات وهو خيار تشريعي للمشرع بناء على = =السياسة العامة للدولة التي تنعكس من خلال مشاريع القوانين التي تقدم للسلطة التشريعية». راجع: قرار المحكمة الاتحادية العليا رقيم (189/ اتحادية/ 2021) والمشكل بتاريخ 27/3/2023م.
[64] ينظر : القرار رقيم (35/ اتحادية/ 2023) وموحداتها (37، 40، 45، 47، 48، 50، 57، 58، 66، 99/ اتحادية/ 2023)، المنشور بتاريخ: 27/8/2023م.
[65] ينظر : قرار المحكمة الاتحادية العليا رقيم (35/ اتحادية/ 2023) وموحداتها (37، 40، 45، 47، 48، 50، 57، 58، 66، 99/ اتحادية/ 2023)، المنشور بتاريخ: 27/8/2023م.