حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية
حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف
حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)
CC BY-NC-ND 4.0 DEED
Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University
Intellectual property rights are reserved to the author
Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)
Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International
For more information, please review the rights and license
تاريخ الاستلام 13/1 تاريخ القبول 20/2
تاريخ النشر 25/4/2025
حماية الحقوق المالية للموظف العام
دراسة تحليلية تأصيلية في التشريع العراقي
Protection of the financial rights of the public employee
An analytical and original study in Iraqi legislation
م.د.جلال جبار عليوي الماجدي
جامعة الاسراء -كلية القانون
Dr. Jalal Jabbar Aliwi Al-Majidi
AL-esraa University– Faculty of Law
المستخلص
يعتبر النظام المالي الذي ينص على حقوق الموظف العام من أهم النظم التي تقوم عليها نظم التوظيف التي تعتبر الوظيفة العامة بمثابة مهنة ، لا بل أن الأمر يتعدى ذلك ليعتبر أيضاً من أهم النظم التي تقوم على أساس اعتبار أن العلاقة التي تربط الموظف العام بالوظيفة العامة هي علاقة تنظيمية ، ويعود ذلك لأن الناحية المالية بالوظيفة العامة تقوم على أساس تحقيق أهداف معينة ، ولعل من أهم هذه الأهداف هي رفع السوية المالية والاجتماعية للموظف العام بما ينعكس على حسن أداءه من جهة ، وبما يسهم في رفع مستوى دخل الموظفين من جهة أخرى بما يحصنهم من الفساد الإداري.
ولا يقتصر النظام المالي للموظف العام التي يتضمن حقوقه المالية على المستحقات المالية التي يستحقها الموظف العام كالراتب والمخصصات والتعويضات والمكافأت ، بل أن الامر يتعدى ذلك ليشمل أسس ترقية الموظف العام وترفيعه ، ومنحة علاوة الترفيع ، وأنقاص درجته وتخفيضها لدرجة أدنى ، فضلاً عن العقوبات المالية التي توقع على الموظف العام من السلطة المختصة ، وأثر هذه العقوبات على مستحقاته المالية وترقيته ومنحه علاوة الترفيع.
فالنظام المالي الذي يشمل حقوق الموظف العام نظام كامل متكامل يعمل على تحقيق أهدف معينة ومحددة منها ما هو مباشر ينعكس أثره بشكل واضح على الموظف العام والوظيفة العامة ، ومنها ما هو ضمني أو غير مباشر بحيث أن تحديد الهدف الواضح يضمن تحقيق الهدف الضمني.
الكلمات المفتاحية: الترفيع، الترقية ، الراتب، المخصصات،الحقوق المالية، الموظف العام، الوظيفة العامة.
Abstract
The financial system that stipulates the rights of the public employee is considered one of the most important systems on which employment systems are based, which consider the public job as a profession. Rather, the matter goes beyond that to also be considered one of the most important systems that are based on considering that the relationship between the public employee and the public job is an organizational relationship. This is because the financial aspect of the public job is based on achieving certain goals, and perhaps the most important of these goals is raising the financial and social level of the public employee, which is reflected in his good performance on the one hand, and which contributes to raising the level of income of employees on the other hand, which protects them from administrative corruption.
The financial system of the public employee, which includes his financial rights, is not limited to the financial dues that the public employee deserves, such as salary, allowances, compensations and bonuses. Rather, the matter goes beyond that to include the foundations for the promotion and advancement of the public employee, the promotion allowance grant, the reduction of his grade and its reduction to a lower grade, in addition to the financial penalties imposed on the public employee by the competent authority, and the effect of these penalties on his financial dues, his promotion and the granting of the promotion allowance. The financial system that includes the rights of the public employee is a complete and integrated system that works to achieve specific and specific goals, some of which are direct and their impact is clearly reflected on the public employee and the public office, and some of which are implicit or indirect, such that determining the clear goal ensures the achievement of the implicit goal.
Keywords: Promotion, promotion, salary, allowances, financial rights, public employee, public office.
مقدمة
تعد الوظيفة العامة من أهم الوسائل التي أقرها المشرع للحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام واضطراد ، إذ أنها تعلب دوراً أساسياً في تنظيم المرافق العامة وتنظيم عملها ، الأمر الذي يؤدي إلى تقديم الحاجات العامة لعموم الأفراد وفق ألية محددة مسبقاً بالقانون ، الأمر الذي ينعكس على وجود الدولة ذاتها واستقرارها وسيادتها ، إذ أن الدولة المنظمة داخلياً بحيث يقوم كل فرد فيها بالمهمة التي تولها وفق القانون والنظام تظهر أمام الدول الأخرى بمظهر الدولة القوية المتماسكة ، وعلى هذا الأساس فلا يظهر الدور الذي تقوم به الوظيفة العامة على المستوى الداخلي فقط بل ينعكس هذا الدور على المستوى الخارجي أيضاً.
ويتولى الوظيفة العامة أشخاص من عموم المواطنين في الدولة ، على أنه يتوجب أن يتوافر بهم بعض الشروط والمتطلبات المحددة في القانون ، كالمؤهل العلمي ، وشرط الانتماء أو الجنسية ، والعمر ، والسيرة الحسنة ، وغيرها من المتطلبات الأخرى .
وتختلف الأشكال التي يتولى فيها الأفراد الوظيفة العامة فأما أن يكون أسلوب شغل الوظيفة العامة بالمسابقة ، بحيث يتولاها الأشخاص الناجحون فقط ، وقد يكون بالتعيين كما هو الحال كما هو الحال مع بعض الأفراد اللذين يتوافر فيهم بعض المؤهلات العلمية والشخصية التي لا تتوافر في غيرهم من الأفراد الأخرين.
على أن شغل الوظيفة العامة من قبل الأفراد وتوليها لا يكون على سبيل الخدمة العامة ، أو على سبيل تحمل الأعباء والتكاليف العامة ، بل يكون مقابل حقوق مالية محددة في القانون لكل نوع من أنواع الوظائف ، فعلى سبيل المثال فأن راتب الموظف الذي يملك مؤهل جامعي يكون أكثر من راتب من يملك شهادة ثانوية فقط ، ولعل من أهم حقوق الموظف الذي يتولى الوظيفة العامة هو حقه في العيش حياة حرة كريمة هو وأسرته ، الأمر الذي ينعكس على أداءه الوظيفي من جهة ، ويضمن كرامة الموظف والوظيفة التي يشغلها من جهة أخرى بابتعاده عن الرشوة والفساد المالي وغيره.
والحقيقة أن راتب الموظف العام لا يبقى على ذات القدر الذي كان عليه عند بداية التعيين ، بل أنه يزداد بقدمه في الوظيفة العامة وازدياد خبرته ، فضلاً عن أن بقاءه في ذات الوظيفة التي عين فيها أمر غير مقبول بل أنه يترقى في وظيفته وفق معايير محددة في القانون حتى بلوغه سن التقاعد وأحالته على المعاش.
