حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
تاريخ الاستلام 2/1 تاريخ القبول 13/2
تاريخ النشر 25/4/2025
موازنة عبء الاثبات في الدعوى الإدارية
Balancing the Burden of Proof in Administrative Lawsuits
م. زياد طارق خضير
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / الدائرة القانونية
Instructor / Ziyad Tariq Khudair
Ministry of Higher Education and Scientific Research / Legal Department
المستخلص
تعتبر نظرية الإثبات من أهم النظريات القانونية وأكثرها تطبيقاً من الناحية العملية أمام القضاء، بل هي النظرية التي تطبقها المحاكم كل يوم فيما يعرض عليها من منازعات، وذلك أن الحق الذي لا يمكن إثبات مصدره يعتبر مجرداً من كل قيمة قانونية، ومن المتعارف عليه في هذا المضمار أن الدليل هو قوّام.
وتبرز أهمية نظرية الإثبات بكونها تحتل أهمية علمية وعملية في مجال البحث العلمي ولا حاجة إلى التدليل على هذه الأهمية في حياة البشر، إذ يكفي أن نشير إلى أنها الوسائل التي تمكن القضاء الذي هو أهم سلطة في الدولة وأسماها من القيام بمهمته، التي هي تحقيق العدالة وصيانة المجتمع عن طريق إيصال الحقوق إلى أصحابها وإيقاع العقوبات على مستحقيها، لأنه لا يتهيأ للقاضي أن يتوصل إلى الحقيقة بدون إقامة الدليل للوصول إلى الحقيقة.
تمتلك الإدارة امتيازات عديدة قد تؤدي بها، فيما لو أسيء استعمالها، الى الاطاحة بحقوق الأفراد وحرياتهم، باسم المصلحة العامة. والرقابة القضائية على النشاط الادارية هي التي تمكّن الفرد من مواجهة الإدارة عند اللزوم دفاعا عن حقوقه ومصالحه اعلاء لشأن دولة القانون فعلاً لا قولاً، وإعمالاً لمبدأ المشروعية ومتطلباته.
وقد حرص القضاء الاداري من خلال السياسة الاجتهادية المتبعة من قبله على الحد قدر الامكان من حالة عدم التوازن عبر إيجاد السبل اللازمة لإعادة التوازن بشكل عادل بين طرفي الدعوى الإدارية، موزعا عبء الإثبات بين المتقاضين بشكل طبيعي. وهذا التوازن يتحقق من خلال تنظيم إجراءات الدعوى، وبواسطة القرائن القانونية
كلمات مفتاحية: القضاء الإداري – الاثبات – عبئ الاثبات - خصائص الاثبات
Abstract
The theory of evidence is considered one of the most important and widely applied legal theories in practice before the judiciary. It is the theory that courts apply daily in the disputes brought before them, as a right that cannot be proven is devoid of any legal value. It is well-known in this context that evidence is the cornerstone. The importance of the theory of evidence lies in its scientific and practical significance in the field of scientific research. There is no need to demonstrate its importance in human life, as it suffices to mention that it enables the judiciary—the highest and most significant authority in the state—to carry out its mission of achieving justice and preserving society by delivering rights to their rightful owners and imposing penalties on those who deserve them. A judge cannot reach the truth without establishing evidence to uncover it.
The administration possesses numerous privileges that, if misused, could lead to the violation of individuals’ rights and freedoms in the name of public interest. Judicial oversight of administrative activities allows individuals to confront the administration, when necessary, in defense of their rights and interests, thereby upholding the rule of law in practice, not just in theory, and enforcing the principle of legality and its requirements. The administrative judiciary, through its judicial policy, strives to minimize the imbalance by finding necessary ways to fairly restore balance between the parties in an administrative lawsuit, naturally distributing the burden of proof between the litigants. This balance is achieved by organizing the procedures of the lawsuit and through legal presumptions.
Keywords: Administrative Judiciary - Evidence - Burden of Proof - Characteristics of Evidence
المقدمة
يعتبر موضوع النظم القانونية للإثبات القضائي في القانون الإداري في القضاء العراقي من القضايا المهمة التي تلعب دوراً أساسياً في تحقيق العدالة وحماية الحقوق، ففي النزاعات الإدارية التي تكون فيها الدولة أو الجهات الحكومية طرفاً، تبرز أهمية وجود قواعد واضحة ودقيقة للإثبات، وهذه النظم القانونية تهدف إلى تيسير عملية إثبات الحقوق أو نفي الادعاءات في المنازعات، مما يضمن التوازن بين مصلحة الإدارة العامة وحقوق الأفراد، وفي القضاء العراقي، تتميز هذه النظم بتقديم أدوات وإجراءات محددة تهدف إلى تحقيق الشفافية والعدالة في مواجهة السلطات الإدارية، مع الالتزام بمبادئ القانون الإداري وحماية حقوق الأطراف المتنازعة.
حيث إن الإثبات مهمة صعبة لمن يقع عليه عبء الإثبات، إذ تناط به إثبات أمر يتوقف عليه مصير المراجعة والنتيجة النهائية لها، وأيضاً ما يزيد الأمر صعوبة ان عناصر الإثبات تكون في أغلب الأحيان نادرة ومشكوكاً فيها، وهذا ما يفسر الاسم الذي يطلق عليه عبء الإثبات، فلا شك من أن أهم مبدأ في الإثبات هو عبء الإثبات، لأنه في كثير من الأحيان يكون الحق متراوحاً بين الخصمين ولا يستطيع أي منهما أن يثبته أو ينفيه[1].
أهمية البحث
تأتي أهمية هذه الدراسة وذلك بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لموضوعها المتعلق بقواعد الإثبات في القضاء الاداري من ناحية، وعدم كفاية القواعد القانونية الحالية التي تنظمها وتحكمها من ناحية ثانية، وأثر ذلك في إقرار حقوق الأطراف وتحقيق العدالة من ناحية ثالثة.
