حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
تاريخ الاستلام 1/1 تاريخ القبول 11/2
النشر 25/٤/2025
إستقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي
ودوره في الإصلاح الإداري
The Independence of the Federal Public Service Council
And Its Role in Administrative Reform
م. د. رافد علي لفتة الجبوري
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / الدائرة القانونية
Assistant Professor Dr. Rafid Ali Lafta Al-Jubouri
Ministry of Higher Education and Scientific Research / Legal Department
المستخلص
تُعتبر الوظيفة العامة أمانة مُقدسة وخدمة للمجتمع، لذا يجب أن يتولى تنظيمها جهةٌ مهنية مُختصة تقوم باختيار الأفراد المؤهلين لتحقيقِ الهدف الأساسي المُتمثل في المصلحةِ العامة، وتستدعي هذه الضرورة أن تتولى تنظيم هذه الوظيفة جهةٌ ذات سُلطات واختصاصات مُحددة بموجب الدستور، وأن تتمتع بقدرٍ كافٍ من الاستقلالية لضمانِ حياديتها وعدم تأثرها بأي ضغوطٍ سلبية تؤثر على أدائها لواجباتها. وهذا ما يُبرر إعادة إنشاء مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراقِ بموجب الدستور، ليكون مسؤولاً عن شؤونِ الوظيفة العامة بما يتماشى مع متطلبات المصلحة العامة واعتبارات العدالة بين المُتنافسين على الوظائفِ العامة في البلاد.
ومع ذلك، فإن استقلالية المجلس لا تعني عدم التعاون والتنسيق مع السلطة التنفيذية، التي تُعتبر الجهاز الإداري الأعلى في الدولة، حيث تتطلب اعتبارات التنظيم الإداري ذلك. وقد جاء التنظيم الجديد للمجلس دستورياً استجابةً لمبادئ الديمقراطية التي يقوم عليها النظام السياسي الحالي في العراق، وضمن الهيئات المستقلة، معتمداً على استقلالٍ مالي وإداري بُغية بناء قدرات بشرية تعمل على خدمة المجتمع على أساسِ مبدأ المساواة.
الكلمات المفتاحية : الإستقلالية، مجلس الخدمة الإتحادي، الإصلاح الإداري، القانون الإداري
Abstract
The public service is considered a sacred trust and a service to the community. Therefore, it should be organized by a specialized professional body that selects qualified individuals to achieve the primary goal of serving the public interest. This necessity calls for an organization with specific powers and responsibilities as defined by the constitution, and it should enjoy sufficient independence to ensure its neutrality and to be unaffected by any negative pressures that could impact its performance of duties. This justifies the re-establishment of the Federal Public Service Council in Iraq under the constitution. To be responsible for public service affairs in accordance with the requirements of the public interest and considerations of fairness among competitors for public positions in the country. However, the council’s independence does not mean a lack of cooperation and coordination with the executive authority, which is considered the highest administrative body in the state, as administrative organization considerations require it. The new organization of the council has been constitutionally established in response to the principles of democracy that underpin the current political system in Iraq, and within independent bodies, relying on financial and administrative independence in order to build human capacities that serve the community based on the principle of equality.
Keywords: Independence, Federal Service Council, Administrative Reform, Administrative Law.
المقدمة
وافق مجلس النواب العراقي على قانونِ مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009 المعدل، بهدفِ تنظيم شؤون الوظيفة العامة وتوفير فرص مُتساوية للأفراد المؤهلين لِشغلها. كما يسعى القانون إلى تطويرِ الجهاز الإداري ورفع مُستوى الهيكل التنظيمي في مؤسسات الدولة.
يُعتبر هذا المجلس تجربة دستورية حديثة تتماشى مع التغيرات التي تشهدها المرافق العامة. وقد تم تكليف المجلس بالعديدِ من الاختصاصاتِ لِتعزيز الجهاز الإداري في العراق، بالإضافة إلى دوره ِالرقابي الفعال في مجالِ الخدمة الوظيفية، مما يستدعي تنظيم هذه الجوانب من قبلِ مجلس الخدمة العامة الاتحادي.
وعليه ُيعتبر مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراق من نتائجِ التطور الحديث والاتجاه نحو الديمقراطية في تنظيمِ المرافق العامة. فهو يُمثل جهازًا إداريًا مستقلًا في مهامهِ، مُستندًا إلى مبدأ الفصل بين السلطات، مما يسهم في تنظيم الوظيفة العامة وتحقيق المصلحة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، يُعد المجلس وسيلة قانونية لضمانِ وحماية حقوق الموظف العام، مع الالتزام بأُسُس قانونية ووظيفية سليمة.
وعلى الرغم من أن مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراق هو هيئة مستقلة مسؤولة عن تنظيم شؤون التوظيف في القطاع الحكومي وفق معايير الكفاءة والنزاهة، إلا أن التدخلات السياسية والإدارية تُشكل تحديًا مُستمرًا أمام استقلاليته، حيث تتجلى هذه التدخلات من خلالِ ضغوط الأحزاب السياسية والمسؤولين للتأثير على قراراتِ التعيين والترقيات، مما قد يقوض مبدأ تكافؤ الفرص.
كما أن التأثيرات الخارجية قد تُعرقل تنفيذ الإصلاحات الرامية إلى تعزيزِ الشفافية والعدالة في التوظيف. وعلى الرغم من وجود أطر قانونية تحمي المجلس من التدخلات، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه القوانين يظل مرهونًا بالإرادةِ السياسية ومدى التزام الجهات التنفيذية بمبدأ الفصل بين السلطات، مما يجعل المجلس في مواجهة مُستمرة للحفاظِ على استقلاليتهِ وضمان تحقيق العدالة الوظيفية.
أولاً: أهمية البحث.
تبرز أهمية البحث في استقلاليةِ مجلس الخدمة العامة الاتحادي من الدور الحيوي الذي يلعبه في تنظيمِ وإدارة شؤون الخدمة العامة في الدولة. وكذلك من دورهِ في تحقيق العدالة الوظيفية، حيث يُعتبر الجهة المُختصة التي تُشرف على تعيينِ الموظفين في الوظائفِ العامة على أساسِ الكفاءة والعدالة.
