حقوق الطباعة محفوظة لدى مجلة كلية القانون والعلوم السياسية في الجامعة العراقية

حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف

حقوق النشر محفوظة للناشر (كلية القانون والعلوم السياسية - الجامعة العراقية)

CC BY-NC-ND 4.0 DEED

Printing rights are reserved to the Journal of the College of Law and Political Science at Aliraqia University

Intellectual property rights are reserved to the author

Copyright reserved to the publisher (College of Law and Political Science - Aliraqia University)

Attribution – Non-Commercial – No Derives 4.0 International

For more information, please review the rights and license

DOI: 10.61279/da4b9185

The Price of Trumps Power Politics

Why China and Russia Stand to Win in a Might-Makes-Right World

هذا ثمن سياسة القوة التي ينتهجها ترامب

Ivo H. Daalder and James M. Lindsay

January 30, 2025

https://www.foreignaffairs.com/united-states/price-trumps-power-politics

ترجمة: أ.د عبدالأمير عبدالحسن إبراهيم

كلية السلام الجامعة

Prof. Dr. Abdulameer Abdulhassan Ibrahim

  لقد ولى عصر السلام الأمريكي الذي وُلد معه النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة مع الهجوم الياباني على بيرل هاربر في السابع من ديسمبر/كانون الأول عام 1941.

إن النظام الدولي الذي نشأ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قد انتهى مع تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في إدارته الثانية الذي لطالما أكد على أن هذا النظام يضر بالولايات المتحدة من خلال تحميلها عبء مراقبة العالم وتمكين حلفائها من التلاعب به، وهو استنتاج يأتي متوافقاً مع تصريح وزير الخارجية ماركو روبيو في جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ، أن “النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية يعد نظام عفا عليه الزمن فحسب، بل إنه أصبح الآن سلاح يستخدم ضدنا.”

إن تشكيك الرئيس ترامب وعدم يقينه في دعم الولايات المتحدة أوكرانيا وتايوان، وحرصه على فرض الرسوم الجمركية، وتهديداته باستعادة قناة بنما وضم كندا والاستحواذ على غرينلاند كلها نوايا توضح أنه يريد العودة إلى سياسات القوة ومجالات الاهتمام التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر حتى لو لم يرد في صياغة سياسته الخارجية تلك المصطلحات.

في تلك الحقبة، سعت القوى العظمى اليوم إلى تقسيم العالم إلى مناطق تهيمن عليها كل منها، بغض النظر عن رغبات أولئك الذين يعيشون هناك ــ وهي رؤية للعالم يرددها ترامب بوضوح.

كما وإن الرئيس ترامب لا يرى أن للولايات المتحدة مصالح مهمة كثيرة خارج نصف الكرة الغربي، ويرى في التحالفات استنزافا للخزانة الأميركية، وأن عليها أن تهيمن على دول الجوار، وهي نظرة للعالم تستند - إلى قول مؤرخ الحرب البيلوبونيزية الإغريقي ثوسيديدس أن «الأقوياء يفعلون ما يشاؤون، والضعفاء يقاسون بقدر ما يفرض عليهم من معاناة”.

ورغم أن عصر السلام الأميركي قد أنتج إنجازات غير عادية ــ ردع الشيوعية، والازدهار العالمي غير المسبوق، والسلام النسبي ــ فإنه زرع أيضا بذور تدميره قبل وقت طويل من وصول الرئيس ترامب إلى سدة الرئاسة. لقد أدت الغطرسة الأمريكية إلى حروب مكلفة ومهينة في أفغانستان والعراق، كما حطمت الأزمة المالية في الفترة 2008-2009 الثقة في كفاءة الإدارة الأمريكية ووصفاتها السياسية، فإنه بوسع المرء أن يفهم السبب وراء شعور بعض الأميركيين بأن بلادهم سوف تكون أفضل حالاً في عالم مختلف تصنع فيه القوة الحق. ويبدو أن للولايات المتحدة يدا طولى في مثل هذا النظام، لأنها تملك أكبر اقتصاد في العالم، وجيشها الأكفأ كما يمكن القول إنها تحتل أقوى وضع جغرافي.