إشكالية البحث
ان قواعد الاثبات في الدعاوي سواء أكانت دعاوي ادارية أم عدلية تشكل جانباً اجرائياً مهماً كونها الوسائل التي يمكن من خلالها ايصال القاضي الى الحقيقة، حيث تعتبر الدعـوى الإدارية بطبيعتها الخاصة ومراكز أطرافها تنشئ إشكاليـة عـدم تحقيق المساواة بين أطرافها، الأمر الذي يتطلب معالجة ذلك الوضع لا سيمـا معالجـة عـبء الإثبات الذي يتحمله الفرد المدعـي وتتحلل منه الإدارة (المدعي عليها) لأن الفـرد هـو المتضـرر مـن قرارات الإدارة، وهو الذي يطلـب الحماية القضائية بلجوئه إلى القضـاء وهـو الملزم بتقديم البينـة باعتباره المدعي، وبالتالي يتعين على القاضي تقدير أدلة الاثبـات وتكييفهـا حسـب طبيعـة النـزاع المطروح أمامه، وبالتالي يثـار أمامنا التساؤل الآتي: ماهي قواعد موازنة عبء الاثبات في الدعوى الإدارية؟
خطة البحث:
سنقوم بتقسيم البحث الى مقدمة من ثم سنقسم البحث إلى مبحثين على الشكل التالي:
المبحث الأول: موازنة عبء الإثبات امام القضاء الإداري
المبحث الثاني: موازنة عبء الاثبات من خلال القرائن القانونية
ثم نختتم دراستنا بالخاتمة وأهم النتائج والتوصيات
المبحث الأول
موازنة عبء الإثبات امام القضاء الإداري
يلاحظ أن القضاء الإداري راهنا قد سار على النهج ذاته المتبع أمام ديوان المظالم في محاولة منه لتقديم الوسائل التي تمكّن الفرد من اثبات حقوقه في مواجهة الادارة. والدافع الى ذلك هو حالة عدم التوازن الواضحة بين الخصمين في الدعوى الإدارية، فالإدارة تكون في خانة المدعى عليه في أغلبية الدعاوى الإدارية، بسبب ما تتمتع به من امتيازات السلطة العامة، من جهة، ومن جهة أخرى بسبب طبيعة دعوى الإلغاء[2]، التي هي مراجعة يلجأ اليها الفرد في مواجهة الإدارة للرقابة على مشروعية قراراتها[3].
إن النظام إجراءات التقاضي المعمول به أمام القضاء الإداري، يسهم بشكل واضح في التخفيف من أعباء المدعي في الدعوى الإدارية، نظرا لما تتميز به إجراءات التقاضي أمام القاضي الإداري من خصائص وصفات: الدور الإيجابي التدخلي للقاضي في الإجراءات، والصفة الكتابية للإجراءات، ومبدأ المواجهة، وكل من هذه المميزات لها دورها في موازنة عبء الإثبات في الدعوى الإدارية[4].
أولاً: الدور الإيجابي التدخلي للقاضي في الإجراءات:
يمارس القاضي الإداري في الدعوى الادارية دوراً ايجابيا موجهاً لاجراءاتها، ويتبدى ذلك من خلال اشرافه على التبليغات وتحضير الـدعـوى ودعوة الفرقاء الى اكمال النواقص والشوائب في اللوائح المقدمة منهم عند اللزوم وادارة التحقيقات فيها[5]، وذلك بخلاف الدور السلبي الذي يضطلع به القاضي المدني الذي يغلب على الإجراءات أمامه الطابع الاتهامي، معتمداً على جهد الخصوم في تقديم الأدلة والاثباتات اللازمة كي يصدر حكمه على أساسها. وعليه فإن تدخل القاضي الإداري الذي يعطي لإجراءات الدعوى الإدارية الطابع التحقيقي، يمكن أن يعيد التوازن بين أطراف القضية بما يحقق العدالة بينهم[6]، ويتأكد الدور الإيجابي للقاضي بوسيلتين:
الأولى: ترفع الدعوى باستدعاء يقدم إلى القاضي مباشرة، فتقوم المحكمة بتبليغ الجهة المدعى عليها مع طلب كافة المستندات المتعلقة بموضوع الدعوى، وهذا ما يجرى العمل عليه أمام القضاء الإداري في العراق، وهو ما قصده المشرع بقوله في قانون مجلس شورى الدولة «وعند عدم البت في التظلم أو رفضه تقوم محكمة القضاء الإداري بتسجيل الطعن لديها بعد استيفاء الرسم القانوني»[7].
الثانية: تتعلق بمباشرة القاضي الإداري لإجراءات سير الدعوى، حيث نجد القاضي الإداري هو الذي يتولى وحده مهمة إعداد الدعوى للفصل فيها بحيث يكون دور أطراف الـدعـوى سلبياً بعد رفعها أمام القضاء، فالقاضي هو الذي يطلب من الخصوم البيانات والأوراق اللازمة للدعوى، وهو الذي يعمل على استيفاء كل ما هو لازم للفصل فيها، وهو الذي يحدد المواعيد التي يقدم فيها أطراف الدعوى المذكرات المطلوبة، كما أنه يحدد للمدعى عليه المدة التي يرد فيها على الدعوى وتاريخ حضور الجلسة للحكم في الدعوى.
ويتبين من ذلك أنه بعد تقديم استدعاء الدعوى للمحكمة تصبح الدعوى في يد القاضي وتحت تصرفه ولا يكون للمدعي أو للمدعى عليه شأن في توجيه الدعوى ومسار اجراءاتها، فيستأثر القاضي بهذه المهمة، ولما كان عبء الإثبات يقع أساساً على عاتق المدعي، فمعنى ذلك أن هذا العبء يقع على الفرد، ولكن الدور الإيجابي للقاضي يمكّنه وبالذات في مجال دعوى الإلغاء[8]، من تخفيف عبء الإثبات على المدعي، إذ له أن يطلب من الإدارة الإيصالات والبيانات والملفات اللازمة، وهو الذي يتولى البحث أدلة الدعوى ويعمل على جمعها.
ثانياً: الصفة الكتابية الخطية للإجراءات:
بمعنى أن كل طرف في الدعوى يقدم مذكرة أو لائحة خطية مكتوبة، ليبيّن فيها ادعاءاته ومطالبه ويضمّنها أدلته، والمناقشات الشفهية في المحكمة تعتبر نادرة، وإذا حدثت فإنها تقتصر على شرح وبيان ما جاء بالمذكرات المكتوبة[9]. وأن الصفة الكتابية لا تعني، عدم وجود مناقشات شفهية، وإنما للأطراف بطبيعة الحال، سواءً بأنفسهم أو عن طريق من ينوب عنهم، تقديم ما لديهم من ملاحظات شفهية وإيضاحات بالجلسة فتتولى المحكمة إثباتها في محضر الجلسات، ويبقى هذا الأمر منوط بالقاضي الذي يسمح به. ورغم ضآلة أهمية ونطاق الملاحظات الشفهية، فإن وجودها تعبير عن حقوق الدفاع المكفولة للأطراف، إذ إنها شكلية جوهرية متروكة لإرادتهم وتقديرهم بحيث يترتّب على إهدارها بطلان الإجراءات[10].
ثالثاً: مبدأ المواجهة أو الوجاهية:
إن الإجراءات الكتابية تؤكد الصفة الحضورية أو الوجاهية لإجراءات التقاضي، حيث يتعين الفصل في الدعوى في مواجهة الأطراف بعد تمكينهم من الاطلاع على المستندات وتقديم دفاعهم وملاحظاتهم[11]. وتعتبر الوجاهية في التحقيق والمحاكمة من المبادئ الأساسية ذات القيمة الدستورية التي ينبغي على جميع المحاكم التابعة لجهة القضاء الإداري التقيد بها[12].