دراسة المجلس تُظهر دوره في ضمان توزيع الفرص بالتساوي بين المواطنين. وتبرز الأهمية من دور المجلس في تعزيز الشفافية والنزاهة، حيث يُسهم المجلس في تقليل الفساد والمحسوبية من خلالِ وضع معايير صارمة لاختيار وتوظيف الكوادر وان فهم آليات عمل المجلس يُساعد على تعزيز هذه القيم.
ثانياً: إشكالية البحث.
بناءً على ما ذكرناه سابقاً تثور معنا الإشكالية الرئيسية الآتية: ما مدى استقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراق في ظل التحديات السياسية والادارية، ومدى قدرته في مجال الاصلاح الاداري.
ثالثاً: منهجية البحث.
نظراً لخصوصية موضـوع هـذا البحث وأهميته في الوقت الحاضـر وتشعب القضايا التي يتطرق لها فقد اعتمدنا على المنهج التحليلي، وعليه سوف نقوم بتحليل النصوص القانونية التي نظمت أعمال ومهام واختصاصات مجلس الخدمة العامة الاتحادي، حيث سنعتمد على دستور جمهورية العراق لعام 2005، بصورةٍ عامة، وسنعتمد على القانون الخاص بتنظيم مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لعام 2009 المعدل.
رابعاً: خطة البحث.
سنعتمد في تناول هذا البحث على التقسيم الثنائي، حيث سنقوم بتقسيمه إلى مبحثين وكل مبحث إلى مطلبين وفقاً للآتي:
المبحث الأول: التنظيم القانوني لمجلس الخدمة العامة الاتحادي.
المطلب الأول: ماهية مجلس الخدمة العامة الاتحادي.
المطلب الثاني: هيكلية مجلس الخدمة العامة الاتحادي.
المبحث الثاني: استقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي ودوره في الإصلاح.
المطلب الأول: استقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي.
المطلب الثاني: التعاون بين مجلس الخدمة والسلطة التنفيذية في مجال الإصلاح الإداري.
المبحث الأول
التنظيم القانوني لمجلس الخدمة العامة الاتحادي
مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراق[1]، هو هيئةٌ مستقلة تهدف إلى تنظيمِ شؤون التوظيف في القطاع ِالعام وضمان تحقيق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين. يستند المجلس إلى الدستورِ والقوانين النافذة التي تُحدد آليات عمله، حيث يُعد الجهة المسؤولة عن وضعِ السياسات المُتعلقة بالتعيينات في الوظائفِ العامة وفقاً لمعايير النزاهة والكفاءة.
يتكون المجلس من رئيس ونائب للرئيس وعدد من الأعضاء الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة ويتم تعيينهم وفق ضوابط قانونية لضمانِ استقلالية المجلس وحياديته. يعتمد المجلس في عملهِ على هيكل تنظيمي يضم دوائر مُتخصصة تُعنى بالتخطيط، والتوظيف، والتطوير الإداري، حيث يسعى إلى تحديثِ آليات العمل الإداري عبر استخدام التكنولوجيا والرقمنة. وإلى جانبِ دوره في التوظيف، يُساهم المجلس في تحسينِ بيئة العمل في المؤسساتِ الحكومية من خلالِ تقديم المُقترحات التي تُعزز كفاءة الأداء الوظيفي وتحقيق التنمية الإدارية في العراق.
بناءً على ما تقدم سوف نتناول هذا المبحث في مطلبين، حيث سنبحث في المطلب الأول في مفهوم مجلس الخدمة العامة الاتحادي، ونتناول في المطلب الثاني هيكلية مجلس الخدمة العامة الاتحادي.
المطلب الأول: مفهوم مجلس الخدمة العامة الاتحادي
مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراق يُعد من أبرز مظاهر التطور الإداري والتوجه نحو الديمقراطية في إدارة المرافق العامة. وهو يُمثل هذا المجلس جهازاً إدارياً مُستقلاً يستند في مهامهِ إلى مبدأ الفصل بين السلطات، مما يُسهم في تنظيم الوظيفة العامة وتحقيق المصلحة العامة وفق أُسُس قانونية ومهنية سليمة. كما يُعد وسيلة قانونية فعّالة لضمان حقوق الموظفين العامين وحمايتها، إلى جانب تعزيز العدالة الإدارية[2].
الفرع الأول: تعريف مجلس الخدمة العامة الاتحادي:
عند استقراء قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي وقوانين الهيئات المستقلة الأخرى في العراق، وحتى عند مقارنة هذه القوانين بالتشريعات المُماثلة، يتضح أن القاعدة العامة تتمثل في غياب تعريف تشريعي دقيق للهيئات المستقلة. ويعود ذلك إلى أن المشرّع غالبًا ما يترك مهمة وضع التعاريف إلى الفقهِ والقضاء[3].
أما الدستور العراقي النافذ، فقد اكتفى في المادة (102) بوصف الهيئات المُستقلة بأنها «هيئات تخضع لرقابةِ مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون»، مشيرًا إلى أنها تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، مع ترك تفاصيل تنظيم عملها للقانون[4].
وبالنظر إلى أن مجلس الخدمة العامة الاتحادي يُعدّ من الهيئات المُستقلة، فإن ما أورده الدستور بشأن هذه الهيئات ينطبق عليه بالضرورة.
بالرجوعِ إلى المادة (2) من قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لسنة 2009، يتضح أن المجلس يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، ويرتبط بمجلس النواب العراقي، حيث يمثله رئيسه أو من ينوب عنه بموجب تخويل رسمي.
وعند محاولة تعريف مجلس الخدمة العامة الاتحادي، يظهر اختلاف بين الفقهاء في تعريف الهيئات المستقلة بشكل عام. وقد استندت التعريفات إلى معيارين رئيسيين:
المعيار الشكلي: يُعرف الهيئة المستقلة بأنها كيان يُنشأ بموجب قانون يُمنح من خلاله الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، مع تحديد نظامها الداخلي بما يمنع السلطة التنفيذية من تغييره أو تعديله بإرادتها المنفردة.