وعلى هذا الأساس تعد حقوق الموظف العام المالية من أهم الحقوق التي قررها المشرع له ، فهي ليست منحه من أحد او جهة ما ، بل على العكس من ذلك تعتبر حق أصيل من حقوقه ، وقد قرر لها المشرع مجموعة من القواعد التي تحميها وتحافظ عليها ، في سبيل صيانة كرامة الموظف من جهة ، والمحافظة على قدسية الوظيفة العامة من جهة أخرى.
أهمية البحث :
تظهر أهمية هذا البحث في جانبين أثنين ، أما الأول منهما يتمثل في الحفاظ على الموظف العام ذاته ، ويكون ذلك عبر ضمانة حياة حر كريمة له ولأفراد أسرته ، من خلال إشراكه في إدارة الشؤون العامة في الدولة بما يضمن المحافظة على التنظيم الإداري للدولة من جهة ، ويحافظ على مستوى دخل الأفراد فيها من جهة أخرى ، أما الجانب الثاني يتمثل في المحافظة على الوظيفة العامة من جهة أخرى أذ أن حقوق الموظف العام المالية تمثل أبسط حقوقه وأهمها الأمر الذي يجعل من صيانتها له ينعكس على أداءه الوظيفة بما يخدم المرفق العام ويسهم في تطور الناحية الإدارية والتنظيمية في الدولة ، وعلى الخصوص أن الدول باتت تتنافس في إظهار قوة التنظيم الإداري في الوظيفة العامة من خلال الإعلان عن سرعة أنجاز معاملات الأفراد ، وإظهار مدى ثقتهم ورضاهم عن خدمة المرافق العامة.
إشكالية البحث:
تظهر إشكالية البحث في سؤال رئيس يتفرع عنه عدد من الأسئلة الفرعية نبينها على الشكل التالي :
السؤال الرئيس : ما الوسائل التي حددها المشرع العراقي للحفاظ على حقوق الموظف العام في العراق في كل من قانون الخدمة المدنية ، وقانون انضباط موظفي الدولة؟
الأسئلة الفرعية : نبينها على الشكل التالي :
ما مفهوم الموظف العام في القانون العراقي ؟
ما الحقوق المالية المقررة للموظف العام في التشريع العراقي؟
ما الأساليب التي اتبعها المشرع العراقي لترقية الموظف العام؟
ما أثر المخالفات الوظيفية والجرائم المتصلة بالوظيفة العامة على حقوق الموظف العام المالية؟
منهج البحث :
يعتمد هذا البحث على المنهج التأصيلي بحيث تم تأصيل مفهوم الموظف العام ببيانه وتمييزه عن غيره من المفاهيم التي يمكن أن تتداخل معه كالموظف المتعاقد أو الأجير المياوم ، فضلاً عن تأصيل حقوق الموظف العام المالية وبيان موقف الفقه التشريع منها ، كما اعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي بحيث تم تحليل كل جزئيات ومفاهيم البحث ، وتم تناولها بالشرح والنقد وبيان الرأي الشخصي للباحث.
خطة البحث:
يعتمد هذا البحث على التقسيم الثنائي بحيث تم تقسيمه إلى مبحثين ، وكل مبحث إلى مطلبين على الشكل التالي:
المبحث الأول : ماهية حقوق الموظف العام المالية
المطلب الأول : مفهوم الموظف العام
المطلب الثاني : مفهوم الحقوق المالية للموظف العام
المبحث الثاني : أسس حماية حقوق الموظف العام المالية
المطلب الأول : ضمانات صيانة حقوق الموظف العام المالية
المطلب الثاني : أثر العقوبات الإدارية والجزائية على حقوق الموظف المالية
المبحث الأول
ماهية حقوق الموظف العام المالية
لا شك أن القيمة المعنوية للوظيفة العامة تعلو وتسود على كل القيم الأخرى بما فيها القيمة المالية المتمثلة بحق الموظف العام المالي ، وتعود هذه القيمة المعنوية لقدسية الوظيفة العامة كونها تقوم على أساس تحقيق المنافع العامة وتقديمها لجمهور الأفراد على شكل خدمات مجانية أو شبه مجانية ، إلا أن ذلك لا يعني هدر الحق المالي للموظف العام من جراء تحمله مسؤولية وأعباء الوظيفة العامة دون غيره من عموم الأفراد.
ويعد الحق المالي للموظف العام من أهم الحقوق التي تقرها له كافة الشرائع والدساتير بما فيها القانون العراقي ، لا بل أن المتعلقات المالية التي يستحقها الموظف العام من جراء شغله الوظيفة العامة تتعدى مفهوم الحق لتصبح في أطار أخر واجب من واجبات الإدارة والحكومة ككل يتوجب صيانتها له.
وعلى هذا الأساس المتقدم أن تحديد مفهوم الموظف العام (المطلب الأول ) يعد من أهم متطلبات هذا البحث ، وذلك لحصر من يستحق الاستحقاقات المالية من الإدارة دون غيره بعد بيان ماهية حقوق الموظف العام المالية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم الموظف العام
يعد ضبط مفهوم الموظف العام أمر مهم وجوهري في أطار الوظيفة العامة على كافة المستويات ، وذلك لبيان الوجبات المترتبة عليه ، والحقوق المترتبة له ، وعلى الخصوص الحقوق المالية كونها تشكل موضوع هذا البحث ، كما أن أهميته تأتي من بيان دور الأدارة في مواجهة الموظف العام في هذا الإطار ، ويمكن بيان أسباب أهمية هذا الضبط فيما يأتي :
تمييز الموظف العام عن غيره من الأشخاص الذين تترب لهم التزامات مالية تجاه الأدارة ، ولا يشملهم مفهوم الوظيفة العامة.
ابراز دور الإدارة في ضرورة تأدية حقوق الموظف العام المالية خضوعاً لأحكام القانون من جهة ، ولضمان استمرار أداء الموظف العام ضمن أعلى فاعلية.
إبراز أهمية الوظيفة العامة من خلال بيان حقوق الموظف من جراء توليه إياها وعلى الأخص الحقوق المالية.