والوجاهية هي الحق المعترف به لكل شخص ذو مصلحة بالاطلاع على المعلومات المتعلقة بالنزاع الذي وضع القضاء يده عليه. ويتم ذلك عن طريق إبلاغه ضمن مهل كافية، الوثائق والادلاءات المتعلقة به التي يقدمها خصمه أو أي شخص ثالث، كي يتمكن من الاطلاع عليها واتخاذ موقف بشأنها والرد عليهاعند اللزوم. وينبغي أن يصار الى احترام الوجاهية عند نشوء الدعوى من خلال حق الفرقاء ذوي المصلحة بأن يتبلغوا بالدعوى القضائية المرفوعة أمام القضاء، وأن تكون لديهم معلومات كافية عن سير تلك الدعوى[13].
وان احترام مبدأ الوجاهية يتطلب توافر عنصرين سوياً[14]:
العنصر المادي: قوامه ضرورة قيام القاضي بتبليغ كل مستند يتضمن عنصراً جديداً تكون معرفته مفيدة للفريق المعني به.
العنصر الزمن: ضروروة أن يحصل التبليغ ضمن مهلة كافية، وفقا لطبيعة المستند وظروف ومهل الدعوى. وذلك كي يتاح للخصم المعني الوقت الكافي لتحضير دفاعه وابداء ملاحظاته بشأنه.
ونشير الى أن اعتماد القاضي في حكمه على مستند أو معلومات مقدمة من الإدارة بعد إعلان ختام التحقيق، من دون اعلام المستدعي بها يشكل خرقا لمبدأ الوجاهية يعرّض الحكم للابطال، ومع ذلك فان مبدأ المواجهة في القضايا الإدارية، يحتمل بعض المرونة والاستثناءات.
وتبرز المرونة، عند تعذر تحقق مبدأ المواجهة، فالإجراء الذي يتعذر إتمامه بحضور الأطراف يستعاض عن ذلك بتضمين نتائجه في تقرير مكتوب أو محضر خطي، ويجب أن يكون هذا التقرير تحت تصرف الشخص المعني أو محاميه قبل يوم كامل من المواعيد المحددة للمداولة.
أما التجاوزات المقررة لمبدأ المواجهة، فإنها تحدث في حالتين:
حالة الاستغناء عن التحقيق: أي البت بالدعوى من دون تحقيق الذي يتأتى عنه عدم التقيد بالوجاهية. وفي هذه الحالة يجاز لمجلس الدولة الفرنسي، إذا تبين له على ضوء التحقيق الأولي في القضية أن حلها أصبح أكيداً، فإن بإمكانه أن يقرر الاستغناء عن التحقيق وقد وسّع مرسوم 30 /9/ 1953 هذا الحكم ليشمل المحاكم الإدارية، وهو يطبق أيضاً على محاكم الاستئناف الإدارية ومنصوص عليه في قانون القضاء الاداري في فرنسا. إلا أن مجلس الدولة ومحاكم الاستئناف والمحاكم الإدارية، نادراً ما تلجأ اليه، ومن هذه الحالات عندما يكون الادعاء غير مسبّب، أو في حالة تقديم الدعوى إلى جهة قضائية واضح بجلاء أنها غير مختصة.
حالة اجراء تحقيق اداري: والتحقيقات الادارية تقوم بها احدى الجهات الادارية المكلفة من قبل القاضي الاداري بالتثبت من بعض المسائل. ولا تتم مراعاة الوجاهية خلال اجراء التحقيقات الادارية اذ لا يصار الى ابلاغ الخصوم أو دعوتهم للحضور أثناء القيام بها. ولكن في حال تم وضع تقرير أو محضر بنتائج تلك التحقيقات ينبغي أن يصار الى ابلاغه من الفرقاء[15].
ويتبين من خلال الاجتهاد أن ثمة حدود يقف عندها مبدأ الوجاهية ومنها عدم ضروروة التقيد بالوجاهية إذا كانت المستندات التي لم يتم تبليغها غير مؤثرة في الدعوى، فلا يعتبر التبليغ مخالفاً لمبدأ الشرعية «خاصة ما لم تكن هذه الأوراق مرتكز عليها في الحكم وفي حل القضية»[16]، وتعتبر غير مؤثرة في النزاع المستندات التي لا يكون من شأنها اضافة أي عنصر جديد على المحاكمة. ويسري حكم الأوراق غير المؤثرة على المستندات السرية، فهي لا تخضع للأصول الوجاهية، وللقاضي وحده حق الاطلاع عليها[17].
نخلص الى أنه يبقى أن الأصل في القواعد الاجرائية أمام القضاء الإداري أنها اجراءات تحقيقية تتطلب مراعاة مبدأ الحضورية أو الوجاهية، وإذا كانت هناك نصوص تخرج بهذه الإجراءات في حالات محددة، عن الأصل العام، إلا أنها لا تمس المبدأ، لكون مجال تطبيقها محدوداً وأن استخدامها يقرره القاضي الإداري بنفسه. وهكذا يتبين أن الإجراءات أمام القضاء الإداري تمكّن الفرد من تحديد موقفه من النزاع القائم وتخوله تقديم رده وملاحظاته المكتوبة في مهل معقولة بما يحفظ حقوقه في الدفاع، وفي جميع الأحوال تتيح لأطراف الخصومة تحديد مراكزهم من الحكم الصادر في الدعوى والطعن فيه على أساس ما ورد بالملف من وقائع ومستندات ومذكرات، من خلال الدور الايجابي الذي يضطلع به القاضي الاداري الذي تكمله الصفة الكتابية للإجراءات ومبدأ الحضورية أو الوجاهية[18]. كلها ضمانات للمدعي، ثمرتها التخفيف من عبء الإثبات في الدعوى، وذلك كون هذه الخصائص تتيح للقاضي الإداري تكليف الإدارة تقديم ما في حوزتها من مستندات وملفات مع الزامها بالاستجابة والا اعتبر القاضي الاداري موقفها الممانع في هذا الخصوص أو تلكؤها قرينة ضدها.
-موازنة عبء الإثبات في العراق: إن القاضي الإداري في العراق، يتمتع بحرية واسعة استناداً إلى نصوص قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979، الذي أعطى للقاضي دوراً إيجابياً في تسيير الدعوى وإيصال الحقوق إلى المواطنين بأيسر السبل وأسرعها. وقد محض القانون العراقي الثقة الكاملة للقاضي في سبيل تحقيق ذلك وأعطاه حرية التحرك التي تساعده في اصدار أحكام عادلة وحسم النراعات بالسرعة اللازمة، ويتبين من الأسباب الموجبة لقانون الاثبات المنوه عنه بأن المشترع العراقي قد تخير الاتجاه الوسط بين أنظمة الإثبات[19].