المعيار الموضوعي: يُركز على طبيعة عمل هذه الهيئات، إذ تُعرف بأنها أجهزة داخل الدولة تتمتع بصلاحياتٍ وامتيازات تمكّنها من اتخاذ قرارات مستقلة، مما يجعلها أشبه بسلطات مستقلة في هيكل الدولة[5].
وعليه يمكن القول أن مجلس الخدمة العامة الاتحادي يُمثل نموذجاً واضحاً للهيئات المُستقلة، حيث يجمع بين الاستقلالية القانونية والإدارية التي تمنحه القدرة على أداء مهامه بعيدًا عن تدخلِ السلطة التنفيذية، مما يرسخ دوره كجهة مستقلة في إطار النظام السياسي والإداري للدولة.
وإزاء عدم شمولية هذه التعريفات وعدم دقتها يمكننا تعريف مجلس الخدمة العامة الاتحادي وفقاً للمعيارين الشكلي والموضوعي بأنه جهاز إداري مشكل وفقاً للقانون يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري يقوم بمجموعة من الأعمال والأنشطة من أجل تنظيم شؤون الوظيفة العامة في الدولة.
ولتحقيق العدالة الوظيفية، سعى العراق إلى تأسيس مجلس الخدمة العامة الاتحادي، الذي يعمل وفق أهداف ومهام مُحددة بموجب القانون.
الفرع الثاني: أهداف مجلس الخدمة العامة الاتحادي:
قد بَيّنا سابقاً أن الأساس القانوني لمجلسِ الخدمة العامة الاتحادي هو نص المادة 107 من الدستور، التي نصت على تسمية المجلس وتنظيمه بقانون يسمى (قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادية)، حيث نصت على تأسيسِ مجلس يُسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادية، يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية، بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون، ان هذا النص ورد ضمن الفصل الرابع للباب الثالث من الدستور الخاص بتشكيل الهيئات المُستقلة؛ ولهذا فإن المجلس يُعّد من حيث تشكيله احدى الهيئات المُستقلة في العراق[6]. وهو بهذا يتمتع بالاستقلال المالي والاداري، ويكون ارتباطه بمجلس النواب. وبذلك يُعّد احدى المؤسسات الدستورية في العراق يعنى بتنظيم شؤون الوظيفة العامة بموجب قانونه الصادر رقم 4 لسنة 2009.
لذلك فإنه يعد أول مؤسسة ادارية مُستقلة تتولى تنظيم الوظيفة العامة من اجلِ كفالة المساواة والعدالة في الجهازِ الاداري بإتباع قواعد الاجراءات الادارية في الشأن الوظيفي[7]. حيث يهدف المجلس وفق المادة (3) من القانون رقم 4 لعام 2009 الى تحقيق ما يلي:
رفع مستوى الوظيفة العامة وتنمية وتطوير الخدمة العامة وإتاحة الفرص المتساوية وضمان مبدأ المساواة للمؤهلين لإشغالها.
تخطيط شؤون الوظيفة العامة والرقابة والإشراف عليها.
تطوير الجهاز الإداري، ورفع مستوى الهيكل الوظيفي للدولة وتطوير كفاءة موظفي الخدمة العامة وتوفير الرعاية الاجتماعية الملائمة لهم بالتنسيق مع الجهات المختصة.
وقد نص القانون على وسيلتين لتحقيق هذه الأهداف: الأولى: هي إنشاء معهد يسمى "معهد الوظيفة العامة"، على أن يتم تنظيم عمله بقانون خاص. أما الثانية: فهي إنشاء مدارس للتطوير الوظيفي داخل الوزارات، حيث يُلزَم كل منها بذلك بالتنسيق مع المجلس المعني. إلا أنه يمكن ملاحظة أن هذه الوسائل تبدو محدودة وغير متناسبة مع الأهداف المنشودة، حيث تركز فقط على جانب واحد يتعلق بتطوير الوظيفة العامة. كما أن النص على إنشاء مدارس في الوزارات الخاصة بالتطوير الوظيفي قد يكون مبالغًا فيه، سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ أو الإشراف والرقابة.
وبناءً على ما تقرر من أهداف للمجلس بموجب المادة الثالثة المذكورة سابقاً، فنلاحظ أن هناك قصر قانوني وغموض في الصياغة لما تقرر من نقاط، وارتأينا أن تكون وفق الآتي: النص على ضمان تكافؤ الفرص أمام المواطنين في شغلِ الوظائف العامة على وفقِ مؤهلاتهم والشروط المطلوبة، والنص على رفع مستوى كفاءة الأداء لموظفي الخدمة المدنية، والنص على تخطيط شؤون الخدمة المدنية العامة وشؤون وظائفها والرقابة والاشراف عليها بما يضمن تنظيمها وتطويرها.
المطلب الثاني: هيكلية مجلس الخدمة العامة الاتحادي
سنتناول هذا الفرع من خلال تقسيمه إلى فرعين، حيث سنبحث في الفرع الأول تكوين مجلس الخدمة العامة الاتحداي، ثم ننتقل لتناول مهام مجلس الخدمة العامة الاتحادي في الفرع الثاني:
الفرع الأول: تكوين مجلس الخدمة العامة الاتحادي:
كان المجلس في البداية يتكون من رئيس ونائب للرئيس بالإضافة إلى سبعة أعضاء متفرغين، يشترط أن يكون اثنان منهم مُختصين في القانون، اثنان في الإدارة والاقتصاد، وواحد في كل من الطب والهندسة والزراعة[8]، هذا التكوين كان مُعتمدًا بموجب قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009.
لكن بعد صدور التعديل الأول للقانون في عام 2015[9]، تم تعديل المادة (5) لتصبح التشكيلة الجديدة للمجلس تَضُم رئيسًا ونائبًا للرئيس، إضافةً إلى تسعة أعضاء مُتفرغين. من هؤلاء الأعضاء، يجب أن يكون ثلاثة منهم مُتخصصين في القانون، وثلاثة في الإدارة والاقتصاد، وعضو واحد في كل من الطب والهندسة والزراعة.