إن رؤية الرئيس ترامب للسياسة الخارجية ــ المتمثلة في توسيع نفوذ الولايات المتحدة في جوارها المباشر مع التراجع عن القيادة العالمية ــ تستمد من الدوافع الأمريكية القديمة.

ففي عام 1823، أعلن الرئيس جيمس مونرو أن نصف الكرة الغربي محظور على الاستعمار الأوروبي بوصفه مجال اهتمام الولايات المتحدة. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان الرؤساء يستخدمون إعلان مونرو لتبرير التوسع الإقليمي للولايات المتحدة، وفي عام 1977، وافقت الولايات المتحدة التخلي عن السيطرة على قناة بنما فقط في مواجهة تصاعد العداء في أميركا اللاتينية.

وفي الواقع، فإن رغبة الرئيس ترامب في ضم كندا وجرينلاند لها جذور في تاريخ الولايات المتحدة، إذ كان الجيل الأمريكي المؤسس يحلم في الاستحواذ على كندا؛ ففي بداية حرب عام 1812، التي دارت رحاها بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أعلن الرئيس الأسبق توماس جيفرسون أن «الاستحواذ على كندا هذا العام . . . ستكون مجرد مسألة مسيرة».

وقد استمرت هذه الرغبة في دعوات «54-40 أو القتال» في أربعينيات القرن التاسع عشر، في إشارة إلى خط عرض الحدود الجنوبية لما كان آنذاك إقليم ألاسكا المملوك لروسيا، وإلى المناشدة بالاستيلاء على مساحة كبيرة من شمال غرب كندا المطل على المحيط الهادئ. لقد وضع الرئيس جيمس بولك هذا الطموح جانباً في عام 1846 لصالح الحدود الحالية بين الولايات المتحدة وكندا فقط لأنه كان متردداً في مواجهة المملكة المتحدة الأكثر قوة على منطقة بعيدة وغير مأهولة إلى حد كبير عندما كانت الحرب مع المكسيك تلوح في الأفق. فكر الرئيس أندرو جونسون في شراء جرينلاند من الدنمارك عندما اشترت الولايات المتحدة ألاسكا من روسيا في عام 1867، وعرض الرئيس هاري ترومان، مستشهداً بالقيمة الاستراتيجية للجزيرة، الشراء سراً مرة أخرى في عام 1946.

لقد دعم خطاب تنصيب ترامب الذي دعا فيه إلى سياسة خارجية «توسع أراضينا» هدفه المتمثل في زيادة نفوذ الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي الذي كان له بعض المنطق الاستراتيجي، فقناة بنما تعد طريقًا بحريًا حيويًا للتجارة الأمريكية. ما يقرب من 40% من إجمالي حركة الحاويات الأمريكية تمر عبر الممر المائي، وما يقرب من ثلاثة أرباع جميع الحاويات التي تبحر عبر القناة تنطلق من الولايات المتحدة أو متجهة إليها، ما يعني يتعرض أمن الولايات المتحدة للخطر إذا سيطرت قوة عظمى أخرى على القناة.

وفي الوقت ذاته تزايدت أهمية جرينلاند الاستراتيجية جنبا إلى جنب مع تغير المناخ ــ وهي الظاهرة التي يصر الرئيس ترامب على نحو ساخر على أنها لا تحدث، إذ سيؤدي ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي قريبًا إلى إنشاء ممر مائي شمالي جديد، مما يوجد نقاط ضعف عسكرية إضافية إلى شمال أمريكا الشمالية، فضلا عن احتفاظ جرينلاند أيضًا باحتياطيات كبيرة من المعادن المهمة التي تحتاجها الولايات المتحدة لتقنيات الطاقة النظيفة، فضلاً عن ذلك، فإن جعل كندا الولاية الحادية والخمسين من شأنه أن يزيل الحواجز التجارية بين البلدين، مما يقلل من الناحية النظرية من عدم الكفاءة الاقتصادية ويحتمل أن يؤدي إلى إثراء الناس على جانبي الحدود.