ويوفق الموقف الوسط بين مذهب الإثبات المطلق وبين مذهب الإثبات المقيد، جامعا بين مزايا كل منهما، ويخول المذهب الأول القاضي سلطة مطلقة في تحري حقيقة الوقائع التي تعرض عليه ويجعل دوره في تسيير الدعوى واستجماع الأدلة دوراً إيجابياً، والثاني، يحد من سلطة القاضي إلى حد يجعل دوره في تسيير الدعوى دوراً سلبياً يلتزم فيه موقف الحياد السلبي بين المتقاضين، وبالتالي فإنه يغل يد القاضي عن الوصول إلى الحقيقة الواقعة إذا احتاط منكرها لمنع خصمه من إقامة الدليل القانوني عليها، فيباعد بذلك كثيراً بين الحقيقة القانونية والحقيقة الواقعية[20].
ويأخذ المذهب الوسط بمبدأ حياد القاضي الإيجابي ومبدأ حصر الأدلة وتحديد قيمة كل منها وفاعليته، مع تخويل القاضي سلطة واسعة في تقدير قيمة كل منها. ولا ريب في أن هذه السلطة التي خولت للقاضي والتي تجعل له دوراً إيجابياً في الكشف عن الحقيقة، يجب على القاضي ممارستها عند الحاجة وإلا كان حكمه عرضة للنقض، وفي ذلك تقضي محكمة النقض المصرية بأن الحكم يكون قاصر البيان متعيناً نقضه إذا لم يكن فيه ما يفيد أن المحكمة قد استنفذت كل ما لها من سلطة التحقيق لكشف الواقع[21].
ولكي نقف على مدى السلطة التي منحها المشرع العراقي للقاضي لا بدّ من الرجوع إلى ما جاء في المبادئ العامة لقانون الإثبات، وتحت عنوان أهداف القانون، فقد نصت المادة الأولى من القانون على توسيع سلطة القاضي في توجيه الدعوى وما يتعلق بها من أدلة بما يكفل التطبيق السليم لأحكام القانون وصولاً إلى الحكم العادل في القضية المنظورة. ونصت المادة الثانية على إلزام القاضي بتحري الوقائع لاستكمال قناعته. ونصت المادة الرابعة على تبسيط الشكلية إلى الحد الذي يضمن المصلحة العامة ولا يؤدي إلى التفريط بأصل الحق المتنازع فيه.
لا شك في أن هذه النصوص تطال بأحكامها القاضي المدني، لكي يطبقها على الدعاوى بين الأفراد، فكم بالحري إذا جرى تطبيقها على الدعوى الإدارية لما لها من خصائص وضمانات للطرف الضعيف فيها. ويتبين من ذلك أن القاضي الإداري في العراق يتمتع واستناداً إلى نصوص قانون الإثبات بحرية كاملة في التحقيق للتثبت من مشروعية القرار الإداري، ويكون له سلطة إلزام الإدارة بتقديم كل ما لديها من ملفات ومستندات ذات صلة بموضوع الدعوى.
ويلاحظ أن النصوص المذكورة أعلاه قد أوردها المشرع تحت عنوان أهداف القانون، لذلك فإن توسيع سلطة القاضي في توجيه الدعوى أشار إليه المشرّع في هذا القانون، ثم إن سلطة التحقق والتحري لم يتركها المشرع لمحض اختيار القاضي، وإنما ألزمه بذلك، وهذا يعني أن أي تقصير في التحقق لكشف الواقع يجعل الحكم معيوبا.
أما عن تبسيط الشكلية، فهو أمر ملزم للقاضي أيضاً بشرط ضمان المصلحة العامة والحفاظ على أصل الحق المتنازع عليه، وهذا يعني على القاضي مساعدة أطراف الخصومة وتوجيههم باستكمال الشكليات لتحاشي رد الدعوى أو إبطال قرار الحكم في حالة إغفال مراعاتها، وهذه إيجابية لا تؤثر على حياد القاضي في الدعوى، وفوق ما تقدم فإن المشرع نص في المادة الثالثة على إلزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ومراعاة الحكمة من التشريع عند تطبيقه، وبذلك يكون المشرع في العراق قد ألزم القاضي المدني بالاجتهاد، بما يجعل القوانين صالحة للتطبيق على الحالات الخاصة[22].
وحيث إن ضرورة التفسير ترجع إلى طبيعة القوانين ذاتها، لأنها تُصاغ على شكل قواعد عامة مجردة، وأن النصوص متناهية والحوادث متجددة، ولذلك يستحيل على المشرع أن يضع حلاً لكل قضايا الواقع، وإذا كان هذا هو شأن القاضي العادي، فإن القاضي الإداري، وهو في الأصل قاضي له دور إنشائي واجتهادي، معني بضرورة التفسير المتطور للقوانين التي يتعرض إلى تطبيقها أو الاستناد إليها في أحكامها على ضوء الغاية من إنشاء القضاء الإداري في العراق والتي بينها المشرع في الأسباب الموجبة للقانون رقم 106 لسنة 1989 وهي أن (يمارس قضاء إدارياً مستقلاً دون تدخل من أية جهة أخرى، ومحاطاً بضمانات وحصانة كافية)، كما علّل أهمية دور القضاء الإداري بقوله «وبالنظر للدور المهم الذي ينبغي أن يمارسه في حماية المواطنين بمن فيهم الموظفين وتأمين حقوقهم تجاه الدولة وبالمقابل حماية حقوق الدولة وصيانتها من إخلال الموظفين بواجبات وظيفتهم».
كما أنه أهاب بالقاضي الإداري أن يسير في عمله على خطى المؤسسات القضائية المماثلة في الدولة الأخرى وذلك بقوله «كما هو شأن المجالس المماثلة في معظم الدول المتحضرة في العالم»[23].
يتضح مما تقدم ذكره، أن هذه النصوص تخول القضاء الإداري في العراق صلاحيات واسعة تمكنه من أداء مهمته التي حددها المشرع في الأسباب الموجبة لقانون إنشاء القضاء الإداري. وقد خول المشرع العراقي، القاضي الإداري سلطة لا يملكها نظيره في مصر أو فرنسا وهي سلطة تعديل القرار أو الأمر المطعون به كما نصت عليه (المادة 7/ ثانياً/ ط) من قانون مجلس شورى الدولة التي تقول: «تبت المحكمة (محكمة القضاء الإداري) في الطعن المقدم إليها ولها أن تقرر رد الطعن أو إلغاء أو تعديل الأمر أو القرار المطعون به»[24].
المبحث الثاني
موازنة عبء الاثبات من خلال القرائن القانونية
ثمة نصوص تشريعية تسهم في تحقيق التوازن بين أطراف الدعوى الإدارية في مجال الإثبات، وهذه النصوص تقرر قرائن قانونية تؤدي إلى إعفاء من يتمسك بها من العبء الفعلي للإثبات بصفة مؤقتة إذا كانت قابلة لإثبات العكس، أو بصفة دائمة إذا كانت غير قابلة لإثبات العكس.