وقد تم تبرير هذا التعديل بهدف تعزيز تمثيل مختلف مكونات الشعب في المجلس، وذلك من خلال التنوع الأكبر في التخصصات الأكاديمية والمهنية بين أعضائه[10].
ويتمتع رئيس المجلس بدرجةٍ خاصة، بينما يشغل نائب الرئيس وبقية الأعضاء منصب مدير عام. تُحَدَد مدة عضوية رئيس المجلس ونائبه وأعضاء المجلس بخمسِ سنوات، مع إمكانية التجديد لمرةٍ واحدة. وفيما يتعلق بالشؤون الإدارية والمالية للمجلس، يتولى رئيس المجلس صلاحيات الوزير في هذا المجال[11].
الفرع الثاني: مهام مجلس الخدمة العامة الاتحادي:
الوظيفة العامة تُشكل كيانًا مُستقلًا ونظامًا مُتميزًا تحكمهُ قواعد خاصة تختلف عن تلك التي تحكم القانون الخاص. ويعتبر موظفو القطاع العام فئةٌ اجتماعية متميزةٌ عن بقيةِ فئات المجتمع،[12] إذ يتمتعون بحقوقٍ خاصة ويترتب عليهم واجبات والتزامات مُحددة. يهدف المجلس إلى تحسينِ مُستوى الوظيفة العامة وتعزيز وتطوير الخدمة العامة، مع ضمان تكافؤ الفرص والمساواة بين المؤهلين لشغلِ الوظائف العامة. كما يسعى إلى تخطيط شؤون الوظيفة العامة ومراقبتها، بالإضافةِ إلى تطوير الجهاز الإداري ورفع مُستوى الهيكل الوظيفي للدولة.
ويعكف المجلس على تحسينِ كفاءة موظفي الخدمة العامة من خلالِ التدريب المُستمر، وتوفير الرعاية الاجتماعية المناسبة لهم بالتنسيق مع الجهات المعنية. ويُؤسس معهد خاص بالوظيفة العامة لتدريب الموظفين وتأهيلهم، بما يساهم في رفعِ مستوى الأداء الوظيفي داخل الجهاز الإداري للدولة.
ووفقا للمادة (9) من القانون، يتولى المجلس تنفيذ قانون الخدمة الاتحادية عند تشريعه، فقد جاء الفصل الرابع منهُ متضمناً تحديد المهام والصلاحيات التي يضطلع بها المجلس، وسنتناول أهمها وفق الآتي:
تنفيذ قانون الخدمة العامة الإتحادية عند تشريعه وتنفيذ كل ما يتعلق بالوظيفة العامة الإتحادية في القوانين النافذة.... الملاحظ ان هذه الفقرة لم تُنفذ في حينها؛ حيث شرع القانون الا انه لم يأخذ مجراه للتنفيذ الا في عام 2019.
التعيين وإعادة التعيين والترقية في الخدمة العامة ويكون ذلك من اختصاص المجلس حصراً وعلى أساس المعايير المهنية والكفاءة؛ فتحقيق الكفاءة المطلوبة فيمن يشغل الوظيفة العامة أمرٌ في غاية الاهمية، كي تتمكن الادارة من تحقيق اهدافها[13].
تخطيط شؤون الوظيفة العامة والاشراف والرقابة عليها في دوائر الدولة ورسم سياسات الخدمة العامة وتحديد وسائل تنفيذها وتقييم مستوى الانجاز.
اعداد مشروع الموازنة الخاصة للمجلس، ودراسة مقترحات الوزارات حول مشروع قانون الموازنة الإتحادية فيما يتعلق بالاعتمادات المطلوبة للموظفين والنفقات الإدارية والموافقة عليها وتقديمها الى مجلس الوزراء.
إجراء المسوحات والدراسات والإحصاءات وتقديم المقترحات المتعلقة بتحقيق التوازن بين هيكل الرواتب وبين المُستوى المعاشي العام في ضوءِ تكاليف المعيشة وأسعار السلع والخدمات والمعايير الإقتصادية وتحديد الحد الأدنى لمعيشةِ الفرد في الوظيفةِ العامة بالتنسيقِ مع الجهات المختصة.
للمجلس اختبار مؤهلات الاشخاص المُراد تعيينهم او اعادة تعيينهم بالمقابلةِ او بالامتحانِ التحريري[14]،أو بهما معاً للوقوفِ على صِفاتهم ولياقتهم ويُستثنى من ذلك من له خدمةٌ سابقة في وظيفةٍ مُثبت فيها، او يحمل شهادة عالية إلا اذا كان عدد المتقدمين للوظائف المطلوب اشغالها أكثر من عددِ تلك الوظائف.
يراعي المجلس في إداء عمله أحكام المادة (105) من الدستور على أن تنطبق على الجميع شروط وأوصاف الوظيفة).
المبحث الثاني
استقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي ودور في الاصلاح
قد يبدو أن هناك خلطًا بين اختصاصات مجلس الخدمة الاتحادي والسلطة التنفيذية، نظراً لأن كلا الجهتين تُشكلانِ جزءًا من الجهاز الإداري للدولة. على الرغم من أن مجلس الخدمة الاتحادي هو كيان جديد نسبياً في هذا الجهاز، إلا أن له جذوراً تاريخية[15]، وقد أصبح دوره اليوم أكثر وضوحًا وأهمية في تنظيمِ شؤون الوظيفة العامة[16]. لذا، سنعمل على توضيح مدى استقلالية وتعاون الجهتين من خلال مطلبين منفصلين: في المطلب الأول، سنستعرض استقلال مجلس الخدمة العامة الاتحادي، بينما في المطلب الثاني، سنناقش علاقة التعاون بين مجلس الخدمة والسلطة التنفيذية في مجال الإصلاح الإداري.