وعليه يمكن القول أن مفهوم الموظف العام يعد من أكثر المفاهيم التي تناولها الفقه والقانون بالتعريف لمحاولة ضبطه ، وعلى الرغم من ذلك فلا يوجد اجماع على هذا المفهوم وأن كانت كل محاولات تحديده تصب في ذات الإطار ،حتى أن التشريعات العربية والأجنبية لا تكاد تجمع على مفهوم واحد ، لذلك لجأ الفقه إلى وضع مجموعة من المعايير التي يمكن القول أنه في حال توافرها تنطبق صفة الموظف العام على من توافرت فيه ، وهي[1]:
ديمومة الوظيفة العامة ، ويعني ذلك أن تكون العلاقة التي تربط الموظف بالوظيفة علاقة دائمة ، وليست مؤقته أو عرضية ، أي أن الأشخاص الذين تستخدمهم الأدارة لأداء خدمات معينة فقط ولو على سبيل التكرار لا يدخلون ضمن أطار الموظف العام ، وعلى هذا الأساس يخرج الأجراء والمياومون والمتعاقدون من مفهوم الموظف العام.
وجوب أن يعمل الموظف ضمن مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ، ويعني ذلك أنه يتوجب أن تكون تبعية الموظف العام للدولة ، وبذلك يخرج الأشخاص الذين يعملون لصالح الأشخاص الخاصة من أطار الوظيفة العامة.
أن يعين الموظف العام من قبل السلطة المختصة ، بمعنى أنه يجب أن يدخل الموظف الوظيفة العامة بصدور قرار من السلطة صاحبة الاختصاص في التعيين يرخص له مباشرة الوظيفة العامة وتحمل اعبائها.
وعلى هذا الأساس المتقدم يذهب غالبية الفقه الفرنسي الحديث على تعريف الموظف العام على أنه :»كل شخص يساهم في خدمة مرفق عام تديره الدولة بطريقة مباشرة ، ويشغل مركزه بصوره دائمة ، ويدخل في نطاق الكادر الإداري للإدارة العامة»[2].
بينما اشترط الأستاذ بيكمال ثلاث شروط لاعتبار شخص ما موظف عام ،يتمثل الأول بوجوب شغل وظيفة إدارية ، والثاني بوجوب أن تكون الوظيفة دائمة ، والثالث بالتثبيت بدرجة من درجات السلم الإداري، غير أن الأستاذ بيرز وضع شروط مغايره للشروط السابقة تتمثل بوجوب تمتع المرفق بالشخصية القانونية ، ووجوب تبعية الموظف لمرفق عام أداري ، ويستبعد الأستاذ بيرز الأشخاص العاملين في المرافق العامة الصناعية والتجارية من مفهوم الموظف العام ولا يستثني منهم إلا المدير والمحاسب ويعود ذلك لطبيعة علاقتهم بالمرفق.
أما على صعيد الفقه العربي فقد عرف الموظف العام على أنه :»كل من يعمل في أطار وظيفة دائمة أو مؤقتة في خدمة مرفق عام يديره شخص معنوي عام أي يدار بطريقة الأدارة المباشرة».[3]
وعلى صعيد الفقه العرقي عرف على أنه :»كل شخص عهدت أليه وظيفة داخله في الملاك الدائم للمرفق العام».[4]
وتجدر الإشارة في معرض هذا الأمر إلى أن قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لعام 1960 المعدل عرف الموظف العام على أنه :»كل شخص عهدت أليه وظيفة دائمة داخلة بالملاك الدائم بالموظفين».[5]
كما عرفه قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام على انه :»كل شخص عهدت أليه وظيفة داخل ملاك الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة».[6].
ومن خلال ما تقدم يمكن تعريف مفهوم الموظف العام من وجهة نظرنا : كل شخص أصدرت السلطة صاحبة الحق بالتعيين قراراً بتعيينه في الملاك الدائم لأحدى الجهات العامة .
المطلب الثاني: مفهوم الحقوق المالية للموظف العام
تتمثل الغاية الأساسية من الوظيفة العامة في ضمان سير المرافق العامة بانتظام واضطراد الأمر الذي يسهم بدفع عجلة التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي ، إلا أن عظم هذه الغاية لا يعني أهدار حقوق القائمين عليها ، وعلى الخصوص الحقوق المالية للموظف كونها تحتل جانباً كبيراً من حياة الموظف العام على المستوى الوظيفي والمستوى الشخصي ، لا وأبعد من ذلك يمكن القول أن الحقوق المالية هي الدافع لدخول الأفراد مع الأدارة بعلاقة الوظيفة العامة ، ولا نغالي بهذا القول على الأقل بالنسبة للموظف العام ، فإذا كان هدف الأدارة من الوظيفة العامة هو ضمان سير المرفق العام ، فأن هدف الموظف العام هو الحصول على مستحقاته المالية بتحمل أعباء الوظيفة العامة ، فما يعد وسيلة بالنسبة (الحقوق المالية) بالنسبة للإدارة لتحقيق هدف ، يعد من جانب أخر هدف للموظف العام[7].
وتتمثل حقوق الموظف العام المالية بحقه في الرتب أو الأجر ، وحقه في علاوات الترفيع ، والترقية ، ونتناولها تباعاً على الشكل الأتي :
أولاً ـ الراتب أو الأجر :
يعرف الراتب على أنه :»مبلغ من المال يتقاضاه الموظف من الخزينة العامة بطريقة منتظمة كل مدة معينة ، وذلك مقابل ما يؤديه الموظف من خدمات وظيفية ، ويمنح الراتب عادةً بشكل شهري».[8]
وذهب البعض إلى القول أن الراتب أو الأجر له مدلولان مدلول خاص وعام ، أما الخاص فيعني :»المقابل المالي الذي يحصل علية الموظف شهرياً نظير قيامه بواجباته الوظيفية بصرف النظر عن أي اعتبار أخر ، وبذلك يخرج من مدلول الأجر كل مزايا الوظيفة العامة الأخرى»[9].
أما المدلول العام للأجر فيعني :»كل المستحقات المالية التي يحصل عليها الموظف نظير قيامه بتكاليف الوظيفية العامة ، فيشمل على جانب الراتب كل المستحقات المالية الأخرى كالحوافز والمكافأة التشجيعية ،والتعويضات وغيرها».[10]
وعلى ما يبدو أن المشرع العراقي قد تبنى المدلول الخاص للأجر ، حيث أن الأجر ينحصر في المبلغ المقطوع الذي يتقاضاه الموظف نظير قيامه بأعباء الوظيفة العامة ، وهذا ما يفهم من نص الفقرة الأولى من المادة 16 من قانون الخدمة المدنية :»يستحق الموظف راتب وظيفته عند التعيين بداء من تاريخ مباشرته ،واذا لم يباشر خلال عشر أيام من تبليغه التعيين عدا أيام السفر المعتاد يعد أمر التعيين ملغياً».[11]
ولابد من الإشارة في معرض هذا الأمر إلى أنه يسود مبدأ غاية في الأهمية بمجال الرواتب والأجور ألا و هو :»مبدأ الأجر مقابل العمل» ، فوفق هذا المبدأ فأن الموظف لا يستحق راتبه إلا نظير قيامه بالعمل الموكل أليه في وظيفته ، بحيث أن الموظف يستحق راتبه بمجرد قيامه بالعمل حتى وأن كان قرار تعيينه باطلاً على سبيل المثال ، أو أن صلته بالوظيفة العامة انتهت من جراء انتهاء خدمته[12]، وعلى ما يبدو أن المشرع العراقي أخذ بهذا المبدأ بحيث يستنتج ذلك من نص الفقرة الأولى من المادة 16 المتقدم ذكرها ، حيث بين المشرع العراقي أن الموظف يستحق راتبه من تاريخ مباشرة عمله.