وسنبين فيما يأتي القرائن القانونية أمام القضاء الإداري، الفرنسي، والعراقي.
أولاً: القرائن القانونية أمام القضاء الإداري الفرنسي:
سنذكر بعض القرائن المطبقة أمام القضاء الفرنسي التي لها تأثير على عبء الإثبات في الدعوى الإدارية، وهي ما يأتي[25]:
قرينة توافر علاقة السببية بين الحادث والمرفق: تقررت هذه القرينة استناداً إلى قانون 6/8/1947حيث صدرت ثلاثة مراسيم في 24/4/1951 بشأن معاشات العجز وضحايا الحرب، حيث اعتبر القانون أن علاقة السببية بين الحادث والمرفق قائمة متى توافرت شروط معينة، وذلك بقصد التخفيف عن عاتق من تقررت هذه القرينة لمصلحته، لتعذر إقامة الدليل من جانبه على هذه العلاقة.
ويترتب على مثل هذه القرينة انتقال العبء الفعلي للإثبات بالكامل إلى المدعى عليه، وهو الإدارة.
القرائن المتعلقة بالإجراءات أمام مجلس الدولة: قرينة الرفض الضمني، قررتها المادة الأولى من القانون الصادر في 6/ 7/ 1956، التي تقضي بأن سكوت الإدارة على تظلم مقدم إليها مدة أربعة أشهر يعتبر بمثابة قرار بالرفض. ويتعين لقيام هذه القرينة إثبات تقديم التظلم للإدارة وفوات المدة المذكورة دون صدور قرار من جانبها، ويمكن أن يتم ذلك بإيصال استلام الإدارة المختصة للتظلم، أو بإيصال رسالة بالبريد المسجل، أو بإعلام على يد محضر، ومرور المدة المذكورة قرينة مطلقة على قيام القرار الضمني[26].
أ-قريتنا التنازل الضمني والتسليم الضمني: تقررتا بنص المادة 56 من الأمر الصادر في 31/7/ 1945، القرينة الأولى تعني أن المدعي الذي لم يحترم الميعاد المحدد له من مجلس الدولة بعد إنذاره بإيداع الرد والملاحظات والمستندات، فإن المجلس يعتبره متنازلاً عن دعواه، أما القرينة الثانية، فتخص المدعى عليه الذي لم يحترم الميعاد المحدد له، فإن ذلك يعني أنه مسلم بالوقائع الواردة بالعريضة، وحينئذ تستعمل القرينة لصالح المدعي وهي ما تعرف بقرينة التسليم الحكمي أو الضمني، وقد نصت المادة (9) من قانون 22/1989 المعدلة بالمادة (8) من مرسوم 30/ 10/ 1953 على مثل هذه القرينة أمام المحاكم الإدارية.
ويلاحظ أن القضاء الإداري الفرنسي يعمد إلى تنبيه صاحب الشأن أكثر من مرة لتقديم المذكرات أو الملاحظات المطلوبة قبل توجيه الإنذار إليه بالرد[27]، حيث جرى العمل أمام مجلس الدولة والمحاكم الإدارية، على إرسال استعجال سابق على توجيه الإنذار بالرد لحض الطرف المتراخي عن إيداع المستندات المطلوبة ولفت نظره إلى ذلك، فإذا استمر بتراخيه وجه إليه الإنذار بوجوب الرد وإلا اعتبر متنازلاً عن دعواه، والمدة المحددة للإدارة في الإنذار أمام مجلس الدولة تكون عادة خمسة عشر يوماً في حين قد تصل إلى شهر أو أكثر أمام المحاكم الإدارية، أما بالنسبة للأفراد وغيرهم من المدعين فالمدة شهر.
ب-قرينة العلم بالقرار الإداري:اعتبرت المادة (49) من الأمر المشار إليه أن النشر والإعلان قرينة للعلم بالقرار الإداري وبالتالي لسريان ميعاد الطعن بالإلغاء، وقد رددت هذه القرينة نصوص مرسوم 11/ 7/ 1965.
ويعتبر النشر بالجريدة الرسمية هو وسيلة الإبلاغ العادية الكافية، أما بالنسبة للقرارات الفردية فإن الوسيلة تكون عن طريق إبلاغ صاحب الشأن بإعلانه بمحتويات القرار، وكذلك القرارات الجماعية والقضائية المتعلقة بالأشخاص الذين تخصهم شخصياً ومباشرة[28].
ويقع عبء إثبات النشر والإعلان على عاتق الجهة الإدارية التي تدعي قيام قرينة العلم بالقرار الإداري عن طريقها، وطالما لا يوجد نص قانوني معين، فإن النشر متى كان كافياً للعلم بالقرار فإنه يؤدي إلى قيام القرينة القانونية وفقاً لتقدير القاضي وتحت رقابته. أما الإعلان فليس له شكل خاص، المهم إيصال المعلومات إلى المعني بها بأية طريقة ويوجه إلى صاحب الشأن شخصياً أو إلى ممثله القانوني[29].
قاعدة حجية الشيء المحكوم فيه: نصت عليها المادة (1351) من القانون المدني الفرنسي باعتبارها من القرائن القانونية القاطعة، ومؤدي هذه القاعدة، اعتبار الحكم الحائز على الحجية عنواناً للحقيقة، وذلك بهدف وضع حد للمنازعات أمام القضاء واستقرار الأوضاع القانونية وعدم التضارب بين الأحكام وتأكيد الثقة فيها والاطمئنان إليها.
ومن المعلوم أن الحجية لا تكون إلا للأحكام القضائية النهائية، سواء اكتسبت صفة النهائية بفوات مواعيد الطعن أو بتصديقها تمييزاً، وتتعلق حجية أحكام الإلغاء بالنظام العام لما لها من حجية مطلقة في مواجهة الكافة [30]، أما غير ذلك من الأحكام الإدارية التي لا تحوز سوى حجية نسبية، فإن حجيتها لا تتعلق بالنظام العام، والحكم الحائز على حجية الأمر المقضي فيه، يرتب آثاره القانونية، في الحدود التي استقر عليها الفقه والقضاء أمام القضاء الإداري سواء أكان الحكم صادراً من إحدى جهات القضاء الإداري، أم القضاء العادي مدنياً كان أم جنائياً، وتكون الحجية لمنطوق الحكم وأسبابه الجوهرية المكملة له، والتي تتعلق بما أثبته الحكم من وقائع كان تعرضه لها لازماً للفصل في الدعوى، دون غيرها من التكيفات القانونية أو ما يتعلق بتقدير مدها وخطورتها وآثارها وفقاً للضوابط التي استقر عليها الفقه والقضاء الإداري.