المطلب الأول: استقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي
إن مجلس الخدمة العامة الاتحادي في العراق يتمتع باستقلالٍ مالي وإداري بموجب المادة (2) من قانونِ المجلس رقم 4 لسنة 2009، حيث أكد القانون هذا الاستقلال لضمانِ إدارة شؤونه بعيداً عن التدخلات التنفيذية. وقد أدرج الدستور العراقي المجلس ضمن الهيئات المُستقلة في الفصل الرابع من البابِ الثالث، إلا أنه لم يوضح بشكلِ صريح مضمون الاستقلال المالي والإداري، واكتفى بالإشارةِ إلى خضوعهِ لرقابةِ مجلس النواب.
في ضوء هذا الإطار القانوني، يظهر المجلس كهيئةٌ مُستقلة لا تتبع الحكومة أو السلطة التنفيذية، بل يتبع بشكلٍ مباشر مجلس النواب. ورغم ذلك، يثير غياب التفاصيل الدستورية المتعلقة بالاستقلالِ تساؤلات حول نطاق هذا المفهوم وآليات تطبيقه، مما يترك مجالاً للتأويل حول حدود استقلالية المجلس في ظل الإشراف الرقابي لمجلس النواب.
ويُعّد الاستقلال احد المبادئ المهمة للمجلس في ضوءِ المهام الموكلة به، كونه من الاجهزةِ التنظيمية التي تَتَطلب استقلال اجهزتها لضمانِ حيادية مُمارسة وظائفها[17].
إن ضمان استقلالية هذه المؤسسة يُعد أمرًا بالغ الأهمية لتجنب خضوعها لتأثير الحكومة من جهة، ولحمايتها من التأثيراتِ السياسية والصراعات الحزبية من جهةٍ أخرى. يهدف ذلك إلى تمكينها من اتخاذِ قرارات إدارية مُحايدة، بعيدًا عن أي تدخلاتٍ أو انحيازات قد تضر بِمصداقيتها وأدائها، وهو ما يُعزز تطبيق مبدأ الفصل بين السُلطات.
وقد تم إنشاء هذا المجلس لتنظيمِ شؤون الوظيفة العامة وتحريرها من التسييسِ والتحزب، مع التركيز على تشكيلِ كيان مؤسسي يعنى بتطوير أداء مؤسسات الدولة. كما يهدف إلى تحقيقِ العدالة وضمان معايير الكفاءة في عملياتِ التعيين، وإعادة التعيين، والترقية. ويتم ذلك من خلالِ السعي لتحسينِ مستوى الوظيفة العامة، وتخطيط شؤونها، ومُمارسة الإشراف والرقابة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة بكفاءة وشفافية[18].
ان عمل مجلس الخدمة العامة الاتحادي كان مُرتبطا بصدور القانون الخاص به، وبعد صدور القانون وعلى الرغم من التأخير في نفاذه؛ الا ان الأمر يتطلب الغاء القوانين والقرارات التي تتعلق بالوظيفةِ العامة والتي تتعارض مع المهام المُحددة للمجلس قانوناً؛ كون المجلس قد جاء ليستقل بشؤون الوظيفة العامة بعيداً عن التدخل من الجهاتِ الأخرى في مهامِها.
وإن هذه الاستقلالية الخاصة لمجلس الخدمة العامة لا تعني أنه غير خاضع لأي رقابة، فإن المجلس يخضع للرقابة من خلالِ مجلس النواب[19]، والذي له أن يتدخل في المجلس من خلال حالتين:
الحالة الأولى: تعيين رئيس وأعضاء مجلس:
إن تعيين رئيس واعضاء مجلس الخدمة العامة الاتحادي يتم بتوصيةٍ من مجلسِ الوزراء ومصادقة مجلس النواب العراقي وهذا ما نص عليه الدستور العراقي النافذ بموجب المادة ( 80 / خامساً) منه والتي اشارت إلى أنه يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات التالية: أولاً ... خامساً : التوصية إلى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة ...) ثم عرضهم على مجلسِ النواب للمُصادقة عليهم إلا أن قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لسنة 2009 اغفل الأغلبية الموصوفة لتعيين رئيس المجلس واعضائه، ولكن يمكننا اعمال قاعدة توازي الاشكال لمعالجة ذلك الاغفال فبما أن اعفائهم يتم بالأغلبية المطلقة فمن باب اولى ان يكون تعينهم بالأغلبية المطلقة أيضاً.
ومن هنا يلاحظ أن الدور الرقابي الذي يلعبه مجلس النواب العراقي في تعيين رئيس واعضاء مجلس الخدمة العامة الاتحادي يتجسد في مهمةِ اختيار من يشغل منصب رئيس المجلس واعفائه واستبعاد من يراه غير مؤهل لشغلِ هذه المناصب
الحالة الثانية: إقالة رئيس وأعضاء المجلس:
تعتبر هذه الطريقة هي الوسيلة الثانية للرقابة على مجلس الخدمة العامة الاتحادي من قبل مجلس النواب بناءً على اقتراح من مجلسِ الوزراء متى ما توافرت الحالات التي تستوجب الاقالة والتي تتمثل بعدمِ الكفاءة أو الاستقامة أو الإخلال الجسيم بواجباتِ الوظيفة[20]، وهذا ما اشارت إليه المادة (5/ ثامناً) من قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لسنة 2009 والتي نصت على أن يعزل رئيس المجلس أو نائبه أو أي من اعضاء المجلس بناءً على اقتراح من مجلسِ الوزراء ومصادقة مجلس النواب.
والملاحظ على هذا النص أن الصياغة التي جاء بها المشرع العادي كانت غير دقيقة لأن العزل شيء والاقالة شيء آخر ، اذ ان العزل يُعّد احدى العقوبات التي اشار إليها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل بموجب المادة (8)/ ثامناً) منه وبينت حالاتها والتي نصت على أن يكون بتنحية الموظف عن الوظيفة نهائياً ولا تجوز إعادة توظيفه في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي، وذلك بقرار مسبب من الوزير في إحدى الحالات الآتية:
إذا ثبت ارتكابه فعلاً خطيراً يجعل بقائه في خدمة الدولة مضراً بالمصلحة العامة.