وتجدر الإشارة إلى أنه يلحق بالراتب مجموعة من المخصصات المالية وهي :»مبلغ أو مجموعة مبالغ مالية يتقاضاها الموظف شهرياً أو في الفترات المحددة في القانون ، وهي أما مبالغ مقطوعه أو تحدد بشكل نسبة مئوية من الراتب ، والغاية منها تمكين الموظف من مواجهة أعباء الحياة».[13]
ومن أمثلة المخصصات ما نص عليه قانون رواتب موظفي الدولة العراقي رقم 22 لعام 2008 ، كمخصصات المنصب بمقدار 30 بالمئة من الراتب لمنصب معاون مدير عام ، و20 بالمئة من الرتب لمن يشغل مدير قسم ، ومخصصات شهادة بحيث يمنح نسبة 100% من الراتب لمن يحمل شهادة دكتوراه او ما يعادلها ، و75% لمن يحمل شهادة ماجستير ، ومخصصات موقع جغرافي ستون ألف دينار لمن يعين في المناطق النائية ، وخمسون ألف دينار لمن يعين في المناطق الريفية ، ومخصصات خطورة وإعالة وغيرها.[14]
ثانياً ـ العلاوة السنوية :
تعرف العلاوة السنوية على انها :»الزيادة المالية على الراتب التي تمنح للموظف بشكل دوري كل سنة استناداً للنظام الوظيفي ، بحيث يزداد راتب الموظف ضمن حدود سلم الدرجة التي يشغلها، وتدخل هذه الزيادة في الراتب الأساسي الذي يعتمد عند تقرير حقوق الموظف التقاعدية».[15]
والأصل العام يقضي بعدم منح العلاوة السنوية إلا بعد قياس كفاءة أداء الموظفين ، ويتمثل الغرض من ذلك بالكشف عن مستوى الأداء الوظيفي والكفاية في الإنجاز ، إلا أنه تدخل في هذا القياس مجموعة من العناصر ، فمنها ما يتعلق بالعمل الوظيفي ذاته كمدى الإلمام بالعمل ، وكميته ، ودرجة أجادته السرعة في أنجازه ، ومنها ما يتعلق بالموظف ذاته كدراسة سلوكه الوظيفي والأخلاقي ، وتعامله مع زملائه وغيرها.[16].
والحقيقة أن الوضع في التشريع العراقي كان معقد بعض الشيء ويعود ذلك لكثرة عدد التشريعات المتعلقة بالوظيفة العامة التي تنص على منح العلاوة السنوية ، ومنها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع المشترك ، وقانون الخدمة المدنية ، والتعليمات رقم 16 لعام 1960 ، وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل الذي مايزال نافذاً رقم 378 لعام 1987 ، وأخرها قانون رواتب موظفي الدولة رقم 22 لعام 2008 ، الأمر الذي استدعى من هيئة النزاهة الطلب إلى مجلس شورى الدولة بيان رأيه بخصوص القانون الواجب التطبيق فيما يخص العلاوات السنوية من بين كل القوانين المتقدمة ، فأصدر المجلس قراره رقم 63 لعام 2015 الذي قضى من حيث النتيجة بأن :»حيث أن تعليمات الخدمة المدنية رقم 16 لعام 1960 المشار أليها بكتاب وزارة المالية المذكور أنفاً تستند إلى المادة الخامسة من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لعام 1960 التي ألغيت بموجب المادة 20من القانون 22 لعام 2008 ، وبذلك تعد ملغاة لإلغاء سندها ، وحيث أن قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لعام 2008 هو قانون لاحق في صدوره على قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 378 لعام 1987 ، فيكون بذلك هو القانون الواجب التطبيق انطلاقاً من قاعدة أن اللاحق ينسخ السابق ، طالما ورد فيهما أحكام تنظم حالة واحدة هي حالة منح العلاوة ، وتأسيساً على ما تقدم يرى المجلس أن تقييم أداء الموظفين ليس شرطاً لمنح العلاوة السنوية ، بحيث يمنح الموظف العلاوة السنوية عند إكماله سنه واحدة في الخدمة الوظيفية»[17].
وعلى هذا الأساس المتقدم باتت العلاوات السنوية أمر حتمي في التشريع العراقي بحيث تمنح للموظف سنوياً ، دون أن يكون هناك أي دور لكفاءة الموظف في ذلك بحيث يستحقها الموظف المنضبط والملتزم على التوازي من الموظف المهمل الذي لا يقوم بعمله ، فنوصي المشرع العراقي بإعادة النظر بذلك، والعمل على وضع ضوابط لاستحقاق الموظف للعلاوة السنوية، يكون من ضمنها درجة كفاءة الموظف في أداء مهام عمله.
ثالثاً ـ الترقية :
تعرف الترقية على أنها :»أن يشغل العامل وظيفة درجتها أعلى من درجته الوظيفية التي كان يشغلها قبل الترقية ، ويترتب على الترقية زيادة في المزايا المادية والمعنوية للعامل ، وزيادة في اختصاصاته الوظيفية»[18].
كما تعرف على أنها :»نقل الموظف من وضع وظيفي أول إلى وضع وظيفي أكبر ، وتنقسم إلى قسمين ترقية في الدرجة وترقية في الوظيفة ، وتعني الترقية في الدرجة انتقال الموظف من درجة أدنى إلى درجة أعلى كأن ينتقل الموظف من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى»[19].
أما المشرع العراقي فقد عرفها على أنها :»الترفيع هو انتقال الموظف من الوظيفة التي يشغلها إلى وظيفة تقع في الدرجة الأعلى التالية لدرجته مباشرةً ضمن تدرجه الوظيفي».[20]
كما أنه حدد شروطها ب[21]ما يلي:
وجود وظيفة شاغرة في الدرجة الأعلى لدرجته ضمن الملاك الوظيفي للدائرة.
إكمال المدة المقررة للترفيع وهي تختلف من وظيفة إلى أخرى
أن يكون الموظف مستوفياً للشروط والمؤهلات المطلوبة لإشغال الوظيفة المرشح للترفيع إليها ، فلا يجوز على سبيل المثال ترفيع موظف لوظيفة تتطلب إجازة جامعية وهو لا يملكها.