ومع ذلك، فقد حققت الولايات المتحدة بالفعل العديد من هذه الأهداف الاستراتيجية دون اللجوء إلى التهديدات، إذ نجح رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو في حملته الانتخابية على أساس وعود ببناء علاقات أوثق مع الولايات المتحدة. وبوصفها منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الدنمارك، فإن جرينلاند مشمولة بالمادة 5 من حلف شمال الأطلسي، مما يعني أنها تقع تحت المظلة الأمنية للمنظمة، إذ تستضيف الجزيرة المنشأة العسكرية الأمريكية الواقعة في أقصى الشمال، وهي قاعدة بيتوفيك الفضائية، المعروفة سابقًا باسم قاعدة ثول الجوية.

لقد أثبت سكان جرينلاند حرصهم على جذب الاستثمارات الأمريكية بدلاً من الاستثمارات الصينية في اقتصادهم. وقد شجعت الاتفاقية الأميركية المكسيكية الكندية، التي تفاوض عليها الرئيس ترامب خلال فترة ولايته الأولى، على التكامل الاقتصادي بين الولايات المتحدة وكندا، وتوفر مراجعة الاتفاقية عام 2026 فرصة لتعميق هذا التعاون.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الأدوات الدبلوماسية ــ تشكيل التحالفات وإنشاء اتفاقيات أمنية وتجارية جماعية ــ هي السمات المميزة للنظام العالمي الذي تخلى عنه الرئيس ترامب الآن.

ومن الواضح أن النهج الذي يسعى الرئيس ترامب إلى محاكاته، بدلا من تحالفات الولايات المتحدة الاستراتيجية، ما أقدم عليه من وصف الرئيس الروسي بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ على أنهما أقرانه، على عكس نعوته وانتقاداته التي يطلقها على قادة الحلفاء مثل شيجيرو إيشيبا في اليابان، أو إيمانويل ماكرون في فرنسا، أو كير ستارمر في المملكة المتحدة.

وفيما انتقد الرئيس ترامب بانتظام الحلفاء على أساس قيامهم باستغلال السخاء الأميركي، فإنه أشاد بالرئيس بوتين ووصفه بأنه «ذكي» و»قوي» و»عبقري» لغزو أوكرانيا، والرئيس شي جين بينغ كونه «بارعا بشكل استثنائي» في السيطرة على المواطنين الصينيين «بقبضة حديدية».

وفي مديحه لهؤلاء المستبدين، يكشف الرئيس ترامب عن إعجابه الشديد بالقادة الذين يمارسون السلطة دون قيود - حتى أولئك الذين يعادون بشدة مصالح الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، فإن الرئيس ترامب يبدي ارتياحاً للتنازل عن مناطق النفوذ للصين وروسيا إذا ردتا الجميل، فقد ألقى باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وليس الرئيس بوتين، في الحرب في أوكرانيا، وهو يفضل حل الحرب الأوكرانية من خلال اتفاق يتنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا ويمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

وعندما سُئل في عام 2021 عما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة الدفاع عن تايوان عسكريًا، أجاب الرئيس ترامب أنه إذا غزت الصين الجزيرة، «فلا يوجد شيء يمكننا القيام به حيال ذلك». وهو يشعر ت بالارتياح إزاء خفض مستوى تحالفات ما بعد الحرب التي تمتد إلى مجالات المصالح الروسية والصينية المفترضة. وعلى سبيل المثال، فقد شكك مرارا وتكرارا في قيمة حلف شمال الأطلسي (الذي يلقي باللوم على توسعه شرق أوربا في إثارة الغزو الروسي لأوكرانيا) وهدد بسحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، وينظر إلى مثل هذه التحالفات باعتبارها استثمارات سيئة تُثقل كاهل الولايات المتحدة بتكاليف حماية هذه البلدان.

ومثله كمثل الرئيسان بوتين وشي جين بينغ، يعتقد الرئيس ترامب أيضا أن القوة الاقتصادية يجب أن تستخدم كوسيلة لانتزاع التنازلات من الدول. وكما استخدم بوتين النفط والغاز الروسي لتخويف أوروبا، وتلاعب الرئيس شي جين بصادرات الصين ووارداتها لإجبار دول مثل أستراليا واليابان، يفضل الرئيس ترامب استخدام التعريفات لإجبار الشركات المحلية والأجنبية على نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة.