ثانياً: القرائن القانونية أمام القضاء الإداري في العراق:
لقد بيّن المشرع العراقي في قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 مفهوم القرينة القانونية وحجيتها في الإثبات، الذي نص في المادة (98/ أولاً) «القرينة هي استنباط المشرع أمر غير ثابت من أمر ثابت» وتتابع الفقرة (ثانياً) من هذه المادة «القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أي دليل آخر من أدلة الإثبات»[31].
وقد أجازت المادة (١٠٠) من قانون الإثبات «نقض القرينة القانونية بالدليل العكسي ما لم ينص القانون على غير ذلك»، وقررت المادة (101) من هذا القانون «قبول الإقرار واليمين في نقض القرينة القانونية القاطعة التي لا تقبل إثبات العكس في الأمور التي تتعلق بالنظام العام».
وهكذا يتبين أن القرينة القانونية تنطوي على استخلاص النتائج من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة، ولا تختلف القرينة القانونية في هذا الأمر عن القرينة القضائية، سوى أن القرينة القانونية ذات طابع إلزامي آمر، فقد يرى المشرع أن في اضطرار المحاكم على الأخذ بقرينة معينة، بحيث لم تصبح هذه القرينة متغيرة الدلالة من قضية إلى أخرى ما يجعلها جديرة بأن ينص على توحيد دلالتها، فتصبح بذلك قرينة قانونية[32].
فالقرينة القانونية لا تغني عن الإثبات وإنما هي تعفي من يقع عليه عبء الإثبات من الإثبات المباشر، أي لا يكون له أن يثبت الواقعة مصدر الحق الذي يدعيه، وإنما يجب عليه أن يثبت تحقق الواقعة التي تقوم عليها القرينة[33]، أي أنها تنقل محل الإثبات من الواقعة المراد إثباتها إلى واقعة أخرى متصلة بها يحدّدها المشرع فتكون هذه الواقعة الأخيرة هي أساس القرينة التي يشترط القانون قيامها لانطباق حكم القرينة، وبذلك يتعين ثبوتها أولاً، وللخصم الذي يحتج عليه بالقرينة أن ينازع في توفر الشروط التي يتطلبها القانون لقيامها وعلى القاضي أن يسمح له بذلك احتراماً لحق الدفاع. وإذا ثبت قيام الواقعة أساس القرينة تعين على القاضي أن يأخذ بحكم القرينة فيجعلها أساساً لحكمه حتى ولو بدا له عدم مطابقتها للواقع في الدعوى المنظورة، وإلا كان حكمه عرضة للنقض وذلك لأن الدلالة التي تنطوي عليها القرينة القانونية يفرضها القانون. اذ يقرر المشرع في القرينة القانونية القوة الثبوتية لوقائع معينة بصورة مستقلة عن كل فحص للعناصر التي تنم عن تلك القرينة[34].
ويقتضي الاشارة الى إن الطابع المجرّد للقرائن القانونية يكون من شأنه التقليل من قيمتها كوسيلة للوصول إلى الحقيقة، لذلك سمح المشرع بإثبات عكس القرينة القانونية. ويعني ذلك أن القاضي لا يحكم بمقتضى القرينة القانونية إلا إذا عجز الخصم عن إثبات عكسها، ففي هذه الحالة يكون القاضي مقيداً بالقرينة القانونية، ولا يملك تقدير مطابقتها أو عدم مطابقتها للواقع.
وقد فرّق المشرع بين القرائن القانونية التي تعتبر قرائن قاطعة، وغيرها التي لا تعتبر قاطعة[35]. وبالنسبة للقرائن القاطعة فهو ميز بين نوعين، الأول، لا يتعلق بالنظام العام، أي تلك الموضوعة لحماية مصلحة خاصة، وهذا يقبل إثبات العكس بالإقرار واليمين، والثاني يتعلق بالنظام العام، أي تلك الموضوعة لحماية مصلحة عامة، وهذه لا يقبل إثبات عكسها مطلقاً بأي دليل من أدلة الإثبات حتى ولو بالإقرار أو اليمين[36].
ومن المعلوم أن القرائن القانونية لا حصر لها وهي متجددة، ومتطورة تبعاً للنصوص القانونية، وفي شتى المجالات، فحيثما وجد المشرع أن هناك مصلحة معينة تتطلب حماية مشدّدة، بسبب ظرف معين أو لاعتبارات معينة يقرر حمايتها من خلال القرائن القانونية.
وسيتم التطرق في سياق البحث الى القرائن القانونية المتعلقة بعبء الإثبات في الدعوى الإدارية في العراق، وتحديدا القرائن الواردة في القوانين ذات العلاقة المباشرة بهذه الدعوى، وهي قانون مجلس شورى الدولة، وقانون الخدمة المدنية، وقانون المرافعات المدنية، أما القرائن الأخرى المتعلقة بحجية الأحكام القضائية، أو تلك المتعلقة بالمسؤولية، فهي تطبق أمام القضاء الإداري في العراق تماما كما هي الحال أمام القضاء الإداري في فرنسا وفي مصر.
ومن استقراء وتحليل نصوص القوانين المشار إليها نجد أن الاعتبارات التي كانت وراء وضع هذه القرائن، تتعلق بمجملها بالمصلحة العامة، وإن بدت بعض هذه القرائن أنها تحمي مصلحة الأفراد إلا أنها في الواقع تحمي مصلحة الوظيفة العامة التي لا يمكن فصلها عن مصالح المستفيدين من الأفراد. فالغاية من مرافق الدولة كافة هي رعاية المصلحة العامة، وعليه فإن امتناع الموظف أو الهيئة عن إصدار قرار يتوجب إصداره هو عمل ينطوي على إخلال بالواجبات الوظيفة، وهو سلوك يضر بالمصلحة العامة. وكذلك فان عدم الاجابة على التظلم، يشكل إخلالا بواجبات الوظيفة لأن الأصل أن تجيب الإدارة على التظلم رفضا أم قبولا احتراماً لحقوق الأفراد. لهذه الاعتبارات وضع المشرع نصاً ينطوي على قرينة ترعى هذه المسألة. وكذلك بالنسبة لاستقالة الموظف الذي يعدّ حق كفله القانون، فإن المشرع قد وضع قرينة لرعاية هذا الحق[37]، ولحماية الوظيفة العامة من الاستهانة بمقدراتها ولضمان استمرار سير المرافق العامة بانتظام واضطرار فقد وضع المشرع عدة نصوص تنطوي على قرائن قانونية لرعاية مصلحة الوظيفة العامة في هذا الجانب، وهذه القرائن كلها هي موضوع تطبيق في الدعاوى الإدارية في العراق سواءً أمام محكمة القضاء الإداري أو أمام مجلس الانضباط العام[38].