ثبوت قدرة وكفاءة الموظف على أشغال الوظيفة المراد ترفيعه إليها بتوصيه من رئيسه المباشر ومصادقة رئيسه الأعلى.
المبحث الثاني
أسس حماية حقوق الموظف العام المالية
تعد الحقوق المالية للموظف العام من الحقوق المحددة بموجب نص القانون ، إلا أن ذلك لا يعني أن مجرد النص عليها ضمانة من الضمانات المقررة للموظف العام تمنع التجاوز عليها سواء كان ذلك بتعسف السلطة الإدارية ، أو بتجاوز الاختصاص ، لذلك من المتوجب حماية الحقوق المالية للموظف العام انطلاقاً من أهميتها في المساهمة في القضاء على الفساد ، ورفع أداء الموظف العام.
ويمكن أن يحصل هذا التجاوز في الحالات التي منح فيها المشرع السلطة الإدارية بعض من السلطة التقديرية ، كما في الحالة المتعلقة بالترقية في التشريع العراقي حيث لا يجوز ترقية الموظف العام إلا بتوصيه من رئيسه وتوصية من الرئيس الأعلى ، فماذا لو تعنت احد هؤلاء؟
ومن جانب أخر هل يستحق الموظف المخالف لواجباته الوظيفية كل الحقوق المالية المقررة له ، بمعنى أنه يتوجب بيان أثر المخالفة على الحقوق المالية سواء كانت هذه المخالفة جزائية أم مسلكية ، عليه نبين ضمانات صيانة حقوق الموظف العام المالية (المطلب الأول ) و اثر العقوبة الجزائية والمالية على هذه الحقوق (المطلب الثاني)
المطلب الأول: ضمانات صيانة حقوق الموظف العام المالية
يتوجب على الموظفين القيام بالالتزامات المفروضة عليهم قانوناً تجاه الأدارة عند شغلهم وتوليهم الوظيفة العامة ، ومن طرف مقابل فأن الموظفين يتمتعون بحقوق وفوائد مالية من جراء قيامهم بالالتزام المتقدم ، ولا بد من بيان أن هذه الحقوق يحكمها نظام الضمانات ، ويقوم نظام الضمانات هذا على أساس تحقيق جانبين من الأهداف ، يتمثل الأول المحافظة على حقوق الموظفين من جراء تعسف الأدارة ذاتها ، أما الجانب الثاني يتمثل بحمايتهم ضد اخطار الاحتجاجات التعسفية وغير الصحية المقدمة من قبل الموطنين ، والتي تؤثر بالتأكيد على حقوق الموظف المالية وغيرها من الحقوق الأخرى[22].
وينعم الموظفون بنوعين من الحماية المقررة لهم للحفاظ على حقوقهم المالية ، بحيث تؤمن لهم كل منها الاستقرار والطمأنينة والاستفادة من المزايا والحقوق المالية المقررة لهم في نظام الوظيفة العامة على وجه قانوني وعادل.
ويتمثل النوع الأول من هذه الضمانات بالحماية أو الضمانة التشريعية التي تستند في الأصل إلى كون هذا النظام محدد في أموره الجوهرية بنصوص قانونية أو دستورية (كما هو الحال مع أسس منح المخصصات وعلاوات الترفيع ، والترقية السالف ذكرها في التشريع العراقي) ، وهذا يستتبع أن يكون الموظفون في مأمن من تدخل الإدارة الهادف في بعض الأحيان إلى تعديل النظام بغية انقاص الحقوق والفوائد والضمانات التي يتمتع بها الموظفون بموجب نصوص قانونية ، كما أن الضمانة التشريعية تمتد لتكتسي ايضاً بصفة الضمانة البرلمانية حيث أن الموظف يستطيع على الدوام اللجوء على ممثله في البرلمان ليشرح له احتجاجه ضد الأدارة أو الجانب التي تعدت به الإدارة على حقوقه سواء كانت مالية أم غير مالية ، وهذا الأخير يمكن له أن يثير الموضوع في البرلمان عن طريق الأسئلة والاستجوابات التي يطرحها على أعضاء الحكومة ، ولا تعتبر الضمانة البرلمانية من الضمانات السهلة أو المألوفة ، ولا يعود ذلك لعيب فيها بل يعود ذلك للخوف أحياناً وقلة الثقافة العامة والقانونية في كثير من الأحيان[23].
أما النوع الثاني من الضمانات المقررة للموظف العام فهو الضمانة القضائية حيث يمكن للموظف دوماً اللجوء لقاضي الأدارة ليطلب منه الغاء القرارات الإدارية التي أضرت به في حقوقه المالية على اعتبار أنها من جملة الحقوق الوظيفة الممنوحة له ، بل وأبعد من ذلك يمكن للموظف طلب التعويض عن الضرر اللاحق به من جراء بعض القرارات التعسفية الصادرة بحقه إذا كان له مبرر[24].
ومن أمثلة الضمانات التشريعية المقررة لحقوق الموظف العام المالية في التشريع العراقي ما جاء في قانون الخدمة المدنية العراقي :»لا يجوز وضع الحجز على راتب الموظف العام أو على المخصصات التي يستحقها بموجب هذا القانون قبل استلامها من الخزينة لقاء دين ترتب في ذمته المالية إلا في الأحوال التالية وبما لا يزيد ثلث الراتب أو المخصصات:
إذا كان الدين يعود للخزينة العامة التي يقرر مجلس الوزراء خضوع دينها للحجز المذكور
إذا كان الدين لغرض أيفاء النفقة الشرعية
إذا كان الدين ناشئاً عن مهر حكم به على الموظف»[25]
فضلاً عن تحديد العقوبات ذات الأثر المالي بشكل وواضح وصريح فمثلاً عقوبة انقاص الراتب يجب أن لا تتجاوز 10% منه ولا تنقص عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين ، فضلاً عن تحديد مدة قطع الراتب بما لا يتجاوز الخمسة أيام.[26]
أما فيما يتعلق بالضمانات القضائية ، قام المشرع العراقي بإنشاء محكمة قضاء الموظفين ونقل لها اختصاصات مجلس الانضباط العام الملغي بحيث تختص هذه المحكمة بالنظر في الدعاوى التي يقيمها الموظف على دوائر الدولة والقطاع العام في الحقوق الناشئة عن قانون الخدمة المدنية أو القوانين أو الأنظمة التي تحكم العلاقة بين الموظف والجهة التي يعمل فيها.[27]
ومن خلال ما تقدم يلاحظ أن المشرع العراقي كفل حقوق الموظف العام المالية بكافة أنواع الضمانات لمقررة ، وهدفه في ذلك حماية حقوق الموظف العام المالية بما ينعكس على أداءه الوظيفي وحسن انتاجيته ، فضلاً عن أن هذه الضمانات تعبر عن دولة القانون التي يسود فيها القانون على الحكام والمحكومين على السواء .