ويرى الرئيس ترامب أيضًا أن التعريفات الجمركية هي أدوات لإجبار رؤوس الأموال الأجنبية على الخضوع لإرادته، إذ تواجه المكسيك، على سبيل المثال، الآن احتمال فرض تعريفات جمركية أعلى إذا فشلت في تلبية مطالب الرئيس ترامب بوقف تدفق المهاجرين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وهدد باستخدام «القوة الاقتصادية» لضم كندا، وحذر الدنمارك من أنها ستواجه تعريفات جمركية أعلى إذا رفضت بيع جرينلاند. وفي هذا الأسبوع فقط، هدد بفرض رسوم جمركية على كولومبيا بسبب رفضها قبول الرحلات الجوية العسكرية التي تقوم بترحيل مواطنيها من الولايات المتحدة. واعتقد مؤسسو النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب أن التعريفات المرتفعة لن تؤدي إلا إلى تأجيج القومية الاقتصادية المدمرة والصراع. وتمثل تهديدات الرئيس ترامب بزوغ فجر نظام قسري أكثر صراحة، إذ يحل الترهيب الاقتصادي محل التجارة الحرة والتعاون الدولي كأداة للقوة.

وقد يحقق نهج الرئيس ترامب بعض النجاحات. وربما تتفق كندا والمكسيك على بذل المزيد من الجهد، على الأقل رمزيا، لتأمين حدودهما، وقيام زعماء حلفاء الولايات المتحدة بزيارة واشنطن – أو مارالاغو – للإعلان عن رغبتهم في العمل مع الرئيس ترامب.

إن عودة الولايات المتحدة إلى سياسات القوة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر لن تسفر على الأرجح عن الثراء الذي وعد به الرئيس ترامب ، فقد منحت شبكة تحالفات واشنطن الولايات المتحدة نفوذاً استثنائياً في أوروبا وآسيا، مما فرض قيوداً على موسكو وبكين على نطاق لا تستطيع أي من القوتين إنكاره، وأن التنازل عن هذه الميزة سيأتي بتكلفة كبيرة على الولايات المتحدة، ولن يقتصر الأمر على أن حلفاء الولايات المتحدة السابقين عدم اتباعهم خطى الولايات المتحدة، ولكن يمكن للعديد منهم أيضًا أن يبحثوا عن الأمان من خلال التحالف بشكل أوثق مع روسيا والصين بدلاً من ذلك.

وقد تواجه الولايات المتحدة انتكاسات مماثلة على الجبهة التجارية، فإن المنتجين الأمريكيين يواجهون بالفعل صعوبات تنافسية متزايدة في التصدير إلى الأعضاء الـ 12 في الاتفاقية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي الاتفاقية التي تم الانسحاب منها في أعقاب قرار اتخذه الرئيس ترامب عام 2017.

وإذا ظل باب انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ مفتوحا، فقد يغلق قريبا، لكنه يمكن أن يكون مفتوحة أمام الصين، مما قد يمنح بكين رأيا في المعايير والقواعد التي تحكم قطاعا واسعا من الاقتصاد العالمي.

وفي خلال فترة ولاية ترامب الأولى، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارية كبرى مع كندا واليابان التي أبرمت للتو اتفاقيات جديدة ومحدثة مع المكسيك ودول في أمريكا الجنوبية، وتقوم الآن بوضع اللمسات الأخيرة على صفقات مع أستراليا وإندونيسيا.

إن استعداد إدارة الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية على الدول التي تتحداه لن يؤدي إلا إلى تشجيع القادة الأجانب على البحث في أماكن أخرى عن فرص تجارية وإبعاد المنتجين الأمريكيين عن الأسواق العالمية.

ومن الممكن أن تفشل الولايات المتحدة أيضاً في ممارسة سياسة القوة المجردة، وذلك ببساطة لأن الصين وروسيا ربما تكونان أفضل في استخدامها، إذ لا تتردد بكين وموسكو في تأجيج استياء العالم من الولايات المتحدة، مؤكدتين على نفاق الولايات المتحدة المزعوم بإعطاء الأولوية لأوكرانيا مع احتدام الصراعات في أماكن أخرى، وتجاهلها للخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في حرب إسرائيل على غزة، إذ من المرجح أن تكثف هذه الجهود ، مع تحول إدارة الرئيس ترامب إلى التهديدات للضغط على الأصدقاء والجيران؛ مما سيفقد الولايات المتحدة بعض القدرة على جذب الدعم.