إذا حكم عليه عن جناية ناشئة عن وظيفته أو ارتكبها بصفته الرسمية
إذا عوقب بالفصل ثم أعيد توظيفة فارتكب فعلاً يستوجب الفصل مرة أخرى.
المطلب الثاني:التعاون بين مجلس الخدمة الاتحادي والسلطة التنفيذية في مجال الاصلاح الإداري
من خلالِ الاستقلالية التي يتمتع بها المجلس، نبرر عدم خضوعه لرقابةِ السلطة التنفيذية او تحكمها به، وان ما يوجد بينهما فقط هو جانب تعاوني في مجال الاصلاح الاداري كونهما ينتميان الى الجهاز الاداري للدولة. وان تبرير استقلاليته يعود الى عدة اسباب:
أولاً: استقلالية المجلس بهدف تحقيق الاصلاح وهو ما نص عليه قانون المجلس.
هو استقلال شأنه شأن السلطات الاتحادية الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية، استناداً الى مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا يعني عدم خضوع المجلس لرقابة او اشراف السلطة التنفيذية في أداء مهامه وخاصةً الاصلاحية منها، خاصةً وان المشرع منح رئيس المجلس صلاحية الوزير المختص فيما يتعلق بالشؤون الإدارية والمالية الخاصة بالمجلس[21].
فضلا عن ذلك، لكونه جهاز اداري يحتاج بسبب طبيعة اعماله الى المزيد من الاستقلالية الإدارية عن الأجهزة الحكومية الأخرى، أما بشأن الاستقلال المالي للمجلس فإن معيار تحققه يكون أولاً لوجود سند تشريعي كما ذكرنا سلفاً - فضلا عن صلاحية المجلس بإعداد الموازنة الخاصة به، حيث ان مفهوم الاستقلال المالي يشير الى ذلك الوضع القانوني الذي يتمتع فيه الجهاز المعني بكامل سلطاته في اعداد الميزانية الخاصة به وتنفيذها مباشرةً بموافقة السلطات العليا دون تدخل من جانبِ السلطة التنفيذية[22].
ثانياً: يقوم المجلس بوضع نظام داخلي لممارسة المهام المنوطة به للاصلاح الإداري.
يتم ذلك بوضعِ مجموعة من القواعد التي يتم عن طريقها تنظيم العمل داخل المجلس وممارسته من دونِ تدخل أية سلطة وخاصة السلطة التنفيذية، فضلا عن عدم خضوع النظام الداخلي للمجلس للمصادقة من قبل السلطة التنفيذية مع عدم قابليته للنشر.
ثالثاً: يمارس المجلس مهام اعماله بشكلٍ مستقل كجهة إدارية ذات صلاحية قانونية من ناحية الاصلاح.
وبهذا فهو يُصدر قرارات إدارية تكون ذات أثر قانوني. إضافةً الى ذلك، فإن ما يعزز استقلالية المجلس ان لا رقابة للسلطةِ التنفيذية عليه عند الاجتماع؛ فكل ما يتطلبه المشرع هو حضور الأعضاء لإجتماعاته وبالنصاب القانوني المُحدد، واتخاذ القرارات بالأغلبية المطلقة لأعضائه[23].
رابعاً: تمتع المجلس بالشخصية المعنوية.
على الرغم من عدم اعتبار الشخصية المعنوية عاملا ًحاسما وفعالاً لقياسِ درجة الاستقلالية، إلا أنه يساعد على ابرازِ هذه الاستقلالية فيما يتعلق بالجانب الوظيفي، حيث يترتب على التمتع بالشخصية المعنوية عدة نتائج كـ(أهلية التقاضي، والتعاقد، وتحمل المسؤولية... حسب القواعد العامة)[24].
خامساً: استقلالية المجلس في تشكيله.
وهو ما يعني ان يختار المجلس أعضاؤه بنفسه فيما يتعلق بالتعيين والنقل والترقية والتدريب وصولا الى انهاء خدماتهم، حيث يتكون المجلس من رئيس ونائبه وعضوية سبعة أعضاء يتم ترشيحهم من مجلس الوزراء وفقا للشروط على ان يكون ذلك بمصادقة مجلس النواب، وهو ما يعني ان شأن تشكيل المجلس وتعيين الأعضاء يكون من قبل مجلس النواب وان تدخل مجلس الوزراء بترشيح الأعضاء يمكن ان نقول عنه المجال الوحيد للتدخل في شؤون المجلس هذا الى جانب صلاحيته في الاشراف عليه وفقا لنص المادة (80/ أولا) من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005.
لما سبق، نقول ان مجلس الخدمة العامة الاتحادية يمارس مهامه وفقا للقانون بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية او حتى رقابتها او اشرافها، وهو يعني ان المجلس له صلاحيات مغايرة تماماً عن صلاحيات واختصاصات السلطة التنفيذية، وإن ما يحدث بين الجهتين في الواقع العملي هو مجرد إجراءات تنسيقية وتنظيمية ومن مبدأ التعاون لإدارة شؤون الوظيفة العامة بصورةٍ عامة ولسير المرافق العامة في الدولة تحقيقاً للصالح العام وتكريساً للنظام الديمقراطي.
الخاتمة
في ختام هذا البحث يمكن القول أن مجلس الخدمة العامة الاتحادي استحدث على الهيكل الاداري في العراق وفق للسير نحو النظام الديمقراطي وما يتطلبه من ضمان حقوق الافراد والموظفين وفقا لمبدأ سيادة القانون. وان من نتائج مبدأ الفصل بين السلطات ومتطلبات تنظيم الوظيفة العامة افراز مجلس الخدمة العامة الاتحادي كجهة ادارية مستقلة ادارياً ومالياً وتتمتع بالشخصية المعنوية التي تؤهلها لإتخاذِ كافة التصرفات القانونية بعيداً عن تدخل أية جهة اخرى.