المطلب الثاني: أثر العقوبة الإدارية والجزائية على حقوق الموظف المالية
الوظيفة العامة حقوق وواجبات ، فعلى التوازي من الحقوق المالية وغير المالية المقررة للموظف العام ، فأن نظام الوظيفة العامة ذاته يفرض عليه العديد من الواجبات ، والحقيقة أن مخالفة هذا الوجبات يعرض الموظف العام للمسؤولية التأديبية ، التي تؤدي إلى إيقاع العقوبة التأديبية المناسبة عليه من قبل الإدارة ، فضلاً عن أن الأخلال بالواجبات الوظيفية يمكن أن تعرض الموظف العام للمسؤولية الجزائية ايضاً إلى جانب المسؤولية التأديبية إذا توافرت شروط كل منهما ، كما هو الحال مع تقاضي الموظف العام للرشوة ، او اختلاس المال العام أو سرقته ، كل هذه الأفعال المتقدمة على سبيل المثال تؤدي إلى مساءلة الموظف العام من الناحية التأديبية والمسلكية معاً[28].
ولابد من الإشارة في معرض ـ وأن كنا لسنا بصدد التمييز بين الجريمة التأديبية والجزائية ــ إلا ان الجريمة التأديبية مستقلة كل الاستقلال عن الجريمة الجزائية في إطار الوظيفة العامة ، بمعنى أن تحريك الدعوى العامة بإحداهما لا يؤدي إلى أهدار الأخرى على أساس المحاسبة لمرة واحدة ، لاستقلال الأركان والنوع والفعل المكون لكل منهما ، فعلى سبيل المثال إذا كان فعل الموظف لا يكون جريمة من الناحية الجزائية فهذا لا يعني أنه لا يكون جريمة مسلكية ، على أن ثبوت عدم ارتكاب العامل للفعل المنسوب له جزائياً يؤدي إلى نفي المسؤولية المسلكية عنه لوحدة الواقعة[29].
وعلى هذا الأساس المتقدم تجدر الإشارة إلى أن النظام الوظيفي يقرر بعض العقوبات المالية أو ذات الأثر المالي التي يتم إيقاعها على الموظف العام ، ويكون الهدف منها التأثير على الموظف العام في ذمته المالية كجزاء للفعل المخالف الذي اقدم عليه من جهة ، وكنظام رادع لمنع ارتكاب الفعل أو تكراره ، ولا شك أن هذا النوع من العقوبات يؤثر على الحقوق المالية التي يتقاضاها الموظف العام من جراء شغله للوظيفة العامة ، ونبينها على الشكل الاتي :
أولاً ــ الحسم من الأجر :
أو انقاص الراتب كما أطلق عليها المشرع العراقي في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام ، وهو جزاء مالي من شأنه انقاص ما يتقاضاه الموظف من أجر ، ولأن الموظف يعول أسرته ، وقد يكون راتبه هو مصدر دخله الوحيد فأن المشرع ومنعاً من غلو الجهات الإدارية يحدد النسبة التي يجوز حسمها من الراتب ، وقد حددها المشرع العراقي بنسبة عشرة بالمئة من راتب الموظف العام على أن لا تقل مدة الحسم عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين .[30]
ثانياً ـ تأخير الترفيع :
وهي لا تعد من العقوبات الاصلية التي نص عليها المشرع العراقي ، بل أنها تعد جزاء تبعي من جراء إيقاع بعض أنواع العقوبات على الموظف العام كما هو الحال مع أيقاع عقوبة لفت النظر على الموظف العام ، حيث يترتب عليها تأخير الترفيع أو منح زيادة علاوة الترفيع لمدة ثلاثة أشهر ، كما أن عقوبة الإنذار توجب تأخير الترفيع لمدة ستة أشهر وهكذا[31] ، والمقصود بتأخير الترفيع تأجيل موعد استحقاق الموظف لعلاوة الترفيع المدة التي يحددها القانون ، على ان مدد تأخير الترفيع تسري على الموظف في القانون العراقي من تاريخ استحقاق الموظف للعلاوة وحتى انتهاء المدة.[32]
ثالثاً - حجب الترفيع :
ويقصد به تأخير حصول الموظف على الدرجة التالية لدرجته في موعد استحقاقها حسب قواعد الأقدمية وتقويم الأداء ، وحرمانه من علاوة الترفيع ، على أن المشرع العراقي استخدم هذه العقوبة بشكل مغاير وعكسي ، فالهدف من هذه العقوبة منع تقدم الموظف العام في الدرجات الوظيفية والمالية وابقاءه في درجته الوظيفية والمالية ذاتها على الرغم من استحقاقه درجة أعلى ، فاستخدم المشرع العراقي عقوبة تنزيل الدرجة حيث أنه لم يكتفي بإبقاء الموظف العام في درجته ومنع تدرجه الوظيفية للأعلى ، بل أعاده للوراء بانقاص درجته المالية والوظيفية ، بمعنى أنه اذا كان الموظف في الدرجة الثانية ويستحق 1000 دينار راتباً ، فعند إيقاع هذه العقوبة عليه يعاد للدرجة الثالثة ويستحق راتبها بحده الأدنى فإذا كان راتب الدرجة الثالثة يبدأ ب 500 دينار فأنه يستحقه فقط دون أي علاوة[33].
والحقيقة أننا نرى أن النهج الذي استخدمه المشرع العراقي بهذا الخصوص نهج شديد جداً ، فعلى الرغم من استحقاق الموظف للعقوبات في بعض الحالات إلا أنها يجب أن تكون مدروسة ، فمثل هذا النهج يؤدي إلى انخفاض أداء الموظف العام لشعوره بالإحباط واليأس ،فلا أقل من ابقاءه في درجته ذاته مدة محددة.