الخاتمة
يقصد بعبء الإثبات، تحديد الطرف الذي يكلف بإثبات الواقعة المنازع فيها، ويسمى عبئاً، لأن من يقع عليه يكون في مركز أضعف حياله في الدعوى، إذ يرتّب عليه ذلك أمراً إيجابياً، بقيامه بإثبات الواقعة المنازع فيها في حين يكتفي خصمه أن يقف موقفاً سلبياً.
ويختلف الإثبات أمام القضاء الإداري في مبادئه العامة عن الإثبات أمام القضاء العادي، اذ أن قواعده تتلاءم مع طبيعة الدعوى الإدارية ومع خصوصية المصالح التي ينظر فيها القاضي الاداري بحكم كون أحد أطرافها سلطة عامة تتمتع بامتيازات تجعلها في مركز أقوى من مركز خصمها وهو الفرد، ولجهة أن الغاية المتوخاة من الدعوى هي الرقابة القضائية على أعمال الإدارة توصلا الى ابطال أعمالها المخالفة لمبدأ المشروعية.
وقد أدى كل ما تقدم الى تنظيم قواعد الإثبات من خلال وسائل واجراءات تعيد التوازن بين أطراف الدعوى وتتيح للقاضي الإداري الاستحصال على الأدلة اللازمة لبت النزاع بما يحقق الغاية من الرقابة القضائية على نشاط الإدارة.
وقد حرصت مختلف الشرائع والأنظمة القضائية على اعطاء القاضي الوسائل الاجرائية التي تمكّنه من الإحاطة بكافة جوانب النزاع العالق أمامه خصوصا في مجال الاثبات. فثمة أنظمة تركز في مجال الاثبات على مسألة تحقيق العدالة، من خلال ارساء مفهوم الحقيقة القضائية، وإطلاق يد للقاضي واعطائه مجالا واسعا من حرية التقدير توصلا الى هذه «الحقيقة»، وأنظمة أخرى تعطي الأولوية لمسألة استقرار المعاملات، وصولا الى الحقيقة الواقعية، مع ما يستتبعه ذلك من تقييد القاضي لناحية الأدلة التي يمكنه أن يأخذها في الحسبان. فيحدّد له القانون طرق الإثبات الممكنة والقوة الثبوتية التدريجية لكل دليل حفاظا على الأوضاع المستقرة بين الناس.
نعرض في النهاية أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث، وكذلك التوصيات التي نراها مناسبة والتي نسوقها على النحو التالي:
أولاً: الاستنتاجات
إن عبء الإثبات في الدعوى الإدارية يقع على عاتق الفرد المدعي كأصل عام ولكن نظراً للدور الإيجابي الذي يضطلع به القاضي الإداري وحيازة الإدارة للمستندات المتعلقة بموضوع النزاع وتحقيقاً للتوازن بين طرفي الدعوى، فأن عبء الإثبات يتكيف مع خصوصية الدعوى الادارية وظروفها بما يؤدي إلى قيام القاضي الاداري بنقله على عاتق جهة الإدارة في كثير من الأحيان.
إن القاضي الإداري في العراق، يتمتع بحرية واسعة استناداً إلى نصوص قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979، الذي أعطى للقاضي دوراً إيجابياً في تسيير الدعوى وإيصال الحقوق إلى المواطنين بأيسر السبل وأسرعها. وقد محض القانون العراقي الثقة الكاملة للقاضي في سبيل تحقيق ذلك وأعطاه حرية التحرك التي تساعده في اصدار أحكام عادلة وحسم النزاعات بالسرعة اللازمة.
ثانياً: التوصيات
ضرورة وضع قانون للقضاء الاداري يجمع أحكامه المتفرقة ونظام خاص بالاجراءات والإثبات أمام القضاء الإداري كي لا يضطر القاضي الاداري المكلف بنظر الدعوى الإدارية إلى الاستئناس وتطبيق القواعد العامة في القوانين الإجرائية التي قد لا تتلاءم مع طبيعة الدعوى الإدارية؛ وينبغي أن يتضمن هذا القانون كل وسائل الإثبات المتقدمة الممكنة والمتلائمة مع طبيعة الاجراءات أمام القضاء الاداري وخصوصا لجهة الاثبات الالكتروني.
قيام المشرع العراقي بإرجاع الاختصاص في كافة القضايا المنتزعة من ولاية القضاء الإداري ولاسيما المتعلقة بالعقود الإدارية واعطاء الاخير الحق في البت بها، كون القضاء الإداري أكثر تخصصاً وتفهما لمقتضيات المصلحة العامة من القضاء العدلي ومن ثم أكثر قدرة على التوصل للحقيقة.
المراجع
أولاً: الكتب
أحمد عزيز جايد الخيون، دور القاضي في إثبات الدعوى المدنية، ط 1، المكتبة القانونية، بغداد، 2011.
أحمد كمال الدين موسى، نظرية الإثبات في القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، 2014.
آدم وهيب النداوي، دور الحكم المدني في الاثبات دراسة مقارنة، مكتبة السنهوري، بغداد، 2003.
آدم وهيب النداوي، شرح قانون الاثبات، ط2، دار الحكمة القانونية، بغداد، 2000.
إلياس أبو عبيد، نظرية الإثبات في أصول المحاكمات المدنية والجزائية، الجزء الأول، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2005.
إلياس جوادي، الإثبات في المنازعات الإدارية «دراسة مقارنة»، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2018.
جهاد صفا، أبحاث في القانون الإداري، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2019.
جورج فوديل وبيار دافوليه، القانون الإداري، ترجمة منصور القاضي، ج2، ط1، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008.
جوزيف رزق الله، النظرية العامة للإثبات أمام القضاء الإداري، صادر للمنشورات الحقوقية ، بيروت، 2010.
خميس السيد إسماعيل، الإثبات أمام القضائيين الإداري والعادي، دار محمود، القاهرة، 2016.
عباس العبودي، الحجية القانونية لوسائل التقدم العلمي في الإثبات المدني، درا الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2016.
عباس العبودي، شرح أحكام قانون الإثبات المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2018.
عباس مجيد الشمري، الأحوال الطارئة على ميعاد رفع دعوى الإلغاء دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، بيروت،2020.
عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000.
عصام أبو سليم، النظرية العامة للإثبات في الواد المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2017.
عصام عبد الوهاب البرزنجي وآخرون، مبادئ واحكام القانون الإداري، مكتبة السنهوري، بغداد، 2015.
علي سلمان المشهداني، قواعد الاثبات في الدعوى الإدارية، دراسة مقارنة، مكتبة السنهوري، بيروت، 2017.
غازي ابراهيم الجنابي، مبادئ أساسية في قوانين الوظيفة العامة، ط2، مكتبة القانون والقضاء، بغداد، 2015.
قيس عبد الستار عثمان، القرائن القضائية ودورها في الإثبات، ط1، مكتبة السنهوري، بغداد، 2016.
لفتة هامل العجيلي، السندات الرسمية والعادية وحجيتهما في الاثبات مع ادلة الاثبات الأخرى، المكتبة القانونية، بغداد، 2012.