حدد المشرع مهام المجلس في القانون الخاص بالمجلس كما هو شأن تحديد صلاحيات السلطة التنفيذية في الدستور، واتضح ان لاعلاقة بين الجهتين الا في بعض الأمور الجزئية التي تُعّد من قبيل التنسيق والتنظيم لضمانِ سير المرفق العام بإنتظام وتحقيق الصالح العام. وفي النهاية توصلنا إلى مجموعة من النتائج والتوصيات الآتية:
أولاً: النتائج:
يتمتع مجلس الخدمة العامة بدورٍ فاعل بوصفه كياناً تنظيمياً يتمتع باستقلالٍ مالي وإداري، ويمارس صلاحيات حصرية لتنظيم شؤون الوظيفة العامة، وضمان شفافيتها، لذلك فهو يمثل حدثاً قانونياً وإدارياً على درجةٍ من الأهمية، ويرتبط بمجلس النواب.
يكتنف الصياغة الحالية لأهداف المجلس بعض الغموض والتداخل، ويمكن وصفها بأنها صياغة متجزئة وغير متوازية مما يتطلب إعادتها من حيث المحتوى والتسلسل على نحو يضمن التوافق والانسجام مع المهام والاختصاصات المنوطة بالمجلس.
بَيّنَ القانون أن أهداف المجلس تتحقق بوسيلتين : الأولى إنشاء معهد يسمى معهد الوظيفة العامة على أن ينظم عمله بقانون، والثانية إنشاء مدارس للتطوير الوظيفي داخل الوزارات فقد ألزم القانون الوزارات بذلك على أن يكون ذلك بالتنسيق مع المجلس.
إنَّ مجلس الخدمة ليس جهة مستقلة، فهو خاضع للسلطة التشريعية من خلال ارتباطه بمجلس النواب تعيينا واقاله وهذا هو مضمون الرقابة التي نص عليه الدستور.
إِنَّ استقلالية مجلس الخدمة العامة الاتحادي تقتصر على الجانب المالي دون الإداري، لذا ولدعم استقلاله المالي يجب أن يتمتع بحرية إعداد الموازنة الخاصة به دون تدخل أي جهاز رقابي في ذلك كي يستطيع تحديد احتياجاته.
ثانياً: التوصيات:
من الاجدر على المشرع الدستوري ان يصرح بإستقلالية المجلس كونه أورده ضمن الفصل الخاص بالهيئات المستقلة فضلاً عن الدور الواقعي للمجلس في القيام بمهامه المحددة قانوناً على سبيل الاستقلال، كما أقر قانون المجلس بهذا الاستقلال، وبذلك ان جعل ارتباطه بمجلس النواب يخل بهذا الاستقلال وبمبدأ الفصل بين السلطات، خاصةً وان مهام المجلس كلها تنصب في الجانب الاداري والتنفيذي.
من المفترض ان يصرح المشرع وبنصٍ خاص بعدم ارتباط او تبعية المجلس للسلطةِ التنفيذية، لكون الدستور نص صراحةً على تكوين المجلس لتنظيم شؤون الوظيفة العامة دون ان يصرح بأيةِ علاقة للسلطة التنفيذية عليه سواء كان ادارياً او رقابياً.
تقترح على المشرع الدستوري العراقي تعديل المادة (5) (خامسا) من قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي على النحو الآتي” بحسب تسلسل هذه المادة من الأفضل لو كانت الفقرة خامسا المتعلقة بالشروط هي الفقرة الأولى، لأن الأدق بياناً شروط العضوية قبل بيان تكوين المجلس - يفضل أن لا يقل العمر عن (40) أربعين سنة الفقرتين (ج، هـ / خامسا) من هذه المادة ليكونا على النحو الآتي (أن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوما عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف).
نوصي بضرورة إدخال مجلس الخدمة العامة الاتحادي حيز التطبيق الفعلي، عن طريق اكمال جميع تشكيلاته وتمكينه من أداء الواجبات المطلوبة منه، إذ أن الآثار المترتبة على أدائه للمهام الموكل إليه القيام بها لها نتائج ايجابية منها القضاء على البطالة والفقر والفساد الإداري والمالي الموجود داخل أروقة مؤسسات الدولة، وتعيين الخرجين وإجراء عمليات الترقية من أجل بناء الهيكل التنظيمي لمؤسساتِ الدولة ورفدها بالطاقات البشرية العاملة.
المراجع
أولاً: الكتب القانونية:
تغريد محمد قدوري، مبدأ المشروعية وأثره في النظام التأديبي للوظيفة العامة، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2013، ص46.
عثمان سلمان غيلان العبودي، أخلاقيات الوظيفة العامة، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014.
رافع خضر صالح شبر، علي هادي حميدي الشكراوي، الدور التشريعي لمجلس النواب بين نصوص الدستور واتجاهات القضاء الدستوري، الطبعة الأولى، المركز العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2017.
عدنان العجلاني، الوجيز في الحقوق الإدارية، ج3، القضاء الإداري ومجلس الدولة، مطبعة جامعة دمشق، دمشق، 1996.
فوزي حبيش، الوظيفة العامة وإدارة شؤون الموظفين، ط4، منشورات صادر الحقوقية، لبنان، 2008.
ماجد راغب الحلو، الإدارة العامة، الطبعة الثانية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2012.
مازن ليلو راضي، القانون الإداري العام، ط3، مطبعة جامعة دهوك، العراق، 2013.
ماهر صالح علاوي، الوسيط في القانون الإداري، ط 1، منشورات جامعة تكريت، العراق، 2009.
محمد بكر قباني، نظرية المؤسسة العامة المهنية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004.
محمد رفعت عبد الوهاب، النظرية العامة للقانون الإداري، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2018.
حمد طه حسين الحسيني، الوسيط في القضاء الإداري، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2018.
محمود عاطف البنا، مبادئ القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 2008.
هشام جميل كمال، مجلس الخدمة الاتحادية بين الرقابة والاستقلالية في العراق، بحث منشور في مجلة كلية القانون والعلوم القانونية والسياسية، 2013.