رابعاً ـ قطع الراتب:
يقصد به حسم القسط اليومي من راتب الموف لمدة محددة بالقانون ، وقد نص عليه المشرع العراقي :»قطع الراتب : ويكون بحسم القسط اليومي من راتب الموظف لمدة لا تتجاوز العشر أيام بأمر تحريري تذكر فيه المخالفة التي ارتكبها الموظف واستوجبت فرض العقوبة ، ويترتب عليها تأخير الترفيع أو الزيادة وفقاً لما يأتي :
خمسة أشهر في حال قطع الراتب لمدة لا تتجاوز الخمسة أيام
شهر واحد عن كل يوم من أيام قطع الراتب في حال تجاوز مدة العقوبة الخمسة أيام».[34]
أما فيما يتعلق بالجرائم الجزائية التي يرتكبها الموظف العام فتجدر الإشارة إلى أنها تؤثر على الحقوق المالية للموظف العام شأنها شأن العقوبات الإدارية ، لا بل أنها قد تصل للحد الذي يحرم معه الموظف العام من كافة الحقوق المالية المترتبة له ، على أنه لا بد من البيان أنه في حال ارتكب الموظف جرماً جزائياً و أوقف من جراءه جزائياً ، فيتوجب على صاحب الاختصاص في دائرته سحب يده من العمل فوراً طيلة مدة موقوفيته[35] ، أما عن تأثير سحب اليد على الحقوق المالية للموظف العام ، فأنه لا يتقاضى إلا أنصاف رواتبه خلال فترة سحب اليد[36] ، على أن الموظف لا يتقاضى أنصاف رواتبه إلا في حال ظهور براءته ، أو وفاته قبل صدور حكم قطعي بحقه حيث تؤول لورثته مع حقوقه التقاعدية ، وفي حال معاقبة الموظف مسحوب اليد بعقوبة أنقاص الراتب أو تنزيل الدرجة ، فأنه لا يتقاضى انصاف الرواتب إلا بعد تطبيق هاتين العقوبتين ، بمعنى أن معيار الراتب الذي يعتمد اساساً لتطبيق عقوبة انقاص الراتب أو تنزيل الدرجة هو النصف المتبقي من راتبه الذي قرر المشرح أحقيته له أثناء فترة سحب اليد.[37]
على أنه تجدر الإشارة إلى أنه في حال تم الحكم على الموظف بالسجن فيمكن لصاحب الاختصاص في أدارته أن يصدر بحقه عقوبة الفصل المؤقت طيلة مدة بقاءه في السجن ، وفي هذه الحالة تنقطع صلته بالوظيفة العام ويحرم خلال مدة الفصل من كافة الحقوق والمزايا المالية الناجمة عن الوظيفة العامة ، ولا تسترد منه انصاف رواتبه المقبوضة خلال فترة سحب اليد.[38]
على انه في حال كان الجرم المرتكب من الموظف العام خطيراً أو مخلاً بالشرف فأنه يطرد نهائياً من الوظيفة العامة ، ويحرم من التوظيف في أي دائرة من دوائر الدولة مستقبلاً ، وعلى الرغم من عدم بيان المشرع العراقي لأثر عقوبة العزل أو الطرد على الحقوق المالية للموظف العام إلا أنه يفهم أنه يحرم من كافة حقوقه التقاعدية ، بحيث لا يستحق راتب تقاعدي ، وفي حال وفاته لا يستحق ورثته أي شيء ، اللهم إلا في الحالات التي يتوفى بها الموظف العام قبل صدر الحكم النهائي بحقه.[39]
الخاتمة
تعد الحقوق المالية للموظف العام مقابلاً للالتزامات التي تقع على كاهله من جراء شغله للوظيفة العامة ، وأن هذه الحقوق لا تخضع للمساومة ، فلا تختلف بالنسبة لأصحاب الوظائف المتماثلة وإنما تكون واحدة ، ويستقل المشرع بوضع هذه الحقوق وتحديدها بشكل مسبق ضمن قواعد عامة يخضع لها الموظف دون مناقشة أو جدل ، كما أنه تخضع لها الإدارة أيضاً بذات السوية ولا يكون لها حرية التصرف بهذه الحقوق إلا وفق الرؤية التي وضعها المشرع .
ويعود ذلك بالنسبة للموظف أنه في مركز تنظيمي مع الإدارة العامة وليس في مركز تعاقدي يسمح له بالمساومة أو المفاوضة ، أما بالنسبة للإدارة فيعود خضوعها لهذه القواعد على أساس جانبين أثنين ، أما الأول فيتمثل في وجوب التزام الإدارة بمبدأ المشروعية الإدارية القاضي بخضوع الحكام والمحكومين للقانون ، أما الجانب الثاني فيتمثل برغبة المشرح بإحاطة الموظف بمجموعة من الضمانات فيما يتعلق بحقوقه المالية عن طريق تحديدها بشكل واضح ، وتحديد إجراءات المساس بها من قبل الإدارة ، وذلك حمايةً للموظف من جهة ولأفراد أسرته الذين يعولهم من جهة أخرى.
وعليه فقد توصلنا من خلال هذا البحث لمجموعة من النتائج والتوصيات يبينها على الشكل الاتي :
النتائج
أن القوانين التي تحكم نظام الموظفين العامين في العراق بما فيها النظام المالي لهم متعددة بين عدة قوانين منها القديم ومنهم الحديث.
إن العلاوة السنوية وفق القانون الحديث الخاص برواتب الموظفين باتت حتمية بحيث يستحقها الموظف ذو الكفاءة العالية على التساوي مع الموظف ذو الكفاءة المنخفضة.
نظام المخصصات محدد في التشريع العراقي على سبيل الحصر وهو نظام واضح وصريح ، ويمثل دعم للحقوق المالية للموظف العام ومن يعولهم ، وقد وضع وفق نظام عادل.
أن الحقوق المالية للموظف العام محمية بموجب نظام ضمانات خاص بها من الناحية التشريعية يحرم المساس بها من قبل الإدارة ، فضلاً عن الحماية التشريعية التي أتاحها مجلس الدولة العراقي عن طريق رفع الدعوى إليه.
لاشك أن المخالفات والجرائم التي يرتكبها الموظف العام تؤثر على حقوقه المالية ، على أن هذا التأثير قاصر على نسب واضحة محددة من الناحية التشريعية صراحةً .
التوصيات
نوصي المشرع العراقي بوضع نظام قانوني موحد للموظفين في الدولة يجمع بين القوانين الجديدة والقديمة بعد أن تتم دراستها الدراسة الوافية واستبعاد النص غير الصالح للتطبيق ، بحيث يحوي هذا النظام فصل خاص بالحقوق المالية للموظف العام .
نوصي المشرع العراقي أن يجعل العلاوة السنوية على أساس الكفاءة والجدارة وليس على أساس القدم الوظيفي أسوةً بالترقية الأمر الذي ينعكس على حسن أداء الموظف العام.
نوصي المشرع العراقي باستبدال عقوبة انقاص الدرجة بعقوبة حجب الترفيع ، بحيث لا يعاد الموظف إلى الدرجة الأدنى بل يؤخر ترفيعه مدة محددة لأن عقوبة انقاص الدرجة تؤدي إلى احباط الموظف العام وشعوره باليأس الأمر الذي ينعكس على أداءه الوظيفي فضلاً عن غلو الأثار المالية المترتبة عليها.
نوصي المشرع العراقي ببيان الحالات التي يستحق فيها الموظف العام الراتب التقاعدي في حال عزله من الخدمة ، أو بيان الأثر المالي لعقوبتي الفصل والعزل على حقوق الموظف العام المالية صراحةً.