إن الصين في وضع جيد بشكل خاص لمنافسة النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، فهي حريصة على القيام بأعمال تجارية في جميع أنحاء العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق للبنية التحتية؛ بشروط استثمارية فورية ميسرة، والتحدث بلغة النتائج المربحة للجانبين. كما وأن الشركات الصينية في كثير من الأحيان تقدم منتجات تنافسية بأسعار أفضل من الشركات الأمريكية. ومن غير المستغرب أن تصبح الصين بالفعل الشريك التجاري الأول للعديد من البلدان في الجنوب العالمي. ومع انسحاب واشنطن من المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، تتحرك بكين بسرعة لملء الفراغ.

وتمارس كل من الصين وروسيا سيطرة شبه كاملة على سكانهما، باستخدام الخوف والمراقبة والقمع لإبقاء المواطنين تحت السيطرة. ونتيجة لهذا فإن كلاً من البلدين قادر على تبني سياسات تلحق قدراً عظيماً من الألم بشعبيهما: على سبيل المثال، نفذ الرئيس بوتن «عمليته العسكرية الخاصة» في أوكرانيا على الرغم من تكبده خسائر تجاوزت ثلاثة أرباع المليون وفقاً للتقارير، ومهما حاول الرئيس ترامب جاهدا، فإنه لا يستطيع أن يمارس مثل هذه السلطة على الشعب الأمريكي.

والواقع أن أي جهود تبذل للقيام بذلك سوف تؤدي إلى ردود فعل عكسية. كما أن المجتمع الأمريكي معرض أيضًا لحملات النفوذ الأجنبي من خلال قنوات التواصل الاجتماعي وغيرها من القنوات الإعلامية بطرق لا تتعرض لها المجتمعات الصينية والروسية الأكثر سيطرة، إذا واجهت سياسات الرئيس ترامب مقاومة داخلية واسعة النطاق، فقد يتعلم ما علمته حرب فيتنام للرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون بأن المعارضة الداخلية القوية تضعف مصداقية تهديدات الرئيس وتعطي المنافسين سببا للاعتقاد بأنهم قادرون على الصمود بعد واشنطن.

إن اقتناع الرئيس بوتن والرئيس شي جين المشترك بأنهما يقودان الآن التغيير على نطاق عالمي قد يولد لديهما الغطرسة ويدفعهما إلى ارتكاب الأخطاء. على سبيل المثال، عززت دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية وقرار روسيا بغزو أوكرانيا، جهود الرئيس السابق بايدن لإعادة بناء التحالفات الأمريكية.

إن ما يفعله حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون والأوروبيون مهم أيضاً، إذ سوف يميل قادة هذه الدول إلى محاولة إرضاء الرئيس ترامب، سواء من خلال إغداق الثناء عليه، أو تكريمه بزيارات رسمية، أو تقديم تنازلات استباقية مثل شراء المزيد من السلع الأمريكية الصنع التي سيرى فيها الرئيس ترامب انتصارات وإثباتًا لنهج القوة التي تحمي المصالح. لكنه لن يرتدي عباءة الولايات المتحدة القديمة للقيادة العالمية.

ولإظهار حلفاء الولايات المتحدة قوتهم، وما إذا كان لديهم القدرة على القيام بذلك، فإنه يتعين عليهم أن يدركوا أن عصر السلام الأميركي قد انتهى، وأن عصر سياسات القوة قد عاد، وأن الشيء الوحيد الذي يفهمه الرئيس ترامب هو القوة، وإذا عمل حلفاء الولايات المتحدة معًا، فيمكنهم مواجهته بالكثير من قوتهم، وإذا نجحوا في تعبئة مواردهم بشكل جماعي، فقد يتمكنون أيضًا من إضعاف بعض أسوأ دوافع الرئيس ترامب في السياسة الخارجية. وهذا بدوره قد يخلق الفرصة في المستقبل لصياغة نظام عالمي جديد يضاهي سجل السلام الأميركي في السلام والازدهار. ولكن إذا فشلوا، فإن عصراً أكثر قتامة من سياسات القوة غير الخاضعة للرقابة ينتظرنا ــ عصر أقل ازدهاراً وأكثر خطورة على الجميع.