ثانياً: المجلات:
خالد رشيد علي، مفهوم النقل الوظيفي واتجاهات القضاء الإداري الحديثة بشأنه (دراسة مقارنة)، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، العدد (55)، جامعة بغداد، العراق، 2010.
زينب ماجد محمد علي، غصون على عبد الزهرة، كرار عماد رحيم، الرقابة القضائية على قرارات مجلس الخدمة العامة الاتحادي، مجلة معهد العلمين للدراسات العليا، العدد8، 2022.
ثالثاً: الرسائل والأطاريح الجامعية:
حماد محمد شطا، النظام القانوني للأجور والمرتبات في الوظيفة العامة، أطروحة أُعدت لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، مقدمو إلى جامعة عين شمس، كلية القانون، مصر، 2000.
رشا عبد الرزاق جاسم، المبادئ الحديثة للوظيفة العامة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون، جامعة النهرين، 2008.
رابعاً: الدساتير والقوانين:
الدستور العراقي لعام 2005.
قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لسنة 2009.
خامساً: الأبحاث والمقالات الإلكترونية:
إياد عبد اللطيف، مجلس الخدمة العامة الاتحادي....الدعاية والإعلان السياسي، 2016، بحث منشور على الموقع الإلكتروني الاتي: http://www.shafaaq.com/
علي فاضل فوزي، قراءة تصحيحية لقانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي، 2018، بحث منشور على الموقع الإلكتروني الآتي: http://www.iasj.net/
عماد الأعرجي، مجلس الخدمة العامة الاتحادي تجميد متعمد، 2013، بحث منشور على الموقع الإلكتروني الآتي: http://www.kitabat.com/
[1] نصت المادة (107) من الدستور العراقي لعام 2005 على أنه: يؤسس مجلس يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادي يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون.
[2] ماهر صالح علاوي، الوسيط في القانون الإداري، ط 1، منشورات جامعة تكريت، العراق، 2009، ص123.
[3] هشام جميل كمال، مجلس الخدمة الاتحادية بين الرقابة والاستقلالية في العراق، بحث منشور في مجلة كلية القانون والعلوم القانونية والسياسية، 2013، ص12.
[4] نصت المادة (102) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 على أنه (تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم أعمالها بقانون)
[5] عدنان العجلاني، الوجيز في الحقوق الإدارية، ج3، القضاء الإداري ومجلس الدولة، مطبعة جامعة دمشق، دمشق، 1996، ص81.
[6] هشام جميل كمال، مجلس الخدمة الاتحادية بين الرقابة والاستقلالية في العراق، مرجع سابق، ص14.
[7] زينب ماجد محمد علي، غصون على عبد الزهرة، كرار عماد رحيم، الرقابة القضائية على قرارات مجلس الخدمة العامة الاتحادي، مجلة معهد العلمين للدراسات العليا، العدد8، 2022، ص24.
[8] إياد عبد اللطيف، مجلس الخدمة العامة الاتحادي....لدعاية والإعلان السياسي، 2016، ص243، بحث منشور على الموقع الإلكتروني الاتي: http://www.shafaaq.com/ تاريخ الزيارة: 7/1/2025
[9] قانون التعديل الأول لقانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم 4 لعام 2009، نشر بتاريخ 4/5/2015، مجلة الوقائع العراقية، العدد 4363.
[10] تغريد محمد، مبدأ المشروعية وأثره في النظام التأديبي للوظيفة العامة، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2013، ص46.
[11] إياد عبد اللطيف، مجلس الخدمة العامة الاتحادي....لدعاية والإعلان السياسي، مرجع سابق، ص253.
[12] رشا عبد الرزاق جاسم، المبادئ الحديثة للوظيفة العامة بين الشرعية الإسلامية والقانون الوضعي، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون، جامعة النهرين، 2008، ص27.
[13] ماجد راغب الحلو، الإدارة العامة، الطبعة الثانية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2012، ص147.
[14] ماهر صالح علاوي، الوسيط في القانون الإداري، مرجع سابق، ص219. وإن الطريقة الأكثر شيوعا في معظم دول العالم الاختيار الموظفين هو إجراء اختبار تنافسي لهم، وهذا ما اعتمده القانون المصري رقم 210 لسنة 1951 القانون الخاص بتنظيم شؤون موظفي الدولة الذي نص في المادة (6) تامنا) منه على أن يكون المتقدم للوظيفة العامة قد اجتاز الامتحان المقرر لشغل الوظيفة).
[15] مازن ليلو راضي، القانون الإداري العام، ط3، مطبعة جامعة دهوك، العراق، 2013، ص215.
[16] عثمان سلمان غيلان العبودي، أخلاقيات الوظيفة العامة، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014، ص43.
[17] خالد رشيد علي، مفهوم النقل الوظيفي واتجاهات القضاء الإداري الحديثة بشأنه (دراسة مقارنة)، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، العدد (55)، جامعة بغداد، العراق، 2010، ص54.
[18] عماد الأعرجي، مجلس الخدمة العامة الاتحادي تجميد متعمد، 2013، ص23، بحث منشور على الموقع الإلكتروني الآتي: http://www.kitabat.com/ تاريخ الزيارة: 8/1/2025
[19] رافع خضر صالح شبر، علي هادي حميدي الشكراوي، الدور التشريعي لمجلس النواب بين نصوص الدستور واتجاهات القضاء الدستوري، الطبعة الأولى، المركز العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2017، 192.
[20] محمد طه حسين الحسيني، الوسيط في القضاء الإداري، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2018، ص234.
[21] إياد عبد اللطيف، مجلس الخدمة العامة الاتحادي....الدعاية والإعلان السياسي، مرجع سابق، ص257.
[22] فوزي حبيش، الوظيفة العامة وإدارة شؤون الموظفين، ط4، منشورات صادر الحقوقية، لبنان، 2008، ص76.
[23] هشام جميل كمال، مجلس الخدمة الاتحادية بين الرقابة والاستقلالية في العراق، مرجع سابق، ص143.
[24] المرجع نفسه، ص143.