مدحت المحمودـ، شرح قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969، ط2، موسوعة القوانين العراقية، بغداد، 2009.
مليجي محمد شيخ العرب، الموسوعة في تنظيم القضاء الإداري في فرنسا ومصر والكويت، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009.
ثانياً: الرسائل والاطاريح الجامعية
خلدون إبراهيم نوري سعيد، مدى سلطة قاضي الإلغاء في إصدار أوامر للإدارة، رسالة أعدت لنيل شهادة الماجستير في القانون العام، جامعة بغداد، كلية القانون، 2003.
وائل مؤيد جلال الدين الحلبي، إجراءات الإثبات المدني، دراسة مقارنة، رسالة أعدت لنيل درجة ماستر في القانون العام، جامعة الموصل، كلية القانون، العراق، 2006.
ثالثاً: المجلات
إبراهيم طه الفياض، إجراءات وصياغة الاحكام لدى القضاء الإداري، دراس منشورة في مجلة بيت الحكمة، سلسلة المائدة الحرة، العدد40، 2000.
رابعاً: القوانين
قانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم (65) لعام 1979 المعدل.
[1] وائل مؤيد جلال الدين الحلبي، إجراءات الإثبات المدني، دراسة مقارنة، رسالة أعدت لنيل درجة ماستر في القانون العام، جامعة الموصل، كلية القانون، العراق، 2006، ص8.
[2] عباس مجيد الشمري، الأحوال الطارئة على ميعاد رفع دعوى الإلغاء دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، بيروت،2020، ص79.
[3] عصام أبو سليم، النظرية العامة للإثبات في الواد المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2017ـ ص18.
[4] إلياس جوادي، الإثبات في المنازعات الإدارية «دراسة مقارنة»، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2018، ص15.
[5] جوزيف رزق الله، النظرية العامة للإثبات أمام القضاء الإداري، صادر للمنشورات الحقوقية ، بيروت، 2010، ص59 وما يليها.
[6] إلياس أبو عبيد، نظرية الإثبات في أصول المحاكمات المدنية والجزائية، الجزء الأول، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2005، ص78.
[7] نص المادة(7/ثانياً/د) من قانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم (65) لعام 1979 المعدل.
[8] خلدون إبراهيم نوري سعيد، مدى سلطة قاضي الإلغاء في إصدار أوامر للإدارة، رسالة أعدت لنيل شهادة الماجستير في القانون العام، جامعة بغداد، كلية القانون، 2003، ص56.
[9] جوزيف رزق الله، النظرية العامة للاثبات أمام القضاء الاداري، مرجع سابق ذكره ص. 11 وما يليها.
[10] الحكم الصادر بتاريخ 7/6/1958 السنة الثالثة، ص1273، والحكم الصادر في 22/3/1964، السنة التاسعة، ص881، والحكم الصادر في 22/4/1972، السنة 17، ص412، أشار إليه: ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص78.
[11] علي سلمان المشهداني، قواعد الاثبات في الدعوى الإدارية، دراسة مقارنة، مكتبة السنهوري، بيروت، 2017، ص79.
[12] جوزيف رزق الله، النظرية العامة للاثبات أمام القضاء الاداري، مرجع سابق ذكره ص. 17 وما يليها.
[13] جوزيف رزق الله، المرجع نفسه ص. 17.
[14] جوزيف رزق الله، المرجع نفسه ص. 18.
[15] جوزيف رزق الله، النظرية العامة للاثبات أمام القضاء الاداري، مرجع سابق ذكره ص. 158.
[16] مجلس شورى لبنان، قرار رقم 568، تاريخ 24/6/2003، النادي الثقافي الاجتماعي في كوكبا/ بلدية كوكبا، مذكور في كتاب جوزيف رزق الله، النظرية العامة للاثبات أمام القضاء الاداري، مرجع سابق ذكره ص.21.
[17] جوزيف رزق الله، النظرية العامة للاثبات أمام القضاء الاداري، مرجع سابق ذكره ص. 21.
[18] علي سلمان المشهداني، قواعد الاثبات في الدعوى الإدارية، دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص81.
[19] لفتة هامل العجيلي، السندات الرسمية والعادية وحجيتهما في الاثبات مع ادلة الاثبات الأخرى، المكتبة القانونية، بغداد، 2012، ص99.
[20] آدم وهيب النداوي، شرح قانون الاثبات، ط2، دار الحكمة القانونية، بغداد، 2000، ص45.
[21] عباس العبودي، شرح أحكام قانون الإثبات المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2018، ص73.
[22] عباس العبودي، الحجية القانونية لوسائل التقدم العلمي في الإثبات المدني، درا الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2016، ص56.
[23] الأسباب الموجبة للقانون رقم 106 لسنة 1989، قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979.
[24] إبراهيم طه الفياض، إجراءات وصياغة الاحكام لدى القضاء الإداري، دراس منشورة في مجلة بيت الحكمة، سلسلة المائدة الحرة، العدد40، 2000، ص78.
[25] أحمد كمال الدين موسى، نظرية الإثبات في القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، 2014، ص134.
[26] مليجي محمد شيخ العرب، الموسوعة في تنظيم القضاء الإداري في فرنسا ومصر والكويت، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009، ص90.
[27] أحمد عزيز جايد الخيون، دور القاضي في إثبات الدعوى المدنية، ط 1، المكتبة القانونية، بغداد، 2011، ص60.
[28] خميس السيد إسماعيل، الإثبات أمام القضائيين الإداري والعادي، دار محمود، القاهرة، 2016، ص89.
[29] جورج فوديل وبيار دافوليه، القانون الإداري، ترجمة منصور القاضي، ج2، ط1، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008، ص89.
[30] جهاد صفا، أبحاث في القانون الإداري، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2019ص66..
[31] عباس العبودي، أحكام قانون الإثبات المدني العراقي، مرجع سابق، ص111.
[32] قيس عبد الستار عثمان، القرائن القضائية ودورها في الإثبات، ط1، مكتبة السنهوري، بغداد، 2016، ص108.
[33] عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص602.
[34] آدم وهيب النداوي، شرح قانون الإثبات، مرجع سابق، ص198.
[35] آدم وهيب النداوي، دور الحكم المدني في الاثبات دراسة مقارنة، مكتبة السنهوري، بغداد، 2003، ص379.
[36] مدحت المحمودـ، شرح قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969، ط2، موسوعة القوانين العراقية، بغداد، 2009، ص53.
[37] غازي ابراهيم الجنابي، مبادئ أساسية في قوانين الوظيفة العامة، ط2، مكتبة القانون والقضاء، بغداد، 2015، ص118.
[38] عصام عبد الوهاب البرزنجي وآخرون، مبادئ واحكام القانون الإداري، مكتبة السنهوري، بغداد، 2015، ص78.