نوصي المشرع العراقي بأن يمنح الموظف العام المحال للمحاكم الجزائية راتبه كاملاً في حال ظهرت براءته ، وبقاء أحكام أنصاف الرواتب لنواحي الأخرى، وعلى الخصوص في ظل الشكاوي الكيدية والتعسفية التي يمكن أن تطال الموظف العام دون وجه حق ، واعتبار ذلك تعويضاً للموظف البريء.
المراجع
أولاً ـ الكتب القانونية:
أنس قاسم جعفر ، نظم الترقية في الوظيفة العامة وأثرها في فعالية الإدارة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1973
سليمان محمد الطماوي ، الوجيز في القضاء الإداري ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973
شاب توما منصور ، القانون الإداري ، ط2 ، مطبعة سليمان الأعظمي ، بغداد ، 1976
صدام حسين ياسين العبيدي ، استغلال الموظف العام لمنصبه الوظيفي وعلاجه في الشريعة الإسلامية والقانون ، دار الأمام للطباعة ، طرابلس ، لبنان ، دون تاريخ نشر
عبدالله طلبة ، مبادئ القانون الإداري ، ط4 ، الجزء الثاني ، منشورات جامعة دمشق ، سوريا ، 2000
عثمان سلمان غيلان العبودي ، واجب الموظف العام بالحيادية السياسية وتطبيقاته في شؤون الوظيفة العامة ، ط1 ، دار الكتب والوثائق ، بغداد ، 2011
ماجد راغب الحلو ، القانون الإداري ، دار الجامعة الجديدة ، مصر 2004
يحيى قاسم علي ، ضمانات تأديب الموظف العام في تشريعات اليمن العراق مصر فرنسا ، مركز عبادي للدراسات والنشر ، اليمن ، 1999
ثانياً ـ الرسائل العلمية:
علي جمعة محارب ، التأديب الإداري في الوظيفة العامة ، رسالة دكتوراه ، جامعة عين شمس ، مصر ، دون تاريخ نشر
ثالثاً ـ الأبحاث القانونية:
ثائر حسين علي ، الوظيفة العامة واجبات وحقوق ، مجلة القرار للبحوث العلمية المحكمة ، العدد 9 ، المجلد 3 ، السنة الأولى ، لبنان ، 2024
مهند نوح ، الحقوق المالية للموظف العام ، بحث منشور على موقع الموسوعة العربية https://arab-ency.com.sy
رابعاً ـ القوانين
قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لعام 1960
قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
قانون رواتب موظفي الدولة رقم 22 لعام 2008
قانون مجلس الدولة رقم 65 لعام 1979 المعدل بالقانون 17 لعام 2013
[1] صدام حسين ياسين العبيدي ، استغلال الموظف العام لمنصبه الوظيفي وعلاجه في الشريعة الإسلامية والقانون ، دار الأمام للطباعة ، طرابلس ، لبنان ، دون تاريخ نشر ، ص 44
[2] يحيى قاسم علي ، ضمانات تأديب الموظف العام في تشريعات اليمن العراق مصر فرنسا ، مركز عبادي للدراسات والنشر ، اليمن ، 1999 ، ص 23
[3] علي جمعة محارب ، التأديب الإداري في الوظيفة العامة ، رسالة دكتوراه ، جامعة عين شمس ، مصر ، دون تاريخ نشر ، ص 83
[4] شاب توما منصور ، القانون الإداري ، ط2 ، مطبعة سليمان الأعظمي ، بغداد ، 1976 ، ص 266
[5] راجع المادة الأولى من قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لعام 1960
[6] راجع المادة الأولى من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
[7] عثمان سلمان غيلان العبودي ، واجب الموظف العام بالحيادية السياسية وتطبيقاته في شؤون الوظيفة العامة ، ط1 ، دار الكتب والوثائق ، بغداد ، 2011 ، ص 26
[8] ماجد راغب الحلو ، القانون الإداري ، دار الجامعة الجديدة ، مصر 2004 ، ص 216
[9] مهند نوح ، الحقوق المالية للموظف العام ، بحث منشور على موقع الموسوعة العربية https://arab-ency.com.sy
[10] المرجع السابق ذاته
[11] راجع قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لعام 1960
[12] مهند نوح ، الحقوق المالية للموظف العام ، مرجع سابق .
[13] ثائر حسين علي ، الوظيفة العامة واجبات وحقوق ، مجلة القرار للبحوث العلمية المحكمة ، العدد 9 ، المجلد 3 ، السنة الأولى ، لبنان ، 2024 ، ص 1094
[14] للاستزادة راجع قانون رواتب موظفي الدولة رقم 22 لعام 2008
[15] ثائر حسين علي ، الوظيفة العامة واجبات وحقوق ، مرجع سابق ، ص 1095
[16] مهند نوح ، الحقوق المالية للموظف العام ، مرجع سابق
[17] ثائر حسين البنان ، مرجع سابق ، ص 1095
[18] سليمان محمد الطماوي ، الوجيز في القضاء الإداري ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 ، ص 503
[19] أنس قاسم جعفر ، نظم الترقية في الوظيفة العامة وأثرها في فعالية الإدارة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1973 ، ص 21
[20] المادة السادسة من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لعام 2008
[21] المادة السابعة من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لعام 2008
[22] عبدالله طلبة ، مبادئ القانون الإداري ، ط4 ، الجزء الثاني ، منشورات جامعة دمشق ، سوريا ، 2000 ، ص 85
[23] عبدالله طلبة ، مبادئ القانون الإداري ، مرجع سابق ، ص 88
[24] عبدالله طلبة ، مبادئ القانون الإداري ، مرجع سابق ، ص 89
[25] راجع المادة 60 من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لعام 1960
[26] راجع قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لعام 1991
[27] راجع قانون مجلس الدولة العراقي رقم 65 لعام 1979 المعدل.
[28] عبدالله طلبة ، مبادئ القانون الإداري ، مرجع سابق ، ص 105
[29] عبدالله طلبة ، مبادئ القانون الإداري ، مرجع سابق ، ص 105
[30] راجع المادة الثامنة الفقرة الخامسة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
[31] راجع المادة الثامنة من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لعام 1991
[32] راجع الفقرة الأولى من المادة التاسعة من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لعام 1991
[33] راجع المادة الثامنة الفقرة السادسة من قانون انضباط موظف الدولة رقم 14 لعام 1991
[34] راجع المادة الثامنة الفقرة السادسة من قانون انضباط موظف الدولة رقم 14 لعام 1991
[35] راجع المادة السادة عشر من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
[36] راجع المادة الثامنة عشر من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
[37] راجع المادة التاسعة عشر من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
[38] راجع الفقرة السابعة من المادة الثامنة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991
[39] راجع الفقرة الثامنة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991